حسّان القالشصفحات سورية

عن الانتفاضة والعرعور


حسّان القالش *

فيما الوقت يمضي، والانتفاضة السورية تتّسع وتكبر وتنضج، يطفو على السّطح، في الشارع وفي نفسيّات السوريين المختلفة، كلّ العفن المجتمعيّ القديم، المتراكم خلال عقود من الحياة شبه البدائيّة التي عاشتها البلاد على مستوى السياسة والاجتماع والثقافة. وأخطر ما يطفو ذاك الوجه القبيح لنوع من الطائفيّة والمذهبيّة الأقدر على التدمير والخراب والتقسيم.

وقد لا يكون العرعور، هذا الشيخ التلفزيوني، آخر دلالات هذه الطائفيّة، بخطابه التحريضي والدمويّ، واستهدافه أبناء الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة في سورية، لاسيّما العلويين. على أن المشكلة في هذا الشيخ ليست خطابه فقط، بل تعدّيه على الانتفاضة الوطنيّة، والإيحاء بوزن له ثقيل فيها، الأمر الذي صدّقه جزء كبير من أبناء الأقليّات السوريّة، وأدخلهم في حالة ذعر وجوديّ حاد أسعد السلطة، التي استثمرت هذا الخوف لصالحها: «أنا أو العرعور». فمن لم يسمع بهذا الشيخ، الذي لم تسمع به إلا قلّة محدودة قبل الانتفاضة، صار يعرفه بفضل أجهزة الدولة الاعلاميّة والدعائيّة، فاكتسب شهرة وقيمة بفضلها!

والحال أن المثقفين السوريين قد أخطأوا عندما ترفّعوا عن التصدّي لظاهرة كظاهرة العرعور، وأصرّوا على طُهر الشارع المنتفض ورومانسيّة الثورة، ولم يقبلوا نقداً لها. بيد أن هذا لا يعني بأي حال أن المثقفين، والمعارضين الحقيقيّين، في وارد تشريع مثل هذه الظاهرة وغيرها، ولا يعني أيضاً أن توصم الانتفاضة بمجملها بمن يتبنّى أفكار العرعور وأشباهه. وما ترفُّع المثقفين المعارضين عن هذه الظواهر إلا رغبة في تهميشها المُفضي إلى تلاشيها حسب ظنّهم. والراهن أن السّلطة اليوم، وإلى جانب عملها المحموم لتقسيم المعارضة وتشويهها، تعمل أيضاً على الإيحاء بأن للانتفاضة ميولاً دينيّة راديكالية، جهاديّة ومذهبيّة، وتقدّم العرعور كمثال نموذجي لهذه الدّعاية، ساعدها في ذلك أيضاً انجرار بعض الشارع المنتفض وراء العرعور والمناداة باسمه أثناء بعض المظاهرات، وهو ما صدر عن شريحة متخلّفة اجتماعيّاً لا تلتزم أدبيّات الانتفاضة وأخلاقها، وهذا أمر طبيعي أن يحدث في شارع مفتوح يجابهه الأمن بالقتل وإراقة الدماء بشكل عبثي وجنونيّ، وهو ما اعترفت به السّلطة نفسها في أكثر من مناسبة.

بيد أن المؤلم في الأمر، هو مشاهدة قسم كبير من أبناء الأقليّات السوريّة، يكفُر بالانتفاضة والمنتفضين وينسفها من حساباته عن بكرة أبيها، متأثّراً بدعاية السّلطة وظواهر مكشوفة، كالعرعور وأمثاله، ولا يُقدم على أي عمليّة تفكير حرّ، بعيداً من العاطفة، في محاكمته لهذه الانتفاضة. وعندما نعلم أن جلّ هؤلاء أدمنوا متابعة العرعور وسماع خطابه، بما يحمله لهم من نذائر الموت والفناء، كأنهم يجترّون مخاوفهم ويؤكّدون عليها، وإنّ بين هؤلاء شباناً متعلّمين وجامعيين، ومنهم من يكتب المقالات ومن ينخرط في مجالات الفن والإبداع، فهذا مؤشر على ضعف في الايمان الوطنيّ والثقة بالنفس والقدرة على التغيير.

إن المثقفين المعارضين مطالبون اليوم بالتصدّي لظاهرة العرعور وأمثاله، وقطع الطريق على أي تشويش للانتفاضة. كما المطلوب اليوم من أبناء الأقليّات السورية أن يدركوا قيمتهم الحقيقيّة ومكانتهم في وطنهم، الغنيّ بمجتمعاتهم وثقافاتهم وتراثهم. المطلوب من الجميع إيمان شجاع ومسؤول بالوطن، فهو وحده المقدّس أبداً.

* صحافي وكاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. “وقد لا يكون العرعور، هذا الشيخ التلفزيوني، آخر دلالات هذه الطائفيّة، بخطابه التحريضي والدمويّ، واستهدافه أبناء الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة في سورية، لاسيّما العلويين”
    للأسف ينطبق عليك “صم بكم عمي” …
    أنا من متابعي برنامج العرعور … وأتحداك شخصياً أن تأتي بكلمة قالها خلال الثورة توحي بإرادة الانتقام من أبناء الأقليات أو التحريض على ذلك ..
    بل بالعكس .. هو دائماً يحث على الوحدة الوطنية ونبذ العنف …
    ليس لأحد إنكار دوره المحرض للشباب على التظاهر السلمي ..
    وأرجو ألا ييدفعك كرهك للإسلام أن تهذي بما لا ليس فيه أدنى وجه حق

  2. والله كأني عم اسمع مقال لأبواق النظام , أنت وأمثالك تريدون ان تتسلقو على دم الشهداء وتسرقو الثورة لمكاسبكم الشخصية …
    طبعاً أنا لم اقول ذلك اعتباطيباً … فأنا عملت بحث وشفت آرائك وما قيمتك بمقال واحد بس
    فأنت وأمثالك من أصحاب المواقف المذبذبة هويتكم هي “نحنا من المنتصر” …

    وانا اتحدااك شخصياً أن تأتي بمقطع واحد للعرعور يحرض فيه طائفياً على العكس تماماً
    فهو دائماًً يدعو للحمة الوطينة تحت سقف وطن واحد

    تحياتي لك
    وتطبحون على وطن

  3. أنا مع أحمد وآمنة فأنا تابعت العرعور أكثر من مرة ولم ألحظ في كلامه أي توجه طائفي بل العكس كان يدعو إلى الإخوة والوحدة الوطنية وأثناء حديثه عن العلويين كان يقول أيها العلويون الشرفاء
    فأرجو أن تعيد النظر
    والسلام عليكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى