صفحات سوريةمعتز حيسو

عتبة التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا

 


معتز حيسو

رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر على الاحتجاجات المتواصلة التي يشارك فيها شرائح وفئات اجتماعية واسعة ومتنوعة، يبدو أن الوقت لم يزل مبكراً لتحديد شكل وآليات التغيير الذي يمكن أن تنتهي إليه الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وصعوبة تحديد مضمون وشكل وآليات التغيير تكمن في تعقّد اللوحة السياسية والاجتماعية،إضافة لتشابك التنوع الإثنوغرافي على مستوى البنية الاجتماعية العامة،الذي ينذر في سياق تفاقم الأزمة ذات المستويات المتعددة، والطابع المركب، بإمكانية زيادة حدة التوتر لأسباب اجتماعية وسياسية متعددة.هذا إضافة إلى خاصية الموقع الجيو سياسي للدولة والنظام في آن واحد. وتتقاطع هذه المستويات مع سياق التحركات الدولية على قاعدة المصالح المختلفة،والأهداف المتباينة.ونؤكد بأن أي تدخل دولي في الشأن السوري، وتحديداً بالشكل المباشر لن تكون نتائجه أقل خطورة من الحالة الليبية أو العراقية. لذا نشدد على أن المدخل الوحيد للحفاظ على الوحدة الوطنية وضمان السلم الأهلي والاجتماعي، يتحدد بالتوقف عن السلوك الأمني في مواجهة الاحتجاجات السلمية ذات المحتوى السياسي، والبدء الفوري في الحل السياسي الذي يتمثل في العمل على التأسيس لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي، الذي يستدعي ترسيخه وتمكينه وتعزيزه مشاركة كافة الأطراف والقوى السياسية الوطنية. والطرف الذي يقع على عاتقه إطلاق هذا المشروع والتأسيس له فعلياً هو من يمتلك زمام القرار السياسي في الدولة، لذا يجب التأكيد على ضرورة الإسراع في إطلاق مشروع التغيير الوطني الديمقراطي، لأن تأجيله سوف يؤثر بأشكال مختلفة على توازن واستقرار مكونات البنى الاجتماعية،وعلى واقع وسياق التطورات السياسية في سياقها المتغيّر. وهذا يستدعي التأكيد على ضرورة وأهمية اشتغال القوى الوطنية على صياغة مشاريعها السياسية في سياق استعادة دورها في الخارطة الجيو سياسية، وفي القاع الاجتماعي، ويتعزز هذا التوجه من خلال اشتغال هذه القوى على وضع آليات ميدانية وسياسية ونظرية لقراءة الحالة الراهنة، ووضع مخارج تعبّر عن مصالح أوسع الفئات الاجتماعية. ونؤكد بأن تنامي وتجذّر وتوسع الحركة الاحتجاجية ذات الطابع الشعبي والشبابي تحديداً،يستوجب التنويه بأن شكل التعامل الأمني معها يزيد ويعمّق الشرخ بين السلطة السياسية وغالبية الفئات الاجتماعية، ويزيد من تكاليف المصالحة الوطنية. وهذا بالضرورة يستوجب الإسراع في تنفيذ الخطوات الإصلاحية التي يجب أن تتأسس في سياق مشروع التغيير الوطني الديمقراطي،الذي يجب أن تساهم فيه كافة الفعاليات والقوى السياسية والمدنية على قاعدة المحافظة على الوحدة الوطنية، وفي سياق بناء الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية على مستوى الشكل السياسي والمضمون الاجتماعي، ذلك في سياق إطلاق الحريات السياسية العامة وتحقيق العدالة والمساواة بين كافة الفئات والشرائح الاجتماعية على أسس التوزيع العادل للثروة… وللحقيقة والتاريخ نؤكد بأن بعض الأطراف(السياسية،الاقتصادية،الأمنية)ليس لها مصلحة في هكذا تغيير،ويتوضح موقف هذه الأطراف واقعياً في أشكال وآليات تعاملها مع التحركات الاجتماعية،وموقفها من الميول الإصلاحية،وفي هذا السياق يتبادر للكثيرين تساؤلاً مفاده:هل البنية السياسية والأمنية لشكل النظام الحالي يمكن أن تساهم وتساعد في وضع الأسس والمنهجيات والآليات الوطنية الديمقراطية التي تخرج المجتمع من الأزمة الراهنة؟ أم أن الأزمة البنيوية للنظام بشكله الحالي تقطع مع كافة الحلول السياسية ليبقى الحل الوحيد بالنسبة لها هو الخيار الأمني الذي يفتح المجتمع السوري على المجهول الذي لا يمكن التنبؤ أو التحديد الدقيق لسياق سيرورته وتطوره،سوى أنه سيدخل المجتمع في أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية عامة ومركبة. لذا فإن المستقبل مفتوح على جملة من الخيارات منها ــ الأول: تقديم مصلحة المجتمع في الحفاظ على الآمان والاستقرار والوحدة الوطنية، وإنجاز مشروع التغيير الوطني الديمقراطي السلمي. ثانياً: التمسك بالحل الأمني، مما يعني مزيداً من العنف، ومزيداً من الدماء، ويقابل هذا الخيار موضوعياً تنامي المد الشعبي الذي يتجلى حتى اللحظة بأشكال سلمية ترفض التدخل الخارجي،وتطالب بتفعيل وتعميق الخطوات الإصلاحية.ولإدراكنا بأن التناقضات والإشكاليات السياسية الداخلية يجب أن تحل بأدوات ومفاعيل وطنية تحت سقف الوطن،وتحت شعار المحافظة على الوحدة الوطنية(أرضاً وشعباً) والاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي، يجب رفض أي تدخل خارجي.وقد بات واضحاً بأن استعمال لغة القوة واستمرار الاعتقالات وتغييب اللغة السياسية ذات العمق الاستراتيجي تفتح الطريق أمام بعض الأطراف التي تحاول جر البلاد إلى مزيد من التوتر والاحتقان،مما يساهم في زيادة لغة القوة المضادة،وهذا الخيار يساهم في فتح أبواب الوطن أمام تدخلات دولية وإقليمية تشتغل على تكريس وتمكين مشاريعها السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية عموماً والشرق أوسطية تحديداً، وذلك لاعتبارات وأهداف مختلفة ومتعددة،لهذا فمن الضروري أن تبادر كافة القوى السياسية والمدنية والأهلية الوطنية على صياغة ائتلاف وطني جامع يعبّر عن مصالح كافة مكونات المجتمع السوري،من أجل إنضاج مشروع التغيير الوطني الديمقراطي،في سياق المحافظة على سلمية التحركات الاجتماعية ذات الطابع الوطني،وعلى تماسك البنى الاجتماعية،وتمكين هذا المشروع يحتاج لإعلاء صوت العقل، ومشاركة من لم تلوّث أيديهم بدماء الشعب السوري أياً يكن موقعهم السياسي وتصنيفهم الاجتماعي. أي تغليب لغة العقل ومنطق الحوار السياسي الهادف لبناء دولة المواطنة المنيعة والمتماسكة أمام أي تدخل خارجي يهدف لزعزعة الاستقرار الداخلي وجر البلاد إلى أماكن ومواقع سياسية لا يرتضيها الشعب السوري الذي يتمتع بالحس الوطني والقومي.وأيضاً فإن استخدام لغة العقل السياسي، يساهم في تثمير الحالة الوطنية التي يتمتع بها الشعب السوري الذي يرفض الذل والعمالة وبنفس الوقت يطالب في الإسراع في تنفيذ إستراتيجية إصلاحية جذرية تنقذه من حالته الراهنة،وتقيه من الدخول في نفق المجهول.ونعلم بأن تماسك المجتمع السوري يشكّل الضمانة الوحيدة لمواجهة كافة التحديدات الداخلية والخارجية،وهو الضمانة لبناء دولة مدنية ديمقراطية على المستويين السياسي والاجتماعي. وإنطلاقاً من أن الوطن لجميع أبنائه، ومسؤولية بناءه تقع على الجميع، فإن بناء دولة المواطنة والقانون يستدعي مشاركة كافة القوى الوطنية والشعبية.والمدخل لذلك يتعين في عقد مؤتمر وطني للحوار يتم في إطاره تناول كافة القضايا التي تساهم في إخراج المجتمع السوري من أزمته الراهنة،ومناقشة كافة القضايا التي تمكّن القوى الوطنية السورية وكافة الفئات الاجتماعية من المساهمة في وضع أسس المشروع الوطني الديمقراطي للتغيير السلمي المتدرج لبناء الدولة المدنية الديمقراطية،ويجب أن يشارك في المؤتمر وعلى قدم المساواة،كافة القوى السياسية الوطنية وممثلي الفئات الاجتماعية والاقتصادية والشخصيات الثقافية والأكاديمية. ولضمان انعقاد ونجاح هذا المؤتمر يفترض بداية التوقف عن الحل الأمني، الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين والكف عن الاعتقالات التي تطال الناشطين السياسيين والمتظاهرين السلميين، ضمان حق التظاهر السلمي، التوقف عن استعمال لغة العنف ضد المتظاهرين السلميين، تقديم كل من خطط وشارك في قتل المواطنين السوريين المدنيين والعسكريين إلى محاكمة عادلة، ضمان حق عودة المنفيين ومشاركتهم في الحوار الوطني. وإن أي تأخير في عقد هذا المؤتمر سوف يساهم في زيادة حدة التناقضات الاجتماعية بكافة أشكالها،وعلى كافة مستوياتها.

إذاً فإن عتبة المشروع الوطني الديمقراطي، تنعقد أمام هذان الخيارين. لهذا فإن سياق التحول الوطني الديمقراطي، سيكون أمام منعطف تاريخي وحاسم، لذ يجب على من يمتلك العقل السياسي والإحساس بالمسؤولية الوطنية والقدرة على إنجاز هذا المشروع أن يبادر للمشاركة في هذا التحول لتجنيب المجتمع السوري الدخول في نفق التحولات المجهولة.ويجب أيضاً التأكيد على مسؤولية من يتسنم زمام القرار السياسي اتخاذ الخطوات الضرورية اللازمة لقيادة المشروع الوطني الديمقراطي الذي يشكل حتى اللحظة الضمانة الحقيقية والوحيدة للمجتمع السوري، وإلا فإن إمكانية تفاقم وزيادة حدة الأزمة الاجتماعية العامة تلوح في الأفق. ويتعزز هذا الاحتمال نتيجة لتأخر القوى السياسية الوطنية عن ربط حراكها السياسي بالحركة الشعبية، إضافة إلى عدم اشتغالها على تأطير وتوجيه النهوض الشعبي، وهذا يستوجب التأكيد على ضرورة أن تبادر القوى الوطنية لوضع آليات وصيغ سياسية تساهم في إخراج المجتمع من التناقضات الحالية، ووضعه على جادة الصواب. ومع هذا فإن وعي الشعب السوري وإحساسه بالمسؤولية الوطنية،تمكنه من رسم مستقبله بشكل صحيح،ويتعزز هذا بقدرة الشباب السوري التواق للحرية والمتمسك بحقه في المشاركة السياسية من أجل صناعة مستقبله في سياق المحافظة على الوحدة الوطنية. ونؤكد على أن إنجاز مشروع التغيير الوطني الديمقراطي السلمي، يحتاج لجهود كافة القوى الوطنية،وجميعنا يعلم بأن المجتمع السوري يفضل الاحتكام للغة العقل والمنطق السياسي. وهذا يحتاج إلى بناء تحالف شعبي وسياسي وطني عريض، يعبّر عن طموحات المواطن السوري الذي يعمل على تكريس مفهوم المشاركة في إطار الاختلاف البنّاء لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون وإنهاء الشكل الأمني للدولة…… ويجب التأكيد على أن نمط وبنية وشكل الدولة الراهنة، تأسست في سياق تمكين اقتصاد ريعي خدمي يقوم على تحرير الاقتصاد والأسواق وحركة رأس المال والمضاربات وتشجيع الاستثمار وإهمال القطاعين الزراعي والصناعي وتخفيض المعدلات الضريبية على المستثمرين والأرباح وحركة رأس المال، وتنامي صناعات اللمسة الأخيرة والقطاعات التي تحقق أرباحاً مرتفعة وسرعة في حركة دوران رأس المال،مما ساهم في تنامي حدة الاحتكار والاستقطاب الاجتماعي وزيادة معدلات الإفقار والنهب للثروات الوطنية،هذا إضافة إلى تنامي ما بات يعرف باقتصاد الظل، الذي تقاطع مع تنامي دور القطاع الخاص وتراجع دور الدولة الاجتماعي وإهمال القطاع العام والعمل على خصخصته أو تأجيره أو بيعه،(ونعلم بأن القطاع العام حتى اللحظة يشكل الملجأ الأخير لغالبية الأسر السورية ،إضافة لكونه يشكل الحاضنة الحقيقية لتطوير الاقتصاد الوطني،ولهذه الأسباب وغيرها تكمن أهمية المحافظة على القطاع العام في سياق تطويره من خلال إعادة هيكلته…)إن جملة العوامل السابقة ساهمت في زيادة حدة التناقض الاجتماعي مما خلق حالة من الاحتقان ساهمت في تسريع إشعال فتيل الاحتجاجات الشعبية. ولهذا فإن مضمون التحركات الشعبية المتنامية هو في جوهره صراع طبقي هدفه الأساس تغيير شكل وبنية الدولة السائدة على كافة المستويات، ولا ينفع في علاج الأزمة الراهنة لغة القوة أو التخويف من حرب أهلية أو فتنة داخلية ترد أسبابها فقط لوجود مؤامرة خارجية.لهذا يجب العمل على تحديد موقف وطني/ديمقراطي/اجتماعي من النمط الاقتصادي والشكل السياسي السائد.وفي هذا السياق يجب أن نؤكد بأن هدف الثورة السورية هو القطع مع التبعية الاقتصادية والارتهان السياسي،وبنفس اللحظة تهدف إلى القطع مع البنى السياسية القائمة وآليات اشتغالها،وهذه التحولات لا تتم في الغرف المغلقة أو من خلال حوارات سياسية شكلية.وكما بات واضحاً بأن الدول الغربية/ الرأسمالية تعمل على كبح جماح الثورات العربية وتغيير مساراتها الحقيقية، لذا فهي تضغط على النظم التي تواجه ثورات شعبية كي تقوم بجملة من الإصلاحات على المستويين السياسي تحديداً والاقتصادي. ونؤكد بأن الثورات العربية قطعت الطريق على جملة الإصلاحات الهامشية التي كان من الممكن أن تقوم بها النظم العربية في إطارها السياسي كي تحافظ على تماسك بنيتها السياسية ونمطها الاقتصادي السائد.أخيراً ننوه بأن سوريا،ونظراً لموقعها الجيو سياسي،فإنها تشكل ثقل استراتيجي على المستوى الإقليمي والدولي،وهذا يصعّب ويعقّد دور المجتمع الدولي والأطراف العربية ويجعل تأثيرها على سياق التحركات الشعبية هامشي ومتناقض. لذا نؤكد بأن خيار التغيير الديمقراطي السلمي مرهون بإرادة الشعب السوري وقيادته السياسية وقدرة المعارضة السياسية الوطنية.ويجب التنويه بأن انعقاد مؤتمر بعض أطراف المعارضة المستقلة في دمشق>فندق سميراميس< شكّل علامة فارقة في اللحظة السياسية الراهنة،وأيضاً شكل مدخلاً سياسياً يمكن من خلال تطويره وتأطيره المساهمة في رسم معالم آليات الحل السياسي الذي يجب تفعيله على المستوى الوطني.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى