صفحات سوريةميشيل كيلو

عصابات تحت الطلب!

ميشيل كيلو

ليس هذا نصا مسرحيا، إنه قطعة من واقع الحياة في سوريا، حيث تركب أجهزة القمع الصور التي يريد «السيد الرئيس»، منسقها الأعلى، أن يكون الواقع عليها، بالطريقة التي تركب بها فصول مسرحية مترابطة الحلقات متماسكة الأجزاء.

عندما يقول المنسق الأمني الأكبر، رئيس الجمهورية العربية السورية، إن البلاد تتعرض لمؤامرة إسلامية، يصير كل خصم للنظام إسلاميا ومتآمرا. وحين تكون الخصومة مع الفلسطينيين، يصير كل سوري معارض أو متذمر فلسطينيا أو عميلا لمنظمة التحرير. وعندما ينقلب النظام على حليف من حلفائه، يصير هذا الحليف هدف سياط «الأمن» لانتزاع اعترافات من أعضائه تجعله متعاملا مع عدو أو عميلا له. بما أن المنسق الأعلى اتهم عصابات مسلحة بالاختباء وراء الثورة السورية، فقد صار من واجب الأجهزة القمعية إيراد أدلة قاطعة على صحة الاتهام، بانتزاع اعترافات من المعتقلين تكتب بالنيابة عنهم وتوقع بالنيابة عنهم إن ماتوا تحت التعذيب، يقرون فيها أنهم من «العصابة»، وأنهم ألقي القبض عليهم والسلاح بيدهم، وأنهم لم يتعرضوا لأي تعذيب أو معاملة عنيفة.

روى سجين خرج من أحد أفرع مخابرات القوى الجوية كيف كانت هذه تؤسس العصابات المسلحة من المعتقلين، على نحو ربما كان شبيها بالنص التالي:

* المحقق: شو اسمك وله؟

– المعتقل: جميل سيدي.

* المحقق: أنت جميل ولك قرد، ولك كلب وابن كلب. قول 100 مرة: أنا حقير وبشع.

– المعتقل: ليش سيدي أنا شو عامل؟

صرخات تقطع الحوار وضربات سياط تنهال من جلادين يقفون وراء المعتقل وأمامه، بينما بدأ يصرخ: أنا حقير وبشع وابن كلب.

* المحقق: إلى أي عصابة مسلحة بتنتمي وله؟

– المعتقل: يا سيدي أنا جابوني من فراشي وكيلك الله، وبعدين روحوا اسألوا جيراني والمختار إذا بحياتي آذيت حدا أو زعلت حدا مني. يا سيدي دخيلك أي عصابة وأي سلاح؟

* المحقق: عم تنكر يا ابن الكلب، عنا عشرين اعتراف عليك.

ينظر إلى أحد العناصر فيبدأ هذا الحديث عن الخلية المسلحة التي تضمهما، يقول هذا وهو يشارك في ضربه مع بقية العناصر. في هذه الأثناء، يكرر المحقق جملة واحد قصيرة، تقول له: «قر واعترف وإلا والله باقوصك بها الفرد اللي بيدي»، وهو يقول هذا بينما ينقره بالمسدس على رأسه أو يضغط بفوهته على صدغه.

بعد ساعات من التعذيب المصحوب بكلمات توهمه بأن المسألة شكلية وأنه سيذهب إلى بيته بعد أن يظهر على شاشة التلفاز لتقديم الأدلة على وجود العصابة ودوره فيها، وأن اعترافاته ستكون خدمة للوطن تحتسب له:

* المحقق: أي هيك هاه، ليش ما اعترفت من الأول، ما كان اكرملك واشرفلك لو اعترفت ووفرت علينا التعب؟.. شو انت ظانن انو ما عنا غيرك لحتى تضيع وقتنا؟.. أي سيدي: مين عطاك المصاري لتقتل الأبرياء من النساء والأطفال؟

– المعتقل: يا سيدي، والله ما حدا.

تنهال عليه السياط، فيقول: «يا سيدي شو بدكن اقول؟»..

* المحقق: قول الشيخ إبراهيم عطاني بارودة وخمسين ألف ليرة وأمرني أقتل جيراني وأخطف أولادهم وبناتهم.

– المعتقل: نعم سيدي صحيح، الشيخ إبراهيم عطاني المصاري.

* المحقق: بأي جامع عطاك البارودة؟

– المعتقل: أي بارودة سيدي؟

* المحقق: ولك حمار بدك ترجع تعذبنا، البارودة والخمسين ألف.

– المعتقل: الجامع اللي بدكن ياه سيدي، انت حدد لي الجامع، انت بتعرف شو صار وأنا والله ما باعرف، كأني نسيان يا سيدي. عم شو إني حمار وبانسى.

* المحقق: نسيت يا كر شو صار معك.. نسيت جامع الرحمة؟

– المعتقل: نعم سيدي، جامع الرحمة.

* المحقق: راح نجيب بقية أفراد العصابة، اللي انت رئيسها.

– المعتقل: شو يا سيدي، أنا صرت رئيس عصابة؟

* المحقق: للتلفزيون ولك حمار، للتلفزيون.

أصوات قتل وضرب وتلقين الاعتراف ذاته لمجموعة من الأشخاص تستمر طيلة ساعات، حيث كان بين المعتقلين شاب عذبوه لفترة طويلة ثم قرروا استبدال معتقل آخر به، لأنه ظل يؤكد وهو تحت التعذيب أنه يفضل الموت على الاعتراف بالانتماء إلى عصابة مسلحة تقتل المواطنين، وأقر بلغة متحدية أن له دورا في تنظيم المظاهرات ضد النظام.

* المحقق: سنجري الآن تجربة أخيرة لنرى إن كنتم حفظتم ما قلناه لكم أم لا. يا ويلكم إذا نسيتوا. أنت، ماذا كان دورك في العصابة؟

– المعتقل: كنت مكلفا بخطف الأطفال والنساء وقتل الأبرياء وإثارة النعرات الطائفية، سيدي.

* المحقق: من كلفك وكم دفع لك؟

– المعتقل: الشيخ، اللهم صلي على محمد، والله نسيت اسمه. شو كان اسمه سيدي؟

* المحقق: بدك تعذبنا؟.. الشيخ إبراهيم ولك جحش. إن شا الله بكرة بدك تنسى اسمو ع التلفزيون، والله لأقبرك حي إن نسيت اسمو وفضحتنا، فهمت ولك كر؟

– المعتقل: فهمت سيدي، فهمت.

* المحقق: وقديش كان المبلغ؟

– المعتقل: خمسين ألف سيدي.

* المحقق وهو يصفعه: انت صرت رئيس العصابة ولك حمار، ما بيصير تاخد مثل غيرك. انت قبضت خمس وسبعين ألف، فهمت وله؟ يعني بدك تفضحنا ع التلفزيون وتخلي الناس تشك بأنها قصة مركبة ومفبركة؟

– المعتقل: صحيح سيدي صحيح، تذكرت.. خمسة وسبعين ألف.

بعد أيام، أذيع خلال نشرة أخبار تلفازية البيان التالي: «تم فجر اليوم إعدام أفراد عصابة مسلحة اعترفت طواعية وعلى شاشات التلفاز بقتل الأطفال واختطاف النساء، مقابل مبلغ تافه قدمه لها شيخ مسجد الرحمة، الذي لم يرحم أطفال ونساء المواطنين. بوجود هؤلاء المجرمين القتلة يكون عندنا دليل آخر على جرائم العصابات المسلحة، التي يتصدى لها أبطالنا في الأمن والجيش بروح مفعمة بالتضحية والفداء، ولا هم لهم غير حماية المواطنين واستقلال وسيادة الوطن»!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى