صفحات المستقبل

عام نثر الياسمين


فادي ريحان

وصل العام الجديد في فصل الشتاء، كما الحال دوما، رغم أن الربيع ما زال يلاحقه من العام الماضي، فالربيع في عامي 2011-2012 عربي بإمتياز.

رغم كل ما يقوله المتابعون عن نتائج الربيع العربي، الا أنه ما زال ربيعا وما زال السوريون ينثرون ياسمين دمشق في أرجائه، ومن الواضح أن نثر الياسمين السوري لن يتوقف قبل تحقيق آمال المنتفضين منهم الذين ما زالوا أحياء أو الذين قتلوا في سبيل قضيتهم أو الذين سيقتلون في المرحلة القادمة حتى سقوط نظام “البعث” وإرساء نظام ديموقراطي في سوريا. فما تدل عليه كل مؤشرات الثورة السورية أن النظام لن يكف عن القتل وسيذهب في ذلك بعيدا كلما إقترب من نهايته، ولن يشفع للسوريين المنتفضين أي قرار دولي أو عربي ولا المزيد من العقوبات في وقف هذا النزيف، فمن عادة الديكتاتور أن يشعر بأن السلطة ملكا له الى الأبد وأن الشعب عبيده ينفذون مآربه التي يعتقد أنها المثال الأعلى لتنظيم حياة البشر وسوْسهم. ومعمر القذافي وحسني مبارك وقبلهما صدام حسين أمثلة على عقلية الديكتاتور وتمسكه بالسلطة التي لن يتخلى عنها الا بعد إسالة الكثير من الدماء. زين العابدين بن علي ليس من ضمن الأمثلة، فقد تخلى عن السلطة سريعا مذ شعر بأن مواطنيه لن يتركوه في سدة القيادة بسلام.

زيّنت ثورات الشعوب العربية العام المنصرم، بل وباتت تلك الثورات مصدر إلهام لشباب دول العالم الأول في اليونان وإسبانيا والبرتغال والولايات المتحدة الأميركية نفسها. صارت مثالا يحتذى بعدما كان يقال أن الشعوب العربية تعيش في عصر آخر، وهي بمثابة الشعوب النائمة والمخدرة. لكن ليس هذه المرة، فقد تمكن الشباب العربي من تسريع المخاض في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين للوصول الى الولادة الجديدة، وقد ساعدهم في ذلك ثورة الإتصالات العالمية التي لم تعد تبقي أي خبر او حادثة طي الكتمان كما كان يحصل دائما في غياهب الظلام العربي وسجونه وأقبية التعذيب المنتشرة من المحيط الى الخليج. فلو أحرق البوعزيزي التونسي نفسه في أواسط التسعينات من القرن المنصرم، كانت تلك الحادثة لتذهب مع الريح وكأن شيئا لم يكن، لكن إنتشار فيلم الحادثة عبر الشبكة العنكبوتية وفي الفضائيات على إختلافها، حوّلها من تعبير عن رفض شخصي للأوضاع المعيشية وللبطالة ولسوء التعليم ولتسلط رجال الأمن على المواطنين، الى حادثة عربية عامة تعني كل مواطن عربي يعاني مما يعانيه البوعزيزي، وهؤلاء هم الأكثرية على إمتداد الوطن العربي. فكم من خريج من الجامعات إضطر للعمل في الأعمال الدونية بسبب البطالة؟ وكم من مناضل كمّ فوه بسبب مطالبته بحرية التعبير عن الرأي ورفضه لأنظمة القمع والتوريث وسرقة المال العام؟.

في العام 2011 كان البوعزيزي القشة التي قصمت ظهر البعير. كان حرقه لنفسه بمثابة الشعلة التي أشعلت النفوس التي داومت على الخضوع والقبول بالأمر الواقع، أما نتائج هذا الرفض والثوران، فهذا أمر آخر يمكن إنتظار نتائجه في ما بعد، المهم الآن أن أنظمة القتل والإخضاع قد زال بعضها وبعضها الآخر في طريقه الى الزوال.

تمكن الشباب العربي مما لم نتمكن منه نحن اللبنانيين الليبراليين والباحثين عن إرساء قواعد الدولة المؤسساتية والتي تتعامل مع مواطنيها على أساس إنتمائهم الى لبنان لا الى طوائفهم. كنا قد أعلنا عن رغبتنا تلك في 14 آذار 2005، حين رفضنا الوصاية على لبنان، وطالبنا بتفكيك النظام الأمني اللبناني-السوري المشترك، وطمحنا الى بناء دولة عصرية وحديثة وديمقراطية وسيدة وحرة ومستقلة، إضافة الى تحقيق العدالة ومعاقبة قتلة الرئيس رفيق الحريري، وكل الذين تم إغتيالهم في الأعوام اللاحقة.

كانت ثورة 2005 أقرب الى الثورات العربية، بل وتبزّها في مطالبها وفي إرادة التغيير، لكن لسوء الحظ تمكّن القاتل في تلك الثورة من إغتيال رموزها وتمتين العداء بين الطوائف عبر تصوير ثورة الأرز وكأنها ضد فئة من اللبنانيين، والعمل على تصنيف المحكمة الدولية وكأنها وسيلة إسرائيلية لضرب “المقاومة” في لبنان. تلك المقاومة التي لم تتوان عن إستخدام السلاح في سبيل وقف أعمال المحكمة، ولم تكف عن التهديد بالعودة الى إستخدامه كلما عاد الحديث عن المحكمة او صدر قرار عنها يتعلق بالمحاكمات.

ما يحمله العام 2012 بعد مفاجآت العام 2011، لن يكون عاديا في سبيل عودة مُثل 14 آذار 2005 الى التطبيق والتنفيذ على أرض الواقع، فسقوط النظام السوري الذي بات أمرا واقعا، لن يمر مرور الكرام على لبنان، بل سيكون أحرار لبنان شركاء أحرار سوريا في إعادة بناء سوريا ولبنان معا، فقد ولّى زمن التعاطي مع لبنان على أنه محافظة سورية، وولّى زمن إعتبار لبنان الخاصرة الرخوة في الجسد السوري والنافذة التي يطلق منها نظام البعث النار على العدو الإسرائيلي المحمي في الجولان منذ العام 1967، فيما لبنان واللبنانيون يدفعان ثمن تلك المعركة تدميرا وتقتيلا ورجوعا الى الخلف.

العام 2011 كان عام العرب. العام 2012 سيكون عام احرار لبنان وسوريا.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى