صفحات سوريةغازي دحمان

عرسال في حسابات «حزب الله» وحلفائه/ غازي دحمان

 

 

استغل «حزب الله» الفرصة التي أتاحتها معارك عرسال للهجوم على خصومه اللبنانيين عبر محاولة توظيفها في سياق روايته عن دفاعه عن امن لبنان ووجوده من القوى التكفيرية وخطرها على مكوناته، مستفيداً بدرجة كبيرة من سلوك تنظيم «داعش» الإجرامي تجاه مسيحيي العراق وأزيدييه.

اتبع الحزب تكتيكاً هجومياً شنّته مختلف مؤسساته وأطره على مخالفيه، اتبع ذلك الهجوم إستراتيجية تدرجية، وهو الأسلوب الأثير للحزب في مختلف معاركه، سواء داخل لبنان أو خارجه، وهو أسلوب يبدأ بطرح اخطار القضية ثم يعمل على تحديد أطرافها وتعيينهم وغالباً ما يعمد عند هذه النقطة الى شيطنتهم في سبيل عزلهم وتحجيم تأثيرهم، من خلال تدمير روايتهم عن الحدث ورؤيتهم لها والسياسات التي يتبعونها عبر دمجها بمفاصل الأزمة الحاصلة.

أراد الحزب أن تشكل معارك عرسال محاكمة وطنية شاملة لكل مخالفيه بهدف إسكات أصوات معارضيه إلى الأبد ومرة نهائية، وتوظيف جهود لبنان ومكوناته كاملة في دعم مواقفه الإقليمية، ليس في سورية وحسب، بل حتى في العراق حيث بدأت تتردد الأخبار عن انخراط الحزب في ساحاته، وربما مستقبلاً في أي ساحة يتطلبها دوره الإقليمي بصفته ذراعاً إيرانية تحت الطلب.

لكن لا شك في أن الحزب تعمد ترك القضية تتفاعل في الداخل اللبناني، وفتح لها نوافذ كثيرة لتتسرب إلى الوعي اللبناني، ووضع القضية أمام الضمير الجمعي، لكن بصفتها قضية خطيرة تهدد عيشه وثقافته ووجوده، وليس بصفتها أحد إفرازات سياساته وتدخلاته، مستفيداً من مناخ الرعب الذي يسود المنطقة وحالة الاشمئزاز العالمية من تصرفات قوى التطرف المحسوبة على الإسلام السنّي.

المشكلة أن حسابات «حزب الله» أبعد من ذلك بكثير، حيث تأتي في سياق استراتيجي يضع الحزب عينيه عليه، وهو السماح له بالتحكم المطلق بمسار الحدود مع سورية، وهذا يستتبع السيطرة على كل ما يعتبرها مراكز إمداد وتموين للثورة السورية في مناطق السلسلة الشرقية وطرابلس، وهو يريد أن يحصل على تفويض شرعي بهذا الأمر من المؤسسات اللبنانية، وسيعمل في سبيل ذلك على استدراج وصناعة المزيد من الحوادث المشابهة بهدف استنزاف الجيش ووصوله إلى مرحلة قبول تسليم الجيش واللبنانيين بدور الحزب في سورية وعلى الحدود معها.

غير أن الحساب الأخطر الذي أفرزته معارك عرسال، هو اللاجئون السوريون، فقد تبين أن مواقف الحزب تنطوي على هواجس عميقة لم يلتفت احد غيره اليها في خضم النكبة السورية، اذ سريعاً ما ذهبت بعض وسائل الإعلام المؤيدة له إلى طرح قضية ترحيل النازحين السوريين من لبنان، وكشف رئيس مجلس النواب نبيه بري أن النظام السوري مستعد للتعاون في هذا الملف، إضافة إلى التشديد على وجود مناطق آمنة في سورية يمكن النازحين الإقامة فيها، طبعاً من دون ذكر أي ضمان لحياة الكثير منهم حيث يعتبرهم النظام السوري إرهابيين يتوجب معاقبتهم، ثم لم يطرح أحد مكان عودة هؤلاء وبخاصة أن أغلب النازحين الى لبنان هم من مناطق حمص وريفها حيث يخوض الحزب مع النظام حرب تطهير عرقية بهدف تغيير المعادلة الديموغرافية في المنطقة، وهو ما يضع أهداف الحزب في تناقض واضح في سياق الحرب السورية، وما يجعل من الأمر مجرد سياسة تركيب أزمات في وجه الخصوم المحليين والإقليميين.

لم يفكر أحد من أطراف 14 آذار باستثمار قضية اللاجئين السوريين، وبالأصل تم التعاطي معها بطريقة عاطفية خالية من أي حسابات سياسية. لم يفكر احد بأن هذا الشتات من اللاجئين يمكن ان يوفر فرصة سياسية أو يمكن دمجه في إطار المشروع السياسي اللبناني، في حين كانت حسابات «حزب الله» تسير باتجاه النظر الى اللاجئين السوريين بصفتهم أعداء محتملين يمكن أن يؤثروا في مشاريعه للهيمنة على لبنان.

اليوم وضع «حزب الله» مشكلة النازحين السوريين في مواجهة الرأي العام اللبناني. حتى المحايدون أو بعض الشرائح الاجتماعية التي لا تتفق معه أو تؤيد سياسياً فريق 14 آذار أمام مأزق ينطوي على توليفة من الهواجس والشكوك، ومع دخول الجيش والخسائر التي تعرض لها تصبح القضية أكثر إحراجاً للأطراف المناهضة لـ «حزب الله»، وقد بدأت تظهر أصوات متطرفة تجاه النازحين، لم يكمن ممكناً سماعها قبل معارك عرسال.

لا شك في أن الأزمة باتت تتطلب من الأطراف اللبنانية، التي وجدت نفسها في مواجهتها، تفكيك مفاعيلها ووقف تداعياتها، ذلك أن التراجع أمامها يحولها إلى أطراف هامشية في صناعة القرار اللبناني وبخاصة في ما تعلق بانخراط لبنان في الأزمة الإقليمية وفرعها السوري تحديداً، ولا بد من التأكيد ان معارك عرسال ليست سوى إفراز للأزمة الكبرى التي تتمثل بتدخل «حزب الله» في الوضع السوري وتغييره المعادلات هناك. ألم يعترف قادته بأنهم السبب في بقاء نظام الأسد؟ أليس نظام الأسد هو من تسبب بكل هذا النزوح والخراب؟ يريد «حزب الله» للبنانيين الانشغال بتداعيات سياساته الخاطئة ومحاكمتهم على وقعها، فيما يستمر هو بإيقاع لبنان في الأزمات المتتالية بدءاً من تدمير بنيته التحتية واقتصاده في حرب تموز (يوليو) ثم تعطيله النظام السياسي اللبناني وأخيراً تدفيع لبنان ثمن سياسات الحزب السورية.

* كاتب سوري

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى