صفحات العالم

عروض متبادلة


ساطع نور الدين

في المبدأ، يمثل الاستفتاء السوري على الدستور الجديد تراجعا من النظام، الذي اعترف ضمنا بالضغط الشعبي من أجل الاصلاح والتغيير وأقدم على هذه الخطوة المتواضعة والمتأخرة. في الواقع يمثل الاستفتاء تصعيدا جديدا يعمّق الهوة ويؤجّج الصراع بين طرفي الأزمة السورية التي لم تعد تحتمل التسويات والحلول الوسط.

بديهي القول انه لولا الثورة الشعبية لما كان الاستفتاء ولا كان الدستور الجديد، بغض النظر عما اذا كان اللجوء الى هذا الخيار هو قرار الرئيس بشار الاسد او قرار حلفائه الروس والإيرانيين والصينيين الذين يبحثون عن مخرج من الأزمة.. وعن دليل على ان الاصلاح لا يزال ممكنا، والتغيير لا يزال مستبعدا، قبل مرور اربعة عشر عاما هي الفترة التي افترضها النص الدستوري المقترح لبقاء الاسد في السلطة.

المهم ان هذا هو السقف الزمني المحدد من جانب النظام وحلفائه، اي استمرار الاسد في منصب الرئيس لولايتين متتاليتين حتى العام ٢٠٢٦ على اساس انه ستكون هناك انتخابات رئاسية مبكرة خلال اشهر. ومقابل هذا العرض التفاوضي يتوقع هذا الفريق ان يتقدم الآخرون بعرض مقابل يلغي فكرة التنحي المباشر الذي لا تطرح عمليا إلا في الشارع السوري، ولا تلقى صدى جديا لا في واشنطن ولا في باريس ولا في لندن. والدليل هو ما ظهر في مؤتمر تونس لأصدقاء الشعب السوري، الذي بدا فيه الموقف السعودي الاستثنائي خارج سياق المواقف الاميركية والأوروبية والعربية المتهاودة، التي تقترح الشروع في عملية سياسية انتقالية قبل ان يُعثر على الجهة السورية المعارضة التي ستتسلم السلطة.

وظيفة الاستفتاء هو ان يكسب ذلك العرض الرئاسي السوري مصداقية وشرعية، تستدعي البحث عن عرض مقابل يحظى بقدر مواز من المصداقية والشرعية، وهو ما لا يمكن أحداً من خارج النظام أن يدّعيه. والأمر لا يبرر فقط بتشرذم المعارضة السورية، لان الثورات العربية كلها لم توفر معارضات موحدة أو منظمة.. بل يعتمد أساسا على ذلك اللغز الذي يمثله الجيش السوري الحر وغيره من الكتل العسكرية المنشقة التي لجأ اليها الجمهور المعارض لحاجته الى الحماية والرعاية المباشرة ولشكه في التشكيلات السياسية المعارضة، التي تتوزع بين منفيين منقطعين عن الداخل، ومقيمين منتمين الى الخارج وأفكاره السابقة للثورة.. والتي تجاوزها الشارع منذ ما قبل ١٥ آذار الماضي.

كان مؤتمر تونس والاستفتاء على الدستور بمثابة الحد الأقصى لمواقف طرفي الأزمة السورية، اللذين يندفعان نحو مواجهة عسكرية غير متكافئة، بناء على طلب الشارع، وعلى رغبة الخارج، وعلى اقتناع عام بأن الأزمة لا تزال تحتمل الكثير من الاختبارات، قبل أن يتحقق التغيير في الفترة الفاصلة بين اليوم وصيف العام ٢٠٢٦.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى