صفحات الثقافةمحمد أبي سمرا

عرض “فيك تتطلع عَ الكاميرا” السوري في “دوّار الشمس”: يغيب عنه الانفجار التعبيري الكبير للثورة


    محمد أبي سمرا

مساء الإثنين 7 أيار الجاري عُرضت مسرحية “فيك تتطلع عَ الكاميرا” على مسرح “دوار الشمس” في بيروت، عن شهادات معتقلين سوريين في السجون. المشاركون في الإعداد والتمثيل من جيل لم يتجاوز الثلاثين. التدريبات الاولى على العمل جرت في مكان سري في دمشق. اما العرض فجاء مدرسياً في روحه وأدائه التمثيلي.

قبل أيام من العرض، التقينا كاتب النص، الشاب الدمشقي محمد العطار، فقال انه كتب المسودة الأولى بناءً على شهادات جمعها في أشهر الثورة الأولى من أصدقائه ومعارفه ومعتقلين آخرين لا يعرفهم في دمشق، من دون ان يفكر مسبقاً في المسرح. كان هاجسه الأول التسجيل والتوثيق. قبل الثورة كان العطار (من مواليد 1980، حامل إجازة جامعية في الأدب الانكليزي، ومن المعهد العالي للفنون المسرحية الدمشقي) قد تعاون مع منظمة ايطالية للحقوق المدنية والانسانية على إعداد عمل مسرحي يشارك في أدائه فتيان من نزلاء سجن الأحداث في دمشق. نُفّذَ العمل وعُرِض في السجن، بعدما استطاعت المنظمة الايطالية الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية السورية. كانت التجربة هذه في إطار ما يسمى “المسرح التفاعلي” أو “مسرح المضطهدين”.

حمّى التوثيق والتسجيل والتصوير والإحصاء التي رافقت الثورة السورية كفعلٍ لا ينفصل عنها منذ بدايات تظاهراتها الاحتجاجية، هي التي حملت العطار على جمع شهادات المعتقلين وتوثيقها، قبل التفكير مع صديقه المخرج المسرحي الدمشقي عمر أبو سعدا، في تحويله نصّاً مسرحياً. لذا بدأ العمل على “التخلص من ثقل الشهادات الوثائقية وكثافتها الحية”، لايجاد صيغة مسرحية ما لها، “باختلاق حكاية درامية” للربط بينها. محور الحكاية المختلقة مخرجة سينمائية هاوية تدعى نورا (أدت دورها الممثلة السورية المعروفة ناندا محمد). تنتمي نورا الشابة – وفقاً لتشخيص العطار – الى الطبقة المتوسطة الدمشقية التي تغالب عجزها وخوفها حيال الانتفاضة، وتجد انها غير قادرة على المشاركة فيها. الخوف والعجز هذان، يدفعان نورا الى تصوير فيلم تسجيلي عن معتقلي الانتفاضة. اثناء التصوير تخوض المخرجة رحلة في مواجهة ذاتها وعائلتها ومخاوفها. هكذا ولدت الحبكة الدرامية، التي اعتمد العطار في كتابتها على ما جمعه من شهادات المعتقلين، وأخرجها صديقه عمر أبو سعدا، متعاوناً، اضافة الى ناندا محمد، مع جمال شقير، أيهم الآغا، ولونا ابو درهمين (في التثميل)، بيسان الشريف (سينوغرافيا)، حسن البلخي (إضاءة)، ريم الغزي (فيديو)، خالد عمران (موسيقى)، راد كدّو (مساعدة مخرج).

المشاركون هؤلاء جميعهم من جيل لم يتجاوز الثلاثين. لقاءاتهم وتدريباتهم على إعداد العمل وانجازه، جرت في مكان سري في دمشق، على ما روى المخرج. أما في العرض على خشبة المسرح، أي في الحكاية الدرامية المختلقة، فيجري تصوير الشهادات في مكتب شقيق نورا، المحامي الذي يعارض عمل اخته، يخاف منه، ويتهكم عليه وعليها وعلى الثورة، قبل ان يلتقي بها في مشهد أخير بعد اعتقالها. مدة العرض ساعة و35 دقيقة، امّحت فيه ملامح الشخصيات صاحبة الشهادات، وتداخلت وامتزحت أبعادها وحكاياتها، على ما ذكر العطار. البروفات الأولى لأدوار الممثلين انجزت في دمشق، لكن من دون التجهيزات الفنية من سينوغرافيا وتصوير فيديو، التي انجزت في العاصمة الكورية سيول، عشية عرض العمل هناك ما بين 17 و29 نيسان الماضي. قبل سيول قُدِّم العمل في صيغة قراءات مسرحية في إطار مهرجان “نقاط التقاء” في بروكسيل في مطلع كانون الأول 2011، ثم في برلين (كانون الثاني 2012)، وأثينا (آذار 2012). وفي “دوار الشمس”، يبدو ان تجهيزات المسرح التقنية لم تساعد متطلبات العرض الفنية، فجاء الصوت ضعيفاً، وكذلك توزيع الإضاءة.

ربما من الصعب تقويم العمل فنياً، نصاً وإخراجاً وتمثيلاً. فهو مدرسي الروح والإعداد والأداء، وسابق على ما فجرته الثورة السورية وملحمتها في الشعب السوري من طاقات وأشكال تعبير صوّرتها كاميرات الهواتف المحمولة، سلاح الناشطين والمتظاهرين الأول، وبثتها شاشات التلفزة وشبكات التواصل الاجتماعي. ومن قرأ في الصحف اليومية نتفاً من الشهادات الميدانية التي نقلتها وكالات الانباء العالمية من مسارح الانتفاضة، سوف تدهشه غربة العرض المسرحي عما شاهده من صور وقرأه من شهادات، حيث بلغ الانفجار التعبيري، اللغوي والجسماني والغنائي، حدوداً غير مسبوقة في سوريا في تاريخها الحديث. فمعدّو العمل المسرحي والممثلون تسيطر على ذائقتهم الفنية المسلسلات السورية، التلفزيونية منها والمدبلجة، سيطرة لا فكاك منها. فالممثلون جميعاً لا يمثلون، الا كما يمثل طلبة المدارس، أي يسمِّعون ما حفظوه، من دون حضور أجسامهم وطاقاتها الأدائية والتعبيرية. حتى الأداء الصوتي يعاني من ضعف، وينفصل عن الأجسام والوجوه ومضمون الكلام ومنطوقه. أما شهادات الاعتقال والتحقيق والتعذيب والسجن، فتغيب عنها المخيلة، وتتحول حكايات ميتة في النص المسرحي وعلى ألسنة المؤدين من دون طاقات تعبيرية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى