صفحات العالم

عن آخر «حكومة سورية» في لبنان!

 


مرزوق الحلبي

الحكومة اللبنانية الجديدة لا تشكّل بداية لمرحلة جديدة بقدر ما هي نهاية. فولادتها أشبه بفورة الجسد قبل ذهاب الروح. حكومة الساعة الأخيرة من عُمر منظومة سياسية نزقة بفعل أزمة مركزها، أي دمشق. وهو مركز لم يعد واثقاً من غده وإن بدا الآن متجبراً يدوس حيوات السوريين وريفهم ومدنهم. وعليه، فإن الحكومة اللبنانية الجديدة، بصفتها هامشاً لهذا المركز وأداة من أدواته، ولدت بوحمة المركز المذكور ونفسيته.

قد يتفنّن رموز هذه الحكومة في توصيف نواياها وغاياتها النبيلة بلغة لبنانية غنية بالمفردات والصياغات، لكن أجندتها محدودة وواضحة، وهي الوقوف على أسطح بيروت لردّ الضغوط عن مركزها في دمشق وعما يقترفه هناك النظام بحق الشعب السوري والوطن والدولة. قد يكون ميقاتي صادقاً في نواياه. وكذلك، اللبنانيون في إسقاط أمانيهم باستقرار وحريات وبلد آمن. لكني أرجّح أن هذه الحكومة، في طبيعتها وظروف ولادتها وشروط الوضع الإقليمي، ستسرّع انزلاق أزمة المركز في دمشق إلى لبنان.

فهي حكومة سورية بامتياز مرتبطة بأجندة خارج لبنانية قوامها أزمة مفتوحة وسعي دموي لإحكام السيطرة أياً كان الثمن. وحسبُنا ما رأيناه من بشاعة القمع لندرك أن المركز في دمشق مصمم على إدامة سؤدده بثمن إنجازه قبوراً جماعية على طول الوطن السوري وعرضه. وقد سبق أن دلّنا «حزب الله» وسرديات «المنار» على ما يُمكن أن تكونه الحكومة الجديدة في لبنان إذا الميزان مال، وفق حساباتها! ونشير إلى احتمالات جدّية أن تذهب الهوامش أبعد من المحاور في تطبيقات أجنداتها المشتركة.

لكن، هناك عوامل أخرى قد تُدخل لبنان في دوامة الأزمة السورية، ومنها عقيدة النظام السوري المستعدّ للعبث بكل الأوراق ظناً منه أنها تزيد من احتمالات نجاته. ولبنان ورقة – وفق عقيدته – وليس بلداً، قوى تتحرك في فلكه وليس مجتمعاً له حقوق وتطلعات ومشاريع مستقلة. ومنها، أيضاً أن قوى في لبنان استكانت إلى دورها كمقاول ثانوي لهذا النظام المهتزّ بعنف تحت دوي الهتاف المطالب بالحريات والكرامات! ولا ننسى أن على الخط ذاك المشروع الإيراني المار في وسط بيروت وضاحيتها والبقاع الجنوبي المتحالف مع المركز في دمشق. وهو مشروع ضاغط بدوره على مواضع لبنانية لتتحرك على وقع الأزمة المفتوحة في سورية حتى إشعار آخر. ونفترض وجود تفاهم في أعلى الدرجات بين دمشق وطهران في تنفيس ضغوط الأزمة عبر الخاصرة اللبنانية (مثلما كان مع حق العودة الفلسطيني). بمعنى، أنهما لن تكترثا البتة لضياع لبنان على مذبح الأزمة في دمشق أو تكتيكات التعاطي معها، مثل مناورات كسب الوقت أو حتى مجرّد حرف النظر عن جرائم النظام ولو لمدة نشرة أخبار واحدة!

إن الحكومة اللبنانية الجديدة في طبيعة ولادتها إنما هي غطاء آخر لاستمرار تفكك الدولة اللبنانية وتمزيق مجتمعها تمهيداً لرهنهما المعلن لمشروع سوري – إيراني نراه مشغولاً أكثر من أي وقت مضى بمعركة وقف التراجع أمام حركة المجتمعات، وهي ذاتها حركة التاريخ. صحيح أن الخطاب المبثوث من طهران ودمشق وبيروت – حزب الله لا يزال مأسوراً بمفردات «المواجهة» و «الممانعة»، لكن الضغط الأساس على هذا المشروع يأتي من داخله ومن عقر داره، من الشعوب في سورية وإيران ولبنان، أيضاً. بمعنى، أنه مشروع لا يزال معتقداً بإمكان الهروب من مواجهة الداخل بحروب موهومة مع الخارج! ونرجح، أن «ثورة الأرز» في لبنان التي تعثّرت، لا سيما بسبب من تكتيكات وليد جنبلاط، ستجد نفسها ملزمة بالعودة إلى أجندتها التحررية كجزء من حركة المجتمعات العربية في الجوار.

وهي حركات قوامها بناء الدولة من جديد بسياسات شادّة نحو المجتمع واحتياجاته وتطلعاته في الداخل وتحريرها من إسار السياسات الطاردة عن المركز/الداخل بحجة «الأفضلية للصراع مع الاستعمار» أو غيره، ومن نسق الارتماء أرقاماً سابحة في مدارات مشاريع هيمنة خارجية. وأملنا في أن تنبعث حيوية بيروت على رغم كل الأثقال طاقةً تحررية تُنتج ثقافة الحياة الحرة والكريمة لها وللشام وسواها.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى