صفحات سوريةهوشنك بروكا

عندما “يخون” النظام السوري شعبه

 


هوشنك بروكا

“يللي بيقتل شعبو خاين”..كانت هذه الكلمات هي أول الكلام، أو أول الشعار الذي صدحت به الحناجر السورية الغاضبة، في الأول من ثورتها، التي بدأ سقف أهدافها ب”إسقاط المحافظ”، ولم ينته ب”إسقاط النظام”.

لم يكن هذا الشعار، كما قد يخال للبعض، شعاراً عفوياً أو وليداً للصدفة المحضة، وإنما هو شعارٌ يختزل في طياته، تجربة حياة كاملة لشعبٍ، عانى من نظامه عقوداً كاملةٍ، من “الظلم الكامل”، و”التعذيب الكامل”، و”القتل الكامل”، و”الخيانة الكاملة”.

“يللي بيقتل شعبو خاين” شعارٌ بدأ به السوريون ثورتهم، منذ الخامس عشر من مارس/ آذار الماضي، ولا يزالون يمشون ويتظاهرون تحته، في مجمل المكان السوري المدجج بإرهاب نظامٍ، لا يهمه من قيام شوارعه، سوى ارتكاب القتل، وامتهان كرامة المواطنين، والدوس على حرياتهم..كلّ ذلك لأجل الولاء للقائد الأوحد، الحاكم الضرورة إلى الأبد، كما يقول ثالوث نظامه “المقدس”: “الله..سوريا..بشار..وبس”!

على الرغم من أوامر الرئيس السوري بشار الأسد، ب”عدم إطلاق النار على المتظاهرين” أكثر من مرّة، إلا أنّ “القتل الحلال”، الذي تصنعه أجهزة الأمن السورية وقناصته في الشوارع السورية الغاضبة، تقول دائماً بعكس ما أعلنه الأسد وإصلاحاته الشكلية الديكورية، التي لا تعني شيئاً بالنسبة للشعب السوري، الذي يريد “عنباً لا قتل الناطور”، ويطلب “طحيناً” لا كلاماً يذهب فيه صاحبه، من جعجعةٍ إلى أخرى.

الرئيس “يمنع” القتل، كما يقول ظاهر كلامه، ولكن نظامه يصنع القتل المنظّم بإمتياز..ماذا يعني ذلك؟

هناك من يعيد هذا التناقض بين ما يقوله الأسد، وما يفعله نظامه، إلى الخلاف المحتمل أو الموجود بين أقطاب عائلة الأسد نفسها. أصحاب هذا الرأي يقولون بأنّ الأسد “محاصَر” من جهة بعض المتشددين المتنفذين داخل نظامه، لا سيما شقيقه العقيد ماهر الأسد، قائد القوات الخاصة.

وهو الأمر الذي دفع بالبعض إلى تسميته ب”الرئيس الأسير أو المحاصر داخل نظامه”. وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ذهبت هذا المذهب في رؤيتها لتفسير موقف الرئيس السوري “الرخو”، الذي جاء مخالفاً لكلّ التوقعات، منذ خطابه الأول حتى الآن، ما دفع كلينتون إلى وصف الأسد ب”الرئيس المقيد”.

ولكن حقيقة نظام الأسد، الرئيس في سوريا لكلّ شيءٍ من كلّ شيء، تقول بعكس ذلك. فلا جناح صقور أو حمائم، في النظام السوري، كما لا وجود لحرس قديم أو جديد، مثلما كان يُروّج لذلك من قبل، وإنما الموجود هو الديكتاتور فقط. الكلّ الحاكم مع الرئيس السوري ومن حوله، هو عبارة عن “ديكتاتور واحد، ضد شعب واحد، في سوريا واحدة.

فما يجري من قتلٍ علنيٍّ صريح على يد أجهزة نظامٍ متغوّل، لا يزال يتحكم بكلّ تفاصيل الأمور في سوريا، هو “قتل رسمي” لا يمكن تفسيره خارج إطار “أمر رسمي” بالقتل، من الرئيس الأكبر إلى الرئيس الأصغر.

بغض النظر عما يخترعه الإعلام الرسمي السوري من “شماعات خارجية” كي يعلّق عليها جرائم نظامه بحق شعبه، إلا أنّ ما تمّ نشره حتى الآن من حقائق سورية واضحة كالشمس، من قلب أحداث الثورة وقلب شوارعها، المنادية ب”سلمية سلمية”، والتي يواجه شعبها الأعزل الرصاص الحي بصدرٍ عارٍ، تكفي لا لتكذيب الإعلام السوري فحسب، وإنما لتكذيب كلّ نظامه الأكثر من كذّاب، والذي لا يختلف في ذلك عن نظام “ألمانيا الغوبلزية” على طريقة “أكذب.. أكذب.. أكذب.. حتى يصدقك الناس”، بشيء.

استقالات درعا أمس(مفتي درعا الشيخ رزق عبدالرحيم، وعضوا مجلس الشعب ناصر الحريري وخليل الرفاعي)، جاءت ردّاً صريحاً على ممارسات النظام القمعية وقتله العشوائي للمتظاهرين العزّل.

الحريري والرفاعي، اللذان قالا أنهما استقالا لعدم استطاعتهما على حماية الشعب الذي انتخبهما، حمّلا النظام واجهزته الأمنية وقناصته كامل المسؤولية عن قتل المواطنين.

ذات الشيء أو قريباً منه، أكدّه مفتي درعا أيضاً، وهو الأمر الذي يعني أنّ سيل القتل الذي يمارسه النظام ضد الشعب، نهاراً جهاراً، قد بلغ الزبى.

فهؤلاء، الذين كانوا حتى الأمس القريب جداً، بعضاً من النظام، ومؤسساته، أعلنوا استقالاتهم وبراءتهم منه، لأن للصبر حدود، كما للصمت حدود، و”لسان حصانك إن صنته صانك”، كما يُقال. فليس هناك أيّ مبررٍ في عالم اليوم، لإرتكاب أيّ نظام كان، هذا القدر الهائل من القتل والإرهاب، بحق شعبه ومواطنيه العزّل، الذين يطالبون عبر مظاهرات سلمية، بأبسط حقوقهم في الحرية والعيش بكرامة.

مسلسل القمع الذي يمارسه النظام السوري بحق شعبه، الآن، لا يشبه في فصول إرهابه الفائق، مسلسلات الأنظمة العربية الأخرى التي سقطت أو تكاد وسط غضب “شعوب الشوارع”. النظام السوري، لا يشبه في تغوّله، أنظمة مصر أو تونس ولا حتى النظام في اليمن، اللهم إلا نظام القذافي الفاشي بإمتياز، الذي مارس ولا يزال سياسة الخراب والأرض المحروقة ضد شعبه، كما قال القذافيان الأب والإبن، وفعلا ولا يزالان.

الكلّ، داخلاً وخارجاً، بات يسأل:

لماذا يواجه النظام السوري، شوارعه الغاضبة، بالحلول الأمنية بدلاً من حلول سياسية شاملة؟

لماذا يختار نظام الأسد، القتل طريقاً أكيداً لتأكيد وتثبيت حكمه؟

لماذا يطلق النظام الرصاص، بدلاً من إطلاقه للحريات؟

لماذا يكذّب فعل النظام، ما يقوله رأسه؟

والجواب على كلّ هذه الأسئلة وسواها، لا يمكن أن يكون إلا واحداً أوحداً، كالرقم الذي يختبئ وراءه الديكتاتور، وهو لأن ليس لدى النظام السوري ما يقدمه لشعبه، سوى ما قدّمه ولا يزال، من بطشٍ وقمع وقتل وتخريب بحق السوريين، طيلة أكثر من أربعين عاماً.

هكذا جرّب النظام سياسة الإرهاب والإعتقال والسجن والتعذيب والقتل والتنكيل ضد الشعب السوري، طيلة أكثر من أربعة عقودٍ مضت، ونجح في مسعاه الإرهابي إلى أن قامت سوريا في درعا. النظام يكرر الآن ذات القتل، من وحي ذات التجربة، على ذات الشعب، ولكنه نسي أو تناسى أنّ سوريا ما بعد قتل 15 آذار، هي ليست سوريا ما قبله.

الشعب السوري، قال كلمته بعد هذا التاريخ أو بعد درعا، ولن يقبل بأقل من إسقاط النظام، لأنه بات يعلم علم اليقين، أنّه نظامٌ يحكم بدون شعب، وبدون شرعية.

الشعب السوري، قال شعاره الفصيح “خاين يللي بيقتل شعبو”، لأنه يعلم منذ زمانٍ كثيرٍ مضى، بأنّ هذا النظام يخونه في الداخل بالخارج، وفي الوطن ب”الأجنبي”، وفي الحاضر ب”غائب إفتراضي”، وفي الآن بقادمٍ لن يأتي.

هذه ليست المرّة الأولى، التي يخون فيها النظام السوري شعبه، كما يقول لسان حاله الغاضب في الشوارع الآن.

النظام، خانه، منذ الأول من انقلابه البعثي، على صحيح الشعب ب”تصحيحه”، المعروف في أدبياته ب”الحركة التصحيحية”.

هو، خانه في الداخل السوري، عندما أصبح “الخارج العدو” شماعةً يعلّق عليها كلّ قوانينه الطارئة، وأحكامه العرفية، ومراسيمه الكيفية.

هو، خانه في الوحدة والحرية والإشتراكية، عندما أصبح حزب البعث العربي الإشتراكي، “قائداً أوحداً للدولة والشعب”، وسيداً ما بعده سيد، على فوق سوريا وتحتها.

هو، خانه في الديمقراطية، عندما أصبح “الأسد رئيساً إلى الأبد”.

هو، خانه في الحرية، عندما أصبحت سوريا سجناً كبيراً للسوريين، الذين لم يكن لهم سوى أن “يحبوا” الرئيس(منحبك) كحبهم لله.

هو، خانه في التشويش على الدين والإعتقاد، عندما لعب فقهاؤه بالورقة الطائفية، وأوهموا الآخرين بأن “مذهب” النظام ومذهب العلوية واحد.

هو، خانه في العروبة، عندما وصف عرّابوه القومجيون الأكرادَ الرافعين لشعار الإخوة الكردية العربية، منذ الأول من كردستانهم، ب”عملاء إسرائيل”، ووصفوا كردستانهم في العراق ب”إسرائيل الثانية”.

هو، خانه في حكمه الوراثي، عندما حكم الأسد الأب حافظ في مماته، كما في حياته.

هو، خانه في دستور البلاد، عندما فصّله رئيسه على مقاس عمره.

هو، خانه في الجولان عندما أصبح رئيسه الأسد “ملكاً لإسرائيل”.

لا أحد خارج النظام السوري، يقتل السوريين العزّل، الآن، في الشوارع، ومن يقتل شعبه فهو خائن.

لا أحد خارج أجهزة النظام السوري وآلته الإعلامية، يكذب على سوريا والسوريين، ومن يكذب على شعبه فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري، يضلل الحقائق على السوريين والعالم من حولهم، ومن يضلل شعبه فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري، يختلق “المؤامرات الخارجية” لضرب شعبه بها في الداخل، ومن يتآمر على شعبه فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري، يعوّل على “الفتن الطائفية” لتصفية شعبه، ومن يضرب شعبه الواحد بطوائفه، فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري يضرب الشعب ببعضه، ومن يضرب الشعب بالشعب، فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري، يغسل الدم السوري بالدم ذاته، ومن يمارس القتل في دم شعبه وينتقم منه، لغايةٍ في نفس “يعقوب”(ه)، فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري، ينكر إرادة شعبه، ومن ينكر شعبه وإرادته، فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري، يدوس على كرامة شعبه، ومن يدوس على شعبه في كرامته، فهو خائن.

لا أحد خارج النظام السوري، يخوّن شعبه الغاضب في سوريا الشوارع، الآن، ومن يخوّن شعباً بأكمله لتبييض وجهه الأسود، فهو على الأغلب، أكثر وأكبر من خائن.

ايلاف

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى