صفحات الثقافة

علي فرزات: السلطات كلها مغيبة لصالح الأمن فمن سينتج الإصلاح

 


عمر الاسعد

يوزع الجنرال الأوسمة من قدر كبيرة على جموع الفقراء، بينما يبكي الجلاد في لوحته بعد أن قطع أطراف ضحيته من مشهد رومانسي على شاشة التلفاز، وفي لوحة أخرى تضرب السلطة معارضيها لتقنعهم (بالحوار)، الذي يراه رسام الكاريكاتير السوري العالمي علي فرزات: “انتهى بعدما سالت أول قطرة دم في الشوارع المحتجة”. يرسم فرزات ديكتاتوراً ببزته العسكرية وبطنه المنفوشة ونياشينه، فيتحسس الزعماء العرب ويضجرون ليرسل إليه صدام حسين تهديداته، ويحاول تخريب معرضه في فرنسا، ويمنع العقيد معمر القذافي أعداد المجلة التي نشرت رسوماته من دخول ليبيا، بينما يمنعه رئيس الوزراء السوري (السابق) من النشر في الجرائد السورية، وتتولى وزارة الدفاع السورية رفع دعوى قضائية بحقه. بعث الحراك السوري الذي سمي ربيع دمشق في بداية هذه الألفية، والمتزامن مع وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة الأمل لديه، فواكب مساحة الانفتاح بإصداره جريدة الدومري (شخصية فلكلورية سورية كانت تضيء مصابيح الغاز في المدينة القديمة قبل اختراع الكهرباء)، التي أرّقت النظام السوري ومسؤوليه على مدى عامين فاستخدموا معها سياسة الترغيب التي لم تفلح، ثم ما لبثوا أن رفعوا عصاهم بوجه الدومري، وسحبوا الترخيص من صاحبها الذي رفع علم سوريا خمس مرات في محافل عالمية، واعتبر واحداً من أهم خمسة رسامين للكاريكاتير في العالم. اليوم مع ما تعيشه سوريا من موجة احتجاجات شعبية، عاد علي فرزات ليتواصل مع جمهوره من خلال رسوماته ومواقفه التي يطلقها على موقعه الإلكتروني وصفحته على الفيس بوك، لذلك كان هذا اللقاء والحديث عن رحلة الفن والسياسة والمواقف: كيف تنظر إلى العلاقة القائمة بين الفن والسلطة في العالم العربي؟ الفن هو جزء مكمل في هذه الحياة، وليس غريباً عنها أو قادماً من الفضاء الخارجي، لذلك لا يستطيع الفنان أن يقف متفرجاً اتجاه ما يدور حوله، مع اختلاف وسائله التعبيرية، فالفنان جزء من المشهد الحياتي بكل همومه وتطلعاته، ولذلك على الفن أن يكون بجانب الشارع، والشارع لم يكن يوماً متفقاً مع السلطة، وإرضاء السلطة يعني إغضاب الشارع، وإرضاء الشارع يعني إغضاب السلطة بشكل أو بآخر، لذا على الفنان أن يكون بجانب الشارع الذي هو جزء لا ينفصل عنه ويمثله، وإن كان يترتب على ذلك دفعه ضريبةً لمواقفه. بعد أن أغلقت السلطات جريدتك الدومري، لجأت خلال الفترة الأخيرة لوسائل النشر الإلكترونية من خلال موقعك وصفحتك الشخصية على الفيس بوك، كيف ترى أثر هذا النوع من التواصل؟ لم أكن سابقاً أؤمن بوسائل النشر الالكترونية، كنت أظنها كالقبلة من وراء الزجاج، لكن بعد إغلاق الدومري وجدت نفسي معلقاً بالهواء، ولا بد للفنان من التواصل مع الجمهور والناس، لأن كل عمله هو جزء منهم ومن المجتمع، وهذا التواصل لا يتم إلا من خلال وسيلة، لذلك لم يعد لدي من سبيل إلا التواصل الإلكتروني مع جمهور يفاجئني بحجمه، إذ استطعت بين يوم وليلة أن أجعل ما كنت أنشره في جريدة الدومري يصل إلى كل العالم، ويحقق انتشاراً أسهل وأسرع مما كان يحققه ورقياً، وأضاف لي التواصل مع الناس مادةً جديدة، وتفاعلية أعلى من خلال إبدائهم آراءهم المختلفة حول ما أقدم، وهو ما أشعرني أن الدومري عاد للظهور وبيده الفانوس الالكتروني بدل فانوس الغاز، وهذا لا يمكن أن تطفئه عواصف الفروع الأمنية. ما هو الدور الذي يلعبه علي فرزات اليوم ضمن ما تشهده الساحة السورية، خاصةً أنه عرف عنك عدم انقطاعك عن الشأن العام رغم المضايقات؟ لكل إنسان دور في هذه الحياة، وأحد أهم أسباب توازن العمل والأدوار هي الحرية، فهي التي تحفظ التوازن بين مجموعة الأدوار التي يقوم بها البشر، ونحن في سوريا منذ عام 1963 استبدلت السلطة حريتنا بأخرى جاهزة فصلتها بقياسات معلومة، والسلطة تمنننا بأي مساحة من الحرية، واليوم الشارع منتفض من أجل كرامته وحريته وإنسانيته، والحالة حالة وجدانية محكومة بضمير عام، وهذه الثورات في المنطقة جماليتها أنها لا رأس لها، لذا أنا أعبر فقط من خلال ما أتقنه ومن خلال عملي وهذا جزء من تكامل الأدوار الذي تفرضه الحياة. قبل هذه الأحداث بحوالى ثمانية أشهر كتبت على صفحتي تعريفاً صغيراً وهو: “أنا علي فرزات، مهنتي فنان كاريكاتير تحكمني الأخلاقيات الوطنية فقط والشارع، وأنا لا أؤمن بالسياسة ولا السياسيين، ومهمتي هي كسر حاجز الخوف عند الناس”. وبدأت فعلاً بهذا من خلال ما أكتب وأرسم بطريقة واضحة مباشرة، ودون تورية وبتسمية الأمور بمسمياتها فهذه المرحلة لا تحتمل تورية. يمنع في سوريا رسم الرئيس أو الشخصيات السياسية، لكنك خلال موجة الاحتجاجات رسمت الرئيس السوري أربع مرات، لماذا؟ أحياناً تشعر أنك ريشة في الهواء وليس لك وزن، إن لم تفعل شيئاً ما لتعبر من خلاله، ضمن كل هذه الأحداث والدماء لم يعد ينفع استخدام الرموز، فهذا بحد ذاته يحتاج إلى تأمل، واليوم لم يعد هناك مساحة لدى المتلقي ليتأمل، لأننا نرى شيئاً جديداً في كل لحظة، لذلك ابتعدت عن الحالة الرمزية في الكاريكاتير عامة وليس فقط في رسم الشخصيات، فلا بد اليوم من رسم كاريكاتور مستعد للنزول إلى الشارع مع الناس وبكامل عتاده، ولا بد من الإشارة إلى الأشياء بمسمياتها ودون أي مواربة. هل تخشى حملات التخوين التي قد يشنها عليك بعضهم نتيجة مواقفك المؤيدة للشارع؟ لدي تجربة سابقة منذ أيام صدام حسين، لذلك لم أعد أخشى حملات التخوين التي تفبركها ضد أي فنان أو مثقف صاحب موقف بعض الجهات، وأعرف نهايتها، أو حتى بعض الكذابين على القنوات الفضائية الذين يحاولون طمس الحقيقة، وأقول لهم إذا أردتم الخروج من الحفرة فعليكم أن تتوقفوا عن الحفر. وأعتقد أنه كما هناك شبّيحة على الأرض هناك شبّيحة على الفضائيات يمارسون تشويه الحقائق التي باتت عدسة موبايل تكشفها، وبات المواطن العادي يستطيع التمييز بين الكذب والحقيقة، فلا داعي لأن يتحملوا هم مسؤولية الشرح وتوصيل المعلومة له. هل تلقيت عروضاً خلال الفترة الأخيرة لإعادة إصدار جريدة الدومري؟ خلال الفترة الأخيرة لم أتلق أي عرض، لكن آخر عرض تلقيته كان عام 2005 من وزير الإعلام السابق مهدي دخل الله، فإغلاق جريدة الدومري سبب إحراجاً للنظام، خاصة أنه أثار ضجة كبيرة في الأوساط المهتمة، واعتبرته كثير من الجهات مؤشراً سلبياً لسياسة الانفتاح التي أظهرها النظام السوري في مطلع هذه الألفية، لذلك أرسل في طلبي وزير الإعلام السابق، وطلب مني إعادة إصدار الجريدة ضمن نفس السياق الذي تسير فيه الجرائد السورية ومن دون رفع سقف النقد، وتعهد بتقديم 6 آلاف دولار أسبوعياً على شكل إعلانات. ماذا كان ردك؟ قلت له بالحرف الواحد: “أنت لست جالسا معي وحدي، فعلي فرزات والدومري موجودان لدى كل الناس، اذهب واسألهم وإذا وافقوا جميعاً على هذا العرض الذي تقدمه فأنا سأكون موافقا، هذا ليس عرضاً، بل أنتم تسألونني كم سعرك؟”. هل تصنف نفسك اليوم على المعارضة السياسية في سوريا؟ أنا لست سياسياً، ولم أنتم إلى أي حزب سياسي، وأنا حيادي اتجاه العقائد والأيديولوجيات، لكني كرسام كاريكاتير أعتبر نفسي كالحكم في وسط الملعب سأشير دوماً للخطأ، وكفنان ناقد وساخر أرى نفسي ضد من كانوا في السابق، وضد من هم حالياً، وسأكون ضد من يأتي في المستقبل، من خلال عملي وإشارتي للسلبيات ولأي شيء يسيء لإنسانية الإنسان سأقف له بالمرصاد. ما هي رؤيتك اليوم للوضع في سوريا، خاصة أن هناك كلاما عن إصلاح، وعن دعوات للحوار؟ بالنسبة للإصلاح أعتقد أن فاقد الشيء لا يعطيه، نحن منذ خمسين عاماً نعيش في ظل الشعارات التي لم يتحقق منها شيء ويغطونها بالديكورات القومية، لكن عندما تهب العاصفة ستنكشف الحقائق أمام الناس، والأمر لا يتعلق بالسلطات السياسية فالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والقضائية كلها مغيبة لمصلحة سلطة وحيدة وهي الأمن لذلك السؤال: “من سينتج الإصلاح؟”. ومع من سيتم الحوار إذا لم يكن هناك غير الأمن، وهؤلاء يظنون أن أكبر إصلاح يقدمونه هو عندما يسمحون لك أن تجلس مع صديق مقرب! وتتحدث معه في السياسة بمقهى عام لأول وآخر مرة! دمشق

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى