صفحات العالم

عسكرة الطائفة السنّية/ حـازم الأميـن

يجري على نحو حثيث ومنهجي عمل منظم يتولاه “حزب الله”، وهو ما يمكن أن نسميه “عسكرة الطائفة السنية في لبنان”.

هذه الطائفة التي لم تنخرط على نحو واسع في الحرب الأهلية اللبنانية، على نحو ما انخرط الموارنة ثم الشيعة. ولم تكن المناعة السنّية ناجمة عن إيمان عميق بلبنان غير متوافر لدى الطوائف الأخرى، انما عن شعور بالأمان وانعدام الخطر على الوجود مرده الى انتماء الى هوية أوسع غير مهددة.

التواريخ الحديثة للطوائف اللبنانية الكبرى غير مشرف على كل حال، وليس لأحد أن يدين أحداً على هذا الصعيد. الموارنة دُفعوا الى الانكفاء عن فكرة لبنان الكبير في بداية السبعينات عبر ما سمي بـ”عزل الكتائب” وبالتمدد الفلسطيني. فسرعان ما استعاضوا عن الشراكة التي كانوا فيها الشريك الأكبر والأكثر حضوراً، بدويلتهم التي لم تجد عمقاً إقليمياً ودولياً، فجاء اتفاق الطائف ليتوج خسارتهم.

الشيعة، وما إن تعسكروا في عام 1984، وهو ما ساهم فيه ضيق الأفق السياسي المسيحي، حتى ذهبوا الى دمشق وسلموا نظامها مفاتيح دولتهم، وها هم اليوم يستعيدونه من دمشق ويسلمونه الى طهران.

بدءاً من عام 2005، تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، جاء دور الطائفة السنّية في العسكرة. ويسير ذلك وفق خط تصاعدي، بدأ بتحول السنّة الى جماهير ساحات وتظاهرات، بعد ان كانوا سكان أحياء وتجاراً. وتحضر هنا عبارة مُنح الصلح عندما سُئل في سبعينات القرن الفائت عن تعريفه للتظاهرة اليسارية في بيروت، فأجاب: “التظاهرة هي مجموعة من المحتجين الشيعة، يمشي في مقدمهم شباب مسيحيون، ويعبرون في حي سنّي”.

لكن تحول السنّة اللبنانيين الى جماهير تظاهرات كان بداية الطريق، ذاك أن الوقائع جاءت مؤلمة وقاسية.

واذا اعتمدنا اللغة الطائفية، فإن هزائم شارعية حلت بالطائفة منذ ذلك التاريخ، قدمت الهامش على المتن في بنية الطائفة، فأضعفت المركز المديني وأحيت الأطراف الريفية، وهذه من الإشارات الحاسمة على السير في العسكرة على نحو حثيث.

اغتيال الحريري، و7 أيار، والقمصان السود، والحرب على صيدا بذريعة الأسير… هذه محطات الهزائم الشارعية الرئيسة، لكن فصلت بينها أيضاً وقائع أخرى منها الاغتيالات، ومنها مغادرة سعد الحريري لبنان، وغير ذلك.

واذا كان الانكفاء في كانتون طائفي هو مآل عسكرة المسيحيين، والالتحاق الكامل بالنظام السوري ثم الإيراني مآل عسكرة الطائفة الشيعية، فإن الأفق الإقليمي لعسكرة الطائفة السنّية سيأتي على ما تبقى من حصانة هشة للكيان اللبناني، ذاك أن لبنان صار ما هو عليه في عام 1943، ليس لأن المسيحيين رغبوا بهذا الكيان، إنما عندما وافق السنّة متمثلين برياض الصلح على رغبة المسيحيين بهذه الشراكة.

“حزب الله” ألغى فكرة الحدود عندما توجه للقتال في سورية. في المقابل في الأفق السنّي إشارات سود ورايات سود، ولا حدود تحصن لبنان من الاحتمالات السود.

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى