صفحات الحوار

عبد الحليم خدام: المبادرات العربية تسير في طريق مسدود.. والمجتمع الدولي يتحمل المسؤولية


نائب رئيس الجمهورية السوري السابق لـ «الشرق الأوسط»: ننتظر قرارات حاسمة من القمة الخليجية.. ومبادرة المالكي إيرانية

عبد الله مصطفى

قال عبد الحليم خدام، النائب السابق لرئيس الجمهورية في سوريا، إن مبادرات الجامعة العربية بشأن سوريا تسير في طريق مسدود، رغم أنها في أحد جوانبها الأساسية تحافظ على استمرارية النظام. وأضاف أن المبادرة العراقية أمام الجامعة العربية هي مبادرة إيرانية، وأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي «غير مؤهل» لأي مبادرة.

وخلال تصريحات خاصة عبر البريد الإلكتروني، قال خدام، الذي كان قد أعلن انشقاقه عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2005 بعد أن تدهورت علاقته بالأخير، إن المجتمع الدولي يتحمل المسؤولية في تردده إزاء اتخاذ قرار باستخدام القوة العسكرية لإنقاذ الشعب السوري، وفي نفس الوقت طالب الجامعة العربية بأن تقرر إسقاط النظام السوري وإحالة الملف إلى مجلس الأمن. وحول التدخل العسكري، قال خدام «يمكن التدخل عسكريا في سوريا على غرار ما حدث في يوغوسلافيا وساحل العاج». ورأى النائب السابق لرئيس الجمهورية السورية أن العقوبات العربية ضد سوريا مؤقتة، أما العقوبات الدولية تأثيرها واضح. وأشار إلى أن السوريين في انتظار قرارات حاسمة من القمة الخليجية المقرر عقدها اليوم.

وفي حديثه عن المعارضة، وجه لهم رسالة جاء فيها: «أقول للمعارضة السورية إن هناك فرقا بين إسقاط النظام وإسقاط الدولة». وأضاف أن الثغرة الكبرى في المعارضة السورية تتمثل في انقساماتها وتعنت أطرافها وسيحفز ذلك العسكريين على استعادة السلطة.. وجاءت المقابلة مع خدام على النحو التالي:

* السيد عبد الحليم خدام، المبادرة العربية والأزمة السورية إلى أين؟

– من قراءتي للمبادرتين العربيتين الأولى والثانية استنتجت أن هذه المبادرة تسير في طريق مسدود، رغم أنها في أحد جوانبها الأساسية تحافظ على استمرارية النظام القاتل والمستبد في سوريا، ومع الأسف ورغم المواقف المتشددة للنظام يجري تمديد المهل، وفي كل مرة يعطى مهلة أو يجري اجتماع تزداد وتيرة القتل والقمع. وأود أن أشير إلى أن السوريين يشعرون بالمرارة بسبب ازدواجية المعايير لدى مجلس جامعة الدول العربية، ففي الأزمة الليبية سارع الوزراء للاجتماع واتخاذ قرارات حاسمة، منها إسقاط شرعية النظام وحرمانه من عضوية الجامعة، وأهمها إحالة الملف إلى مجلس الأمن، مطالبين في قرارهم باتخاذ إجراءات لحماية الشعب الليبي من الجرائم التي كان يرتكبها (نظام الزعيم الليبي السابق معمر) القذافي، بينما في الحالة المماثلة، الحالة السورية، استمر الصمت العربي ثمانية أشهر، وبعد هذه الأشهر الثمانية عقد المجلس اجتماعا كانت محصلته المبادرة الأولى، التي فشلت، ثم جرى وضع المبادرة الثانية، وكلتا المبادرتين لم ترتقِ إلى مستوى المبادرة حول ليبيا. ويتساءل السوريون هل الدماء النازفة في سوريا رخيصة إلى هذا القدر الذي لم يدفع مجلس جامعة الدول العربية لاتخاذ القرارات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي أو عدد من الدول الكبرى معلنة إسقاط شرعية النظام، مطالبة بشار الأسد بالرحيل وتسليم السلطة للشعب؟ لم يستطع أحد من السوريين (فهم) مغزى هذا الموقف في الوقت الذي يقتل فيه السوريون.

* هناك الآن المبادرة العراقية في جامعة الدول العربية إلى أين ستصل سوريا وثورتها أمام المبادرات وتعثر اتخاذ قرارات عربية حاسمة؟

– أولا فيما يخص المبادرة العراقية، التي لا تخرج عن كونها مبادرة إيرانية لأن نوري المالكي لم يأتِ للسلطة في العراق إلا بدعم إيراني، وسبق أن أعلن عن موقفه بقوله إن إسقاط بشار الأسد سيؤدي إلى فتنة طائفية، ونسأله هل قتل آلاف السوريين واعتقال عشرات الآلاف يؤدي إلى سلم أهلي؟ في كل الأحوال النظام العراقي الراهن غير مؤهل لأية مبادرة في الأزمة الدامية التي يعاني منها السوريون. والشعب السوري مصمم على تحقيق أهدافه مهما بلغت المصاعب وازدادت العقد فليس أمامه خيار آخر، وهل يمكن لأحد أن يتصور أن هناك سوريّا واحدا يقبل أن يستمر حكم أسرة ألحقت بالبلاد أضرارا جسيمة وقتلت وشردت مئات الألوف من المواطنين واعتقلت ودمرت عشرات الآلاف منهم. لا خيار أمام الشعب السوري سوى خيار الصمود، وفي الوقت نفسه لا بد من الإشارة إلى مسؤولية النظام العربي في كل ما يجري في سوريا، وإلى مسؤولية المجتمع الدولي المتردد في اتخاذ القرار الصحيح، وهو استخدام القوة العسكرية لإنقاذ الشعب السوري.

* إذن ما هو المطلوب والمستوجب على جامعة الدول العربية القيام به؟

– إذا أرادت الدول العربية أن تتحمل مسؤولياتها القومية عليها اتخاذ قرارين حاسمين؛ الأول إسقاط شرعية النظام ومنع التعامل معه، والثاني إحالة الملف إلى مجلس الأمن لاتخاذ القرارات والإجراءات الكفيلة بحماية الشعب السوري بما في ذلك الإجراءات العسكرية كما جرى في الحالة الليبية.

* في حال استمرار ما يحدث في سوريا واستمرار ما تصفونه بالصمت العربي والدولي، ماذا تتوقعون؟

– في هذه الحالة فإن منطق الأحداث سيؤدي إلى تحول قطاعات واسعة من الشعب السوري إلى حمل الشعب للدفاع عن النفس، وهذا أمر مشروع أقرته جميع الشرائع الدولية والوطنية والإلهية، وفي مثل هذه الحالة سينشأ وضع جديد تكون له إفرازاته في المنطقة وعلى المصالح الدولية، لأن سوريا حينئذ ستتحول إلى ملاذ لكل المتطرفين في العالمين العربي والإسلامي، وهذا الأمر لا شك سيكون مؤذيا لسوريا لكنه أيضا سيكون مؤذيا للأمن والاستقرار الإقليمي والأمن والمصالح الدولية، وبالتالي فستصبح المنطقة آنذاك غير المنطقة الآن، وهذا الأمر يجب أن يثير القلق لدينا جميعا.

* في ظل تمسك كل من روسيا والصين بموقفيهما اللذين يعتبرهما البعض مساندين للنظام السوري، هل ترى هناك إمكانية في وجود موقف دولي موحد لإنقاذ الشعب السوري وحمايته؟

– أود التمييز بين الموقفين الروسي والصيني؛ الموقف الروسي نابع عن تحالف قائم بين موسكو وطهران ويهدف هذا التحالف إلى السيطرة على المنطقة وإخراج الغرب منها، بينما الموقف الصيني يرتبط بجزء من المصالح مع إيران، وبالتالي فيمكن لهذا الموقف أن يتغير، لا سيما أننا نرى أن الصين أغلقت نشاط شركة صينية تعمل في التنقيب عن النفط في سوريا.

ومع ذلك وفي حال إصرار الدولتين على مواقفهما يمكن لأية مجموعة دولية أن تعمل خارج مجلس الأمن وتنفيذا لميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان وحماية لمصالحها تشكيل مجموعة دولية واتخاذ قرار باستخدام القوة العسكرية لقمع النظام الحاكم في سوريا باعتباره خارجا عن القانون الدولي. كما جرى في كل من يوغوسلافيا ورواندا وساحل العاج.

* العقوبات العربية، والعقوبات الأوروبية والدولية ما حجم تأثيرها على النظام السوري؟

– بالنسبة للعقوبات العربية هي عقوبات مؤقتة كما صرح بذلك مسؤول في جامعة الدول العربية لأنها تنتهي بتوقيع النظام على اتفاقية إدخال المراقبين العرب إلى سوريا، أما العقوبات الدولية الأخرى فكان لها تأثير واضح لا سيما في المجال الاقتصادي لكنها لم تصل في نتائجها إلى دفع النظام للرحيل، وفي كل الأحوال الدول التي اتخذت هذه العقوبات ذات التأثير مشكورة لأنها على الأقل شكلت ضغطا على النظام.

* فيما لو قبل النظام السوري بدخول المراقبين العرب ما الذي سيقدمه هذا الأمر للشارع السوري ومدى فعالية مثل هذه الخطوة؟

– في حال وجود مراقبين جديين فإن ملايين السوريين سينزلون إلى الشارع هاتفين بسقوط النظام، وبشار الأسد يعلم ذلك، ولهذا فهو يضع شروطا ومواصفات تجعل من هؤلاء المراقبين غير فاعلين وسيرتكب الجرائم وينسبها إلى إرهابيين.

* هناك قمة خليجية مرتقبة ما الذي ينتظر منها حيال الشأن السوري؟

– يتوقع السوريون من أشقائهم في قمة دول الخليج اتخاذ قرارات حاسمة في مساندة الشعب السوري ودعمه والعمل على إنقاذه بعد أن تعثرت جهود جامعة الدول العربية.

* هناك تخبط بين أوساط المعارضة السورية حول مفاهيم يسميها البعض إسقاط النظام ويطلق عليها البعض الآخر إسقاط الدولة فما الفرق بين الحالتين؟

– هناك فرق كبير بين الحالتين، إسقاط الدولة يعني حل جميع مؤسساتها المدنية والعسكرية كما جرى في العراق، وهذا الأمر بالغ الخطورة لأنه سيحول سوريا إلى ساحة حرب بين مختلف مكونات البلاد السياسية وغيرها، أما إسقاط النظام فيعني إسقاط النظام السياسي الذي يحتل الدولة ويتحكم بالبلاد عبر مؤسساتها، فإسقاط النظام السياسي يؤدي إلى تحرير الدولة والمؤسسات من العناصر التي أساءت للشعب وليس حل المؤسسات المدنية والعسكرية، في الدولة أكثر من مليوني مواطن يعملون فيها، حل الدولة يعني إلقاءهم في الشارع وعندئذ تتشكل البؤر المتفجرة كما حصل في العراق.

* البعض يرى أن المعارضة السورية لم تتمكن من توحيد صفوفها فما هي الأسباب برأيك؟

– الثغرة الكبرى في المعارضة السورية في انقسامات هذه المعارضة وتعنت أطرافها في القبول بالآخر والبحث عن القواعد المشتركة للعمل على إنقاذ البلاد، وهذا الأمر ستكون مخاطره كبيرة بعد سقوط النظام، على السوريين جميعا بكل أطيافهم، لا سيما المعارضة، أن يوحدوا رؤيتهم وأن ينزعوا من رؤوسهم خلفياتهم السياسية الخاصة، وأن يكون للجميع خلفية واحدة هي إنقاذ الشعب السوري وإسقاط النظام وتأمين مرحلة انتقالية آمنة لإجراء انتخابات وعندئذ فليتبارَ الطامحون للسلطة ومن يختاره الشعب فعلينا جميعا دعمه ومساندته.

* لكن لا يتضح في الأفق أن المعارضة السورية قادرة على الخروج بحلول سحرية لتتوحد فما هو المخرج في المرحلة الانتقالية أمام انقسامات المعارضة؟

– الأمر لا يتعلق بحلول سحرية وإنما بمسألة واحدة هل نريد سوريا حرة وديمقراطية وآمنة، إذا كنا مجمعين على ذلك فالأمر لا يحتاج إلى أكثر من مجموعة لقاءات لوضع البرنامج، وعلى الذين يودون أن يكونوا قادة المستقبل أن يدركوا أن التفريط بالوطن وأمنه سيجعل منهم مشردين ملاحقين، لأنهم أضاعوا فرصا في إنقاذ بلادهم، وأقول بكل صراحة التعنت في مسألة توحيد المعارضة سيجعل من هؤلاء المتعنتين أشد ضررا على القضية الوطنية للمعارضة السورية.

* ولكن إن لم تتفق المعارضة ما هو المخرج في المرحلة الانتقالية هل تعتقد أن العسكريين سيلعبون دورا لإنقاذ البلاد؟

– في مثل هذه الحالة أتوقع أن يقوم العسكريون بدور جدي لاستعادة السلطة وبناء نظلم جديد متذرعين بفشل أطراف المعارضة بالاتفاق على صيغة لبناء دولة مدنية ديمقراطية.

* هناك قيادي في المجلس الوطني السوري صرح أنه سيحكم بالاشتراك مع الجيش؟

– المشكلة على ما يبدو أن قائل ذلك لم يعِش في سوريا ولم يطلع على الأنظمة التي أقيمت في بلدان عربية نتيجة عمل عسكري. إذا بادرت قطع من الجيش وهي عازمة على الإمساك بالسلطة أو أن هناك من أغراها بالإمساك بالسلطة ستأتي بشخص مدني لرئاسة البلاد ولكنه سرعان ما سيجد نفسه أسيرا لا حول له ولا قوة، وأذكر بتجربة الانفصال في سبتمبر (أيلول) 1961 في سوريا فقد جاء الانفصاليون بالرئيس ناظم القدسي رئيسا عبر انتخابات كسائر الانتخابات التي تجري في سوريا في ظل العسكريين وجاء السيد معروف الدواليبي رئيسا للحكومة، ماذا حدث بعد ذلك ألم يحاول الرئيس القدسي الاستقالة والذهاب إلى حلب عدة مرات؟ ألم يوضع الرئيس القدسي والدواليبي ومأمون الكزبري في السجن؟ أية سلطة هذه، السلطة التي يأتي إليها أشخاص في ظل حراب العسكريين. فالمرحوم القدسي والمرحوم الدكتور الدواليبي كانا من زعماء سوريا ومع ذلك كانت حراب الجيش أقوى منهما، فكيف يكون الوضع عندما يأتي أشخاص لا وزن لهم لدى الشعب.

* الجيش السوري الحر آخذ في التوسع والتمدد هل تعتقدون أنه يمكنهم القيام بدور في حماية المدنيين وما رأيكم في مطالبة المجلس الوطني للجيش الحر بعدم القيام بعمليات عسكرية؟

– الضباط وصف الضباط والجنود الذين انشقوا عن الجيش هم وطنيون دفعهم شعورهم الوطني للخروج من جيش كانوا يعتقدون أنه جيش الوطن، فإذا بهم يرون أنه يدمر الوطن وهم بالفعل في المناطق التي يوجدون فيها يدافعون عن المدنيين بالقدر الذي يملكونه من إمكانيات، وهؤلاء جميعا مطاردون من قبل أجهزة النظام ومن يعتقل منهم مصيره القتل، ولذلك من حقهم وهم يدافعون عن أهلهم ومواطنيهم أن يتعرضوا للقوى التي تقوم بعمليات قتل المواطنين واجتياح مدنهم وقراهم، وهذا جزء من التزامهم الوطني لأن الجيش الذي يقتل مواطنيه ليس جيشا وطنيا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى