صفحات الناسوليد بركسية

“عشق الأرض”: إعلام النظام يحارب معارضيه بـ”فزاعة إسرائيل”/ وليد بركسية

 

 

تلعب قناة “الإخبارية السورية” الرسمية، على مشاعر الكره العربي لإسرائيل، وتشبّه في إنتاجها الوثائقي الجديد “عشق الأرض”، الوضع الميداني في الجنوب السوري خلال الفترة الماضية، بما كان عليه الحال في جنوب لبنان منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين تأسس جيش لبنان الجنوبي “جيش لحد” الشهير بتحالفه مع إسرائيل.

وتزعم القناة في إنتاجها الذي عرضته الخميس، أن إسرائيل هي الداعم الأولى لفصائل المعارضة المتواجدة في محافظات الجنوب السوري، تحديداً في ريف القنيطرة المحاذي للشريط الحدودي مع إسرائيل، والذي شهد منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي عمليات عسكرية واسعة، بعدما أطلقت فصائل المعارضة معركة “قادسية الجنوب”. العرض يختصر الجنوب السوري الذي يعتبره كثيرون مهد الثورة السورية، بقريتين صغيرتين هما حضر وحرفا الاستراتيجيتين اللتين تفتحان الطريق من الجنوب نحو غوطة دمشق الغربية.

وحاولت “الإخبارية” اتباع طريقة دعائية غير مباشرة في خلق المقاربة بين “جيش لحد” و”الجيش الحر”، بالابتعاد عن الإشارة المباشرة لذلك “التشابه”، سوى في المقدمة المترافقة مع صور بانورامية للمنطقة، وكأنها تترك للمشاهد خلق تلك المقاربة بنفسه، مراهنة كما يبدو على “الوطنية البعثية” وذاكرة الناس التي تستنفر عند سماع كلمة إسرائيل ضمن أي سياق، خاصة أنها تقدم الفيلم لجمهور الممانعة في نهاية المطاف. واستخدام إسرائيل كـ”فزاعة” هو أسلوب متكرر في إعلام “الممانعة” وإنتاجات “الإخبارية” بالتحديد.

ولم تقدم القناة طوال عشرين دقيقة، أي معلومات قيمة أو أفكاراً نظرية أو دلائل تدعم تلك المقاربة المبالغ فيها، والتي لا يتعدى جوهرها وجود إسرائيل كعامل حدودي مشترك بين المنطقتين جغرافياً، حسب القناة، فضلاً عن صور أرشيفية تظهر معالجة جرحى من قوات المعارضة في مستشفيات إسرائيلية، وهي الصور التي يكرر إعلام النظام نشرها منذ العام 2013.

وكتبت القناة في تقديمها للفيلم بإنشائية هزلية: “وثائقي مهم يفضح مدرى الارتباط بين الكيان الإسرائيلي والجماعات الإرهابية الوكيلة بدوره في الجنوب السوري، ويحكي قصص بطولات وحكايات انتماء تعمدت بالدم النقي الطاهر من لدن سوريين لا يباعون ولا يشترون، قصص عشق الأرض وصمود البازلت وتكسر الرؤوس التي قررت أن تناطحه”.

والحال أن الفيلم يخلو من كل ما سبق، فلا تمر فيه القصص والحكايات حتى على لسان السكان المحليين الذين يكررون الشعارات “البعثية” حول “الوطن وقائد الوطن وجيش الوطن” أمام الكاميرا، التي تركز على مقدم الفيلم بهاء خير بدلاً من التركيز على المتحدثين، بما في ذلك أحد قادة قوات النظام الذي ترصده الكاميرا من الخلف من دون أن يظهر وجهه في الفيلم.

ويلاحظ أن اللقاءات لا تُظهر سوى شخص واحد في كل مرة، رجل دين أو مقاتل، من دون وجود مدنيين يتحركون في الخلفية أو رصد لهم في حياتهم “الطبيعية” التي توفرها لهم قوات النظام، والتي يتم الحديث عنها خلال الفيلم. ويتعزز ذلك بسوء في التنفيذ والتصوير وحتى في طريقة مونتاج اللقطات الأرشيفية التي تبدو مقحمة في سياق الفيلم من دون أي إشارات توضيحية لها، وكل ذلك يجعل الفيلم الوثائقي مجرد تقرير تلفزيوني طويل ورديء.

ومن اللافت في سياق الفيلم تمويه وجوه بعض عناصر قوات النظام المتواجدين في المنطقة، ويُشكك البعض بأن السبب هو كون الصور مزورة أو قديمة، أو لأنها تعود لقادة بارزين أو وجوه معروفة من المليشيات الأجنبية. في حين يدعي الفيلم أن قوات النظام هي الوحيدة المتواجدة في المنطقة. كما يظهر بعض المتحدثين من المدنيين المقاتلين إلى جانب الجيش في المقابلات، وهم يتحدثون بلهجة لبنانية واضحة، مقدمين معلومات تفصيلية عن “الدعم الصهيوني” لفصائل المعارضة، بما في ذلك الحديث عن أسلحة معينة لا يمكن لمدنيين عاديين، كما يفترض، معرفتها بتلك الدقة.

يشير ذلك إلى نوع من التحفظ الرسمي لدى النظام في الإعلان عن حلفائه من الميليشيات الأجنبية كـ”حزب الله” اللبناني و”الحرس الثوري” الإيراني. وهو تحفظ ساد منذ العام الماضي بعد خلافات بين الإعلام السوري وفرقة “الإعلام الحربي” التابعة لـ”حزب الله” في مناطق متعددة. وذلك لتعزيز فكرة أن قوات النظام هي التي تحمي البلاد من منطلقات وطنية محضة، وتلميع صورة الجيش المتهالك أمام جمهور الموالين.

وشهد الجنوب السوري في الفترة التي يرصدها الفيلم أحداثاً كثيرة ومتصاعدة، مع تعدد في الجهات الفاعلة على الأرض هناك، بما فيها إسرائيل، خاصة أن القرى الجنوبية هناك تسكنها أغلبية تنتمي للطائفة الدرزية، التي طالبتها فصائل معارضة بالبقاء على الحياد، في وقت كانت فيه إسرائيل تقصف مناطق للنظام “رداً على سلامتها” مقابل كل قذيقة داخل الشريط الحدودي، وكل تلك الوقائع التي تداولها الإعلام عموماً تغيب عن فيلم “الإخبارية”، الذي اكتفى بعرض مقابلات موجهة مع أهالي المنطقة.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى