صفحات العالم

عام من القتل والخراب… يكفي للنظام والمعارضة معاً!

محمّد شـيّا
إذا بدأنا، أولاً، من أن العالم من حولنا قد تغيّر حقاً ولم يعد في وسع أي نظام إخفاء وجهه الحقيقي، وثانياً، من أن مطالب الحد الأقصى لا تتحقق غالباً، كما عوّدتنا تجارب التاريخ، غدت النتيجة المنطقية الوحيدة هي: الإقدام على التفاوض، قبل فوات الآوان…
ليس الموضوع دعم النظام السياسي السوري الحالي، المستمر قسرياً منذ 40 سنة؛ ولا ضرورة بل حتمية إحداث إصلاحات شاملة فيه. فهذان أمران باتا محسومين في العالم الأوسع، بل داخل سوريا نفسها: فما من إنسان، طبيعي، عاقل، خال من المصلحة، يقف اليوم مع النظام السياسي السوري الحالي دون قيد أو شرط.
كذلك، ما من إنسان يتمنى الخير لسوريا وشعبها إلا ويصرّ على ضرورة إحداث إصلاحات شاملة في مجمل أجزاء النظام السياسي السوري “السوفياتي”، الذي بات منذ زمن عقبة حقيقية أمام التطور الطبيعي للمجتمع السوري ولأفراده، وفي كل باب تقريباً: في حرية التفكير والتعبير السياسي، وتداول السلطة، وفوق كل شيء في رفع يد الأجهزة الأمنية عن الحياة اليومية للمواطنين كيما يشعروا أنهم بشر، كما كل البشر في الدنيا، وأن في وسعهم التنفس بحرية ومن دون خوف على أنفسهم وعيالهم ومصادر رزقهم وعيشهم.
المطلبان أعلاه باتا من باب البديهيات وتحصيل الحاصل، وما انفك يرددهما لا نحن الموجودين خارج سوريا فحسب بل معظم السوريين، علناً، وداخل سوريا. وعلى ذلك فاستمرار الحديث والتفصيل في الموضوعين لا يفيد في شيء، ولا يفيد المعارضة السورية والشعب السوري في شيء على وجه التحديد.
كل الخطابات، بل حتى الكلمات، التي ما زالت في المكان نفسه، ومنذ سنة، ما عادت تضيف شيئاً: وحين لا تضيف، فهي إما لا معنى لها، أو أنها تعقّد الموقف وتزيد الخراب خراباً، ولا تساهم تالياً في تطور الأمور إلى الأمام بأي صورة من الصور. بل إن بعض الخطابات، وحتى الكلمات، لتكاد اليوم تقتلُ، كما الرصاصات – وتقتل أحياناً بل خصوصاً حتى القضايا التي نرفعها، ناهيك عن المواطنين الأبرياء الذين نرفع شعار الدفاع عنهم. وفي يقيني أنه لو أتيح للقضايا تلك أن تنطق، وللمواطنين الأبرياء العزّل أولئك أن يتكلموا، لقالوا: كفى، فلنقلب هذه “الأسطوانة” التي باتت في أحسن الأحوال، ومع افتراض حسن النيات، ممجوجة ومكرورة.
ما المطلوب، إذاً؟ وأي خطاب، بل أية كلمات، نحتاجها اليوم، في هذا المفصل التاريخي البالغ التأزم في تحولات حاضر سوريا والسوريين، ومستقبلهم، كما في حاضر ومستقبل المنطقة العربية بأسرها ودونما أوهام؟
ما من أحد يملك بالتأكيد مفتاح الحل السريع، السحري، الناجع، والذي يحقق المطالب المشروعة للمواطنين السوريين ويوقف المأساة الدموية الجارية في آن واحد.
ما نملك قوله، في هذا التأسيس على الأقل، هو أننا، وإن كنّا لا نملك مفتاح الحلّ الناجز أعلاه، لكننا نملك أن نخرج من دائرة “الكسل” السياسي، وحتى الثوري، الذي بات يعطّل فينا ملكة البحث عن حلول أفضل مما هو مطروح حتى الآن، من حيث النوع، وأكثر قابلية للتحقق على أرض الواقع.
ونملك أيضاً أن نميّز، وكما هي في مفردات علم السياسة، بين ما هو عام وما هو خاص، وبين ما هو رئيسي وما هو ثانوي، وتحديداً بين مطالب الحد الأقصى – التي لم تتحقق يوماً – ومطالب الحد الأدنى، المنطقية، المعقولة، والقابلة لأن يقوم عليها إجماع وطني يشمل حتى الأخصام: أي معسكر الذين لا يزالون، لأسباب متعددة وليست واحدة، متمترسين في معسكر الممانعة حيال ضرورة التغيير في بنية النظام السياسي السوري، وعلى نحو حقيقي.
بعد سنة كاملة على إنطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا: يجب أن نكون أوفياء للمطالب الأصلية التي رفعها أبناء الشعب السوري، والمتمثلة، إذا كنّا نذكر، في الحريات السياسية والشخصية من خلال رفع يد الأجهزة الأمنية، وفي حرية المشاركة السياسية لكل مواطن، أو فريق، وصولاً إلى تداول السلطة. أما المطالب التي تتجاوز هذه البديهيات فهي ليست موضع إجماع، بل موضع نزاع، حتى داخل المعارضة، وهي قد تخفي ما هو أدهى.
أما في الأدوات والوسائل، فعامٌ من القتل والدم والخراب يكفي، كما أظن، للنظام كما للمعارضة، ليكتشفا، بل ليقتنعا في الواقع، أن هناك أداة أكثر بساطة بكثير، اخترعها البشر ومارسوها منذ باتوا بشراً، بل صاروا بها بشراً: وهي فن التفاوض.
وعليه، فإذا بدأنا أولاً، من أن العالم من حولنا قد تغيّر حقاً ولم يعد في وسع اي نظام إخفاء وجهه الحقيقي، وثانياً، من أن مطالب الحد الأقصى لا تتحقق غالباً، كما علّمتنا تجارب التاريخ عندنا وعند سوانا، غدت النتيجة المنطقية الوحيدة هي: الإقدام على التفاوض، قبل فوات الآوان، ومن دون خوف أو تردد. قد نكون غير أكيدين من النتيجة، وهذا طبيعي، لكننا أكيدون من أننا بذلك إنما نفتح خيارات إيجابية أخرى ممكنة أمام تحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري، من دون قتل متبادل، ومن دون تدمير وحدة المجتمع السوري، ووحدة سوريا كدولة – وهو الحلم التاريخي لإسرائيل.
فهلّا تبصّرنا في خياراتنا، وفي ما نفعل، وخصوصاً برأيي: في ما نقول!
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى