صفحات المستقبلمازن عزي

على من تنتصر “الدولة الإسلامية”؟/ مازن عزي

 

 

وكأن التنظيم يمتص قوة الغارات، ويدفع أمواجه بعيداً، إلى الغرب في العراق والشرق في سوريا.

بعد أكثر من 4 آلاف ضربة جوية، شنّها طيران التحالف الدولي-العربي، على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، تمددت مساحة “الخلافة” واتسعت. “دولة الخلافة” لم تُشعل بعد شمعتها السنوية الأولى، لكنها باتت تضم ثُلث العراق ونصف سوريا.

في 11 شباط/فبراير 2015، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما: “داعش في طور دفاعي، والهزيمة ستلحق بها”. كلام أوباما جاء بعد هزيمة التنظيم في كوباني في سوريا، وقرب هزيمته في تكريت بالعراق. تنظيم “الدولة” خسر أكثر من 6 آلاف مقاتل، بين آب/أغسطس 2014 وكانون ثاني/يناير 2015. في تلك المرحلة، بدا وكأن شهية التنظيم لابتلاع مزيد من المساحات، قد بلغت ذروتها، وابتدأ العدّ العكسي لهزيمته.

تلك التقديرات سرعان ما تهاوت، فتنظيم “الدولة الإسلامية” تمكن من السيطرة على تدمر بريف حمص، لينتزع بذلك أول مدينة من يد النظام السوري، نتيجة معركة مباشرة بينهما. التنظيم استولى قبل ذلك بأيام، على قريتي السخنة والعامرية قرب تدمر، انطلاقاً من مدينة دير الزور، التي سيطر فيها على منطقة حويجة صكر، وصار تقريباً مهيمناً على كامل المدينة. كما يواصل عناصر “الدولة” حصارهم الحالي لمطار “التيفور” العسكري شرقي حمص، وتدور معارك كر وفر متواصلة مع قوات النظام للاستيلاء على منطقة جزل وحقل الشاعر للغاز. أي أن التنظيم بات يقترب بسرعة من الحدود الشرقية لمدينة حمص، بعد أن سيطر في وقت سابق، على الريف الشرقي لمدينة السلمية بريف حماة. في الوقت ذاته، هاجم تنظيم “الدولة”، خطوط دفاع قوات النظام شرق المدينة الصناعية “الشيخ نجار” شرقي مدينة حلب، واستولى على قريتي المقبلة والرحمانية، المشرفتين على مناطق سيطرة النظام. كما هاجم التنظيم، حقول رماية لقوات النظام قرب قرية الحقف بريف السويداء الشرقي.

وفي العراق، تمكّن التنظيم قبل أيام من السيطرة على الرمادي مركز محافظة الأنبار، وفرض نفوذه على معظم المحافظة، وبات أقرب من أي وقت سبق إلى بغداد، وإلى الغرب من محافظة كربلاء. التنظيم ما زال يحكم السيطرة على أجزاء واسعة من محافظة صلاح الدين، ومحافظة نينوى بالكامل.

يحدث ذلك، وكأن ضربات التحالف الدولي، أشبه بحجارة تلقى في بركة ماء، فتولد أمواجاً تتلاطم على أطرافها؛ وكأن التنظيم يمتص قوة الغارات، ويدفع أمواجه بعيداً، إلى الغرب في العراق والشرق في سوريا. ويبدو الضغط المتواصل في عمق “الخلافة”، على الرقة والأنبار، ولايتي “الخير” و”الجزيرة”، كأنه تحويل للطاقة الكمونية إلى ردّات انتقالية، تفيض على حدود بحيرة “الهلال الخصيب” أو “سوريا الكبرى”.

وإذ تزداد شدة الفالق المذهبي “سني-شيعي”، مع ازدياد الحرب بالوكالة بين إيران والخليج، يبدو وكأن التنظيم بات أكثر قدرة على التعامل مع التطورات الميدانية، والتكيّف مع ظروف الحرب. وفي الوقت الذي ينصب دعم إيران على مليشيات “الحشد الشعبي” وقوات الحكومة العراقية والنظام السوري والمليشيات الشيعية الموالية له؛ فإن الدعم الخليجي-التركي بات ينصب على فصائل المعارضة الإسلامية السورية. وفي ظلِّ تقاذف الإتهامات بين المتحاربين ووكلائهم، عن مسؤولية خلق هذا الكائن الهجين، ضمن خليط من الوقائع ونظريات المؤامرة، ما زال تنظيم “الدولة” يتمدد ويتوسع.

فالتنظيم لم يعد يجد ذاته، غريباً وملفوظاً، في البادية الواصلة بين سوريا والعراق، بل بات يُظهر قدرة هائلة على امتصاص الضربات الجوية والانكسارات العسكرية الميدانية على بعض الجبهات. حروب التنظيم مع قوات “البشمركة” الكردية في الشمال العراقي و”وحدات حماية الشعب” الكردية في الشمال السوري، كانت كفيلة بتحجيم مدّه إلى الشمال.

بدوره، وضع النظام السوري، كامل ثقل آلته العسكرية، لمواجهة المعارضة المسلحة، وبدا إلى فترة قريبة، غيّر معنيّ بقتال “الدولة الإسلامية”، بل سعى إلى تهدئة الجبهات معها، وإقامة نوع من التبادل المصلحي معها. قتال النظام للمعارضة، ترافق دائماً مع مناوشة داعش للمعارضة، على الجبهات نفسها. في حين أن المعارضة السورية واجهت التنظيم واجتثته من جذوره في حوران والغوطة الشرقية وريف إدلب ومناطق تماسها معه في ريف حلب الشرقي. ويعود ذلك إلى تشارك التنظيم والمعارضة للحواضن الشعبية في أرياف المدن السورية، ذات الطابع المختلط العشائري-الحضري. في حين يعود تمكن التنظيم من فرض وجوده على البادية السورية-العراقية، بأحد أسبابه، إلى الاعتماد على طبيعة سكانها العشائرية المحضة.

موجات التدفق العشائري، الأشبه بالإنفجار القبلي، حين وجدت جدران صدّ عالية، في مناطق المعارضة السورية والأكراد بالعراق وسوريا، باتت تبحث عن نقاط الضعف حول حدودها؛ وهي اليوم متمثلة بقوات النظامين العراقي والسوري المتهالكة. وأغلب الانتصارات الكبرى التي حققها التنظيم مؤخراً، تركزت على مناطق سيطرة قوات النظام السوري والحكومة العراقية.

تقدّمُ قوات التنظيم، شرقاً وغرباً، يبدو كموج قبلي مندفع إلى الأطراف، كغزو لنهايات البادية، وبداية الحواضر المدينية. يُذكّر ذلك، بما حدث في صدّر الإسلام، حين اندفعت القبائل من عمق صحراء الجزيرة العربية، لتصل إلى أقاصي المعمورة شرقاً وغرباً. حينها، كانت العقيدة متوهجة، والحلم العروبي المحمول على رافعة الإسلام، كان في جزء منه، نهوضاً حضارياً، ورغبة ببناء عالم جديد.

واليوم، بعد أن انقطع “الوحي” منذ 14 قرناً، تبدو انتصارات “دولة الخلافة”، أقرب لإلحاق الضرر بالمجتمعات المحلية، والمراكمة عبر الوقت للتطرف. كما أن هروبها من الهزائم، بالهجوم على جبهات مترهلة، يكون الانتصار فيها مضموناً، هو اعتماد بشكل رئيسي على ضعف المدافعين، وتهتك قوتهم، وانهيار معنوياتهم. كيف لا؟ وانتصاراتها الوحيدة هي على جيوش مسكينة تدافع عن بقايا ديكتاتوريات عسكرية-طائفية.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى