الطائفية والثورة السوريةصفحات مميزةفراس سعد

علويون ضد الأسد: نحن أيضاً مع الثورة


فراس سعد

ليست عين التينة البلدة العلوية الوحيدة التي اتخذت موقفاً مميزاً من أعمال النظام الإجرامية، برفضها إرسال أبنائها للتشبيح في مدينة الحفة. وكانت قبلها بأيام قد رفضت استخدام أراضيها ممراً أو معبراً أو منطلق لقصف مدينة الحفة التي حررها “الجيش السوري الحر”.  فقد اتخذ اهالي العديد من القرى العلوية المحيطة بمدينة الحفة (السنية) موقفاً مشجعاً ومتعاطفاً عبر اجتماع عقده ناشطون علويون في الساعات الأخيرة مع ممثلين من تلك القرى أعلنوا فيه رفضهم أعمال النظام وتضامنهم مع الحفة واستعدادهم لإيواء المهجرين منها.

وقبل عين التينة بوقت طويل يعود إلى الشهور الأولى للثورة، تواردت أخبار عن تمرد بعض الشخصيات والأفراد في دوير بعبدا التابعة للقرداحة وبريصين (الشيخ بدر)، بلدة الشيخ صالح العلي قائد أول ثورة ضد الاستعمار الفرنسي في الشرق.

ولم تخل تظاهرة في أي مكان من سوريا يوجد فيها أقلية علوية من مشاركة نشطاء علويين معارضين للنظام. اللاذقية وجبلة ودمشق وحمص وطرطوس ليست سوى أمثلة على هذا الحراك. إلا أن حراك هؤلاء المعارضين العلويين لم يظهر في الإعلام، لأنهم رفضوا على الدوام تنظيم تظاهرات تقتصر على أبناء الطائفة العلوية فقط، بل ذابوا في الحراك العام للمجتمع السوري.

فهؤلاء بمعظمهم علمانيون قبل أن يكونوا أي شيء آخر، وأكثر ما يرفضونه أن تكون الطائفة هوية لهم. وبسبب الإضطهاد الإجتماعي، كان دور المعارضين العلويين في بيئتهم محدوداً. نشأ هؤلاء في حالة إبتعاد قسري عن وسطهم. من أجل ذلك رفض كثيرون منهم مثلاً التوقيع على “بيان من أجل المواطنة” الذي أصدره مثقفون علويون وكذلك “بيان إدانة من أهالي حمص والساحل العلويين لجرائم النظام”، معتبرين هذه البيانات بيانات طائفية.

وعلى رغم مواقف عديد للمثقفين العلويين السوريين، أصدر عدد منهم ثلاثة بيانات حتى تاريخه، كان للبيان الثاني منها دور مهم في تحريك الرأي العام وإظهار الناشطين والمثقفين العلويين كمدافعين ومنخرطين في قلب الثورة. أدت هذه البيانات إلى تحرّك ما في الشارع العلوي. خرجت تظاهرة في دعتور دمسرخو تطالب بالتغيير بعدها بعدة أيام خرجت مظاهرة مضادة للنظام في بلدة مشقيتا أوائل شهر شباط من هذا العام، أثناء تشييع جندي من الجيش. وقام على إثرها الأمن العسكري باللاذقية باعتقال ستة ناشطين من التظاهرة. وبعدها بيومين، خرجت دمسرخو الملاصقة لمدينة اللاذقية بتظاهرة احتجاجية، وكان ثوار اللاذقية قد وجهوا تحية لشرفاء بلدة دمسرخو الذين رفضوا أوامر النظام بالتصدي لتظاهرات اللاذقية، وبعد حوالي أسبوع في 14 فبراير جرت مظاهرة طيارة لناشطين علويين في شارع الفروة – حي الجبيبات في جبلة وقد نادت بإسقاط النظام حيث توجه الأمن فوراً إليها لفضّها. كانت هذه ردة فعل الشارع العلوي على مجازر حمص الأولى وربما استجابة لبياني المثقفين العلويين، لكن أحد الحقوقيين العلويين اعتبر أن هناك تعتيماً إعلامياً غير مبرّر لهذه المظاهرات، وفي اليوم ذاته 14 شباط أطلقت صفحة على الـ”فايسبوك” باسم حركة “أحرار الساحل” وجهت النداء التالي: “يا ثوار اللاذقية الأحرار، يقوم اخوانكم الأحرار في حركة “ثوار الساحل” السوري بالتحضير لتظاهرات جديدة بعد تظاهرات دمسرخو والدعتور ومشقيتا دعماً لحمص، وذلك في مناطق وقرى مختلفة في الساحل، وهم بحاجة إلى مساندتكم وخبراتك. ننشادكم مساندتهم وتقديم كل الدعم لهم.”

ولم يقتصر التحرّك العلوي على الشارع والمثقفين، بل تعداه إلى الجيش الحر حيث تمّ في 5 آذار تشكيل السرية العلوية التابعة لـ”الجيش السوري الحر” بقيادة النقيب صالح الصالح الذي دعا افراد الجيش الاسدي من العلويين للإنشقاق عن الجيش، رداً على مجازر الجيش الاسدي .وفي اواسط شهر حزيران تمّ تصفية أحد مقاتلي “الجيش الحر” العلويين في حمص، على يد الشبيحة، وتمّ التمثيل بجثته بطريقة مرعبة، ليكون مثلاً لغيره من العلويين في المدينة، خوفاً من أن يتجرّأ بعض الشباب العلوي الإنضمام إلى الجيش الحر، وهي رغبة تتصاعد عند كثيرين منهم، ممن يؤيدون الثورة أو ممن يرفضون جرائم النظام بحق الأبرياء.

وفي 27 أيار، قام عدد من الناشطين العلويين في طرطوس بوقفه صامتة أشعلوا فيها الشموع حداداً على ضحايا مجزرة الحولة. في 8 حزيران، قامت مظاهرة صغيرة في دمشق شارك فيها عدد من النشطاء العلويون الذين رفعوا لافتة كتب عليها “علويون ضد النظام”.

وفي الثالث عشر من حزيران، تأسست مجموعة باسم أحفاد صالح العلي عرفت عن نفسها بما يلي: “نحن مجموعة من شباب الساحل السوري، من جميع الأطياف التي تسكن هذا الساحل، شاركنا كأفراد ومجموعات في فعاليات الثورة السورية منذ بدء هذه الثورة المجيدة كل حسب موقعه وقدرته، وكنا موجودين على امتداد ساحة الوطن وفي مختلف المحافظات السورية، ونحن شباب متنوع المشارب والأفكار والتوجهات …”.

وفي اليوم نفسه، انطلقت تظاهرة من كل الأقليات السورية بما فيهم العلويون في مدينة مصياف أطلق عليها الشبيحة النار لكن الجيش الحر تدخل لحمايتها وفتح أبناء مصياف أبوابهم للمتظاهرين حماية لهم من رصاص الشبيحة.

وفي 28 تموز أصدرت جماعة أطلقت على نفسها أسم “تجمع احرار الساحل والجبل” بياناً تدعو فيه العلويين للإلتحاق بالثورة.

وفي اوائل آب، وزعت مجموعة من الناشطين العلويين في مدينة اللاذقية يطلقون على انفسهم “نحل الساحل”، منشورات موجهة للشبيحة في المدينة تطلب منهم مغادرة المدينة، وقد رميت هذه المنشورات في نقاط انتشار الشبيحة وفي داخل بعض منازلهم، مما أصاب الآخرين حالة من القلق والخوف، فهي المرة الأولى التي يتجرّأ فيها ناشطون في اللاذقية على توزيع منشورات وفي اماكن حساسة بالنسبة للشبيحة، هرب على إثرها كبير شبيحة اللاذقية وأميرهم فواز الاسد إلى قبرص وكذلك فعل هارون الأسد وكلاهما متورط منذ الثمانينات بجرائم قتل واغتصاب وسرقة ونصب بملايين الدولارات.

ويقول ناشط من كوادر الثورة الرئيسيين في حماة إن “للناشطين العلويين دوراً فاعلاً وقوياً في دعم الثورة لوجستياً وبشكل سري. ومعظم المساعدات اللوجستية التي دخلت إلى المناطق والأحياء المحاصرة تمت عن طريق ناشطين علويين”. ونتحفظ عن ذكر الوسائل والأماكن التي تمّ فيها تقديم المساعدات اللوجستية حرصاً على سلامة أولئك الناشطين. وبالفعل فقد تمّ اعتقال اكثر من عشرة ناشطين علويين في حي الزاهرة العلوي في مدينة حمص بتهمة توزيع المواد الإغاثية في الأحياء المحاصرة من حمص ولا سيما بابا عمرو والخالدية، عرف منهم: يزن مرعي، محمد معروف، أنور ديب، مهيار معروف، كنان نصير، نايا إسحاق، علي شدّود… وقد مرت أسابيع على اعتقالهم بصمت ودون أي ضغط للمطالبة بهم.

ولم يقتصر دعم الثورة على الناشطين العلويين، بل كذلك فعل بعض الجنود المنحدرين من الطائفة، العاملين في جيش النظام، المتعاطفين مع ضحايا الثورة المدنيين حيث قدموا تسهيلات معينة للثوار. كما شهد بذلك محمد دغمش على سبيل المثال وهو من الشخصيات الإعلامية البارزة في الثورة ومراسل فضائية “العربية” في حمص. في هذا السياق يمكن ذكر عمليات الفرار من الخدمة الإجبارية لشبان علويين بلغ تعدادهم حتى الآن اكثر من أربعمئة حالة مؤكدة، كإحدى حالات الرفض لسياسة النظام الإجرامية.

ولم تتوقف عملية اضطهاد الناشطين العلويين بل تصاعدت حتى وصلت الى مصاف عمليات التصفية الجسدية، في حالات عديدة تمّت محاولات لتصفية ناشطين علويين في طرطوس وهناك حالات إختفاء وخطف متواترة، في مسعى محموم من النظام وشبيحته لقمع الصوت العلوي المعارض نهائياً. وهو مسعى لا نعتقد أنه سينجح في ظل وعي متصاعد من أبناء الطائفة إلى خطورة ما يرتكبه النظام، على العلويين خصوصاً وعلى مستقبل السوريين عامة.

شفاف الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى