الحرية لرزان زيتونة، الحرية لمخطوفي دوماصفحات مميزةعلي العبدالله

عام على جريمة الاختطاف/ علي العبدالله

 

مر عام على اختطاف اعضاء “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” المكون من الناشطين رزان زيتونة، سميرة خليل، وائل حماده، وناظم حمادي في مدينة دوما، الذين اختطفوا دون ان تُعلن الجهة التي خطفتهم عن مسؤوليتها او الوجهة التي نقلتهم اليها.

وقد قادت التحريات التقنية التي قام بها شباب “لجان التنسيق المحلية” من خلال تتبع استخدام أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمركز وموبايلات اعضاء المركز من قبل الخاطفين الى “جيش الإسلام” الذي يقوده زهران علوش، وتأكد ذلك باعتراف الشخص الذي وضع رسالة التهديد، والذي القي القبض عليه مؤخرا، بانه وضع الرسالة بتكليف من “جيش الاسلام”.

لماذا يخطف جيش الاسلام ناشطين مدنيين مهمتهم رصد انتهاكات حقوق الانسان في سوريا؟.

واقع الحال ان حركات الاسلام السياسي بعامة والسلفية الجهادية بخاصة تتصرف من منطلق “الحق الالهي” فلأنها تحمل راية الاسلام وتتبنى الدعوة الى تنفيذ شرعه، تتقمص دور الناطق الرسمي باسم الله ومديرة اعماله على الارض وصاحبة سلطانه والمكلفة بتنفيذ اوامره ونواهيه في الناس، برضاهم او رغما عنهم، ومالكة حق محاسبتهم على قناعاتهم وسلوكهم. هذا المنطق جعلها لا ترى ان للآخر حقا في تبني راي آخر او حتى قراءة أخرى للنص الديني المؤسس، قال زهران علوش لدى سؤاله في مقابلة على قناة الجزيرة عن موقف السوريين من تبني الجبهة الاسلامية، التي شارك في تأسيسها مع ألوية سلفية أخرى، إقامة دولة اسلامية:” انه لا يعرف احدا في سوريا يرفض قيام دولة اسلامية”، وترى، الحركات، في المُخالف في الدين كما في السياسة مرتدا وخارج الدين ويحق لها اقامة الحد عليه.

في ضوء هذا المنطق وجد “جيش الاسلام” في اعضاء مركز توثيق الانتهاكات في سوريا حالة شاذة وتتعارض مع خياره الفكري والسياسي وظاهرة مقلقة لأنها ستشجع آخرين في مدينة دوما على تبني افكار ومواقف سياسية لا تتسق مع عقيدته وخياراته السياسية فتضرب هيمنته على المدينة وانفراده في القرار فيها، فتحرك ضدها قبل ان تكبر وتنتقل عدواها الى الآخرين، وارسل من ينذر ويتوعد اعضاء المركز ويمنحهم فرصة ثلاثة ايام لمغادرة المدينة والا تعرضوا للقتل.

ولما لم ينصع اعضاء المركز للتهديد والوعيد قام “جيش الاسلام” بـ”تحرير” مدينة دوما من “رجسهم” باختطافهم ونقلهم تحت تهديد السلاح الى جهة مجهولة. ولما تحرك شباب “لجان التنسيق المحلية” للكشف عن مصيرهم والعمل على اطلاق سراحهم وحرّكوا وساطة من قوى المعارضة السورية والدول الداعمة لزهران علوش لجأ الى حيلة مبتذلة بفبركة بيان تحت اسم مضحك “حركة العسل الاسود” ادعى اصحابه المسؤولية عن الاختطاف بذريعة “قيام اعضاء المركز بالتبشير بالمسيحية في دوما” علما ان ليس بين الاعضاء الاربعة من يدين بالمسيحية.

من الطبيعي ان يقلق زهران علوش من ظاهرة مثل ظاهرة “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” فهي النقيض الفكري والسياسي له، فالمركز جزء من حالة شبابية اطلقت “لجان التنسيق المحلية”، التي لعبت دورا رائدا في الثورة السورية عبر تنظيم التظاهرات السلمية وتنسيق العمل الشبابي في مواجهة قمع النظام وتقديم اغاثة للمواطنين المتضررين واقامة شبكة مشافي ميدانية لمعالجة الجرحى. وقد اُسس المركز لتوثيق الانتهاكات في اطار توزيع العمل داخل اللجان ومشروعها المدني الديمقراطي وهدفها خدمة الثورة ودفع التحرك نحو تحقيق الحرية والكرامة التي خرج المواطنون من اجلها والتأسيس لنظام قائم على سيادة القانون والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين او المذهب او العرق او الجنس. فاللجان تتبني حرية الرأي والتعبير وحق المواطنين في التنظيم في احزاب وجمعيات ومنظمات حقوقية ونقابات حرة ونظام سياسي ديمقراطي قائم على الفصل بين السلطات وانتخابات حرة ونزيهة ودستور على قاعدة المواطنة، ومحاسبة السلطة عن سياساتها وبرامجها الاقتصادي والاجتماعية، وقد بدأت بترويج هذه الافكار في دوما وجوارها، وكلها مبادئ وقيم تتناقض مع عقيدة تقوم على القائد الفرد وسلطاته وصلاحياته غير المحدودة وأساسها الديني المزعوم، وحقه على اتباعه الطاعة والانقياد الاعمى وتقييد حق النقد والاعتراض. فالتباين بين مفاهيم الحرية والمسؤولية التي تتبناها اللجان وحركة دينية تدعي القداسة والحديث باسم الله عز وجل وتقسر الناس على اتباع اوامرها وتبني مواقفها كبير وحاد، وخاصة والحركة الدينية تسور مواقفها بالمحرمات، بما في ذلك فلسفة التسمية ودلالة مفرداتها المقدسة، من خلال استخدام تسمية “جيش الاسلام”، وهي تسمية نافرة في ضوء الواقع الذي يشي بتناقض الشكل والمضمون بسبب عدم التزام هذا الجيش بتعاليم الاسلام وموقفه من غير المحاربين في الحرب، وآية ذلك اختطافه لأعضاء المركز، وخاصة “تنفيذه الحرفي” لحديث الرسول الكريم “والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره الى جنبه جائع وهو يعلم” باستئثاره بالمواد الغذائية والادوية التي تأتي من منظمات الاغاثة الدولية الى مدينة دوما، وتوزيعها على انصاره في محيط من البشر يتضور جوعا، واستثمار حالة الجوع في المدينة واستخدام توزيع الاغاثة لإجبار السكان على الرضوخ لسلطته والقبول بزعامته وتقديم الولاء والطاعة لجيشه “المقدام”، واطلاق رجاله الاشاوس النار على جموع المواطنين الجائعين الذين هاجموا مستودعات مؤسسة “عدالة” الخيرية التابعة له تحت ضغط الحاجة مرتين خلال شهرين آخرها يوم 15/11/2014، والطريف انه كان قد شهّر بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” بعد ان سيطر على مستودع اغذية للتنظيم في بلدة الحجر الاسود لان الاخير يحتكر الاغذية ولا يوزعها على المواطنين المحتاجين.

في مؤتمر صحافي استهجن السيد زهران علوش ان يسأله احد الحضور عن موضوع اختطاف رزان زيتونة فرد مستنكرا لماذا لا تسألون الا عن رزان، لماذا لا تسألون عن نساء المسلمين عند النظام؟. وكأن ليس ثمة اهتمام بجرائم النظام، وان ليس الجزء الرئيس من عمل رزان وفريق المركز هو رصد وتوثيق هذه الجرائم، وكأن فعل النظام يبرر له اختطاف الناس واخفائهم، وكأنه لا يدري ان بين سطور السؤال عن رزان اتهاما لجيشه بالمسؤولية عما حصل لهم، وان السائل يسأله عما فعله بأربعة من صناع الفجر السوري الآتي.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى