صفحات الحوار

عبد الجبار العكيدي : الانتصارات آتية إلى حلب

حاوره عبد الله رجا

لم تتغيّر قناعة ابن حلب، القائد السابق للمجلس العسكري في حلب، العقيد عبد الجبار العكيدي، بعدما استقال من منصبه معترفاً بأنه ليس قادراً على تقديم ما هو مطلوب من سلاح وذخيرة. لا يزال الرجل مؤمناً بأن القتال هو السبيل الوحيد للتخلص من نظام الرئيس بشار الأسد، ولم تتغير قناعاته بأن المعجزات تحققت بسلاح الثوار الخفيف والتذخير المتواضع.

يؤكد العقيد العكيدي، في حوار مع “العربي الجديد”، أن حلب مقبلة على انتصارات قريبة، لافتاً إلى أن الثوار انتقلوا في مناطق متعددة، وخصوصا ذات الطبيعة الجغرافية المكشوفة، إلى استراتيجية جديدة في القتال تعتمد على الكر والفر وإقامة كمائن تكبد النظام الخسائر الكبيرة. يتحدث عن دوره في جبهات القتال وعلاقته بالفصائل على الأرض، وكذلك عن علاقتة السيئة بـ”الائتلاف الوطني” السوري، موضحاً ملابسات اللقاء الأخير مع رجل الأعمال فراس طلاس في دبي، وما شاع حوله من لغط.

* بحكم خبرتكم العسكرية ووجودكم مع الثوار على الأرض، من هي الفصائل العاملة اليوم، وما هو تقييمكم لوضع الجبهات في حلب؟

– الفصائل العاملة على الأرض الآن هي : جيش المجاهدين والجبهة الإسلامية والفرقة التاسعة وقوات النخبة السوريّة وجبهة النصرة وفجر الشام وأنصار الخلافة وكتائب ابن تيمية، وهناك العديد من الفصائل الصغيرة التي تعمل بإخلاص في مختلف الجبهات.

عسكرياً، انتقل الثوار في مناطق متعددة، وخصوصاً ذات الطبيعة الجغرافية المكشوفة، إلى استراتيجية جديدة في القتال، تعتمد على الكر والفر وإقامة كمائن تكبد العدو الخسائر الكبيرة، وتسهم في ضعضعة صفوفه وحلفائه.

وقد أدّى نجاح المجاهدين في الانطواء تحت غرفة عمليات رئيسية، إلى رفع مستوى التنسيق بين كافة الفصائل، وساعد في استثمار أمثل للإمكانات المتاحة. انتقل الثوّار اليوم من العمل المنفرد إلى تحقيق التكامل عبر التنسيق العالي بين كافة الجبهات، مما يساعد التكتيك العسكري والاستراتيجي المعتمد بتجاوز قواتنا بشكل كبير تفوق النظام لجهة امتلاكه سلاحي الطيران والمدفعية الثقيلة.

ستشهد حلب بإذن الله خلال المرحلة المقبلة انتصارات كبيرة للثوّار، علماً أن النظام بمحاولاته الأخيرة لحصار حلب، وصل إلى أقصى ما يمكن أن يحققه، ورمى كل أوراقه، وباتت استراتيجياته مكشوفة وهم الآن قادرون على التعامل معها كما يجب.

* كيف هي علاقتك مع “جبهة النصرة”؟

– علاقتي مع الجميع جيدة جداً.

* حتى مع داعش؟

– طبعا لا لأنها بغت علينا، واختارت استعداء كافة الفصائل التي تواجه النظام.

* هل ترى أن إلحاق الهزيمة بـ “داعش” ساعد في هذه التطورات الإيجابية للقوات المعارِضة؟

– بالتأكيد، وزيادة على ذلك، خلال المواجهة مع داعش، ومحاولة النظام فرض الحصار على المدينة، بدأت عملية فرز غاية في الأهمية، فكل الأدعياء واللصوص والمرتزقة باعوا أسحلتهم وهربوا، ولم يبقَ في الجبهات سوى الأنقياء الأتقياء الصادقين، وخروج تنظيم الدولة الإسلامية كان له سبب مهم جداً في تنشيط الجبهات، فهم كانوا معرقلين لمعظم عمليات الثوار، وخصوصاً في الساحل.

* هل أنت متفائل بتزويد المعارضة بسلاح نوعي؟

– للأسف القرار الدولي واضح، والولايات المتحدة وروسيا متفقتان على بقاء الحرب في سوريا على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، حتى لو استمرت الحرب عشر سنين. هم يعرفون أن المعجزات تحققت بسلاح الثوار الخفيف والتذخير المتواضع، ومعظمه غنائم من النظام ومستودعاته التي كدس فيها السلاح طيلة نصف قرن، فما بالكم لو امتلكنا السلاح النوعي؟

وقال لي مسؤول رفيع المستوى في إحدى الدول الصديقة حرفياً: لو قُدم السلاح النوعي المطلوب لقوات المعارضة في سوريا، لاستغرقهم وصول القصر الرئاسي في دمشق شهرا واحدا فقط”.

علينا أن نطالب أصدقاء سوريا بموقف واضح ومعلن بتزويدنا بسلاح نوعي لوضع حد لمأساة الشعب السوري، وشل قدرة النظام في قصف المدن وتهجير الملايين، وإلا فلا أصدقاء لسوريا. حجة الأميركيين في منع السلاح النوعي خوفاً من وقوعه في الأيادي الخطأ، هي حجة واهية، لأن المخلصين العاملين على الأرض معروفون للقاصي والداني، والأيادي الخطأ التي تخافها الولايات المتحدة هي نفسها التي واجهها الثوار منفردين، وقدموا خلالها عشرات الشهداء، وأقصد بذلك مواجهة الثوار لـ داعش.

* لماذا لا تعود قائداً للمجلس العسكري في حلب؟

– أنا لست قادراً على تقديم ما هو مطلوب من سلاح وذخيرة حالياً، لن أعد بما لا أملك، فالشعب السوري اليوم هو رقيب وسيحاسب كل مقصر، ولا يمكنني إلا أن أكون صادقاً مع نفسي ومعهم. كما أن كل منصب ليس مفصلاً على قياس شخص بعينه، فالكفاءات متوفرة وتمتلك المنظومة العسكرية للثوار الكثير منها، وتبقى القضية ليست في المنصب وشاغله، بل بما يمكن أن يقدمه. بات المطلوب أكثر من مجرد مجلس عسكري، بل غرفة عمليات عسكرية حقيقية تضم كافة الفصائل المقاتلة، والمجلس العسكري حينها ربما يكون جزءاً منها.

* ما هو رأيكم وتقييمكم لمعركة الساحل؟

– معركة الساحل هي نقلة نوعية في الصراع مع النظام. أربكت النظام، ومن خلفه روسيا وإيران. كانت عملية مفاجئة ودقيقة كشفت عن قدرات المجاهدين الكبيرة في التخطيط، وساهمت في معادلة ميزان الرعب والقوة، وستخفف الضغط عن بقية المحافظات بشكل كبير، وهي ذاهبة إلى التطور والتوسع، وأعتبرها الآن المعركة الأساسية الكبرى في سوريا.

* زيارتك الأخيرة إلى الامارات أثارت جدلاً واسعاً، وشائعات كثيرة. ما حقيقة لقائك مع فراس طلاس ومناف طلاس، وما شاع عن حديث حول لقائك بجهاد مقدسي في دبي، وخلاف بينك وبين هيثم العفيسي؟

– حقيقة زيارتي إلى الامارات وغيرها تكون بهدف واحد فقط، وهو في إطار السعي لتأمين دعم للمقاتلين. وبخصوص ما نشر حول الزيارة، فجلّه غير صحيح، ولا يستحق الرد. هناك التباس في الأمر وخلط أسماء لأهداف أخرى. حول إقحام اسم جهاد مقدسي ومناف طلاس، فالهدف واضح للقاصي والداني، أنا لم ألتق بمناف طلاس، ولا أعرفه، وليس هناك أي تواصل معه، وعلاقتي مع العفيسي ممتازة. هذا كل ما يجب توضيحه للرأي العام.

* كيف تصف علاقتك بالائتلاف السوري اليوم؟

– من الطبيعي أن لا تكون جيدة، لأنه جسم سياسي عقيم ولم يرتق حتى الآن لتطلعات الشعب السوري وثورته العظيمة. نحن نسمع عن خلافات وتناحر بسبب المصالح الضيقة لمعظم أعضائه أكثر مما نسمع عن إنجازات سياسية، وأعلنت هذا الموقف مبكراً وفي أكثر من مرة، وخصوصاً بعدما آلت إليه تدخلاته – أي الائتلاف – في المؤسسة العسكرية، حاملة معها كل الأجندات، ما تسبب بحدوث شروخ وانقسامات كبيرة. ويوم سقوط يبرود، كتبت أنه “إذا بقينا مستمرين بهذا الائتلاف وبهذه الأركانات، سوف تسقط مدينة تلو الأخرى”.

* ما هو دور وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة أسعد مصطفى؟

– لا أعلم على وجه الدقة، لقد زارني أكثر من مرة، وهو يحاول أن ينجز شيئاً ما، لكنني أخشى عليه أن يقع ضحية التجاذبات السياسية في أروقة الائتلاف التي لا تخدم الثورة عسكرياً، والأمثلة كثيرة ومريرة.

* ما رأيك في إقالة اللواء سليم ادريس من رئاسة أركان الجيش الحر؟

– لم أتدخل في الموضوع، لكنني مع استقالته ولست مع إقالته.

* هل ترى أن ما حدث في قيادة أركان الجيش الحر أمراً طبيعياً؟

– لا أرى أن الأمر طبيعي، والسيئ في الأمر هو تدخل السياسيين وتدخل أحمد الجربا تحديداً في شؤون العسكر بهذا الشكل، فقد تسبب في شق الصف وأحدث الكثير من الإشكاليات في المؤسسة العسكرية كما أسلفت. الجربا، من حيث يدري أو لا يدري، يعمل على تغذية ظاهرة أمراء الحرب، و معظم الدعم الذي يقدمه يذهب لجهات ليس لديها مشاركة فعلية وقوية في الأماكن الحساسة والاستراتيجية والضرورية، بل يُقدم هذا الدعم لشراء الولاءات.

أدعو الجربا ومن معه إلى زيارة حلب لعشرة أيام متواصلة، وسيعرف حينها وتعرف ما الذي أعنيه تماماً.

* منذ فترة، ظهرت حملة لإسقاط الائتلاف، وردّ الجربا بأن هؤلاء “عملاء”. ما رأيك؟

– الحملة كانت حالة صحية تماماً، آلاف الناشطين يعبرون عن رأيهم في “الفايسبوك”، وهو الفضاء الحيوي ذاته الذي بدأ معظم الناشطين نضالهم فيه ببداية الثورة. لكن تجاهل الائتلاف وردة الفعل الوحيدة الصادرة عن منذر آقبيق على قناة “بي بي سي”، كانت تكراراً لردة فعل النظام إزاء بدء الاحتجاجات في سوريا مطلع الثورة، وقد ذكرني ببثينة شعبان في أول تصريح لها في بداية الثورة. نعلم جميعاً أن أسطوانة المؤامرة والعملاء لا يتسلح بها سوى الضعفاء، وهي وسيلة هروب من مواجهة الحقائق والاستحقاقات اللازمة.

وهنا أريد التأكيد على أن اسقاط “الائتلاف” لا يعني تقويض ما تم إنجازه خلال السنوات الماضية، وأهمها الاعتراف العربي والدولي به.

* هل سيحكم قادة “الائتلاف” سورية مستقبلاً؟

– لن يكون في سوريا مستقبلاً، “منطقة خضراء” كما في العراق. فإذا كان هناك من يظن أنه سيأتي إليها على ظهور الدبابات الاميركية أو غيرها ليحكم السوريين من فوق، كما جاء نظام الأسد في سبعينيات القرن الماضي، فهو واهم. لن يحكم سوريا إلا قادة ستفرزهم الثورة في مفصل لاحق من مفاصلها، والفرصة لا تزال متاحة ليغير البعض نهجه في الائتلاف وغيره.

الشعب السوري العظيم ذاكرته قوية، ولن ينسى دماء مئات الآلاف، ولن ينسى من يخذله ولن يسامح.

* كيف علاقتك مع الحكومة المؤقتة (المعارضة) وبرئيسها أحمد طعمة؟

– أكنّ لأحمد طعمة كل الاحترام، ولكني لا يستطيع التقدم خطوة إلى الأمام لأن الائتلاف يضع له العصي في العجلات من كل الجوانب، ولا يريدون له أن ينجح لأنه ليس من مصلحتهم تشكيل حكومة، وإرساء مؤسسات.

* ما هو المخرج للوصول إلى قيادة عسكرية ناجحة للثورة؟

– الحل هو أن يتجه كافة الشرفاء على الأرض لتشكيل جسم عسكري ثوري في الداخل، يحرج الداعمين بتحديد موقف واضح من دعم الثورة، وتجفيف منابع الدعم التي أسست لظاهرة أمراء الحرب، والبدء فعلياً بدعم مشروع الجيش الوطني.

كما يجب أن يتم دعم هذا الكيان العسكري بكيان سياسي رديف في الداخل، فالثورة تحتاج إلى أشخاص يعرفون ماذا يعني أن يواجه المقاتل الدبابة بالبندقية، وأن يعرف ما هو البرميل وأن يحملوا بيديهم الأشلاء وأن يعرفوا ما هو الجوع وأن معظم المقاتلين أهاليهم ليس لهم إلا الله.

نحتاج لأشخاص يفهمون أنهم يمثلون أعظم ثورات التاريخ أخلاقياً.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى