صفحات الرأيموريس عايق

عنّا… ككائنات دينية/ موريس عايق

 

 

من الأشياء التي تلفت الانتباه في الغرب هو النظر لنا من قبل شريحة واسعة، ليس وحسب تلك المعنية بالثقافة والمشرق، باعتبارنا كائنات دينية. وهذه الشريحة الواسعة واسعة أيضاً بالمعنى الأيديولوجي، فهي تشمل الليبراليين كما المحافظين.

عندما يعرف أحدهم أنك من المشرق، يبادرك، في سياق دفاعه عن التعددية الثقافية والليبرالية، بالتأكيد على إعجابه بالإسلام واحترام كل العقائد الدينية وعلى الالتزام بالقيم الأساسية التي تشترك بها كل الأديان والسلام الذي يجب أن يحل بينها. ربما سيؤكد على حقك في عدم أكل الخنزير وشرب الخمر، وسيستغرب تماماً إن كنت تفعل أياً منهما، أو حتى كليهما.

أنت من المشرق، فأنت مسلم، وكونك مسلماً يعني أنك فقط مسلم وحسب، مسلم في كل ما تقوم به وستقوم به وفي كل خيار ستختاره، مسلم في كل شيء. طبعاً ليس علينا أن نفكر كثيراً بما يعني مسلم، فلا أحد سيقول لك بشكل موفق ما هو الإسلام. حتى عندما يتبين أننا، ورغم كوننا من المشرق، لسنا مسلمين، فإننا سنكون عندها مسيحيين أو إيزيديين أو يهوداً، أي أن ديننا سيبقى هو هويتنا. بالنسبة للآخرين نحن كائنات دينية، الإنسان الديني.

لا مراء في أن الدين يلعب دوراً أكبر في حياتنا من الدور الذي يلعبه في الغرب، وأن ثقافتنا متمحورة بشكل كبير حول نص ديني تأسيسي (القرآن)، لكن هذا لا يعني أننا مجرد كائنات دينية.

المشكلة ليست في الليبرالية والتعددية الثقافية بذاتهما، وهما إيجابيتان ويفترض الدفاع عنهما، ولكن في اختزال الآخرين، والآخرون هنا هم نحن، إلى هويتهم الدينية وحدها. الاختلاف بين الليبراليين والقوميين الغربيين من الذين يتبنون هذه الصورة عنا لا يكمن حول الصورة نفسها، بل حول كيفية التعامل معنا على هذا الأساس. يميل الليبراليون إلى الدفاع عنا بوصفنا كائنات دينية. بحسبهم، المسلمون (دوماً) يفعلون هذا لأنهم مسلمون وعلينا أن نتسامح معهم، أو بشكل أكثر راديكالية، من الجميل وحتى المسلي بأن نحظى ببعض المسلمين لدينا. اليمينيون يرفضون الجميع لأنهم مسلمون ولا يمكن لهم إلا أن يفعلوا هذا وذاك، لأنهم مسلمون بطبيعة الحال، وعليه فنحن لا نريدهم بيننا.

المحزن أن الكثير من المدافعين عن الليبرالية والتعددية يسيئون مبدئياً إلى ما يدافعون عنه. الدفاع عن الحريات هو دفاع عن حرية الأفراد في الاختيار وليس دفاعاً عن حرية الثقافات. في النهاية، لا توجد ثقافات تختار أو تقرر أو تريد. هناك فرق هائل بين الدفاع عن حق أحدهم في أن يكون مسلماً وبين الدفاع عن هوية إسلامية افتراضية. الدفاع عن حريات الأفراد تعني أيضاً الدفاع عن حقهم بالتخلي عن ثقافاتهم، إذا أرادوا، التخلي عن هوياتهم، إذا أرادوا. الدفاع عن التعددية والحريات، لا يعني الدفاع عن فرض الحجاب على النساء بدعوى أنها ثقافتهم، لكنها تعني الدفاع عن حق المرأة في أن ترتدي الحجاب إذا أرادت، دون أن ينتقص هذا من حقوقها.

من يرانا كائنات دينية يمكن له وبمنتهى السهولة أن يتغاضى عن قمع “أبناء” هذه الثقافات بدعوى أنها ثقافتهم، وهذا ما نراه في موقف الكثير من التقدميين تجاه ما يحصل في بلادنا، ففي النهاية هم هكذا ولا يمكن لهم إلا أن يكونوا هكذا، وعلينا أن نتسامح معهم.

صورتنا ككائنات دينية تتوافق أتم التوافق مع جزء من تيار الإسلام السياسي، حيث يسعى هذا التيار إلى تأطير كل جوانب حياة الناس والسيطرة عليها باسم الدين، كيف عليهم أن يأكلوا ويناموا ويلبسوا ثيابهم ويتحدثوا. هو يسعى إلى ضبط حركاتهم وإيماءاتهم، مشاعرهم وأفكارهم باسم “هوية إسلامية” يملك وحده حق تفسيرها، هوية شاملة لا يمكن لك أن تكون خارجها بأي شكل.

في النهاية، لا تهم كثيراً التباينات بين السياسات المقترحة للتعامل معنا، فقد حُسمت المعركة في اللحظة التي نُظر فيها إلينا ككائنات دينية.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى