صفحات المستقبل

على من يشرق شرقنا الجديد؟


عمر حرقوص

قبل ايام وفي نقاش مع مجموعة من الأصدقاء في عدد من القضايا العربية بسبب النشاط المتزايد للثورات في المنطقة، طرحت إحدى الصديقات فكرة حول الانقلاب الحالي للشرق من قرونه الغابرة الهادئة المستكينة إلى مرحلة التبدلات المتكاثرة والثورات التي لا تنتهي، أسهبت تلك الصديقة بشرح الاختلافات الجوهرية بين ثورة الشباب الصيني في ساحة “تيان ان مين” في بكين قبل عشرين عاماً مروراً بالتسونامي الذي ضرب اليابان قبل اشهر فأعاد إليها سواد قنبلتي ناغازاكي وهيروشيما الذريتين، كما مرّت بدربها على انهيار النمر الآسيوي وصعوده المتجدد لتختم حديثها عن الثورات العربية التي نجح بعضها بسرعة البرق فيما يستمر بعضها الآخر في النضال محاولاً الوصول إلى تغيير ديموقراطي في بلداننا.

النقاش طال وبدل الاستمرار بالحديث عن الشرق والبلدان العربية كافة اتجه الحديث إلى نقاش الوضع في سوريا، من أحوالها قبل الانتفاضة السلمية، وخلال الايام الاولى للتظاهرات وصولاً إلى المرحلة الحالية التي تشهد تبدلات كثيرة على الأرض قد يكون أبرزها انفصال عسكريين ودفاعهم عن التجمعات والتظاهرات السلمية، كما الحديث عما تعرض له الشبان هناك من انتهاكات خلال التحقيق وصولاً إلى الحديث عن كبار السن الذين خسروا أولادهم أو تعرضوا للتحقيق والتعذيب بسبب اشتراك أولادهم في الانتفاضة أو كما حصل مع والدي الفنان السوري مالك جندلي اللذين عذبا بأكثر ما يمكن من الوحشية بسبب عزف ابنهم مقطوعة موسيقية في الخارج تضامناً مع ابناء شعبه فعوقبا عنه.

الموضوع السوري بتشعباته واختلافاته هو الحدث الابرز لبنانياً، وكذلك هو الأكثر نقاشاً في المقهى والشارع والجامعة والمدارس وحتى في أنواع الموسيقى التي يستمع إليها الشبان، فهناك من صار مغروماً بأغاني اصالة مع أنه كان لا يطيق صوتها في السابق، وآخرون صاروا “يركّون” على حضور المسلسلات السورية لحفظ اللهجات، فيما تحول أهالي مدينة حمص وريفها إلى أكثر الناس احتراماً بسبب نضالهم الطويل تحت أقسى الظروف وأسوئها، بعدما كانت النكتة السمجة تطالهم صعوداً ونزولاً وعند كل مفترق.

تحولت النكتة السورية إلى “قفشة” الموسم وخصوصاً النكات التي يرويها أهل حمص عبر صفحات الفايسبوك الخاصة بهم. فيما كان بارزاً هذا الأسبوع الفيديو المنقول من إحدى التظاهرات حيث رفع الشبان لافتة فيها واحد من أشهر أقوال الشهيد سمير قصير “ربيع العرب حين يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق”.

حضر سمير قصير في انتفاضة الاستقلال في بيروت عام 2005، وحمل دمه على يده من أجل الحرية في لبنان، واستشهد، ولكنه ومع الوقت ظل سمير هذا الحالم بحرية سوريا كما حرية لبنان، كان سمير يدرك أن أي تغيير نحو الديموقراطية في البلد الشقيق سيؤثر ايجاباً على لبنان.

اليوم يحضر سمير قصير في سوريا من خلال المنتفضين ومن خلال الحراك النقاشي الطويل الذي يتعلم فيه السوريون وخصوصاً المعارضين معنى الديموقراطية التي يريدونها، يبحثون عن نقاط الالتقاء وكذلك يحافظون على مواقع الاختلاف، يشددون كل مرة على التنوع وينجحون في ذلك كثيراً وقد ينهمكون في تفاصيل غير مفيدة أحياناً أخرى.

في هذا الوقت تضيع بيروت، وبدل من أن تكون رائدة التحول في هذا الشرق كعادتها تتحول إلى انكماشها الداخلي، وتغلق على نفسها، يخنقها السلاح غير الشرعي من بعيد بقمصانه السود، ويخنقها عدم القدرة على مواجهة الاعتقالات وعمليات الخطف التي تطال الناشطين السوريين، تصير بيروت قديمة بقرون غابرة يسودها سواد، فيما يتحول العالم العربي من حولها إلى مرحلة اقل ما يقال فيها إنها أفضل من حكم الديكتاتوريات.

هذا الشرق كما كان يصفه صديقي إبراهيم الذي مات من سبع سنوات بشرق السكارى والحزانى، وحين تصفو له الدنيا كان يسميه شرق الهفوة التاريخية التي لن تتكرر، صار شرقاً جديداً، شرقاً يبحث عن نفسه في هذا “المعمعون” الملتهب، فيما بيروت التي ناضل لها ابراهيم كثيراً تحولت إلى مدينة تخاف أن تقول كلمتها.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى