صفحات الحوار

عضـــو المجلـــس الوطـــني الســوري محمــد العبــد الله: عمليــات “الجيش الحر” دفاع مشروع عن النفس


محمد دحنون

لكونه على طريق سفر، لم يتمكّن المعارض محمد العبد الله، عضو المجلس الوطني السوري، المشكّل حديثاً، من الإدلاء بأجوبته على الأسئلة التي حاول التحقيق الذي نُشر في “شباب السفير” (4/ 10/ 2011) أن يثيرها. ولأنّ المشاركين في التحقيق المذكور طرحوا هواجسهم وآمالهم التي تمثّل، بصورة ما، أساساً لمعظم التساؤلات حول نشاط المجلس وفعاليته، الآن وفي المستقبل، فقد ارتأى “شباب السفير” أن يحمل تلك التساؤلات إلى أحد ممثلّي “لجان التنسيق المحليّة” في المجلس المذكور.

محمد العبد الله، الشاب السوري الذي حدث أن “اجتمع” يوماً في المعتقل مع أبيه وأخيه، يعيش اليوم في واشنطن، ناطقاً رسميّاً باسم “لجان التنسيق”، لكنّه يلفت إلى كونه يجيب عن أسئلة هذا اللقاء بصفته عضواً في المجلس الوطني السوري.

في طريق المجلس، الذي يبدو وعراً وحافلاً بالمطبّات، إلى تحقيق الهدف الذي يرفعه الثوّار السوريون والمتمثّل بإسقاط النظام السوري بكامل أركانه، عقبات كثيرة، نستشرف مع الشاب طليق اللسان بعضاً منها، ونستشرف معه أيضا شيئاً من معالم الطريق إلى سوريا الجديدة، المستمرة في النزف والولادة منذ أكثر من سبعة أشهر..

– بداية، يلحظ البعض غياباً للشفافيّة في عمل مختلف أطياف المعارضة السوريّة. ألاّ تعتقد أن سوريا المنتفضة تستحق وضوحاً وتعاملاً شفّافاً من قبل من يريدون تمثيلها؟ أليست الشفافيّة بحد ذاتها تمثّل قطعاً مع أساليب النظام السوري المغلق؟

صحيح، إلى حدّ كبير. هناك تعتيم وليس غياباً للشفافية، أي ليس القصد منه إخفاء الحقيقة أو الكذب على الناس بقدر ما يقصد منه حماية أسماء النشطاء في داخل سوريا، وعدم تسريب معلومات من داخل المعارضة يمكن للنظام أن يستفيد منها. لكن، وفي كل مرّة، بعد أن يعلن عن ولادة قوّة سياسية جديدة يتم كشف الأوراق للجميع ونشر كل شيء. المداراة وتوخّي الحذر خلال العمل التحضيري أمر مبرر، لا بل وضروري إن كنت تعمل ضد نظام مثل نظام الأسد.

هذا فيما يتعلق بالتحالفات السياسية، ولكن دائماً هناك أسئلة غير محقّة عن نواحي أخرى تتعلق بالعلاقات الدولية وغيرها، وهذه طبيعة السياسة ولا أراها معيبة أو تمثّل غياباً للشفافية. أجريت لقاءات رفيعة المستوى بالإدارة الأميركية بعيداً عن الإعلام، لأن الوقت لم يحن لتكون علنيّة. عندما تقابلنا مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون كان اللقاء علنيا ونشرت صورتي إلى جانب الوزيرة على الـ”فايسبوك”، وظهرت بعدة مقابلات تحدثت فيها عن اللقاء. باختصار: “كل شي بوقته حلو!”.

– هنالك مآخذ كثيرة على المجلس أتت من جهة بعض معارضي الداخل. هل لدى المجلس خطّة أو حتى نيّة لتقريب وجهات النظر مع “هيئة التنسيق”؟ هل من “تسويّة” تتيح العمل على تشكيل مظلّة سياسيّة للثورة السوريّة، أوسع من تلك التي يمثّلها المجلس الوطني السوري؟

المشكلة مع هيئة التنسيق ليست مشكلة وجهات نظر بقدر ما هي اختلاف في التصوّر العام للحل. رؤية المجلس الوطني هي رحيل النظام. يبني أفكاره وتحالفاته وخطّة عمله على هذا الأساس. رؤية هيئة التنسيق هي بقاء الأسد وتغييرات طفيفة في الأجهزة الأمنية. لا أعتقد أن هناك أي قاسم مشترك على الإطلاق مع طرح كهذا. نحن لا نطرح رحيل الأسد لأننا “صقور المعارضة” أو المتطرفين في المعارضة كما يصفنا البعض، هذا طرح الشعب السوري وصوته كان مسموعاً في التظاهرات.

ثم إن هيئة التنسيق الوطني نفسها لا تملك وزنا حقيقيا في الشارع. أعرفهم عن قرب، ولي عدة أصدقاء في الهيئة. أبرز مكوّن في الهيئة هو حزب الاتحاد الاشتراكي وكان لنا تجربة سيئة معه في إعلان دمشق، إذ اتخذّ الحزب موقفاً مخجلاً للغاية من اعتقال قيادات إعلان دمشق ووقف إلى جانب السلطة. مقارنة المجلس الوطني، الذي سمّيت جمعة باسمه وهتف له الشعب السوري، بمجموعة تحمل طرحاً سياسياً مضاداً لرؤية الشعب السوري بشكل مطلق أمر غير منطقي. حتى الآن لم يُجب أي من أعضاء هيئة التنسيق، حتى الأصدقاء منهم، عن سبب إصرارهم على بقاء بشار الأسد؟ هل انقطع نسل السوريين، فلم نعد نجد شخصا غيره يصلح لأن يقود البلاد!

– تمّ تشكيل المجلس الوطني السوري في اسطنبول، وكما تابع الجميع، لقي تشكيله صدى طيباً في مدن سوريا وقراها المنتفضة. السؤال العام الذي يُطرح: كعضو في المجلس الوطني السوري، بماذا تَعد السوري المنتفض الذي يواجه آلة الموت والاعتقال والتعذيب؟

حقيقة، نحاول تحاشي قطع الوعود مع الإصرار على المضيّ في تحصيل أقصى ما يمكن تحصيله من حقوق الشعب السوري. يمكن قطع وعود غير واقعية للشعب السوري وإيهامه أن معركة الحرية ستنتهي غداً. نحاول أن نكون واقعيين ونرسم أدقّ صورة صحيحة وواقعية عن المرحلة وعن تصوراتنا السياسية وعن مكاسبنا وخسائرنا السياسية. وهذا يأتي أيضاً كرد على اتهامنا بعدم الشفافية. نحن نخبر الشعب السوري الحقيقة فقط، من دون زيادة أو نقصان.

نعمل الآن على عزل النظام عربياً في جامعة الدول العربية أولاً. موقف كهذا سيضعف الموقف الروسي في مجلس الأمن، وسيعزز موقف الدول المطالبة بمعاقبة الأسد وحماية الشعب السوري.

– بخصوص موضوع “التدّخل الخارجي”، هل يمتلك المجلس تصوّراً محددّاً عن أشكال ذلك التدّخل فيما لو حصل؟

موضوع التدخل الخارجي من أكثر المواضيع تعقيداً في سوريا. أمر شائك للغاية، وللأسف يخوض الجميع فيه وكأن المجتمع الدولي ينتظر تصريحاً من شخص ما ليتدّخل. نظرة أكثر واقعية إلى الموضوع تظهر أن التدّخل حصل فعلاً: عقوبات على الرئيس وعائلته، منع السفر على معظم قيادات الطبقة السياسية في النظام، عقوبات اقتصادية مؤلمة وموجعة للنظام ولخزينته بشقيها الحكومي والخاص (رامي مخلوف وشركاه). عادة ما يتم حصر التدخل الخارجي بالعمل العسكري فقط، وهذا أمر غير دقيق. تصوّر المجلس أن المزيد من العقوبات، مع حظر للأسلحة على سوريا ومع توسيع العقوبات وتحويلها من عقوبات فردية تفرضها دول إلى عقوبات أممية تفرضها الأمم المتحدة، وصولاً إلى إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، كلها خطوات هامّة وأساسية.

طبعاً تتغير المواقف بتغيّر الوضع على الأرض. كان الشعب السوري بأسره يرفض فكرة التدخل الخارجي، اليوم الشعب السوري يستنجد بالناتو وغيره لإنقاذه مما يقوم به النظام السوري. الاستمرار في قتل الناس بهذه الطريقة سيجلب تدخلاً عسكرياً عاجلاً أم آجلاً، لا نعلم حجمه ونوعيته، لكن المعادلة التي أصبحت واضحة للعيان هي أن القمع الوحشي للشعب السوري بهذه الطريقة يمهّد الطريق بشكل كبير أمام تدخل عسكري. لهذا نقول أن النظام يجرّنا إلى المجهول، ويجرّ البلاد إلى الخراب، لأنه بسلوكه الدّموي يستدعي تدخلاً عسكرياً لطالما وقفنا ضده في السابق!

– كعضو في المجلس الوطني السوري، هل ترى أن المجلس قادر على تجنيب الثورة والبلد الانزلاق إلى الحرب الأهليّة؟ هل يجد المجلس نفسه معنيّاً بطرح خطط تعزّز من حضور أشكال الكفاح السلمي وآليات النضال اللاعنفيّة؟

من دون شك. من أولى أولويات المجلس هي تفعيل آليات النضال اللاعنفي التي لم تستعمل بعد، أو لم تستعمل بشكل صحيح، ولعل أهمها العصيان المدني. المجلس حريص على عدم تفكيك المؤسسة العسكرية في سوريا، كونها مؤسسة وطنية، وإن كان في نفس الوقت يشجع الانشقاقات في صفوف الجيش والأمن. عندما تصل الانشقاقات إلى درجة كبيرة ورتب معقولة من الجيش والأمن قد نصل إلى مرحلة يقف فيها الجيش على الحياد بين السلطة والشعب. طبعاً هذه المرحلة بعيدة جداً وتتطلب عملاً دؤوباً لزيادة نسبة المنشقين ودعمهم، ولعل أهم خطوة في هذا السياق هي إنشاء منطقة عازلة يلجئ إليها المنشقون وعائلاتهم.

لا أشعر بالقلق من احتمال وقوع حرب أهلية، وإن كان النظام يستثمر في الخطاب الطائفي ويحاول تقليب شرائح المجتمع ضد بعضها دينياً (مسيحيين ضد مسلمين)، أو مذهبياً (علويين ضد السنة)، أو حتى قومياً (عرباً ضد الأكراد). للشعب السوري تاريخ طويل من العيش المشترك، حتى قبل وصول نظام الأسد للسلطة، وهذا يردّ على مقولة أن النظام يحمي المسيحيين في سوريا. من حمى المسيحيين من إخوانهم المسلمين قبل وصول نظام الأسد؟ لطالما عاش المسيحي إلى جانب المسلم في سوريا بسلام ومحبة. رأينا نصف مليون يتظاهرون في حماة ومثلهم في دير الزور… لو كانت التظاهرات طائفية أو تمهّد لحرب أهلية يقودها أي طرف ضد أي طرف لما كانت الحال كما هي عليه اليوم. لعل تظاهرات حماة من أبرز الصور المشرقة في تاريخ سوريا الحديث. أكثر من نصف مليون يتظاهرون وينهون التظاهرة بكنس ساحة العاصي وغسل الطرقات وتنظيفها من عبوات الماء واللافتات. حقيقة لا ترى مثل هذا المنظر في كثير من الديمقراطيات الغربية.

– هل تعتبر أنّ العمليات التي ينفذها “الجيش السوري الحر” تشكّل خصماً من سلميّة الثورة لصالح عسكرتها؟ وهل لديكم اتصالات مع قادته؟ وإن وُجدت، ما فحواها؟

لا تشكل عمليات الجيش السوري الحر أي خصم لسلمية الثورة. عند الحديث عن سلمية الثورة فنحن نقصد دائماً أن المتظاهرين عزّل، سلميون، لا يحملون أكثر من لافتات وكاميرات وهواتف. وهذا حقيقة ما يحصل في التظاهرات. الجيش السوري الحرّ هو من الجيش السوري، ورفض قتل الناس وفتح النار على أبرياء وعزل، وعندما ينشق العسكري في الجيش السوري فسيواجه مباشرة خطر التصفية من أجهزة الأمن أو من فرق الجيش الأخرى. لذلك ليس أمامه إلا الدفاع عن نفسه. برأيي: ما يقوم به الجيش السوري الحر هو دفاع مشروع عن النفس.

– إلى أي مدى تعتقد أن بنيّة المجلس الوطني السوري الحاليّة قادرة على الاضطلاع بدور ملئ الفراغ الذي سيخلّفه سقوط النظام؟ هل لديكم تصوّر عن الكيفية التي من خلالها “سيُمسك” البلد خلال مرحلة ما بعد السقوط؟

المجلس الوطني مجلس مؤقت، لن يحكم سوريا بعد سقوط النظام. كلّ ما سيقوم به المجلس، بالتعاون مع المؤسسات الوطنية القائمة والتي ستبقى بعد زوال النظام (ومنها الجيش بطبيعة الحال) هو التعاون على تمرير فترة مؤقتة قصيرة لا تتجاوز بضعة أشهر ريثما يتم وضع قوانين جديدة فيما يتعلق بتشكيل الأحزاب والانتخابات وغيرها، والقرار في النهاية سيعود للشعب السوري.

لست قلقاً البتّة من أي شخصيّة في المجلس يمكن أن تحاول السيطرة عليه أو أن يدفعها طموحها السياسي إلى محاولة الوصول إلى السلطة بسبل غير مقبولة. الشعب الذي يسقط نظاماً يستخدم طائرات ودبابات ضدّه لن يقف ليتفرج على أي مشروع دكتاتور جديد.

لعل أبرز ما أدركه الشعب السوري (والليبي أيضاً) أنّه كلما تأخّر في إسقاط دكتاتور كلما ارتفعت كلفة إسقاطه لاحقا. أنا مطمئن كثيراً للدور الذي قد يلعبه المجلس، أو بعبارة أدقّ للدور الذي يمكن أن يشارك المجلس في لعبه.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى