صفحات مميزة

عن “أمين معلوف”: و سؤال التطبيع مع إسرائيل –مقالات مختارة_

 

فقط لو لم يتحدّث أمين معلوف!/ حازم صاغية

يسكن النظريّةَ المناهضة للتطبيع مخلوق غير ديموقراطيّ، بل عميق في استبداده: لا تصالحهم، لا تصافحهم، لا تحدّثهم، لا تترجمهم، لا تؤاكلهم، لا تشاربهم، لا تسمعهم إلخ…

وهو منطق يحاذي الوعي الدينيّ ممثّلاً في وصاياه العشر، مع ما يفترضه من قصور في البشر، وحاجة إلى معلّم يهدي إلى صحيح السلوك وإلى الخطأ المودي بأهله إلى النار.

إلاّ أنّه أيضاً يحاذي الوعي الدمويّ والقرابيّ: فبما أنّ الدعوة موجّهة إلينا كعرب، وبما أنّنا مُطالَبون كلّنا بموقف واحد في القطيعة، فهذا ما يدرجها في خانة القَبَليّة، بمعناها الدقيق. فنحن علينا «كلّنا»، وقد تساوينا في الموقف والنيّة والإرادة والذوق، أن نقف في مواجهة «كلّهم». والانقسام شامل ومطلق يتعدّى السياسة: فالكلام معهم ممنوع ولو في شؤون الطبخ أو في رصد العوامل المناخيّة في حوض المتوسّط.

والحال أنّ المسألة لم تكن على هذين القبليّة والإغلاق إبّان ذروة الصراع في الستينات، وإن أسّست تلك الحقبة لماهويّة الصراع المفترضة. لكنّ عناصر ثلاثة على الأقلّ جعلتها هكذا: فقد صعد الثقافيّ (هويّة، استشراق…) على حساب السياسيّ والاقتصاديّ (حدود، دول، إمبرياليّة، تنمية…)، فيما تزايد وزن الوعي الإسلامويّ في مُجمّع الوعي المناهض للصهيونيّة (والإسلاميّون أكثر من ترجم برداءة أعمال اللاساميّة الأوروبيّة)، وأخيراً، وفي لبنان وسوريّة تحديداً، حصل تلاقح غير مسبوق مع نظريات القوميّين السوريّين (مساواة اليهوديّة والصهيونيّة، الخصوم هم «يهود الداخل»، «حرب وجود لا حرب حدود»…).

ما يتعدّى الأسباب والمقدّمات، وهنا مأساة الوعي المناهض للتطبيع ومأساتنا معه، أنّ نهجه في مكافحة إسرائيل هو تعريفاً النهج الذي قوّاها علينا وجعل الفوارق فلكيّة. فبالاستبداد والطائفيّة، وهي أخت القَبَليّة، صارت بلداننا مسارح لحروب أهليّة، تعجّ بالجماعات المتناحرة وتفتقر إلى الشعوب والدول. وبالاستبداد والقَبَليّة يراد أن نمضي في مكافحة التطبيع مع إسرائيل. ولئن كانت النزاعات الطائفيّة ما طرد موضوع فلسطين من اهتمامات بلدان فاضت عليها شواغلها، فمناهضو التطبيع يريدون إثارة اهتمامنا بفلسطين عبر تحريك القبَليّة نفسها التي أوصلتنا إلى الحالة الراهنة.

ولشديد الأسف، باتت إسرائيل قويّة ومطمئنة على نحو لا يحوجها إلى الالتفات صوبنا. صحيح أنّ المقاطعة تزعجها في أوروبا، لكنّه إزعاج لا يرقى بتاتاً إلى خطر وجوديّ ما دامت القضيّة الأمّ نفسها تعاني الضمور الذي تعانيه. ولربّما صحّت هنا الدعابة المعروفة: العمليّة الجراحيّة نجحت لكنّ المريض مات.

والمسألة لا تخلو من تعقيد إضافيّ. ففي مراجعته كتاب ضابط «الموساد» يوسي ألفِر «المحيط: بحث إسرائيل عن شركاء شرق أوسطيّين»، يكتب ناثان ثرال في «لندن ريفيو أوف بوكس» (http://www.lrb.co.uk/v37/n21/nathan-thrall/along-the-divide)

«بغضّ النظر عن الضجيج الكثير حول عزلة إسرائيل الدولية، فتجارتها مع أوروبا في تزايد أيضاً، وهي تبقى على رأس قائمة مصدّري الأسلحة في العالم. ومع اكتشاف احتياطات كبرى من الغاز الطبيعيّ، أصبحت إسرائيل مُصدّراً للطاقة التي تخطّط لبيعها إلى الدول العربيّة. ووفقاً لما تذكره دائماً الحكومة الإسرائيليّة كلّما تعاظم التوتّر الأوروبيّ-الإسرائيليّ حول مستوطنات الضفّة الغربيّة، فعلاقاتها تنمو مع الصين والهند، لا بل بدأت الهند تدعمها في الأمم المتّحدة».

وهذه الصفعات على وجوهنا تعزّزها الوقائع المعروفة عن انقسام السلطة الفلسطينيّة سلطتين، ووجود بعض أسوأ النخب العربيّة على رأس السلطتين معاً. ويُستحسن هنا ألاّ تسكرنا رصاصتا رشّاش أو طعنة يائسة بسكّين مطبخ.

فحال المسألة الفلسطينيّة بلغت من السوء أنّ الأشدّ حماسة لها لا يجرأون على قول كلمة بحقّ السيّد بوتين، حليف إسرائيل وضامنها، لأنّه يقاتل معهم في سوريّة. لكنّ الشجاعة تستعرض نفسها ضدّ الأديب الفرنسيّ، اللبنانيّ الأصل، أمين معلوف لأنّه تحدّث إلى قناة إسرائيليّة في… الأدب!

وبين انكماش سياسيّ تعيشه القضيّة وانتفاخ ثقافيّ يستعرضه متطوّعوها، ثمّة شيء مَرَضيّ جدّاً هو ما يضع أمين معلوف حيث يجب أن يحلّ بوتين. فمعلوف، في أغلب الظنّ، ليس هو من يقف حائلاً دون تحرير فلسطين.

الحياة

 

 

 

المقاومة ومحاولات «ستر عورتها» التي كشفها بوتين/ حازم الامين

الاستعانة بعلم نفس الجماعات تساعد أكثر على فهم ظاهرة المبالغة في تمجيد عملية تل أبيب والذهاب في إدانة ظهور الكاتب الفرنسي من أصل لبناني أمين معلوف على شاشة تلفزيون إسرائيلي، إلى حد إباحة الدم. فالمبالغة هنا ليست سياسية، وهي ليست أخلاقية أو قيمية، إنما هي استجابة تعويضية نفسية لحالة هبوط هورموني ناجمة عن تخبط خطاب الممانعة بحقيقة أنه اليوم في سورية عاجز عن تورية موقعه إلى جانب الحليف الروسي الذاهب في علاقته مع تل أبيب إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه من ود.

المبالغة في اعتبار عملية تل أبيب «إنجازاً هائلاً» وفعلة معلوف «خيانة هائلة» ضرورية للتوازن النفسي، والاعتقاد بأن المبالغة جزء من سجال ومن مراوغة لتأكيد «ثوابت»، أمران خاطئان. ذاك أن المشهد جلي ولا يمكن دحضه بتخوين معلوف ومن وقف إلى جانبه. الوثبة الممانعاتية في وجه معلوف هي فعل لا واعٍ وشيزوفريني ساع إلى ترميم صدع نفسي عميق.

فالمشهد هو على النحو التالي: فلاديمير بوتين، الحليف الأكبر في سورية، وصانع إنجازات الممانعة في السنة الأخيرة في سورية، يهدي نتانياهو دبابة كان غنمها جيش النظام السوري من الجيش الإسرائيلي. فعلة مكثفة الدلالات لا يمكن لخرافة الممانعة أن تلتف حولها. وفي ما يتعدى الدلالات الرمزية، يستقبل «الرفيق بوتين» شيطان الكيان الغاصب بنيامين نتانياهو في الكرملين، وعلى مائدة اللقاء، كما قال ناطق رسمي روسي، كانت سورية الوجبة الرئيسة، وتناولت المحادثات «ضمان موسكو المصالح الإسرائيلية فيها»!

لو كنت ممانعاً، مؤمناً أو مراوغاً، لأفقدني المشهد توازني. فنحن نتحدث عن عقود من الخطاب العقيم ولكن المُلبي لخرافة الصراع. ولهذا الوضوح في المواقع والأدوار وقع الانهيار. علينا إذاً أن نهم بالهرب إلى الأمام. وقائع صغيرة وعادية قد تداوي شيئاً من الصدع الكبير. أمين معلوف دجاجة سهلة لا بأس بأبلسته على مذبح خيانتنا، ويمكن أن نصنع من عملية تل أبيب جسراً للانتقام من أنفسنا، نحن المذعنين لبوتين والمقاتلين في ألويته.

نعم، سهام «الممانعة الثقافية» لم تكن موجهة إلى معلوف، ولم تهدف إلى التعمية عن الموقع المبتذل والرث في سورية. السهام كانت أشبه بمخاطبة الممانعة نفسَها، وهي اعتراف أول بأنها خائنة. وهي خائنة ليس لأننا نعتبرها خائنة، بل لأن ستاراً واهياً انكشف وما عاد من الممكن إلا القول «إننا في سورية في الموقع الذي أراده لنا نتانياهو». وإذا كان منفذا عملية تل أبيب قتلا خمسة مدنيين، فها نحن نداوي جروح أهالي الجنود الإسرائيليين الثلاثة الذين قتلوا في الدبابة، وهم مَنْ قال نتانياهو لبوتين إن أهلهم لا يملكون ذكرى منهم، وأن هذه الدبابة ستمثل لهم بعضاً من الذكرى.

لا، ليس ناجعاً التشفّي بتهافت خطاب «المقاومة». يجب إخضاع هذه التراجيديا إلى محاولات تفسير تساعدنا على هضم الانهيار. فما جرى في سورية ليس مجرد انزلاق يمكن العودة عنه. التخلي عن الحليف الروسي يعني هزيمة أكيدة، والبقاء تحت إمرته انكشاف هائل لكذبة عمرها من عمر الصراع. هنا تماماً تقيم الشيزوفرينيا، أي في البقاء تحت إمرة الروس وفي الوقت ذاته تخوين كاتب لظهوره على تلفزيون إسرائيلي. هي شيزوفرينيا وليست مراوغة، على ما يحلو لكثيرين أن يصفوها.

ولهذه الشيزوفرينيا صور صلبة، فصحيفة لبنانية أفردت خبرها الأول لانتصارات جيش النظام السوري في ريف دمشق وأشارت إلى الغطاء الجوي الروسي الذي ما كانت «الانتصارات» ممكنة من دونه، وتحت هذا الخبر تماماً وفي الصفحة ذاتها خبر آخر صيغ بلغة سلبية ومرتابة عن «لقاء المودة بين بوتين ونتانياهو» في الكرملين. وإذا اعتقدنا أن المحرر أراد مراوغة قارئه، فإن الوضوح الذي أظهره تجاور الخبرين يكشف حال فصام مقلقة.

وبالعودة من علم نفس الجماعات لتفسير حال «المقاومة» مع سادتها الجدد، إلى خبراتنا في مجال قابلية المقاومات للاستتباع، كما جرى في كل الحقب الأخيرة، فإن القول الذي تحاول صحافة «المقاومة» الإيحاء به لجهة الابتعاد عن موسكو قول كاذب: أولاً لأن الابتعاد عنها يعني الهزيمة في سورية، ثانياً لأن اقتراباً بين موسكو وطهران يجري على مستويات أخرى، وتقاسم المصالح يتعدى شروط مراعاة خطاب الممانعة الرث.

لكن «المقاومة» في سورية تحتاج إلى تصريف ضائقتها، وإن بدا التصريف ركيكاً وغير مقنعٍ. فلا بأس من تأسيس خطاب سلبي حيال موسكو والقتال تحت أمرة جيشها في سورية. «المقاومة» بهذه الحالة تكون ذهبت إلى مشابهة نفسها. فهي تقاتل من أجل بشار الأسد في سورية ومن أجل «الديموقراطية» فيها أيضاً، ولطالما حمل هذا الخطاب ثنائيات ليس للعقل مكان فيها، لكن أحداً لم يحاسبها.

أما الاعتقاد بأن ابتعاداً بدأ يظهر بين موسكو وطهران في سورية، فهذا رأي لا يملك وقائع صلبة لتأكيده، ولو ثبت ما ذهب إليه بعض الصحف العالمية لجهة احتمال أن يكون الروس هم مَنْ قَتَلَ المسؤول الأمني لـ «حزب الله» مصطفى بدر الدين. فلطالما شهدت الحروب تصفية حسابات بين حلفاء، من دون أن يعني ذلك إنهاءً لعلاقاتهم. المصالح هنا أكبر من قيمة الأشخاص، ورسائل الموت المتبادلة بين الحلفاء تعني ضغينة لكنها لا تفضي إلى انفضاض العلاقات، وأن يقتل الروس قائداً ميدانياً إيرانياً أو لبنانياً، فهذه رسالة في سياق العلاقة وليست خارجها.

يبقى أن الضحية الجلية في العلاقة بين الروس ومحور «المقاومة» في سورية هي الخطاب، والأخير لم يكن يوماً سوى ورقة توت تخفي تحتها قدراً هائلاً من «الخيانات».

ما فعله بوتين هو إسقاط ورقة التوت، وإذا أراد المرء أن يذهب مع الإمام الشافعي عندما قال: «لسانك لا تذكر به عورة امرئ/ فكلك عورات وللناس ألسن»، فإن ما يلوح هو أن الجبهات التي فُتحت في وجه معلوف محاولات لستر العورة الكبرى التي كشفها فلاديمير بوتين.

الحياة

 

 
بين كلاي وأمين معلوف/  أمجد ناصر
ربما علينا أن نشكَّ في أولئك الذين يدفعون إلى الأشباح التي تدفع عجلة الشهرة ثمن ركوبهم هذه العربة السحرية. لا نكون “تآمريين”، لو أننا شككنا في جدارتهم بما وصلوا إليه، وليس علينا خشية الاتهام بالصدور من نظرية المؤامرة. فكيف جاءت الشهرة لهؤلاء، لماذا، وبأيّ ثمن؟ نعرف، كلنا، من لم يدفع درهماً واحداً من رصيده المعنوي والأخلاقي مقابل الشهرة التي صنعتها جدارته وموهبته. أولئك الذين يُسارعون إلى دفع الثمن، تحت الطاولة أو فوقها، مشكوكٌ في أن جدارتهم، وحدها، كانت وراء نجاحهم وشهرتهم، والأمثلة كثيرة في غير مجال. ولكن، هنا نحن وجهاً لوجه أمام مثاليْن راهنيْن ساطعيْن: محمد علي كلاي وأمين معلوف. والغريب أن أحدهما أخذ مقعد الثاني (المفترض) في التاريخ. فمَنْ يطلب موقفاً، أخلاقياً ومبدئياً وإنسانياً وتقدمياً، من رجلٍ يصوِّب لكماتٍ سريعةٍ، ساحقةٍ، إلى “عدو”، بائس، محشور مثله في قفص؟ موقفُ رجلٍ كهذا، في العادة، لا يتجاوز قفازاته ومساحة الحلبة التي يتحرّك عليها. بيد أن صاحب القفازات سطَّر درساً لا يُنسى. قال، وهو الفقير، ذو الأصول الأفريقية، غير المتعلم في “الليسيه”، أو غيرها، لسادة بلاده إنه لن يخوض حربهم في فيتنام. لن يقتل، ولن يشارك في قتل بشرٍ يبعدون عن بلاده آلاف الأميال. وقال احبسوني، ابعدوني عن الحلبة (كانت محور حياته)، ولكني لن أخوض حربكم هذه.
ومتى اتخذ كلاي هذا الموقف؟ في الزمن الذي لم يكن فيه الرجل الأسود يساوي شيئاً في “سيدة” العالم الحر: أميركا. في الزمن الذي كان للبيض حافلاتهم، مسارحهم، صالاتهم السينمائية، حدائقهم، جادّاتهم، التي يمنع على السود (وربما الكلاب) دخولها! هذا ما جعل كلاي أكثر من مجرد بطل ملاكمةٍ لا يُقهر. كثيرون هم أبطال الملاكمة والمصارعة ولاعبو كرة القدم والتنس والغولف (ومئات الرياضات الأخرى) الأفذاذ. لكن، لا يوجد سوى محمد علي كلاي واحد. أعني سوى رجل واحد، لا صوت لأمثاله، قال لحكومة الولايات المتحدة الأميركة بعظمة قدرها: لا. الموقف ليس حكراً على الكتاب والمثقفين والسياسيين الذين يميزون أنفسهم عن عباد الله بلا حق، لكنه ارتبط، شئنا أم أبينا، بهؤلاء. لأنهم يتنطَّحون للعمل في الحقل العام، حيث لا ينفع أن تدفن رأسك في الرمل، عندما تهبُّ العاصفة. الناس تطلب الموقف، بحقٍّ أو من دونه، من صاحب قلم. ممكن للكلمة أن تصبح لكمةً، لكن الثانية غير ممكنة، بيد أن محمد علي كلاي فعلها. جعل القفازات تتكلم، وحوَّل الحلبة إلى عالم. في المقابل لم ينهض صاحب القلم بما يفترض به من دور، ليس حيال العالم، بل أولى: حيال بلاده وجوارها المنكوبين بالحروب، المحكومين بالحروب، ما دامت إسرائيل، مدية الشرِّ، مغروسة في قلب المنطقة.
لا موقف لأمين معلوف فعلياً، على هذا الصعيد، مثلما فعل كتاب أهمّ منه وأكبر (ماركيز، ساراماغو، كويتزي، نادين غودميرر، سوينكا، غراس إلخ) في خصوص ما تفعله إسرائيل بفلسطين ولبنان. ليس لدى هذا الكاتب الفرانكفوني (ابن الاستعمار الفرنسي بكل معاني الكلمة) ما يقوله. لا في كلامه المباشر ولا في كتبه. ولولا هذه الضجّة المثارة حول مقابلته مع قناة تلفزيونيةٍ إسرائيليةٍ ما كتبت عنه. فمنذ زمنٍ، كففت عن قراءة ما يكتب. فلا شيء لدى معلوف، الناطق باسم وفد التفاوض اللبناني مع المحتل الإسرائيلي، في أعقاب اجتياح لبنان وحصار بيروت، ما يقوله لي. قراءته مضيعةٌ للوقت. إنه ليس أكثر من كاتب “بست سيلر”، حتى لو وضعته فرنسا، لأمرٍ ما، في أكاديمية “الخالدين”. ففي زمنٍ مشطور بالسكين، ومزيِّح، بعنفٍ، بالسكين أيضاً، لا مكان للاختباء، إزاء قضايا العصر، في ظلال الكلمات المراوغة، حيث يمكن للأحمر أن يكون رمادياً.
كل ما قاله وكتبه معلوف يتلطّى في الظل، ويتلكأ عند التخوم المنضبطة. لا هو هنا، ولا هو هناك. وبما أن “التسامح”، في حالتنا العربية يعني أن يتخلّى السجين عن حريته، وصاحب البيت عن بيته، والقتيل عن قاتله، والمسروق عن الحرامي الذي سرقه، فلا بأس أن يعتنقه معلوف، محوّل التاريخ إلى حكايةٍ وخرافية وتسلية. كلنا في مركبٍ واحدٍ يُدعى العالم، أو الحياة، أو كوكب الأرض، وهذا مركبٌ لا يتسع لمزيد من “الخصام”! هذا ما سخر منه الكاتب والصحافي البريطاني، روبرت فيسك. فها هو فيسك يذكِّر الكاتب الإنسانوي، الفرانكفوني، عضو مجمع “الخالدين” الفرنسي، المتعالي على الجراح، بأنّ بلاده التي فقدت في اجتياح إسرائيل وحصار بيروت، وحدهما، نحو 17500 قتيل لبناني وفلسطيني، غالبيتهم مدنيون. عدا عن تدمير نصف بيروت الغربية.
أخيراً أسأل: لِمَ لم ننتبه إلى مقال روبرت فيسك الذي كتبه عن أمين معلوف لمناسبة دخوله “مجمع الخالدين” الفرنسي قبل خمسة أعوام؟ لا أعرف بالضبط. ولكن، دعوني أفسِّر الأمر هكذا: لأن أمين معلوف لا يعنينا كثيراً، فلم يؤثر هذا “الكشف” كثيراً عند من وقف عليه، ولا بدَّ أن هؤلاء كثر. فروبرت فيسك ليس كاتباً مغموراً في مجاله، ولا هو نكرة بيننا. لم نهتم بأن معلوف كان ناطقاً باسم وفد التفاوض اللبناني مع المحتلين الإسرائيليين (للبنان وقتها وليس لفلسطين فقط) لأنه لا يهمنا، لأنه يكتب لعالمٍ لسنا منه، لأنه لا موقف له مما يجري في عالمنا (وهذا بحدّ ذاته موقف).
العربي الجديد

 

 

 

أمين معلوف، والجذور الفاسدة/ دلال البزري

لا يحب أمين معلوف كلمة “جذور”. يقول انها بمثابة سجون مخفية تحت الأرض. تمنع الحرية والرؤية والتطواف في المعمورة. وهو يحلل الهويات، يصف وعورة الإلتصاق بها، وقدرتها على تزكية السعار والعنف. لا يملك لذلك “وجهة نظر سياسية” مطابقة لما هو “صائب سياسيا” (politically correct) في منطقتنا.

في كتابه ما قبل الأخير، “التائهون” (2012)، يعود الراوي إلى بلده، لبنان، للمشاركة في دفن أحد أصدقائه القدامى. يقرّر أن يجمع بهذه المناسبة أصدقاء مرحلة الشباب الموزّعين في أنحاء الكرة الارضية. من بين اولئك الأصدقاء، نعيم، اليهودي، الذي هرب من لبنان في بداية الحرب الأهلية. نعيم اختار، مع عائلته، اللجوء إلى البرازيل، لا إسرائيل. “لماذا؟” يسأله الراوي؟ لأن “الطريق الذي اعتمدته إسرائيل لا يقنعني. ولكن لا أملك بدائل عنها، أقترحها على الاسرائيليين. لذلك، أبتعدُ عن الشرق الاوسط كله، أصمت، وأصلّي” (ص.288).

ليس الروائي محللاً سياسياً، ولا “مناضلاً” متفرغاً، في هذا الحزب او ذلك. ومواقفه السياسية ليست بالضرورة مطابقة لرؤية الاكثرية، خصوصا اذا كانت هذه “الأكثرية” مغرقة بالشعبوية والديماغوجيا. ومعلوف، في هذه الرواية، كما في كتبه السابقة واللاحقة، يتفرّد، عبر شخصياته، بصياغة مواقف سياسية، تحتاج إلى مقال آخر لتفنيدها. ولكن الآن، اردتُ أن ألقي ضوءا قليلاً على هذه المواقف، لكي أضع ظهوره على شاشة اسرائيلية في سياقه الخاص به. قد يكون معلوف قد أخطأ، ليس بمعناه هو، إنما بمعنى ما يضخّه الاستبلشمنت السياسي في بلادنا؛ وآيته ذاك الوسواس الهستيري من أي لمس أو شم أو استماع أو رؤية ما هو اسرائيلي. ظهر معلوف على الشاشة الإسرائيلية ليتكلم عن كتابه الأخير “كرسي على ضفة نهر السين”، وكان مشوّقا وبليغا في عرضه لطبائع من سبقوه إلى الأكاديمية الفرنسية، من مونتسكيو إلى كلود ليفي شتراوس…

فكان اصطياده سهلا على يد أحد الصحافيين الممانعين. صحافي يصف نفسه بـ”المثالي” الذي “لا يفهم شيئا عن قواعد اللعبة”… يكتب مقالا قبيحاً عن معلوف، يوصمه بـ”الغطرسة” و”الفجور” وبـ”شاهد الزور”، و”المبايع رمزيا لإسرائيل”، و”الضارب بعرض الحائط بالمبادىء الاخلاقية” الخ… ليختم مطالبا إياه بـ”الإعتذار عن هذه السقْطة”… وإلى ما هنالك من ردح  ناجح، ولّد أرداحاً، ما زالت تتناسل؛ توجّت في نهاية الأسبوع بـ”وقفة” في مسرح المدينة، أصدرت بياناً يطالب «الدولة اللبنانية بأن تسائله (أي معلوف) والقضاء اللبناني بأن يطبق القانون، فما أصعب أن يأتي يوم محاسبته أمام القانون أو تجريده من الجنسية اللبنانية ومنعه من دخول الأراضي اللبنانية”. لم يتجاوز عدد “المناصرين” لهذه الحملة العشرة، أو الخمسة عشر شخصا؛ ولكن يُعتمد بعد ذلك على المفعول “الجماهيري”، في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها “الفكر الممانع”.

لماذا عصيبة؟ لأن هناك فضيحة تلوح في الأفق الشرق الأوسطي. خلفيتها وقوف “محور الممانعة” مع بشار باسم فلسطين، اللازمة التي تلعب دور الغطاء الكثيف لكل جرائم بشار وداعميه من إيرانيين و”حزب الله” وروس. أما مكمن الفضيحة، فهو ذاك التنسيق الروسي-الإسرائيلي، منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، وقد ارتدى سمة “الصداقة” في زيارة نتنياهو الأخيرة إلى روسيا؛ حيث أهداه “أبو علي” بوتين دبابة اسرائيلية كانت سوريا غنمتها في حرب 1982؛ وهذا فعل رمزي شديد السلبية بالنسبة لسوريا، يسجّل من خلاله بوتين درجة “الصداقة” التي تجمعه ببوتين، ودرجة التبعية التي تحكم علاقته بسوريا بشار الأسد؛ خصوصا ان هذا الأخير لم يتفوّه بكلمة واحدة عن تلك الصداقة الروسية الإسرائيلية المريبة.

الآن، إذا لم يرَ كارهو التطبيع في هذه الصداقة نوعا جديدا ناشئا من التطبيع غير المباشر بين نتانياهو وبشار، بواسطة بوتين، فهذا يعني إنهم ما زالوا أسرى التعريف العُصابي، شديد المحلية، لمعنى التطبيع؛ ليس من مصلحة الممانعين التكلم عنه على كل حال، وإلا انتفت تماما عقيدتهم، وصاروا بلا معنى ولا دور. فكان اصطياد امين معلوف خير بديل عن فضحية التطبيع غير المباشرة بين الأسد واسرائيل.

عودة إلى أمين معلوف، ومقارنة بين “سقْطته” وسقْطة بشار التطبيعية. أيهما أقل، أو أكثر ضرراً؟ أن يعرض أديب على شاشة اسرائيلية محتوى كتابه الجديد؟ أم ان ينسق الإسرائيليون مع الروس من أجل إراحة بشار في حربه على شعبه وعلى سوريا؟

المدن

 

 

 

مسألة أمين معلوف وهوياتنا القاتلة/ بيسان الشيخ

أمين معلوف حر. له أن يظهر على أي منبر إعلامي يشاء من دون أي حساب معلن أو مضمر غير رغبته الشخصية وخياره الفردي بالظهور أو الاحتجاب، شأنه شأن أي مواطن فرنسي، لا يعيبه التحدث إلى قناة إسرائيلية للتعبير عن رأيه هو، وأفكاره هو، لا عن رأي الجماعة (الوطنية، القومية، الطائفية، القبلية… الخ) وما تتوقعه منه أو تسبغه عليه من مواقف.

مسؤولية معلوف تقتصر على مضمون أفكاره ولا تشمل الجهة التي تحاوره وكفاءتها المهنية، أو سياساتها التحريرية، وإن كان يمكن نقاشه وربما الاختلاف معه في جدوى الظهور ذاك، وحاجته الفعلية له، وهو الكاتب والمؤرخ الذي لا يعدم منابر التعبير ووسائلها. على أن يبقى ذلك ضمن هذا الحد من المفاضلة، لا أن يقفز إلى رشقه بتهم باتت تحتاج لإعادة تعريف بحد ذاتها.

ومعلوم أن تلك الحرية ليست امتيازاً يمنح للرجل لأنه أمين معلوف، كما تمنح (أو تسحب) الامتيازات والحصانات ونياشين الوطنية في بلداننا، بل هي حق مصان وتلقائي لكل مواطن لا تعيقه قوانين بلاده من التحدث إلى وسيلة إعلامية، تحسب «معادية» فقط في عرف طرف ثالث نصب نفسه وصياً على عقل الفرد وخياراته. أما في العرف الفرنسي العام، أو بالأحرى في أي عرف غير لبناني/ عربي بالمطلق، فلا خيانة، ولا تطبيع، بل مجرد مقابلة تلفزيونية، تعكس رأي صاحبها فقط لا غير.

وما لم يكن معلوف أو غيره، أعلن صراحة انتماءه لتيار مقاطعة إسرائيل، وهو تيار واسع وقوي أوروبياً وأميركياً أكثر مما هو ملحوظ عربياً، ثم خرق عهده ونكث وعده ذاك، فلا يملك أحد حق محاسبته. فكيف والرجل لم يفعل؟!

والمضحك المبكي أن بعض جمهوره ذهب به الغضب إلى حد إعلان مقاطعة مؤلفاته في المقبل من الأيام، كنوع من العقاب، والتحسر على زمن أعجب به وكان فيه مخدوعاً، إلى أن جاءت تلك المقابلة لتميط اللثام عن وجه معلوف الحقيقي، «الخائن لقضايا شعبه والمطبّع مع العدو». تلك هي العقلية نفسها التي منعت قراءة كتب ومؤلفات ودراسات أصدرها إسرائيليون عن أنفسهم وعنا، بذريعة معاقبتهم وإنزال القصاص بهم. فقرأونا، ودرسونا، وشرّحونا حتى حفظونا عن ظهر قلب… ونحن في جهلنا آمنون.

وإلى ذلك، فإن إشهار أصول معلوف اللبنانية بصفتها انتماء أيديولوجيا مفروضاً عليه فرضاً ويرتب عليه مواقف وخيارات بمعزل عن ذاتيته، فهو مما يكرسها واحدة من تلك الهويات القاتلة التي كتب عنها بنفسه. فيسهل إذ ذاك قتله بهذا السلاح عبر تجريده من إرثه الفكري والثقافي واعتبار ما أنجزه «منّة» غربية عليه ودلالاً مفرطاً له.

بل أكثر من ذلك، أصبحت جنسيته الفرنسية و»انتماؤه» لها فكراً وإنتاجاً أدبياً، مأخذاً عليه، وخيانة لـ «هويته» اللبنانية الأولى. وتحولت «لبنانيته» فجأة إلى قضية نضالية بات مطالباً بالدفاع عنها، لا بصفتها الوطنية فحسب، بل بصفتها امتداداً لقضية عابرة للأوطان هي القضية الفلسطينية.

لكن قضية أخرى عابرة للأوطان أيضاً فرضت نفسها في النقاش، هي الثورة السورية، التي جاءت تنافس مركزية فلسطين في العقل والوجدان العربيين، وطرحت معايير جديدة في التخوين و»التطبيع» لا تقتصر على إسرائيل بل تشمل من يماثلها في الأداء والنهج، أي النظام السوري. وعليه وقع المدافعون عن أمين معلوف، والمبالغون في التهليل لظهوره على قناة إسرائيلية، بصفته فعل تحد لثقافة «الممانعة» واختباراً لها، في فخ الممانعين نفسه. فهم لم يكتفوا بتخوين خصومهم انطلاقاً من موقفهم المعادي للثورة السورية، بمعزل عن نقاش الحريات الفردية في اختيار منابر التعبير وأساليبها، بل اعتبروا الظهور على شاشة «عدوة» (حتى بتعريفهم) أمراً مستحباً ومطلوباً للتوجه إلى الجمهور الآخر، المغاير.

ولا شك أن الموقف من الثورة السورية، كما من القضية الفلسطينية قبلها، لا يقتصر على كونه مجرد خلاف فكري حول أداء سياسي، وإنما يتعداه إلى عمق أخلاقي وإنساني أبعد، وإلى واجب الدفاع عن حق شعب في التحرر من الظلم أياً كان مصدره.

لكن ذلك يلقي مسؤولية مضاعفة على من يميلون إلى إشهار الموقف من الثورة السورية سلاحاً «أخلاقياً» وحيداً في وجه خصومهم من الممانعين. فالأخيرون لم يطرحوا على أنفسهم هذا التحدي أصلاً. أما هؤلاء، فهم أمام اختبار عدم الانزلاق إلى وحول «مركزية القضية»، وتخوين مقابل وإعادة إنتاج ممانعة جديدة.

وفي مسألة كتلك المقابلة التلفزيونية لأمين معلوف، التي لم يناقش مضمونها، هم مطالبون قبل غيرهم بالإجابة عن سؤال إن كانوا سيعتلون منابر إعلامية تابعة للنظام السوري أو حلفائه في لبنان، للدفاع عن موقفهم ومناصرة قضيتهم. فإن كان الطرفان يتعادلان في الإجرام، فلم يقبل هنا ما يرفض هناك؟

لا يجدي كثيراً النقاش في مهنية الإعلام الإسرائيلي ومقارنته بالإعلام السوري، فذلك ترف يملكه رجل حر يعيش في بلد حر مثل أمين معلوف… أما نحن فأسرى هويات وقضايا وأوطان نزلت علينا كاللعنة.

الحياة

 

 

 

 

حاشية بشأن واقعة أمين معلوف/ معن البياري

للأستاذ الجامعي اللبناني، الأميركي الجنسية، أسعد أبو خليل، أن يزهو بنفسه، لأنه كتب، قبل نحو ست سنوات، واحدةً من أكثر المقالات فكاهةً في الصحافة العربية، لا تزيّد في الزعم إنها فريدةٌ في ظرافتها وكاريكاتوريتها. ويُضاعف من أهميتها أن صاحبَها يحكي فيها عن واقعةٍ، دلّت، كما كتب، على مبدئيّته في رفضه التطبيع مع إسرائيل. .. دعت جامعة سان فرانسيسكو أبو خليل إلى أن يُساجل قنصلاً إسرائيلياً في مناظرةٍ معه، فلبّى الدعوة، صدوراً عن أنها ليست من جهةٍ إسرائيلية، مشترطاً أن لا يتجاور في الجلسة مع (شريكه؟) هذا، وأن لا يتحاورا. وكتب أنه لم ينظر إلى الرجل، ولم يدعْ عينيه تقعان عليه، وكتب “ناظَرْتُ رجلاً لم أره”، و”لم أنظر إليه، إذ كنت أحدّق في الفراغ”.

تُذكّر تلك الحدوتة بدعوةٍ تلقاها سفير السودان في القاهرة، من (زميله) سفير إسرائيل، إلى حفل عشاءٍ واسع، في أولى أسابيع العلاقات الطبيعية بين مصر وإسرائيل زمن أنور السادات. احتار الرجل ماذا يصنع، فبلاده ملتزمةٌ بمقاطعة إسرائيل تبعاً لقرارات جامعة الدول العربية، لكنها على علاقةٍ ممتازة مع مصر الساداتية. سأل وزيرَ الخارجية جواباً، فلم يُسعفه هذا بشيء، فرُفعت المسألة إلى الرئيس جعفر نميري الذي حسمها بحضور السفير الحفل، بشرط أن لا يتناول فيه أيّ طعام.

لم يقترف أسعد أبو خليل مثل فعلة الروائي أمين معلوف المستجدّة قبل أيام، المرذولة والمستنكرة، الظهور في مقابلةٍ مع قناة تلفزيونية إسرائيلية، لكنه، بموجب القانون اللبناني، جالَس مسؤولاً إسرائيلياً، أياً كان ما سمع هذا منه، ما يعني محاسبته، كأن يترافع عن نفسِه أمام القضاء، لينال البراءة أو العقاب، وهذا يحدّده أهل الاختصاص في قوانين الدولة اللبنانية. وفي وسع محامٍ عن أبو خليل أن يُقنع قضاةَ محكمةٍ لبنانيةٍ بأن ما قام به موكله كان عملاً كفاحياً ضد إسرائيل، الأمر الذي ليس في مقدور قرّاء تلك المقالة أن يجعلوه على هذه الوجهة، طالما أن ثمّة بعداً قانونياً له. ولمّا كان محبو أبو خليل، في الصحيفة البيروتية التي تنشر مقالاته، وفي أوساطٍ أخرى، قد ألحّوا على وجوب أن يأخذ القانون مجراه، وبلا تسييس، في قضايا غير قليلة، فقد كان الأدعى أن يُطالِبوا بأن يُستَنْطق أبو خليل بشأن حادثة سان فرانسيسكو، فلا يزاولوا اللعثمة المشوبة ببعض الحرج، كما فعلوا لمّا انكشفت جاسوسيّة فايز كرم لإسرائيل، وهو الذي كان أبرز معاوني ميشال عون. أما تعاطف هؤلاء، في الجريدة نفسها، وفي مثيلاتها، وفي أوساطٍ منقطعةٍ للممانعة، مع ميشال سماحة، لمّا اعترف بتكليف بشار الأسد له بارتكاب جريمةٍ مهولةٍ في لبنان، فلا يغيب عن الذاكرة.

مناسبة استدعاء هذا الأرشيف غير البعيد، هنا، أن الذين تنادوا في مسرح المدينة في بيروت، أول من أمس، في تجمّع “لنحاسب أمين معلوف”، طالبوا القضاء اللبناني بأن يُسائل الروائي، اللبناني الفرنسي الجنسية، بأن يطبّق القانون. وألمحوا، في بيانٍ أشهروه، إلى خيار سحب جنسية الرجل اللبنانية، ومنعه من دخول الأراضي اللبنانية. ولا يملك قارئ هذا الكلام غير استفظاعه، ليس دفاعاً عن معلوف الذي لم تُعرف عنه يوماً أيُّ جذريةٍ ضد إسرائيل، ولم يُزاول أيَّ دورٍ بشأن القضايا العربية في المنابر التي يُستضاف فيها في فرنسا. ومع كل عبارات التنديد الواجبة بما صنعه معلوف، حين ارتضى توظيف شهرته كاتباً عربياً في التحاور معه في قناةٍ ليكودية، فإن الواحد منا، ومع تثمينه الشعور الوطني العالي لدى الذين تداعوا إلى الجمع البيروتي، ليس في وسعه أن يغفل عن أن هؤلاء ينقصُهم إدراك أن الإجرام والاستبداد المهوليْن اللذيْن يرتكبهما النظام السوري (مثلاً) ضد شعبه هما مما يزوّدان إسرائيل بأسباب البقاء والمنعة. وأن مقاومتها الواجبة لا تستقيم مع إسناد الاستبداد القاتل في سورية. ولأن الأمر كذلك، فإن الطلب من جمع “مسرح المدينة” بالتطهّر من شغفهم بنظام البراميل القاتلة في دمشق، في محله، وذلك لتتصّف دعوتهم إلى محاسبة صاحب “سلالم الشرق” بالمصداقيّة اللازمة. ومع الإلحاح على وجوب اعتذار أمين معلوف عن سقطته، يجوز إنعاش السؤال بشأن حدّوتة أسعد أبو خليل، كما أوردها في فكاهيّته الخالدة، لم لا يبرّئه القضاء اللبناني؟

العربي الجديد

 

 

أمين معلوف/ مصطفى زين

أثار حوار أمين معلوف مع محطة تلفزيون «إسرائيل 24» ضجة كبيرة في العالم العربي، بين من اتهمه بالتطبيع مع العدو ومن استنكر الحملة عليه واعتبر ظهوره على الشاشة العبرية مسألة عادية لا تستحق كل هذه الحرب عليه. لكن بعض الذين اتخذوا موقفاً منه أو معه لم يقرأ كتاباته ولم يشر إلى مسيرته التي أوصلته إلى هنا.

منذ كتابه الأول «الحروب الصليبية من وجهة نظر عربية» وأمين معلوف يبحث في الهوية، وفي التلاقي العربي- الأوروبي. حتى الحروب بالنسبة إليه تشكل مجالاً للتلاقي. وبقي هذا همَّه الأساس في رواياته وأبحاثه ومقالاته كلها، من «ليون الإفريقي» و «سمرقند» إلى «التائهون»، مروراً بـ «سلالم الشرق» وقبلها «صخرة طانيوس». حياة أبطال رواياته هي حياته. تحولاتهم هي تحولاته. ولربما كان هذا البحث المستمر في تلاقي الشرق والغرب أحد أسباب حصوله على جوائز كثيرة، منها جائزة «غونكور» المرموقة. ثم تتويج مسيرته باحتلال كرسي كلود ليفي شتراوس رقم 29 في الأكاديمية الفرنسية، أو مؤسسة «الخالدين»، كما يطلق عليها. قال يوم تتويجه في الأكاديمية: «اليوم هناك جدار في المتوسط بين الفضاءات الثقافية التي أنتمي إليها (…) طموحي هو المساهمة في هدمه. لطالما كان هذا هدف حياتي وكتاباتي وسأواصل السعي إليه معكم، تحت نظر ليفي شتراوس الحكيم».

أمين معلوف متعدد الهويات، ليس باكتسابه جنسية، أو جنسيات غير اللبنانية. هو على خطى المثقفين القدماء، ولد في مكان وارتحل إلى آخر، حيث المزيد من المعرفة والحرية وإمكان اكتساب الجديد. هو «ليون الإفريقي»، وهو «الخيام»، وابن سينا وابن رشد وابن خلدون… جميعهم رحالة في الثقافات والمعارف. جميعهم إسلاميو الدين عالميو الثقافة والمعرفة. لكن ذلك لا يمنعه أو يمنعهم من الاتصال بالحقل السياسي. حتى المعرفة العلمية المحضة، والمعلوف ليس عالم رياضيات، تتصل بالسياسة. شترواس، وهو من أهم علماء الأنثروبولوجيا، ومؤسس مدرسة في هذا العلم، لم يكن بعيداً من السياسة، بل هو في عمقها الحضاري والثقافي. وما دراساته عن الشعوب «البدائية» ومركزية الحضارة الأوروبية إلا تأكيد لذلك.

أمين معلوف لا منتم، بالمعنى الوجودي للكلمة. لكنه في الوقت نفسه محسوب على العرب أو العرب يحسبونه عليهم. هو منهم وإليهم. لا يكفي أن يؤكد تعدد هوياته وانتماءاته ليخرجه الآخرون، بمن فيهم «الخالدون»، من هذه الهوية. ولأنه يمثل الثقافة بعمقها «الهوياتي» والتاريخي، ولأنه في هذا الموقع يتوقعون منه أن يمثلهم عالمياً لا أن يمثل فرنسا أو التوجه الغربي. ويأخذون عليه أن كثيرين من المؤرخين والمثقفين الأوروبيين والأميركيين الكبار يقاطعون دولة الاحتلال، من موقع أخلاقي وإنساني، خصوصاً أنه يعبر في كتابه «اختلال العالم» (le dereglement du monde) أفضل تعبير عن هذا الموقف. لكنه في الوقت نفسه يقول إن «الفقير والغني، المتعجرف والمسحوق، المحتل والخاضع للاحتلال، جميعهم، ونحن كذلك، في عوامة واحدة هشة، وسنغرق معاً». هذا التناقض لا يمكن أن يفهم، لا في إطار الهويات المتعددة ولا في إطار الانتماء أو الشرعية الأخلاقية التي يتمسك بها (روبرت فيسك). وهو تناقض غير مفهوم، إذ كيف يتساوى الفلسطيني المقتلع من بيته المنزوعة كل حقوقه، بالإسرائيلي المحتل، أو الأميركي المتعجرف بالعراقي المسحوق المبتلى بالإرهاب نتيجة الاحتلال؟ كيف يمكن أن يكون هؤلاء في مركب واحد؟

عندما يغوص أمين معلوف في التاريخ وفي الثقافة بعمقها يبدع أي إبداع. وعندما يتعاطى السياسة بسطحيتها يسقط. مقابلته مع التلفزيون الإسرائيلي كانت إحدى سقطاته إذ أضفت شرعية أخلاقية على الاحتلال من رجل يقدره العرب وغير العرب. كان الأجدر به أن يقف موقف المؤرخة البريطانية كاثرين هال التي رفضت جائزة إسرائيلية بمليون دولار كي تقول للمؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية: أنت جزء من الاحتلال.

في كل الأحوال ليس أمين معلوف أول مثقف عربي يطبّع مع إسرائيل ولن يكون الأخير، فهناك من يقف في الصف منتظراً دوره.

الحياة

 

 

 

أمين معلوف المقاوم/ محمد علي مقلد

اقتضى الدفاع عن حرية أمين معلوف وحقه في التعبير عن رأيه تذكير المجدفين بأن دور الرجل تخطى الحدود المحلية وصارت شخصيته ذات بعد عالمي، وقد يكون من المرشحين لنيل جائزة نوبل ذات عام قريب، فلم يعد من الجائز تقليص عالميته وزجه في معسكر الممانعين.

وكذلك تذكيرهم بأن نهج المقاطعة الذي اعتمدته وروجت له الأنظمة العربية لم يكن فحسب عديم الجدوى بل أدت نتائجه العكسية إلى عزلة عربية وإلى انحياز لدى الرأي العام العالمي لأن إسرائيل أحسنت الدفاع عن “حق” غير مشروع بينما قصر العرب في الدفاع عن حقهم المشروع.

لقد بات في حكم المؤكد أن الممانع لم تعد تهزه وحول “الحجج والذرائع” هذه بعد أن اعتاد خوض كل طقوس التخوين دفاعاً عن نظامي الاستبداد البعثي الصدامي والأسدي (إذا اعتاد الفتى خوض المنايا ……. فأهون ما يمر به الوحول…المتنبي)

مع ذلك، سنذكّرهم، إن نفعت الذكرى، بأن سياسة الممانعة هي بالذات التي اختارت الوصل لا الفصل مع العدو الاسرائيلي، وبات التنسيق الروسي الاسرائيلي في أعلى المستويات تعبيراً عن حاجة لهذين الطرفين ومن خلالهما لسائر أطراف الصراع على الأرض السورية، بما في ذلك مقاومة حزب الله التي يممت وجهتها شطر الحدود السورية ثم التركية بدل فلسطين، وتمثل لها العدو قادماً من المذاهب الاسلامية لا من الصهيونية، والخطر من السعودية لا من اسرائيل.

أمران على العقل الممانع أن يضيفهما إلى مستجدات ما بعد انهيار “حركة التحرر الوطني العربية” وزوال “جبهة الصمود والتصدي” وتبعثر الجبهة المؤلفة من “دول الطوق”، وما بعد مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو وأحداث الربيع العربي التي فضحت زيف “التقدمية” في الأنظمة، وكذبة الديمقراطية في الأحزاب القومية واليسارية، وما بعد صعود الاسلام السياسي إلى هاوية الارهاب والعنف الدموي والحروب الأهلية، وما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية والأممية الثالثة ودول عدم الانحياز والتضامن الأفروأسيوي وتشتت بقايا اللينينية والماوية والتروتسكية في متاهات البحث المضني عن صيغ لمواجهة الرأسمالية المتوحشة.

الأول هو أن نجاح المشروع الصهيوني في اغتصاب فلسطين لم يكن نتيجة مؤامرة فحسب، بل حاصل تخلف حضاري عربي ضارب في القدم، يعود إلى نهاية الألفية الأولى، وبالتالي سيظل من المستحيل انتصار مشروع المواجهة العربية بمعزل عن حل معضلة التخلف الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد بات من البديهيات أن العلم هو باب الدخول إلى هذه الحضارة. وبهذا المعنى ليس بلوغ أمين معلوف ما بلغه في هذا الحقل مسألة ثانوية، بل  هو التعبير الأبلغ عن قدرة أمتنا على ولوج هذا الباب، وليس أمين معلوف الأول في هذا المضمار، بل هو اسم يضاف إلى مئات العلماء والمفكرين والمبدعين الذين بلغوا العالمية وأزالوا بعضاً من التشوه الذي لحق بنا بسبب سيادة الاستبداد أنظمة وأحزاباً، ولا سيما بعد أن صار العالمان العربي والاسلامي أكبر مصدر للارهاب والعنف الأعمى. لا مقاومة للمشروع الصهيوني من غير احترام العلم والعلماء، وليس مقاوماً من يكون مثاله الأعلى الممانع نظام الاستبداد الأسدي.

الثاني هو أن من عوامل نجاح المشروع الصهيوني استناده إلى لوبي منتشر في معظم البلدان، يستقوي بالصهيونية وتستقوي به. أما نحن، فبدل البحث عن تشكيل لوبي لبناني أو عربي لدعم قضايانا ترانا “نتفرق عن حقنا”، مع أن انتشار اللبنانيين والعرب ليس قليل الأهمية، والأسماء اللامعة في مضامير الاقتصاد والسياسة والطب والفيزياء وعلوم الفضاء أكثر من أن تحصى. فاعلية اللوبي متوقفة على توفر المشروع. اللوبي الصهيوني وجد مشروعه، أما اللوبي اللبناني أو العربي فلن يبصر النور ما دامت الأنظمة الحاكمة لا تملك مشروعاً لا للتحرير ولا للتنمية، وما دام مشروعها الوحيد  استمرار الاستبداد وأنظمة الوراثة ونهب المال العام وتنظيم الحروب الأهلية.

اللوبي المأمول سيبقى بعيد المنال في غياب مشروع لبناني أو عربي، مبتداه التخلص من أنظمة الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية.

المدن

 

 

 

أمين معلوف.. وعي مزيّف لاختلال العالم/ محمد الأسعد

حين يراجع المرءُ خطاب “أمين معلوف”، كما تجلى في رواياته، ويقرأ بعناية مقالته الإنشائية المسماة “الهويات القاتلة”، وأخيراً في مقالات كتابه “اختلال العالم”، وحين يستبعد الصور الدعائية التمثيلية التي شاعت عن منتجاته الثقافية هذه؛ سيجد مشاركته في برنامج قناة تلفازية “إسرائيلية” كأنه في زيارة لبيته، أمراً طبيعياً لا يصدم ذائقة ولا حساسية، بل ولا يستحق إثارة ذرة غبار واحدة.

لماذا؟ لأن صورة العالم كما يدركها هذا الكاتب صورة زائفة من حيث الجوهر، فهو عالم أساس الصراع فيه اختلاف الهويات الدينية أوالإثنية أو القومية أو ربما مقاسات ربطات العنق.. أو أي هوية من أي نوع، لا قوى اجتماعية/اقتصادية/عسكرية تقف وراءها نظم الرأسمال الباحث عن الثروات والممرات إليها؛ عن القطن والسكر والمطاط والكاكاو حتى وقت قريب، واليوم عن النفط والغاز والمعادن وجني المليارات من صناعة الأسلحة.

وإمعاناً في هذا التهويم، يطلق على هذا العصر لقب “عصر هويات” مشكلته الكونية “كيف يمكن لأناس مختلفين أن يعيش بعضهم مع بعض”. تماماً كما أطلق المخابراتي هنتنغتون موجة تزييف للوعي عنوانها “صدام الحضارات” في تسعينيات القرن الماضي، وكما يروّج برنارد لويس موجة من النوع نفسه يزعم فيها أن رفض الحداثة والعقلانية هو سبب عداء العرب للغرب، وليس ما أوقعه الاستعمار الغربي ببلادهم، وما زال، من خراب اقتصادي واجتماعي وثقافي منذ القرن الخامس عشر، حين اقتحمت أساطيله الشواطئ العربية غرباً وسواحل المحيط الهندي شرقاً، وقطعت شرايين الحياة عنها، ودمرت اقتصادها، وألحقتها بأسواقها الرأسمالية، وأرست فيها قواعدها العسكرية، وخاصة قاعدتها الاستعمارية التي لفقوا لها اسم “إسرائيل”، ذاك الذي لم يكن له وجود على الأرض في أي يوم من الأيام.

لا أعرف إن كان الكاتب أمين معلوف يجهل هذا أم لا، لأنه لا يقيم مناقشاته، شأنه في ذلك شأن كثير من الكتاب ذوي الوعي الزائف، على أدوات تحليل ملائمة لفهم العالم من حوله، فهو لا يعنيه إن كانت هذه المسماة “إسرائيل” مستعمرة قامت على اغتصاب الأرض الفلسطينية، ولا يعنيه أن تحمل هذه المستعمرة فكراً لا علاقة له بالحضارة والإنسانية، وهي جملة مشروع اغتصاب وإبادة لكل ما هو عربي على هذه الأرض.

وهذه كتاباته منشورة ومنتشرة، تتناثر فيها أفكار عُرفت منذ ستينيات القرن الماضي، في روايات مثل الرواية التاريخية الشهيرة “الإله ولد في المنفى” للكاتب الروماني فنتيللا هوريا، ورواية لبناني/ استرالي يحمل اسم ديفيد معلوف عنوانها “حياة متخيلة”، حيث “يمكن أن يعيش الناس بسلام، فقط إن لم يكن أحدهم خائفاً من الآخر. فالخوف يجعلنا نتكلم بلغات مختلفة، وتصبح الحياة حرباً لا نهاية لها.. يخترع الناس فيها أسلحة بدل أن يخترعوا كلمات السلام”. والسعادة حسب بطل هاتين الروايتين الشاعر الروماني “أوفيد”: ” تعني ضمنياً أن يكون سيد نهاراته ولياليه، ولا يجبره أحد على قتل إنسان. وبهذا تتحقق حريته.. وماذا يريد الإنسان أكثر من هذا”؟

هذا النوع من “الإنسانية” الفردية بكل ما تعنيه كلمة الفردية من عزلة وانعزال، لا ترى في الإنسان جملة علاقاته وتفاعله مع محيطه، بل تراه كرة بلياردو أو ذرة هائمة (“حرّة”) في الفضاء، ولا ترى في الجماعات الإنسانية بروابطها وعلاقاتها إلا جماعات متخيّلة، لا أساس مادي تنهض عليه من أرض وتاريخ واقتصاد وتراث ثقافي… إلخ

بالطبع، المقصود بالجماعات التي روابطها متخيلة الشعوب غير الغربية، وبخاصة الشعب العربي الذي لا يستطيع كاتب مثل أمين معلوف تحمّل ذكر اسمه على لسانه، ولم يمر هذا الاسم في ذهنه ربما.

ألا يلفت النظر إصرار أصحاب هكذا فردية على أن الخليط السكاني في المستعمرة المسماة “إسرائيل” يشكل “شعباً”؟ وأن المتخيل، الذي مشكلته ليس احتلال أرضه وإبادة أطفاله، هو الشعب الفلسطيني؟

العربي الجديد

 

 

 

 

طلّة معلوف: ابتسامات بأنياب/ نجوان درويش

حين جاء المدعو بوعلام صنصال، المسمّى كاتباً بقوة المؤسسة الفرنسية، ليهرّج في مهرجان صهيوني في القدس المحتلة في ذكرى “توحيد المدينة” تحت راية المحتل في أيام كهذه الأيام قبل سنوات؛ لم نشعر سوى بالاشمئزاز، وكذلك الأمر حين ركع (حرفياً) قبل سنوات محسن مخملباف في مهرجان سينمائي إسرائيلي والتقطت له صور بلهاء وهو في تلك الوضعية المازوشية.

كان يمكن ملاحظة مزيج من انتهازية فاقعة وكره ذاتٍ عميق يدفع مثقفا أو فناناً لاسترضاء تركيبة استعمارية فاشية تعتدي على بلاده مثل “إسرائيل” والحج إليها. ولن يعدم الصهاينة أشباه هؤلاء مستقبلاً.

لكن ما دخْل أمين معلوف بهذا المشهد ولماذا يريد دخوله؟ يصعب التصديق أنه لا يعرف هوية وأهداف القناة الإسرائيلية التي “حاورته” وهو المقلّ والحريص في إطلالاته الإعلامية. يصعب التصديق أنها مجرّد سقطة أو وهن شيخوخة مبكرة. ليس مجبراً ولا مضطراً.

لماذا إذن يفعلها كاتب يحظى باحترام ومقروئية معقولين جداً في عالمه العربي، وفي وطنه بالولادة لبنان ووطنه بالاختيار فرنسا؟ هل هي صدفة أن هذه “الطلّة” على “إسرائيل” تجيء بعد منحه “جائزة شخصية العام الثقافية” من إحدى بلدان الخليج؟

هل نصّب معلوف نفسه أو نُصّب “وجهاً ثقافياً” لتلك الترّهة المسماة “المبادرة العربية”؟ هل ابتساماته السخيّة للمذيعة الصهيونية ذات الأنياب مجرّد بلاهة أم هي شطارة تاجر يعرف ما الذي يبيعه؟

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى