صفحات مميزة

عفرين والتفاهمات التركية الاميركية –مجموعة مقالات-

 

 

 

 

«محاصصة» دولية ـ إقليمية حول منبج وعفرين/ إبراهيم حميدي

قائد كردي لـ«الشرق الأوسط»: تفاهم على وجود رمزي لدمشق

بدأت ملامح تفاهمات دولية – إقليمية لتوزيع شمال سوريا، بحيث تنتشر قوات أميركية – تركية في مدينة منبج وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات مقابل «وجود رمزي» لقوات النظام السوري في مدينة عفرين برعاية روسية.

وكشف قيادي كردي لـ«الشرق الأوسط» أمس أنه منذ بدء العمليات العسكرية التركية مع فصائل معارضة ضمن حملة «غصن الزيتون» أجرى قياديون في «وحدات حماية الشعب» الكردية اتصالات مع دمشق كي ترسل «حرس الحدود» للدفاع على الحدود السورية شمال البلاد، غير أن «الجواب من دمشق، كان أن موسكو تمنع حصول ذلك» على خلفية وجود تفاهم تركي – روسي سمح ببدء «غصن الزيتون» بمشاركة القوات البرية والطيران التركيين بعدما حصلت أنقرة من موسكو على «ضوء أخضر بالدفاع عن الأمن القومي شمال سوريا». كما سحب الجيش الروسي قواته من عفرين إلى مناطق أخرى.

ومع مرور الوقت و«التقدم البطيء» لعملية «غصن الزيتون» باتجاه عفرين وتعقد العلاقات الأميركية – التركية – الروسية، استمر التواصل بين قياديي «الوحدات» ودمشق. وقال مسؤول غربي: «اقترحت دمشق أن ترسل قواتها إلى عفرين وتسيطر عليها في شكل كامل كما حصل في أي منطقة معارضة أخرى وأن تتم السيطرة على الأسلحة الثقيلة للوحدات الكردية».

لكن قادة «الوحدات» رفضوا هذا الاقتراح لأن في عفرين «الكثير من المطلوبين للنظام ولا نأمن عدم تعرضهم للأذى». وحافظ قياديون في «الوحدات» على التواصل مع دمشق إلى أن أبلغوا رئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك بقبول «دخول قوات سورية رمزية للجيش ومؤسسات أمنية إلى وسط عفرين، كما هو الحال في مناطق أخرى» في إشارة إلى القامشلي والحسكة شرق نهر الفرات، حيث توجد فروع لأجهزة الأمن وحواجز لقوات النظام والعلم الرسمي السوري. وقال مسؤول كردي أمس: «يبدو أن موسكو التي رفضت التعاون قبل أسبوعين، وافقت على صيغة جديدة تسمح بوجود الدولة في عفرين. ويتوقع أن تتوجه عناصر من قوات النظام من حلب إلى عفرين في الساعات المقبلة».

«عودة» أوجلان إلى دمشق

تزامن ذلك مع سماح دمشق لأكراد بالتظاهر في أحد أحياء العاصمة السورية حاملين صور قائد «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان وانتقاد «غصن الزيتون»، علما بأن أوجلان اعتقل قبل 19 سنة بعدما طردته دمشق بموجب تفاهم مع أنقرة، حيث اعتبر منذاك «العمال الكردستاني» تنظيماً إرهابياً وتعرض عناصره للملاحقة والاعتقال.

وكانت «وحدات حماية الشعب» الكردية سلمت مناطق في ريف حلب إلى قوات النظام في ريف حلب لقطع الطريق على قوات «درع الفرات» التي أطلقت عملية عسكرية تركي نهاية 2016 للسيطرة على مناطق شمال سوريا، للتوغل باتجاه منبج وشرق حلب. كما عقد تفاهم بين «الوحدات» الكردية وقوات النظام برعاية روسية للانتشار في حي الشيخ مقصود في حلب. وقال قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية لـ«الشرق الأوسط» أمس: «هناك اعتداء من تركيا على الدولة السورية والأولوية الآن للحفاظ على السيادة السورية. ورغم الخلافات مع النظام على أمور أخرى، فإن المفهوم الوطني اقتضى التعاون في عفرين والسماح بوجود الدولة وتأجيل الخلافات الأخرى». وأضاف: «بعد ذلك، فإن أي اعتداء على عفرين من تركيا أو أي قصف عليها، سيتحول إلى موضوع إقليمي – دولي».

وكانت دمشق أعلنت نشر بطاريات صواريخ شمال البلاد. كما قال مسؤولون في دمشق إنهم سيستهدفون أي طائرة غير سورية بعد إسقاط طائرة «إف – 16» إسرائيلية السبت الماضي، مع العلم أن منظومة الدفاع الجوي السوري تحت سيطرة الروس في قاعدة حميميم.

وأبلغ قياديون أكراد «الشرق الأوسط» بأن الجيش الأميركي أبلغهم أكثر من مرة بأنه لا علاقة له بعفرين وهي خارج النفوذ الأميركي وتابعة لنفوذ روسيا، مشيرين إلى أنهم أطلعوا قادة في الجيش الأميركي شرق نهر الفرات بالاتصالات مع دمشق حول عفرين وأن «الأميركيين لم يكن لديهم مانع من حصول ذلك للحفاظ على وحدة سوريا وفق القرار 2254».

في حال أنجز هذا التفاهم حول عفرين، فإنه يتزامن مع تقدم لإنجاز تفاهم آخر حول منبج. إذ قالت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» إن أنقرة اقترحت على واشنطن نشر قوات تركية – أميركية

في منبج وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية إلى شرق نهر الفرات.

ويعتقد أن روسيا جزء من هذا الحوار، ذلك أن قواتها تنتشر في منطقة عريما في ريف منبج مقابل القوات الأميركية المنتشرة في المدينة دعما لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم «الوحدات» الكردية.

وكان مسؤول تركي أبلغ وكالة «رويترز» أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تلرسون وعد الجانب التركي أمس بدرس اقتراح نشر قوات مشتركة في منبج التي تقع على بعد 100 كيلومتر شرق عفرين، وكان الرئيس رجب طيب إردوغان قال إن قواته ستتوغل باتجاهها. لكن الجيش الأميركي بعث كبار ضباطه إليها لطمأنة حلفائه الأكراد.

وأوضحت المصادر التركية أمس أنه في حال نفذ الاتفاق التركي – الأميركي في منبج سيكون خطوة لاستعادة الثقة والقيام بخطوات أخرى بين الجانبين، تشمل «التنسيق الكامل» في العمليات العسكرية شمال حلب بين القوات الأميركية و«درع الفرات» بين منبج واعزاز وجرابلس، إضافة إلى الانتقال إلى البند اللاحق المتعلق في بحث إقامة شريط أمني شمال سوريا على طول حدود تركيا. وذكرت أن موافقة الجانب الأميركي على ذكر رفض «التغيير الديموغرافي» سيكون أساسيا في التعاون بين الجانبين في منطقة شرق نهر الفرات الخاضعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» بدعم التحالف الدولي بقيادة أميركا. ونص البيان على تأكيد الطرفين «التزام الحفاظ على وحدة أراضي والوحدة الوطنية لسوريا ورفض إيجاد تغييرات ميدانية وتغيرات ديمغرافية» مقابل «التنسيق لإنجاز التحول السياسي والاستقرار في سوريا وفق القرار 2254 ومؤتمر جنيف».

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

إشكاليات سورية في مرآة معركة عفرين/ منير الخطيب

لم تكن تعقيدات الحرب على عفرين هي الأولى التي تكشف الطابع الرث لـ «الاجتماع الوطني السوري»، وبالطبع لن تكون الأخيرة في شروط انفجار «التأخر التاريخي» المنبعث من قيعان «المجتمع» السوري، وقد تفلّت من آليات استبداد السلطة وضبطها، بعد أن استثمرت فيه أزيد من نصف قرن. لكن تلك الحرب تؤشّر إلى إشكاليات سورية عدة، تحكم على الأوضاع الداخلية بالتعفّن والاستنقاع، من أبرز هذه الإشكاليات:

أولاً، إن قيام فصائل «درع الفرات»، التي تنتمي إلى تقاطع الأكثريتين القومية والمذهبية، بالهجوم على مدينة عفرين السورية في حرب ترتبط بالمصالح القومية التركية العارية، وبمواجهة طرف سوري داخلي، يساهم في استمرار احتجاز دوري الأكثريتين العربية والسّنية المفترضين والواجبين في عملية التوحيد الداخلي، التي لا تستقيم مع الحرب والصراع، ومع ضياع واستلاب الدور الأكثري في الفصائلية المسلحة المركوبة خارجياً، حيث لا يمكن أي أكثرية أن تقوم بدور موحِّد مع تبديد وزنها الأكثري في تنظيمات وفصائل جزئية حصرية وعصبوية.

ثانياً، ليس من مصلحة الكرد والعرب السوريين ربط القضية الكردية السورية بالقضية الكردية في تركيا، بحيث تصبح قضية عابرة للحدود الوطنية، لأن هذا العبور، هو في الوقت ذاته، انحدار وسقوط في ثقوب الهويّة السوداء، التي تلتهم كل ما هو عام ومشترك ومعتدل بين السوريين. لذا، فإن الهجوم التركي على عفرين، مستلحِقاً به الفصائل الإسلامية المسلحة، يزيد من منسوب هذا الربط، وينسجم ويتطابق (موضوعياً) مع سياسات حزب «الاتحاد الديموقراطي»، الذي يحاربونه تحت يافطة الارتباط التنظيمي والسياسي بـ «حزب العمال الكردستاني» التركي، وبهذا يعمل طرفا الصراع معاً على سلخ القضية الكردية من سياقها الوطني.

ثالثاً، تستعيد الفصائل الإسلامية المهاجمة تقليداً ميليشيوياً لبنانياً، ظهر إبّان الحرب الأهلية اللبنانية، حيث كانت القوى الإسلامية المقاتلة تقول: «نحن لا نحارب المسيحيين بل نحارب حزب الكتائب، ونسعى الى عزله عن المسيحيين»، كذلك يقول الناطقون باسم فصائل «درع الفرات» التي تهاجم عفرين: «نحن لا نحارب الأكراد بل نحارب حزب الاتحاد الديموقراطي وميليشياته»، متجاهلين أن طرفاً هوويّاً لا يمكنه عزل طرف هوويّ آخر عن بيئته. بل على العكس من ذلك، فالحرب تقوي جميع الأطراف ما دون الوطنية، وتجعلها تستغرق في مضامينها الحصريّة. ومن نافل القول أن الفضاء العمومي وحده يملك إمكانات طرد الأطراف والقوى الهوويّة إلى الهوامش، فيما الاستيلاء على الفضاء العمومي من جانب قوى الإسلام السياسي أو القوى العروبية العصبوية، يقوّي الميول الانفصالية لدى الكرد السوريين وغيرهم.

رابعاً، أصبح ضياع الأكثريات المذهبية وهدرها في الأحزاب الإسلامية والميليشيات المسلحة ظاهرة مشرقية منتجة خراب الدول والمجتمعات، مع تحوّل هذه الميليشيات والأحزاب إلى أحزاب وميليشيات للإيجار، في خدمة السياسات التوسعية لـ «دول» امبراطورية مذهبية/ قومية على حساب وحدة البلدان المشرقية العربية وتماسكها الاجتماعي. فالأكثرية الشيعية العراقية التي هدر طابعها الأكثري «حزب الدعوة الإسلامي» وميليشيات «الحشد الشعبي»، ظلت في موقع «أقلوي سياسي» على المستوى الوطني، مثلما كانت حالها في عهد البعث. كذلك تكرر فصائل «درع الفرات»، بارتباطها بالسياسات الإمبراطورية التركية، نهج وسلوك نظيراتها العراقيات. فهدر الدور الأكثري للسّنة العرب يُبقيهم في وضع «أقلوي سياسي». ولعل ظهور قاسم سليماني في كركوك على رأس ميليشيات «الحشد الشعبي» عند هزيمة قوى البيشمركة الكردية، وظهور فصائل «درع الفرات» إلى جانب الدبابات التركية في محيط عفرين، يرمز إلى المدى الذي بلغه ضياع وهدر الأكثريات في الوثنية الفصائلية.

خامساً، تؤكد الحرب على عفرين، مرة أخرى، تشكل ثلاث مجموعات مسلحة في سورية متماثلة ومتشابهة في «الماهيات»: مجموعة السلطة وميليشياتها الرديفة، مجموعة الفصائل الإسلامية المسلحة على اختلاف مسمياتها وراياتها وتحالفاتها، ومجموعة الفصائل المسلحة الكردية التي يقودها حزب «الاتحاد الديموقراطي»، وتتشابه هذه المجموعات الثلاث في صفاتها الجزئية وانعدام الروح السورية العامة في سياساتها وثقافاتها وأخلاقياتها وسلوكياتها. فجميعها تتغذى من روح حصرية واحدة، تغتال فكرة المجال العام، وتزيد التحاجزات بين السوريين، وتعتمد سياسات الهويّة، وهذا يعقّد إمكانات الحل السياسي في سورية، ويهمّش القوى المجتمعية المعتدلة حاملة الخيارات السياسية، وبالتالي يُبقي الكارثة السورية مفتوحة في الأمد المنظور.

الحياة

 

 

 

 

أردوغان بين غربٍ قلِق وشرق أوسطٍ ملتهب/ مصطفى كركوتي

الشروخ في علاقات أنقرة مع حلف الناتو، لا سيما الولايات المتحدة، جراء سياسة الرئيس التركي في الإقليم، تتعمق. أخطر هذه الشروخ بالنسبة للغرب ما يهدد بأفول دور تركيا الاستراتيجي تدريجياً كمنطقة عازلة بالغة الحيوية بين الاتحاد الأوروبي القلق والشرق الأوسط الملتهب.

هذه العلاقات مرشحة للمضي في مسارٍ يضعها عند مفترق طرق غير مسبوق منذ انخراط أنقرة في عضوية الناتو في شباط (فبراير) 1952.

هذه الشروخ مرشحة للازدياد مع تزايد عزلة الرئيس رجب طيب أردوغان عن الغرب جراء رفض الاتحاد الأوروبي طلب عضويةٍ ما فتئت بلاده تتقدم به منذ 13 عاماً. وقد بان ذلك بوضوح أثناء زيارته الأخيرة إلى باريس حيث سمع كلاماً قاطعاً من نظيره الفرنسي في هذا الخصوص: «لا توجد هناك فرصة على الإطلاق في الوقت الراهن كي تتقدم تركيا نحو الانضمام على الاتحاد الأوروبي»، قال إيمانويل ماكرون. وأضاف: «يجب الكف عن التظاهر المضلل بهذه الإمكانية».

علاقات تركيا مع الناتو تمر منذ عدة سنوات بمرحلة حرجة إذ بات أردوغان يواجه لأول مرة في تاريخ هذه العلاقات اختباراً يعتبره البعض تاريخياً وقد ينتهي بخروج أنقرة من حلف الأطلسي. من الناحية العملية، العلاقات بين الطرفين راهناً غير مسبوقة في سوئها.

هناك مسألتان في صلب المشكلة: تعامل أردوغان مع المسألة السورية من ناحية، وموقفه من ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية المسيطرة على أجزاء كبيرة في شمال سورية والمدعومة من الولايات المتحدة. يبحث الرئيس التركي عن بدائل لحلفاء بلاده التاريخيين ويقدم للأتراك والعالم، في هذه الظروف الاستثنائية، روسيا وإيران نموذجاً عن هذا البديل.

العلاقات بين أنقرة والناتو شابها التوتر في السابق واستمر لعقود عدة، لكن أهمية تركيا الاستراتيجية للغرب في زمن «الحرب الباردة» باعتبارها صاحبة ثاني أكبر جيش في الناتو، كانت تحتم ترحيل المشاكل العالقة بين الطرفين أو تحول دون تفجرها. فالعلاقات استمرت على سبيل المثال قوية على رغم التوتر بين تركيا واليونان على مدى ثلاثة عقود تقريباً، وعلى رغم الخلافات الحادة بين أنقرة وواشنطن إثر الغزو التركي لجزيرة قبرص الذي أدى إلى تقسيمها في منتصف السبعينات.

لقد قدمت تركيا في فترة ما حالة نموذجية للغرب عموما والناتو على وجه الخصوص عززت من مكانتها الدولية، وسميت بالمرحلة الذهبية المعاصرة جراء قيام تحالف سياسي بين حزب العدالة والتنمية (الإخوان المسلمون) وحركة محمد فتح الله غولن المعروفة بالتركية باسم «حركة خدمة» في مطلع الألفية. وقدم التحالف صورة معاصرة عن تركيا بأنها دولة حديثة رأسمالية إسلامية، يمكن أن تكون نموذجاً إيجابياً في شرق أوسط أحبط جلّ مساعي الغرب في تقديم تجربة ناجحة في الإقليم. ولكن سرعان ما تبخرت هذه التجربة بدءاً من 2013، وانتهت بانفراط التحالف التام إثر محاولة انقلابية اتهم أردوغان حركة غولن بتدبيرها في صيف 2016، حيث بلغ عدد المعتقلين المتهمين بالمحاولة حتى الآن نحو 55 ألفاً من كبار موظفي الدول وضباط الجيش ورجال الدين.

أما تدهور العلاقات راهناً بين الطرفين فيسير باتجاهات مختلفة ويبدو أنه أسوأ من أي مرحلة سابقة. فالخلافات السابقة أكانت حول اليونان، أو لاحقاً حول قبرص، كانت عابرة وتمكن الحلف الأطلسي من تجاوزها مع مرور الوقت. ولكن الآن الوضع مختلف لا سيما في ضوء تصاعد الشكوك من طرف أردوغان بنوايا الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، لجهة التخلص منه. وهو يتهم الغرب، حليف تركيا التاريخي، بتدبير انتشار المظاهرات الشعبية ضده في إسطنبول ومدن أخرى فضلاً عن مشاركة الغرب في محاولة الانقلاب في 2016.

في الواقع، وجه أردوغان اتهاماً مباشراً إلى حكومات دول الناتو، وخص بالذكر ألمانيا، بتقديم الدعم الفوري لعدد من ضباط الجيش بمنحهم فرص اللجوء إلى تلك الدول. كما أن رفض الإدارة الأميركية تسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير الانقلاب ضده، أغضب أردوغان الذي اعتبر رفض واشنطن تسليمه جزءاً رئيسياً من «المؤامرة» ضد حكومته.

في كل الأحوال، وجد الرئيس التركي في الانقلاب الفاشل فرصة ذهبية كي يسارع في إعادة تشكيل قيادة القوات المسلحة لبلاده في شكل يتناسب مع فكر وسياسات حزب العدالة والتنمية التي يرغب بها أردوغان. فقد فصل جلّ كبار الضباط واستبدلهم بضباط من حملة الرتب الأدنى، مغيراً بهذا الإجراء وجه الطبقة الحاكمة في البلاد لأول مرة منذ منتصف القرن العشرين. ألا أن الاختبار الأهم لعلاقة أردوغان مع الناتو ولتماسك الحلف الأطلسي في آن هو كيف ستنتهي الأمور في المسرح السوري. فاستراتيجية تركيا أردوغان تركز في الأساس على الشأن الكردي المتمثل راهناً بالمواجهة مع تنظيم وحدات الشعب الكردية في شمال سورية. وتضع هذه الاستراتيجية أردوغان على الفور في مواجهة مع الناتو عموماً ومع الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

عندما اندلعت انتفاضة سورية عام 2011، سارع أردوغان إلى التخلي فوراً عن صديقه السابق الرئيس السوري معرباً هو وزوجته أمينة عن «خيبة أملهما» ببشار الأسد وزوجته أسماء. وقدم تحالف الأطلسي منذ 2012 إلى تركيا وحدات من صواريخ «باتريوت» لمواجهة أي هجوم صاروخي محتمل من الأراضي السورية. كما قام الناتو بنصب قواعد لطائرات «أواكس» على طول الحدود المشتركة مع سورية لمراقبة الأجواء الحدودية في 2015. وقد كان لهذه الطائرات دور فعال في الأراضي الخاضعة لـ «داعش» منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2016.

والآن باتت علاقة كهذه تخضع للمراجعة، سيما في ضوء دعم واشنطن المفتوح لميليشيا وحدات الشعب الكردية، إذ يرسل أردوغان جيشه إلى عمق الأراضي السورية لمحاربة هذه الميليشيا متهماً إياها بالإرهاب. فهو يعتبر تنظيم الوحدات منظمة إرهابية وامتداداً لحزب العمال الكردستاني، العدو اللدود لأردوغان. وهكذا فتركيا، ثاني أكبر مساهم في الناتو، تضع الآن حلف الأطلسي عند مفترق طرق جراء حملة أردوغان في سورية.

الحياة

 

 

 

لكن من سيُهزم في عفرين؟/ شورش درويش

تذهب الترجيحات إلى أن المعركة التي تخوضها تركيا، بمؤازرة برّية كبيرة من الجيش السوري الحر، قد تستمر إلى أجل غير معلوم، ذلك أن إيقاع الاشتباكات والمعارك الجارية يشي بصعوبة إنجاز الجيش التركي عمليّة غصن الزيتون في شكل سلس، كما سبق وأن صرّح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن العمليّة لن تستغرق أكثر من أسبوع، في الوقت الذي يبدو فيه أن الأسابيع ستتوالى من دون تحقيق إنجاز مهم أو حاسم في عفرين، ما يعكس حذر الحكومة والجيش التركيين، وضراوة المقاومة التي يبديها الطرف المقابل، المتمثّل بوحدات حماية الشعب.

لا تملك حكومة حزب العدالة والتنمية المتحالفة مع حزب الحركة القومية (القوميّ المتشدّد) ترف تضييع فرص التراجع عن هذه المعركة التي باتت تتحول إلى معركة مصيريّة للطبقة السياسيّة الحاكمة، فالهزيمة في عفرين تعني تعريض مصائر سياسيّة وحزبيّة للخطر في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية التي تنتظرها تركيا في العام المقبل، علاوة على تحيّن المعارضة البرلمانية المنظّمة، وجماعات المجتمع المدني المتضرّرة من سياسات “العدالة والتنمية” الفرصة اللازمة للبدء بحملة سياسيّة مضادة لتوجهات الحكومة والرئيس التركي، في ما خصّ خوض “مغامرة” الحرب، وتعريض حياة الجنود الأتراك للخطر، من دون تحقيق إنجاز داخل الأراضي السوريّة. ولعلّ التذكير هنا برغبةٍ سابقةٍ لدى الحكومة التركية، في إجراء انتخابات مبكّرة، باتت أقرب إلى الموضوع المستبعد، في ظل التعثّر العسكري التركي، ما يعني أن لا انتخابات مبكّرة في ظل حالة اللا – انتصار واللا – هزيمة، وهو الأمر الذي يريح المعارضة التي قد تتجاوز أزمة تفوّق الحكومة، وشعبيتها المتنامية.

في الضفّة المقابلة، لا تملك وحدات حماية الشعب في عفرين فرصاً تهدرها أمام جديّة الجيش التركي، في بسط سيطرته على كامل مساحة عفرين. لذا، يبقى خيار مقاومة التدخل التركي العسكريّ الوحيد المتاح، فخسارة عفرين على ما هي إحدى المناطق المهمّة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وأبرز الروافد التي تمد وحدات الحماية بالمقاتلين، تعني، في شكلٍ ما، خسارة المناطق الأخرى، وإن بطرقٍ وأوقات مختلفة. لذلك يمكن استشراف رغبة الوحدات الكردية في إبقاء الحرب مفتوحة وطويلة الأمد، لكي تفضي إلى استنزاف الجيش التركي، من خلال تكتيك حرب الأنصار (الغريلا) التي سبق وأن خاضها المقاتلون الأكراد في صفوف العمال الكردستاني (PKK) في فترات سابقة. بالإضافة إلى ذلك، يعلم المقاتلون الأكراد أن دوام الحرب في عفرين قد يقوّض شعبية الحكومة التركية، ويفسد عليها ارتفاع خطها البياني داخل المجتمع التركي.

بين ما لا يملكه طرفا الصراع من ترف الهزيمة، ثمّة ما يملكه الطرفان أيضاً، فقرار الحرب وتأييد الأعمال العسكريّة يحظى بشعبيةٍ داخل المجتمع التركي، حيث أن معدّل التأييد يصل إلى نسبة تفوق 70%، الأمر الذي يعني أن الحرب مغطاة اجتماعياً، وأن الرئيس التركي والحكومة في وضعٍ يسمح لها بتمديد آجال المعارك، خصوصاً وأن عمليّة غصن الزيتون تحظى بغطاءٍ وضوء أخضر سياسي أميركي روسيّ.

في إزاء ما تملكه تركيا من أوراق لعب، ثمّة ما يشبه الحالة التركية داخل المجتمع الكردي في سورية، إذ يحوز قرار مقاومة الجيشين، التركي والسوري الحر، على رضا وقبولٍ شعبيّ كردي عارم، إن لم نقل إن الأصوات الداعية إلى الاستسلام لتركيا، أو النظام السوريّ، شحيحة، ولا يكاد يكون لها أدنى تأثير، زد على ذلك أن استمرار المعارك، بما يحويه من مخاطر تطاول السكان المدنيين، قد يساهم في تحرّك الرأي العام الغربيّ، وإن بشكلٍ أخفّ مما حصل إبّان معركة كوباني (عين العرب) 2014.

يكثر الكتاب والمحللون الأتراك المناهضون للحرب من استحضار المثال الفيتنامي، بالتذكير بمستنقع الحرب والاستعصاء الأميركي هناك، وهذا المثال، تطابق مع واقع تركيا وعفرين أم لم يتطابق، فإنه يدلل على مقدار التخوف من تحوّل الحرب من حالة محدودة في الزمان (فترة محدودة) والمكان (عفرين) إلى حالة حربٍ مفتوحةٍ في زمانها ومكانها، الأمر الذي قد يقوّض السلام الداخلي في تركيا، من خلال انتقال الشرارة التي في عفرين إلى داخل تركيا.

تفترض الحرب في عفرين خروج كل طرف منتصراً ، ليصبح السؤال على النحو التالي: من الذي سيهزم في عفرين إذاً؟

العربي الجديد

 

 

 

 

سوريا و”الفشل الجديد” لأمريكا: حماقة مواجهة تركيا..ووجود لن يوقف إيران أو”القاعدة” و”الدولة”/ إبراهيم درويش

هل ستضاف استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا إلى سلسلة الفشل التي عانت منها السياسة الخارجية في العقود الماضية؟ وهل تحول الرئيس دونالد ترامب إلى رئيس يخوض حروباً خارجية مثل أسلافه؟ وأين شعار “أمريكا أولاً” من كل هذا؟ يرى دوغ باندو، الزميل الباحث في معهد كاتو الذي عمل مساعداً للرئيس رونالد ريغان في مقال له بمجلة “ناشونال إنترست” أن سوريا قد تكون فشلاً أمريكياً. وأشار باندو في البداية إلى انتقادات الرئيس ترامب لمنافسته في الانتخابات هيلاري كلينتون وميولها للتدخلات الخارجية وها هو يخطط للاحتفاظ بالقوات الأمريكية في سوريا وسط القتال الجاري بين الأكراد والأتراك والإيرانيين والروس، بدلاً من إنهاء العملية الأمريكية في سوريا بعد هزيمة تنظيم الدولة.

ورغم وجود مصالح للولايات المتحدة في سوريا لكن ليست كلها مهمة أو حيوية فسوريا هي بلد يقع على هامش اهتمام أمريكا، اقتصادياً وعسكرياً وفوق كل هذا تعتبر كارثة إنسانية وظلت الولايات المتحدة بعيدة عن النزاعات الأسوأ فيها. ومع أن حكومة الأسد بغيضة إلا أن الحرب انتجت سلسلة من الفصائل المجرمة والراديكالية والديكتاتورية وغير المرغوب فيها. وتجنب الرئيس باراك أوباما التدخل المباشر في الحرب إلا أن ترامب شن هجوماً جوياً ضد حكومة الأسد وضاعف أربع مرات القوات الأمريكية إلى حوالي ألفي جندي.

صد إيران و”الدولة”؟!

ويشير باندو إلى تحليلات وردت في الصحافة الأمريكية مثل الذي ورد في صحيفة “واشنطن بوست” والذي تحدث عن أهمية حفاظ الولايات المتحدة على قوات على الأرض لمنع ظهور القاعدة أو تنظيم الدولة ومنع إيران من بناء قواعد عسكرية في سوريا او إنهاء الحرب الأهلية التي أرسلت الملايين من اللاجئين نحو أوروبا “بدون السيطرة على القوات والمناطق كما فعلت روسيا وإيران.

ويتساءل الكاتب ساخراً، هل سيكون المسؤولون الأمريكيون بقوات قليلة على الأرض قادرين على منع ظهور الجماعات الجهادية واحتواء التهديد الإيراني ووقف الحرب الطائفية وإجبار موسكو على التسليم وخلق حكومة ديمقراطية في سوريا؟ ويقول “قضت واشنطن عقوداً وهي تدمر المنطقة من خلال سياسات ضالة وتريد الآن أن تصحح كل هذه الفوضى في شهور أو على مدار سنوات؟ هذا وهم بل وفنتازيا”.

ويرى المحلل أن هزيمة تنظيم الدولة أدت لتغيير شكل الحرب الأهلية السورية. فحكومة الأسد بدعم من الروس والإيرانيين تحاول مهاجمة ما تبقى من معاقل للمعارضة. أما تركيا فقد حولت عدداً من الجماعات السنية المقاتلة إلى أدوات ضد الجماعات الكردية الوكيلة. فيما نشرت روسيا نظام أس- 400 الصاروخي المضاد للطائرات بشكل يعطيها تفوقا على القوات الأمريكية وتركيا. ويشير إلى أن خطط أمريكا بناء وجود عسكري دائم لها في شمالي سوريا سيجعلها في مواجهة مع الحكومة السورية وتركيا وإيران. وكما استفاد الأكراد من فوضى العراق لتوسيع مناطق سيطرتهم قام حزب الاتحاد الديمقراطي بتوسيع مناطق سيطرته في سوريا ويتحكم الآن بربع سوريا فيما أطلق عليها ” فدرالية روجافا الديمقراطية”.

ويقول الكاتب إن أمريكا عملت مع وحدات حماية الشعب لهزيمة تنظيم الدولة. وبعد نهاية هذا وعدت إدارة ترامب بوقف دعم الوحدات بالسلاح لكنها أعلنت عن خطط لإنشاء قوات كردية جديدة لمنع ظهور تنظيم الدولة من جديد. وردت أنقرة بعملية “غصن الزيتون” في عفرين على الحدود السورية- التركية وهددت بالتقدم نحو منبج حيث القوات الأمريكية. ويقول الكاتب إن أصدقاء واشنطن بمن فيهم الجماعات المسلحة غير الكردية تداعت إلى مساعدة أبناء جلدتها مستخدمة السلاح الأمريكي. ويرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدد من داعميه أن أمريكا تريد الشر لبلاده. وفي تركيا فإن مظهر العداء كبير واستفاد من تصاعد المشاعر المعادية ضد الانفصاليين الأكراد في الداخل والخارج.

كيف تورطت؟

ويتساءل الكاتب عن الطريقة التي تورطت فيها أمريكا في هذه الفوضى؟ ويجيب أن القصة بدأت بالربيع العربي حيث طالبت أمريكا برحيل بشار الأسد. صحيح أن نظامه شرير لكنه لم يهدد أحداً خارج حدوده وبالتأكيد ليس الولايات المتحدة. وصنفت واشنطن نظام دمشق كراعٍ للإرهاب وكان بالضرورة إنعكاساً للدور الذي لعبته دمشق في دعم الجماعات المعادية لإسرائيل وفي غياب الذكاء والحكمة انتهت أمريكا لدعم جماعات متشددة وذهب معظم السلاح الذي قدمته لها لجماعات جهادية تنظر للولايات المتحدة بطريقة أسوأ من نظرتها للأسد.

وفي الوقت الذي كانت فيه واشنطن وبطريقة غير صحيحة تهدف لهزيمة تنظيم الدولة ودعم الجماعات المعتدلة وتجنب الجماعات الراديكالية ومساندة قوات حماية الشعب واستخدام تعاون حزب الاتحاد الديمقراطي مع تركيا ومعارضة إيران وتهميش روسيا إلا أن كل خطواتها كانت في كل الأحوال أكبر من قدراتها. وجاء المستشارون الآن بفكرة أحسن وهي “توسيع الاحتلال” وسط عدد من القوات المتنافسة بهدف إجبار الأسد على التنحي وإعمار المناطق التي دمرتها الحرب وبناء قوة عسكرية كردية واسترضاء تركيا واحتوء التأثير الإيراني وتجنب المواجهة مع روسيا. وبدون التفكير بإمكانية التورط البطيء في سوريا والحاجة لتصويت الكونغرس. ويقول الكاتب إن ريكس تيلرسون، وزير الخارجية كان من قدم الرؤية الأمريكية في سوريا مع أن حديثه تجاهل الفشل الأمريكي المستمر في الشرق الأوسط بدءًا من سوريا، وتورطت أمريكا في أفغانستان منذ عام 2001 وفي العراق عام2003 بكلفة تريلونات وآلاف الضحايا ولا يبدو أي من البلدين في حالة سلام مع نفسه. وساهمت أمريكا في تدمير ليبيا ونشر الفوضى بالمنطقة. والتدخل المدمر المدعوم من أمريكا بقيادة السعودية في اليمن. ولدى أمريكا وسط كل هذا الفشل إجابة جاءت على لسان تيلرسون الذي قال إنه من الضروري ان تظل أمريكا منخرطة في سوريا والحفاظ على وجود عسكري ودبلوماسي فيها لخدمة المصالح الوطنية. ويعلق الكاتب على ما قاله تيلرسون حول التهديد الذي تمثله سوريا والتحدي للدبلوماسية الأمريكية بالقول، أي تهديد؟ فقد كانت أمريكا آمنة عندما كانت سوريا موحدة ومتحالفة مع موسكو وخاضت حروبًا على فترات مع إسرائيل. وظلت أمريكا آمنة عندما خسر الأسد معظم البلاد وسيطرت الجماعات المتشددة مثل تنظيم الدولة على معظم سوريا. وظلت أمريكا آمنة عندما أعلن تنظيم الدولة عن “خلافة” امتدت ما بين سوريا والعراق. وظلت أمريكا آمنة بعد هزيمة تنظيم الدولة وعودة الأسد للسلطة وسيطرت جماعات أخرى على مناطق من البلد وتجاوزت المصالح الأمريكية بالمنطقة كل قوة ودولة بمن فيها روسيا وإيران وتركيا وروسيا. وأشار تيلرسون إلى تنظيم الدولة في حديثه عن الوجود العسكري الذي قال إنه من أجل التدريب ومنع هروب مقاتلي التنظيم. ويرى القائد السابق لقوات حلف الناتو، جيمس ستارفيدس الذي ناقش أن “الرسالة من استمرار وجودنا هي هزيمة تنظيم الدولة والتأكيد على أن الهزيمة دائمة”.

تنظيم “الدولة” والادعاء الأمريكي

ويعلق الكاتب هنا أن الاحتلال الأمريكي لشمال سوريا ليس بالضرورة لمنع تنظيم الدولة من إعادة تنظيم نفسه. فمسؤولية هذه الجماعة كانت ولا زالت من مهمة دول الشرق الأوسط التي تتعامل معها كعدو بل إن الاحتلال الأمريكي لشمال- شرق البلاد يعطي الأسد الفرصة للتركيز على مناطق أخرى ولأنقرة التسامح مع نشاطات تنظيم الدولة وللجماعات السنية المدعومة من السعودية لحرف نشاطاتها إلى مناطق غير سوريا مثل اليمن. وخسر التنظيم 98% من مناطقه التي كان يسيطر عليها ومن الصعب التخيل إن كانت تركيا والأردن وإيران والسعودية مجموعة غير قادرة على منع عودة تنظيم الدولة. وفي الوقت الذي ركزت فيه دمشق بداية الأزمة على المناطق ذات التجمعات السكانية فإنها اليوم تريد السيطرة على كل منطقة كانت تحت إدارة تنظيم الدولة. ويصعب في الوقت نفسه تصديق كلام تيلرسون ونقده لأخطاء الماضي عندما ربط بين ظهور التنظيم والانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011 متناسيا أن الغزو الأمريكي الذي شنه جورج بوش عام 2003 كان وراء ظهور القاعدة التي سبقت تنظيم الدولة. وكان فشل بوش الحصول على دعم لوجود القوات الأمريكية في العراق وراء الانسحاب. وكانت إدارة بوش هي التي وضعت الشيعة في الحكومة وهمشت السنة الذين كان دعمهم ضرورياً لتحقيق الاستقرار.

ويرى الكاتب أيضاً أن تيلرسون كان مخطئًا أيضاً عندما قال إن واشنطن لديها علاقة عمل مع تركيا. فالعلاقة بين البلدين في أسوأ حالاتها. فأنقرة تتحول شيئاً فشيئاً إلى دولة ديكتاتورية تعزز علاقاتها مع روسيا التي تهدد الناتو. وكان أردوغان مهتماً وبشكل دائم في احتواء أكراد سوريا والإطاحة بنظام الأسد أكثر من مواجهة تنظيم الدولة. وأشار لما قاله ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي حول تركيا التي حرفت نظرها عن الجهاديين الذين عبروا الأراضي إلى سوريا. واشتكت حكومة أردوغان من اعتماد الولايات المتحدة على الأكراد وتدخلت الآن لمنع تقوية منطقة حكم ذاتي. ونسيت التمييز الذي رسمته الولايات المتحدة بين القوى التي تهاجمها تركيا باعتبارها جماعات إرهابية.

حقوق الإنسان… والمعارضة المعتدلة؟

ويعلق الكاتب على ما جاء في تصريحات تيلرسون عن انتهاك الرئيس الأسد لحقوق الإنسان مشيرا أن حلفاء أمريكا ينتهكون الحقوق مثل مصر والسعودية والبحرين وتركيا. ولم تفسر الإدارة الأمريكية الكيفية التي سيؤدي فيها الوجود الأمريكي للإطاحة بنظام الأسد والذي يحظى بدعم إيراني.

ويرى باندو أن استئناف الدعم للمعارضة “المعتدلة” عملية عبثية، فمن المحتمل أن ترد روسيا كما فعلت في الماضي من خلال زيادة الدعم للأسد. ومن هنا فسياسة الإدارة تقوم على موقف يتعلل بالأماني خاصة موقفه من روسيا وإيران التي قال إن نظام الأسد متحالف معها ولكنه لا يعرف أن سوريا الأسد متحالفة مع طهران قبل بدء الحرب الأهلية. وحذر تيلرسون من أن فك العلاقة مع سوريا يعني فرصة لكي تعزز إيران من موقفها وتحدث عن أهمية تخفيف التأثير الإيراني الشرير في سوريا. والسؤال هو كيف يمكن لوحدة صغيرة في سوريا أن تفعل هذا؟ صحيح أن إيران ليست قريبة من سوريا ولكنها تعمل عن قرب مع الحكومة السورية.

وأكد تيلرسون أن الولايات المتحدة ليست في سوريا لمواجهة إيران، والسؤال لماذا تحتفظ الولايات المتحدة بقوات في سوريا؟ ويرى الكاتب أن تبرير الولايات لهذا الوجود وإن ارتبط بالخطر الإيراني، بما يقدم عن قدرة طهران التحكم بمستقبل سوريا كما جاء في دراسة المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي الأمريكي والتي قالت إن مكاسب إيران “ستحصن طهران وتجعلها المحكم في سوريا ما بعد الحرب وتقوي من سيطرتها على الممر البري الذي يربطها مباشرة مع حزب الله” إلا أن الكاتب يشير إلى حقيقة غير هذه وهي إيران الضعيفة اقتصادياً والمعزولة دولياً والمنقسمة داخلياً والمحاطة بالأعداء من كل جانب “فالامبراطورية الإيرانية هي مغرم أكثر منها مكسباً: في اليمن المحاصر والعراق المنقسم ولبنان الطائفي وسوريا المدمرة. ويمكن لإسرائيل وتركيا والسعودية احتواء إيران أكثر بدون وجود عسكري أمريكي.

ويرى الكاتب أن الهوس الأمريكي بإيران يشجع الجماعات السورية على استخدام الورقة للحصول على الدعم الأمريكي. ويشير هنا لتصريحات نواف خليل، المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي: “بالتأكيد فسيجد الأمريكيون السبب لتعميق علاقتهم بالأكراد وبطريقة استراتيجية” وكان يتحدث عن رغبة أمريكا بحجز التأثير الإيراني. وكذا ناقش المتحدث باسم الجيش السوري الحر مصطفى السجاري عن ضرورة تحويل الرئيس كلامه إلى فعل ودعم المعتدلين.

“القاعدة”

وغير إيران تحدث تيلرسون عن أهمية البقاء الأمريكي لمواجهة تنظيم القاعدة ذات الحضور وقاعدة العمليات القوية في شمال- غرب البلاد. ولكن إدارة باراك أوباما في ما تضح أنه زعم فقط للإطاحة بنظام الأسد قامت بدعم جماعات ذات علاقة بالقاعدة كما أن نفس الإدارة قدمت الدعم للحملة السعودية ضد الحوثيين بشكل حدد عملياتها ضد القاعدة في اليمن. ولن يخفف الوجود الأمريكي من نشاط الجماعات الإرهابية. بل على العكس خلق التدخل الأمريكي أعداء يمتدون على كل الكرة الأرضية. ويمكن لتنظيم الدولة والقاعدة العمل من اي مكان والبقاء في مناطق دول حليفة مثل باكستان وعليه فالبقاء في سوريا لن يغير أي شيء.

بناء الدول

وخلافاً لسياسة الإدارة الحالية فإن أمريكا تقوم بمشروع بناء دول. وقال تيلرسون إن منح المشردين فرصة للعودة إلى بلادهم يتناسق مع القيم الأمريكية. ويعلق الكاتب أن مشروعاً كهذا لا يحتاج لوجود عسكري. وفوق كل هذا فلا تتحكم الولايات المتحدة بكل الأمة، ومن هنا فطموحات تيلرسون واسعة وقال: “إن استمرار الوجود الأمريكي يؤكد هزيمة دائمة لتنظيم الدولة ويعبد الطريق أمام السلطات المحلية الشرعية لكي تمارس دورها المسؤول في المناطق المحررة” وتحدث عن “مبادرات الاستقرار” والتي تشمل تطهير المناطق الملغمة التي تركها تنظيم الدولة وإعادة المياه ومحطات توليد الطاقة وفتح المدارس لكي يعود لها الأولاد والبنات.

حماقة واشنطن في مواجهة تركيا

ومن هنا يتوقع القادة العسكريون الأمريكيون إقامة طويلة في سوريا وكما قال العقيد ريان دولين إن الأمريكيين باقون حتى تتأسس العملية السياسية. ويحذر الكاتب من أن حماقة الإدارة بادية في أجلى صورها من إمكانية مواجهة تركية – أمريكية بسبب الأكراد. فالوضع معقد إلا أن مخاوف تركيا لها أساسها. فرغم تأكيد أمريكا على عدم وجود ربط بين حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني إلا أن تركيا ترى أنها كلها جماعة واحدة. ولم ينف خليل، المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي هذا الأمر حيث قال “هم لا يختلفون ولا يمكن تقسيمهم بأي طريقة لا سياسية أو اقتصادية أو سياسية” و “بالنسبة لنا فكردستان واحدة ونحن ندافع عن عفرين بكل ما لدينا” بما في ذلك القوات التي تعمل مع الأمريكيين. وعلى أية حال فلم تبد أمريكا اهتماما لمظاهر قلق أردوغان ولكنها عندما قررت بناء وحدات عسكرية أساءت التقدير. ورغم تراجعها إلا أن وزير الخارجية التركي دعا إلى استعادة الثقة قبل “مناقشة أي موضوع جدي”. وأشار لتصريحات أردوغان التي دعا فيها أمريكا أن لا تقف بينه وبين حركة إرهابية. وما قاله مسؤول أمريكي للمعلق ديفيد إغناطيوس إن أمريكا تتعامل مع أي تهديد لقواتها بجدية. ولا أحد في النهاية يتوقع مواجهة بين تركيا وأمريكا. وفي ظل الأزمة تم طرح عدد من المقترحات مثل حوار أمريكي- كردي برعاية أمريكية ووعد من واشنطن بعدم دعم الاستقلال الكردي أو التعاون مع حزب العمال الكردستاني. ومع ذلك فأمريكا ليست في وضع لكي تضمن أياً من المقترحات. وفي الحقيقة فستتخلى أمريكا عن الأكراد كما فعلت مع أكراد العراق عندما قرروا الاستقلال. ويرى الكاتب في النهاية أن على أمريكا التعامل مع سوريا كمأساة إنسانية وليس كأولوية أمنية وجلب القوات إلى بلادها.

القدس العربي

 

 

 

 

 

منبج.. المعركة الفاصلة في العلاقات الأميركية التركية/ خورشيد دلي

امتحان لعلاقة الطرفين

انتظار حسم عفرين

تقاطعات واحتمالات

تحولت قضية الصراع على منبج السورية إلى محطة صراع محلية وإقليمية ودولية، منذ سيطرة قوات سورية الديمقراطية عام 2016 على المدينة بعد معركة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) دامت عدة أشهر.

فتركيا -التي تسعى لمنع إقامة كيان كردي شمال شرقي سوريا- ترى أن بقاء هذه المدينة تحت سيطرة هذه القوات يشكل خطرا على أمنها القومي، نظرا لأنها تُبقي إمكانية وصل الكانتونات الكردية في شرقي الفرات بمنطقة عفرين، عبر محور الشيخ عيسى/ منبج/ أعزاز/ تل رفعت.

وعليه؛ فإن أنقرة تسعى إلى إخراج المدينة من سيطرة الكرد، حيث تقول إن الولايات المتحدة تعهدت لها -في وقت سابق- بإخراج هذه القوات منها، وهو ما لم يتم حتى الآن.

امتحان علاقة الطرفين

أمران أساسيان وقفا أمام تركيا لتحقيق هدفها المعلن في منبج، أي إخراجها من سيطرة القوات الكردية. الأول: أن الولايات المتحدة نشرت قوات لها في المدينة ومحيطها، وهو ما صعّب مهمة التدخل العسكري التركي نظرا إلى أن مثل هذا الأمر سيؤدي إلى صدام مباشر مع القوات الأميركية، وهو ما لا ترغب فيه تركيا.

والثاني: أنه في ظل احتمال المواجهة بين قوات درع الفرات وقوات سوريا الديمقراطية في منبج؛ وافقت الأخيرة على تسليم مجموعة من القرى -تقع شمال غربي منبج- إلى قوات النظام السوري بحماية روسية.

وأصبحت هذه القرى بمثابة شريط عسكري فاصل بين قوات درع الفرات وقوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي فإن أي تحرك عسكري تركي سيصطدم بالقوات النظامية السورية، وهو ما لا ترغب فيه تركيا أيضا.

اليوم، ومع تواصل العملية العسكرية التركية في عفرين تحول الخلاف التركي/الأميركي على منبج إلى شكل من أشكال الاشتباك الدبلوماسي والسياسي والإعلامي بين البلدين، فتركيا تطالب الولايات المتحدة بسحب قواتها منها فيما ترد واشنطن بالرفض.

ولعل التصريحات المتناقضة لمسؤولي البلدين -عقب الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيسين رجب طيب أردوغان ودونالد ترمب (24 يناير/كانون الثاني الماضي)، والذي كان يؤمل منه إزالة الخلافات- تكشف عن عمق هذا الخلاف واحتمال تفاقمه في ظل الأجندة المختلفة للجانبين.

إذ يقول أردوغان إن القوات التركية ستتجه -بعد عفرين- إلى منبج ثم تواصل تمددها حتى الحدود العراقية، وترد إدارة ترمب عليه بالقول إن عملية عفرين يجب أن تكون محدودة وألا تطول، وأن القوات الأميركية لن تنسحب من منبج.

وهكذا يشتد الخلاف بينهما في ظل غياب الثقة وتراكم المشكلات والخلافات، حيث باتت تركيا ترى أن اللغة الدبلوماسية الأميركية -التي تحاول التوفيق بين العلاقة التاريخية مع أنقرة والحليف الكردي الجديد عبر لعبة التوازنات- مجرد أسلوب دبلوماسي للتهرب من المطالب التركية، وأن مثل هذا الأسلوب لم يعد ينطلي عليها.

وعليه؛ فإن أنقرة باتت تطالب بأعمال حقيقية، ولاسيما فيما يتعلق بوقف الدعم العسكري للقوات الكردية في سوريا، فيما لا ترفض واشنطن هذه المطالب التركية. ومن هنا؛ فإن خطر الصدام في منبج قد يصبح واقعا، ما لم تُنتج الجهود الدبلوماسية والسياسية بين الجانبين تفاهمات تُفرض على الميدان.

ولعل ما يزيد معاناة تركيا بهذا الخصوص، هو أنها تحس بأنها أمام إستراتيجيتين متناقضتين لواشنطن: إستراتيجية سياسية تبحث عن تفاهمات ممكنة، وأخرى ميدانية جاهزة للصدام، وهو ما يجعل من مستقبل مدينة منبج امتحانا للعلاقة بين البلدين.

انتظار حسم عفرين

من الواضح، أن عملية منبج تبدو مرتبطة -إلى حد كبير- بمصير العملية العسكرية التركية في عفرين، وفي انتظار نتيجة هذه المعركة ثمة سؤال أساسي يطرح نفسه هنا، وهو: هل بات الصدام بين أنقرة وواشنطن في منبج واقعا فعلا؟

تقول صفحات العلاقة التاريخية بينهما أن وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر اجتمع برئيس الوزراء التركي الراحل بولند أجاويد عشية العملية العسكرية التركية في شمال قبرص عام 1974، وخرج حينها بقناعة تفيد بأن تركيا ستقوم بهذه العملية، علما بأن أجاويد رفض إخباره بذلك.

ولعل ما ولّد هذه القناعة لدى كيسنجر هو العلاقات المتوترة حينها بين الجانبين، وهي تشبه ما هي عليها الآن من توتر وغياب للثقة وتراكم للخلافات إلى حد التهديد بإجراءات متبادلة. ومع أن الظروف مختلفة تماما كما هي القضية أيضا، فإن الحساسية القومية التركية من قضية الأمن القومي التركي عالية جدا.

وما يزيد هذه الحساسية هو وجود رجل مثل أردوغان له مشروعه الخاص، حيث يرى أن التطورات الجارية في المنطقة والعالم تتيح لتركيا تحديد خياراتها السياسية بعيدا عن التبعية لأميركا، كما كانت خلال العقود التي سبقت حكم حزب العدالة والتنمية التركي.

وبينما ترى الولايات المتحدة أن إستراتيجيتها تجاه الشرق الأوسط وإيران وروسيا باتت في تناقض مع أولويات تركيا، وأن على الحليف التركي تدوير خياراته لصالح هذه الإستراتيجية؛ فإن أنقرة تعتقد أن واشنطن تخلت عن ثوابت العلاقة التاريخية بين البلدين، وبالتالي فإن تركيا لن تتهاون في قضايا أمنها القومي.

والثابت هنا، هو أن الإدارة الأميركية لا تريد الدخول في حرب أو صدام مباشر مع تركيا في سوريا أو خارجها، وهي في سبيل ذلك تحاول تدوير الخلافات معها دون التخلي عن حليفها الكردي السوري، وعليه فهي تتبع إستراتيجية تقوم سياسيا على منع الصدام بتفعيل العمل الدبلوماسي.

أما ميدانيا؛ فإن واشنطن تترك الأمر لقياداتها العسكرية في الميدان، إذ قد تختلف الإستراتيجية المتبعة من منطقة إلى أخرى في سوريا، فمثلا نجد أنها تختلف في شرقي الفرات عن عفرين، وفي الأخيرة عن التنف، وفي التنف عن درعا.

وكأننا أمام تناقض بين الميدان والسياسة، وحتى بين مناطق الميدان نفسه تبعا لخصوصية كل منطقة وعوامل الصراع التي تتحكم فيها، ولعل هذا ما يفسر الصمت الأميركي عن العملية العسكرية التركية المتواصلة في عفرين، في حين تعمل الولايات المتحدة على حماية باقي المناطق الكردية في شمال سوريا وشرقها.

لكن رغم ذلك؛ فإن ما يجري في عفرين يحظى باهتمام أميركي، انطلاقا من أنها تدخل في إطار لعبة الصراع على مناطق النفوذ في سوريا، وربما تشعر واشنطن في العمق بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أراد توريط تركيا في هذه العملية، كي تتحول لاحقا إلى كرة متدحرجة ضد النفوذ الأميركي بسوريا.

ولذلك؛ فإن الحذر الأميركي بشأن عفرين قد لا يبقى على حاله إذا تطورت العملية التركية هناك، وربما ترى واشنطن أن من المهم استنزاف تركيا في عفرين حاليا بتقديم المزيد من الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، والتغاضي عن نقل هذه الأسلحة إلى عفرين ما دام مثل هذا الاستنزاف قد يؤخر معركة منبج.

لكن مثل هذا الاعتقاد قد يخالف توقعات البعض بأن تبدأ تركيا معركة منبج بشكل مستقل، في إطار استكمال عملية درع الفرات التي تقول أنقرة إنها لم تحقق أهدافها كاملة، في إشارة إلى منبج وتل رفعت ومطار منغ.

تقاطعات واحتمالات

في انتظار نتائج معركة عفرين؛ فإن الحرب الكلامية بين واشنطن وأنقرة تبدو مرشحة للمزيد من التصعيد الإعلامي والسياسي، ومع أن مصالح أنقرة تتقاطع في نقاط كثيرة مع الإستراتيجية الأميركية في سوريا فإن الحساسية التركية المفرطة من الصعود الكردي القومي، والخوف من إقامة كيان على حدودها الجنوبية؛ يدفعانها إلى جعل هذا الأمر أولوية.

وعليه؛ فقد وضعت المطالبة بتحديد مصير مدينة منبج في إطار رؤيتها للانتقال إلى الحل السياسي للأزمة السورية، وهي رؤية تقوم على إخراج هذه المنطقة من سيطرة الكرد، حيث يبدو المشهد العام بخصوص مستقبل منبج وكأنه أمام مجموعة من الخيارات، من أهما:

1- مواصلة أنقرة الضغط الدبلوماسي على واشنطن، وربما الانتقال خلال الفترة القريبة المقبلة إلى التسخين العسكري في منبج بغية إجبارها على إخراج القوات الكردية من المدينة، وتسليم المدينة إلى قوات درع الفرات التركية.

2- أن تركيا قد تجد نفسها أمام مشاريع أميركية للتفاهم بشأن مستقبل شمال سوريا، ولعل الطرح الذي قدمه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بإقامة منطقة آمنة بعمق 30 كم في شمال سوريا، قد يجد نفسه فوق الطاولة مع جولة تيلرسون في المنطقة. فقد كان ذلك مطلبا لتركيا، وسيحقق لها فوائد إستراتيجية تتعلق بالأمن القومي واللاجئين.

3- إذا تعذر ما سبق، فقد يصار إلى خيار الدفع عبر روسيا للتوصل إلى تفاهم يسمح بوضع المدينة تحت سيطرة القوات السورية النظامية، تكرارا للسيناريو الذي حصل في الشريط الغربي الشمالي للمدينة، إذ إن ما يهم تركيا هو إخراج القوات الكردية من المدينة.

4- إذا تعذرت السيناريوهات السابقة، فإن الخيار العسكري يبقى قائما رغم خطورته، ويبدو أنه يتوقف على تحقيق انتصار عسكري في عفرين كما قلنا، إذ إن مثل هذا الانتصار سيعطي قوة دفع عسكرية كبيرة لتركيا لتوسيع مناطق السيطرة والنفوذ في شمال سوريا، في إطار التطلع إلى المزيد من الدور الإقليمي في الأزمة السورية.

وفي الختام، من الواضح أن الحركة التركية تنصبّ في اتجاه إنتاج تفاهمات سياسية مع الولايات المتحدة بشأن مصير منبج، مع التلويح الدائم بالخيار العسكري؛ وهو ما يجعل من مصير هذه المدينة امتحانا فعليا للعلاقة التركية/الأميركية في المرحلة المقبلة.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2018

 

 

أميركا وتركيا: اشتباك أطلسي في سورية/ باسم دباغ

يبدو أن الأزمة التركية ـ الأميركية متجهة نحو تصعيد غير مسبوق، منذ الأزمة التي اندلعت بين الجانبين إثر التدخل التركي في قبرص في عام 1974. وبينما تبدو أنقرة مصرة على تدمير وضرب وجود حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، لم تظهر التصريحات والخطوات الأميركية الأخيرة تجاه سورية أي إشارات لوجود رغبة لدى واشنطن للتراجع عن دعم “الاتحاد الديمقراطي” أو إحداث أي تغييرات في سياستها ترضي بأي شكل من الأشكال حليفها التاريخي في حلف شمال الأطلسي، أي أنقرة.

ورغم الأزمات العديدة التي عاشتها العلاقة بين أنقرة وواشنطن، إلا أنها لم تصل إلى حد القطيعة، إلا في حالة واحدة، عندما شنت تركيا عملية عسكرية في جزيرة قبرص لحماية الأقلية التركية في 1974، ما دفع بالإدارة الأميركية حينها لوقف بيع الأسلحة إلى أنقرة، لترد الحكومة التركية حينها بإغلاق قاعدة إنجيرليك. ولا يبدو أن اللقاء الذي جمع المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، الأسبوع الماضي، بمستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت ماكماستر، قد أدى إلى نتيجة إيجابية أو أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية في سورية للعامين المقبلين على أقل تقدير، بعد أن طالبت وزارة الدفاع الأميركية، بحسب وكالة “الأناضول”، بتخصيص مبلغ 550 مليون دولار لدعم هذه القوات في 2019، بينها 300 مليون دولار لتدريب وتجهيز “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر عليها مليشيات حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري، و250 مليون دولار إلى “القوة الأمنية الحدودية” التي تعمل واشنطن على تأسيسها اعتماداً على مليشيات الأخير، رغم أن “قوات حرس الحدود”، التي أعلنت واشنطن العمل على تشكيلها وتراجعت عنها مرات عدة في تصريحات مختلفة، كانت السبب الرئيس في اشتداد الأزمة الأميركية التركية، ودفعت أنقرة للبدء بعملية “غصن الزيتون” في عفرين.

وبينما يستمر مختلف المسؤولين الأميركيين بالتعبير عن تفهمهم لمخاوف تركيا الأمنية، من دون القيام بأي خطوة على الأرض من شأنها أن تخفف من هذه المخاوف، تتواصل التصريحات التركية التي تشدد على أن أنقرة لن تتراجع عن هدفها بتدمير “الاتحاد الديمقراطي”، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة غير مرغوبة مع واشنطن. وكان أحدث هذه التصريحات، ما قاله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أمس الثلاثاء، والذي جدد فيها تهديده بضرب حزب الاتحاد الديمقراطي في كل مكان، مشيراً إلى ضرورة ابتعاد داعميه عنه. وقال أردوغان “سنقوم بشكل فوري بالقضاء على كل إرهابي نراه، وعندها سيفهمون (داعمو الاتحاد الديمقراطي أي الجنود الأميركيون) بأنه من الافضل ألا يكونوا قرب الإرهابيين. وأنا من هنا، أوجه كلامي للشعب الأميركي، إن الأموال التي خرجت من الميزانية الأميركية هي تلك الأموال التي تخرج من جيب الشعب الأميركي… أن تخرج هذه الأموال من الميزانية القومية لهو أمر ذو معنى، لقد حان الوقت للحديث بشكل واضح”، في إشارة إلى الأموال التي تم تخصصيها في الميزانية الأميركية لدعم القوات التابعة إلى “الاتحاد الديمقراطي” خلال العامين الحالي والمقبل. وتابع أردوغان إن “الجغرافيا التي قربنا تعيش حرب تقسيم هي الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، وبعضهم يرى أن الأراضي التركية جزء من هذه القسمة”، مضيفاً “كما سطر أبطالنا (الجيش التركي) ملاحم بطولية أمام الإنسانية جمعاء في العمليات ضد خنادق (الكردستاني في المدن التركية) وعملية درع الفرات، فإنهم يقومون بذلك اليوم مع عملية غصن الزيتون. إن إيماننا تام بأننا سندمر الإرهابيين ونردم كل أوكارهم”. وفي إشارة إلى الحجج التي تسوقها أميركا لاستمرار دعمها لمليشيات “الاتحاد الديمقراطي”، قال أردوغان “لا يحق لأحد بعد الآن التذرّع بداعش، فقد أُسدل الستار على مسرحيته في سورية والعراق”.

وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي ينتظر فيه أن يعقد وزير الدفاع التركي، نور الدين جانيكلي، اجتماعاً مع نظيره الأميركي، جيمس ماتيس، على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، في بروكسل، اليوم وغداً، وقبل يومين من الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الاميركي، ريكس تليرسون إلى أنقرة غداً الخميس، للقاء أردوغان ونظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، لبحث الملف السوري، ومطالب أنقرة بوقف دعم المليشيات الكردية والتزام أميركا بتعهدها الانسحاب من منبج وعرض المنطقة الأمنة. لكن من غير المتوقع تحقيق أي تقدم في أي من هذه الملفات. واعتبر تيلرسون، في الكويت أمس الثلاثاء، أن العملية العسكرية التركية ضد قوات كردية متحالفة مع واشنطن أدت إلى “حرف مسار” معركة التحالف الدولي ضد “داعش” في شرق البلاد. وقال تيلرسون، في مؤتمر صحافي في ختام اجتماع للدول الأعضاء في التحالف ضد “داعش” في الكويت، “لقد حرفت مسار معركتنا ضد تنظيم داعش في شرق سورية، بعدما انتقلت قوات من هناك باتجاه عفرين” في شمال سورية. وأضاف “نعتقد أنه من المهم أن تعي (أنقرة) آثار (العملية العسكرية) على مهمتنا، وهي الانتصار على داعش”.

ويبدو أن أنقرة تسعى للعب على وترين رئيسيين: الأول يتمثل بالضغط على الولايات المتحدة لوقف دعمها حزب الاتحاد الديمقراطي، من خلال العمليات العسكرية التي تقوم بها في عفرين، مع التهديد بتوسيع نطاق الاستهداف، ما يعني استنزاف المليشيات التي دربتها واشنطن من جهة، ومن جهة أخرى دفع الحزب للعودة إلى محوره القديم والتعاون مع النظام السوري وإيران، الأمر الذي سيؤدي إلى إضعاف هذه القوات التي لطالما روّجت واشنطن لها على أنها الأقوى على الأرض في ضرب “داعش”. كما ستسقط الحجة الأخرى لأميركا حول أن هدف دعمها لهذه المليشيات والوجود في شرق الفرات هو منع إيران من الوصول إلى المتوسط والسيطرة على الأراضي السورية.

من جانب آخر، تستمر أنقرة بمحاولة الضغط على واشنطن من خلال حلف شمال الاطلسي، الأمر الذي أظهرته لقاءات المسؤولين العسكريين والحكوميين الأتراك مع نظرائهم في الحلف، وكذلك من خلال تصريحات أردوغان، أمس الثلاثاء، والتي أكد خلالها “أن حلف شمال الأطلسي لا يعني الولايات المتحدة وحدها، فكافة أعضاء الحلف متساوون مع الولايات المتحدة”، داعياً “واشنطن للالتزام بقوانين الحلف”، في إشارة إلى ضرورة عدم قيام أي عضو في الحلف بدعم تنظيم موجود على لائحة الإرهاب لدى دولة أخرى في “الأطلسي”. ورغم التصريحات المتكررة لمسؤولي الحلف، بمن فيهم أمينه العام، ينس ستولتنبرغ، المؤيدة للموقف التركي والمعبرة عن تضامنها مع أنقرة، كونها أكثر دول الحلف تعرضاً للهجمات الإرهابية، إلا أنه لا يبدو بأن للحلف أي دور في اتخاذ الخطوات الأميركية في سورية، بل يبدو مبعداً بشكل كامل عن هذا الملف.

العربي الجديد

 

 

 

تركيا أردوغان: التخبط الاستراتيجي بين الغرب والشرق/ د. خطار أبودياب

أتت زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى تركيا، هذا الأسبوع، والتي ستعقبها زيارة لمستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، خلال أيام، لإجراء محادثات دقيقة وصعبة مع وصول العلاقات الثنائية إلى حافة الهاوية ومخاطر القطيعة بين الحليفين الأطلسيين بسبب العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين ودعم واشنطن لوحدات الحماية الكردية في سوريا. يترافق ذلك مع تعزيز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من استدارته نحو روسيا، في الوقت الذي استمر فيه تراجع العلاقات التركية مع ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

هكذا يتواصل التباعد بين أنقرة والغرب على أكثر من صعيد وخاصة لجهة تأجيج غضب الرأي العام التركي إزاء الولايات المتحدة والتركيز على خطاب يعادي الغرب ويجمع بين التيار الديني المحافظ والتيار القومي العلماني. بيد أن تكتيك أردوغان المتمثل في التأرجح بين الحرص على عدم القطيعة مع الغرب والانفتاح على روسيا والشرق، لا يضمن تبلور استراتيجية تحمي المصالح التركية وترتبط بخيارات أردوغان في الإصرار على ربط النفوذ الإقليمي لبلاده وصعوده الشخصي على سلالم الشرق، من خلال تضخيم الهاجس الكردي وتأليب الشعور القومي التركي والتباس شبكة تحالفات أنقرة الإقليمية.

بعد إفشال المحاولة الانقلابية في صيف 2016، نشهد إعادة تموضع للسياسات التركية وأصبحت نظرية “صفر مشاكل” لصاحبها رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو وراءنا وحل مكانها انخراط تركيا في كل مشاكل الإقليم ليس على الساحة السورية وفي مواجهة المسألة الكردية فحسب، بل كذلك مع قبرص واليونان ومصر في نزاع حول ترسيم الحدود البحرية وثروات الطاقة، بالإضافة إلى إرسال قوات إلى قطر ونسج شبكة وجود عسكري ودبلوماسي من الصومال إلى سواكن السودانية.

من خلال هذا النهج الهجومي لا تقتصر مقاربة أردوغان على أولوية أمن تركيا القومي ووحدة البلاد السياسية والجغرافية حسب الخطاب الرسمي، لكنها ترتبط بحرص الرئيس التركي على أن يقود التحول الكبير لبلاده وفق نهج يجمع بين استحضار التاريخ العثماني ومقتضيات اللعبة المعاصرة وتعقيداتها.

لكن “السلطان الجديد” الذي نفى مرارا رغبته في إرساء نهج عثماني جديد، لم يتردد أخيرا في استخدام عبارة “الصفعة العثمانية” في إطار حملته على الجانب الأميركي بخصوص منبج. والأهم أن أردوغان يطبق ذلك عمليا في مسعاه لإبعاد ما يعتبره “النفوذ الغربي” داخل المؤسسة العسكرية التركية.

بعد محاولة انقلاب 15 يوليو 2016، جرى فصل 149 جنرالا من أصل 358، وتم إنهاء خدمة 10840 ضابطا وجنديا. وطالت حملة التطهير الواسعة 400 ملحق عسكري تركي كانوا يخدمون في حلف شمال الأطلسي. ويشرف على مختبر تغيير وجه الجيش التركي المستشار الرئيسي لأردوغان، الجنرال المتقاعد عدنان تانريفردي المعروف بتوجهاته المحافظة والإسلامية، ويندرج ذلك في ترتيب تحالف قوي بين أردوغان والجيش الجديد والأوساط الإسلامية والقومية، مما يتيح التجديد لأردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة في مواجهة المعارضة.

ومن أجل خدمة هذا النهج كانت عملية “درع الفرات” في صيف 2016 التي أتاحت تركيزا لنواة نفوذ تركي في الشمال السوري. وفي يناير 2018 استفاد أردوغان من التناقض الأميركي – الروسي حيال الأكراد ومن حاجة روسيا لمشاركته في مساري أستانة وسوتشي كي تطلق أنقرة ما أسمته “عملية غصن الزيتون” بهدف ضرب الشريط الكردي الملاصق لحدود تركيا.

وبعد حوالي الشهر على هذه العملية، لم تتمكن القوات التركية وحلفاؤها من المعارضة السورية من تحقيق إنجاز خاطف، وشكل الفيتو الأميركي على دخول منبج مأزقا دفع بالقيادة التركية للتفاوض مع واشنطن حول فكرة المنطقة الآمنة أو انسحاب قوات الحماية الكردية نحو شرق الفرات. وفي هذا الوقت استمر نشر قوات تركية ومراقبين أتراك في منطقة خفض التوتر في إدلب وجنوب حاب وذلك بالتنسيق مع روسيا التي تبدو حريصة على نفخ النار في رماد الحذر السائد بين أنقرة وواشنطن وحلف شمال الأطلسي.

وفي مسعى للترويج لنقاط القوة إن كان من خلال موقع بلاده (الجسر بين الغرب والشرق) وإن لنواح جيواستراتيجية أخرى، لوّح أكثر من مسؤول تركي بإغلاق قاعدة إنجيرليك التي تستخدمها طائرات التحالف الدولي في حربها ضد الإرهاب، وطال الأمر قاعدة كوريسيك في جنوب شرق تركيا وهي قاعدة رادار مهمة للأمن الإقليمي للناتو ويمكن لإغلاقها أن يمس إسرائيل.

حيال رفض واشنطن تسليم الداعية فتح الله غولن واستمرار سياسة البنتاغون في العلاقة مع الأكراد حسبما رسمتها إدارة أوباما وأعطتها زخما استراتيجية واشنطن الجديدة إزاء سوريا، لا تكتفي تركيا بإطلاق اسم عملية غصن الزيتون على الجادة المحاذية للسفارة الأميركية في أنقرة، بل تزيد من تنسيقها مع موسكو وتعميق صلاتها مع طهران إلى حد أن أردوغان اتهم واشنطن باستهداف مصالح روسيا وتركيا وإيران في سوريا.

من خلال هذه الرقصة بين موسكو وواشنطن، يتصور رجب طيب أردوغان أن نفوذ بلاده الإقليمي سيتعزز وأنه سيكون أتاتورك القرن الحادي والعشرين. وهو لا يتردد في الزج بسوريين من أجل تصفية الحساب مع الأكراد السوريين وفي هذه اللعبة الإقليمية – العالمية الدموية يشهد المسرح السوري على كل أنواع الاحتدام من أجل خدمة مصالح الجميع باستثناء مصلحة سوريا والسوريين.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

 

 

 

عن الشرخ بين العرب والأكراد/ حسن شامي

هناك شرخ آخذ في الاتساع بين العرب والأكراد، في سورية خصوصاً. للوهلة الأولى يبدو للمراقب أن التدخل العسكري التركي، المدعوم من فصائل سورية معارضة للنظام، للسيطرة على مدينة عفرين هو ما يشكّل الخلفية الكبرى للشرخ. وقد لاحظنا في الأيام الأخيرة ارتفاع منسوب الحدة السجالية حول هذه المسألة داخل المعارضة السورية، مما يشي بإمكانية أن يتحول الشرخ إلى هوّة عميقة.

نسارع إلى القول إن معركة عفرين وما يصاحبها من تبادل الاتهامات بارتكاب جرائم فظيعة كالتمثيل بجثة المقاتلة الكردية بارين كوباني، ليست سوى الإشهار الحدثي لهذا الشرخ وإدراجه في السياق الظرفي للعبة الصراع على النفوذ والمواقع الإقليمية والدولية في سورية. أما الخلفية الحقيقية للشرخ المرشّح لاستقبال المزيد من ضربات المعاول الغاضبة فتعود إلى انهيار الإطار الوطني الناشئ بعد الاستقلال. في هذا المعنى يقع الشرخ في مدار التاريخ الحافل بالتباسات ومفارقات الفكرة القومية الموروثة عن القرن التاسع عشر الأوروبي.

سنضع جانباً النظام السوري وجماعته، إذ قد يكون صحيحاً أن حساباته وتوظيفاته في المسألة تخضع، في نهاية المطاف، لاعتبارات سلطوية ضيقة. ثمة في المعارضة السورية من أدان التدخل التركي لأنه سيدفع بالأكراد إلى الارتماء في حضن النظام. وكان قسم معتبر من المعارضة ينظر بارتياب إلى صعود القوة الكردية منذ بداية سنوات الجمر الست السورية ويتهمها، بحسب رواية تخوينية شائعة، بالتواطؤ مع النظام، وباللعب على حبال التناقضات لمصلحة أجندة خاصة لا تفصح صراحة عن مضمونها، بحسب رواية تكتفي بالارتياب من نهج كردي لا يعير أهمية كبيرة لتطلعات غالبية العرب السوريين.

قد يكون مفيداً أن نركز اهتمامنا على المناظرة الدائرة بين مركزين يفترض كل منهما تمثيل الفكرة الوطنية كما يفهمها. سنفترض أيضاً أن القوتين المذكورتين، أي الكردية الملتفة حول وحدات حماية الشعب والعربية بالأحرى العربية. الإسلامية الموزعة على فصائل ومجموعات متعددة تمثلان قطاعات عريضة من المجتمع السوري. فنحن نعلم أن القوة الميدانية ليست بالضرورة قوة تمثيل نهائي وناجز.

القاسم المشترك بين سرديات الطرفين هو الشعور بالمظلومية. لكن تشخيص مقدمات وحيثيات هذه المظلومية يبقى فضاء افتراق شاسع يمكن بسهولة أن ترعى فيه غزلان التباسات ومفارقات كبيرة.

لنقل إننا حيال سجال بين مظلوميتين لا تنتميان إلى مدار تاريخي واحد. فمظلومية الكتلة العربية السورية تقوم على اعتبار النظام الأسدي قوة عصبية فئوية أقلوية تضطهد الأكثرية السنّية وتستولي بالقبضة الأمنية على الوطن السوري كله، دولة وبشراً وثروات. الحديث عن أكثرية سنية لا يعني بالضرورة أن أبناءها مجتمعون على تعريف واحد لهذه الصفة. أما المظلومية الكردية فهي ترقى إلى وضعية تسبق بكثير وتتعدى، في الزمان والمكان، تاريخ سورية القريب العهد وسلطة البعث وانقلاباته. الصراع الدائر في سورية الآن ليس صراعاً على الحاضر بقدر ما هو صراع على ما ينبغي على هذا الحاضر أن يستأنفه ويسترشد بمقتضياته. إنه صراع على الماضي.

لنقل بشيء من الاختزال إن المظلومية الكردية وسردياتها الموزعة على أربع دول نصفها عربي ونصفها الثاني غير عربي تتركز على اعتقاد مؤلم بمفارقة أنجبتها أزمنة القومية الحديثة، وهي أن الأكراد أمة ممنوعة من الصرف السياسي ومن التحقق في دولة أو في جسم سياسي مستقل. ولأن المظلومية لا تخلو من وعي شقي ترتسم مقابل المفارقة الكردية مفارقة عربية معكوسة. فالعرب ينضوون في أكثر من دزينة ونصف من الدول القطرية أو الوطنية لكنهم لا يشكلون أمة في المعنى السياسي الحديث. هناك نادِ لهذه الدول اسمه الجامعة العربية لكن العرب لم يتحولوا إلى فاعل سياسي. ينبغي القول ههنا إن نشأة هذه الدول لم تكن تتويجاً لسيرورة اندماجات وطنية قادتها العروبة السياسية. حاولت الناصرية أن تفعل شيئاً من هذا القبيل وأخفقت لأسباب يطول شرحها.

لا حاجة للتذكير بأن الفكرة العربية نشأت على أرضية تفكيك السلطنة العثمانية إلى ولايات تديرها نخب عائلية نافذة وملتحقة بالقوة الأوروبية الأكثر سطوة، أي بريطانيا. ولا حاجة أيضاً للتذكير بالاضطراب اللغوي والدلالي لمفهوم الأمة واستخدام صفة نسبة إليه مأخوذة من مصطلح آخر هو «القوم». ولكن هناك حاجة للتذكير بأن عملية التسريع الأوروبي لإيقاع التاريخ في العالم كله، لاعتبارات تتعلق بالتطور الداخلي للمجتمعات الأوروبية وحروبها القومية، أفضت في العديد من الحالات إلى نتائج تختلف عن التوقعات وفيها التباسات كثيرة لا نزال نتخبط في رمالها المتحركة.

وقد تكون الأتاتوركية انعكاساً لعملية التسريع هذه. الإقرار بوجود مسألة كردية وخصوصية ثقافيةـ لغوية تستحق الاهتمام لا يمنعنا من ملاحظة أن بعض وجوه النزعة القومية الكردية ينطوي على نوع من الأتاتوركية المقلوبة. فمؤسس الجمهورية العلمانية لم يرم فقط من نافذة قطاره القومي السريع خمسة قرون عثمانية بعجرها وبجرها بل عطف ذلك على نزعة استعلاء حيال ديانة حملها قوم عرب أقرب إلى البداوة.

العروبة ليست هوية إتنية وإن كان البعض يجنح إلى اعتبارها كذلك متأبطاً كتب الأنساب. فغالبية العرب هم ممن كان يطلق عليهم اسم أبناء العرب، أي المنحدرون من تقاطعات وزيجات مختلطة. وقد سبق للمؤرخ التونسي هشام جعيط أن وصف العروبة بحق أنها مصهر أو مجرى تلاقت فيهما روافد كثيرة من جنسيات وإتنيات مختلفة بحيث تحولت اللغة العربية بقوة الانتشار والتوسع الإسلاميين إلى لغة المعرفة والإنتاج المعرفي في شتى الحقول. ولم يكن الوافدون من أصول إتنية أخرى يشعرون بالاستلاب حيال العربية. بالمناسبة يمكن لفت نظر المصرّين على اعتبار النسب معياراً للعروبة إلى أنهم قد يصدمون حين يتفطنون إلى أن فئة السادة والأشراف الذين احتلوا مكانة معتبرة في المجتمعات الإسلامية كلها هم من العرب ما دام نسبهم يرقى إلى عائلة النبي، علماً بأنهم سوسيولوجياً أتراك وإيرانيون وهنود وأكراد…

ما نقوله يصح على العروبة الثقافية أو الحضارية. لكن من الصعب أن نفصل بالكامل بين العروبة والإسلام. وهنا العقدة الأكبر. شطب أتاتورك الماضي العثماني والإسلامي ليصل إلى أصل أسطوري يتطابق مع مستقبل تركيا. يستحق الماضي بعض التواضع. فالتاريخ لا يرحم.

الحياة

 

 

 

التوتر اللامتوازي: العلاقة المرتبكة بين أنقرة وواشنطن/ حسن منيمنة

زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى أنقرة من شأنها أن تصحح بعض الخلل الذي يعتري العلاقات بين واشنطن وأنقرة. إلا أن إعادة هذه العلاقة إلى سابق عهدها بما ينسجم مع التحالف الطويل الأمد بين العاصمتين يتطلب مراجعة تركية لمقاربتها الحالية في شأن الولايات المتحدة.

كانت رئاسة دونالد ترامب قد ابتدأت بإيجابيات واضحة بالنسبة إلى أنقرة. ترامب المرشح ثم الرئيس كرّر في أكثر من مناسبة تقديره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وإن جاء الأمر في سياق انبهار ترامب بالرجال الأقوياء، بوتين الروسي، دوتيرتي الفيليبيني، بل صدام حسين نفسه. ومع فوز الجمهوريين، بدا وكأن صفحة الرسائل الملتبسة التي ثابر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على توجيهها، المفعمة بالبلاغة والمفتقرة إلى المضمون، حول رؤية واشنطن للحل في سورية بما يراعي المصالح التركية، قد طويت. فالجمهوريون هم أهل العزم، على الأقل نظرياً. أنقرة، بالتالي تفاءلت بالخير، إلا أنها لم تجده.

الريبة في أنقرة إزاء الولايات المتحدة في مرحلة أوباما كانت مبنية على موضوعين رئيسين، الأول هو التنسيق الميداني، والذي استمر في التطور، بين القوات الأميركية المولجة محاربة تنظيم الدولة ووحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي، السوري الكردي، المرتبط بحزب العمال الكردستاني، الناشط في الجنوب الشرقي لتركيا، والمصنّف إرهابياً لديها كما لدى الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الدولية.

فالعملية الميدانية الأميركية في سورية تضمنت تنظيم وحدات حماية الشعب، وبعض الأطراف الرمزية الأخرى، في إطار «قوات سورية الديموقراطية»، وتدريبها وتسليحها وتمكينها، فيما تركيا تعترض في كل مرحلة على هذا التهديد السافر لأمنها الوطني، انطلاقاً من أن أي سلاح تمدّ به واشنطن هذه القوات، هو مادة تعزّز عدوها المعلن والصريح، ولا سيما أن صوَر عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال والسجين لدى تركيا، تزيّن مقار هذا الشريك الميداني الجديد للولايات المتحدة. بل بدا، من وجهة نظر تركية، أن الولايات المتحدة تتذرع وتكذب، تقدّم الوعود بأن السلاح محدود وموقت، وبأن انتشار هذه القوات المدعومة محصور ومضبوط، وأن التنسيق مع أنقرة أولوية في مواجهة تنظيم الدولة، وإذ بالوقائع تناقض المزاعم، وتتحول مناطق سيطرة قوات سورية الديموقراطية عملياً إلى الدويلة الكردية التي تخشاها تركيا عند حدودها. فما كانت تتوقعه أنقرة من واشنطن، بعد انتقال الرئاسة من أوباما إلى ترامب، هو الشروع بتصحيح هذا الخروج عن قاعدة التنسيق مع أنقرة أولاً، بصفتها الحليف التاريخي الثابت، إلا أن أمراً من هذا القبيل لم يحصل.

أما المسألة الثانية، فهي الانقلاب الفاشل والذي كان يهدف إلى إطاحة أردوغان. لم تستكن أنقرة يوماً إلى تأكيدات أوباما بأن إدارته لم تكن على علم مسبق بالمحاولة الانقلابية، بعد أن كانت الطائرات المقاتلة الانقلابية قد خرجت من قاعدة تتمركز فيها القوات الأميركية، وبعد أن تلكأت واشنطن الرسمية في رفضها المحاولة الانقلابية إلى حين تبين فشلها، وبخاصة أن فتح الله غولن، الذي تتهم أنقرة جهات تابعة له بتدبير المحاولة، نزيل الولايات المتحدة نفسها. أنقرة طالبت وأصرّت على تسليم واشنطن غولن لها، ولكنها لم تحصل على نتيجة مرضية. ومجدداً، كانت رغبة الحكومة التركية في أن يتبدل الوضع، وتعمد واشنطن إلى تقديم غولن لمحاكمته بعد تولي ترامب الرئاسة، إلا أن ذلك لم يحصل.

ليس غريباً، بناءً على ذلك، أن تقتنع أنقرة، وهي التي تعاني للتوّ من مماطلة تمزج الأسباب بالذرائع في مسعاها إلى العضوية في الاتحاد الأوروبي، بأن ثمة منهجاً في الموقف الأميركي، وأن الأمر ليس موقفاً لأوباما يبدّله ترامب، بل سياسة أميركية غير معلنة متعارضة مع المصلحة التركية. وهذه القناعة، المستفيدة من مناوشات عدة بين الجانبين، من توقيف الموظف التركي في السفارة الأميركية في أنقرة، ضمن حملة الاعتقالات الواسعة النطاق لاجتثاث الإعداء الداخلين (الحقيقيين والوهميين)، إلى ضرب حرس أردوغان للمتظاهرين قرب السفارة التركية في واشنطن، واتهامهم المضروبين بالاستفزاز الدعائي المتعمد، أطلقت العنان لقراءات في الإعلام التركي والداعم لتركيا من وحي أدبيات الحرب الباردة في القرن الماضي، حول المسعى الأميركي إلى تفتيت المنطقة والاستيلاء عليها لمصالحها وخدمة لإسرائيل.

القراءة الأسهل، والأقرب للواقع، هي إدراك الطبيعة المستجدة في واشنطن، وربما كذلك العمل على تجييرها. لم يكن لأوباما بالأمس، وليس لترامب اليوم، رؤية شاملة للحل في سورية. ترامب ورث عن أوباما فراغاً في التصور يسمح للترتيبات الميدانية أن تظهر وكأنها موقف سياسي، ولم يُقدم على ما يبدل الوضع. يمكن بالطبع الافتراض أن هذا الإحجام مقصود، إلا أن مراجعة الإحجامات المتراكمة في مختلف الملفات الداخلية والخارجية يبين بأن التفسير الأصوب له هو أن المسألة لا تبلغ حد الخطورة أو الأولوية التي تلزم فريق ترامب التطرّق الفوري إليها. فبدلاً من اعتبار أن تقصير واشنطن خبث مبطّن والطعن به سرّاً وعلناً والتلويح بارتباطات بديلة بالخصم الروسي، كان في وسع أنقرة أن تملأ الفراغ وتقدم البدائل، من جديد ومن دون التشكي من أن هذا الجهد لم يكن مجدياً مع أوباما، وكان ممكناً بالتالي لفرص النجاح في تقريب وجهات النظر أن تكون أكبر. فأنقرة تضيّع الفرصة بوضع الشروط المسبقة المستحيلة، مثل الإصرار على التسليم الفوري لغولن، في حين أنه لا بد لها من الإدراك بأن النظام القضائي في الولايات المتحدة ليس أداة بيد السلطة التنفيذية، فهي إن لم تبلغ مستوى إقناع الجهات القضائية بتوافر الأدلة حول ضلوع غولن نفسه بالعملية الانقلابية، وبتحقق الشروط المرعية لجواز تسليمه، فإنه لا تسليم البتّة.

أيهما واشنطن، تلك التي تضمر العداء لأنقرة وتتحالف مع خصومها وتحمي أعداءها، أو تلك التي تعاني من القصور في الرؤية السياسية وتحفل بالضوابط العدلية لصون حق المواطن والمقيم؟ الإجابة عن هذا السؤال من شأنها أن تحدد معالم العلاقة بين العاصمتين. فإن رسا خيار أنقرة على التصور الثاني، كان المجال متاحاً للعودة بالعلاقات إلى طبيعتها، أما إذا استمر الإصرار على التصور الأول، فمن شأن أنقرة أن تساهم بدفع واشنطن إلى المزيد من التباعد معها.

الحياة

 

 

 

 

ما العمل لإخراج الكرد من قبضة أمريكا ؟/ د. عصام نعمان

«داعش» لم يخرج من سوريا بعد. لا مصلحة لأمريكا ولا لتركيا بإخراجه منها. سيبقى فيها بشكل او بآخر لغاية استنفاد الغرض من استبقائه. أمريكا تريده ذريعة لبقائها في شرق سوريا، التنف وجوارها، وفي شمالها الشرقي، محافظات دير الزور والرقة والحسكة. تركيا تريده ذريعة لبقائها في شمال سوريا الغربي، عفرين وجوارها، وفي شمال سوريا على امتداد حدودها معها… لماذا؟

لأن لكلٍّ منهما مخطط ومطامع فيها، لأمريكا جملة أغراض، أهمها:

تموضع قوات غير سورية، بل معادية لسوريا، في مواقع حاكمة على حدودها الشرقية للحؤول دون تواصلها جغرافياً وتحالفها عسكرياً مع العراق وإيران.

الضغط على سوريا وحلفائها للحؤول دون إقامة قواعد عسكرية لإيران في سوريا عموماً وفي جنوبها القريب من «إسرائيل» خصوصاً.

تعزيز المركز التفاوضي للقوى والأطراف المتنازعة مع حكومة دمشق، بغية تعزيز مشاركتها من مركز قوة في أي مفاوضات تجري لتقرير مسار سوريا بعد الحرب، ولعرقلة استعادة وحدتها الجغرافية والسياسية، ولإفساح المجال أمام بعض المكوّنات الإثنية والمذهبية لإقامة كيانات خاصة بها أو، أقلّه، منحها قدْراً كبيراً من الحكم الذاتي.

لتركيا أغراضها أيضاً:

القضاء على كل وجود مسلّح لتنظيمات كردية متعاونة مع حزب العمال الكردستاني التركي ذي النزعة الانفصالية.

الحؤول دون إقامة كيان كردي سوري مستقل في شمال سوريا وشرقها، وعرقلة إقامة حكم ذاتي للكُرد السوريين، لتفادي انتقال العدوى إلى الكرد الأتراك.

إقامة مواقع عسكرية تركية في شمال سوريا بذريعة حماية الأمن القومي التركي من الكُرد الساعين إلى الانفصال.

سوريا ترفض كل هذه الادعاءات والمطامع الامريكية والتركية. حكومتها تصّر على استعادة كل المناطق الخارجة عن سلطتها وسيادتها. لذا تعتبر كل قوات غير سورية متواجدة على ارضها من دون اذن منها قوات محتلة. إلى ذلك، تعتقد سوريا، حكومةً وشعباً، أن أية قوات محتلة، خاصةً اذا كانت امريكية، هي مجرد أدوات لمخطط قديم – جديد لتقسيم سوريا وتفكيكها إلى جمهوريات موز متناحرة، وان المستفيد الاول منه هو «اسرائيل».

إذا كان»داعش» طرفاً غير سوري، فإن ثمة اطرافاً سوريين ضالعون ومشاركون في المخطط التقسيمي المشار اليه. ما يُسمى «قوات سوريا الديمقراطية – قسد» تنظيم سياسي وعسكري ذو نزعة انفصالية، وهو مموّل ومسلح من أمريكا ومتعاون معها. «الجيش السوري الحر» تنظيم عسكري ممول ومسلّح من تركيا وأداة بيدها. «جيش الإسلام» مموّل ومسلح من السعودية وخاضع لتعليماتها. إلى ذلك، ثمة تنظيمات مسلحة صغيرة ناشطة في جنوب سوريا الغربي ممولة ومسلّحة من «اسرائيل» ومتعاونة معها

بعد نجاح الجيش السوري في استعادة الكثير من بلدات وقرى في أرياف حمص وحماه وحلب واتجاهه إلى تحرير محافظة أدلب من «هيئة تحرير الشام» (النصرة»سابقاً)، وبعد نجاح روسيا في جمع ممثلين لمختلف أطياف سوريا للحوار في مؤتمر سوتشي، قامت أمريكا وتركيا و»اسرائيل» في المناطق السورية التي لها فيها قوات نظامية، أو قوات حليفة أو رديفة بعمليات مؤذية لعرقلة جهود سوريا من أجل استعادة وحدتها وسيادتها.

أبرز هذه العمليات إسقاط طائرة سوخوي روسية في أدلب بصاروخ جوي متطور محمول على الكتف من صنع أمريكا، أعلنت «هيئة تحرير الشام» مسؤوليتها عنه، ثم قيام تركيا بمهاجمة منطقة عفرين لإنهاء سيطرة «قوات حماية الشعب» الكردية عليها، وأخيراً قيام طائرات «التحالف الدولي» الامريكية بقصف قوات رديفة للجيش السوري كانت تقوم بمهام استطلاعية في منطقتي المدينة الصناعية وخشام النفطية شرقيّ نهر الفرات في محافظة دير الزور. بالتزامن مع هذه الاعتداءات تحركت عناصر «جيش الإسلام» و»النصرة» في غوطة دمشق الشرقية وأمطرت دمشق بوابل من الصواريخ والقنابل، ذهب ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى المدنيين، ومثلها فعلت التنظيمات المتعاونة مع «اسرائيل» في جنوب غربي سوريا.

بات واضحاً أن أمريكا، والى حدٍ ما تركيا، شنّت هجمات مؤذية لسوريا، كلٌ من جهته ولاغراض خاصة به. المشكلة أن هذه الهجمات تتمّ في مناطق تتواجد فيها قوات نظامية سورية كشمال البلاد، أو قوات روسية في شرق دير الزور وأدلب. لم يحدث حتى الآن اي صدام عسكري مباشر بين القوات الامريكية والتركية من جهة والقوات السورية والروسية من جهة أخرى. لكن تجاور القوات الروسية والقوات السورية في الكثير من المناطق والمواقع، يجعل احتمال الصدام مع القوات الأمريكية محتملا.

ما العمل لتفادي تطور الحرب في سوريا وعليها من حربٍ بالوكالة بين لاعبين إقليميين إلى حربٍ ساخنة محدودة بين أمريكا وروسيا؟

ثمة خطر جديّ وماثل. خبراء استراتيجيون يعتقدون أن إدارة ترامب ربما ترمي في استراتيجتها الهجومية الجديدة إلى استنزاف روسيا في سوريا، على غرار عملية استنزاف أمريكا في افغانستان. ربما تظّن انها بذلك تُكره روسيا على حمل سوريا على الإذعان في المفاوضات المقبلة لمخططها الرامي إلى فك تحالفها مع إيران وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وبالتالي القبول بنظام سياسي تعددي لامركزي يتيح للكرد السوريين حكماً ذاتياً في شمال شرقيّ البلاد.

موسكو لا تماشي سياسة واشنطن الهجومية في سوريا، وإن كانت حريصة على مداراتها لتفادي الاشتباك معها. لكن هذه المداراة لا تضمن ردع أمريكا، ومن ورائها «إسرائيل»، للتراجع عن مسارها العدواني المتصاعد.

ما العمل إذن؟

لعل السبيل الأفعل يكون بانتهاج روسيا مقاربة جريئة لمسألة الكُرد السوريين (والعراقيين) غايتها إخراجهم من قبضة الامريكيين.. كيف؟ بالتعاون مع إيران على للضغط على تركيا بغية التخلي عن سياستها العقيمة القائمة على محاربة الكرد السوريين بمعزل عن سوريا، بل على نحوٍ معادٍ لها، وبالتشديد على أولوية المصالح المشتركة بين البلدين الجارين، ووجوب مجابهة أعدائهما المشتركين معا، وبأن شرط الخروج من هذه الحال المضطربة والمؤذية لكليهما، إنما يكون بتغليب المصالح المشتركة على الأغراض، بل على الأوهام المكلفة والمتصادمة مع الواقع. ذلك يتحقق بالتوافق على خطوط عريضة للخروج من الصراع اللامجدي على النحو الآتي:

اولاً: وقف النار في كل أنحاء سوريا والذهاب بلا إبطاء إلى مؤتمر جنيف للتحاور والتوافق على تسوية سياسية متوازنة للصراع بالتزامن مع مباشرة سحب القوات الأجنبية منها.

ثانياً : توافق سوريا وتركيا، برعاية إيران وروسيا، على أولوية استعادة سوريا وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني، واتفاق البلدين على تحصين وحدة أراضيهما الجغرافية والسياسية وعدم المساس بها من طرفِ أيٍّ منهما.

ثالثاً: توافق سوريا وتركيا، برعاية إيران وروسيا، على منح الكرد السوريين الحق في الإفادة من نظام إدارة ذاتية محلية يجري اعتمادها في إطار دولة مركزية مدنية ديمقراطية، على أساس المساواة بين السوريين جميعاً في المواطنة والحقوق والواجبات والعدالة والتنمية.

رابعاً: يكون للسوريين وحدهم حق تقرير مضمون النظام السياسي الذي يريدونه لبلادهم على أن يتمّ ذلك دونما تدخل خارجي وبرعاية الامم المتحدة.

خامساً: انسحاب جميع القوات الاجنبية، ولاسيما تلك التي لم تأذن سوريا بتواجدها على ترابها الوطني، وذلك قبل مباشرة تنفيذ أحكام التسوية السياسية المتفق عليها في مفاوضات جنيف.

هل ثمة مقاربة أفضل وأفعل لإخراج كُرد سوريا، كما بعض عربها، من قبضة أمريكا ومن ورائها «إسرائيل»؟

كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

أمريكا وتركيا: محاولة للخروج من عنق الزجاجة

حسب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون فإن وضع بلاده مع تركيا «عند نقطة حاسمة في العلاقات»، وهذا، في الحقيقة، أقلّ ما يمكن قوله في هذه المرحلة التي شهدت تباعداً كبيراً لأنقرة عن حليفتها الكبيرة المفترضة في واشنطن.

تيلرسون الذي التقى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لعدة ساعات أول أمس كان أكثر واقعية من وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي كان حديثه قبل أيام عن الفصل بين «الاتحاد الديمقراطي» و«العمال الكردستاني» مثار سخرية نظيره التركي نور الدين جانيكلي فـ«الاتحاد الديمقراطي» لا يستطيع أن يحارب «العمال الكردستاني»، كما اقترح ماتيس، لأن الذيل لا يستطيع أن يحارب الرأس، والفروع لا يمكن أن تحارب مركز القيادة الذي يصدر الأوامر إليها، كما قال جانيكلي.

وإذا كان دعم الولايات المتحدة الأمريكية للقوات الكردية السورية التابعة لـ«حزب العمال» وصولاً إلى إعلانها مؤخراً تشكيل جيش «لحماية الحدود السورية مع العراق وتركيا»، كان القشّة التي أجّجت غضب أنقرة التي دفعت بقوّاتها المسلّحة للسيطرة على بؤرة تمركز «حزب العمال» في عفرين، فإن هذا التوتّر جاء ضمن سياق طويل.

شكّلت الأحداث في سوريا خزّاناً لتراكم غضب أنقرة وتصاعد إحساسها بالخيانة الأمريكية، ولم تكتف واشنطن بلعب دور كبير في كبح طموح تركيّا لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد عبر دعم المعارضة السورية المسلحة وتثبيتها كبديل شرعيّ للنظام، ولكنّها تخلّت عنها أيضاً حين دخلت في مجابهة عسكريّة مع روسيا، وتحالفت مع «حزب العمال الكردستاني التركي» عبر دعم فرعه السوريّ بحيث حوّلته إلى قوّة ضاربة وزوّدته فعليّاً بإمكانيات دولة كرديّة معادية لتركيا.

وكانت محاولة الانقلاب العسكري في 2016 وردود الفعل الأمريكية الغامضة تجاهها نقطة مهمّة أخرى في اجتماع إحساس الغضب والخيانة لدى الأتراك ما ساهم في اتجاه حكومة حزب «العدالة والتنمية» الحاكمة نحو ابتعاد مستمرّ عن واشنطن، وهو ما عنى، في حسابات السياسة، اقتراب أنقرة الاضطراري من خصوم الولايات المتحدة الكبار في الشرق الأوسط: روسيا وإيران.

مسلسل الضغوط المتبادلة بين البلدين شهد فصولاً أخرى فبعد اعتقال السلطات التركية أحد العاملين في القنصلية الأمريكية في إسطنبول واستدعاء آخر للتحقيق معهما في تهم تتعلق بما تسميه أنقرة «التنظيم الموازي» من جماعة الداعية فتح الله غولن، فجمدت الممثليات الأمريكية في تركيا قبول طلبات التأشيرة، كما قامت سلطاتها باعتقال مصرفي تركي وتوجيه تهم له بخرق عقوبات واشنطن على إيران وقضايا أخرى، وهو ما اعتبره الرئيس التركي إردوغان محاولة انقلاب جديدة ضد تركيا بمضمون سياسي وليس عسكريا.

وإذا كان الاتفاق التركي ـ الأمريكي الأخير لا يلبّي فعلاً طلبات الطرفين، فإنه، مع ذلك، يؤكد عدة حقائق، منها أنه كما أن تركيا لا تستطيع تجاهل القوّة العظمى ونفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري الخطير في العالم، فإن الأمريكيين لا يستطيعون أيضاً تجاهل الوزن الكبير لتركيا في العالم، وكما يعتبر الأمريكيون حربهم على الحركات الجهادية المسلّحة أولوية في العالم الإسلامي، فإن الأتراك لا يستطيعون تجاهل الخطر الذي تشكّله دولة كرديّة يقودها حزب معاد لهم.

وحين يستطيع الأمريكيون فهم هذه المعادلة البسيطة فإن الكثير من الأشياء ستتغير.

القدس العربي

 

 

 

 

تركيا والمواجهة مع أمريكا في سوريا/ محمد زاهد جول

تقوم السياسة التركية الداخلية والخارجية على أربعة محاور أساسية لا تجد بداً من العمل عليها باستمرار، والدفاع عنها ضد المعارضين لها، سواء كانوا معارضة داخلية سلمية أو انقلابية، أو كانوا معارضة خارجية من دول كبرى أو صغرى، وهذه المحاور هي:

1 ـ أمن تركيا الداخلي، بما فيه أمن المواطنين وحقوقهم الإنسانية والقانونية والديمقراطية، وأمن مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية، فالمحور الأول أن يبقى الأمن الداخلي مستقراً وديمقراطياً بالكامل.

2 ـ التنمية الاقتصادية الداخلية التي يعود ربحها وفوائدها للمواطنين مباشرة، بما يزيد تقدم اقتصاد الدولة ودخلها المالي، فالمحور الثاني التنمية الاقتصادية التي تحمي المواطن في قوته ومستوى معيشته وازدهاره.

3 ـ الحفاظ على الهوية الحضارية والتاريخية للأمة التركية، بما فيها مكتسبات التاريخ القديم، ومكتسبات الجمهورية التركية بكافة مقوماتها، بما يحمي الهوية الدينية والقومية داخليا وخارجيا، فالمحور الثالث أمن الوطن وهويته، من كل المخاطر التي تهدده.

4 ـ كسب الأصدقاء وزيادتهم، والتقليل من الأعداء داخليا وخارجيا، أي بناء الثقة والمصالح في العلاقات بين أبناء المجتمع التركي، ومع الدول الخارجية، بما في ذلك الحفاظ على علاقات قوية مع العالم العربي والإسلامي والاتحاد الأوروبي، حلف الناتو والعالم الغربي ومع كل الدول التي ترحب بالصداقة التركية، بما يحقق منافع الشعوب ومصالحها.

هذه المحاور الأربعة تمثل السيادة التركية داخليا وخارجياً، وهي ليست محل اختبار للسياسة التركية من أحد، وهذا يكشف صراحة المواقف التركية في الأزمة الأخيرة مع أمريكا، بعد سابقتها من الأزمات مع بعض الدول الأوروبية في العام الماضي، فأمريكا في بعض سياساتها الأخيرة مع تركيا تعمل ضد هذه المحاور الأربعة، أو ضد بعضها، ولا تسمع وجهة النظر التركية الرافضة للسياسة الأمريكية المعادية لها، وفي مقدمتها الدعم الأمريكي للتنظيم الإرهابي الانقلابي التابع لفتح الله غولن، المقيم في أمريكا، فالحكومة التركية تطالب بتسليم غولن للقضاء التركي، بعد ثبوت الأدلة القانونية على تورطه بتزعم انقلاب عسكري دموي فاشل ضد الشعب التركي في يوليو 2016، وهذا الرفض مخالف للقانون الدولي أولاً، ومخالف لعلاقات الدول التي تربطها تحالفات استراتيجية، مثل التي بين تركيا وأمريكا، ولكن أمريكا تحتفظ بزعيم تنظيم غولن وكوادره العليا بالتنسيق مع بعض العواصم العالمية، لاستخدامه وتنظيمه كأحد أدوات المخابرات الأمريكية الدولية، حتى لو أضرت بالعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة التركية وشعبها، وهذا خطأ كبير.

والقضية الكبرى التي تتجاهلها السياسية الأمريكية هي التهديدات الأمنية التي تضر بتركيا وأمنها القومي ، من خلال دعم أمريكا للأحزاب الإرهابية شمال سوريا، وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) بزعامة صالح مسلم، رغم إعلام أمريكا ـ وهي ليست بحاجة إلى إعلام ـ بأن الحزب تابع لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، ولكن أمريكا بقيت تمده بالسلاح والعتاد بما يكفي لتسليح جيش قوامه ستون ألف مقاتل، وهذا تسليح لا يمكن أن يكون من أجل محاربة «داعش» فقط، وقامت أمريكا بالالتفاف على التحذيرات التركية بصناعة ميليشيات من الحزب نفسه باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حتى تدعي بانها تدعم قسد وليس غيرها، وهو التفاف على التحذيرات التركية، لأن الحكومة التركية قررت نقل هذه المسألة إلى المؤسسات الأمريكية، وقدمت تركيا الأدلة لأمريكا بان (ب ي د) حزب تابع لحزب (ب ك ك) الارهابي، فكيف تدعم امريكا حزبا إرهابيا أمام الكونغرس الأمريكي، فجاء التحايل امام الكونغرس بان البنتاغون يدعم قسد، ولذلك لا قيمة لاعتراف الاستخبارات العسكرية الأمريكية امام الكونغرس بأن (ب ي د) وقواته (ي ب ك) ميليشيا تابعة لـ(ب ك ك). وفي 14 فبراير2018، قدم مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية دانيال كوتس تقريرا إلى الكونغرس، يقر فيه بأن تنظيم (ي ب ك) هو مليشيا (ب ك ك )في سوريا، وأنه يسعى إلى إقامة منطقة مستقلة، فهذا التقرير التفاف مخادع أيضاً.

البنتاغون يدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي منظمة في نظر البنتاغون والكونغرس غير (ب ي د)، وغير (ي ب ك)، وجاء وزير الدفاع الأمريكي ماتيس ليقول في بروكسل يوم 15 فبراير 2018 بأن أمريكا سوف تخرج تنظيم (ب ي د) من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهذه محاولة أخرى للالتفاف على الموقف التركي، وكذلك ادعاء أمريكا بأنها سوف تسحب أسلحتها من تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته قوات حماية الشعب، لتعطيها إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو للقوات التي أعلنت أمريكا عن تأسيسها في بداية هذا العام باسم قوات حماية الحدود السورية الشمالية، وقوامها 30 ألف مقاتل، وهي قوات تابعة لهذه الأحزاب أيضاً.

التراجعات الأمريكية في الأيام الأخيرة جاءت بعد عزم الحكومة التركية ووزارة الدفاع حماية حدودهما ومنع إقامة كيان إرهابي على حدودهما الجنوبية في سوريا، ولتركيا وزن استراتيجي بالنسبة لأمريكا لا يمكن أن تعادلها أي مصالح لها مع الأحزاب الارهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني، فلماذا تورطت امريكا؟ ولماذا وقعت في هذه التناقضات؟

الخطأ بدأ لدى وزارة الدفاع الأمريكية، ظناً منها أنها تستطيع استغلال الفوضى القائمة في سوريا لتقسيمها أولاً، وإقامة كيان يخدمها أولا واسرائيل ثانياً، وإن لم يخدم الاقتصاد ولا مصالح الشعب الأمريكي، وقد عجزت أمريكا عن إيجاد ميليشيا تتبعها وتنخدع بأوامرها منذ بداية الأزمة السورية، وحاولت مرارا اصطناع تنظيمات تخدم مصالحها وصرفت عليها أكثر من خمسمئة مليون دولار، ذهبت هباءً منثورا، ففشلها في تجربتها الأولى جعلها تحصر تجربتها الأخيرة مع الأحزاب الإرهابية ذات الأصول الكردية، وهي تعلم أن هناك اطماعاً انفصالية للأحزاب الكردية في تركيا والعراق وإيران، وليس في سوريا، لأن هذه الأحزاب لا تملك في سوريا مناطق ذات امتداد جغرافي للأخوة الكرد يسمح لها بالانفصال، فأمريكا سعت بعد احتلالها للعراق بإقامة نظام سياسي فيدرالي بثلاثة أقاليم بدستور عام 2005، لم ينجح في الظهور إي اقليم باستثناء شمال العراق باسم كردستان، وهذا الاقليم فشل بالاستقلال عام 2015، لأن تركيا والعراق وإيران رفضت ذلك، ولكن أمريكا وبالأخص البنتاغون لم تتعلم من درس العراق، وجاءت لتعيد السيناريو الانفصالي في سوريا، علما بأنه لا يوجد للأخوة الكرد أرض جغرافية يمكن أن تقوم عليها دويلة كردية في سوريا، ولذلك شارك طيران البنتاغون الحربي بطرد سكان المدن العربية شمال سوريا لإعطائها للأحزاب الانفصالية لإقامة منطقة أو دويلة تخدم البنتاغون شمال سوريا، وتجاهلت البنتاغون التحذيرات التركية حتى اصطدمت بها في «درع الفرات» أولاً، وفي «غص الزيتون» ثانياً، وهذا أوقع السياسة الأمريكية بالتناقض والتصريحات المتضاربة.

ولذلك ليس أمام البنتاغون إلا التراجع عن الأحلام في سوريا، فلا يمكن إقامة كيان شمالها بحجة دعم قومية معينة، لأن هذه القومية ليس لها وجود ديمغرافي مستقل اولاً، وإصرار أمريكا على ذلك مخالفة للإرادة الشعبية السورية والعربية ثانياً، ومخالف لحقوق الشعوب دولياً، فإذا نجحت بريطانيا بتشريد أهل فلسطين وإقامة الدولة الاسرائيلية مكانهم قبل قرن، فإن أمريكا لن تنجح في ذلك إطلاقاً، حتى تخوض حربا عالمية ثالثة، كما فعلت بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، فهل تخوض أمريكا حربا عالمية ضد تركيا من أجل إقامة قواعد عسكرية لها شمال سوريا؟ أم تكتفي بالتعاون الاستراتيجي مع الدولة التركية.

إن السياسة الأمريكية التي تصطدم مع السياسة التركية بهذه الحدة مردها أن أمريكا لا تدرك محاور السياسة التركية وأسسها الأربعة، فتركيا لا ولن تخوض معاركها ضد الكرد ولا ضد العرب ولا ضد الإيرانيين ولا غيرهم لأسباب قومية أو طائفية، ولكنها ستخوض معاركها مع كل من يعتدي على أمنها القومي الداخلي والخارجي، فالحرب التي يخوضها الجيش السوري الحر بدعم عسكري تركي في عملية «غصن الزيتون» هي حرب الشعب السوري الحر قبل أن تكون حرب الشعب التركي الحر، بدليل انها على الأراضي السورية، وعندما ينتصر الجيش السوري الحر في هذه الحرب التحريرية لأرضه ومدنه وشعبه، فإن مهمة الجيش التركي سوف تنتهي، وستكون مهمته تمكين ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري لاجئين إلى تركيا للعودة إلى بلادهم وأرضهم ومدنهم وقراهم ومزارعهم التي شردوا منها، وإذا كانت امريكا صادقة بمحاربة «داعش» فعليها دعم الجيش السوري الحر الذي يحرر مدنه وقراه في الشمال السوري من «داعش» ومن ارهابيي حزب العمال الكردستاني وتوابعه، وعندها سيكون الدعم للمواطنين الكرد في شمال سوريا أيضاً، الذين عذبتهم الأحزاب الانفصالية أكثر من غيرهم، فإذا كانت أمريكا صادقة بالبحث مع الناتو عما يثير مخاوف تركيا، كما يقول وزير الدفاع الأمريكي ماتيس فعلية الاستماع بجدية لوجهة النظر التركية وتصحيح أخطاء مستشاريه في وزارة الدفاع، وبدون مراوغة ولا التفاف ولا احتيال، وإلا فإن المواجهة بين تركيا وأمريكا واقعة في سوريا لا محالة.

كاتب تركي

القدس العربي

 

 

 

 

 

 

هل تنجح طهران وموسكو بسحب الورقة الكردية من الأمريكيين؟/ وائل عصام

كانت عملية كركوك وتبعاتها، انعطافة مهمة في ميزان التوازنات شمال العراق، فقد أرادت إيران تحجيم مشروع الانفصال الكردي عن سلطة حلفائها الشيعة في بغداد، ولم تتردد في حسم الأمر عسكريا بالتعاون مع أصدقائها الطالبانيين.

فالمشروع الكردي المستقل في شمال العراق لم يكن يعني فقط خروجا عن بيت الطاعة الإيراني في مستعمرتها العراقية، بل شكل هذا المشروع بقيادة بارزاني، دعامة اساسية لنفوذ قوى منافسة لايران في الاقليم، على رأسها الولايات المتحدة وتركيا. كما ان موسكو تشارك ايران بالنفور من الحضور الأمريكي في المنطقة.

ويبدو أن جهود إيران باحتواء الكرد تحت جناحيها قد آتت أكلها، فزيارة مسرور بارزاني الأخيرة لطهران كانت اعترافا كرديا على ما يبدو، بالدور الإيراني الرائد في العراق، وتراجعا عن الاعتماد الكلي على الأمريكيين، الذين عاتبهم بارزاني لتخليهم عن حلفائهم الكرد، في خطابه المشهور إبان معركة كركوك.

في شمال سوريا، تتجه آفاق النزاع تقريبا في المسار العراقي نفسه شمالا، فبعد أن انتهى المحور الإيراني تقريبا من التحدي الأكبر بتحجيم المعارضة المسلحة الجهادية، وتقليص نفوذها في البلاد، بدأ الإيرانيون والروس بالعمل على الملف الكردي شمال سوريا، والهدف واضح وذو شقين، الأول إعادة المناطق الكردية لسلطة دمشق، وبالتالي طهران، وإن احتفظ الكرد بهامش ما للحكم الذاتي. والشق الثاني، إبعاد المنافس الأمريكي عن ملعبه شمال سوريا، بسحب الأكراد لصف المحور الإيراني الروسي. يدرك الإيرانيون والروس أنهم مضطرون ربما، لتقديم الكثير للأكراد لاقناعهم بفك تحالفهم مع الامريكيين، فالاكراد ينظرون لواشنطن كعراب أساسي لمشروع كيانهم المستقل شمال سوريا، وسيكون على طهران تقديم ضمانات لكرد سوريا بالقبول بمشروع كيانهم بصيغة توافقية ما، وتحت خيمة المحور الإيراني الروسي، كما فعلوا ذلك في كردستان العراق.

وبينما يعطي التحالف الأمريكي هامشا أكبر من الاستقلال بالمناطق الكردية، فإن اضطرار الكرد للقبول بالدور الروسي الإيراني الذي يريدهم تحت خيمة دمشق، سيمنحهم شبه إدارة ذاتية محدودة الصلاحيات. ولا يبدو أن الأكراد سيقبلون بفك تحالفهم مع واشنطن، إلا مضطرين، وتحت تهديد القوة، تماما كما حصل في كركوك، وهذا ما يبدو انه في طريقه للحصول في عفرين، التي يحاول فيها الأكراد تحسين شروط تفاوضهم على دخول قوات النظام لعفرين، التي كانت بداية التحرك الإيراني نحو المناطق الكردية، كونها الجيب الخارج عن خيمة الحماية الامريكية، فكانت بالتالي الحلقة الكردية الأضعف شمال سوريا والثغرة التي سينفذ منها الإيرانيون لأولى مناطق إقليم روجافا الكردي شمالي سوريا.

لعل الهجمات الاخيرة لقوات النظام على المناطق التي يسيطر عليها الاكراد في دير الزور، كانت تحضيرا للمرحلة الثانية، والبقعة الثانية التي يريد المحور الايراني الروسي العمل عليها في مناطق الاكراد شمال سوريا، بعد عفرين، ولكنها بالتأكيد ستكون مهمة أكثر تعقيدا بمراحل من عفرين، للوجود الامريكي الاستراتيجي هناك، وإن كان زمن التراجعات الأمريكية في المنطقة ينبئ بأن أقدام الامريكيين باتت «زلقة» أكثر من أي وقت مضى، في أرض العراق وسوريا.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى