صفحات الحوار

عبد القادر عبداللي: المترجم يستيقظ باكراً

 

 

إسطنبول ــ عدنان عبد الرزاق

يأسف المترجم والتشكيلي السوري عبد القادر عبد اللي على “بطالته” لنحو شهرين، بسبب مرضه الذي يأمل الشفاء منه ليعاود مسيرته في الترجمة والتأليف، وأيضاً في الرسم، فلديه الكثير من المؤجلات والأحلام لمّا تنجز بعد. “العربي الجديد” التقت عبد اللي في أحد مشافي إسطنبول، وكان هذا الحديث:

* بداية، لماذا اخترت اللغة التركية والترجمة عنها في سبعينيات القرن الفائت، خصوصاً أنه لميكن هناك اهتمام عربي بالأدب التركي، بل كانت فترة مدّ قومي تُشيطن “العثمانيين”؟

بسبب دراستي في تركيا واطّلاعي على التاريخ العثماني والأدب والفن التركي، شعرت بضرورة نقل أدب هذا الجار، الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا. أردت التفريق بين الإمبراطورية العثمانية والدولة التركية، بقصد تعريف القارئ العربي على واقع تركيا الاقتصادي والسياسي والأهم الإبداعي، فبدأت بالكاتب الساخر عزيز نيسين، الذي اقترن اسمي باسمه لفترة طويلة، منذ أن ترجمت له رواية “زوبك”.

* فعلاً اقترن اسم عزيز نيسين بك عربياً، لماذا دخلت من بوابته بالذات؟

دعني أصوّب أني دخلت من بوابة القصة القصيرة التركية، وليس من عزيز نيسين تحديداً، إذ بدأت النشر مع صدور “جريدة إدلب الخضراء” عام 1985 وكنت أدرّس مادة الفنون في “معهد إعداد المدرسين” في مدينة إدلب، ليفتح لي الإعلام نافذة أطلّ من خلالها على القرّاء عبر الأدب التركي، وامتدّت الكتابة إلى الصحف الرسمية السورية، ولم يكن من إعلام سوري خاص وقتذاك، لأنشر قصصاً قصيرة مترجمة، ولا أخفي أن اهتمام القرّاء ورواج القصة التركية شجعني على الترجمة. صدرت “زوبك” بالتوازي مع نشر قصص قصيرة في صحف عربية عدّة، التي بدورها فتحت لي باب الكتابة الصحافية وخصّصت لي بعض الصحف مقالات ثابتة حول النقد الفني – مجال تخصصي – فضلاً عن ترجمة القصص.

* المتابع لمسيرتك، يلحظ أن الإعلام أخذك من الرسم وربما من الترجمة، فكنت من كتّاب المقالة المواظبين على الشأن التركي وفي أكثر من وسيلة إعلام عربية؟

لم تسرقني الصحافة، رغم إغرائها وسرعة وسعة انتشارها، لأني كنت أوزّع وقتي على التدريس الذي امتد لثلاثة عشر عاماً، ومن ثم عملت موجهاً لمادة الفنون في وزارة التربية السورية. وبين الكتابة الصحفية والترجمة، كتبت أكثر من ألف مقالة صحفية إلى جانب ترجمة الكتب والدراما والرسم، لكني خلال أعوام ما بعد الثورة، ربما أعطيت من وقتي الكثير للصحافة، والتزمت بمقالة أسبوعية مع أكثر من وسيلة، وربما سبب ذلك سخونة الأحداث السياسية في المنطقة ودور تركيا المحوري بها.

* ربما يسأل قارئ، من أين أتيت بالوقت لتكتب في الصحف وتترجم ثمانين كتاباً وأعمالاً في الدراما والسينما؟

أعمل منذ 35 عاماً. المقرّبون مني يعلمون أني أستفيق أحياناً لأوثّق حلماً رأيته، كتابة أو رسماً، ليكون على جدول عملي، وأعتقد أن السر هو في الاستيقاظ باكراً وفي تنظيم وقت العمل، وضرورة فصل المهني عن الاجتماعي. بعض أصدقائي يصفونني بالغزير والجدي جداً، وربما معهم حق، لأني أنظر للعمر على أنه أقصر من أن نهدره باللهو والخلافات والضغينة. ما يوجعني اليوم، أن مرض “السرطان” أبعدني عن الكتابة والعمل، وأحاول أن أتغلّب عليه بأية طريقة، لأستكمل ما هو مؤجل وموضوع على جدول الترجمة والرسم، لأني إن ظلمت أحداً في حياتي، فهو التشكيل، اختصاصي الأول الذي أحب وشغلتني عنه الصحافة والأدب.

* إذا قسّمنا عملك على صعيد الترجمة لمراحل، فكيف تلخّص المرحلة الأولى؟

بدأت المرحلة الأولى، كما أشرت، عبر ترجمة القصص، لكن ملامحها اتضحت منذ صدور “زوبك” أول رواية مترجمة عام 1989 عن “دار الأهالي”، وقد صدرت الطبعة الأولى في 15 ألف نسخة وحقّقت رواجاً منقطع النظير، وقلّما بقيت صحيفة عربية لم تكتب عنها. بعد “زوبك”، أصدرت “حكايات” لعزيز نيسين أيضاً، عن “اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا” في تونس بمناسبة منح نيسين جائزة الاتحاد عام 1991، وتوالت الترجمات لنحو 80 كتاباً، من وإلى التركية. وما ميّز التجربة أنها شملت كتّاباً من اليسار واليمين التركي وتناولت أنواعاً مختلفة من الأدب؛ قصة ومسرحاً ورواية، إضافة إلى كتب بحثية وتاريخية. ما ميز هذه المرحلة، هو بالفعل أعمال نيسين، ربما لأني أجليت الضبابية المرسومة حول ذلك المبدع، التي كانت تسوّقه كشخصية وهمية، فأكسيته لحماً وعظماً وقدّمته للقارئ العربي على أنه إنسان.

* هل يمكننا اعتبار ترجماتك لـ أورهان باموق بداية مرحلة ثانية في مشوارك؟

هذا صحيح إلى حد بعيد، رغم أن بداية المرحلة الثانية كانت عبر عملي مع “دار المدى” مطلع التسعينيات، وتقديم باموق للقارئ العربي عبر روايته “اسمي أحمر” ومن ثم معظم أعماله، فضلاً عن الترجمة لعدد من الكتاب المهمين من أمثال: يشار كمال، وأورهان يشار، وفقير بايقورت، إضافة إلى ترجمة مسرحية “علي الكشاني” لـ خلدون تنر الذي درّسني في الجامعة، ومختارات من القصة التركية المعاصرة.

* هل يمكن القول إن المرحلة الثالثة تركّزت على ترجمة المرئي، من دراما وسينما؟

أوليت في هذه المرحلة وقتاً وجهداً لنقل الواقع السياسي والاجتماعي التركي عبر الأعمال التلفزيونية والسينما، حيث ترجمت أكثر من عشرين عملاً درامياً، وقلما يتم التطرّق لترجمة السينما التي قمت بها وكذلك الأفلام الوثائقية التي عرضتها “محطة الجزيرة” على سبيل المثال. تخلّل هذه المرحلة أيضاً العمل في “مركز الدراسات الاستراتيجية” في دمشق لسنوات، قدّمت خلالها أبحاثاً عن الشأن التركي وآلية القرار، وصولاً إلى العمل في “مكتب الأمن القومي” والقصر الرئاسي في سورية، حين كانت العلاقة بين دمشق وأنقرة في “شهر العسل”. لكن تلك الأبحاث، وللأسف، لم يؤخذ بها، كما طُلب مني في عام 2005 أن أقدم مشروع دستور على غرار الدستور التركي، وبقي حبيس الأدراج.

يمكننا اعتبار ما بعد الثورة، مرحلة مختلفة، لأني تفرغت تقريباً للكتابة الصحافية في الشأن السوري، إلى جانب ترجمة روايتي باموق: “متحف البراءة” و”غرابة في عقلي”، فضلاً عن تقديم أهم المؤرخين في الساحة التركية اليوم، من أمثال ايلبر أوطايلي في عمله “نحن وتاريخنا”.

* هل كرّمك الوسط الثقافي السوري أو نلت جوائز عن أعمالك المترجمة أو التشكيلية؟

للأمانة، لم يكن التكريم أو السعي للجوائز هاجسي يوماً ما. أعتقد أن أعظم تكريم نلته في حياتي حين كان الراحل حسيب كيالي، يقص مقالاتي وقصصي ويرسلها لي مع الثناء عبر البريد من الإمارات، وأيضاً عندما أقرّ عزيز نيسين بجودة ترجماتي، كما خصّني أورهان باموق بترجمة أعماله حصرياً لـ “دار الشروق” المصرية، إضافة إلى نيلي جائرة من “منتدى العلاقات العربية الدولية” في قطر مؤخّراً.

العربي الجديد

جسور الكتابة/ إبراهيم اليعيشي

تستحق تجربة المترجم السوري عبد القادر عبد اللي الوقوف عندها بكل اهتمام، فرغم ندرة الترجمة الأدبية عن لغة “الجارة” التركية، استطعنا بفضل عمله الدؤوب الاطلاع على أجزاء بارزة من منجزات القصة والرواية في الأدب التركي المعاصر.

ولعلّ تجربة عبد اللي تؤكد تلك الفكرة القاسية ذات الأبعاد النبيلة بأن المترجم هو ذلك الجسر المنسيّ الذي يعبر عليه الأدب وقلّما يجري تذكّره. وفي حين تتطاول شهرة المؤلف يُحكم على المترجم العيش في الظلّ.

يُعرف عن عبد اللي نشاطه الكبير وهو ما تجسّده حصيلة الأعمال التي قدّمها على امتداد ثلاثة عقود ونصف، والمقالات التي كتبها خصوصاً بعد بداية الثورة السورية، من منفاه في تركيا حيث يواجه بشجاعة الآن مرض السرطان في أحد مشافيها.

إننا وإذ نتمنى له الشفاء العاجل والعودة إلى دفاتره ومشاريعه المستقبلية؛ نستعيد مقاطع من قصيدة ترجمها عبد اللي، ونشرت في هذه الصفحة مؤخراً، للشاعرة التركية ألتشين سيفغي صوتشين: “كلّما تكاثر البياض في شعرك أيها الطفل/ يشبه الخروفَ أكثر/ ويكبر قلبك متفتحاً تويجة تويجة كالوردة/ وتدوّن أشواكُها بحذر على الماء أحلاماً. الأحلام الخصبة الناعمة كالغيوم/ تختبئ بين وبرك الأجعد/ وكأن الخروف يضحك على طفل من غيمة”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى