حسين عبد العزيزصفحات سورية

عن اتفاق المدن الأربع/ حسين عبدالعزيز

 

 

يشكل اتفاق المدن الأربع (كفريا – الفوعة – الزبداني – مضايا) استكمالاً لعملية التهجير القسري التي بدأت منذ عامين في مناطق شمال غربي دمشق.

قد يكون الاتفاق أنهى معاناة الزبداني ومضايا المستمرة منذ أعوام وفق المدافعين عن الاتفاق في صفوف المعارضة، لكن الثمن الذي دُفع يفوق بكثير هذه المنافع، وهو الأمر الذي جعل كثيرين من المعارضين يرفضون هذا الاتفاق، بمن فيهم أهالي البلدات الواقعة جنوب دمشق (بيت سحم، ببيلا، يلدا، مخيم اليرموك)، الذين تظاهروا قبل أيام ضد هذه الصفقة، كون الاتفاق سيشملهم في المرحلة الثانية من التنفيذ.

لم يعد في الزبداني ومضايا وبلدات جنوب دمشق عدد كبير من السكان بعد عمليات النزوح بفعل المعارك من جهة، وعمليات النزوح القسري التي اتبعها النظام من جهة ثانية، ومن بقي في هذه البلدات هم الذين حافظوا على الهوية السنّية.

فعلى سبيل المثال، فرغت مدينة الزبداني من معظم أهلها ومن معظم المسلحين الذين لم يبق منهم سوى بضع مئات، وكان باستطاعة النظام و «حزب الله» دخول المدينة والسيطرة عليها بسهولة وإجراء تسوية قسرية، لكنهما فضلا ترك المدينة للابتزاز التفاوضي، من أجل الحصول على صفقة مربحة في كفريا والفوعة.

ولذلك قام صانعو الاتفاق في حركة «أحرار الشام» وجبهة «فتح الشام» بتسليط الضوء على بعض النقاط التي تبدو ايجابية في الظاهر، مثل الإفراج عن معتقلات ومعتقلين داخل سجون النظام، وإدخال المساعدات الى هذه البلدات التي تعاني حصاراً خانقاً، والسماح للمسلحين وعائلاتهم ومدنيين آخرين بالخروج من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة، أي الانتقال من السجون الكبيرة إلى الحرية الواسعة.

أحد أهم نتائج هذا الاتفاق استكمال عملية تغيير الهوية الاجتماعية والسكانية للشريط الحدودي بين سورية ولبنان الممتد من الزبداني جنوباً إلى القصير شمالاً.

وليس مصادفة أن يتم نقل أهالي كفريا والفوعة إلى مدينة القصير، المقابل السوري لمنطقة الهرمل اللبنانية حيث الغالبية الشيعية، في حين يتواجد حوالى سبعين ألفاً من أهالي القصير في لبنان، ممنوعين من العودة إلى مدينتهم، وهو ما ظهر في الاتفاق الذي كشف منذ نحو شهرين بين «حزب الله» والمعارضة السورية الذي يقضي بعودة أهالي القلمون إلى مدنهم وبلداتهم باستثناء أهالي القصير.

خطة إيران و «حزب الله» واضحة، وهي إقامة شريط حدودي سوري مع لبنان لا يشكل فيه السنّة الثقل الحقيقي، عبر توطين جزء من الشيعة في هذه المناطق لتشكيل عمق استراتيجي يحمي شيعة لبنان في حال حصول تطورات في لبنان.

كما أن من شأن هذا التغيير الديموغرافي أن يضعف العمق الاستراتيجي السوري لسنّة لبنان في منطقة عكار التي ترتبط بامتداد تاريخي مع نظرائهم السنّة في حمص، والعكس صحيح.

لقد تم إفراغ جميع المدن والبلدات المطلة على الشريط الحدودي مع لبنان من ثقلها السني، لتتم الخطوة الثانية من خلال تأطير المنظومة الديموغرافية السنية بسكان شيعة سواء كانوا سوريين أو لبنانيين، في وقت يسيطر النظام و «حزب الله» سيطرة كاملة على هذا الشريط الحدودي.

ومن أخطار الاتفاق، الموافقة على إفراغ كامل لبلدتي كفريا والفوعة على دفعتين، ومن شأن هذه الخطوة أن تضعف موقف فصائل المعارضة في إدلب، لأنها ستخسر ورقة مهمة للمساومة مع النظام، سواء على مستوى المعارك العسكرية، أو على مستوى تبادل الأسرى بأعداد تفوق الرقم الذي تم التوافق عليه في اتفاق المدن الأربع (1500 معتقل).

وفضلاً عن ذلك، سيعني هذا الاتفاق إمداد النظام بعناصر مسلحة جديدة من كفريا والفوعة في وقت يعاني نقصاً حاداً في العديد البشري.

وأخيراً، يشكل الاتفاق فرصة للنظام للتخلص من أحد أسوأ ملفات الانتهاكات الإنسانية المتمثل في حصار أكثر من 40 ألف مدني حصاراً خانقاً منذ أكثر من عامين، وفشلت الأمم المتحدة أكثر من مرة في تسوية هذا الملف.

باختصار، شكل اتفاق المدن الأربع وقبله اتفاق حي الوعر واتفاقات محيط دمشق، خطوة كبيرة في عمليات التهجير القسري، وليس مصادفة عدم سماح النظام لكثير من الأهالي النازحين بالأساس من بلداتهم بالعودة إليها كما حصل في حمص، وليس مصادفة أيضاً أن عدم إقدام النظام على إعادة تأهيل البنى التحتية لهذه البلدات، كما حصل مع مدينة تدمر أخيراً حين تم استرجاعها من تنظيم «داعش»، هو خطوة لمنع الأهالي من العودة إلى مناطقهم الأصلية.

* إعلامي وكاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى