صفحات العالم

عن أزمة اليونان –مجموعة مقالات وتحليلات-

 

وحش اليونان الرأسمالي: خوار الرأس وعذابات البدن/ صبحي حديدي

في الميثولوجيا الإغريقية، كان «المينوتور» مخلوقاً فريداً، برأس ثور وجسم آدمي؛ حُبس في المتاهة الشهيرة المعروفة باسم الـ Labyrinth، التي صممها المعماري الأسطوري ديدالوس وابنه إيكاروس؛ فصار هذا الوحش رمزاً لهيمنة كريت على أثينا، وتجسيداً لعذابات الأطراف أمام المركز، واستعارة لكل ما انطوت عليه تلك الأحقاب من شرور القوّة وجبروت الأباطرة. وهكذا، كان يانيس فاروفاكيس، وزير المالية اليوناني المستقيل والعضو البارز في تجمّع «سيريزا» اليساري، قد اختار دلالات هذا المخلوق لكي يعنون الطبعة الأولى، 1911، من كتابه «المينوتور الكوني: أمريكا، الأسباب الحقيقية للأزمة المالية ومستقبل الاقتصاد العالمي». الطبعة الثانية، الراهنة، حملت تعديلاً في العنوان الفرعي، ليصبح: «المينوتور الكوني: أمريكا، أوروبا، ومستقبل الاقتصاد الكوني». وفي الطبعتين، على حدّ سواء، ظلّ المخلوق الميثولوجي رمزاً لهيمنة طاغية غير متوازنة، قوامها انشطار المطامع والمصالح والغايات، وفرض الهيمنة عن طريق ثنائية التناقض بين الرأس والجسد.

فاروفاكيس يستعيد حكاية المينوتور لكي يعيد قراءة التوازنات (أو بالأحرى: اللاتوازنات) التي اتضحت بعد انهيارات 2008 المالية، ومسؤولية أمريكا، ثمّ ألمانيا، عن تلك الأزمة الكونية. أمّا عن أوروبا، في الطبعة الثانية تحديداً، فإنّ فاروفاكيس، في أحد فصول الكتاب، يتخيل مشهداً، يمزج بين السخرية والمرارة، حيث يُتاح للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن تضغط على واحد من زرَّين: أحمر ينهي أزمة اليورو، ويرفع معدّل النموّ على امتداد أوروبا، ويهبط بالدين إلى مستوى ما قبل اتفاقية ماستريخت، فلا يتألم مواطنو اليونان (وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا…)، ولكن لا ضمانات، في المقابل، للديون المحاذية (الدول مثل المصارف) خاصة في ألمانيا وهولندا؛ أو: زرّ أصفر، يُبقي أزمة اليورو على حالها طيلة عقود، مع إمكانية تفاقمها واشتدادها، واحتمال خروج بعض البلدان من المنطقة، بما يؤثر سلباً على اقتصاد ألمانيا ذاتها، أو يشكّل كارثة، فتصبح إيرلندا أو البرتغال نسخة أخرى عن لاتفيا أو حتى كوسوفو…

ويكتب فاروفاكيس: «إذْ لا يمثّل الزرّ الأصفر أية جاذبية لدى الرئيس الأمريكي أو رئيس الوزراء البريطاني، فإنّ المستشارة الألمانية ترى أنه الخيار الأعلى سطوة. ولكن حتى لو أرادت اختيار الزرّ الأحمر، فإنها سوف تفزع من ناخبيها الألمان، لأنّ إنقاذ اليونانيين والطليان، ثمّ الإسبان والبرتغاليين، من صنّارة الركود على هذا النحو ‘السلس′ لن يُكسبها الكثير من الأصوات شرق الراين وشمال الألب». ذلك لأنّ الرأي العام الألماني تشبّع، خلال سنتين، بفكرة أنّ ألمانيا نجت من الأزمة لأنّ شعبها الفاضل اعتنق الكدّ والجهد، ومن حقه بالتالي أن يعاقب «الزيزان»، حسب تعبير فاروفاكيس؛ هذا فضلاً عن إيمان شعبوي، ذاتي التغذية، بأنّ «المينوتور الكوني» هو الذي مكّن ألمانيا وهولندا من البقاء في رأس الدول المصدِّرة (والمستوردة، في الآن ذاته، ومن هوامش منطقة اليورو، للبضائع أمريكية الصنع).

والحال أنّ العودة الأبسط إلى جذور أزمة اليونان الراهنة (تضخم الدين العام على نحو غير مسبوق، واعتماد برامج تقشف خرافية أسفرت بالضرورة عن عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة)؛ تعيد التذكير بأنّ أزمة هذا البلد هي وليد طبيعي، وغير خديج البتة، لأزمة النظام المالي العالمي، الآخذة في الاشتداد، وليس في الانفراج كما يحلو للبعض أن يشيع. ثمة ما يشبه المصير الحتمي الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات مؤلمة، مثل إعادة النظر في أجور مئات الآلاف من الموظفين، وخفض الإنفاق على الخدمات الحيوية، فضلاً عن خدمة للديون صارت أرقامها خرافية بدورها.

وحين ظهرت للعيان أولى بوادر التأزم في الاقتصاد اليوناني، كانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد كشفت النقاب عن تواطؤ كبرى بيوت المال الأمريكية، وعلى رأسها مصرف «غولدمان ساكس»، في صناعة أزمة اليونان الراهنة. فعلى امتداد عقد كامل، وربما منذ دخول البلد في منطقة اليورو، أغدقت تلك البيوت قروضاً سخية على الحكومات اليونانية المتعاقبة، وكانت تموّه عمليات الإقراض تحت بنود شتى ومسمّيات مختلفة، تسمح بالتملّص من القيود التي كان الاتحاد الأوروبي قد فرضها على سقوف التضخم الحكومي.

ولم يطل الوقت حتى اكتشف النظام الرأسمالي، ممثلاً في فرعه الأبرز، الأمريكي، ليس دون ضجيج من الكونغرس وعجيج في اجتماعات لجان التحقيق؛ أنّ مجموعة «غولدمان ساكس» لم تكن قصة نجاح رأسمالية باهرة تعود إلى سنة 1869، فحسب؛ بل هي «أخطبوط عملاق يمتصّ الدماء»، في تعبير مجلة «رولنغ ستون». وعلى نقيض المبدأ الشهير «دعه يمرّ، دعه يعمل»، بوصفه أحد أكثر أقانيم اقتصاد السوق قدسية وعراقة، كانت المجموعة تعتمد مبدأ النقيض الأقرب إلى هذا الشعار: «لا تدعه يعمل، إلا إذا مرّ من هنا»، أي من تعاملات الزبائن مع مصارف المجموعة. الأمر الذي لم يُفضِ، في كلّ حال ومآل، إلى إيقاف العزف المديد على نغمة انتصار اقتصاد السوق، والتنظير المكرور حول عبقرية النظام الرأسمالي.

وليس المرء بحاجة إلى تشخيصات فاروفاكيس الثاقبة، حول ثنائيات النظام المالي والاقتصادي الكوني الراهنة عموماً، أو تعبيراتها في أوروبا ومنطقة اليورو خصوصاً؛ لكي يدرك أنّ الصراعات الراهنة تبدو أشبه بقواعد انتحار ذاتي لعشرات المفاهيم الرأسمالية التي جرى إعلان ظفرها، بالضربة القاضية أحياناً، بعد سقوط جدار برلين، و»انتهاء التاريخ» على يد أمثال فرنسيس فوكوياما (بين أقوال الأخير المأثورة، حقاً، ذاك الذي زعم أنّ «الثقة بين رأس المال والبشر أشبه بالثقة التي نمنحها للطبيب حين نسلمه أجسادنا دون ارتياب، وليس لدينا من ضامن سوى معرفتنا أنه أدّى قَسَم أبقراط»)!

ولكن، ألا تبدو طرائق «غولدمان ساكس» ـ في تكديس الأرباح على خرائب صغار المقترضين، ثمّ ادعاء الإفلاس، والتمتّع بمليارات القروض من الحكومة الفيديرالية ـ وكأنها تخون أكثر من قَسَم واحد، وربما جميع مواثيق الاقتصاد السياسي، وليس الاقتصاد الرأسمالي وحده؟ وهل يتوفّر مغفّل واحد يوافق على أنّ هذا النوع من التنافس المشروع هو جوهر الديناميكية الاجتماعية ـ الاقتصادية التي تزعم الدولة الرأسمالية أنها تنفرد به، ويتوجّب عليها أن تُحْسن توظيفه على أساس مبدأ الثقة بين المنتج والمستهلك، وبين السوق والسلعة، والمُقرِض والمقترض؟ وكم من الزيف، الأليم والمؤلم لأنه يقتات على عذابات البشر، يتبقى من مزاعم انتصار اقتصاد السوق اليوم؛ ليس بين اليونان وألمانيا، فالمثال هو الأقصى، بل بين فرنسا وهولندا مثلاً؟

الأكيد أنّ روح الثقة لم تكن هي التي تملكت الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حين التقى بمحفل من كبار مدراء المصارف الأمريكية (وبينهم، بالطبع، رجالات «غولدمان ساكس» و»جي بي مورغان»)، خلال الأزمة، فناشدهم أن يقبلوا بما ينوي القيام به من إصلاحات: «لا يوجد خطّ فاصل بين «ماين ستريت» و»وول ستريت»، قال أوباما في تلميح إلى صدام بيوت المال مع المجتمع العريض، «وإما أن ننهض أو نسقط، كأمّة واحدة». بيد أنّ أوباما كان يتلو مزاميره على معشر من الصمّ، عن سابق قصد وتصميم، لأنّ وقائع الماضي، مثل وقائع الحاضر، كانت تؤكد ما قاله كارل ماركس قبل أكثر من 160 سنة، بصدد المجتمع البريطاني: «إني أرى أمّتَين»!

وليس خوار رأس الثور الرأسمالي في برلين، مقابل عذابات البدن الإغريقي في أثينا؛ إلا ذروة معاصرة لاختمار ذلك القول الماركسي، واحتشاد عناصره إلى حدّ الانفجار، المفتوح المتعاظم المتفاقم.

 

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

 

 

 

 

 

أزمة اليونان ومصير الرأسمالية/سلامة كيلة

التوظيف في المديونية

التحول نحو اليسار

رفض سياسة التقشف

وضع حزب سيريزا

صوت اليونانيون على رفض الشروط التي وضعها الدائنون لاستمرار تقديم القروض، ولا شك أن هذه الخطوة تفتح على وضع جديد قد يؤدي إلى “أزمة عالمية”.

فقد راكمت اليونان ديونا وصلت سنة 2010 إلى 177% قياسا على الناتج القومي، مما يعني أنها باتت على حافة الإفلاس، حيث لم تعد الدولة قادرة على سداد فوائد الديون المتراكمة، وبالتالي باتت بحاجة إلى مساعدة من أجل تجاوز أزمتها.

أدى هذا الأمر إلى قبول صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنوك الدائنة سنة 2012 بتقديم قروض جديدة لتجاوز الأزمة، لكنها فرضت على اليونان (كما فرضت على إسبانيا) سياسة تقشف شديدة لكي تضمن قدرة الدولة على السداد.

هذه السياسة التي مورست منذ تلك السنة فرضت انخفاضا شديدا في الوضع المعيشي لطبقات متعددة من العمال والفلاحين والفئات الوسطى وغيرها، ربما وحدها البرجوازية اليونانية لم تتأثر بالأمر.

ولا شك في أن انفجار الأزمة المالية العالمية (والأميركية خصوصا) في سبتمبر/أيلول سنة 2008 قد انعكس على اليونان، فزادت الأزمة في صعوبات الاقتصاد. ولهذا شهدنا تحرّكا عماليا ومن طبقات شعبية قد بدأ سنة 2010 قبيل الثورات العربية، لكنه لم يتطور إلى ثورة.

لكن سياسة التقشف التي فرضها الدائنون أفضت إلى تصاعد الاحتجاجات، وإلى نشوء “ميل يساري” جارف تبلور في توحيد نقابات ومجموعات يسارية مختلفة المشارب، وشباب يساري في حزب سيريزا، الذي خاض الصراع ضد سياسة التقشف. ومن ثم وصل إلى السلطة، وطرح على الاستفتاء شروط الدائنين، لتكون النتيجة هي لا.

التوظيف في المديونية

لم يكن تراكم المديونية على اليونان صدفة، حيث أصبحت المديونية توظيفا رأسماليا، رغم أنه يُطرح حلا لأزمة تعيشها الدول تتعلق بالعجز في الموازنة.

ولا شك أن اليونان كانت تعيش وضعا اقتصاديا صعبا قبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وبعد الحصول على المعايير التي تحددت لهذا الأمر، ولذا ظهر أن الحكومة اليونانية قد “زورت” في الأرقام لكي تحصل على الموافقة على انضمامها، وأيضا يمكن القول إن تواطؤا أوروبيا قد حصل.

ولكن الانضمام نفسه زاد في أزمة اليونان، حيث رفع مستوى المعيشة لكي يوازي الوضع الأوروبي، دون أن ترتفع الأجور بالمستوى ذاته. خصوصا مع سياسة الخصخصة التي جرت، واللبرلة التي عممت بشكل كبير. وزاد هذا الأمر من نسبة الاستدانة، الذي ارتفع إلى مستوى هدد بإفلاس الدولة بعد أن باتت عاجزة عن سداد فوائد ديونها. كل ذلك ضمن “لعبة” ضغطت الطغم المالية لكي تتحقق بالتعاون مع البرجوازية اليونانية.

إن مسألة الاستدانة يجب عدم النظر إليها من زاوية الحاجة الداخلية، حيث يجري عادة تضخيم هذا الأمر لتبرير الاستدانة، بل نتيجة حاجة الطغم المالية إلى التوظيف بعد أن أُشبعت إمكانات التوظيف في الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي حدوث تراكم مالي هائل في البنوك والمؤسسات المالية يحتاج إلى تحريك كي لا يتآكل نتيجة التضخم.

وكانت مسألة الديون واحدة من أشكال التوظيف التي حققت أرباحا هائلة، وأوقعت الكثير من دول العالم في مأزق، جعلها تقبل بكل الشروط التي يتصدى لطرحها عادة صندوق النقد الدولي الممثل لتلك الطغم المالية، حيث لا تعود الدولة قادرة على سداد فوائد الديون وليس فقط الديون ذاتها التي تتراكم بشكل متسارع. ولهذا يمكن القول إن ما جرى في اليونان، وكثير من البلدان الأخرى، هو عملية نهب بالتشارك مع البرجوازية المحلية وتسهيلها.

والحل حسبما تطرح الطغم المالية هو فرض التقشف على الشعب من أجل نهب المجتمع كي تظل الأرباح تتراكم لديها، فقد نهب “القطاع العام” عبر الخصخصة، وبيعت كثير من “البنية التحتية” التي كانت تعد جزءا من “الحق العام” (المواصلات والاتصالات والصحة والشواطئ وغيرها)، وأصبح مطلوبا تدمير “الوضع المعيشي” للطبقات الشعبية، من خلال تراجع الأجور، وزيادة الضرائب، وخصخصة ما كان “مباحا” (أو عاما).

التحول نحو اليسار

كان وضع الطبقات الشعبية اليونانية صعبا، خصوصا منذ الأزمة المالية التي حدثت سنة 2008، لكنها ازدادت صعوبة بشكل لافت بعد فرض التقشف على ضوء الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية المقرضة (وهي في الغالب بنوك فرنسية ألمانية) سنة 2012.

وإذا كانت الاحتجاجات قد تفجرت سنة 2010 فقد أخذت تتصاعد بعد الاتفاق، وأصبح واضحا أنه يجب مقاومة تلك السياسة التي تفرض التقشف، ورفض البرجوازية التي حكمت طويلا (سواء باسم اليمين أو اليسار)، وبالتالي تنحية “الطبقة السياسية” التي قادت إلى الكارثة.

لهذا تشكّل حزب سيريزا كتوحيد لمجموعات يسارية مناهضة للتقشف، ورافضة للشروط المملاة على اليونان من قبل الدائنين، وأصبح الحزب بسرعة قوة كبيرة نتيجة النقمة التي أخذت تتشكّل في الشارع اليوناني بسبب تلك السياسة التي زادت في إفقار فئات جديدة، وهددت بتحوّل وضع قطاع كبير من الشعب نحو العجز عن الحصول على المستوى القائم الآن.

وقد أدى هذا الأمر لأن يحصد حزب سيريزا الأصوات التي جعلته الحزب الذي يستحق تشكيل الحكومة، وتهميش الأحزاب القديمة، وإظهار ضعف سياسة الحزب الشيوعي الذي لم يحصل إلا على 6% من الأصوات. وبالتالي، رفض الشروط المملاة عبر الاستفتاء الذي جرى يوم 5/7/ 2015.

رفض سياسة التقشف

لا شك أن رفض سياسة التقشف، وبالتالي رفض شروط الدائنين، هو البداية لمسار يمكن أن تكون آثاره خطيرة على أوروبا وعلى الاقتصاد العالمي. حيث إن هذا الرفض يمكن أن يتطور إلى وقف تسديد فوائد الديون، وإذا ما رد الدائنون بطريقة متشددة فإن الأمر سوف يقود إلى خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يعني فقدان الديون نفسها.

هذا احتمال خطير، لأنه يعني احتمال انهيار بنوك أساسية في أوروبا (فرنسية وألمانية)، الأمر الذي سينعكس على مجمل الاقتصاد العالمي، والأميركي خصوصا، مما قد يؤدي إلى أزمة مالية جديدة تهزّ الاقتصاد العالمي. فقد أصبحت البنوك هي نقطة ضعف النمط الرأسمالي، وباتت بحاجة إلى دعم الدول، وهو الأمر الذي يراكم المديونية على الدول المركزية ذاتها، أي أميركا وفرنسا وألمانيا.

وهي في حالة أميركا وصلت إلى حد مرتفع جدا عن السقف، وباتت تتجاوز الناتج القومي. لكن نجاح الشعب اليوناني في رفض الشروط سوف يسمح بتمدد الحالة اليونانية إلى بلدان أخرى تعاني المشكلات نفسها، خصوصا هنا إسبانيا التي تنتظر نجاح حركة بديموس في الانتخابات نهاية السنة، وربما يحدث الأمر نفسه في إيطاليا والبرتغال وبعض بلدان أوروبا الشرقية. حيث إن “حالة التمرّد” اليونانية سوف تشجّع الشعوب الأخرى على التمرّد. وهو الأمر الذي يعني زيادة الأخطار على الطغم المالية الأوروبية، وعلى مجمل الاقتصاد الأوروبي، وعلى الاتحاد الأوروبي الذي سيجد أنه آخذ في التفكك بعد أن نهبت الرأسمالية الألمانية بلدانه. وبالتالي على مجمل الاقتصاد الرأسمالي كما أشرنا.

لهذا ستكون العلاقة بين اليونان والدائنين حساسة، ولا تسمح بتهوّر من قبل هؤلاء، بل يمكن أن تسير الأمور ليس نحو التصعيد بل نحو المناورة “طويلة الأمد” نسبيا. والمراهنة هنا ستكون على تفكك حزب سيريزا نفسه. ولكن ربما تفلت الأمور مع تصاعد الضغوط الشعبية الداخلية بما يفرض على حزب سيريزا التشدد بدل القبول بحل “وسط”.

وضع حزب سيريزا

ربما تشير استقالة وزير المالية، الذي كان يعد الشخص الأكثر تشددا ضد الدائنين، بعد التصويت بلا على شروط الدائنين، إلى أن الحكومة الجديدة لا تريد الذهاب إلى النهاية في الصراع مع الدائنين، بل تريد تعديل شروط التقشف فقط. وأعتقد أن ذلك صحيح بشكل ما، حيث إن الحزب الذي قام على سياسة رفضية (أي رفض سياسة التقشف) يحوي تيارات متعددة، بعضها إصلاحي وبعضها متشدد.

فهناك في الحزب من يريد ليس إلغاء الديون فقط بل كذلك مصادرة أموال البرجوازية اليونانية التي كانت وحدها المستفيدة من الديون المتراكمة على اليونان. لكن في المقابل هناك من لا يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولا القطع مع الدائنين، بل يريد تخفيف آثار سياسة التقشف على الشعب. ومن هؤلاء رئيس الوزراء نفسه.

بالتالي فإن “لا” التي نتجت عن الاستفتاء لا تعني نهاية الأمر، بل تعني العودة للمناورة مع الدائنين من أجل شروط أفضل. وفي هذه المعادلة سوف يدخل الحزب نتيجة الميل الإصلاحي الذي سوف يفرض نفسه، في تمزقات وانشقاقات، تضعف الحزب كقوة تقاوم سياسة التقشف، وتدفع إلى إعادة صياغة الحكومة بتحالفات جديدة أقل رفضا لتلك السياسة.

ورغم أن ذلك سوف يقود إلى الاتفاق مع الدائنين بشروط “أفضل”، لكنها في الواقع هي نفسها، بحيث لن تلغي تأثيرها على الشعب الذي دخل في حالة من انهيار وضعه المعيشي وفقدانه للحقوق التي تحصّل عليها في السابق، وهو أمر خطير، ولكنه لن يوقف الاندفاع الشعبي نحو اليسار، حيث إن انهيار الوضع المعيشي مع استمرار سياسة التقشف -حتى وإن كانت مخففة- سوف يعزز الميل نحو اليسار، ويدفع نحو التجذير وليس تكيف الشعب مع الأمر الواقع.

في كل الأحوال سوف يؤدي ما حدث في اليونان إلى زيادة تمرّد شعوب أخرى، لكن كذلك إلى تجذّر الصراع في اليونان وفرز القوى أكثر.

لقد مال الشعب اليوناني نحو اليسار، وسوف يتعمق هذا الميل مع زيادة صعوبة وضعه المعيشي. وإذا كان حزب سيريزا لا يمثّل يسارا جذريا الآن فإن تطور الصراع سوف يقود إلى ذلك.

الجزيرة نت

 

 

 

 

مَخرَج من أجل اليونان/ جيفري د. ساكس

تمثل الأزمة اليونانية كارثة بالنسبة لليونان، وتفرض على الاقتصاد العالمي خطرا داهما. فـألمانيا تطالب باستمرار اليونان بسداد ديونها بالكامل، رغم أن اليونان مفلسة بوضوح ورغم إشارة صندوق النقد الدولي إلى ضرورة التخفيف من أعباء الدين.

وكان من المحتم أن يفضي التصادم بين الواقع (عجز اليونان عن الوفاء بالتزامات الدين) والسياسة (مطالب ألمانيا) إلى الكارثة. والواقع أن هذا هو ما حدث: الانهيار الصادِم المروع هذا الأسبوع للنظام المصرفي اليوناني.

ولكن يظل هناك وسيلة للخروج من هذه الفوضى. فلا بد من خفض ديون اليونان بشكل حاد، ولا بد أن تظل اليونان داخل منطقة اليورو. في المفاوضات مع دائنيها هذا الربيع، أدركت اليونان هذا، فأصرت على خفض ديونها، فرفضت ألمانيا. ورغم وقوف الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي في صف اليونان سرا، كانت الغَلَبة لألمانيا، كما هي حال الدائنين عادة.

غير أن فوز الدائنين في مثل هذه الأحوال يأتي ضد مصلحتهم أحيانا، فمن خلال دفع المدين إلى نقطة الانهيار، تنتهي بهم الحال إلى التسبب في عجز المدين تماما عن السداد. وكان الخطأ الذي ارتكبته ألمانيا الأسبوع الماضي هو دفع الاقتصاد اليوناني -الذي يمر بظروف تماثل تلك التي صاحبت أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين- إلى الانهيار المالي التام.

يتبنى وزير المالية الألمانية فولفغانغ شويبله إستراتيجية تفاوضية واضحة تهدف إلى حمل اليونان على الموافقة على ترك منطقة اليورو. ومن سوء حظه أن اليونان لا تريد الخروج، ولا يمكن إرغامها على الخروج بموجب المعاهدات التي تحكم الاتحاد الأوروبي. فاليونان تريد البقاء في منطقة اليورو، وبأعباء ديون أقل، وهو موقف ذكي يتسم بالمهارة والدهاء على المستوى الاقتصادي وتحميه المعاهدات.

الواقع أن الخروج من اليورو سوف يكبد اليونان تكاليف باهظة، ويكاد يكون من المؤكد أن خروجها سوف يخلق حالة من الفوضى السياسية والاجتماعية -وربما التضخم الجامح- في قلب أوروبا. وسوف يطرأ انخفاض كبير على قيمة مدخرات سكان اليونان، مع تحويل اليورو فجأة إلى الدراخما الجديدة. وسوف تتضرر الطبقة المتوسطة بشدة. ولن يوفر تحويل العملة للبلاد سنتا واحدا من ديونها الخارجية، والتي سوف تظل بطبيعة الحال مقوَّمة باليورو.

ويظل عبء الديون المستحقة على اليونان غير مستدام. فهذا الأسبوع، تخلفت اليونان عن سداد أقساط الدين لصندوق النقد الدولي، مفضلة تغطية التزامات معاشات التقاعد على سداد أقساط الدين. وينبغي لدائني البلاد الآن أن يتفاوضوا على خفض توافقي للدين من خلال الجمع بين خفض أسعار الفائدة (وتثبيتها)، وخفض القيمة الاسمية للدين، ومد مواعيد الاستحقاق لفترات طويلة للغاية.

وهناك الكثير من السوابق لمثل هذا المسار. فقد أعيدت هيكلة الديون السيادية مئات وربما آلاف المرات، بما في ذلك لمصلحة ألمانيا. والواقع أن المطالب المتشددة من قِبَل دائني ألمانيا من حكومة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، أسهمت في إحداث حالة من عدم الاستقرار المالي العميق في ألمانيا وأجزاء أخرى من أوروبا، وساعدت بشكل غير مباشر في صعود أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا عام 1933.

ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، استفادت ألمانيا من تنازلات أكثر حكمة من قِبَل حكومة الولايات المتحدة، والتي توجت بالتخفيف التوافقي لأعباء الدين في عام 1953، وهو التصرف الذي عاد بفوائد كبرى على ألمانيا والعالم. غير أن ألمانيا فشلت رغم ذلك في تعلم الدروس من تاريخها.

وأنا أقترح مسارا من أربع خطوات للخروج من الأزمة اليونانية. فأولا، أوصي بأن يصوت الشعب اليوناني بالرفض القاطع المدوي لمطالب الدائنين في الاستفتاء عليها (صوت اليونانيون بـ”لا” على خطة الدائنين).

وثانيا، ينبغي لليونان أن تستمر في الامتناع عن سداد أقساط ديونها الخارجية للدائنين الرسميين في الفترة السابقة لإعادة هيكلة الديون توافقيا في وقت لاحق من هذا العام. ونظرا للكساد العميق في اليونان، فينبغي لها أن تستخدم مدخراتها للدفع لأصحاب المعاشات، وتوفير الإغاثة الغذائية، وإجراء الإصلاحات التي تحتاج إليها البنية الأساسية بشدة، وتوجيه السيولة نحو النظام المصرفي.

وثالثا، يتعين على رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس أن يستخدم قدرته على الإقناع لإقناع عامة الناس -على غرار ما فعله الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت- بأن الشيء الوحيد الذي ينبغي لهم أن يخافوه هو الخوف ذاته. وبشكل محدد، ينبغي للحكومة أن توضح لكل اليونانيين أن ودائعهم باليورو آمنة، وأن البلاد سوف تظل داخل منطقة اليورو (رغم الادعاءات الكاذبة التي يطلقها بعض أعضاء مجموعة اليورو بأن التصويت بالرفض يعني خروج اليونان)، وأن بنوكها سوف يُعاد فتحها بعد الاستفتاء.

وأخيرا، ينبغي لليونان وألمانيا أن يسارعا إلى التقارب بعد الاستفتاء والاتفاق على حزمة من الإصلاحات الاقتصادية وتخفيف أعباء الدين. لا ينبغي لأي بلد -بما في ذلك اليونان- أن تتوقع أن يُعرَض عليها التخفيف من أعباء الدين على طبق من فِضة، فتخفيف أعباء الدين لا بد أن يكون مكتسبا ومبررا بإصلاحات حقيقية قادرة على استعادة النمو، بما يعود بالفائدة على كل من المدين والدائن.

ومع ذلك فإن جثة هامدة لا يمكنها أن تنفذ الإصلاحات. ومن الأهمية بمكان -لهذا السبب- أن يتم تقديم فرصة تخفيف أعباء الدين والإصلاحات معا، وليس الإصلاحات “أولا” مع بعض الوعود الغامضة بقدوم التخفيف من أعباء الدين بكميات غير محددة وفي أوقات غير محددة في المستقبل (كما قال البعض في أوروبا لليونان).

من المؤكد أن كلا الجانبين ارتكبا عددا لا يحصى من الأخطاء في الكارثة اليونانية، فضلا عن سوء التقدير وسوء السلوك على مدى العقد الماضي، بل حتى قبل ذلك. والحق أن أي بلد ما كان ليصل إلى الحالة الخطيرة التي بلغها اليونان لولا جيل من سوء الإدارة الفاضح. ولكن من غير الممكن أيضا أن يفلس أي بلد من دون أخطاء خطيرة يرتكبها الدائنون، أولا بإقراضه أموالا أكثر مما ينبغي، ثم المطالبة بدفعات سداد مفرطة إلى الحد الذي يجعل البلد المدين ينهار. وما دام الجانبان على خطأ، فمن الأهمية بمكان لكل منهما أن يحرص على عدم خسارة المستقبل بالانخراط في مشاجرات لا تنتهي حول الماضي.

إن تخفيف أعباء الديون اليونانية والإبقاء على اليونان داخل منطقة اليورو في الوقت نفسه هو المسار الصحيح الذي يمكن سلوكه للخروج من الأزمة، ومن الممكن تحقيق هذه الغاية بسهولة من خلال الاتفاق المتبادل بين ألمانيا واليونان، والذي تقره بقية أوروبا. وسوف تكون النتيجة الفوز الأكيد، ليس فقط لصالح هذه البلدان، بل أيضا لصالح الاقتصاد العالمي.

العربي الجديد

 

 

 

 

حول مسألة اليونان/ حازم صاغية

انشغلت أوروبا والعالم بالاستفتاء الذي أجري في اليونان، حيث قرّر أكثر من 60 في المئة من المشاركين رفض الشروط الألمانيّة والغربيّة لإقراضهم.

وهذا الاهتمام لم يبرز فحسب على النطاق السياسيّ والإيديولوجيّ، بل عبّرت عنه بورصات المال العالميّة، بما فيها بورصات آسيا، دليلاً على مدى الترابط المعولم بين سائر أنحاء المعمورة. ذاك أنّ أسئلة من نوع العلاقة بين اليونان والاتّحاد الأوروبيّ لم تعد همّاً حصريّاً لليونانيّين، ولا حتّى للأوروبيّين وحدهم. والشيء نفسه يصحّ في نظريّات الإقراض التقشّفيّة التي تتّبعها المؤسّسات الماليّة الدوليّة والموقف منها أو التأثّر بها.

على أيّة حال، جاء التصويت بـ “لا” ليصيب عصفورين بحجر واحد: فمن جهة وُجّهت صفعة ضروريّة لنظريّة التقشّف الإيديولوجيّة التي أساءت تباعاً إلى شعوب كثيرة ورفاهها. ومن جهة أخرى، وُجّهت صفعة لتطبيق نظريّة التقشّف على اليونان تحديداً، هي التي عانتها طوال أربع سنوات ونيّف من دون أن تخرج من أزمتها أو تجني فوائد تُذكر.

وفي هذا الصدد، وبسبب خليط من أسباب إيديولوجيّة وانتحابيّة، لم تتزحزح المستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل عن موقفها المتشدّد تجاه أثينا، على رغم “نصائح” أميركيّة بعكس ذلك، ومواقف فرنسيّة أقلّ تصلّباً. وفرنسا، كما هو معروف، مُقرض أساسيّ أيضاً.

في المقابل، تبدو مشكلة اليونان، في المحلّ الأوّل، كامنة في تطوّرها الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وبالتالي السياسيّ، قبل أن تكون مشكلة نظام بعينه. فهي في حربها الأهليّة في الأربعينات، ثمّ في حكمها العسكريّ في السبعينات، كما في فساد إداراتها المتعاقبة بعد استعادة الحياة السياسيّة، تعاني عقبات كابحة في وجه إقلاعها باتّجاه الحداثة. وقد ضاعف البؤس اليونانيَّ الموقعُ المركزيّ الذي تحتلّه كنيستها الأرثوذكسيّة البالغة المحافظة والتي لم تمسسها رياح الإصلاح الدينيّ، والتزمّت القوميّ والشعبويّ المناهض للغرب الذي يلتقي عنده يمينها وبسارها. وفي هذا المعنى لم تكن موفّقة كثيراً تلك المقارنة التي أجراها كثيرون بين إعفاء ألمانيا من الديون في الخمسينات، وهي الخارجة من حرب عالميّة مدمّرة، وبين اليونان التي خرج خرابها من أحشائها إبّان تمتّعها بسلام واستقرار مديدين.

وليس بلا دلالة، من منظور الوضع اليونانيّ، اصطدام “اليساريّين” القائلين بـ “اللا” لشروط الإقراض، وكذلك “اليمينيّين” القائلين بـ “النعم”، بجدار سميك ومرتفع. فكائناً ما كان الخيار، سيجد اليونانيّون أنفسهم أمام تضحيات قصوى لا بدّ من بذلها لدخول الطور الذي تضعف استعدادات المجتمع اليونانيّ لدخوله.

ومن هنا، وبقدر ما تبدو الاقتراحات الألمانيّة قاسية وجائرة، يبدو خطاب “سيريزا” وسلوكها شعبويّين قليلي الحفول بالمسؤوليّة الذاتيّة الجامعة قياساً بالميل إلى تحميل المسؤوليّة للآخرين.

أمّا النقطة الوحيدة التي قد تبعث على بعض الأمل فأنّ الحكومة اليونانيّة ورئيسها أليكسس تسيبراس قد قرّرا، بعد الاستفتاء، المضيّ في التفاوض مع أوروبا والمؤسّسات الدوليّة، ولو كان الثمن استقالة وزير المال يانيس فاروفاكيس، أو إقالته.

وعلى هذا النحو يبدو أمر اليونان أكبر كثيراً من “هيصة” يحرّكها عداء شبه مَرضيّ للغرب، وإن قال أصحابها إنّ تعاطفهم مع فقراء اليونان هو محرّكها. لقد كان لافتاً أنّ هذه البيئة المحبّة للفقراء لم تنبس ببنت شفة تعليقاً على “أوباما-كير” الذي وفّر الضمان الصحّيّ لعشرات الملايين من فقراء أمريكا؟!

 

 

 

 

 

 

استفتاء ضد الشعبوية/ سامر فرنجيّة

جاءت نتائج الاستفتاء اليوناني على سياسات التقشّف لتؤكّد الاتجاه الذي رسمه فوز تحالف «سيريزا» في الانتخابات الأخيرة ولتعمّق الموقف الرافض للسياسات التقشّفية المفروضة من قبل «الترويكا»، خاصة بعدما حظي مؤخراً هذا التحالف بدعم أكثرية الأحزاب اليونانية. وإذا كان من غير الواضح ما ستكون نتائج أو عواقب هذا الاستفتاء على مستقبل اليونان المالي وموقعه في المجموعة الأوروبية، يـــــبقى التصويت الشعبي ضد سياسات التقشّف من أكبر التحديات للمنظومة الاقتصادية السائدة والمأزومــــة، فيمكن اعتبار هذه اللحظة شبيهة بالأزمة الاقتــــصادية التي قضت على الكينزية في السبعينات، والتــي وضـــعت أسس النظام الحالي، أي لحظة مفصلية بين نظامين اقتصاديين.

فالاستفتاء إشارة إلى أنّ الأزمة فاقت حدودها الإدارية والاقتصادية والسياسية، لتتحوّل إلى «أزمة شرعية» نظام عالمي، بات من الصعب الاستمرار فيه في شكله الراهن وإن كان بديله غير واضح.

فالأزمة الحالية لم تعد مجرّد أزمة اقتصادية، تتطلب سياسات مالية أو ضريبية مغايرة ضمن معايير النظام السياسي السائد، بل تعدّت هذه الحدود لتطرح التحدي على طبيعة الحكم في اليونان والمنظومة المؤسسية الأوروبية ونمط إدارة الاقتصاد العالمي. فاستعمال أداة الاستفتاء جاء أيضاً كرفض لحكم «الخبراء» الذي أفرغ الديموقراطيات من قدرتها على التأثير على اقتصادها والذي كبّل المنظومة الأوروبية مالياً، بعد أن لخّص إدارة الاقتصاد العالمي بمؤسسات لا شرعية سياسية لها.

الاستفتاء لم يكن مجرّد أداة تفاوضية استعملتها الحكومة اليونانية في وجه «الترويكا» الدائنة، بل محاولة لكسر نوع معين من التفاوض قام على اعتبار الاقتصاد «علماً» لا يحتاج إلّا إلى خبراء معينين ومحميين من «الشعبوية الديموقراطية».

غير أنّ هذه الأزمة باتت اليوم تتعدى أيضاً الحدود السياسية لتأخذ شكل الأزمة الأيديولوجية، وتعيد طرح مسائل دفنها البعض بسرعة العارف أنّ الراحل لم يمت، بل أنه ما زال حياً في أشكال مختلفة. وقد تكون الإشارة الأوضح إلى الطابع الأيديولوجي لهذه الأزمة الهوة بين سبب الخلاف ونتائجه المحتملة. فالفارق الذي يفصل اقتراحات الحكومة اليونانية عن عرض «الترويكا» بات طفيفاً، خاصة بعد اعتراف صندوق النقد الدولي باستحالة قدرة اليونان على سداد ديونها. لكن على رغم هذا الاعتراف، يستمرّ التفاوض وكأنّ السبب مجرّد عامل تقني، له علاقة بجدولة الإصلاحات والمساعدات. ما كشفه موقف الدائنين الأوروبيين والحملة المعادية للاستفتاء هو فراغ «المشروع الأوروبي»، بعد عقدين على تأسيسه وتبعيته، ليس لفكرة أوروبا، بل لنظامها المالي.

كما أنّ هذه الأزمة باتت تتعدى حدود اليونان الصغرى، لتربط بين مسارين عالميين، ما يجعلها أزمة شرعية منظومة دولية بأكملها. فالمسار الأول هو مسار الأزمات الاقتصادية المتنقلة من آسيا (1997-8) إلى روسيا (1998) إلى الأرجنتين (2000-02)، قبل أن تصبح عالمية ابتداءاً من ٢٠٠٨. أما المسار الثاني، فهو مسار الاعتراضات على النظام الاقتصادي العالمي، الذي بدأ في التسعينات واستمر في أشكال مختلفة طوال العقد الفائت، قبل أن يظهر في العالم الأول مع حملات «الاحتلالات». واليونان اليوم تقع على تقاطع هذين المسارين، أي مسار الأزمة الاقتصادية ومسار الاعتراض عليها الذي أخذ شكل «سيريزا»، لتصبح أزمتها مصغراً عن أزمة عالمية.

في ظل أزمة كهذه، يأخذ الاستفتاء طابعاً معاكساً لما رآه البعض، أي مجرّد أداة شعبوية هربت إليها الحكومة اليونانية لتفادي مواجهة مشكلاتها الفعلية. فهو، بمعنى ما، تصويت ضد الشعبوية، وبالأخصّ الشعبويتين اللتين رافقتا صعود النيو- ليبرالية الاقتصادية منذ السبعينات. الشعبوية الأولى، «علمية» اعتبرت الاقتصاد «علماً» يتولاه «خبراء»، ولا يتناسب مع لا-عقلانية الديموقراطيات والأيديولوجيات. فقد فضح الاستفتاء لا-عقلانية الخبراء المصرّين على السياسة ذاتها على رغم اعترافهم باستحالتها. أما الشعبوية الثانية، فهي شعبوية «المنطق البسيط»، التي تعمّم أخلاقيات «صاحب الدكانة» على الاقتصاد العالمي، وكأنّ الاقتصاد مجرّد جمع عددي لدكاكين العالم. من يستدين يجب أن يفي دينه: درس يصلح لعلاقات الجوار ولكنّه لا يصلح في الاقتصاد العالمي. وقد يكون هذا درس كينز الأساسي، الذي يجوب شبحه أوروبا اليوم.

لقد جاء الاستفتاء ليعيد الاقتصاد إلى ما هو، أي تقنية براغماتية للحكم، تختلف عن العلم والأخلاق برفضها الحلول المنزلة في شكل الخبير أو صاحب الدكان. واللافت أنّ من يُتّهم بالشعبوية الأيديولوجية، أي «سيريزا»، بات أكثر عقلانية من مفاوضيه الأوروبيين، وقد يكون «سيريزا» اليوم آخر ورثاء فكرة أوروبا، أي أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي آمنت بمستقبل يقتضي القضاء على ماضٍ ما، أكان في شكله السياسي أو الاقتصادي أو في شكل الديون. وقد يفشل الاستفتاء والتفاوض الذي سيليه في تغيير قوانين اللعبة في اليونان، غير أنّ ما كشفه بات كافياً، وهو أنّ هذا النــظام الاقتصادي بات مأزوماً ومفضوحاً بأزمته. قد يكون العمال هجروا الماركسية، غير أنّ العقلانية هجرت البديل، وباتت اليوم تأخذ شكل استفتاء شعبوي قام به وزير لا يرتدي ربطة عنق.

 

 

 

 

 

رغبة في إخضاع اليونان… لماذا؟/ نهلة الشهال

تفوح الاعتبارات السياسية والدوافع الإيديولوجية من مسامات ما يسمى بالأزمة اليونانية. وتطلق مفردات بالكاد تخفي معانيها المقيتة أو نبشها لأحقاد ماضية. وزير الاقتصاد الألماني، فولفغانغ شوبل، الناشف، القاسي، ينعت فرنسا من دون تسميتها «الأمة الكبيرة»، تهكماً منه على ترددها بعد OXI (لا) الاستفتاء اليوناني على مقترحات الترويكا (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، وتأنيباً لها وشداً لعزيمتها. وأما حيال اليونان، فالكلام مشوب بأبوية ازدرائية: يقال لهم «انتهت عطلة الملعب» (التي ينالها التلاميذ بين الحصص) بحسب رئيس المفوضية الأوروبية، و «اهبطوا إلى الأرض»، عبارة أخرى متعالية أجمع عليها السياسيون الأوروبيون، و «لا خيارات» التي تباروا في تردادها بجبين مقطب، وهي تشبه في قطعيتها من يضرب رأس الآخر بالحائط. وقيل في تسيبراس، رئيس وزراء اليونان، عندما قرر إجراء الاستفتاء، بأنه يلعب «ضرب بوكر»، عدا التعبير الاشتقاقي الذي صار على الموضة، «غريكسيت»، للإشارة الى الخروج (exist)، بينما استُخدم الاشتقاق نفسه بخشية قبل ذلك، بخصوص بريطانيا («بريكسيت»)، عند عودة كاميرون رئيساً لوزراء البلد الرافض لليورو والمُهدِّد كل حين بمزيد من إدارة وجهه صوب واشنطن.

أما الأصوات التي تحذر من تبعات هذا التشدد، فتخشى خطر دفع اليونان إلى أحضان روسيا والصين إن هي خرجت من اليورو ومن الاتحاد الأوروبي نفسه، وهو هاجس اوباما الداعي إلى مرونة حيالها تسمح بإيجاد حلول، في الأسبوع نفسه الذي أرسل فيه مدرعات وقوات وأسلحة ثقيلة إلى بولندا ونقاط تمركز أخرى على مقربة من الحدود الروسية.

لا يُفهم التصلب ذاك إلا على ضوء سطوة شريحة من القيادة الأوروبية النيوليبرالية، التي تريد إخضاع اليونان راكعةً، الآن خصوصاً، بعدما تجرأ شعبها مطلع العام الجاري على اختيار تحالف «سيريزا» اليساري (الذي يُنعت بالجذري أو حتى بـ «المتطرف»، بمعنى انه ليس من جوقة «الاشتراكيين» النيوليبراليين على الموضة وفي السلطة في غير مكان). وهذا مع علمهم، وعلم العالم بأسره، بأن الدين اليوناني تراكم في ظل حكومات يمينية أو اشتراكية من الطراز أعلاه، وأنه تَضخَّم بدءاً من 2004، وأن البنوك وصناديق الإقراض الأميركية والألمانية والفرنسية تمادت في مراكمة أرباحها من المضاربة فيه والفوائد العالية عليه، وأن البنك المركزي الأوروبي كان «يعرف» ما يجري، بل أن بنك غولدمان ساكس الأميركي ساهم بتزوير المعطيات لإخفاء فداحة الموقف، وبعد الأزمة المنفجرة في 2008، جرى الغرف من أموال الموازنات العامة ومن احتياطيات البنوك المركزية لتعويم تلك البنوك الخاصة خشية انهيارها بسبب تلاعباتها الكثيرة تلك.

ويجيء إخضاع اليونان، الآن خصوصاً، بعد التحدي الثاني المتمثل بنتائج الاستفتاء العام على خطة التقشف المقترحة من الترويكا، والتي رُفضت بأكثرية 61.4 في المئة. وهو إخضاع بلا استدراكات، على رغم الأصوات الجدية التي تُبيِّن أن الخطة المقترحة ليست فحسب غير إنسانية ولكنها غير واقعية بالمعنى الاقتصادي والمالي، أي مستحيلة التطبيق، لأن آلية «رد الدين» الموضوعة قائمة على فرضية إنتاج فائض من الدخل الوطني الخام بنسبة عالية لن تتحقق.

وقد قَبل «سيريزا» (الجذري، المتطرف!) بعدد من التدابير كرفع سن التقاعد مثلاً، ووضع خطة لرد الدين فعلاً، لكنها رُفضت من الترويكا. بول كروغمان، الحائز على نوبل في الاقتصاد، دعا اليونانيين الى التصويت بـ «لا»، لفظاعة المطلوب منهم ولانعدام واقعيته، بل لكارثيته، كما ثبت خلال السنوات الأربع منذ البدء بمخططات التقشف في 2011، حيث لم يتراجع الدين ولم يتقدم النمو، بل انهار الناتج المحلي الخام بنسبة 25 في المئة، وانتقل 3 ملايين يوناني من أصل الـ11 مليون إلى ما دون خط الفقر.

أما المخرج جان لوك غودار، فتذكرت الصحف مُقترحه عام 2011 لـ «الغارديان» (مذّاك إذاً!) بأن يُدفَع لليونان 10 يورو مقابل كل استخدام لكلمة «بناء عليه» (أو إذاً)، التي تلخِّص المنطق السببي الأرسطي، مذكِّراً بما تدين به أوروبا لليونان، لغوياً ومعرفياً. ونبش آخرون حقيقة إعفاء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية من كل ديونها، ومن أي تعويض عن الخسائر التي تسببت بها، وذلك في معاهدة لندن عام 1953، بغاية تقويتها في وجه الاتحاد السوفياتي حينذاك. لكن اليونانيين أنفسهم استعادوا وقائع من أيام الاحتلال النازي لبلادهم، فقال مسؤولون يونانيون سابقون وشخصيات عامة في البلاد إن النازيين فرضوا على اليونان عند احتلالهم لها مساهمة بالمجهود الحربي بقيمة 476 مليون مارك في حينه، وسرقوا ذهب البنك المركزي اليوناني، وأن قيمة ما يدينون به لبلادهم تعادل اليوم 162 بليون يورو: «من دون الفوائد»! وأن الحكومة اليونانية خضعت للضغط الأميركي والبريطاني عام 1953، الذي اجبرها على عدم المطالبة بمستحقاتها.

وللتذكير كذلك، فالدين اليوناني البالغ 317 بليون يورو نهاية 2014، تسببت به الإدارة الفاسدة والعاجزة لحكومات يمينية أو «اشتراكية» تناوبت على البلاد في السنوات العشر الماضية، وليس الطاقم الحاكم اليوم، وتقدير قيمة التهرب الضريبي للأثرياء اليونانيين يتجاوز 20 بليون يورو سنوياً، بينما تطاول الاجراءات التقشفية الشرائح الأفقر أو الأضعف في المجتمع، كخفض تعويضات المتقاعدين، أو فرض ضريبة عالية على المواد الاستهلاكية الأساسية، وكذلك على الأدوية والكهرباء والماء، بحيث انه حتى الحكومة اليونانية السابقة، اليمينية، كانت ضد هذه الخطط، فلم يوافق عليها رئيسها انطونيس ساماراس، ولكنه لم يكن يمتلك تصوراً للخروج بالبلاد من الأزمة التي تسبب بها، من بين المتسببين، نهج حزبه، فأسقطه التصويت العام.

الرغبة في الإخضاع التام (أو ما يسميه اليونانيون «الإذلال») نابعة كذلك من الخوف، أي أنها ردعية، تقصد قطع الطريق على تحول السلوك اليوناني إلى مثال يقتدى به، ليس فحسب في بلدان الجنوب الأوروبي، أي اسبانيا (حيث يسيطر حزب «بوديموس» أو «بإمكاننا» اليوم على بلديتي مدريد وبرشلونة، وهو يشبه «سيريزا» اليوناني في وجوه كثيرة) والبرتغال وحتى ايطاليا، بل وصولاً إلى سائر القارات، حيث تواجه دول ومجتمعات كثيرة دائنين من طراز دائني اليونان، ويُطلب منها تطبيق خطط إعادة هيكلة وتقشف مشابهة.

… ثم إن «أوروبا» نفسها ولدت في الميثولوجيا اليونانية، كابنة لملك صور وأخت لقدموس لقيها الإله زوس على شاطئ صيدا فاختطفها وتزوجها…

الحياة

 

 

 

 

اقتصاد السوق وأشعة X

صبحي حديدي

«هل سينهار كلّ شيء خلال عشر سنوات؟»، هكذا سار عنوان كتاب صدر قبل خمس سنوات، بتوقيع رجل غير عادي، هو الفرنسي جاك أتالي: المراقب الحصيف لمشهد العولمة الراهن (أي: خرائط التأزّم الاقتصادية والجيو ـ سياسية)؛ الذي كان مستشاراً وكاتم أسرار في حاشية الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتيران، فانكشف أمامه الكثير من خفايا السياسة الدولية، خصوصاً في طور انهيار المعسكر الاشتراكي؛ ثمّ الاقتصادي البارز، الذي شغل منصب المدير العام لأوّل بنك أوروبي موحّد، وُضع تحت تصرّف وإدارة الاتحاد الأوروبي…

كانت سنتان قد انصرمتا على العاصفة المالية الكونية، حين صدر كتاب أتالي، وها أنّ خمس سنوات قد مضت بعد صدوره، فبدا أنّ أزمة اليونان الراهنة ـ وبعدها، حين ستكرّ السبحة، أزمات إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وإيرلندا وأيسلندا… ـ أنصفت معظم أطروحات الكتاب، حتى قبل مضيّ السنوات العشر. كأنّ القارىء الفرنسي كان متعطشاً إلى ما حمله الكتاب من نبوءات كارثية، فباعت الطبعة الأولى عشرات آلاف النسخ؛ خاصة وأنّ توقيت نشرها كان حاسماً تماماً، من حيث التناغم مع حال الرعب العامة، الجَمْعية على نحو أو آخر، إزاء مآزق الاقتصادات الغربية، في المصارف والبورصات، كما في خزائن الدول وديونها العامة.

الدَيْن العامّ في البلدان الغربية الكبرى لم يبلغ هذه المستويات الهائلة إلا في طور الحرب الكونية، حسب رأي أتالي، وبالتالي لم تكن عواقبه على هذه الدرجة من الخطورة في أي يوم، بصدد سيرورة الأنظمة الديمقراطية ذاتها. ولهذا فإنّ العواصف المقبلة، حسب نبوءات أتالي، سوف تكون عاتية على أنظمة الديمقراطية، بالتوازي مع اقتصاداتها السياسية، أو حتى قبلها أيضاً؛ وعلى مفهوم السيادة الوطنية، ليس في قطاعات التخطيط والتنمية والاستثمار وحدها، بل في القرارات الوطنية الكبرى كذلك. الأدهى أنّ مسألة الدين العام هذه لا تكفّ عن التفاقم، بمتواليات تكاد تفلت من كلّ منظومة حسابية، فتخلق التضخم وعجز المدفوعات وضعف القدرة الشرائية، وصولاً إلى الركود بمختلف أنساقه.

وهكذا فإنّ أبسط صورة بأشعة X ، يخضع لها جسم اقتصاد السوق في منطقة اليورو، سوف تكشف أعراض اعتلال عميق في الجسد ذاته، وليس على جلده وقشرته الخارجية فقط؛ وسوف تحدّد، بوضوح صاعق، أخطار الانهيارات التي تتراكم كلّ يوم، وتستفحل محلياً، قبل أن تنتقل إلى أكثر من جوار. ما يتناساه أتالي في المقابل، عن سابق عمد أغلب الظنّ، أنّ القسط الأعظم من جوهر هذا التأزم يخصّ الاجتماع الاقتصادي الفعلي، وحياة البشر اليومية، ومعيش الفئات الفقيرة والوسطى، ومفاعيل البطالة، وانكماش سوق العمل، والغلاء، وتخبّط أنماط الضمان الاجتماعي، وعشرات المشكلات الأخرى، الصغرى والكبرى.

وهذه مسائل صراع طبقي في نهاية المطاف، أياً كانت الأسئلة التي تُطرح على هذا المصطلح القديم، وأياً كان الاتفاق أو الاختلاف حول مضمونه الراهن، في كونه صراعات تناحرية شرسة، لا تتقادم بمعنى الانطواء، بل تتجدد بمعنى اكتساب محتويات راهنة فعلية. وإذا كان أتالي يتعمد إنكار هذه الحقيقة، أو يتجاهلها تماماً ويتغافل عن آثارها، فإنّ سواه من منظّري الاقتصاد، وعلى شاكلته في الهوى النيو ـ ليبرالي، توقفوا عن الاقتداء بخيار النعامة، وأخرجوا الرؤوس من الرمال، لإبصار الواقع على حقيقته، وفي ضوء وقائعه الصارخة.

وتلك خلاصات تعيد المشهد إلى ما هو أعمق، وأبعد أثراً، من نبوءات أتالي وأمثاله، لأنها تتجسد يومياً في حياة،ـ ثمّ مأساة، الملايين؛ في اليونان اليوم، وفي اقتصادات سوق عديدة غداً؛ وما أدنى ذلك الغد!

القدس العربي

 

 

 

 

أزمة اليونان ستدفع الاتحاد الأوروبي نحو اندماج أفضل/ د. حسين مجدوبي

بدأت السوق الأوروبية المشتركة في الخمسينيات بتعاون اقتصادي بين فئة صغيرة من الدول على رأسها فرنسا والمانيا بهدف تجاوز أحقاد الماضي المرتبطة بالحرب العالمية الأولى والثانية وتعزيز الوحدة السياسية للقارة الأوروبية. وتعتبر العملة الموحدة اليورو القفزة الثانية لهذا التجمع الذي أصبح يسمى الاتحاد الأوروبي، لكن الأزمة اليونانية تضع اليورو سياسيا محل تساؤل حول مستقبله وبالتالي الوحدة السياسية على المحك. وبين مشاعر القلق، هناك ميل إلى الاعتقاد بعدم مغادرة اليونان اليورو بل عمل الاتحاد الأوروبي على إصلاح خلل الاندماج المالي.

ويعتبر الاقتصاد عاملا رئيسيا في التنافس والتوتر وكذلك في الوحدة في العلاقات الدولية. ومن أجل استكمال التكامل الاقليمي وتعزيز التكتلات تطمح الدول إلى الوحدة السياسية ولكنها تبدأ بالاقتصاد. وتعتبر تجربة الاتحاد الأوروبي رائدة، فهي أول تجربة خلال القرنين الأخيرين انتقلت بوحدتها السياسية إلى عملة موحدة بعد وحدة الولايات الأمريكية التي أعطت الولايات المتحدة الأمريكية وعملتها الدولار، وتجارب أقل بروزا في القارة الأمريكية مثل الولايات المتحدة المكسيكية أو فدراليات الأرجنتين.

وهكذا، فالأزمة اليونانية تحمل شقا ماليا لأنه المحور الحالي للمفاوضات ولكنها تحمل في الوقت ذاته وهو الأهم شقا سياسيا حول تأثير اليورو على الوحدة السياسية وقبلها مستقبل اليورو خاصة في مواجهة الدولار.

في الوقت الذي تستمر فيه الأزمة اليونانية تتفاعل لا يبدو أنها تحمل تأثيرات ملحوظة على مستقبل اليورو لسبب بسيط، هو أن اقتصاد اليونان صغير الحجم وسط العائلة الأوروبية لا يمكن مقارنته باقتصاد فرنسا أو المانيا أو حتى اسبانيا، ولا يشكل سوى 2٪ من الناتج الإجمالي للاتحاد الأوروبي. وعليه، فالأزمة اليونانية لم تلق بتأثيرات قوية على اليورو حتى الآن.

ونظرا لصغر الاقتصاد اليوناني الذي لا يتجاوز إنتاجه العام 242 مليار دولار سنويا، فبعض الحكومات الأوروبية وتحت ضغط ما هو آني  تعتبر خروج اليونان من العملة الموحدة اليورو قد يكون في صالح هذه العملة لأنها سيجعلها مستقرة وسيجعل باقي الدول مثل إيطاليا والبرتغال واسبانيا لا تعاني من فوائد مرتفعة خلال الحصول على قروض جديدة. وهو ما يفسر موقف رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي بأن نجاح «لا» في استفتاء اليونان يجب أن  يترجم إلى مغادرة اليونانيين اليورو. تصريح جرّ عليه الكثير من الانتقادات لأنانيته وغياب حس الوحدة فيه.

وعمليا، تسببت الأزمات التي شهدتها دول جنوب أوروبا وعلى رأسها اليونان في فقدان اليورو أكثر من 30٪ من قيمته خلال السنة ونصف الأخيرة مقابل باقي العملات وأساسا الدولار. وفي الوقت الذي يعتبر فيه بعض المحللين الماليين التراجع علامة ضعف لليورو، يرى آخرون أن الأمر يتعلق بعودة طبيعية لليورو إلى قيمته الحقيقية التي كان عليها ما بين سنتي 2002 و2004، أي يعادل الدولار.

ولا يمكن فصل النمو الاقتصادي لدول جنوب أوروبا مثل اسبانيا التي ستحقق أكبر معدل نمو في الاتحاد الأوروبي السنة المقبلة بما يناهز 3٪ عن تراجع قيمة اليورو الذي ساهم في ارتفاع صادرات اسبانيا وجلب السياح والتقليل من الواردات، وهو ما تشهده باقي دول جنوب أوروبا.

واتخذ البنك المركزي الأوروبي كل الاحتياطات الضرورية واللازمة لتفادي تأثيرات سلبية كبيرة في حالة انسحاب اليونان من اليورو، فهي ستكون عملية انسحاب مرتب لها وليس فجائية. ويبقى تخوف البعض من احتمال ارتفاع صاروخي لليورو مجددا تحت ذريعة مغادرة عضو فقير حظيرة العملة الموحدة. وارتفاع اليورو سيضر باقتصاديات باقي دول أوروبا ومنها الجنوبية على الخصوص، حيث قد تتقلص الصادرات مجددا. وليس مفارقة غريبة أن يكون ارتفاع اليورو إلى قرابة 40٪ من قيمة الدولار قد تزامن مع أكبر أزمة اقتصادية شهدها الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية وفاقم هذا الارتفاع من الأزمة.

وفي الواقع وعلى المدى البعيد، مستقبل اليورو لا يطرح على المستوى المالي وإنما على المستوى السياسي وخاصة حلم الوحدة الأوروبية في مواجهة التكتلات الآخذة في التبلور في مناطق متعددة من العالم. والحديث عن الجانب المالي بإسهاب كبير إلى مستوى المبالغة هو نتاج التعاطي المكثف لوسائل الإعلام وخاصة الاقتصادية منها المرتبطة باليومي وما يتعلق من ارتفاع وتراجع فوائد الربح والبورصات، بينما مراكز التفكير الاستراتيجي ترى اليورو من زاوية مدى تأثيره، سواء سلبا أو إيجابا على الوحدة الأوروبية وقدرتها على المساهمة في صنع القرار الدولي.

وتعتبر العملة الموحدة حلم الآباء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، حيث كان لهم هدف واضح في الأجندة السياسية وهو بناء وحدة سياسية تجنب القارة حروبا بين أعضائها كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية من جهة، وتمنح للقارة موقعا في الخريطة جيوسياسية عالميا. وتطلب الوصول إلى العملة الموحدة قرابة خمسة عقود بعد اللبنات الأولى للاتحاد الأوروبي (السوق الأوروبية المشتركة في البدء).

وبعد قرابة ثلاثة عقود من التأسيس، تبنى الأوروبيون «الوحدة النقدية الأوروبية سنة 1979 والتي تعرف بحروفها الللاتينية ECU « وكانت تفيد في إرساء استقرار الصرف بين مختلف عملات الدول الأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة وقتها. وجاء تعويضها سنة 1999 رسميا بالعملة الموحدة اليورو، وقبلها كانت عملية تحول السوق المشتركة إلى الاتحاد الأوروبي. وأصبح المواطنون الأوروبيون يتعاملون باليورو ابتداء من فاتح كانون الثاني/يناير 2002.

ولمعرفة القيمة جيومالية أو جيواقتصادية لليورو، فهو يستعمل من طرف 19 دولة في الاتحاد الأوروبي وتحول إلى العملة الثانية في العالم بعد الدولار. لكن قوته المالية لا تعادل قوته السياسية على المستوى الدولي والتي تبقى ضعيفة.

وتاريخيا، تعتبر العملة عنوانا للقوة السياسية، فقد سيطر الجنيه الإسترليني على الأسواق العالمية عندما كانت بريطانيا إمبراطورية لا تشرق عليها الشمس، وعندما تحولت الولايات المتحدة إلى القوة العالمية الأولى عسكريا وسياسيا بعد الحرب العالمية الثانية، رافق هذا، تحول الدولار إلى العملة الأقوى عالميا إلى يومنا هذا.

وتحاول دول البريكس المكونة من روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب افريقيا التقليص من هيمنة الدولار لأنه سيشكل المدخل لضرب الهيمنة الأمريكية على العالم. وخلال قمة أوفا في روسيا التي جمعت هذا الأسبوع الجاري زعماء هذه الدول جرى الاتفاق على إرساء معايير التبادل بالعملات الوطنية في المبادلات التجارية بين الدول الخمس على شاكلة الوحدة النقدية الأوروبية السابقة لليورو، إن كان الوصول إلى عملة موحدة في حالة البريكس مستبعدا جدا. وكتبت صحافة هذه الدول خلال هذه الأيام بكثرة عن ضرب الدولار.

وتعمل دول أمريكا اللاتينية على تعزيز الاندماج المالي ومنها الرهان مستقبلا على عملة موحدة، لوعيها عدم التقدم بدون عملة واحدة تجمع اقتصاديات المنطقة إقليميا.

ونظرا لرمزية العملة الموحدة في التعبير عن مختلف مظاهر قوة دولة أو تكتل دول، من الصعب تفريط الاتحاد الأوروبي في خروج اليونان من العملة الموحدة اليورو. فدول مثل فرنسا وإيطاليا وبلجيكا تعمل المستحيل لبقاء اليونان. وبدل إضعاف اليورو، تساهم الأزمة الاقتصادية اليونانية في دفع الاتحاد الأوروبي إلى إصلاح خلل الاندماج المالي مستقبلا للحفاظ على العملة.

ولهذا، فبعض مراكز التفكير الاستراتيجي في اسبانيا وفرنسا وحتى المانيا تعتبر الأزمة الحالية، واحدة من الأزمات التي واجهها الاتحاد الأوروبي في الماضي مثل أزمة الدستور الأوروبي منذ سنوات، ليضع لبنات جديدة نحو تعزيز وحدته ليتموقع في الساحة الدولية إلى جانب الولايات المتحدة ودول البريكس.

القدس العربي

 

 

 

 

 

الأزمة الاقتصادية اليونانية بعيون ألمانية/ علاء جمعة

برلين ـ «القدس العربي»: تنحو العلاقات الألمانية اليونانية منحى متوترا. فالبرغم من الاهتمام الألماني الحكومي والشعبي بإيجاد حل للأزمة الاقتصادية اليونانية التي ألقت بحملها الثقيل على منطقة اليورو، يجد اليونانيون أنفسهم في موقف مذل من كثرة إملاءات الدول المانحة وهو ما أدى إلى رفض خطة الاصلاح الأخيرة عبر الاستفتاء الشعبي الأخير.

وبالرغم من التدخل الأوروبي الواسع من أجل ايجاد حلول للأزمة اليونانية يرى المراقبون أن المانيا كان لها الدور الأبرز في تحفيز الدول المانحة وتوفير مظلة الأمان الأوروبية. وهو ما دلل عليه وزير المالية اليوناني المستقيل في أقوال له لصحيفة «داس بيلدا» لالمانية أن «مفتاح حل» الأزمة المالية التي تعصف ببلاده موجود لدى المستشارة الألمانية انغيلا ميركل. وقال الوزير اليوناني أن من بين الزعماء الأوروبيين الذين يبذلون الجهود من أجل اليونان يبقى مفتاح الحل بيد ميركل وآمل أن تستخدمه.

ومن ناحيتها اعتمدت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل نهجا متصلبا في المفاوضات مع اليونان حول تعويم الأزمة إلى حد المجازفة بخروج هذا البلد من منطقة اليورو الذي يمكن ان يعتبر فشلا لها كما يرى محللون. وبعد الرفض الواضح لمقترحات الجهات الدائنة من قبل الشعب اليوناني في استفتاء الاحد الماضي، أغلقت المستشارة الألمانية الباب أمام المفاوضات حول خفض الدين اليوناني وهو المطلب الرئيسي لرئيس الحكومة اليوناني الكسيس تسيبراس مقابل اجراء اصلاحات، فيما يبدو حتى الآن ان بامكان الحكومة اليونانية وحدها تجنب هذا السيناريو من خلال الاستجابة لمطالب دائنيها (الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) باجراء اصلاحات صارمة بالرغم من الرفض الشعبي.

وفي هذا السياق لفت الخبير جوليان رابولد من المعهد الألماني للسياسة الخارجية في برلين إلى ان «بقاء اليونان في منطقة اليورو كان عنصرا آساسيا في سياستها لمواجهة الآزمة في السنوات الخمس الأخيرة»، وفق مبدأ التضامن مع البلدان التي تمر بصعوبات مقابل الالتزام بتدابير تقشفية، واعتبر «ان خروج اليونان من منطقة اليورو سيعني فشل السياسة التي تنتهجها حتى الآن» و»ستدخل (المستشارة) في التاريخ على انها هي التي طردت اليونان».

ويصعب توقع عواقب سيناريو كهذا. صحيح ان خطر مفعول الدومينو يعتبر في برلين ضعيفا بالنسبة لبلدان أوروبية أخرى بسبب تعزيز بنى العملة الواحدة منذ 2012. كما ان هناك ثمة تأكيدا أيضا على ان اليونان «حالة فريدة» لكن هناك اجماعا أوروبيا على وجود خطر حتى على بقاء اليورو، الارث السياسي للمستشار الذي أعاد توحيد المانيا هلموت كول والذي لا تود ميركل تبديده كذلك قد تلحق أضرارا أيضا بعلاقة برلين مع حلفائها الرئيسيين مثل فرنسا والولايات المتحدة اللتين تمارسان ضغوطا من أجل تفادي هذا «السيناريو الأسود».

ورأى رئيس المعهد الألماني للدراسات الاقتصادية (دي آي في) مارسل فراتشر في مقالة نشرتها صحيفة «داي فيلت» الاربعاء «ان المانيا ستدفع ثمنا سياسيا باهظا، وخروج اليونان سيعتبر في أوروبا وفي العالم بمثابة فشل للسياسة الألمانية».

وكانت ميركل قد كررت مرارا القول خلال الأزمة أن «فشل اليورو، (يعني) فشل أوروبا» أمام رأي عام الماني مشكك بضرورة دعم اليونان ماليا. وفي الأيام الأخيرة حورت وسائل إعلام عديدة شعارها إلى «فشل اليورو (يعني) فشل ميركل».

من جهتها نشرت مجلة «دير شبيغل» على صفحتها الاولى صورة مركبة للمستشارة وهي جالسة بين انقاض أعمدة يونانية. وكتبت المجلة «تجد نفسها من الآن فصاعدا أمام أنقاض سياستها الأوروبية». وهذه المجلة غالبا ما تستخدم لهجة لاذعة ازاء ميركل آخذة عليها انها تركت الأزمة تتراكم خلال أعوام في غياب قرار بشأن حل دائم: إما الخروج من منطقة اليورو أو إعادة هيكلة الديون.

وبات الرأي العام وغالبية وسائل الإعلام الألمانية تؤيد خروج اليونان من منطقة اليورو وتحمل اثينا وزر ذلك. وطالبت صحيفة «بيلد» الأوسع انتشارا في أوروبا الاربعاء بانهاء المفاوضات على الفور. وأمس أظهرت ميركل على صفحتها الأولى تعتمر خوذة بروسية قديمة وهي تقول «لا مليارات جديدة لليونان. اننا بحاجة اليوم للمستشارة الحديدية».

كما أجمعت استطلاعات الرأي الأخيرة على إعطاء وزير المالية فولفغانغ شويبله وحزب ميركل الاتحاد المسيحي الديمقراطي شعبية قياسية بفضل نهجهما المتشدد. وفضلا عن ضغط الرأي العام الألماني تواجه المستشارة صعوبات كبيرة في اقناع نواب البوندستاغ بالموافقة على تسوية مع اليونان كذلك تمارس دول أخرى في منطقة اليورو مثل النمسا وفنلندا وهولندا وسلوفاكيا ضغوطا كي تبقى برلين حازمة. وتعتبر المستشارة ميركل ان التراجع أمام تسيبراس من شأنه ان يشجع اليسار الراديكالي في بلدان أخرى مثل اسبانيا.

من جهته صرح وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله في مقابلة صحافية إن أي خروج لليونان من منطقة اليورو قد يكون مؤقتا فحسب، وأوضح شيوبله في مقابلة مع صحيفة «بيلد» الواسعة الانتشار أن «اليونان عضو في منطقة اليورو. ليس هناك شك في ذلك. سواء مع اليورو أو دونه بشكل مؤقت.. اليونانيون فحسب هم من يجيبون على هذا السؤال. والواضح أننا لن نترك الشعب في وضع حرج». كذلك أكد سيغمار غابرييل نائب المستشارة الألمانية غداة الاستفتاء في اليونان، ان قادة منطقة اليورو سيبحثون في تقديم مساعدة إنسانية لليونان.

وقال غابرييل وزير الاقتصاد الاشتراكي الديمقراطي في حكومة انغيلا ميركل «ان الناس هناك بحاجة للمساعدة وينبغي علينا الا نرفضها لهم لمجرد اننا غير مسرورين من نتيجة الاستفتاء». وأضاف «لا يجوز ان نتخلى عن اليونان، (بل) يتوجب على جميع الدول الأوروبية ان تكون مستعدة لمنح مساعدة إنسانية، بدون توضيح طبيعة هذه المساعدة المحتملة».

إلا أن مراقبين يرون أن برلين قضت على آمال رئيس الوزراء اليوناني الكسيس تسيبراس بالتوصل سريعا إلى اتفاق لاستئناف تمويل بلاده عندما أكدت في وقت سابق أن شروط معاودة التفاوض لم تتوافر بعد. وبالرغم من قرار رئيس الحكومة تسيبراس بالتضحية بوزير ماليته يانيس فاروفاكيس قبل انعقاد قمة فرنسية المانية حاسمة في باريس فان برلين لم ترض.

وبعد استقالة الوزير الأكثر رمزية والأكثر إثارة للجدل في الحكومة اليسارية الراديكالية، ذكرت برلين بان ما هو أساسي في المحادثات بين اثينا ودائنيها (الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) هو «المواقف وليس الأشخاص» وان «الشروط لمفاوضات حول برنامج مساعدة جديد» لم تتوافر بعد. كما اعتبر ستيفن سايبرت المتحدث باسم المستشارة الألمانية ان استفتاء الأحد هو «رفض للمبدأ الذي قاد المساعدات للبلدان (الأوروبية التي تمر بصعوبات)، والمبدأ القائل بضرورة التضامن والجهود».

وتبدو المانيا غير مستعدة للبحث في إعادة هيكلة الدين اليوناني الضخم كما أن التضامن الشعبي مع اليونان يتضاءل أكثر فأكثر، لكن هذا المطلب اليوناني الملح كرره تسيبراس بعد الرفض الكثيف بأكثر من 61٪ لآخر خطة عرضها الدائنون وطرحتها حكومته للاستفتاء الاحد الماضي. وبدون دفع اليونان إلى خارج منطقة اليورو، تعتبر برلين ان على اثينا ان تبذل كل المساعي لتبقى عضوا في التكتل النقدي.

وتبقى الأنفاس مشدودة بعد تقديم أثينا لمقترحات جديدة تتضمن المزيد من الاعفاءات مع تخصيص مبلغ جديد لدعم الاقتصاد اليوناني المنهار. حيث يدرس البرلمان اليوناني وقادة منطقة اليورو الأوروبيون ملف الإصلاحات المطلوب والمقترح لحل أزمة ديون اليونان . وعلى ضوء التصويت في البرلمان سيكون بوسع الحكومة التفاوض على رزمة الإصلاحات الجديدة وتدعو اليونان في نص مقترحاتها إلى حل «لتسوية» دينها العام الهائل البالغ 320 مليار يورو ما يوازي 180٪ من إجمالي ناتجها الداخلي، إضافة إلى «رزمة قدرها 35 مليار يورو» تخصص للنمو.

وفي الوثيقة الواقعة في 13 صفحة بعنوان «الإجراءات ذات الأولوية والالتزامات» تتعهد الحكومة بإقرار قسم كبير من الإجراءات التي اقترحها الدائنون في 26 حزيران/يونيو ورفضها اليونانيون في استفتاء نظم الأحد الماضي.

القدس العربي

 

 

 

 

 

 

فرنسا تبحث عن حلول سحرية لأزمة اليونان أولاند.. ميركل.. تسيبراس.. صراحة اقتصادية

باريس ـ «القدس العربي»: حينما سارع الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى وصف المقترحات الأخيرة المقدمة من اليونان للتوصل إلى اتفاق مع الجهات الدائنة بالجدية وذات مصداقية، فإنه فعل ذلك وهو يسعى إلى تهدئة مخاوف الفرنسيين وقلقهم من تداعيات الهزة المالية المقبلة من أثينا على اقتصاد بلدهم وبالتالي على حياتهم اليومية وقدرتهم الشرائية.

وقال الرئيس الفرنسي الذي اتهمته المعارضة اليمينية في بلاده بممارسة دور ضعيف في الأزمة وخضوعه لإملاءات المستشارة الألمانية، إن اليونانيين قد أظهروا تصميما للبقاء في منطقة اليورو بعد أن قدموا برنامجا جادا وله مصداقية وسيقومون بعرضه على البرلمان، مؤكدا أن هذا سيتطلب قوة والتزاما وشجاعة بهدف التوصل إلى اتفاق يراعي الــقـواعد الأوروبية والشعب اليوناني على حد تعبيره.

وتضمنت خطة الإصلاحات اليونانية الجديدة التي عرضت أمام البرلمان في أثينا 12 حلا للأزمة، يتمثل في زيادة قيمة الضريبة المُضافة، الغاء الامتيازات الضريبية للجزر، وزيادة ضرائب أخرى، إصلاح نظام التقاعد، خفض النفقات العسكرية، ازالة الضوابط عن بعض النشاطات المهنية، التهرب الضريبي، إصلاح الإدارة، عمليات الخصخصة، أهداف الميزانية، الدين العام، تحفيز الانتعاش الاقتصادي.

وسارعت الجمعية العمومية الفرنسية (البرلمان) إلى عقد جلسة استثنائية مخصصة بالكامل لبحث تداعيات الأزمة اليونانية على الاقتصاد الفرنسي بعد النتيجة التي أفرزها استفتاء اليونان الرافضة لشروط الدائنين الدوليين، حيث أصر نواب المعارضة اليمينية ومعهم نواب من الأغلبية الحكومية واليسار الفرنسي على عقدها لمساءلة رئيس الحكومة بشأن السياسة المزمع اتباعها بعد أن ظهر رئيس البلاد – من وجهة نظرهم – بموقف ضعيف أمام ما وصفوها بإملاءات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وتعنتها تجاه مطالب اليونان واستئناف مفاوضات جديدة مع أثينا.

وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد قامت بزيارة خاطفة إلى قصر الإيليزيه في باريس للاجتماع بالرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عشية القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل لمناقشة الأزمة، وهي الزيارة التي استغلتها ميركل لتعلن من باريس أن شروط مفاوضات جديدة مع أثينا لم تنضج بعد، في إشارة إلى مضمون مكالمة هاتفية جمعت الرئيس أولاند برئيس الحكومة اليونانية أليكسيس تسيبراس ساعات قليلة قبل وصول المستشارة الألمانية إلى فرنسا، حيث وعد أولاند مخاطبه اليوناني بالعمل على فتح مفاوضات جديدة على شروط الديون اليونانية تشمل التفاوض على قرض طارئ لأثينا بقيمة ثلاثين مليار يورو قبل نهاية الشهر.

ورغم أن جلسة البرلمان الفرنسي الطارئة بخصوص الأزمة اليونانية اكتفت بمسائلة رئيس الحكومة بخصوص توجهات فرنسا العامة تجاه ما يجري ويدور في اليونان وتداعيات احتمال خروجها من منطقة اليورو على الاقتصاد الفرنسي ولم تطرح فيها الخطة الحكومية للتصويت إلا أن رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس أعلن من خلالها أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق مع اليونان بخصوص ديونها، فإنه سيعرض الخطة الجديدة التي ستقدمها أثينا بشأن تسوية ديونها، للتصويت في الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان).

وقال فالس إن إبقاء اليونان في منطقة اليورو مسألة استراتيجية بالنسبة لبلاده ولأوروبا، مؤكدًا أن فرنسا تعارض خروج اليونان من منطقة اليورو، وأنها ترى خروجها «مؤشر ضعف» مؤكدا في الوقت ذاته أن بلاده ستعمل كل ما بوسعها لتمكين اليونان من اتحاذ قرار صائب، وفق تعبيره.

وكان رئيس الحكومة الفرنسية يرد في ذلك على مجموعة تصريحات صادرة عن زعماء المعارضة اليمينية في مقدمتهم وزير الخارجية الفرنسي في عهد ساركوزي المخضرم آلان جوبي الذي دعا صراحة إلى مساعدة اليونان على ترتيب خروجها من منطقة اليورو بسلام على حد قوله، وهو رأي تقاسمه معه نواب وقياديون في حزب الرئيس الفرنسي نفسه.

وفيما سخر معارضو الرئيس الفرنسي من عدم تعاطي المستشارة الألمانية مع اقتراحه حذف جزء من الديون عن اليونان، سارع خمسة من كبار الاقتصاديين على رأسهم بروفيسور الاقتصاد الفرنسي توماس بيكتي، إلى مكاتبة ميركل مطالبينها بألا تنسى تاريخ ألمانيا مع اليونان، ومذكرين إياها بما حصل في مؤتمر لندن الشهير عام 1953، حين أسقطت أثينا نصف ديونها تقريبا على ألمانيا، وطالبوها بامتلاك الشجاعة واتخاذ القرار نفسه خاصة أن برلين بمعية باريس تعتبران أكبر الدائنين لليونان بحجم ديون بلغت أكثر من 57.23 و 42.98 بليون يورو على التوالي لكل منهما.

ويواجه الرئيس الفرنسي معارضة قوية أيضا من اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان التي ما فتئت تدعو إلى خروج فرنسا من منطقة اليورو والعودة إلى العمل بالفرنك الفرنسي ومحاسبة الرئيسين السابق نيكولا ساركوزي والحالي فرانسوا أولاند على ما أسمته منح أموال دافعي الضرائب في فرنسا وتسليمها إلى دول أوروبية أخرى كاليونان لسداد ديونها معتبرة ذلك خيانة عليا لمصالح فرنسا والشعب الفرنسي.

ويحاول الرئيس الفرنسي جاهدا إقناع شركائه الأوروبيين في مقدمتهم المستشارة الألمانية بمنح قرض طارئ لليونان وهو ما فشل فيه حتى الآن، خاصة وأن أثينا تخلفت عن سداد نحو 1.5 مليار يورو لصندوق النقد الدولي كان يفترض أن تسدد بحلول الـ 30 من شهر حزيران/يونيو المنصرم.

وتقول تسريبات الرئاسة الفرنسية أن الرئيس أولاند وخلال مكالمته الهاتفية مع رئيس الحكومة اليونانية اليكس تسيبراس طالبه هذا الأخير بمساعدة في الضغط على المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لتلين من مواقفها المتشددة، فرد عليه الرئيس أولاند قائلا «ساعدني حتى أساعدك» وهو ما يعكس شساعة الخلاف المالي بين برلين وأثينا وصعوبة دور باريس في التوفيق بينهما وتقريب وجهات النظر.

ورغم تلميح الرئيس الفرنسي إلى ضرورة تخفيف ديونان من دائنيها كخطوة لابد منها من أجل مساعدة أثينا على البقاء في منطقة اليورو، إلا أن استطلاع رأي أجري في فرنسا كشف أن أكثر من ثمانين في المئة من الفرنسيين يعبرون عن رفضهم لإسقاط بلادهم ديونها المستحقة على اليونان بشكل أحادي خاصة في حال غياب مبادرة مماثلة من قبل ألمانيا.

وسارعت الحكومة الفرنسية بعد نتائج الاستطلاع إلى الإعلان على لسان وزير الدولة الفرنسي لشؤون الميزانية كريستيان ايكير ان فرنسا واضحة في رأيها بأن ديونها المستحقة على اليونان لن يتم الغاؤها، مؤكدا ان موقف بلاده واضح بشأن الاعفاء من الديون. وأضاف: «لن يكون هناك أي اعفاء».

ويبلغ حجم قروض فرنسا المستحقة على اليونان  حوالي 41 مليار يورو (46.58 مليار دولار).

وتتركز الخلافات بين المانيا واليونان بشكل خاص على خطط التقشف التي بات يلفظها اليونانيون وعبروا عن ذلك صراحة من خلال نتيجة التصويت على الاستفتاء المثير للجدل، وتشمل بالتحديد خفض الانفاق، والضريبة على القيمة المضافة ومعاشات التقاعد التي تقول اليونان إنها باتت تفوق طاقتها بعد برنامجي انقاذ عقابيين منذ عام 2010 بقيمة 240 مليار أورو.

ونظام التقاعد في اليونان من العقبات الرئيسية التي تتعثر عندها المفاوضات مع نطاق تطبيق الضريبة على القيمة المضافة. كما يبدي الدائنون قلقهم من عواقب التدابير الضريبية التي اقترحتها أثينا والتي تستهدف الشركات على خلفية ضعف النمو الاقتصادي. وعجزت أثينا عن سداد المبلغ المذكور لسبب أرجعته إلى ما وصفتها بخزينتها الفارغة، ما سيجعل من الحيوي أن تحصل على 7.2 مليارات يورو من دائنيها – الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي- حتى تتمكن من سداد الدين لصندوق النقد، وتفادي خطر الخروج من منطقة اليورو.

وتقول حكومة تسيبراس إنها قدمت حتى الآن عددا كبيرا من التنازلات وطرحت مجموعة متكاملة من المقترحات التي تجمع بين خفض الإنفاق وارتفاع العائدات والإصلاحات البنيوية، وبعض وزرائها لا يستبعدون إجراء مزيد من التعديلات بعد أسبوع على قيام المدخرين اليونانيين بتسريع سحوباتهم المصرفية.

القدس العربي

 

 

 

 

 

الولايات المتحدة تلعب دور المتفرج في الدراما اليونانية/ رائد صالحة

واشنطن ـ «القدس العربي»: تفضل إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما البقاء على هامش الكارثة اليونانية المالية التى يمكن ان تقلب الأسواق المالية في العالم رغم دخول الأزمة في منعطف هام حيث رفض الناخبون في البلاد خطة انقاذ جديدة من شأنها تقديم جولة أخرى من الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي بشرط اتخاذ تدابير تقشف إضافية.

واكتفى المسؤولون الأمريكيون بمشاهدة الدراما التي تجري عبر المحيط الأطلسي رغم أخطار الملحمة الاقتصادية التي قد تؤدى إلى قلب الاتحاد الاقتصادي الأوروبي ورمي الأسواق المالية في حالة من الفوضى.

وقال السكرتير الصحافي للبيت الأبيض جوش ارنست ان القادة اليونانيين والأوروبيين يجب ان يستمروا في العمل نحو إيجاد حل وسط مع الإشارة إلى وجود خلافات كبيرة بين الجانبين ولكن الولايات المتحدة في الواقع لم تقم بأي دور في هذه المسألة غير هذا الالحاح. وأضاف ارنست للصحافيين: «مسؤولية حل الأزمة تــقـع على عــاتق أوروبا في نهاية المطاف».

وقد قرر أكثر من 60 في المئة من الناخبين اليونانيين رفض حزمة المساعدات التي رفضها، أيضا بعض أعضاء الحكومة ولكن مفاجأة القرار تركت قادة أوروبا بدون خطة، كما ارتفعت احتمالات خروج اليونان من منطقة اليورو بشكل غير مسبوق، وقرر البنك اليوناني المركزي اغلاق البنوك لعدة أيام في حين أعلن البنك الأوروبي انه لن يتم زيادة الائتمان للبلاد كما وضع ضغوطا إضافية على الموارد المالية المتعثرة في اليونان.

واستقال وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس بشكل مفاجئ بعد إعلان نتائج الاستفتاء، فقد كان من أشد منتقدي تدابير التقشف التي طالبت بها أوروبا وخاصة المانيا، أما المؤشرات الأولية من المسؤولين الدوليين فقد تمثلت في محاولات معرفة الخطوة المقبلة بعد ان رفضت اليونان اقتراحاتهم السابقة وقالوا ان الخطوة المقبلة تقع على عاتق اليونان. وقالت كريستين لاغارد، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي ان الصندوق يراقب عن كثب الوضع وهو على استعداد لمساعدة اليونان إذا تمت مطالبته بذلك.

وابتعدت الولايات المتحدة تماما عن خضم الاضطراب عبر البحار وبقيت على هامش الأزمة، وفي أحسن الأحوال، حاولت القيام بدور استشاري لقادة العالم بحثا عن نوع من التسوية. ورغم إصرار إدارة اوباما من خلال التصريحات على فتح خطوط اتصال مع المسؤولين في الخارج إلا ان واشنطن في واقع الأمر قامت بتحركات فقيرة جدا لا تقارن مع صخب التعليقات.

وقد أكدت إدارة اوباما مرارا وتكرارا ان الولايات المتحدة لديها علاقات اقتصادية مباشرة محدودة مع اليونان لذلك فسيكون تأثير الانهيار محدودا جدا على الاقتصاد الأمريكي. والخبراء بدورهم أقل قلقا من تأثير الصراعات اليونانية على الاقتصاد العالمي ولكن خوفهم يتركز على حالة الفوضى والشكوك التي قد تصيب الأسواق المالية العالمية.

ويتفق المحللون الأمريكيون على ان مخاوف تأثير الديون اليونانية قد تبدأ في الانتشار في بعض الدول الأوروبية الأقل سلامة من الناحية المالية مثل اسبانيا والبرتغال ولكن هناك قلقا من انتشار العدوى مما قد يفجر أزمة مالية واسعة تؤدي إلى انهيار الأسواق وهو أمر سيكون محسوسا في الولايات المتحدة، وإلى حد ما كما يقول المحلل بيتر شرودر فقد تمكنت أسواق المال الأمريكية من السيطرة على الأمور حيث انتهى اليوم الأول من التداول في مؤشر جونز بعد الاستفتاء بإنخفاض لا يتجاوز 47 نقطة.

وقلل حاكم ولاية نيوجرسي كريس كريستي وهو واحد من المرشحين الجمهوريين لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة من مخاوف الأزمة اليونانية وسط التطورات الجديدة وقال انه لا يعتقد ان لها تأثيرا كبيرا على اقتصاد الولايات المتحدة ولكنه أكد في حديث مع برنامج «هذا الصباح» على شبكة «سي بي اس» ان تأثير الأزمة سيكون كبيرا جدا على أمريكا إذا أدت إلى انهيار الاتحاد الأوروبي.

وأدت العاصفة السياسية المحيطة بمتاعب اليونان إلى قليل من التموجات في الولايات المتحدة حيث أراد بعض الساسة في واشنطن استخدام محنة اليونان من أجل دفع خطط مماثلة للولايات المتحدة. وأشاد السناتور بيرتي ساندرز الذي يتبنى حملة ليبرالية رئاسية تقوم حل مشكلة عدم المساوة الاقتصادية بموقف الشعب اليوناني الذي رفض حزمة التقشف وقال: «في عالم تتفاوت فيه الثروة والدخل بشكل مذهل يجب ان تدعم أوروبا جهود اليونان لبناء اقتصاد قادر على خلق المزيد من فرص العمل والدخل وليس المزيد من البطالة والمعاناة». وفي الوقت نفسه، أشار الجمهوريون إلى مشاكل اليونان باعتبارها علامة تحذير وجادلوا بان الولايات المتحدة قد تواجه تحديات مماثلة اذا فشلت في كبح مشاكلها المالية.

واستغل حاكم ولاية اريزونا بوبي جندال الأزمة بالقول: «إذا رغبنا في نظرة خاطفة إلى مستقبل أمريكا مع هيلاري كلينتون أو بيرني ساندرز فعلينا النظر إلى ما يحدث في اليونان اليوم»، وأضاف «اليونان قدمت لنا الديمقراطية، والآن نشاهد كيف يمكن قتل الديمقراطية».

وأثار المحللون الأمريكيون الذين يراقبون المشهد اليوناني تساؤلات حول مدى قدرة رئيس الوزراء اليوناني على تقديم اقتراحات معقولة لأوروبا ومدى قدرته على التنفيذ حيث أشار الاستفتاء بما لا يدعو للشك ان الأغلبية الساحقة من الناخبين اليونانيين يعارضون زيادة التقشف المالي والاصلاح الاقتصادي الهيكلي. ووفقا لقول المحلل ديسموند لاشمان فان التصويت الساحق بلا في نهاية الاسبوع الماضي لا يترك مجالا للشك حول عمق الغضب الشعبي اليوناني من الأداء الاقتصادي الكارثي للبلاد تحت أداء الصندوق الدولي ووصاية الاتحاد الأوروبي، حيث شهد الاقتصاد اليوناني فترة من الكساد الاقتصادي على غرار تلك التي حدثت في الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن الماضي، وانخفض الإنتاج بنسبة 25 في المئة وارتفعت البطالة إلى أكثر من 25 في المئة.

والحقيقة المحزنة، من الناحية السياسية، كما يضيف لاشمان ان اليونان ليست في وضع يمكنها من تلبية ميزانية واملاءات الاصلاح الاقتصادي الهيكلي من دائنيها، والتظاهر بخلاف ذلك يعني الانخراط في عملية من خداع الذات، ولذلك يتعين على الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد التصالح مع حقيقة ان البلاد لم تعد قادرة على البقاء ضمن قيود اليورو، كما ينبغي التفكير في خطة أخرى قد تساعد اليونان على الخروج من اليورو بشكل منظم.

ولكي نشاهد الصورة الكبيرة بدقة أكثر فلا بد من التمعن قليلا بعيدا عن التجاهل الأمريكي الرسمي للمأساة الاغريقية الحديثة، حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2015 بسبب الضعف الاقتصادي الأخير في الولايات المتحدة وسط حالة من عدم اليقين في اليونان والصين. وفي حين تكافح اليونان من أجل البقاء في منطقة اليورو بينما تتراجع باستمرار سوق الأوراق المالية في الصين، فقد أشار صندوق النقد الدولي إلى ان الولايات المتحدة هي السبب الرئيسي للخفض، حيث انكمش الاقتصاد الأمريكي بالفعل في الربع الأول بسبب طقس الشتاء القارس وتعطل الموانئ على طول الساحل الغربي بسبب النزاعات العمالية ناهيك عن قوة الدولار التي تعيق التصدير.

القدس العربي

 

 

 

 

 أزمة اليونان ستدفع الاتحاد الأوروبي نحو اندماج أفضل/ إبراهيم درويش

طغى موضوع الديون اليونانية وموقف المقرضين من حكومة أليكسيس تسيبراس الرافضة لحزمة التقشف المقترحة لأخراج اليونان من أزمتها المالية، على النقاش السياسي والعام في أوروبا. ويكتسب الموضوع أهمية كونه يهدد مصير منطقة اليورو الاقتصادية ومصير أوروبا الموحدة. وكشف النقاش العام عن عدد من المستويات لفهم الحالة اليونانية المتداعية منذ عام 2010 وما قبلها والتي نتجت في جزء منها عن سوء إدارة الحكومات اليونانية للمساعدات التي جلبها انضمام بلادهم لمحور اليورو والطريقة التي تعاملت بها الدول الأوروبية مع الحالة اليونانية، حيث أنها لم تقم بوضع آليات لمعرفة كيفية إدارة الحكومة في أثينا حزمة المساعدات المالية وهو ما فاقم الأزمة وأدى بالوضع لحالة المواجهة الحالية. ولكن أزمة الديون اليونانية تكشف في جزء أكبر تكشف عن لعبة اللوم التي حمل فيها معلقون اليوناييين المسؤولية، وقالوا إنهم يستحقون ما جرى لهم. ونسي الكثيرون أن مظاهر الفرحة التي عمت اليونان بعد قرار اليونانيين بـ «لا» على الإستفتاء حول حزمة التقشف تخفي وراءها ردا على الإهانة التي شعر بها اليونانيون جراء الطريقة التي عوملوا بها من الترويكا ـ البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي والإتحاد الأوروبي.

في قلب النقاش كانت شخصية انجيلا ميركل المستشارة الألمانية، فهذه السياسية الباردة المشاعر، القادرة على ضبط نفسها والقوة الأولى في أوروبا، لم تنجح بمنع تطور الأزمة اليونانية لانها لم تكن مستعدة لتقديم تنازلات. ولعل خطأ ميركل كما أشارت «دير شبيغل» الألمانية كان تركها الأزمة تخرج عن الطور وتعاملها معها بالطريقة نفسها التي تعاملت فيها مع مشاكل ألمانيا الداخلية.

استقطاب

ومن هنا وبعد الإستفتاء وفي ضوء ما تقدمت به الحكومة اليونانية من خطة لأنقاذ البلاد من الإنهيار المالي الشامل وضمان عدم خروجها من منطقة اليورو وتوسع الشقة بين برلين وأثينا، تحتاج الأزمة لوسيط لتجنب الصدام الذي حصل منذ البداية بين حكومة سيريزا وبروكسل التي تقف وراءها ألمانيا. ولا تزال هناك فرصة للحوار والتشاور، حيث سيجتمع قادة محور اليورو اليوم الأحد لمناقشة الخطة اليونانية والبحث في تنازلات. وترى صحيفة «الغارديان» (7/7/2015) أن حالة الإستقطاب حول اليونان وصلت لمدى كبير مما يجعل من الصعوبة بمكان العثور على طرف محايد للعب دور الوسيط بين الأقطاب المتصارعة. والمرشح الذي يمكنه لعب الدور هو فرنسا ورئيسها الإشتراكي فرانسوا أولاند. فمنذ الإستفتاء طلب من وزرائه الحديث عن أهمية إبقاء اليونان في محور اليورو. ويظل أولاند مرشحا أفضل للتعامل مع الحكومة اليسارية في أثينا من ميركل المحافظة، ولن تكون الأخيرة قادرة على رفض المبادرة لأن فرنسا هي ثاني دولة في محور اليورو ولأن باريس لعبت دورا مهما في جلب اليونان للمجموعة الأوروبية الاقتصاديةعام 1981. وقد تجد اليونان سهولة في التعامل مع فرنسا بدلا من الإستماع لإملاءات دولة لا تزال لم تدفع التعويضات عن الأضرار التي تسببت بها النازية لليونان في أثناء الحرب العالمية الثانية. وترى «الغارديان» أن أولاند قد يرحب بلعب دور في حل الأزمة لكن بلاده تعرضت لانتقادات لأنها فشلت بالإلتزام بمعايير الإتحاد الأوروبي في السنوات الماضية فكيف تقوم دولة عملت على تأخير الديون المطلوبة عليها التوسط من أجل دولة يطلب منها الإلتزام وسداد ديونها؟ ومع ذلك فهناك دور لفرنسا يمكن أن تلعبه.

ولكن المعوقات تظل ضخمة وليس أقلها معارضة سيغمار غابرييل، رئيس الحزب الإشتراكي الألماني الذي يستفيد من المشاعر المعادية لليونان ويرى أنه ما كان يجب قبول عضوية اليونان في نادي دول اليورو. ومع توسع الفجوة الآن بين أثينا وبرلين فلفرنسا دور ومسؤولية لرأب الصدع بينهما ومنع إفلاس اليونان وخروجها من محور اليورو.

معركة على الديمقراطية

ويخفي هذا الجدل السياسي وراءه كما يقول المعلق جون مونبيت في «الغارديان» (7/7/2015) معركة تقوم بها النخبة المالية على الديمقراطية . فهو يرى أن الترويكا هي مفلسفة «فمن يقومون بمحاكمة أمة لا سلطة شرعية أو ديمقراطية لديهم». ويشير إلى أن صندوق النقد الدولي هو مؤسسة غير ديمقراطية يسيطر عليها الأغنياء ويحكمون من خلالها الفقراء. ويقوم الصندوق بممارسة اللعبة نفسها مع اليونان كتلك التي مارسها مع الارجنتين وزامبيا. فقد أجبر برنامج التكيف البنيوي الذي تبناه الصندوق عددا من الحكومات المنتخبة على التخلي عن الإنفاق العام وتدمير قطاعات الصحة والتعليم وكل الوسائل التي تمكن المعذبين في الأرض من تحسين أوضاعهم المعيشية. ويرى أن كل بلد استعمره البنك الدولي أجبر على التحكم بالتضخم قبل تحقيق أي من الأهداف الاقتصادية ورفع الحواجز عن التجارة وحركة الرأسمال ولبرلة نظامه المصرفي وتخفيض النفقات الحكومية وتخصيص الأرصدة التي يمكن بيعها للمستثمرين الأجانب. واستخدم الصندوق لغة التهديد مع الحكومات التي يحاول السيطرة عليها من أجل التخلي عن سياساتها التقدمية، وقام منفردا بهندسة أزمة نمور آسيا عام 1997 عندما أجبر الحكومات على رفع القيود عن رأسمال الدولة مما جعل العملات عرضة لهجمات المضاربين، ولم ينج من سياسات صندوق النقد الدولي إلا ماليزيا والصين اللتان رفضتا الرضوخ لمطالبه. والأمر نفسه يصدق مع البنك المركزي الأوروبي الذي يتهمه بأنه مسيس وليس ديمقراطيا وأدت سياساته إلى التأثير على دول محور اليورو الصغيرة. ويعتقد مونبيت أن حزمة التقشف التي فرضت على اليونان اليوم تظل متواضعة مع ما حدث مع أيرلندا والهند في القرن التاسع عشر باسم الأصولية الاقتصادية أو ما يعرف اليوم بالليبرالية الجديدة. وفي الحالة الأيرلندية قتل واحد من كل ثمانية أشخاص من مجموع الشعب لأن بريطانيا رفضت توزيع الطعام ومنعت تصدير الحبوب أو تقديم حزم مساعدات للفقراء. وعندما عم الجفاف في الهند ما بين 1877 ـ 1878 أصرت الحكومة الإستعمارية هناك على تصدير كميات هائلة من الحبوب وهو ما أدى إلى مجاعة قتلت الملايين. ويرى مونبيت أن في قلب السياسات الكارثية قياس سعر العملة بالذهب، وهو ما منع الحكومات في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من زيادة الإنفاق أو تحفيز سوق العمل وهو ما أدى لإبقاء الفقراء على فقرهم وترك الإغنياء يتمتعون بذهبهم. ويقارب هذه الممارسة التي تم التخلي عنها مع بداية الكساد العظيم في سياسة التقشف القاسية الحالية المفروضة على اليونان.

وكما قادت تلك السياسات إلى أزمات اقتصادية، فالمواجهة الحالية بين اليونان ومحور اليورو ستترك تفاعلات سلبية، فتشدد المقرضين بشروطهم سيـودي باليونان لحالة الإفلاس وبالتالي خسارة الديون كما أن خروج اليونانيين من محور اليورو الــذي يرحــب البــعـــض به، يعــنــي العودة للدراخما الجديدة حيث سيفقد اليونانيون قوتهم الشرائية التي منحها لهم الإنضمام لمحور اليورو وسيدمر الطبقة المتوسطة ويؤثر على طبقة رجال الأعمال.

التماسك الأوروبي

ومن هنا فالأزمة في اليونان تحمل إمكانية لهز التماسك في أوروبا، فالمانيا باعتبارها قائدة القارة، تحتاج كما يقول فيليب ستيفن في «فاينشال تايمز» (10/7/2015) إلى «أوروبا منسجمة» وقد فهم هذا المستشار الألماني السابق هيلموت كول بعد سقوط جدار برلين، من أن العملة الموحدة هي ضمان لمستقبل أوروبا وحاجز من عودة القارة لويلات الحروب. وكانت اليورو المقايضة الفرنسية- الألمانية لجعل ألمانيا الموحدة مفتاح أمان لأوروبا وتخيل كول ألمانيا أوروبية وليس أوروبا ألمانية. ويرى ستيفن أن حيلة ميركل عندما اندلعت أزمة اليورو قامت على التضامن مع الدول التي عانت مثل إسبانيا والبرتغال وأيرلندا واليونان. وأقنعت الناخب الألماني أن التضامن مع هذه الدول مهم لإنقاذ اليورو. ونجحت في إسبانيا والبرتغال وفشلت في اليونان. جزء من السبب أن حزم الإنقاذ المستمرة أثقلت اليونان بديون كبيرة لا قدرة لها على سدادها. والجانب الآخر هو البعد السياسي في الأزمة والتعنت الألماني وحكومة سيزيرا التي استفادت من حس الإهانة والضحية ودفعت بالتصويت بلا، رغم رغبة معظم اليونانيين في البقاء في محور اليورو. وبحسب ستيفن كانت هناك صفقة يمكن أن تنهي الأزمة وتدفع بإصلاحات للوضع اليوناني وتوقف الفساد والمحسوبية التي شوهت الديمقراطية اليونانية، لكن تشدد سيزيرا كان السبب. وكما يقول ستيفن فالغضب ليس بديلا عن السياسات الحكيمة. ويعتقد أن المزاج والشعور بالأحباط والعجز هما ما دفعا باتجاه تصويت بلا الإسبوع الماضي ويجب على الساسة في معسكر الوسط الأوروبي الإنتباه، لأن المستفيد من هذه المشاعر هي ماريان لوبان من الجبهة الوطنية الفرنسية، وبيبي غريلو من حركة الخمس نجوم الإيطالية وبوديموس في إسبانيا وبيغيدا في ألمانيا التي تغذي حسا لدى المواطن العادي بأنه بات متفرجا أمام عالم يدار لصالح النخب.

ثقل التاريخ

لا يكفي حس الغضب لتحليل وقوف الشعب اليوناني وراء الحكومة التي يترأسها تسيبراس بل هناك ثقل التاريخ، فالأزمة كما يرى آدم ليبور في «نيوزويك» (7/7/2015) تكشف عن أمة تعيش في الماضي وسحقها هذا الماضي وتريد الخروج للحاضر. ويحس القارئ في شهادات المثقفين والساسة بأننا أمام دولة «فاشلة» منذ الثورة على العثمانيين في بداية القرن التاسع. والسبب هو أن فكرة الأمة عن نفسها وماضيها انتصرت على فكرة الدولة نفسها. وما تراكم لدى اليونانيين من خبرة في الدولة هو طبقات من الفشل تعجز كل إدارة جديدة عن التعامل معها كما يقول الممثل السابق ونائب عمدة أثينا الحالي أنتونيز كافيتزبولوس. ويتفق معظم من قابلهم ليبور على أن مشكلة اليونان نابعة من الطريقة التي ضخ فيها الإتحاد الأوروبي المال للنخبة السياسية الفاسدة. ويشيرون إلى مخاوف اليونانيين من الغرب والعولمة وعقدة النقص تجاه أوروبا كما يقول يانيس باليوغولوس من صحيفة «كاثمريني».

ومع ذلك هناك حس لدى اليونانيين بأن الدول الخارجية هي التي أعاقت مشروعهم، فمنذ الحكم العثماني وحتى اليوم يشعر المواطن بالإنفصام عن فكرة الدولة والميل نحو الماضي. ولعل ما مر على البلاد من أزمات، تهجير السكان المتبادل بعد الحرب العالمية الأولى وتدمير النازية للبلاد في الحرب الثانية والحرب الأهلية ضد الشيوعيين من 1945- 1949 والحكم العسكري المدعوم من أمريكا 1967-1974 والآن الترويكا، تركت أثارا نفسية عليهم. وقد تماهى القتال ضد الترويكا مع فكرة الإستقلال التي يريدها اليونانيون. ومهما كانت أخطاء الحكومات المتعاقبة، ففي نظر غالبية الشعب كانت سياسة التقشف «كارثة» حيث زادت من الفقر والبطالة واليأس. ويرى البرفسور ستاثيز غورغوريس مؤلف «الأمة الحالمة» «نشعر وكأننا عدنا إلى وضع ما بعد الحرب العالمية الأولى عندما قررت القوى العظمى مصير الدول الأخرى».

ويعتقد أن فكرة رفض اليونان دفع ديونها مبالغ فيها «فيجب خلق الظروف التي يمكننا سداد الديون وخلق النمو» كل هذا يجب أن يبدأ من الداخل ولا يفرضه الخارج، «أنتجت سياسة التقشف البؤس ولكن المشكلة في طريقة تنفيذها حيث غذت حسا بالظلم». ورغم هذا الحس يرى ساسة أن الطريقة التي عوملت فيها بلادهم من الإتحاد الأوروبي لم تكن عادلة. فجورج باباندريو، رئيس الوزراء من 2009 ـ 2011 يرى أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كشفت عن عدم التوازن في محور اليورو وعن ضعف الحكم في اليونان. وما فاقم الأزمة هو غياب النظام الرقابي في الإتحاد الأوروبي «عندما يعاني الاقتصاد الأمريكي من مشاكل يتدخل الأحتياطي الفدرالي لكن لا يوجد مثله في أوروبا». ويرى أن بلاده لم تحصل على دعم وثقة كافية من الإتحاد الأوروبي، فلو فعل ماريو دراغي مدير البنك المركزي الأوروبي مع اليونان مثلما فعل مع إسبانيا وإيطاليا لتغير الوضع ولما سارعت الحكومة لاتخاذ إجراءات سريعة بدون تركيز. ويتفق باباندريو على أهمية الشروع «ببرنامج إصلاح عميق لإحداث التغييرات التي نريد». ويتفق الجميع على البقاء في محور اليورو لأن العودة إلى الدراخما ستكون كارثة. وفي النهاية من مصلحة أوروبا الحفاظ على استقرار اليونان في ظل انهيار ترتيبات ما بعد عام 1918 والحروب المشتعلة في سوريا والعراق وعموم الشرق الأوسط.

القدس العربي

 

 

 

الاستفتاء اليوناني: بداية للحل أم تجدد للأزمة؟: تصحيح «النيوليبرالية» بإعادة الاعتبار للدولة/ حسن مراد

منذ أن بدأت أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو، والاقتصاد الأوروبي يترنح بين توجهين: من ينادي بالتقشف لخفض الدين العام من الناحية الكمية، فتستعيد الاسواق ثقتها بالسياسة المالية للدول الأعضاء ما يسمح لهذه الأخيرة بالعودة إلى سابق نشاطها، وبين من يعطي الأولوية لخفض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي، ما يعني ضرورة أن يأخذ القطاع العام زمام المبادرة لتفعيل الدورة الاقتصادية وزيادة الناتج المحلي لتسديد الديون.

مسار الأزمة اليونانية هو المثال الأبرز لهذا الترنّح؛ فمنذ العام تغلب التوجه الأول على الثاني، لكن من دون أي جدوًى اقتصادية: فلا النمو ارتفع، ولا الدين العام انخفض، وظل اليونانيون يعانون من تبعات التقشف إلى أن فاز اليسار الراديكالي في الانتخابات الأخيرة ما أعطى للمفاوضات منحى مختلفاً.

كانت دعوة رئيس الحكومة، أليكسيس تسيبراس، اليونانيين للاستفتاء على مشروع الاتفاق الذي تقدمت به الترويكا (المفوضية الأوروبية، البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي)، خطوةً موفقة وضرورية للجم جشع الدائنين (خصوصاً الأوروبيين منهم)، ومحاولة لوضع حد للسياسات التقشفية، استفتاء مثّل الحلقة الأخيرة من مسار متعثر من المفاوضات. نجح تسيبراس برهانه، ورفض اليونانيون ما قدمته الترويكا من مقترحات بأغلبية مريحة، ما سيسمح لحكومته باستكمال المفاوضات من موقعٍ أكثر قوةً للوصول إلى اتفاق أكثر عدالةً. وما استقالة وزير المالية اليوناني، يانيس فاروفاكيس، المعروف بتشدده خلال جولات المفاوضات – على الرغم من تصويت اليونانيين لمصلحة التوجه الذي كان الوزير المستقيل من أشد المدافعين عنه – إلا دليلاً على رغبة أثينا في الوصول إلى اتفاق مع الدائنين، وليس للتملص من التزاماتها كما يصور البعض.

منذ أن تسلم تحالف سيريزا«، الحكم أواخر كانون الثاني الماضي، طالب بالتخفيف من الاجراءات التقشفية التي أثرت سلباً على اقتصاد اليونان. وعلى عكس ما يسوّق له الأوروبيين، كان في صلب أولوياته إصلاح مالية الدولة لترشيد انفاقها وزيادة وارداتها والحد من الفساد المستشري. كما أبدى تسيبراس موافقته على عددٍ من الإجراءات التقشفية كبعض الإصلاحات في نظام التقاعد، حتى أنه اتخذ خطوات كادت أن تؤدي لانشقاقات داخل الأغلبية الحاكمة، كطرح موضوع الخصخصة الذي اعترض عليه الجناح اليساري في «سيريزا« ممثلاً بوزير الكهرباء.

إلا أن سبب الخلاف الفعلي، خلال المفاوضات، كان مسألة الديون، فاليونان طالبت بجدولتها لخفضها بنسبة ، لأنه إذا ما بقيت على معدلاتها هذه وطبقت الإجراءات التقشفية، فإن اقتصادها سيبقى أسير الدين العام وخدمته، أقله، خلال العشرين سنة المقبلة. فالشرط الأساسي كي توفي الدولة ما عليها من التزامات، هو النمو الاقتصادي، نموٌ يستحيل تحقيقه باللجوء إلى سياسة تقشف بالمطلق في ظل غياب أي رؤية تنموية تقودها الدولة. توجهٌ أكده صندوق النقد الدولي الذي نشر تقريراً قبل ثلاثة أيام من موعد الاستفتاء، قدر فيه السيولة التي تحتاجها اليونان بـ مليار يورو للسنوات الثلاث المقبلة. لكن الأهم كان حديثه عن ضرورة تأجيل استحقاقات تسديد اليونان لديونها بـ»مضاعفة» مدة سنداتهم وفترة السماح على الفوائد.

إلا أن «اليورو غروب« رفض رؤية هذا الواقع، فالدائنون أصروا على إعطاء الأولوية لحزمة التقشف بهدف الوصول إلى فائض في الخزينة حتى يضمنوا توفر المبالغ اللازمة حين يبدأ استحقاق ديونهم. فخطتا المساعدة اللتان طبقتا في أيار و آذار ، أحدثتا تحولاً في هيكلية الديون اليونانية، إذ أصبحت المؤسسات الاقتصادية (الدولية منها والأوروبية) ودول «اليورو غروب« تمتلك ما بين و من الديون اليونانية بعدما كانت % من سندات الخزينة اليونانية يتم تداولها في الأسواق المالية. فالدول الدائنة تريد ضمان توفر سيولة لدى اليونان حين يحلّ موعد تسديد الديون، خصوصاً وأن بعضها اقترض ليتمكن من إقراض اليونان (ديون اليونان «لليورو غروب« تبلغ ملياراً ما يشكل من مجمل الديون).

من ناحيتها، يريد «سيريزا« الاستفادة من الفائض الأولي في الخزينة، الذي بدأت اليونان بتحقيقه منذ الفصل الأخير من العام (الفائض الأولي يختلف عن الفائض في الميزانية إذ لا يشمل خدمة الدين العام) حتى تُفَعّلْ عجلة الاقتصاد لتتمكن بعدها من تسديد ديونها. فعلى الرغم من شطب مليارات يورو من ديون القطاع الخاص في إطار خطة المساعدة الثانية، وانخفاض الديون اليونانية من الناحية الكمية ( مليار يورو في بدلاً من مليار في ) إلا أن نسبة الدين العام وصلت إلى ما يقارب من الناتج المحلي أواخر العام ، في حين لم تتجاوز هذه النسبة في العام ، والسبب هو انكماش الناتج المحلي بنسبة مقارنةً بالعام ، ما يؤكد صحة خيارات «سيريزا« بأنه يستحيل تسديد الديون من دون نمو اقتصادي.

لهذا السبب، أراد تسيبراس أن يكون بموقع أكثر قوةً، سواء للوصول الى اتفاق افضل و لضمان أن يحترم الدائنون تعهداتهم السابقة: ففي العام تعهد هؤلاء بإعادة النظر في مسألة الديون حين تبدأ الخزينة اليونانية بتحقيق فائض أولي، إلا أنه لم يتم الالتزام بهذا الإجراء على الرغم من تحقيق هذا الفائض نهاية العام . من جانبٍ آخر، صحيحٌ، أن بعض الدول اقترضت لتوفر سيولةً لليونان، لكنها بالمقابل جنت أرباحاً من هذه العملية على حساب الاقتصاد اليوناني، بهامش وصل إلى نقطة: على سبيل المثال، إذا كانت الدول تقترض بفائدة قدرها ، كانت تقرض اليونان بفائدة . وإدراكاً منه لمساوئ هذا التصرف غير العقلاني، تعهد «اليورو غروب« في تشرين الثاني بتحويل هذه الأرباح للبنك المركزي اليوناني، وبالفعل تم تسديد ما بين و مليارات في العام ؛ لكن أثينا لم تحصل حتى الآن على فوائد سنة والمقدرة بـ ، مليارات، ما يدل على أن الأوروبيين، بسياستهم هذه، يحمّلون الاقتصاد اليوناني عبئاً إضافياً يزيد الوضع تعقيداً؛ فهم ليسوا – كما يصورون – الحمل الوديع الحريص على ترشيد إنفاق الخزينة اليونانية.

إن لجوء تسيبراس للاستفتاء، أربك خصومه، ما دفعهم لاتخاذ سلسلة من الإجراءات في محاولةٍ لتغيير طبيعته؛ فرفض «اليورو غروب« تمديد برنامج المساعدة شهراً إضافياً، كما امتنع البنك المركزي الأوروبي في حزيران (بعد يوم من الدعوة للاستفتاء) عن زيادة السيولة الطارئة للمصارف اليونانية (من دون أن يوقفها بالكامل)، ما أجبر الحكومة اليونانية على اتخاذ إجراءات لمنع انهيار قطاعها المصرفي؛ فأغلقت المصارف أسبوعاً، وفرضت قيود على حركة الرساميل، إضافةً إلى تحديد سقف السحب اليومي من الصرافات الآلية بـ يورو يومياً. حرم قرار البنك المركزي الأوروبي هذا، الخزينة اليونانية من الحصول على السيولة اللازمة، إذ أن الحكومة كانت تلجأ لقروض قصيرة الأمد توفرها لها المصارف اليونانية من خلال ما تحصل عليه من سيولة طارئة، ما أدى إلى تعثر اليونان في تسديد ، مليار يورو لصندوق النقد الدولي، وهي عبارة عن دفعة من ديون كانت مستحقة في حزيران.

ما أراده خصوم تسيبراس، هو ابتزاز اليونانيين عبر التلويح بأن رفض الإجراءات التقشفية، يعني خروجاً من منطقة اليورو، «فخنق اليونان اقتصاديا» كان للضغط على الناخبين ليقترعوا بنعم.

مع انتهاء الاستفتاء، بات يخيم على المشهد الأوروبي هاجسٌ واحد: هل ستبقى اليونان في منطقة اليورو؟ على الرغم من كثرة تناول هذا الموضوع خلال الأسابيع الماضية، غير أن جزءاً منه كان للاستهلاك الدعائي، أما وأن الاستفتاء قد انتهى، فمن الضروري مقاربة هذه المسألة بعقلانية. فمعاهدة «ماستريخت« تناولت إمكانية خروج أحد الدول الأعضاء من الاتحاد وفق اتفاقية تبرم مع باقي الأعضاء والهيئات الأوروبية، لكن ما من نص يتناول إمكانية الخروج من منطقة اليورو. وعلى اعتبار أن تسيبراس يرفض الخروج من اليورو، فهذا يعني أنه في حال تحقق هذا السيناريو فمن الخطأ تسميته خروجاً، بل سيكون طرداً إذ أن السبيل إليه هو فرض قيود مالية على أثينا والتضييق عليها لمنعها من الحصول على السيولة اللازمة تمهيداً لعزلها عن منظومة اليورو النقدية و المصرفية، ما يضع اليونان أمام حائطٍ مسدود؛ فلا يبقى أمامها إلا العودة إلى طباعة أوراق نقدية من الدراخما للإيفاء بالتزاماتها الداخلية. وهذا يؤدي إلى التخلي عن اليورو واستعادة زمام المبادرة حيال سياستها النقدية.

تسيبراس رمى الكرة في ملعب الدائنين، وتحديداً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تقود الفريق التقشفي. وعلى الرغم من تخفيف حدة لهجتها حيال إمكانية التوصل لاتفاق حول برنامج مساعدات ثالث مع اليونان، إلا أنه وحتى كتابة هذه السطور ( تموز) لا يبدو أنها بوارد التفاوض على جدولة الديون اليونانية. مؤشرات أخرى تظهر أن معارضي تسيبراس ما زالوا على تصلبهم؛ فقد أبقى البنك المركزي الأوروبي، مطلع الأسبوع، على معدلات السيولة الطارئة من دون تغيير. إنه إجراء سياسي بامتياز، إذ ما من مادة تخول البنك المركزي، اللجوء إلى هذه الإجراءات إلا إذا كانت المصارف غير قادرة على ضمان التزاماتها، والمصارف اليونانية لم تصنف بعد في هذه الخانة. الهدف هو زيادة الضغط على اليونان حتى تتنازل عن المطالبة بجدولة ديونها وإلغاء جزء منها، فيتم التوصل لاتفاق جديد .فلو اراد البنك المركزي، طرد اليونان لأوقف ضخ السيولة الطارئة بالكامل. غير أن تسيبراس – وعلى الرغم من تعزيز موقعه التفاوضي – بات شبه مقيد بنتيجة الاستفتاء هذه؛ فمن الصعب عليه أن يخذل اليونانيين الذين ينتظرون منه وضع حد للتقشف الذي يعانون منه منذ خمس سنوات؛ وهذا ما يبعث على القلق، بمعنى أن يتمسك كل طرفٍ بموقفه فتخرج الأمور عن سيطرة البنك المركزي، ويصبح تخلي اليونان عن اليورو، مسألة حتمية.

يصعب التكهن ما إذا كان «اليورو غروب« والبنك المركزي الأوروبي، قد عقدا العزم على طرد أثينا إذا لم تستجب لشروطهما، أم هي مجرد عملية شد حبال لا نعرف من سيتنازل فيها للآخر، أو أن حلاً وسطاً لا يزال ممكنا. بكل الأحوال، من الضروري أن يتريثا قبل الإقدام على خطوةٍ من هذا النوع، لأنه إذا ما تحققت، فستعكس فشلاً على أكثر من صعيد:

ـ فشلٌ في مقاربة الأزمات وبلورة رؤية اقتصادية سليمة: فما زالت الدول والمؤسسات الأوروبية تؤمن بسياسة التقشف كوسيلة لخروج أي دولة من تخبطها الاقتصادي، على الرغم من أن هذه النظرية أثبتت فشلها ليس فقط في اليونان.

ـ فشلٌ في إدارة منطقة اليورو: فمن المبادئ البديهية لأي وحدةٍ نقدية – خاصةً في هذا الظرف الدقيق – التضامن بين الدول الأعضاء لإعلاء المصلحة الاقليمية حتى ولو كان – في بعض الأحيان – على حساب مصلحة الدول الخاصة، وهذا ما لا يحدث حالياً. من ناحية ثانية، لم تعد تملك الدول الأعضاء هامشاً كافياً من الاستقلالية يسمح لها بالخروج من أي أزمةٍ تواجهها، اعتمادا على قدراتها الذاتية حصراً، إذ أن السياسة النقدية لم تعد من ضمن وظائفها السيادية.

ـ فشلٌ على المستوى السياسي: فالديموقراطية هي الرابط الثقافي الذي يجمع الدول الأعضاء، لذا فإن عدم احترام خيارات الشعوب، يتنافى مع هذا المبدأ، حتى أنه يمكن القول ان لجوء اليونان للاستفتاء أحرج «اليورو غروب«: فأثينا لم تكن تمتلك المقومات اللازمة للدخول في اليورو، لكن لتبرير هذا الانضمام قيل للرأي العام الأوروبي انه لا يمكن إبقاء مهد الديموقراطية خارجاً، خطوةٌ افتقدت للبراغماتية الاقتصادية، إلى أن انقلب السحر على الساحر الأحد الماضي.

نعم أخطأت اليونان في السابق، ومن واجبها أن تدفع ثمن استهتارها وفسادها الإداري وتبديدها للأموال التي اقترضها بدل توجيهها لقطاعات إنتاجية كي لا تعود لعاداتها القديمة. ومن حق الدول الدائنة، السعي لضمان استعادة اموالها. لكن من يتوقف عند هذا الحد ليبرر التوجه التقشفي الأوروبي، يأخذ الأمور بكثير من السطحية؛ فالاستمرار بهذا النهج لن يلجم تدهور الاقتصاد اليوناني، فكيف تريد هذه الدول استعادة اموالها في ظل التباطؤ في الاقتصاد اليوناني؟ كيف يمكن لليونان أن تفي بالتزاماتها واقتصادها لا يعرف الديناميكية؟ من ناحية، يريدون استعادة أموالهم، ومن ناحية أخرى يدفعون باتجاه خنق أثينا مالياً ما يجعلها عاجزة عن تسديد ديونها: هو ضربٌ من ضروب الشيزوفرانيا.

يصور البعض الآخر وكأن اليونان استغفلت الاتحاد الأوروبي بفسادها وتلاعبها بالبيانات الرسمية؛ الا أن طريقة تناول هذه المسألة وكثرة التركيز عليها، فيها مجافاةً للواقع. فمنذ العام ومختلف الجهات الرسمية الأوروبية (اليورو ستات، المفوضية، البنك المركزي، بعض الدول الأعضاء) تبعث بإشارات تشكك بما تقدمه اليونان من بيانات رسمية حول عجزها المالي. صحيحٌ أنها لم تكن تتوقع أن يكون التلاعب بهذا الحجم ( بدلاً من المعلنة رسمياً)، لكن السؤال لماذا لم تبادر الدول الأعضاء طوال السنوات الماضية إلى محاسبة اليونان رغم علمها بهذا التلاعب؟ الجواب: أن هذه الدول لم تكن بدورها تحترم معايير التقارب المالية والنقدية. وبالتالي، وبإرادة سياسية منها، غضت النظر عن السلوك اليوناني لأن فتح هذا الباب كان سيؤدي لمحاسبة باقي المقصرين، ما يعكس خللاً في مؤسسات الرقابة والمحاسبة الأوروبية. خللٌ ساعد اليونان على المضي بهذه الطريق. أضف إلى ذلك أن منطقة اليورو لم تعرف منذ انشائها، تنسيقاً كافياً على مستوى السياسات المالية للدول الأعضاء. فمثلما يُطلب من اليونان دفع ثمن أخطاء الماضي (وهو أمر لا نقاش فيه)، فعلى منطقة اليورو أن تدفع، هي الأخرى، ثمن موافقتها على انضمام اليونان للعملة الموحدة رغم علمها المسبق أن أثينا لا تستوفي الشروط اللازمة، إضافةً إلى امتناعها عن محاسبة اليونان على تلاعبها بالبيانات الرسمية وضعف هيكليتها المؤسساتية. من الخطأ حصر المشكلة باليونان وتناسي واجبات «اليورو غروب« الإصلاحية التي لا تقل أهميةً عما يُطلب من اليونان فعله.

إن الاستمرار بهذا التوجه النيوليبرالي، يدل على فهمٍ مشوه لمفهوم الدولة ودورها. وعلى دول «اليورو غروب« (وتحديداً ألمانيا) أن تستخلص بعد كل هذه السنوات، دروس الماضي: لو أن حزمة التقشف التي فرضتها على اليونان في السنوات الخمس الماضية، كانت ذات فائدة، لما تراجع نموها الاقتصادي بهذه الحدة ولما ارتفع معدل الدين العام اليوناني إلى مستويات أعلى مما كان عليه عند بداية الأزمة.

المطلوب قرار سياسي يعيد الاعتبار للنمو الاقتصادي وأهميته في خفض الدين العام، حتى لو اقتضى الأمر الذهاب أبعد من جدولة الديون، بمعنى ربط سدادها بجدول زمني يأخذ في الاعتبار النمو الاقتصادي المتوقع. حينها فقط يمكن المراهنة على تجاوز للأزمة.

 

 

 

 

أثينا: قفزة نحو المجهول

إن قراءة تحليلية في الاستفتاء اليوناني، تشير إلى ان اثينا قد قفزت في المجهول. وبات السؤال الملح، اليوم: ماذا تفعل الدول الدائنة؟

ما هي الرسالة التي أراد اليونانيون ايصالها بقولهم، لا، في الاستفتاء الذي جرى في الخامس من تموز 2015؟ هل اعتقد هؤلاء، حقاً، ان البلدان الدائنة، برفضها مقترحات اليونان، كانت تمارس خدعة ما، وأنها كانت تقصد بذلك ان تقول وداعاً لعضوية اثينا في منطقة اليورو؟ أو هل سعت الأكثرية ممن دونوا «لا» على أوراق الاستفتاء في المدن والقرى اليونانية، جمعاء، الى الانسحاب، فعلاً، من منطقة اليورو؟ لا يسعنا أن ندلي برأي جازم، في هذا السياق فهذه إحدى المشكلات الناتجة من مغبة الاحتكام الى الاستفتاء. وعلى الرغم من ان استطلاعات الرأي. تمثل النموذج الأرقى للديموقراطية، غير انها، غالباً، ما تثير اسئلة كثيرة، وأجوبة كثيرة.

ومع ذلك، فإن السؤال المتعلق بما يريد اليونانيون، اليوم أصبح ذا أهمية ثانوية. السؤال الأخطر، هو: ماذا تريد الدول الدائنة أن تفعل؟ وإذا ما قًيض لنا ان نصدق ما جاء في المضمون الصارم للخطاب الذي أطلقته المانيا وايطاليا واسبانيا وهولندا، خلال الاسبوع الذي سبق الاستفتاء، فإن عملية اخراج اليونان من منطقة اليورو، ستبدأ قريباً. والأرجح ان يجري تنفيذ هذا المسار بقرار يتخذه البنك المركزي الأوروبي للشروع في الحدّ من امكان حصول المصارف اليونانية على القروض الإنقاذية التي ابقتها على قيد الحياة. خلال الاشهر القليلة الماضية. من دون تلك السيولة، فإن المصارف اليونانية الأربعة الكبرى، التي تحتفظ بمدخرات اكثرية اليونانيين، ستصبح عرضة للتأميم وإعادة الرسملة باستخدام عملة جديدة بديلة. وقد يفاجأ مدخرون باقتطاع حصة كبرى من ودائعهم، في سياق هذه العملية. علماً ان لا احد بمقدوره ان يحول دون استمرار اثينا في استخدام اليورو، اسوة بالولايات المتحدة التي تستطيع منع البلدان الكاريبية الصغيرة من تسعير بضائعها بالدولار الأميركي.

ومع ذلك، فإذا عجزت اليونان عن الاستدانة من البنك المركزي الأوروبي ـ مقره في فرانكفورت ـ فإن تزويد اليونان بعملة اليورو سيصاب بالجفاف، قريباً. وفي حال ارادت الحكومة اليونانية، بقيادة ائتلاف «سيريزا» ـ ان تواظب على تسديد رواتب القطاع العام، فإنها ستحتاج، والحال هذه، الى وسيلة بديلة للقيام بهذه المهمة. ولكن هذا من شأنه ان يعوق صادرات اليونان الصناعية، بوجود عملة نقدية اخرى غير اليورو، يضاف الى ذلك، ان القطاع السياحي الضخم، سيتلقى رصاصة في الذراع نتيجة لهبوط سعر العملة. ولكن، في المدى القريب، سيتحول اللجوء الى عملة بديلة كابوساً مخيماً على المواطنين. فالانتقال من عملة الى اخرى، يستغرق وقتاً طويلاً: تضاؤل الواردات المشتملة على الدواء والمحروقات وحتى أصناف الغذاء؛ وستتعثر مصالح المال والأعمال لتصبح عاجزة عن تسديد ديونها بعملة اليورو؛ وتستفحل البطالة وصولاً الى دخول اقتصاد البلاد في نفق الإحباط.

إن قطع عنق المصارف اليونانية، سينطوي على قرار خطير ذي عواقب وخيمة على المستوى الجيوسياسي. صحيح ان البنك المركزي الأوروبي يتمتع باستقلالية؛ غير انها شكلية وتخضع لضوابط. اذ يتعين على ادارة هذا البنك ان ينال موافقة حكومات منطقة اليورو قبل الاقدام على خطوة من هذا القبيل. من ناحية أخرى، بدا ان وزير الاقتصاد الفرنسي، ايمانويل ماكرون، على تناقض مع نظيريه الالماني والهولندي، بقوله ان الاستفتاء اليوناني الذي اسفر عن رفض شروط الدول الدائنة، لا يعني توقف المفاوضات مع اليونان. فهل يتوصل العملاقان الألماني والفرنسي إلى تسوية بين برلين وباريس لإنقاذ اثينا المتهالكة؟ سنكتشف ذلك، في القريب العاجل، شريطة الا تتجاهل الدول الدائنة ان اليونان اقدمت على اتخاذ قرار مخيف بالقفز نحو المجهول.

بن تشو، صحيفة «الأندبندنت» البريطانية (5 تموز 2015)

 

 

 

مرايا العالم القديم/ جهاد الرنتيسي

يلتقي المحافظون واليساريون العرب في نمطية قراءاتهم لتطورات الحدث اليوناني منذ فوز حزب سيرزا اليساري في الانتخابات النيابية وتشكيل أليكسيس تسيبراس الحكومة حتى تجاذبات ما بعد الـ “لا” الكبيرة التي اطلقها اليونانيون في وجه الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي رفضا لاجراءات تقشفية رأوا فيها مساسا بكرامتهم ورغيف خبزهم.

يمكن التقاط نمطية القراءة من اسقاطات هائلة للواقع العربي على الأزمة اليونانية أو محاولة تأويل الحدث اليوناني وتكييف التأويل وفق ما يخدم وجهات نظر المشتبكين حول سبل الخروج المفترضة من الازمات العربية المتناسلة.

رأى اليساريون العرب في انتخاب تسيبراس ودعوته للاستفتاء حول اجراءات التقشف خياراً لشرائح واسعة من اليونانيين يعبر عن تحديها لسياسات الراسمالية العالمية وافرازاتها ويمكن تعميمه في المنطقة لاسيما وأن سيرزا لم يكن الحزب اليساري الأول الذي وصل إلى السلطة خلال السنوات الماضية. وعلى الجانب الآخر تعاملت النخب العربية المحافظة مع ظاهرة تسيبراس ـ التي تعد امتداداً لظاهرة أكبر وأوسع في أمريكا اللاتينية ـ باعتبارها مغامرة تجلب الويلات على الشعب اليوناني الذي لا يملك الكثير من الخيارات مما يرجح احتمالات مثل الخروج من منطقة اليورو أو الانحناء امام اجراءات التقشف.

في الحالتين، غابت احتمالات اللقاء في منتصف الطريق مع حرص النخب العربية المتجادلة على تجاهل بعض أوجه الحقيقة مثل إصرار تسيبراس على التوصل إلى اتفاق وتأكيده على الدفع باتجاه العودة إلى المبادئ المؤسسة لأوروبا ـ التي يعتقد بأن شروط الاتحاد الأوروبي تتجاوزها ـ وابدائه حسن النوايا للخروج من حالة التجاذب ومحاولة قادة الاتحاد الأوروبي إيجاد المخارج التي تتيح بقاء اليونان في منطقة اليورو حتى لو تطلب ذلك بعض التنازلات .

ولا يخلو الأمر من ميل نخب عربية لاغفال العامل الدولي المتمثل في الضغوط الامريكية لحل الازمة خشية تحقيق روسيا اختراقات في القارة العجوز ومحاولات تسيبراس المناورة في هذا الاتجاه واللعب على حبال تناقضات المواقف الاوروبية للحصول على أكبر قدر من المكاسب في مفاوضاته مع بقية اطراف الاتحاد الأوروبي.

رومانسية اليسار العربي التي تفترض احتمالات انقلاب تسيبراس على الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو ومغادرتهما دون رجعة وجمود تفكير المحافظين العرب الذي يستكثر على اليونانيين رفض شروط التقشف بوسائل ديمقراطية يكشف عن أحادية وانتقائية في القراءة وميل للقوالب الجاهزة في تفسير الظواهر دون النظر إلى التفاصيل واختلاف الظروف بين تجربة وأخرى.

يمكن تبرير اختلالات قراءات النخب العربية لأزمة البلد المشاطئ لبلادها بالتقاء أهله مع ناسها في مشتركات عجزت تحولات التاريخ ومنعطفاته الحادة عن محوها لكن المبرر يسقط تلقائياً في حال اجراء مقارنات سريعة بين المتغيرات السياسية التي تظهر في مساري الانكفاء العربي ومحاولة النهوض اليوناني.

اتساع مرايا موطن عقل العالم القديم لم يحل دون تفويت بقايا اليسار العربي فرصة رؤية عجزها عن المساهمة في عقلنة خيارات الشارع وتحصينه من التجاوب مع التطرف الأصولي، واستمراء خصومهم الذين حولوا وصفات صندوق النقد الدولي الى بقرات مقدسة دفن رؤوسهم في الرمال، ليتسع هامش حركة القوى العدمية القادمة من العصور الوسطى في الإجهاز على ما تبقى من شروط العصرنة.

موقع 24

 

 

 

تفاقم أزمة المديونية اليونانية/ صباح نعوش

أدت ديون اليونان إلى اتباع سياسة تقشفية مفروضة من قبل الأجهزة الأوروبية أثرت بشدة على الحالة الاقتصادية للمواطنين, لذلك قرر اليونانيون التخلي عن هذه السياسة عن طريق الاستفتاء العام، الأمر الذي يمهد الطريق لخروج البلد من منطقة اليورو.

ديون مرتفعة

خطط إنقاذ فاشلة

لا لسياسة التقشف

ديون مرتفعة

إن أزمة الديون اليونانية ليست وليدة السنوات الأخيرة بل ظهرت قبل إنشاء منطقة اليورو بعدة سنوات، وتعود الأزمة إلى السياستين المالية والتجارية المتسمتين بتراكم العجز المالي والعجز التجاري وما يترتب عليهما من ضرورة الحصول على القروض بصورة مستمرة، وهكذا ارتفعت الديون سنويا حتى وصلت في نهاية النصف الثاني من العام الجاري إلى 321 مليار يورو أي 174% من الناتج المحلي الإجمالي وهي من أعلى المعدلات في العالم.

يتكون هيكل هذه الديون من ستة فروع:

1- ديون للصندوق الأوروبي للاستقرار المالي، يقرر مساعداته (قروض بشروط ميسرة) بعد الاتفاق على برنامج إصلاحي يعقد بين البلد المعني من جهة والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي من جهة أخرى، كما تخضع مساعداته لموافقة رؤساء دول وحكومات منطقة اليورو (اليوروغروب).

إن الاعتماد على هذا الصندوق يدل دلالة واضحة على مدى خطورة الأزمة المالية لأنه لا يمنح المساعدات إلا إذا تعذر حصول الدولة المعنية على قروض مصرفية بأسعار فائدة مقبولة.

بلغت ديون اليونان المستحقة للصندوق 131 مليار يورو أي 40% من المجموع.

2- ديون ثنائية ناجمة عن قروض عقدت بصورة خاصة بين الحكومة اليونانية وحكومات دول منطقة اليورو -وفي مقدمتها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا- بلغ مجموعها 53 مليار يورو.

3- ديون مصرفية قيمتها 34 مليار يورو.

4- ديون للبنك المركزي الأوروبي قيمتها 27 مليار يورو، ولا بد من الإشارة إلى أن الأزمات المالية لدول منطقة اليورو أدت إلى خرق واضح للمادة 104 من اتفاقية ماسترخت التي تمنع صراحة أن يمنح البنك المركزي الأوروبي أي مساعدة مالية لجهة عامة أو خاصة.

5- ديون لصندوق النقد الدولي وقدرها 24 مليار يورو.

6- ديون أخرى قيمتها 52 مليار يورو متأتية من عدة مصادر كالبنك الأوروبي للاستثمار.

قادت هذه الديون الثقيلة العبء إلى تعذر خدمتها (سداد الأصل والفوائد)، فعلى سبيل المثال يتعين في عام 2015 دفع حوالي 18 مليار يورو أي ما يعادل 66% من مجموع الصادرات، في حين تقضي القاعدة العامة المقبولة على الصعيد العالمي بأن خدمة الديون يجب ألا تزيد على 25% من الصادرات، بمعنى آخر إن إصلاح مالية اليونان يتطلب إلغاء ثلثي ديونها على الأقل.

ويلاحظ أن على اليونان سداد 6.4 مليارات يورو خلال العام الجاري لصندوق النقد الدولي، علما بأن البلد لم يستطع دفع أقساط هذا المبلغ المترتبة عليه في النصف الثاني من هذا العام، وهذا أمر خطير لأن ديون هذا الصندوق لا تقبل إعادة الجدولة ولا تقبل من باب أولى الإلغاء، أي لا بد من الاستدانة من جديد لخدمتها.

أضف إلى ذلك عدم حصول البنوك اليونانية على مستحقاتها فظهرت أزمة السيولة النقدية وما ترتب عليها من غلق أبواب هذه البنوك ووضع قيود على السحب الآلي.

خطط إنقاذ فاشلة

للتخفيف من حدة أزمتها حصلت اليونان على مساعدات مالية بموجب خطتين أوروبيتين، الخطة الأولى لعام 2010 وقدرها 110 مليارات يورو موزعة على ثلاث سنوات، والخطة الثانية لعام 2012 بقيمة 130 مليار يورو.

وفي الحالتين وضعت برامج إصلاحية لمعالجة عجز الميزانية العامة باتباع سياسة تقشفية قوامها تقليص النفقات العامة وزيادة الإيرادات العامة، لكن هذه البرامج تعثرت لأسباب عديدة، منها تفشي الفساد المالي وانتشار التهرب الضريبي وارتفاع النفقات العسكرية ورصد أموال لأنشطة ذات قيمة مضافة ضعيفة كالزراعة والبنية التحتية، كما قادت هذه السياسة إلى تنصل القطاع العام عن التوظيف وإلى تقليص المرتبات، وهكذا ظهر تذمر شعبي واسع النطاق من ناحية، وفقدت ثقة الدائنين الأوروبيين بالسياسة الاقتصادية اليونانية من ناحية أخرى.

إن الاستفتاء على خطة الدائنين نتيجة منطقية لهذا التذمر لكنه أفضى إلى تفاقم أزمة الثقة، اليونان لا تثق بأوروبا، وأوروبا لا تثق باليونان، وبات من اللازم إذاً عقد مؤتمر لليوروغروب بعد يومين فقط من ظهور نتائج الاستفتاء لمحاولة إعادة الثقة عن طريق اقتراحات جدية وعملية تقدمها اليونان بغية التوصل إلى خطة إنقاذ ثالثة، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل.

لا لسياسة التقشف

يعتقد اليونانيون أن مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية -خاصة البطالة وتردي مستوى المعيشة- تتأتى من إجراءات التقشف المفروضة من قبل الأجهزة الأوروبية بموجب الخطتين المذكورتين، لذلك وانسجاما مع برامجها السياسية نظمت الحكومة اليونانية خلال فترة قصيرة حملة استفتاء شعبي للتصويت على هذه الإجراءات فكانت النتيجة معارضة 61.1% من المصوتين.

يمكن النظر إلى هذا الموقف من الزاوية الشكلية التي تقتصر على منطوق السؤال المطروح على اليونانيين، فالاستفتاء رسالة استغاثة موجهة للدول الأوروبية خاصة ألمانيا بضرورة تعديل خطط الإنقاذ بحيث تتلاءم مع الوضع الجديد الذي يرفض الخطط المؤدية إلى تفاقم البطالة والفقر مع الرغبة بالدخول حالا في مفاوضات بشأن التخفيف من عبء المديونية التي أنهكت الاقتصاد اليوناني، والحصول على مساعدات لترتيب الأحوال المالية المتدهورة.

لكن على الصعيد العملي فإن التصويت المعارض لخطط الإنقاذ بيعة جديدة للحكومة اليسارية الحالية التي تواجه عدة انتقادات من قبل الأوروبيين، أي أنه رفض ساحق للمعارضة اليمينية، والأبعد من هذا وذاك يشكل التصويت خطوة كبيرة نحو خروج اليونان من منطقة اليورو وربما من الاتحاد الأوروبي أيضا لأن فشل سياسة التقشف في معالجة المشاكل المالية يعني ببساطة عدم ملاءمة السياسة الأوروبية للوضع اليوناني، هذا التصويت يترجم رغبة الشعب اليوناني في العودة إلى الدراخما وممارسة سيادته الكاملة على اقتصاده.

أما دول منطقة اليورو فتنقسم إلى شطرين: الشطر الأول كفرنسا يرى ضرورة الإبقاء على اليونان في منطقة اليورو مهما بلغ الثمن، لأن اليونان بوابة أوروبا مقابل العالم العربي المتسم بالتوترات السياسية والصراعات العسكرية، كما أن هذا البلد همزة وصل بين الهجرة غير الشرعية وأوروبا، أضف إلى ذلك أن حكومة أثينا الحالية سوف لن تتردد (في حالة الخروج من الاتحاد الأوروبي) بإقامة علاقات متينة جدا مع موسكو.

أما الشطر الثاني -كألمانيا- فيرى عدم إمكانية منح المساعدات المالية دون اتباع سياسة التقشف، وإلا فسوف تحذو البرتغال وإسبانيا وإيرلندا حذو اليونان، كما أن جميع دول أوروبا الشرقية الأعضاء في منطقة اليورو ستطالب بتسهيلات مالية، عندئذ تدخل أوروبا في صراعات قد تنتهي بسقوط منطقة اليورو.

إن التخوف من هذه النتائج هو الذي أدى في الأيام الماضية إلى انخفاض القيمة التعادلية لليورو وإلى تراجع مؤشرات البورصة في جميع أنحاء أوروبا ومناطق أخرى من العالم، فمن المعلوم أن هذا التدهور لا يتأتى من الأهمية الاقتصادية لليونان التي لا تتجاوز صادراتها 0.5% من صادرات منطقة اليورو.

في مؤتمر اليوروغروب طالب الجانب اليوناني بإلغاء 30% من الديون أي حوالي مئة مليار يورو مع منح فترة إضافية لخدمة النسبة المتبقية، كما أكد على عدم إمكانية رفع أسعار الضريبة على القيمة المضافة وتقليص مرتبات موظفي القطاع العام.

لم يجد المؤتمرون في هذه المقترحات اليونانية أي جهود لإصلاح المالية العامة، لذلك قرروا تأجيل المناقشات، وهذه إشارة واضحة إلى تعذر الحلول التوفيقية، الأمر الذي قد يفضي إلى خروج اليونان من منطقة اليورو.

عندئذ سيصحح الأوروبيون خطأ انضمام اليونان إلى منطقتهم النقدية في مطلع عام 2001 إذ إنه البلد الأوروبي الوحيد الذي لم ينطبق عليه أي معيار من معايير التقارب الأربعة التي وضعتها معاهدة ماسترخت للانتماء إلى الاتحاد الاقتصادي والنقدي، ومع ذلك تم قبوله في المنطقة لاعتبارات سياسية.

ـــــــــــــــــ

باحث اقتصادي عراقي

الجزيرة نت

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى