صفحات الناسلقمان ديركي

عندما نعود إلى هناك/ لقمان ديركي

 

 

عندما نعود إلى هناك ذات يوم معاً لا تقولوا لهم أننا لم نكن هنا معاً. ولا تحكوا لهم شيئاً عمّا جرى، لا تحكوا حقيقة ما آل إليه الحال. لا تتحدثوا إليهم عن الشطارة ببلاد برة، لا تحكوا عن الذكاء الفطري السوري. لا تقولوا شيئاً عن الحربقة، لا تحدثوهم عن البندقة، ولا عن الحندقة، ولا حتى عن الكمسيون الحلال، والتجارة الحلال، والبيع الحلال للبشر في ساحات الوغى، ساحات الهروب من الشرق إلى الغرب.

لا تحدثوهم عن الكعكة التي تتجاذبونها هنا، وهي ذاتها التي تجاذبتموها هناك. لم تتغير أحوالكم، لذا لا تؤكدوا لهم أن ذَنَب الكلب أعوج حقاً، وأن الحق أعرج، والحب بصَّاص ابن حرام، والسوري ذكي بالضرورة حتى يثبت العكس كل لحظة دون أن يدري. فلو كان يدري لما نطق بدري، لما أدلى بدلوه، لما صال وجال في مجال الكلمات، لما احتج على الجريمة، لما حمل نعش ضحيته ودفنها تحت مرأى من عينيه المغرورقتين طبعاً.

لا تحدثوهم عن بطولات القنادر. لا تقولوا لهم أن دكاكين البعث أعاد فتحها الإئتلاف، وأن المعارضة تعتقد أن الثورة ما هي إلا ثورة الثامن من آذار. لا تحكوا لهم عن خراتيت ما قبل 2011 وكيف فقست بيوضها الآن. لا تجيبوا سيرة الروائح اللي طلعت، والسير اللي انفتحت، والفلوس اللي انفردت، والشناتي اللي وصلت، والشناتي اللي طلعت. لا تحكوا عن وطن مسروق، ولا عن شعب قتيل، ولا عن مسابقات السباحة بكل أنواعها في آبار البترول المقدس. لا تحدثوهم عن النذالة، ولا تقولوا شيئاً عن ولدنة الحرام، ولا تتمادوا في سبر أغوار كلمة خيانة حالما تصلون إلى هناك. واسألوهم عن أحوالهم، واشكروا سعيهم وصمودهم.

لا تتحدثوا عن الصباط العسكري، ولا عن تماثيله التي انتشرت هناك، ولا عن الرضا بواقع الحال. بل اسألوهم عن الخردقة والطرطقة والطقطقة في وضح النهار. ولا تسألوهم عن المشرقة التي كانت في الدار، ولا تسألوهم عن الدار، لا تحدثوهم عن أنواع الغدر والخسة التي تم إعادة تدويرها هنا. حدثوهم عن أفران الخبز السوري، ومطاعم الفول السوري، ودكاكين الملوخية السورية، وملاحم اللحم السوري الحلال. لا تقولوا لهم أننا أعدنا تدوير الزبالة الوطنية وأنتجنا منها ما يناسب المرحلة.

لا تحدثوهم عما حدث هنا حقاً، ولا تسألوهم عما حدث هناك حقاً، دعوا هذه السنوات في القلوب تجرح، واحكوا عن الوئام، احكوا عن السلام، احكوا عن إغاثة الملهوف والعفو عند المقدرة. احكوا عن الرفق، احكوا عن التراص، احكوا عن القرب، احكوا عن الدفء، احكوا عن الحب، احكوا عن الصداقة، احكوا عن القرابة، احكوا عن حسن الجوار، احكوا عن الأصل التمام… لا تقولوا لهم ما كنا عليه حقاً هنا، لا تجهزوا على ما تبَّقى في أرواحهم من الأمل، لا تجعلوهم من النادمين على كل ذاك الإنتظار.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى