صفحات الناس

عندما لا يكون الكثير كافياً/ أنّـا ماريـا لوكـا

 

 

قدّم الاتحاد الأوروبي المليارات للأزمة السورية ولكن لا تزال سياسته في الهجرة منتقدة

 

في أوائل شباط، قضى 300 شخص حتفهم في مياه المتوسط الباردة، بينما كانوا يحاولون الوصول إلى إيطاليا من جهة شمال أفريقيا. بعضهم كانوا من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وكثيرون من السوريين الذين شرّدتهم الحرب والظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون منهم إلى البلدان المجاورة.

عقب المأساة، بعثت المفوضية العليا للاجئين برسالة الى الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، بهدف السعي إلى اعتماد خطة جديدة في إعادة توزيع طالبي اللجوء السياسي واللاجئين من بلدان الاتحاد الأوروبي الجنوبية إلى باقي أوروبا. “تقترح المفوضية العليا للاجئين مشروعاً يرشد الى طريقة نقل اللاجئين السوريين الذين يتم إنقاذهم في البحر في اليونان وإيطاليا الى بلدان مختلفة موزّعة في أنحاء أوروبا، وفقاً لنظام توزيع عادل”، كما جاء في بيان صحافي للمفوضية العليا للاجئين.

وكذلك عقب المأساة الأخيرة التي تقع ضمن سلسلة من المآسي التي تحصل في السنوات الأخيرة، اتفق وزراء العدل والخارجية في الاتحاد الأوروبي على الاجتماع في تموز لمناقشة اقتراح لوضع طلبات اللجوء السياسي في مراكز في شمال أفريقيا. وإيطاليا هي التي قدّمت الاقتراح، كونها أكثر بلد يتعاطى بموضوع السفن المحطّمة وعمليات الإنقاذ.

حتى وقت غير بعيد، كانت ايطاليا تستثمر 10.2 مليون دولار شهرياً في برنامج الإنقاذ والبحث الخاص بها تحت إسم “بحرنا”. وتم استبدال عملية “بحرنا” بمبادرة أوروبية تحت اسم “تريتون”، تقوم فرونتكس، وكالة الحدود في الاتحاد الأوروبي بتنسيقها، لأن بقية بلدان الاتحاد الأوروبي رفضت مساعدة إيطاليا مالياً. إلا أن “تريتون” هو برنامج أصغر بكثير- يكلف 4.2 مليون دولار في الشهر ولا يعمل في المياه الدولية.

وتمّت مناقشة الاقتراح الاثنين في 16 آذار في اجتماع لوزراء الخارجية في بروكسل. وانتهى الاجتماع بقرار لعقد اجتماع ثان.

فما هو فعلياً الجهد الذي يبذله الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمة السورية؟ جهد ضئيل جداً كما يقول الناقدون، بينما يقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي إن هذا الأخير يبذل جهدا كبيرا مقارنة بالظروف السياسية الراهنة. أما الناشطون في مجال حقوق الانسان الذين يعملون مع اللاجئين السوريين فيقولون إن هؤلاء أحيانا لا خيار أمامهم سوى المخاطرة بحياتهم.

عندما تفشل الأوراق يختارون البحر

الذين يخاطرون بحياتهم من خلال عبور المتوسط هم أولئك غير المسجّلين لدى الأمم المتحدة. ويقول نبيل الحلبي، وهو محامٍ وناشط لبناني يعمل مع اللاجئين السوريين منذ بداية الأزمة السورية، إنّ العديد من بينهم ليس أمامهم اي خيار آخر.

“معظم السوريين يطلبون اللجوء السياسي الى أوروبا عبر المفوضية العليا للاجئين. فهم يعلمون بأن بعض البلدان في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا، والنمسا، والسويد، أبدت رغبتها في قبول اللاجئين السياسيين”، قال الحلبي لـموقع NOW، مضيفاً: “لكن المفوضية العليا للاجئين هي التي تحدد من يحق له الحصول على لجوء سياسي”، ورأى أنّ الكثير من السوريين يتساءلون عن مدى المهنية المعتمدة في عملية الانتقاء هذه، “إنهم لا يعطون الأولوية للناس الذي هم فعلياً في خطر. وكمجموعات حقوق انسان تعمل على مثل هذه القضايا، لاحظنا بأن بعض من هم بأمسّ الحاجة الى اللجوء السياسي لا يتم اختيارهم بكل بساطة”.

في ظل مثل هذه الظروف، يختار الكثير من السوريين أن يدفعوا الى المهرّبين لكي ينقلوهم بشكل غير شرعي من تركيا إلى اليونان أو من مصر وليبيا إلى إيطاليا. “هؤلاء أشخاص مسجلون لدى المفوضية العليا للاجئين وليس لديهم أي خيار آخر. بالاضافة الى أنّ بلدان الاتحاد الأوروبي تسمح مثلاً بدخول 5000 لاجئ اليها ولكن هناك ملايين اللاجئين. فماذا باستطاعتهم أن يفعلوا؟”. معظم اللاجئين يسعون في الواقع الى دخول السويد أو ألمانيا، كما يشرح الحلبي، لأنهم يختارون بلداناً “تكون فيها حقوقهم مصانة أكثر من بلدان أخرى”.

من يستقبل كمّاً من اللاجئين؟

كثيرة هي الانتقادات التي توجَّه إلى سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة السورية. فمنظمة العفو الدولية تنتقد منذ سنوات الاتحاد الاوروبي، متّهمةً بروكسل بالفشل في التعاطي مع أزمة اللاجئين السوريين.

ووفقاً لتقرير لمنظمة العفو الدولية في نهاية العام الماضي، وعدت ألمانيا بالسماح بدخول 30000 لاجئ سوري اليها عبر برامج الاستقبال الانسانية- أي ما يساوي نصف عدد اللاجئين السوريين الذين تم استقبالهم في العالم و82% من مجموع اللاجئين الى الاتحاد الأوروبي. وتلقّت ألمانيا والسويد 96500 طلب لجوء سياسي جديد من قبل سوريين بين 2011 و2014- أي 64% من عدد الطلبات التي قُدِّمت الى الاتحاد الأوروبي. “بدون ألمانيا والسويد، فإنّ بلدان الاتحاد الأوروبي الـ26 المتبقية وعدت باستقبال 5105 لاجئ فقط، أي ما يساوي 0.13% من اللاجئين السوريين في أهم البلدان المضيفة”، كما ذكر التقرير.

وفقاً للمفوضية العليا للاجئين فقد رفعت العديد من البلدان النسبة المخصصة لاستقبال لاجئين سياسيين لعام 2015 من أجل مساعدة المزيد من هؤلاء. ومن بين هذه البلدان كانت فنلندا، التي رفعت الرقم من 750 الى 1050.

مساعدة المنطقة على مساعدة نفسها

لكن استجابة الاتحاد الأوروبي للأزمة في المنطقة، لا سيما في سوريا، تتعدى مشكلة اللاجئين السوريين والبحر المتوسط، كما يقول مسؤولون. حيث يعتبر مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنّ مجموع الأموال التي خصصها الاتحاد لمعالجة الأزمة في سوريا ومشكلة اللاجئين لا يمكن التغاضي عنها. علينا أن نتطلّع الى الأماكن الأخرى.

في السنوات الأخيرة، وقّع الاتحاد الأوروبي بروتوكولات تعاون مع العديد من البلدان في المنطقة، بينها لبنان والأردن، وسمح لها بموجبها الاشتراك في برامج ووكالات في بروكسل من أجل تطوير بناها التحتية والحصول على الدعم التقني والمساعدة في الحكم وذلك من ضمن سياسة الجوار الأوروبية.

وفي هذا السياق، قالت أنجلينا أخهورست، رئيسة بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان لـ NOWإنّ الاتحاد الأوروبي في لبنان لديه 320 عملية جارية حالياً يبلغ مجموع تكلفتها 350 مليون يورو. وفي كانون الأول 2014، أطلق الاتحاد الأوروبي ولبنان برنامج حوار حول الهجرة، وقابلية التحرك والأمن، وهو اطار عمل ينظم ويسهّل الهجرة وقابلية التحرك بشكل قانوني، ويمنع أو يحد من الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر.

“اليوم، لدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتفاق محدد حول أقصى ما يمكن أن تقدمه للاجئين”، كما شرحت أيخهورست، وقالت: “اتفقنا على ذلك مع المفوضية العليا للاجئين، نحن نتحدث عن 100000 شخص في كافة أنحاء أوروبا، أو أكثر بقليل. لقد قبلت البلدان ببعض الحالات الطارئة وعدد من البلدان- مثل ألمانيا والسويد- زادت العدد. ولكن هذا هو الواقع السياسي اليوم وعلينا التعامل معه”. وتقول ايخهورست أيضاً إنّ الاتحاد الأوروبي يمكن أن يساعد الحكومة في لبنان، التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين، في التعامل مع هذه المسائل “لمنح كل لاجئ الحماية والمساعدة وفقاً لمعايير شفافة”.

واهب انساني كبير

وعن الموضوع، قالت لـ NOWرامونا مانيسكو، العضو في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي ونائبة رئيس الوفد للعلاقات مع بلدان المشرق، إنّ هناك تصوّرا خاطئاً في الشرق الأوسط بأنّ أوروبا خائفة من استقبال لاجئين بشكل عام، ولاجئين سوريين بشكل خاص.

وأضافت مانيسكو: “لا أعتقد بأنّ الأمر صحيح. فمنذ بداية الحرب في سوريا، دفع الاتحاد الأوروبي 3.35 مليار يورو. ويُعتبر الاتحاد الأوروبي من بين أهم الواهبين للمساعدات الانسانية. ولكن قد لا يكون ذلك واضحاً لأن ليس لدينا آليات للتدخل وتقديم مساعدات انسانية وخدمات خاصة بالمساعدات الانسانية. نحن نقدّم التبرعات عبر الأمم المتحدة. وعلى الأرض، يرى الناس وكالات الأمم المتحدة هي التي تعمل. ولكنها في الحقيقة تتلقى الأموال من الاتحاد الأوروبي”.

وتقول مانيسكو إنّ الاتحاد الأوروبي خصّص مبلغ مليار دولار للاستجابة للأزمة السورية انسانياً عام 2015. “هذه مساعدة انسانية فقط. لم نقم بعد باحصاء الأموال [التي يمكن ان يقدمها الاتحاد الأوروبي] من أجل اعادة الاعمار. وهذا يظهر بوضوح عدم تلكؤنا، فنحن غير خائفين، نحن نريد استقبال اللاجئين للاستقرار في أوروبا وهذا ما نفعل”.

وفقاً للمفوضية الأوروبية للمساعدة الانسانية والحماية المدنية، فإنّ الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه تقود سوية الاستجابة الدولية للأزمة الانسانية السورية. حيث تم تخصيص وتجهيز أكثر من 3.35 يورو لأهداف الانعاش للسوريين في بلدهم وللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم في الدول المجاورة، في لبنان والأردن والعراق ومصر.

وجهتا نظر حيال السياسة الخارجية واحتمال حصول تحوّل ما

في الرابع من آذار، أطلقت رئيسة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ومفوّض سياسة الجوار جوهانز هاهن ورقة اقتراحاً حول استراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه جيرانها في الشرق والجنوب، وأعلنا قيام استشارات في نيسان بين كتلة الاتحاد الأوروبي والجوار الجنوبي في برشلونة. وسوف تجري استشارات الجوار الشرقي في ريغا في أيار، تتبعها استراتيجية جديدة في خريف 2015. الاتحاد الأوروبي “بحاجة الى التحول من مقاربة تقوم بشكل أساسي على تقييم التطور الى مقاربة سياسية أكثر”، قالت موغيريني.

وبدورها تقول مانيسكو إنها تدعم المبادرة، وتذكر موقفين أساسيين على مستوى الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة السورية. الأول هو موقف المنظمات غير الحكومية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والمحللين الصحافيين والأمم المتحدة- القائل إنّ هناك حاجة الى التركيز على المساعدة الانسانية وقبول دخول المزيد من اللاجئين الى أوروبا. “نحن ملتزمون بالمساعدة الانسانية، إننا نشجّع الدول الاعضاء على استقبال اللاجئين. والدول الأعضاء التي تستقبل اللاجئين تستقبل أيضاً مساعدات من الاتحاد الأوروبي لكي تكون قادرة على التعامل مع المسألة”، كما قالت لـNOW، مضيفة: “هناك موقف آخر، عبّرت عنه أيضاً الممثلة العليا للشؤون الخارجية، فديريكا موغيرني، يقول بأنّ علينا أن نركز أكثر على اعادة احلال السلام، وعلى فرض عقوبات. وأنا أوافق على ذلك. حيث علينا التركيز على هذا الوجه، لمساعدة سوريا على التعافي [من محنتها] وعلى اعادة استقبال أبنائها اللاجئين مرة أخرى”.

زارت مانيسكو مؤخراً لبنان والأردن لدعم الأزمة الانسانية وما يمكن أن يقدمه الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص. وقالت إنه كان واضحاً بأنّ معظم اللاجئين السوريين لا يريدون مغادرة المنطقة وهم بحاجة الى تقديم مساعدات انسانية لهم في البلدان المضيفة. “إنهم يريدون البقاء في المنطقة لأنهم يعتقدون ويأملون بأن يتمكنوا من العودة الى ديارهم يوماً ما”.

هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى