صفحات مميزة

عن الانسحاب الروسي من سورية وتداعياته المحتملة –مقالات مختارة-

 

 

 

بوتين يعيد قراءة الأزمة السورية/ غازي دحمان

لم يتوقّع أي من المراقبين أن يعلن الرئيس الروسي فجأة قرار الانسحاب من سورية، حتى الأميركيون الذين يتميزون عن الآخرين بامتلاك شبكة ضخمة من مراكز الرصد والمتابعة والتقدير، بدا أنّهم متفاجئون بهذا القرار ولم يجدوا غير التشكيك فيه وسيلة لمواجهة الصدمة.

لكن في الغالب، فإن القرار ليس وليد لحظة ولا نتيجة ردة فعل عاطفية بل هو نتيجة قراءة معطيات كثيرة لدى صانع القرار الروسي، من ضمنها الوضع الميداني وقناعة القيادة الروسية التي اختبرت قوات بشار الأسد وحلفائه باستحالة استمرار الحفاظ على الأرض التي كسبوها، ومن ضمنها أيضاً الانعكاسات على الاقتصاد الروسي الذي لم يعد خافياً مدى تأثره نتيجة الانخراط المباشر في الحرب السورية، ومن الأسباب كذلك التوتر الإقليمي الذي يقترب من حافة الانفجار في وجه بوتين، وأيضاً التشبيك الحاصل في العلاقات مع أميركا والدول الأوروبية وإنهاء حالة العزلة الروسية في أوروبا إلى حد ما وقناعة الروس بأن كل ذلك من شأنه أن يتحطم في حال الاستمرار في الحرب.

ليس بعيداً من ذلك بداية تبلور موقف أوروبي حازم من السياسات الروسية وهو موقف مهم من شأن تطويره أن يأخذ ترجمات عديدة كلها قد تربك بوتين وخططه في وضع روسيا في مكانة عالمية مهمّة، وهو العامل الذي شكّل أحد أهم محركات التدخل الروسي في سورية.

غير أن ما يبدو سبباً مباشراً لاتخاذ بوتين هذا القرار فهو نابع من قناعته أن خريطة الأزمة السورية تاهت من بين يديه وإدراكه فشل النموذج الذي صمّمه للتعاطي مع الأزمة، أو على الأقل انتهاء مفاعيله، فالرجل الذي دخل ميدان الأزمة ولديه مقاربة واحدة تفضي إلى نهاية واحدة، وتقوم على استخدام موجات النار لإخضاع الجميع لرؤيته، اكتشف أن الأزمة أعقد من هذا الإجراء التبسيطي الذي يصلح أكثر لألعاب الكمبيوتر منه على واقع معقد بتفاصيل وتشعبات كثيرة، هي أزمة تولّد لموجات من الديناميات والتداعيات، وكلّما جرى رتقها من جهة تفتّقت من جهات أخرى، وأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات.

ولعل ما هو أهم من تحليل سبب انسحاب روسيا توقّع التداعيات التي سينتجها هذا الانسحاب، فهل ستنهار الهدنة التي رعتها روسيا بين النظام وفصائل الثوار؟ وهل سيحاول نظام الأسد تسخين الأوضاع الميدانية ليضغط على بوتين ويدفعه إلى التراجع عن قراره؟ ما هو موقع إيران وأذرعها في القرار الروسي؟ وما هو موقفها منه؟ وهل سيتراجع تدخلها أيضاً نتيجة فقدان الغطاء الجوي الروسي، وبخاصة بعد الانتشار الواسع لأذرعها على جبهات القتال بالاعتماد على المساندة الجوية لروسيا؟

ماذا أيضاً عن البنية العسكرية لنظام الأسد والتي قامت روسيا بإجراء تعديلات معينة عليها، بعضها حقق انفصالاً فعلياً عن المنظومة العسكرية لنظام الأسد ولإيران وصار تنسيقه بشكل كامل مع قاعدة حميميم، مثل الكتائب التي يقودها العقيد سهيل الحسن، وبعضها دفعته روسيا إلى تغيير نمط مهماته من العمل على الحواجز في المدن إلى المهمات القتالية المباشرة، مثل قوات الدفاع الوطني التي شاركت في استعادة بعض المناطق في ريف اللاذقية. وبالإجمال، فإن الحضور الروسي وإشرافه على مسرح العمليات العسكرية كانت له ترتيبات فرضتها طبيعة العمل وكان من نتيجتها حصول فراغات في التنسيق بين الرأس الذي يقوده نظام الأسد وأجهزته الأمنية وبين القواعد العسكرية المنتشرة على أكثر من عشر جبهات وفي احتكاك مباشر مع الخصم وتعوّدت على نمط سهل من القتال يرتكز على المساندة الجوية للطائرات الروسية.

ماذا عن تقاسم المعلومات الاستخبارية والغرف التي تم إنشاؤها لهذا الغرض في بغداد وحميميم، وعن منظومات الأسلحة الحديثة التي ورّدتها روسيا حديثاً إلى حليفها نظام الأسد؟ هل سيتم سحبها من أرض المعركة مع أن طواقم قوات الأسد لا تزال في طور التدرّب عليها وبعضها أسلحة فردية موجهة ضد الأفراد والآليات الصغيرة، وهو ما كانت إسرائيل قد حذرت موسكو من إمكان انتقاله إلى «حزب الله»؟

الانسحاب الروسي في هذا التوقيت وعلى هذا الشكل يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات وتداعيات كثيرة، كما أنه ينذر بتغيير ديناميكيات الصراع، ليس بين الأطراف التقليديين ولكن داخل جبهة الأسد وحليفته إيران، وخصوصاً مع سحب طهران جزءاً من مستشاريها معتمدة على إدارة روسيا وسيطرتها على مسرح العمليات. ثم هل ينتج هذا الانسحاب المفاجئ ظهور تيارات داخل منظومة الأسد بعضها متشدّد ويدعو إلى استمرار الصراع بأي طريقة وثمن، وبعضها واقعي يدعو إلى الاستفادة من فرصة السلام قبل زوال الغطاء السياسي الروسي؟

الأكيد أن هذا القرار سيخلق دينامية جديدة داخل سورية ستظهر نتائجها في المستقبل القريب.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

 

 

لماذا قلّص بوتين عسكره؟/ ميشيل كيلو

اعترف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالمهمة الحقيقية للقوات التي أرسلها إلى سورية، ونفى ما كان قد قدّمه في الماضي من أقوال متعارضة حول تدخله العسكري، ووضع حدّاً لتخميناتٍ مفعمةٍ بالتخبط، تكاثرت بعد إصدار أمره إلى وزير دفاعه بـ “إعادة القسم الأكبر من القوات الروسية” إلى بلادها، وقوله، ما ملخصه، إن مهمة قواته المتبقية في سورية ستقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار ودعم العملية السياسية، وهما مهمتان تحظيان بتأييد روسي، وصارتا ممكنتين، بسبب ما أحدثه تدخله العسكري من تبدّل في ميزان القوى لصالح النظام، من جهة، والتكلفة المادية المرتفعة لحملة القصف الجوي الكثيف التي لم يعد هناك ما يبرّرها، بعد تحقيق هدفها، من جهة أخرى.

تمكن قراءة هذا الكلام على النحو التالي: بعد أن حققنا التحول في ميزان القوى ضد الجهة التي كانت تهدد النظام، وهي الجيش الحر وفصائله، تحولت مهمتنا، وصارت المحافطة على الوضع الذي أنتجناه، وهذا ممكن اليوم بواسطة القوة العسكرية التي سنتركها في سورية، وستواصل القتال إلى جانب النظام الأسدي، حفاظاً على تفوقه النسبي الذي تكفلنا بتحقيقه لصالحه، ويجب اعتماده أرضية يبني عليها الحل السياسي المطلوب، انطلاقاً من تعزيز مواقع النظام في مفاوضات جنيف حول السلام.

لم يتغير موقف روسيا تجاه المعضلة السورية، على العكس مما روجه فهمٌ شاع، بعد قرار تخفيض عدد الطائرات الروسية في سورية، ذهبت تفسيراته مذاهب متناقضة، فادعى قسم منه أن روسيا هزمت، وفرّت من المعركة، لتنجو من فخ نصب لها بعد فخ أفغانستان الأول، بالهزيمة المهينة التي ترتبت عليه، وأودت بالاتحاد السوفييتي. بينما أعرب قسم آخر عن إعجابه بمهارات بوتين الاستراتيجية التي مكّنته من دخول سورية، والخروج منها في الوقت الذي اختاره، ويفسر عنصر المفاجأة عند الدخول والأمان عند الخروج، والنجاة من الأفخاخ التي نصبت له، بل وفرض إرادته على الأميركيين وغيرهم.

هل أنجز بوتين في سورية مهام كانت أميركا ترفض أم تريد تحقيقها؟ وهل كانت لتمكّنه من الدخول إلى سورية والبقاء فيها، وليس الانسحاب، لو لم يكن دوره فيها جزءاً من تفاهم على حل سياسي، يُراعي مصالحها، تتلمسه، خطوةً بعد أخرى، وبتتابع حثيث، عبر وزير خارجيتها، جون كيري، الذي لا يكاد يغادر الطائرة راجعاً من موسكو، حتى يعود إليها، تنفيذاً لتفاهمٍ نلمس مرتسماته العملية في مفاوضاته هناك، حيث يعالج الصعوبات الكثيرة جداً والملحوظة، التي يواجهها مبعوث الأمم المتحدة، دي ميستورا، والمجتمع الدولي، في جهودهما لتجاوز ما يضعه النظام الأسدي من عقباتٍ متنوعةٍ وكأداء أمام تطبيق قراراتٍ دولية عديدة، يعني تطبيقها الاستجابة لمطالب السوريين، بإزاحة كابوس الأسدية عن صدورهم، ونقلهم إلى نظام ديمقراطي، أعلنوا، طوال أعوام الثورة الخمسة، تصميمهم على بلوغه، مهما تطلب من تضحيات؟

هل أوقفت موسكو هجماتها ضد الجيش الحر، وقلصت وجودها العسكري في سورية، لأن بديل ذلك كان سقوط تفاهمها مع واشنطن بشأن الحل السياسي السوري، ووقوعها في فخ خطير اجتياز خط أميركي أحمر، أعلن عن وجوده وزير خارجية واشنطن في حديثه عن “خطة ب ” تتم دراستها، واستعداد السعودية وبلدان عربية أخرى لإرسال قوات برية من أجل القتال في سورية، بينما أدت خطوتها إلى الإبقاء على تفاهمها مع واشنطن، وتمتعها بالهيمنة على جزء من سورية وشاطئ المتوسط الشرقي، وتجنب نكسة معنوية، سياسية وعسكرية، قد تدمر ما بناه بوتين، بجهد جهيد من مكانة لدى شعبٍ يعاني الأمرّين اقتصادياً، تحاول “داعش” اختراقه وتوجيه ضرباتها إلى مدنه، وقتل مواطناته ومواطنيه وإرهابهم.

لم ينسحب بوتين من سورية، بل قلص وجود جيشه فيها، وأبقاه في حدود تقبلها أميركا، سواء في ما يتعلق بموازين القوى معها، أم بترك باب الحل السياسي مفتوحا، لسورية وما وراءها من بلدان ودول. ولو فعل غير ذلك، لكان ربما ارتكب غلطة فادحة الثمن، ويصعب تصحيحها.

العربي الجديد

 

 

 

 

في توقيت الانسحاب الروسي/ حسين عبد العزيز

إذا كان قرار الرئيس الروسي سحب القسم الأكبر من القوات العسكرية الروسية من سورية مفاجئاً من ناحية التوقيت، فإنه غير مفاجئ من حيث المبدأ، ذلك أن التدخل العسكري الروسي في سورية لم يعد له معنى على الصعيد العسكري في ظل الهدنة المستمرة.

لقد حققت روسيا أهدافها الرئيسية الثلاث من تدخلها العسكري في سورية: أولاً من خلال فك العزلة الدولية عنها وإعادتها بقوة إلى المسرح الدولي، والثاني إبعاد أي خطر ميداني يهدد النظام، وتمكين الأخير من المحافظة على المنجزات العسكرية التي تحققت كخطوة ضرورية قبيل انطلاق مفاوضات جنيف السياسية، وثالثاً تثبيت تواجدها الاستراتيجي في سورية عبر قاعدتين عسكرتين، بحرية في طرطوس وجوية في اللاذقية.

لكن السؤال المهم ليس متعلقاً بعملية الانسحاب العسكري في ذاتها وإنما في توقيت الإعلان الذي تزامن مع يوم انطلاق مفاوضات جنيف وبعد يومين من تصريحات وزير خارجية النظام وليد المعلم التي نسف فيها أسس العملية السياسية.

ثلاث رسائل سياسية وراء توقيت إعلان الانسحاب:

1ـ وقف فائض القوة لدى النظام عبر تثبيت الاستثمار السياسي للإنجازات العسكرية عند حد معين، وبالتالي إعطاء الأولوية للمستوى السياسي، وهذا ما أكده بوتين في اتصاله مع الأسد «إن الوقت قد حان لأن تؤدي الديبلوماسية دورها» وما أكده أيضاً خلال اجتماعه مع وزيري الدفاع والخارجية في الكرملين.

هي رسالة سياسية للنظام السوري في المقام الأول بعدما ضرب الأخير الجهود الروسية بعرض الحائط ثلاث مرات، الأولى حين أعلن الأسد رفضه الهدنة وأنه ماض في القتال، فجاءه الرد من المندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركن الذي قال إن تصريحات الأسد لا تتماشى مع الجهود الديبلوماسية التي تقوم بها روسيا، ومع أن تصريح تشوركن كان تصريحاً شخصياً بحسب قوله، لكن شخصاً بمستواه السياسي لا يطلق تصريحات ارتجالية أو شخصية من هذا النوع لو لم تكن تعكس الموقف الحقيقي لموسكو.

والثانية حين حدد الأسد موعداً لإجراء انتخابات تشريعية، فجاءه الرد من المتحدثة باسم الخارجية الروسية التي أعلنت في مؤتمر صحافي إن الانتخابات تجري بالتوافق مع المعارضة وضمن المرحلة الانتقالية.

وأخيراً جاء الامتعاض الروسي من تصريحات المعلم التي ضرب فيها جميع التفاهمات الروسية ـ الأميركية المتمثلة في اجتماعي فيينا وفي القرار الدولي رقم 2254، وكانت المكالمة الهاتفية التي أعقبت هذا التصريح بين لافروف والمعلم ومن ثم بين بوتين والأسد دليلاً على الاستياء الروسي.

لقد كانت الرسالة الروسية واضحة: أي محاولة لإفشال جنيف من قبل النظام لن تكون روسيا جزءاً منها، وعلى دمشق تحمل تبعاتها، أما إعلان موسكو استمرار دعمها النظام فهي رسالة ليست له وإنما للأطراف الإقليمية والدولية إذا حاولت الخروج على نص التفاهمات الروسية الأميركية.

2ـ رسالة سياسية إلى الأطراف الإقليمية الداعمة للمعارضة مفادها أن موسكو ليست متمسكة بشخص الأسد لكنها متمسكة بأسلوب حل الأزمة السورية، وأن موسكو لا تريد ضرب المصالح الإقليمية في سورية وبالتالي دفعها إلى التحرك مع تركيا في الشمال السوري.

والأهم من ذلك أن موسكو لا تريد حصول مجابهة مع السعودية كما جرى مع تركيا، إذ تبدو موسكو اليوم بحاجة كبيرة إلى الرياض في ما يتعلق بالتفاهم على تثبيت إنتاج النفط العالمي عند مستويات كانون الثاني (يناير) الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي في الدوحة بحضور وزير النفط السعودي.

ومن المتوقع أن يعقد الشهر المقبل اجتماع بين منتجي النفط في موسكو من أجل التوصل إلى اتفاق عالمي لتجميد الإنتاج لا يمكن أن ينجز من دون توقيع الرياض في ظل تخمة المعروض.

وروسيا بحاجة إلى هذا الاتفاق في ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها وفي ضوء حسابات وزارة المالية الروسية التي توقعت ارتفاع رسوم تصدير النفط في البلاد 39 في المئة على أساس شهري للطن في نيسان (أبريل) المقبل.

وليس صدفة أن يكون الخطاب السياسي الروسي تجاه أنقرة حاداً بينما هو مع الرياض عقلاني وموضوعي ومنفتح على رغم تناقض الموقفين حيال سورية، حيث تأمل روسيا أن تتم زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إليها في أسرع وقت.

3ـ رسالة سياسية إلى الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة أن روسيا ملتزمة بتعهداتها وقد أثبتت أنها جزء من الحل وليست جزءاً من المشكلة، ومن شأن ذلك أن يفتح باب الحوار حول أوكرانيا وحول الدور الروسي على مستوى أوسع، وربما تشبيه المسؤولين الروس الانسحاب العسكري من سورية بأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 فيه من الدلالة ما يكفي على النتائج التي يمكن أن تحصل في حال تعاونت موسكو وواشنطن معاً.

وتأمل موسكو أن تمهد الخطوة السورية هذه إلى فك العقدة الأوكرانية بإنهاء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، للانتقال إلى مرحلة أخرى من التعاون على المستوى العالمي في ظل تصور روسي لواقع عالمي جديد يتقاطع مع تصورات أوباما.

* كاتب وإعلامي سوري

الحياة

 

 

 

 

الحسابات الروسيّة على ضوء وقف إطلاق النار في سورية/ ألان غريش

يقع مبنى وزارة الخارجيّة الروسي الضخم الستاليني الهندسة، في وسط موسكو، يطلّ عليه برج عالٍ. يسرع مئات الموظفين في ذلك الصباح، ليلتحقوا بمكاتبهم. يتطرّق مساعد وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف الذي يجيد العربيّة بامتياز، للمحادثات التي سيجريها الرئيس، فلاديمير بوتين، في اليوم نفسه مع نظرائه من العالم أجمع، الرئيسين السوري بشار الأسد والإيراني حسن روحاني والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ومع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وكلّ المعنيّين من قريبٍ أو بعيد بالملفّ السوري. كان بوغدانوف سفيراً في تل أبيب والقاهرة، وشغل عدّة مرّات منصب سفير روسيا في دمشق. وهو، منذ أكتوبر/تشرين الأوّل 2014، الممثّل الخاصّ للرئيس الروسي في الشرق الأوسط وإفريقيا.

الأمور واضحة بالنسبة لبوغدانوف: “ليس هناك من حلٍّ عسكري للأزمة السورية”، لكنّه يضيف: “لا نريد أن نظهر الأمور ببساطةٍ أكثر ممّا هي عليه؛ هناك قوى كثيرة، داخل سورية وخارجها، تعارض هذا المسار وتلحّ على ضرورة رحيلٍ مبكّر للرئيس الأسد. لا بدّ من التذكير بنتائج هذه الاستراتيجية في ليبيا والعراق”. يعطي بوغدانوف الأولويّة للتنسيق مع الولايات المتحدة، ليس فقط على المستوى السياسي؛ سيتمّ إنشاء مركز مشترك لجمع المعلومات اللازمة لمتابعة وقف إطلاق النار، من أجل تحديد الأهداف العسكريّة المقبولة ومعاينة “المجموعات الإرهابية”.

يشرح أحد الخبراء الروس في شؤون الشرق الأوسط: “فوجئنا بالتزام بوتين شخصيّاً. قام بتنازلات، ولا سيّما في ما يتعلّق بحصر صفة الإرهاب بتنظيم الدولة الإسلاميّة وجبهة النصرة”، في حين أنّ موسكو كانت تطالب بوسم مجموعات أخرى بهذه الصفة. ويؤكّد الخبير نفسه: “وحتى ضباطنا فوجئوا، وكان الاندفاع قد أخذهم بحكم نجاحات الأسابيع الماضية”.

وماذا لو قبلت مجموعات، كأحرار الشام أو جيش الإسلام، بوقف إطلاق النار؟ “سندرس تصريحاتهم ونياتهم. كان هذا جواب بوغدانوف الذي يذكّر، على الرغم من ذلك، أن موسكو قبلت في مفاوضات السلام الأخيرة في جنيف، بحضور محمد علّوش، الذي تزعّم جيش الإسلام بعد مقتل أخيه زهران علّوش من جرّاء قصفٍ روسي.

حصيلة إيجابيّة في نظر موسكو

تسود في موسكو قناعة أنّ قرار التدخّل العسكريّ الذي أخذته في خريف 2015 لعب دوراً

“الأمور واضحة بالنسبة لبوغدانوف: “ليس هناك من حلّ عسكري للأزمة السورية”، لكنّه يضيف: “لا نريد أن نظهر الأمور ببساطة أكثر ممّا هي عليه” حاسماً لفتح صفحة جديدةٍ، وتفادي تكرار السيناريو الليبي الذي ما انفكّ يرعب الروس. أدّى قرار التدخّل العسكريّ الذي أخذه بوتين بنفسه إلى قلب ميزان القوى على الأرض، على الرغم من الاصطدام بمقاومةٍ فاجأت الروس في الفترة الأولى. وقد أكّد لنا ذلك، في ديسمبر/كانون الأول 2015 في بيروت، أحد قياديّي الصف الأوّل في حزب الله: فخلافاً لتوقّعاتهم، لم يتمكّن الروس من الحصول مباشرةً على النتائج المطلوبة. وقد اعتمد الروس التصعيد واللجوء إلى القصف المكثّف، من دون أيّ اعتبار لمصير المدنيين، وذلك للقضاء على تلك المقاومة بحكم عجز الجيش السوري من الاستفادة من التغطية الجوّيّة المتوفّرة. وفي نهاية ديسمبر 2015، انقلب ميزان القوى، وبدأ الجيش السوري، وقد أعاد الروس ترتيبه، بالتقدّم نحو حلب.

الحصيلة الإنسانيّة لهذه الحملة مأساويّة، إلّا أنّ الروس حقّقوا ما كانوا يأملون تحقيقه. فرضت روسيا نفسها مقابل الولايات المتّحدة قوّة لا بدّ من أخذها بالحسبان في هذه الأزمة، ومتجاوزين بذلك إيران. فدعمت ركائز النظام السوريّ، ووضعته في موقعٍ أفضل في المفاوضات الآتية. جرّبت أسلحتها الجديدة، ولا سيّما طائرات سو-35-إس Su-35S الحربية، ودبابات تي-90 T-90، والصواريخ الباليستية انطلاقاً من البحر الأسود. وذلك بكلفة مادّيّة محدودةٍ نسبياً (3 مليارات دولار من أصل 44 مليار دولار، محسوبةٍ على ميزانيّة 2016)، كما أنّ روسيا استطاعت وضع قاعدة عسكريّة في اللاذقيّة، أوّل قاعدةٍ دائمة لها في المنطقة منذ نهاية التحالف مع مصر. وأخيراً، فرضت على دمشق إعادة تنظيم الجيش النظامي، والتي تصرّ روسيا على ضرورة المحافظة عليه، مهما كان الثمن، خصوصاً أنّه قد يشكّل العمود الفقريّ لدولةٍ سورية موحّدة. فهناك إلحاح، هنا، على ضرورة تفادي التدابير التي اتّخذتها واشنطن في العراق، بعد 2003: حلّ الجيش العراقيّ وحزب البعث. ويضيف بوغدانوف في هذا الصدد: “والأميركيون يوافقوننا الرأي هذه المرة”.

مخادعات النظام السوريّ

هنا، يحمل وقف إطلاق النار قراءتين: أن يكون تمويهاً لمخادعة الغرب وتمكين الأسد من التقدّم من أجل استعادة السيطرة على كلّ سورية؛ أو تعبيراً عن إرادة روسيا التوصّل إلى اتّفاقٍ فعليٍّ، ما يفترض حلّاً وسطاً.

في مؤتمرٍ نظّمه مركز فالداي في موسكو في 26 و27 شباط/فبراير الماضي، وجمع خبراء

“يحمل وقف إطلاق النار قراءتين: أن يكون تمويهاً لمخادعة الغرب وتمكين الأسد من التقدّم من أجل استعادة السيطرة على كل سورية؛ أو تعبيراً عن إرادة روسيا التوصّل إلى اتفاق فعليّ، ما يفترض حلاً وسطاً” روسيين وأجانب في شؤون الشرق الأوسط، تواردت آراء مختلفة، بما فيها روسيّة: هكذا رسم سفير روسيّ سابق صورةً مغرية عن الرئيس السوري، مؤكّداً أنّ إعادة انتخابه أمر سهل، وأنّه سيدير البلاد من جديد في المستقبل، إلّا أنّ رأيه هذا لا يعكس الموقف الرسميّ الأكثر حذراً بكثير. فقد أبدى لنا أحد الرسميّين تخوّفه من مخادعات نظام دمشق. وتدلّ حادثة جرت، أخيراً، على الجوّ المتوتّر بين الحليفين. فبعد أن صرّح الرئيس الأسد أنّ هدفه استعادة السيطرة على كلّ الأراضي السورية، أتى فيتالي تشوركين، ممثّل روسيا لدى الأمم المتّحدة، بردٍّ حازمٍ في 18 فبراير/شباط: “استثمرنا كثيراً في هذه الأزمة، سياسيّاً ودبلوماسياً، وعسكريّا أيضاً. حبّذا لو يأخذ الرئيس الأسد ذلك بعين الاعتبار”. وحين أعلنت السلطات السوريّة عن انتخاباتٍ نيابيّة في 13 إبريل/ نيسان المقبل، أكدّت الناطقة الإعلاميّة لوزارة الخارجيّة الروسيّة في 24 فبراير/شباط أنّ موسكو مصرّة على مسارٍ سياسيّ، يؤدّي إلى دستورٍ جديد، ومن ثمّ إلى انتخابات.

ذلك أنّ الاحتفاء بالنصر ليس على جدول الأعمال في موسكو، فالجيش السوريّ حقّق انتصاراته بكلفة دمارٍ هائلة. ولئن استعاد السيطرة على كامل الأراضي السوريّة، والاحتمال قليل، لأنّ روسيا ترفض الانزلاق في رمالٍ متحرّكة، فمن سيدفع كلفة إعادة الإعمار التي تقدّر بعشرات مليارات الدولارات؟ فليس ذلك في وسع روسيا التي تعاني من أزمة اقتصادية حادّة، بسبب انهيار سعر النفط: وهل يمكن لروسيا أن تنجح في سورية، في حين أنّ الولايات المتّحدة أخفقت في العراق؟

في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2015، أصرّ بوتين في خطابه أمام الحكومة بخصوص مسألة التدخّل في سورية قائلاً: “ليس لدينا أيّة نيّةٍ للانخراط بعمقٍ في الصراع (…)، سنواصل دعمنا لفترةٍ محدودة، وطالما أنّ الجيش السوريّ مًستمرّ في حربه ضدّ الإرهاب”.

حذر تجاه طهران

في ما يتعلّق بالعلاقات مع إيران، فهي جيّدة، لكنّها بالتأكيد ليست استراتيجية. وفي موسكو، تجري تساؤلات عدّة حول نيات طهران، فكما أشار الرئيس حسن روحاني، أمام وسائل الإعلام الأميركيّة، في 25 سبتمبر/أيلول في نيويورك، على هامش الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة: “لا يوجد تحالف بين إيران وروسيا في ما يتعلّق بالحرب ضدّ الإرهاب”، وخلال مداخلته في مؤتمر فالداي، ذكر أحد الإيرانيّين أنّ فلسفة بلده تقوم على عدم تدخًّل القوى الخارجيّة في شؤون دول الخليج، بما فيها روسيا.

يبدو خطاب فيودور لوكيانوف، وهو رئيس تحرير مجلّة Russia in Global Affairs أكثر وضوحاً: “رحيل الأسد مقبول لدينا، لكنّه غير مقبول لدى الإيرانيّين”. ويؤكّد على جانب

“العلاقات مع إيران، جيّدة، لكنّها بالتأكيد ليست استراتيجية. وفي موسكو، تدور تساؤلات عدّة حول نيات طهران” مهمٍّ في القرار الروسي: “منذ ربيع 2015، وافتنا الأجهزة الاستخبارية بتقارير مثيرة للرّيبة عن انخراط متطوعين روس من آسيا الوسطى في صفوف تنظيم الدولة الإسلاميّة”. يقدّر عددهم ببضعة آلاف. وقد أعلن رئيس الوزراء، ديميتري مدفيديف، في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، على القناة الروسية الأولى “نريد أن نحمي الشعب الروسي من التهديد الإرهابي، ومحاربته في الخارج أسهل من محاربته داخل البلاد”. وهذه حجّة استعملها زعماء أوروبيّون كثيرون، على مدى الأعوام الخمسة عشر الأخيرة، وكذّبها الواقع بوضوح.

يعترف الجميع أنّ مستقبل اتّفاق وقف إطلاق النار يعتمد على الفاعلين المحليين. فقد ولّى زمن الدول العظمى التي تقرّر عوضاً عن حلفائها. لا تدفع مداخلة بثينة شعبان، مستشارة الرئيس الأسد، التي تفسّر الأزمة السوريّة على أنّها “مؤامرة من الخارج” ضدّ بلدٍ “علماني” و”عربي” على التفاؤل. ويعترف أحد المسؤولين الفلسطينيّين المقيمين في دمشق، والذي كان موجوداً في موسكو، بأنّه “لم يكن هناك لدى حكومة دمشق أيّة نيّةٍ بالتفاوض، فهي تعتبر المجموعات المسلّحة كلّها إرهابيّة. تريد النصر الكامل”. ولكنّه أكّد، بعد لقائه بمسؤولين روس، أنّ روسيا لا تريد الانزلاق “وتمديد تدخّلهم من خمسة أشهر إلى خمسة أشهر إلى ما لانهاية”، فحرب أفغانستان لم تسقط في النسيان، وتذكّر موسكو أنّه لم يتمّ إرسال أيّ جندّيّ إلى الجبهة السوريّة.

“القيصر والسلطان”

في حين يبدو أنّ السعوديّة دعمت اتّفاق وقف إطلاق النار، ودفعت المعارضة السوريّة بهذا الاتّجاه، تبدي تركيا تحفّظاتها بوضوح، فهي تطلب تصنيف حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي PYD تنظيماً إرهابيّاً غير مشمول باتّفاق وقف إطلاق النار، على الرغم من أنها توقّفت عن قصف شمال سورية الذي يسيطر عليه ذلك الحزب الذي أعلن أنّه سيحترم وقف إطلاق النار. وهو القوّة الوحيدة التي تحظى بدعم نشطٍ من الولايات المتّحدة وروسيا. يعترف ممثّل الحزب في موسكو بأنّ ذلك الدعم المزدوج يشكّل ضغطاً، لأنّ الحزب يرفض “الخيار”، فخلال يناير/كانون الثاني الماضي، افتتحت “الإدارة الذاتية” لمنطقة روجافا الواقعة تحت سيطرة حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي في شمال سورية مكتباً لها في موسكو.

ويشكّل تدهور العلاقات بين موسكو وأنقرة، منذ رفضت الأخيرة تقديم اعتذار، بعد إسقاطها طيّارةٍ حربيّةٍ روسيّةٍ في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني، عاملاً يدفع إلى الاحتراس والقلق. وقد زادت شخصيّة الزعيمين بوتين وأردوغان (القيصر والسلطان) من حدّة هذا التصعيد، مع أنّه تمّ الحفاظ على العلاقات بين البلدين طوال سنوات الحرب الباردة، وحتى خلال السنوات الأولى من الحرب السورية، على الرغم من الخلافات في وجهات النظر، إلا أنّنا نشهد، منذ ذلك التاريخ، تصعيداً شفويّاً وعمليّاً. فرض بوتين عقوباتٍ على المنتجات المستوردة من تركيا، وأعطى نصائح صارمة للمواطنين الروس بعدم الذهاب إلى تركيا. ولا بدّ طبعا من استثناءات: فاستثمارات تركيا في مجال البناء في روسيا تقدّر بـ16 مليار دولار، ولا سيّما في تحضير الألعاب الأوروبيّة في 2018، إلّا أنّ التنديدات المتبادلة تحول دون إيجاد شروط تنسيق مناسبة في سورية.

خطّة بديلة؟

غداة اتّفاق وقف إطلاق النار، أعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أنّه من الضروريّ التفكير بخطّة بديلة، إن فشل تنفيذ هذا الاتّفاق، من دون أن يحدّد بالضبط معالم هذه الخطّة. استاءت موسكو كثيراً من هذا التصريح، ورأت فيه تهديداً بالتصعيد، ربّما عن طريق زيادة الدعم “للمتمرّدين” السوريّين، إلّا أنّ الجميع يعلم أنّ فشل الاتّفاق في التوصّل إلى انطلاق المفاوضات يعني أنّ التصعيد العسكريّ هو الحلّ الوحيد الموجود. وموسكو تعرف أنّها ستدفع الثمن غالياً في هذه الحالة.

العربي الجديد

 

 

 

انسحاب روسي مفاجئ من سوريا/ د. بشير موسى نافع

متحدثاً لعدة مئات من ضباط جيشه في قاعة سانت جورج بالكريملين (17 آذار/مارس)، أكد الرئيس الروسي، من جديد، على أن العملية التي تعهدتها موسكو في سوريا منذ نهاية ايلول/سبتمبر الماضي حققت أهدافها. غلف بوتين خطابه، الذي نقل مباشرة إلى المشاهدين الروس عبر وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، في لغة مفعمة بالأمجاد القومية، ولم يغفل عن تذكير مستمعيه بأن جدران قاعة سانت جورج تحمل سجلاً طويلاً لتاريخ العسكرية الروسية وإنجازاتها. ولكن الخطاب في معظمه، على أية حال، لم يكن سوى تسويغ لعملية الشهور الخمسة في سوريا، لتكلفتها المالية، ما أنجزته من أهداف على صعيد الأزمة السورية، وما يتعلق بدور روسيا وموقعها في العالم.

كان بوتين قد أصدر أمره يوم 14 آذار/مارس بسحب معظم القوة الروسية الجوية، المتمركزة في قاعدة حميميم قرب مدينة اللاذقية السورية. وما إن أعُلن في موسكو عن القرار، حتى انشغلت دوائر الإعلام والسياسة، داخل روسيا وخارجها، بمحاولة تفسير خطوة القيصر. «مفاجئاً» كان الوصف المشترك بين الاغلبية العظمى من التعليقات والتحليلات التي سارعت لقراءة قرار بوتين، حتى تلك التي صدرت عن متحدثين رسميين في الولايات المتحدة وأوروبا. وليس ثمة شك أن القرار كان مفاجئاً. بشار الأسد، رئيس الدولة المضيفة للقوة الروسية، ومركز الأزمة السورية برمتها، أبلغ بقرار موسكو قبل ساعات فقط من بدء عودة أسراب الطائرات والطياريين الروس إلى بلادهم؛ وأبلغ في اتصال هاتفي من الرئيس الروسي، لا أكثر. «مفاجئاً»، نعم، بالتأكيد، لأن هذه هي طريقة رجل الاستخبارات السابق في توكيد استقلال روسيا، وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة من التفاف الرأي العام الروسي حول قيادته. ولكن قرار بوتين ليس بلا منطق.

أحاطت بالتدخل الروسي المباشر في سوريا مبالغات لا حصر لها، سيما في الأوساط المؤيدة لنظام بشار الأسد وإيران. وقد شاعت في قراءات هذه الأوساط جمل وأوصاف مثل «عودة الدب الروسي إلى ساحة الصراع الدولي»، و»تحدي روسيا لأوباما»، و»موسكو تعيد رسم ميزان القوى في الشرق الأوسط»، وأخرى شبيهة. الحقيقة، بالطبع، أن العملية الروسية في سوريا كانت محدودة من البداية، وأنها رسمت على خلفية من الحرص على عدم التورط والغرق في الأزمة السورية، وأن أهدافها تعلقت بما هو أبعد من سوريا نفسها. في لحظة بدا أن نظام الأسد، وبالرغم من الدعم الإيراني الكبير ودعم الميليشيات الشيعية، كان في طريقه لخسارة الحرب، أراد الروس منع سقوط النظام بالقوة، وتوكيد موقفهم القائل بأن الأنظمة لا يجب أن تسقط باسم الديمقراطية. خلال الفترة من 2011 إلى العام الماضي، رأت القيادة الروسية أن الولايات المتحدة والقوى الغربية تدفع بموجة الديمقراطية بعيداً، ليس فقط في الشرق الأوسط وأوكرانيا، بل وقد تصل في النهاية إلى روسيا نفسها. ولكن موسكو كانت تدرك أن تحقيق انتصار كامل لنظام الأسد يتطلب أكثر من عملية جوية، وانخراط روسي واسع النطاق على الأرض. وهذا ما كان بوتين مصمماً على أن لا يحدث.

من جهة أخرى، وجد الرئيس الروسي في الأزمة السورية فرصة لإعادة توكيد دور روسيا وموقعها على الساحة الدولية، كشريك أصيل للولايات المتحدة والقوى الغربية في تحديد صورة العالم. كما وجد في سوريا فرصة لإعادة التفاوض على أسس جديدة حول أوكرانيا ومستقبلها، وحول سياسة توسع حلف الناتو، الماضية بصورة حثيثة.

ويمكن القول أن العملية الروسية في سوريا حققت بعض أهدافها، ولكن بعض هذه الأهداف فقط. أوقفت العملية الثوار السوريين عن التقدم، وحمت نظام بشار من السقوط في ساحة الحرب. وربما وفرت روسيا، وإن بصورة غير مباشرة، خدمة مجانية للموقف الأمريكي في سوريا. فمنذ صيف 2015، أخذت واشنطن تعرب عن قلق واضح لحلفائها الإقليميين من أن تعدد مجموعات الثوار المسلحة، وتوجهات بعض المجموعات الإسلامية الراديكالية، ستجعل من المستحيل توفر بديل مناسب لنظام الأسد؛ وأن سقوطاً سريعاً للنظام قد يوقع سوريا فريسة لتنظيم الدولة. وكان هذا بالتأكيد سبب الترحيب الأمريكي المستبطن بالتدخل الروسي، والتنسيق الأمريكي العسكري السريع في سوريا، الذي توصل إليه البنتاغون مع وزارة الدفاع الروسية. بغير ذلك، لم تحقق العملية الروسية أية أهدف جوهرية أخرى. حافظت القوى الغربية على الفصل بين أوكرانيا وسوريا؛ فتحت قنوات الاتصال الأمريكية ـ الروسية من جديد، ولكن شيئاً من العقوبات المفروضة على روسيا لم يرفع؛ واستمرت سياسة توسع الناتو على ماهي، بضم مقدونيا إلى الحلف. ما يحسب لبوتين، على أية حال، أنه اختار اللحظة المناسبة لسحب معظم قواته، وعدم الانجرار إلى التورط العميق في الأزمة السورية.

بيد أن خطوة سحب معظم القوة الروسية من سورية لم تؤخذ بدون سياسة بديلة. والواضح، على أية حال، أن روسيا التزمت بالفعل، سيما خلال الأيام القليلة التي سبقت الإعلان عن سحب معظم قوة العمليات الجوية، بالهدنة. وعندما قدم الأمريكيون لنظرائهم الروس أدلة كافية على أن قوات النظام هي من قام بمعظم الخروقات منذ إعلان الهدنة، لم تتردد موسكو في الضغط على الأسد للتوقف عن محاولات تقويض الهدنة. ولم يختلف الموقف الروسي كثيراً، في رد فعله على تصريحات الأسد لوكالة الأنباء الفرنسية، التي قال فيها أن هدفه هو مواصلة الحرب حتى فرض سيطرة نظامه على كافة الأراضي السورية. موسكو، باختصار، توصلت إلى قناعة بأن الحل العسكري للأزمة في سوريا غير ممكن التحقق، سواء لعجز قوات الأسد وحلفائه عن الانتصار في الحرب، أو لأن القيادة الروسية لن تسمح بتورط عسكري طويل المدى على أرض سوريا. ولابد أن القرار الروسي بسحب معظم القوة الجوية من قاعدة حميميم قد ولد من الشعور بأن بعضاً من الضغط بات ضرورياً من أجل إقناع الرئيس السورية بحقائق الواقع. في نهاية الأمر، كان غباء الأسد ووحشية أجهزته من أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه؛ وإن كان الأسد لم يزل يجلس على مقعد الرئاسة السورية، فلأن هذا المقعد يستند إلى دعم إيراني وروسي كبير. وهذا ما تعرفه موسكو، وما يتردد في دائرة بوتين الصغيرة، وما يحاول الروس دفع حليفهم في دمشق لإداركه.

الحل، إذن، لابد أن يتم الوصل إليه بالتفاوض، وعبر تقديم تنازلات ملموسة من طرفي الأزمة الرئيسين: النظام والمعارضة. والواضح، أن الروس والأمريكيين يعقدون مفاوضات خلف الستار بهدف التوصل إلى توافق على الإطار العام للحل التفاوضي، الذي سيحاول كل منهما فرضه على حلفائه. والواضح، أيضاً، أن مسألة النظام الفيدرالي إحدى المسائل المطروحة في النقاش الدائر بين الروس والأمريكيين. وهنا تقع تحديات ما بعد الهدنة وما بعد بدء مفاوضات جنيف بالنسبة للمعارضة وقوى الثورة السورية. ليس ثمة خلاف على أن حظوظ التقدم في المسار التفاوضي، أو العودة إلى ساحة الحرب، تبدو متساوية الآن. ولكن، إن مال ميزان القوى باتجاه المسار التفاوضي، فإن معركة السوريين مع محاولة الراعيين الكبيريين للمفاوضات: أمريكا وروسيا، لن تقل عن حجم المعركة مع قوات الأسد والميليشيات الشيعية والطائرات الروسية، التي وفرت له المساندة خلال سنوات وشهور الحرب الأخيرة.

٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

القدس العربي

 

 

النصر الروسي التائه في سوريا/ بسام مقداد

الأنظمة التسلطية لايسعها أن تُهزَم، بل تُحوّل كل هزائمها إلى انتصارات، طالما أن النظام صامد “بوجه مؤامرات الأعداء، الذين هم كل من لا ينضوي تحت مقدس هذا النظام”.

يصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بكلّ سلطته المطلقة تقريباً، وأجهزة اعلامه المهيمنة كلياً على المجتمع الروسي، على “أن انسحاب روسيا الجزئي قد جاء بعد أن نفذت وزارة الدفاع، بشكل أساسي، المهمة الملقاة على عاتقها في سوريا”. يقول المستشرق الروسي والإقتصادي ورئيس معهد “الشرق الأوسط المستقل” يفغيني ساتانوفسكي، على موقع ” vzglyad” الإلكتروني الروسي المؤيد للسطات الرسمية، إن انسحاب القوات الروسية من سوريا عاد على روسيا “بنتائج إيجابية جمة”. فروسيا في الوقت الراهن هي “صانع السلام الرئيسي على الأرض”. وردة الفعل الدولية هي “لصالح السياسة الروسية”، مقارنة مع السياسة الأميركية، لكنه يستدرك بأن الحرب في سوريا “بعيدة عن النهاية”.

وقد تكون النتائج الرئيسية لسحب القوات الروسية الجوية الفضائية من سوريا “هي نتائج سياسية في غالبها”. فانسحاب القوات هذا “وضع الغرب والمؤيدين العنيدين لإسقاط الأسد، المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، في طريق مسدود”. وفي المحصلة “تتقدم روسيا الجميع بخطوات عديدة”.

عدد من خبراء السياسة يركزون الاهتمام على “أن مهمة القضاء على الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة لم يتم تنفيذها”. لكن روسيا كانت بحاجة، من أجل ذلك “لإدخال قوات برية في سوريا، لأن دمشق لا تمتلك ما يكفي من القوات”. أضف إلى ذلك، أن القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة” ليس ممكناً “إلا في ظل مصالحة نظام الأسد مع القسم الأعظم من السنّة، والتوصل إلى حل وسط في مسألة تقاسم السلطة”.

ويعدد المعلق في الموقع الإلكتروني “للأسبوعية العسكرية الصناعية” (VPK) أوليغ فاليتشيف، على النتائج الإيجابية التي ذكرها الرئيس بوتين في قرار الإنسحاب، و التي ينكرها “بعض محللي الكنبة”، كما يسميهم. ويقول إن النتيجة الرئيسية للعملية هي “العودة إلى العملية السلمية”، ويذكر بأن “القادة السابقين للقوات المسلحة العراقية، والذين تدربوا في الإتحاد السوفياتي، يشكلون أساس فصائل الدولة الإسلامية”. ويضيف “تمكنا في الأشهر الأخيرة من اختبار أنواع أسلحة جديدة في ظروف المعركة”. ويعدد هذه الأسلحة والمعدات من صواريخ “كاليبر” بعيدة المدى، التي تطلق من الجو والبحر، إلى وسائل التصويب الجوي “وأجهزة مختلفة، بما فيها وسائل الاتصال”. ويتابع: “ضباطنا وجنرالاتنا كانوا يعملون في جميع الوحدات الهجومية في قيادة أركان الجيش السوري في دمشق”، وأن هؤلاء لا يزالون موجودين اليوم أيضاً في جميع المواقع الرئيسية وفي جميع حلقات المستوى العملاني”.

أما الكاتب الروسي المعروف والسياسي والنائب إدوارد ليمونوف، الذي أسس بعد عودته العام 1991 من منفاه في أميركا “الحزب القومي البلشفي” (وهو الذي نفاه أحفاد البلاشفة من روسيا العام 1974)، الذي ألقت السلطات الروسية الحظر عليه بشبهة الفاشية، فيقول على موقع “svobodnaya pressa”، تعليقاً على الإنسحاب من سوريا “نحن، مع ذلك، نرقص أمام الغرب على قوائمنا الخلفية”.

ويمضي قائلاً، من موقع المعارض للانسحاب “تعالوا لنفهم لماذا جئنا سوريا”. ويتبين أنه “جئنا ليس لننتصر. لأنه لو كان العكس لما انسحبنا قبل النصر، ثانياً، نحن دخلنا بقوة ضئيلة. فمع خمسين طائرة ضد الدولة الإسلامية لن تستطيع شيئاً. لقد عشت خيبة عميقة. مع العلم أنني كنت لأتوقع  في أعماقي مثل هذا العمل الجبان”. ويضيف “أن تبدأ حرباً، ليس لشيء سوى لتكسب موقعاً في المجتمع الدولي الرفيع وتحظى برضاه، فهذا عمل غير أخلاقي. لقد كافأونا قليلاً، فالروبل والنفط آخذان بالارتفاع، وصداقتنا مع الأميركيين تتعزز، وإن ببطء. لقد بلغنا غايتنا، إذ إن علية القوم يستقبلوننا من جديد، وأخذوا يتصالحون معنا”.

وليمونوف ليس الوحيد الذي علق بهذه السخرية المريرة على قرار الإنسحاب، وإن كان من موقع المزايدة على بوتين، كما فعل السياسي الشعبوي الشهير جيرينوفسكي، الذي اعتبر أن الانسحاب مبكر، كما كان الانسحاب من أفغانستان.

أما الصحافي المخضرم منذ الحقبة السوفياتية، ومخرج الأفلام الوثائقية، ومقدم البرامج التلفزيونية ألكسندر نيفزوروف، لا يعلق بمرارة “الشوفيني الروسي”، كما حال ليمونوف وجيرونوفسكي، بل بمرارة الديموقراطي، الذي يشهد كيف تخرج بلاده من حرب لتدخل أخرى”.

يقول هذا الإعلامي المخضرم في مقابلة مع موقع الأسبوعية المخضرمة أيضاً “Sobesednik.ru”، رداً على سؤاله عن موقفه من سحب القوات الروسية من سوريا، إن “كل سوريا (يقصد الحملة العسكرية الروسية في سوريا) هذه ليس لها من معنى. فائدتها الوحيدة التي أراها، هي أن مشاهدي التلفزيون استمتعوا خلال نصف سنة بمسلسل عن الطائرات المقاتلة  والطيارين الأشاوس، أي ما يسمى قوة روسيا العسكرية وما إلى ذلك. ليس من فائدة أخرى من كل هذه العملية، سوى الفائدة الإعلامية. وحين انخفضت شهرة المسلسل اقفلوا المشروع بنجاح”. وحين قيل له بإن هذا يعني أنه يفترض أن المجتمع الروسي قد كف عن دعم الحرب في سوريا، قال “أبداً.. الروس سوف يدعمون دائماً أي حرب لأنهم يعتقدون أنه من خلالها يثبتون جدوى بلادهم السياسية”.

ومع ذلك تبقى شعبية بوتين 81 في المئة لدى الروس، كما يقول رئيس مركز ليفادا لاستطلاعات الرأي ليف غودكوف، في مقابلة مع الموقع عينه في 21 من الشهر الحالي. وذلك لأن الروسي المحَاصَر بجميع الأخطار، التي يصورونها له ليل نهار، من خطر الغرب، الذي يريد دائماً تدمير روسيا، إلى خطر الإرهاب، إلى الخطر التركي، يرى أن لابأس من أن يؤيد السلطة في حروبها “لإبعاد” المخاطر عنه قبل وصولها إليه، ويتغاضى عن تدني دخله وقوته الشرائية.

المدن

 

 

 

الانسحاب الروسي … أسبابه وتداعياته وضغوط «الخطة باء» في سورية/ رياض طبارة

السبب الرئيسي لدخول فلاديمير بوتين في المعمعة السورية كان تأسيس موطئ قدم لروسيا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، ففي أوج قوة الاتحاد السوفياتي، الذي نعت بوتين انهياره بـ «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين»، كان له حلفاء يحيطون بالمتوسط من الجزائر إلى ليبيا إلى مصر وسورية. بقايا النفوذ الروسي تبددت عندما انتهى عهد القذافي على يد أميركا وحلفائها ولم يبق لبوتين في المنطقة سوى قسم من مرفأ طرطوس مخصص لتموين وتصليح السفن الروسية ورثه من الاتحاد السوفياتي بموجب اتفاقية وُقّعت مع الحكومة السورية سنة 1971. موطئ قدم فاعل وطويل الأمد في مياه المتوسط الدافئة أصبح أحد ركائز حلم بوتين بإعادة عزة روسيا ودورها كقوة يحسب لها حساب على المسرح الدولي. ولذلك اغتنم الرئيس الروسي الفرصة المناسبة: أوروبا تئن تحت ثقل النازحين من الشرق والجنوب، وأميركا المترددة فاشلة في محاربتها «داعش»، للدخول عسكرياً إلى سورية بحجة محاربة الإرهاب من دون أي اعتراض يذكر من أميركا وحلفائها.

دخلت روسيا مستعجلة إنهاء مهمتها خلال بضعة أشهر، ليس لمحاربة الإرهاب كما تصور الأميركيون وحلفاؤهم، بل لمساندة القوات الحكومية وحلفائها في السيطرة على منطقة تمتد من جنوب دمشق إلى حلب، تكون هي موطئ القدم وتعطي روسيا كلمة فاصلة في مستقبل سورية في أي مفاوضات لاحقة مع الأميركيين. كان على روسيا الوصول إلى هذا الهدف بأسرع وقت ممكن، وذلك لسببين رئيسيين: الأول هو أن اقتصادها منهك بسبب العقوبات الغربية عليها (خصوصاً منعها من الاستدانة من النظام المصرفي الأوروبي الأميركي) وبدرجة أكبر بسبب انهيار سعر النفط، المورد الرئيسي لاقتصادها (أكثر من 15 في المئة من الناتج المحلي) ولموازنة حكومتها (أكثر من 50 في المئة من مداخيلها) علماً أن كلفة الحرب بالنسبة إلى الروس تُقدَّر بثلاثة ملايين دولار يومياً، أي أكثر من بليون دولار سنوياً على رغم محاولاتهم، قدر الإمكان، استعمال أسلحة قديمة غير ذكية ورخيصة، ما سبب الارتفاع الهائل في إصابات المدنيين. السبب الثاني هو التخوف الكبير من أن تلجأ أميركا إلى إدخال أسلحة نوعية، خصوصاً تلك المضادة للطائرات فتغرق روسيا في حرب طويلة لا تستطيع تحمّلها، كما فعلت أميركا في عهد الرئيس رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي بالنسبة إلى الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، بينما كان اقتصاد الاتحاد يئن كما اليوم تحت ضغوط انخفاض سعر النفط، ما اضطر غورباتشوف في حينه إلى الانسحاب مكسوراً من تلك الحرب، تلاها انهيار الاتحاد السوفياتي بعد سنتين من الانسحاب، ومن ثم إعلان روسيا عدم تمكُّنها من سداد ديونها سنة 1998.

بعد أكثر من خمسة أشهر على دخولها المعترك السوري وجدت روسيا نفسها وقد حقّقت القسم الأساسي لمهمتها، بينما تحقيق القسم الآخر يتطلب وقتاً طويلاً وبالتالي أصبح يشكل خطراً محدقاً. القسم الذي تحقّق هو موطئ القدم في قسم رئيسي من المنطقة المستهدفة وهو القسم الساحلي المحيط باللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق أخرى في ريف دمشق وفي منطقة حلب وغيرها. لتمكين هذا الموطئ أسّست روسيا فيه بضع قواعد عسكرية، الأولى بحرية تمثّلت بتوسيع قاعدة طرطوس والأخرى جوية وبرية كالتي في حميميم قرب اللاذقية والشعيرات قرب حمص.

ومن أجل استدامة هذا الموطئ وقّعت روسيا في آب (أغسطس) الماضي اتفاقاً مع الحكومة السورية لمدة غير محددة (باستطاعة أي جهة إيقافه بعد إنذار شهر وهذا بالطبع غير وارد في المستقبل المنظور) يعطي القوات المسلحة الروسية حرية مطلقة في نطاق قواعدها العسكرية ويمنع الدولة السورية من دخول المواقع إلا بإذن من المسؤولين الروس.

أما الخطر المحدق فيتمثل بما سمّاه الأميركيون والسعوديون وغيرهم «الخطة باء»، تتفعّل إذا ما فشل وقف الأعمال العدائية، أو إذا بدأت روسيا قضم مناطق لمصلحة القوات الحكومية تدريجاً خلال الهدنة. هذه الخطة التي أشار إليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في 23 شباط (فبراير) الماضي، عندما قال إن هناك نقاشاً هاماً داخل الإدارة الأميركية حول الخطة باء، إذا فشل وقف الأعمال العدائية، وهي تشمل إجراءات من الجيش الأميركي لمساعدة المعارضة بهدف إضعاف الرئيس الأسد ولربما إسقاطه. بعد ذلك بقليل، صرح «مسؤول (أميركي) رفيع المستوى» لتلفزيون «سي بي أس» بأن الخيارات المطروحة تشمل إجراءات ذات طبيعة عسكرية هدفها جعل هجمات النظام على المدنيين والمعارضة المسلحة التي تساعدها أميركا أصعب، علماً أن أميركا كانت سمحت بإدخال صواريخ «تاو» المضادة للدبابات، ما تسبّب بمجزرة دبابات تابعة للنظام في محافظة إدلب وأجبرها على التراجع.

شكك كثيرون في استعداد وجدية أوباما في تطبيق الخطة باء، هو المتردّد بطبيعته من جهة، ويعلن دوماً عن تخوّفه من أن تقع الأسلحة النوعية في أيدي «القاعدة» أو «داعش» من جهة أخرى. هذا ما يفسر استعداد السعودية لإرسال قوات خاصة ضمن الخطة باء نفسها، بحسب وزير خارجيتها عادل الجبير، وهذه القوات يترك لها حصرياً استعمال هذه الأسلحة. وبالفعل وصلت هذه القوات الخاصة إلى قاعدة إنجرليك في جنوب تركيا للاشتراك في الخطة باء إذا حصل خرق لوقف الأعمال العدائية بحسب الوزير الجبير. أضف إلى ذلك التنبيهات المتواصلة من القيادات الأوروبية ومن مجلس حلف الأطلسي «النــــاتو» إلى بوتين شخصياً للتوقف عن استهداف المعارضة المعتدلة وتحــويل ضرباته الجوية إلى مراكز «داعش»، ما يعرقل المخطط الروسي بتأمين المنطقة التي يريد تأمينها.

ولعل القشة التي قضمت ظهر البعير هي إسقاط طائرة ميغ 21 تابعة للنظام السوري في منطقة حماه قبل يومين من إعلان بوتين نية روسيا سحب معظم قواتها من سورية، ما جعل النظام يوقف طلعات طيرانه في المنطقة. الطائرة أُسقطت بصاروخ ستينغر أميركي الصنع، ولكن، هذا لا يعني بالضرورة أنه أدخل إلى سورية بإذن أميركي. المهم في الأمر هو أن مثل هذا السلاح يذكّر بوتين بما حصل في أفغانستان لجيش الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات ويعني بالنسبة إليه خطراً محدقاً إضافياً. السبب الرئيسي لانسحاب الروس المفاجئ إذاً هو كلفة الحرب لبلد على شفير الإفلاس مترافقاً مع خطر الغرق في مستنقع طويل الأمد بسبب الخطة باء. في الوقت نفسه فإن بوتين كان حقق إلى حد كبير هدفه بخلق موطئ قدم في منطقة البحر المتوسط، واستطاع أن يخرج من تدخله بشكل منتظم وخلال وقف لإطلاق النار وليس بشكل عشوائي كما حصل للسوفيات في أفعانستان في أواخر الثمانينيات. وهو اليوم يستطيع أن يفاوض من موقع أقوى مع الأميركيين حول النظام السوري القادم الذي يؤمن له استدامة هذا الموقع، وقد أصبح باستطاعته، عسكرياً على الأقل، أن يرفع من مستوى قوته في سورية بسرعة كما أعلن، نظراً إلى وجود القواعد العسكرية هناك، ولو أن عليه أن يحتسب الكلفة المادية بتأنٍّ وحذر. تحذيرات بوتين في هذا المجال هي لردع المعارضة المسلحة أكثر منها محاولة قلب ميزان القوى على الأرض وكسر النظام.

لهذه الأسباب خرج الروس من سورية في هذا التوقيت. الأسباب الأخرى التي ركز عليها الكثيرون من المحللين هي أسباب ثانوية تنبع أصلاً من هذا السبب الرئيسي. أحد الأسباب المحتملة التي يتكرر ذكرها أن هدف التدخُّل الروسي كان لمنع سقوط الرئيس الأسد، ولكن الحالة على الأرض لم تكن توحي بسقوط الأسد بل كانت حالة توازن قوى جاء التدخل الروسي ليقلبها لمصلحة النظام. قيل أيضاً إن أحد أسباب التدخُّل الروسي كان الخلاف مع النظام السوري حول ما قال الرئيس الأسد إنه لن يفاوض حتى تحرير سورية بكاملها. طبعاً هذا يتعارض مع الهدف الروسي ويدخل روسيا في المستنقع الذي تخشاه، لكن خلافاً كهذا ليس سبباً لانسحاب روسيـــا من مــوقع ذي أهـــمية استراتيجية، وكان كافياً أن يقوم السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بتوضيح أن تصريحات الأسد في هذا المجال لا تنسجم مع الجهود الروسية لإنهاء الصراع، يتبعها أوامر من بوتين إلى وزير خارجيته سيرغي لافروف بإنجاح العملية التفاوضية. لعل النظرية الأكثر واقعية، ولو أنها هي الأخرى مستبعدة، هي أن هناك اتفاقاً ضمنياً روسياً أميركياً مفاده أن العصا التي لوّح بها الأميركيون من خلال الخطة باء لربما تشمل أيضاً جزرة ستظهر لاحقاً من خلال تخفيف محتمل للعقوبات الأوروبية الأميركية على روسيا، ولكن، حتى لو صح هذا الظن مبدئياً، فإن الوقت لم يحن بعد لمثل هذا القرار.

وعلى رغم أنه ما زال من المبكر التكهُّن بمفاعيل الانسحاب، فيظهر أن ما بعد الانسحاب الروسي لن يكون كما قبله. فلقد أصبح هناك اليوم مستويان من المفاوضات: مفاوضات جنيف بين الهيئة العليا للمعارضة وممثلي النظام من جهة، ومفاوضات بين أميركا وروسيا بشخصي وزيري خارجيتهما كيري ولافروف من جهة أخرى.

المفاوضات الأخيرة استراتيجية، يفترض أن تقرّر إلى حد كبير طبيعة النظام السوري المقبل وكيف سيأخذ بالاعتبار المصالح الأميركية (الإسرائيلية) من جهة والمصالح الروسية من جهة أخرى، خصوصاً موطئ القدم الآنف الذكر، وقد تم إرسال أول بالون اختبار في هذا الاتجاه من خلال الكلام الروسي والأميركي العَرَضي عن النظام الفيديرالي لسورية. المفاوضات في جنيف في المقابل هي إجرائية ستحدد طبيعة المرحلة الانتقالية، وستقوم بوضع الدستور والخطوات التطبيقية التي تساند وتتماشى مع القرارات الاستراتيجية. الدور الإيراني أصبح ثانوياً إلى حد كبير، ستتكفل روسيا الدفاع عنه في مفاوضاتها، وستتوقف طبيعته إلى حد ما على نقطة لأي إيران ستكون الغلبة في المفاوضات، إيران المتشددين أم إيران المعتدلين، علماً أن التاريخ اليوم يظهر وكأنه لمصلحة الأخيرين. على كل حال، فالحل النهائي، بشقيه الاستراتيجي والإجرائي، ليس للمستقبل القريب.

* سفير لبنان في واشنطن سابقاً

الحياة

 

 

 

 

الأسئلة المحرمة والأجوبة المعلقة/ بول شاوول

لم نعرف من وسائل إعلام «الممانعة» (السورية الإيرانية) في لبنان أو في عدد من «المنصات» ما يُفيد في موضوع انسحاب القوات الروسية من «قلب العروبة النابض». هل هناك انسحاب جزئي، أم بداية انسحاب كلي؟ هل ثمة انسحاب أم مناورة بالانسحاب؟ هل هناك تشكيك في خطوة بوتين المفاجئة التي ذكرتنا بانسحاب الجيش السوياتي من أفغانستان؟ كل هذا يمكن أن نلحظه نسبياً في وسائل إعلام أخرى ميدانية أو غير ميدانية؟ خبراء مطلعون بوسائلهم العسكرية أو المخابراتية. عليك إذاً ان تطوي شاشات «الممانعة» من «ميادينها» إلى «منارها» وكذلك معظم صحفها لأنها كانت في مكان آخر، وفي وساوس أخرى؟ هذه الوساوس التي تستبطن أولاً وأخيراً إما كيف تم الانسحاب (أو لم يتم) وهل كان القرار من طرف واحد هو الروسي، أم ان هذه «المبادرة» تمت بالتنسيق مع «ساكن قصر المهاجرين»؟ والغريب أن ما زاد بلبلة «بلابل» المناعة (المقاومة طبعاً) ان بعض صحفها لم تذكر الخبر لا من قريب ولا من بعيد تيمناً بالوسائل الاعلامية الإيرانية. لا خبر عن «الانسحاب» ولا من يخبرون. لا تعليق ولا من يعلقون (اللهم التصريح «المبين» الذي أطلقه» بخجل ووجل وزير خارجية إيران!).

لكن الصحف السورية «عبأت» مصادرها ومعلوماتها ونفختها على شاشاتها كبالونات بدأت تنفقع «فور نفخها». «ان بشار مرتاح لخطوة بوتين»، و»بوتين مرتاح لكلام بشار» «المباح» بصباح أو بلا صباح. اذاً بشار مسرور، وسُرت به ألسنة «حلفائه» ومرتزقته وأبواقه. ولكن احدى الصحف المحلية عبرت عن بلبالها بسؤال غريب «الأسد وافق على خطوة بوتين (أي ربما إلى مستلخصات مؤتمر جنيف والفترة الانتقالية وممثليها) فهل توافق إيران؟ كأنما لرمي الكرة في ملعب هذه الأخيرة.

حتى الآن لم تُفدنا هذه المنابر بما يفيد: لا حجم الانسحاب، ولا توقيعه ولا نيات الروس ولا الخطوات التالية ولا المفاعيل ولا الأهداف وربما منها «الضغط على الأسد لتقديم تنازلات» بعدما صرح بأنه سيسيطر على كل سوريا ليحكمها». أو ما صرح به وزير خارجيته «الأسد خط أحمر». لا شيء. كل ما شغل بال هؤلاء تأكيدهم (لدحض «الإشاعات» و»الأكاذيب» من خلال ان كل ما تم من عمليات الانسحاب جاء بعد تنسيق بين الكرملين و«كوخ المهاجرين«.

لكن هذا لم يمنع بعض الباحثين عن الانتصارات من القول «إن خطوة بوتين صفعة للأميركيين»! أو «خطوة بوتين هي رمزية ورمزيتها دليل على استمراره دعم الأسد» واعتراف بشرعيته وبصواب «تفكيره» واستراتيجياته ….

[عاصفة الغبار

حتى الآن، ومن خلال عاصفة الغبار «الممانعة» لم نعرف شيئاَ. فلا عرفنا شيئاَ عن الانسحاب. ولا أعداءه. ولا مُدتّه. ولا مساره. هل هو ثمرة تنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا؟ هل هو تهديد سافر أو مبطن لترك الأسد يعود إلى نقطة ما قبل التدخل الروسي المباشر؟ هل هو تعبير عن فك الارتباط بإيران؟ هل هو تقرب من السعودية ومن دول الخليج؟ هل هو توجيه رسالة إلى الأوروبيين وتركيا وكل الدوائر، بأن روسيا باتت لاعباً أساسياً في منطقة الشرق الأوسط أقله مع الأميركيين؟ بل أتكون الخطوة «المباغتة» بادرة «ايجابية» نحو واشنطن.

بعد كل ما جرى بينهما من توتر بعد فصل القرم عن أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا؟

[الأسئلة الممنوعة

حتى الأسئلة التي كانت تتردد حول دور الروس الفعلي في سوريا… لم تعد تطرح؟ هل جاءت القوات الروسية لدعم داعش أم لضربها؟ هل جاءت باسم مكافحة الإرهاب لتكافح فعلياً «الجيش الحر» والقوى المعتدلة المحسوبة على الغرب… وعلى السعودية؟ وهل بات «داعش» أقوى بعد مجيء الروس أم أضعف؟ وإلى أي مدى تمكن الأسد من استرجاع ما أخذته المعارضة: الروس يقولون إنهم حرروا 400 بلدة من المعارضة، والخبراء يقولون ليس أكثر من 200. مع هذا فقد حقق بشار الأسد بواسطة سوخوي الروسية «حيثية» كان افتقدها بحروبه الفاشلة مع حلفائه إيران و«حزب الله« والمجرم سليماني.. فهل روسيا حسمت؟ ربما، ضمن هذه الزاوية: فقد أجّلت رحيل الأسد وعززت جدران قصره». لكن في المقابل، علينا الاعتراف بأن هجمة بوتين على سوريا، دليل على فشل إيران وحلفائها في حماية «الدكتاتور» ومن تابع تلك المراحل يعرف بسهولة إلى أي مدى أثرت الخسائر البشرية التي أصابت مقاتلي «حزب الله« في معنوياته، وفي موقع «بيئته» منه: تصدّع في الكانتون، وسقوط هالة ميليشيا حزب الله «التي لا تقهر» وتزعزع صدقية السيد حسن نصرالله…

فإيران (ومن وراءها) باتت تفصيلاً هامشياً في حربها الشعواء المعلنة على الشعب السوري. وهذا بالتحديد ما يجعل «الخطوة» الروسية على هذه الأرجحية. فلو كانت ايران ما زالت فاعلة، كما في أيام الحرب الأولى، لما انصّب الاهتمام على ما أقدم عليه بوتين: فاللاعب الأساسي هدّد بالخروج من الملعب، أو وضع نفسه في الاحتياط، أو ترك الساحة لداعش والقوى الأخرى. أيعود الأسد إلى مربعاته الأولى؟ ومن سيحميه؟ ومن سيبقيه بيدقاً مكسوراً على طاولة النرد بعدما «كش» إلى خارجها؟

[الرؤوس والأموال

… ودفن الرؤوس في الرمال مستمر تتدفق معها الأسباب والوقائع والأهداف الحقيقية، لكن المصادر الروسية تقول «إن جيشها حقق أهدافه كلها». فاذا كان ذلك صحيحاً، فيعني أن العملية هذه حققت المصالح الروسية العسكرية (قواعدها في سوريا) واختراق «المجال الحيوي العربي لا سيما الخليج وبالأخص السعودية وكذلك فتح ثغرة واسعة في قرارات الولايات المتحدة المتصلة بالعقوبات المفروضة عليها، والتي من نتائجها تدهور عملتها الوطنية وغرقها في أزمة اقتصادية كبيرة من دون أن ننسى ان «نجاح» روسيا في منع سقوط الأسد الساقط بلا قرار، هو كذلك نجاح باهر لنرجسية بوتين في فرض نفسه كدور فاعل في الشرق الأوسط، بعدما تراجع الاهتمام بغزوه أوكرانيا وفصل القرم عنها، وجرائمه في الشيشان… كأنها عملية «تبرئة» لكل مرتكبات بوتين وغسل لآثامه وعملية تجميل جراحية لوجهه الجديد: القيصر الستاليني الذي يقف على أرض صلبة في روسيا وفي العالم.

[رأس الأسد

لكن كل ذلك لم يتم إلاّ باستخدام بوتين سوريا ورأس الأسد ودماء السوريين ودمار المدن وجرائم السوخوي للضغط على المجتمع الدولي وخصوصاً على الولايات المتحدة للاعتراف بأهدافه والتخفيف من مصاعبه. فهل حدث كل ذلك؟ تقول الولايات المتحدة ان كل شيء وخصوصاً الانسحاب (أو بدء الانسحاب) من سوريا تمّ بالتنسيق معها، لكن أين دور اسرائيل المستميتة للحفاظ على نظام آل الأسد الذي باتت تربطهم بها صداقة مُعتقة تليدة (التنسيق لتفجير لبنان 1975) والجديدة بدعم الأسد، وداعش وإيران، وحزب الله، كمكونات ضرورية للقضاء على الجيش الحر والتشجيع على استخدام النظام الأسلحة الفتاكة الكيميائية والبراميل المتفجرة.

[التوقيت

وهنا يأتي توقيت عملية الانسحاب بالتزامن مع انعقاد المفاوضات بين المعارضة والنظام. المعارضة بفصائلها والنظام بفلوله. وقد يكون مسار وقائع المؤتمر من المفاتيح الأساسية لتبيان أثر هذه الخطوة البوتينية. لكن الغريب ما ورد في جريدة «الشرق الأوسط» ان «مكالمة عاصفة جرت بين بوتين والأسد» عاصفة؟ ربما! ويعني ذلك أولاً وأخيراً ان قرار روسيا اتخذ من طرف واحد. وان مفاعيله سترتب على الدكتاتور الصغير تقديم «تنازلات» بعد تفرده بتعيين موعد الانتخابات في نيسان المقبل. ثم طوي هذا «القرار» وبعد تصريح وزير الخارجية المعلم بأن «الأسد خط أحمر» وكذلك بعدما أحرج رئيس جمهورية قصر المهاجرين الروس بإعلانه «بأنه» سيحرر كل سوريا ويحكمها، وهذا يعني سقوط التهديد بفدرلة سوريا فدرلة مذهبية. وهذا يعني بالنسبة إلى روسيا ان مثل هذه القرارات تتخذها كل الأطراف المشاركة في المؤتمر، استأسد الأسد بسوخوي الروسية وبحيثيته الجديدة متوهماً (من باب الشيزوفرانيا) انه هو الذي حقق كل هذه الانتصارات، كأنما غاب عنه ان الروس لم يأتوا إلى سوريا لانقاذه فقط، وانما أيضاً لمصالحهم. وانه عندما «يتصلب» بمواقفه كأنه يتصلب ضد المصالح الروسية، بل نسي هذا الدكتاتور ان بوتين تعامل مع سوريا كورقة (تماماً كما تعامل آل الأسد مع لبنان على امتداد أربعين عاماً) فالتاريخ يكرر نفسه. لكن الآن بطريقة ميلو- تراجيدية. وكذلك ايران؟ فهذه الأخيرة قد تكون هي التي ورطته في كل هذا المآسي والحروب لكي تضعفه وتمسك هي بورقة سوريا ليس كوصاية أو لعبة سياسية فقط، بل لتتمكن من حكمها، كولاية من ولايات إيران. (وهذا ما صرّح به مراراً العديد من الرموز الفارسية). وقد اُستُخدمت سوريا كمنصة لتقسيمها، او للاعتداء على العالم العربي والخليج… فسوريا منصة إيرانية كما يحاول «حزب الله« أن يجعل من لبنان، أو من اليمن، أو البحرين، أو العراق: وتحديداً تنفيذ مخططه الصهيوني «الهلال الشيعي» لتدمير الأمة العربية والاسلامية الأكثرية، لتكون هذه البلدان خاضعة لهيمنة السلطانية لتستعيد بها «عظمة الفرس» الذين هزمهم العرب شر هزيمة وكذلك صدام حسين قبل التآمر الأميركي البوشي والإيراني على العراق.

[..واسرائيل

أما دعم اسرائيل آل الأسد فيصب في هذا الاتجاه ايضاً. استخدام النظام السوري كرديف لتمزيق القضية الفلسطينية (وهذا ما فعله في تل الزعتر وحرب المخيمات والشمال وصولاً إلى تصفية المقاومة الفلسطينية ورديفها المقاومة الوطنية) والامساك بقرار الحرب والسلم في جنوب لبنان وفي كل لبنان. وهذا بالذات ما جعل اسرائيل تولي آل الأسد ثقتها الكبيرة والأهم عرقلة كل حل ممكن لإقامة دولة فلسطينية مستقلة سيادية. ونظن أن نموذج الجولان هو المثل المحتذى: فآل الأسد سلموا الجولان لإسرائيل مقابل لبنان، والورقة الفلسطينية المنتزعة من أيدي اصحابها. فاذا كان الجولان قد هُوّد تحت حماية النظام السوري فلِمَ لا يُسورَن لبنان بغطاء اسرائيلي: احتلال الجولان بغطاء البعث واحتلال لبنان بغطاء اسرائيل. وهذا ينسحب على فلسطين: فلمَ لا تبقى فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي اذا كانت ورقتها في أيدي الإيرانيين والسوريين كما تحاول اسرائيل احتلال الضفة الغربية بمستوطناتها تحت غطاء الدولتين «الممانعتين»؟

انها اللعبة التي دارت فصولها في سوريا (وقبلها في العراق ولبنان) لكن بوتين، بتدخله العسكري الذي أخل بالتوازنات الميدانية، وانقذ الأسد من سقوط مدوٍ ها هو ينسحب: اخذ الورقتين الأسدية والخامنئية وفاوض بهما ونغّص على «نظام الملالي» انتصارات مكسورة وعرقل مشروعه المذهبي. فإيران اليوم معزولة كما لم تعزل من قبل. فهل تعارض الخطة الروسية وتخربط كل حل بين المعارضة والنظام في جنيف (كما فعلت مع الفلسطينيين واسرائيل بطلب من هذه الأخيرة) ثم تعمد إلى تصعيد إرهابها وعملياتها التخريبية لتعطل مفاعيل الانسحاب الروسي، وتأثيره على المفاوضات الجارية؟ لكن هذا يعيدها إلى المربعات الأولى قبل دخول الجيش الروسي أي مربعات العجز عن تحقيق انتصار (ولو بالرافد الداعشي الميداني) أو منع سقوط الأسد. فالأسد «لوتو» إيران واسرائيل كنزها، فهل ترمي ورقة اللوتو بالبحر لأن أرقامها خاسرة، أو تلوذ بإسرائيل التي لم تعد قادرة على تجاوز نفسها في دعم النظام السوري؟ ذلك ان التنسيق الأميركي الروسي، يعني تنسيقاً بين حليفيها. فهل ترفع التحدي او تركب المغامرة، أو تمخر في الجنون؟ فحزبها الأثيري واداتها المطيعة «حزب الله« غارق حتى أذنيه في الخسائر والهزائم خصوصاً وانه وسع مشاريعه التخريبية من لبنان إلى العالم العربي الإسلامي الأكثري، فإلى دول أجنبية أخرى لينسحب ذلك على مشاركته الإرهابية في 11 أيلول عام 2006 بالتنسيق مع القاعدة: كل هذا يطرح أسئلة جديدة: وماذا عن لبنان؟ فبعدما أمعن حزب إيران في تهديم الكيان اللبناني والدولة والمؤسسات والاقتصاد، وما حقق من محاولة عزل لبنان عن أرومته العربية فها هو «معزول» لبنانياً من أكثرية اللبنانيين وعربياً ودولياً. وعزلته من عزلة أربابه الإيرانيين. فهل يُقدِم الحزب على مراجعة لحساباته ومخططاته التخريبية والإرهابية ويعود بالشباب اللبناني الذي نذر أرواحهم كرمى للمرشد الفارسي، بعدما انتفى دوره في سوريا وبات أداة بلا فاعلية أو قوة فائضة لا لزوم لها؟

هذه هي بعض الأسئلة التي تنتظر أجوبة من خلال تداعيات الأحداث في لبنان وسوريا.

بول شاوول

المستقبل

 

 

 

 

بُعيد الانسحاب هل حققت روسيا أهدافها في سوريا؟/ همام السليم

■ فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المجتمع الدولي بقراره الخاص بسحب الجزء الأكبر من قواته من سوريا، بدايةً من يوم الثلاثاء 15 مارس 2016 ، وقد ورد في البيان الصادر عن الكرملين: «أن قرار الانسحاب جاء بعد أن حققت القوات الروسية الجزء الأكبر من أهدافها».

ما أثار حفيظة الكثير من الكتاب والساسة الذين استغربوا من عبارة تحقيق الجزء الأكبر من الاهداف، رغم استمرار وجود «داعش» بقوة على الأراضي السورية، خلافاً للهدف المعلن في القضاء على التنظيم، ومن هذه المقاربة يثار تساؤل مهم، وهو ما هي الأهداف الحقيقية للتدخل الروسي في سوريا؟ وما هي أسباب الانسحاب منها؟ وهل فعلاً حققت روسيا أغلب أهدافها المنشودة من التدخل؟ هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه وكشف اللبس فيه وفقاً للمحاور الآتية:

أهداف التدخل الروسي في سوريا:

رغم إعلان موسكو ان الهدف الرئيس لتدخلها العسكري في سوريا الذي بدأ في 30 سبتمبر 2015 هو مواجهة خطر تنظيم «داعش»، بدلاً من انتظار شنه هجمات داخل روسيا، إلا أن تدخل بوتين في سوريا كان لأسباب عديدة، لبعضها علاقة بالصراع الدائر على الأرض، واكثرها مرتبط بمصالح روسيا الكبرى وعلاقاتها الإقليمية والدولية، ويمكننا إجمال اهداف التدخل الروسي بالآتي:

وقف انهيار الجيش السوري واستعادة التوازن على الأرض، من خلال تركيز ضربات سلاح الجو الروسي على قوات المعارضة السورية.

الرد على الغرب والسعودية، فالغرب فرض عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو واختطف منها أوكرانيا، الجناح الأوروبي لقلب روسيا الأوراسي، أما السعودية فتتهمها موسكو بالوقوف وراء انهيار أسعار النفط مصدر الدخل الرئيس في روسيا. استعادة سمعة روسيا وهيبتها ومكانتها الدولية، وإثبات موقعها كدولة عظمى ذات وزن مهم على الساحة الدولية، خاصة بعد استخفاف الولايات المتحدة بها في الموقف الذي عبر عنه أوباما عندما وصف روسيا استصغاراً بأنها دولة اقليمية.

الحفاظ على وجود عسكري دائم في منطقة الشرق الأوسط وإنشاء قواعد عسكرية في سوريا كقاعدة للانطلاق.

تدريب القوات الروسية واختبار كفاءة ودقة وقوة التدمير لبعض الاسلحة والمعدات الحديثة في الميدان السوري. معاقبة اوروبا على سلوكها غير اللائق في التعامل مع روسيا؛ وذلك بتهجير وتوجيه اكبر عدد من اللاجئين السوريين باتجاه تركيا، ومنها لأوروبا حتى كادت أزمة اللاجئين أن تعصف بالاتحاد الأوروبي الذي أوشك على التفكك تحت ضغط ازمة اللاجئين.. وغيرها من الأهداف.

أسباب الانسحاب الروسي من سوريا:

أعلنت روسيا ومنذ بداية تدخلها العسكري في سوريا انه سيكون تدخلاً قصير الأمد وحددته بخمسة اشهر، وعليه فقد انتهى وقت التدخل العسكري وحان موعد الانسحاب، كما حدد سابقاً، بيد إن ذلك لم يكن السبب الوحيد إنما تشترك معه مجموعة من الأسباب، منها:

سعي روسيا إلى تجنب الوقوع في الفخ الأفغاني، أي منع انزلاقها أو جرها إلى حرب استنزاف في سوريا، مشابهة لحربها في افغانستان، فروسيا ليس بوسعها التورط عسكرياً لمدة طويلة في مناطق بعيدة، فضلاً عن ضعف قدرتها الاقتصادية على التحمل. رغبة موسكو في تجنب خوض صراع سافر مع الرياض، وإعلانها الانفتاح على تسوية الأزمة السورية عن طريق المفاوضات، التي تأخذ بالاعتبار مصالح جميع الأطراف بما فيها الرياض.

اتساع حجم الخلافات بين الاجندات الروسية من جهة وبشار الأسد وايران من جهة اخرى، إذ صرح الرئيس السوري انه سيواصل القتال حتى استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، وهو ما عده السفير الروسي في الأمم المتحدة اساءة للجهد الدبلوماسي الروسي المبذول للتوصل إلى تسوية سلمية، وعلى الصعيد ذاته شكل اعلان النظام السوري عزمه اجراء انتخابات تشريعية في أبريل 2016 ودعم ايران لهذا القرار الذي اتخذه النظام السوري بدون التشاور مع روسيا، سبباً اخر للخلاف وانزعاج الروس من ايران وبشار الأسد. اعتبرت روسيا هذه الخطوة تخالف نص قرار مجلس الأمن الدولي المرقم (2254) في 18 ديسمبر 2015 القاضي بوقف اطلاق النار وتشكيل حكومة ذات طابع غير طائفي، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال 18 شهراً، وبذلك ابدت روسيا ميلاً نحو تحقيق حل سياسي للأزمة السورية، في حين أصر بشار الأسد وايران على هزيمة المعارضة عسكريا وسياسياً، كما تتمسك روسيا بالهدنة في الوقت الذي تسعى فيه ايران والنظام السوري لكسرها وخرقها. وعليه أرادت روسيا من خلال قرار انسحابها ان تعيد لأذهان سلطات دمشق ان روسيا تسعى إلى التسوية السلمية للأزمة السورية.

مؤشرات نجاح التدخل الروسي

يمكننا القول إن روسيا نجحت في تحقيق مجموعة من الاهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية من تدخلها العسكري في سوريا، وأهمها:

سياسياً: استطاعت روسيا استعادة سمعتها وهيبتها الدولية وحفظ مكانتها كقوى عظمى مؤثرة في التفاعلات الدولية والاقليمية، إذ جر الروس الأمريكان إلى تفاهمات ثنائيةٍ معهم ذات علاقة بسوريا وغيرها من الملفات، بعد رفضهم الحديث مع روسيا مباشرةً منذ أزمة أوكرانيا، فبعد شهر من بدء الحملة الجوية الروسية انطلق مسيرة فينا التي بدأت رباعية ثم توسعت لتمثل 17 دولة بضمنها ايران في اطار (مجموعة دعم سوريا) ولكن هذا المسار سرعان ما انتهى ثنائياً بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية مستبعداً أوروبا وايران للتوصل إلى تفاهمات مشتركة للازمة السورية. ومن جهة اخرى نجحت روسيا في توظيف ازمة اللاجئين السوريين للضغط على الاتحاد الاوروبي الذي كاد يتفكك من جرائها، لاسيما بعد تهديد بريطانيا بالخروج من الاتحاد.

اقتصاديا: حققت روسيا تفاهمت مع السعودية، حول اسعار النفط، لاسيما في اتفاق الدوحة الذي ضم كلا من (قطر والسعودية وروسيا وفنزويلا) والذي قرروا فيه تجميد انتاج النفط، وفق معدلات شهر يناير 2016 لتجنب إغراق السوق بتخمة المعروض، وهو ما انعكس ايجابياً على اسعار النفط التي ارتفعت بنسبة 40٪ من ادنى مستوى لها عند حدود 27 دولاراً لبرميل إلى حدود 40 دولاراً للبرميل الواحد.

عسكرياً: تمكنت روسيا من تحقيق مجموعة من الأهداف العسكرية أهمها: إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة وقواعد عسكرية دائمة للانطلاق منها لحماية مصالحها، وهو ما تجسد بالاحتفاظ بوجود عسكري روسي في قاعدة حميميم وميناء طرطوس، ومن جهةٍ اخرى عرض العسكريون الروس قدرتهم على إعلان وتنفيذ العمليات العسكرية خارج حدود بلادهم، وأن موسكو تستطيع تغيير الأوضاع في سوريا بغض النظر عن توجهات المجتمع الدولي. كما ساعدت روسيا عبر تدخلها العسكري نظام الرئيس بشار الأسد على استعادة جزء كبير من الأراضي السورية في الآونة الاخيرة، وتحقيق انتصارات متلاحقة على المعارضة وقوت موقف الرئيس السوري، واخيراً مثّل هذا التدخل استعراضاً عسكرياً للقوة الروسية ومعسكراً تجريبياً للقوات الروسية وتجريب الأسلحة والمعدات الحديثة من حيث الدقة والقوة التدميرية في الميدان السوري.

بعد ان حققت روسيا كل هذه الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية، من غير المعقول ان تتخلى عنها بالانسحاب الكامل من سوريا، وهو ما لم تعلنه وانما احتفظت بوجود عسكري في قاعدة حميميم وميناء طرطوس، فضلاَ عن عدم استعداد موسكو للتخلي عن التنسيق بين جيشها والجيش الامريكي، ويبدو ان الرئيس الروسي يسعى من خلال قرار الانسحاب إلى اظهار القدرة الروسية على صنع معجزة روسية في حل الأزمة السورية، سلمياً وسياسياً، بتفاهمات واتفاقات مع واشنطن بدفع أثمان لروسيا، لعل اهمها استعادة هيبتها ومكانتها الدولية، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، والسماح بارتفاع اسعار النفط تدريجياً بالاتفاق مع السعودية وفنزويلا، مقابل تخلي روسيا عن بشار الاسد والسماح بتغييره عبر انتخابات رئاسية وفقاً للقرار 2254، فضلاً عن الاتفاق على سيناريو اخر لمستقبل سوريا، ألا وهو الفدرلة والتقسيم وهو ما جسده إعلان الاكراد عن تشكيل اقليم فيدرالي خاص بهم شمال سوريا بعد اعلان الانسحاب الروسي، وما يؤكد ذلك ان تاريخ روسيا يسجل غالباً تخليها عن حلفائها مثل، صدام حسين ومعمر القذافي واخرين مقابل مصالحها القومية العليا وأهدافها الاستراتيجية. ومن هنا يتضح ان روسيا تدخلت في سوريا لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها وليس لحماية بشار الأسد، وهي لن تسمح لاحد الوقوف بوجه مصالحها او إعاقتها حتى إن كان الاسد ذاته او ايران، وعليه ينبغي عدم الذهاب بعيداً في التعويل على التدخل الروسي في سوريا أو انسحابها منها؛ لأنها تستخدم سوريا اداة لتحقيق مصالحها واهدافها ولا تقاتل دفاعاً عن سوريا أو الاسد .

٭ كاتب وباحث عراقي

 

 

 

 

مركز دراسات: التدخل الروسي سمح بتقدّم محدود للنظام السوري

عامر عبد السلام

أفاد تقرير صادر عن مركز “عمران”، بأن التدخل الروسي في سورية والذي دام نحو خمسة أشهر لم يسمح للنظام بتحقيق تقدم يذكر، غير أنه أضاف أيضاً أن موسكو حققت أهدافها بما يضمن مصالحها في سورية.

وجاء التدخل الروسي خلال مرحلة تلقى فيها النظام خسائر كبيرة على يد المعارضة السورية المسلحة في غالبية الجبهات؛ مرحلة كادت أن تكون مفصلية في مسار الثورة السورية لولا الإشكاليات العسكرية بين الفصائل، في الوقت الذي كانت فيه جبهات النظام مع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) تشهد معارك كرّ وفرّ، تحديداً في ريفي حمص الشرقي والجنوبي.

وقال مركز “عمران للدراسات الإستراتيجية”، في تقرير حصل “العربي الجديد”، على نسخة منه، إن: أولى الضربات الروسية في 30 سبتمبر/أيلول استهدفت مواقع تابعة للتنظيم في محافظة حمص، وفقاً لادعاءات وزارة الدفاع الروسية؛ إلا أن تلك المواقع كانت تبعد أكثر من 50 كيلومترا عن مواقع التنظيم الحقيقية، إذ تركزت غارات روسيا في اليوم الأول على مواقع قوى الثورة السورية في ريفي حمص وحماه الشماليين حيث سقط من جرائها العشرات من المدنيين”.

وكانت روسيا قد أعلنت في 30 سبتمبر/أيلول 2015 عن بدء عملياتها العسكرية في سورية، وذلك بعدما طلب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، دعماً عسكرياً من موسكو ووافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.

وأضاف التقرير، أن الضربات جاءت بعد تزايد الدعم العسكري المعلن لنظام الأسد من قبل موسكو، والإعلان عن تشكيل مركز معلوماتي في بغداد تشارك فيه روسيا وإيران والعراق وسورية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وأوضح التقرير، أن قوات النظام والمليشيا الداعمة لها تقدمت برياً على بعض الجبهات التي تخضع في ريف حلب وريف اللاذقية، محرزة تقدماً على عدة محاور، أبرزها فك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي الغربي، واستعادة السيطرة على مناطق واسعة في ريف اللاذقية (سلمى – ربيعة – كنسبا)، فيما فشلت قوات النظام في تحقيق أهدافها في كلٍ من ريف حمص الشمالي وريف حماه الشمالي.

وأضاف التقرير، أن ريف حلب الشرقي شهد تقدماً واسعاً لقوات النظام، إذ تمكنت الأخيرة من فك الحصار عن مطار كويرس، كما تقدمت في ريف حمص الشرقي وبات يفصلها عن مدينة تدمر أقل من 2 كيلومتر. وأوضح أن كل التقدم الذي أحرزه النظام خلال فترة التدخل الروسي كان نحو واحد بالمائة فقط، إذ كانت تسيطر على 16.6 من الأراضي السورية قبل التدخل لتصبح سيطرتها على 17.6 بعده.

من جهة أخرى، قال التقرير إن “قوى سورية الديمقراطية” تلقت دعماً عسكرياً هائلاً من قوات التحالف الدولي، لكن هذا لم يمنع موسكو من دعمها بشكل غير مباشر بالتزامن مع حملة الروس والنظام على ريف حلب الغربي- الشمالي، فانتهزت القوات الحملة لتتمكن من فرض سيطرتها على عدة مواقع ضمن نطاق سيطرة قوى الثورة السورية؛ أهمها (تل رفعت – منغ – ماير – كفين – احرص – دير جمال -الزيارة).

وعن إنجازات روسيا في فترة تدخلها حتى سحبها لجزء من قواتها، قال التقرير إنها تمثلت في إنشاء منطقة عدم تجوال في الأجواء السورية، وإجبار طيران التحالف الدولي على التنسيق المباشر مع القوات الروسية قبل تنفيذ أي غارة، وذلك عبر نصب جهاز يعرف بـ Richag-AV الذي يتمتع بقدرة عالية على اعتراض الاتصالات والإشارات التي قد تُرسل إلى الصواريخ الذكية ومنها “باتريوت” الأميركي. إضافة إلى ذلك، قامت بإرساء سفينة حربية بالمياه السورية بالقرب من اللاذقية تحوي على مئات الصواريخ s300 العابرة للقارات، هذا وقد حافظت روسيا على موقع تلك البارجة الحربية، على الرغم من إعلانها لسحب الجزء الأكبر من قواتها، كما وفرت كمية كبيرة من الذخيرة والمستشارين والتقنيين لقوات النظام.

بالإضافة إلى تمكين النظام عسكرياً في المناطق التي أطلق عليها النظام اسم (سورية المفيدة)، وتحصين دفاعات النظام بالخط الساحلي من الشمال الى الجنوب، وزرع شوكة للمعارضة في البادية شرقي حماه وجنوب شرق محافظة حمص باتجاه تدمر، وفقاً للتقرير. وأضاف أن التدخل الروسي أدى لحماية وتثبيت المصالح المختلفة لدى روسيا بدءاً من الوجود العسكري وصولاً إلى الصفقات التجارية أو الدعم التقني لمشاريع غاز ونفط في البادية السورية.​

العربي الجديد

 

 

 

لماذا قرّر بوتين إنهاء الحرب في سوريا؟

ماذا يعني الانسحاب من سورية بالنسبة إلى موسكو؟ فهل يشكل قرار الرئيس الروسي انسحاباً أو تراجعاً تكتيكياً بسيطاً؟ وهل تراجع دعم الكرملين للرئيس السوري الأسد؟

تعكس لقطات عودة أولى الطائرات المقاتلة الروسية من سورية على شاشات التلفزيون انطباعاً بأن «المهمة أنجزت»، لكن يبقى بعض الأسئلة حول قرار فلاديمير بوتين سحب «الجزء الأكبر» من قواته.

فهل يشكل القرار الأخير للرئيس الروسي انسحاباً أو تراجعاً تكتيكياً بسيطاً؟ وهل تراجع دعم الكرملين للرئيس السوري بشار الأسد؟

أعلن بوتين منذ البداية أن تدخل القاذفات والمقاتلات التابعة للجيش الروسي سيكون محدوداً. وبعد أكثر من خمسة أشهر على بدء الغارات الجوية، تغيرت الأوضاع العسكرية على الأرض، واستعاد الجيش السوري تفوقه، بعد النكسات التي مني بها منذ ربيع العام 2015.

بالنسبة إلى موسكو، فقد حان الوقت للعودة إلى «المسار السياسي»، وترجمة التوازن الجديد للقوى ميدانياً على طاولة المفاوضات.

وهناك ذريعة إضافية، فقد حقق الجيش الروسي بعد آلاف الغارات الجوية، انتصاراً سهلاً من دون أضرار مع مقتل ثلاثة جنود فقط.

لكن قوات النظام السوري لم تستعد السيطرة على كامل حلب، ثانية مدن البلاد، والخطر كان كبيراً للتورط في محاولة الدفع أكثر باتجاه ذلك.

وكما يلخص بقساوة رئيس تحرير مجلة «روسيا في السياسة العالمية» فيودور لوكيانوف، فإن الرسالة إلى دمشق واضحة: «نحن لا ننوي القيام بكل الأعمال من أجلك».

كان الخيار هو الأسد أو احراق البلد، احـــترق البــــلد، وتشّرد الشعب، فلماذا الأسد بــــعد ذلك. حـــــرف ‘او’ يعني ان الحريق جاء بعد ان صـــار بقاء الأسد مستحيلا، او هكذا تدلّ العبارة، لكن يبدو ان للنظام طريقته الخاصة في إعراب اللغة.

كان الخيار هو الأسد أو احراق البلد، احـــترق البــــلد، وتشّرد الشعب، فلماذا الأسد بــــعد ذلك. حـــــرف ‘او’ يعني ان الحريق جاء بعد ان صـــار بقاء الأسد مستحيلا، او هكذا تدلّ العبارة، لكن يبدو ان للنظام طريقته الخاصة في إعراب اللغة.

من جهته، يقول كريم بيطار، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» في باريس، إن «بوتين حقق أهدافه، وهي التوطيد والسيطرة على سورية المفيدة»، أي المناطق المأهولة في وسط سورية وغربها.

والنقطة الأخيرة هي المال، عصب الحرب. وتشير تقديرات صحيفة «آر بي كاي» الروسية، إلى أن كلفة الحملة العسكرية تلبغ 2.5 مليون دولار في اليوم الواحد. ما يشكل نفقات لا يستهان بها بالنسبة إلى هذا البلد الذي يستعد للعام الثاني على التوالي لركود اقتصادي مع انتفاء أي أمل في تحسن ملحوظ لأسعار النفط المنخفضة.

وأعلن بوتين انسحاب غالبية قواته، لكنه شدد على الاحتفاظ بـ «موقع لوجستي جوي» في قاعدة حميميم العسكرية.

ومع أن الكرملين لم يعلن مطلقاً في شكل رسمي عديد عناصره أو طائراته المنتشرة هناك ولم يؤكد كم سيعود منهم، قدّر رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الروسي عدد القوات التي ستبقى منتشرة في سورية بأكثر من 800.

كما أن الجيش الروسي سيحتفظ أيضاً في المكان بمنظومة صورايخ «أس 400» المضادة للطائرات. بعبارة أخرى، بدلاً من الانسحاب، يجب التحدث عن خفض وجود موسكو العسكري.

بدوره، يقول الخبير في مركز «كارنيغي» في موسكو أليكسي مالاشينكو، إن الكرملين ليس مقيد اليدين.

ويضيف أن «قرار سحب القوات، الذي بدا أنه غير متوقع في البداية، لا يمكن أن يكون تم اتخاذه من دون التشاور مع الولايات المتحدة، فهو نتيجة تسوية صعبة. لكنها إذا لم تعمل، فلا شيء يمنع موسكو من إرسال قواتها الجوية إلى سورية».

ولكن بيطار يعتبر ذلك «مؤشراً إلى التهدئة» مضيفاً أن «هناك مخاوف روسية من الغرق في مستنقع في الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «تجربة التدخلات الأجنبية في المنطقة تؤكد أنه ستكون ردود فعل عنيفة».

وكما في كل مرة تحرك روسيا قطعة على رقعة الشطرنج السورية، يسارع المراقبون إلى التدقيق في مؤشرات على وجود تغير في الدعم الروسي للأسد.

ويتابع بيطار: «لا أعتقد أن الروس في طريقهم للتخلي عن الأسد. إنها كمن ينظر إلى تمنياته كحقائق ليؤكد ذلك الآن».

ومع ذلك، أشار العديد من الخبراء إلى أن الرئيس السوري يزعج بعض الأحيان موسكو، وأن روسيا تريد زيادة الضغوط عليه في بداية مفاوضات السلام، الأمر الذي نفاه الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف اليوم.

وتقول ساره لاين من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة» في لندن، إن «مسألة رحيل الأسد أو بقائه في السلطة تشكل نقطة خلاف ضخمة تستمر في عرقلة المفاوضات في جنيف».

وختمت: «أعتقد أن الانسحاب الروسي يهدف إلى تسريع المناقشات في شأن الانتقال السياسي».

من جهة ثانية، يرفع إعلان روسيا المفاجئ سحب الجزء الأكبر من قواتها من سورية، معنويات الناشطين والفصائل المقاتلة الذين يعتبرون قرار موسكو بمثابة «نكسة» لقوات النظام، على رغم شكوكهم في دوافع حليفة دمشق.

ويقول القائد المحلي في فصيل «جيش التحرير» في محافظة حماة (وسط) رائد العلوي، إن «المعنويات مرتفعة إلى أعلى حد، والنظام لن يتمكن من الصمود وحده»، ويؤكد العلوي «هذا انتصار للشعب السوري»، ليضيف مستطرداً «روسيا لم تهزم ولكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها».

ويعبر القيادي المحلي في فصيل «الجبهة الشامية» مضر نجار، عن سعادته بالانسحاب الروسي. ويقول إن «هزيمة الروس معنوية، وتظهر أنهم لم يتمكنوا من القضاء على الثورة»، ويؤكد أن «الثورة مستمرة حتى إسقاط النظام».

ومنذ بدء التدخل الروسي في 30 أيلول (سبتمبر) 2015، «قتل مدنيون ودمرت مستشفيات ومدارس فضلاً عن البنية التحتية». وفي بداية الشهر الجاري، وثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 1733 مدنياً من جراء الغارات الروسية».

ويقول أبو أنس، الناشط في مدينة داريا الواقعة تحت حصار قوات النظام في جنوب دمشق، «بالطبع نشعر بالسرور نوعاً ما، إلا أن الشعب لا يثق بالروس».

ويؤكد أبو إبراهيم، القيادي في فصيل «اللواء العاشر» المتواجد في ريف اللاذقية الشمالي (غرب) أن «قرار الانسحاب كان مفاجئاً، ولم نر تبعاته على الأرض حتى الآن». ويضيف: «لا يجب أن نكون عاطفيين، وأنا لا أراها هزيمة» للروس.

ويعتقد أبو إبراهيم أن الإعلان الروسي مرتبط أساساً بالمفاوضات في جنيف. ويقول: «أنا في حيرة من أمري، ولدي شكوكي، فهناك أمر ما سيحصل»، مضيفاً «روسيا لا تتصرف بطريقة عشوائية، هناك أمر ما تحت الطاولة، ولا يمكن أن ينسحبوا من دون مقابل».

أما من جهة النظام، يقر ضابط في الجيش السوري طالب عدم الكشف عن اسمه بأنه «لا نعرف ماذا حدث». (أ.ف.ب

 

 

 

روسيا.. من الدعم العسكري في سوريا الى الدفع السياسي/ ربى كبّارة

تقاطعت ردود الفعل على اعتبار ان اعلان روسيا، المفاجئ والمدوي، سحب الجزء الرئيسي من قواتها من سوريا، يوفر زخما للحل السياسي الذي يمر حاليا بمرحلة مفصلية نجاحا او فشلا. فقد حققت اهداف تدخلها الرئيسية، كما انها لا توافق بشار الاسد على مواقفه التصعيدية الاخيرة منتشياً بالانجازات العسكرية التي حققها في ظل الغطاء الجوي الروسي.

فمن وزير الخارجية الاميركي جون كيري الى نظرائه الاوروبيين والعرب تتقاطع الآمال بان تدفع الخطوة الروسية «الايجابية» مفاوضات جنيف. فمثلاً، لقد اعتبرها كيري افضل فرصة لإنهاء الحرب لتضافر ثلاثة عوامل: صمود الهدنة، الانسحاب الروسي، وانطلاق المفاوضات. وقوّمها نظيره السعودي عادل الجبير كـ«خطوة ايجابية نأمل ان تسرع وتيرة الانتقال السياسي»، كما رأى المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا انها تطور مهم جدا آملا ان يكون له وقع ايجابي على تقدم المفاوضات.

تزامن اعلان فلاديمير بوتين الانسحاب مع انطلاق المفاوضات برعاية اممية، وأرفقه بتعليمات لوزير خارجيته سيرغي لافروف عن ضرورة تكثيف الجهود للوصول الى حل سياسي متوازن.

وقد اتى الانسحاب الروسي بعد تحقيق اهداف عدة منذ تدخله للمرة الاولى بدءا من آخر ايلول الماضي. فقد أنقذ نظام الاسد الذي هدده وصول المعارضة الى تخوم العاصمة دمشق. ولم يكن الهدف التمسك بشخص الاسد، وفق مصدر ديبلوماسي قريب من الدوائر الروسية، وانما الحفاظ على نظام يؤمن المصالح التي كانت تقتصر على قاعدة بحرية في طرطوس اضيفت لها قاعدة جوية في حميميم في ريف اللاذقية. كذلك الحدّ من التكاليف المالية الباهظة.

عبر التدخل العسكري المفاجئ كما الانسحاب بتوقيت مميز، فرضت موسكو نفسها لاعبا رئيسا في الشرق الاوسط وممسكا وحيدا بالخيوط السورية، وكرست عودة لافتة الى الساحة الدولية بعد العزلة التي فرضت عليها جراء الازمة الاوكرانية.

اما الهدف المعلن للتدخل الروسي والذي اختصرته موسكو بالقضاء على الارهاب ممثلا بـ«داعش» و»النصرة» فهي لم تسع فعليا لتحقيقه، كون غاراتها استهدفت خصوصا الفصائل المعتدلة، وهي تنسحب قبل تنفيذه كاملا.

واضافة الى ذلك تعوّل موسكو على حل سياسي يمكن انجازه قبل انقضاء ولاية الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي شكلت سياسته الانسحابية من المنطقة ابرز عوامل النجاح الروسي، وذلك خشية تغيير اساسي مع خليفته. كما تأمل نيل مكاسب من السعودية عبر رفع اسعار النفط بما يساهم في تقليص معاناتها الاقتصادية، ومن الاميركيين عبر رفع العقوبات التي انهكتها ماليا.

وثمة تناقض واضح بين الموقفين السوري والروسي. فقد اعتبر الاول الخطوة «منسقة» فيما اكد الثاني انها اتت بقرار ذاتي صرف، وانها لا تهدف الى ممارسة الضغوط على الاسد، وهو ما عزاه المصدر الى محاولة انقاذ ماء وجه الرئيس السوري لا غير.

وبدا واضحا ان التفاهمات الاميركية- الروسية تتعارض مع رغبات الاسد الذي استبق المفاوضات بإعلانه منذ منتصف الشهر الماضي ان الحل السياسي لا يأتي الا بعد استعادة كامل السيطرة، والذي وُوجه فورا بانتقاد روسي علني على لسان سفير روسيا في الامم المتحدة فيتالي تشوركين الذي اعتبره موقفاً لا ينسجم مع الجهود الروسية. وقد عارض الاسد دون جدوى الهدنة التي بدأت في 27 شباط بتوافق اميركي ـ روسي واعلن عزمه اجراء انتخابات نيابية الشهر المقبل، خلافا لمقتضيات القرار الاممي 2254 الذي يشكل اساس التفاوض في جنيف وينص على تشكيل حكم تمثيلي جامع غير طائفي، وعلى وضع دستور جديد، وانتخابات في غضون 18 شهرا. ومؤخرا اعلان وزير خارجية النظام وليد المعلم ان بقاء الاسد بصلاحياته المطلقة خط احمر والتشدد بان محور التفاوض هو حكومة وحدة وطنية تضم اطيافا معارضة لا هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التي تتمسك بها المعارضة.

وبانتظار تبلور خلفيات واهداف الخطة الروسية بوضوح تام يبقى السؤال عما اذا كان الاسد سيبقى مغردا خارج سرب التسوية لاهثا خلف تحقيق حلم استعادة السيطرة على كامل الارض السورية.

المستقبل

 

 

 

رسائل موسكو الغامضة حول مصير الأسد

انسحاب روسيا الجزئي وتحذير تشوركين وآخرها عدم سعيها لإبقاء الأسد رئيساً

العربية.نت – عهد فاضل

رسائل متعددة صدرت من روسيا، بخصوص الوضع السوري، زادت من “غموض” موقف موسكو من “مصير الأسد”. إلا أن غموض هذا الموقف لم يعنِ، بحال من الأحوال، استحالة قراءته. خصوصا إذا ما كانت الصبغة العامة لتلك الرسائل تتضمن التحذير الرسمي لنظام الأسد، أكثر من مرة، بوجوب “الإنصات” للنصائح الروسية التي لم تقل موسكو حتى الآن ما هي هذه النصائح؟!

من الرسائل الغامضة لروسيا، في سوريا، وعلى سبيل المثال، مسألة تكريم ضباط من جيش الأسد. ويتأتى الغموض في هذا التكريم، هو أنه يجيء في الوقت الذي لم تنته فيه الحرب السورية، بل مازالت قائمة على أشدها.

كما حصل في تكريم الجيش الروسي لضابط من ضباط الأسد هو العقيد سهيل الحسن، وغيره بطبيعة الحال، حيث كُرّم مرتين، واحدة في مطار “حميميم” العسكري الذي تسيطر عليه روسيا، وأخرى في حلب الشمالية. فلماذا يكرّم الروس ضباطاً سوريين على رأس عملهم وهم في حالة حرب؟

الأسد ليس طرفاً في التفاوض الأميركي الروسي حول سوريا

رسالة غامضة أخرى وردت من روسيا بخصوص الأسد في 24 فبراير الفائت، وهي في قول الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي ديمتري بيسكوف، إن الأسد “ليس طرفاً في التفاوض الأميركي الروسي” حول سوريا، مضيفاً أنها “مفاوضات مغلقة بين الجانبين”. وهو ما يتناقض أصلا مع الموقف الروسي المعلن حول الأسد الذي يعتبره “رئيساً شرعياً” ثم يستبعده من التفاوض مع الأميركيين حول سوريا.

خروج الأسد بكرامة يتطلب تقيّده بالخطة الروسية

الرسالة الغامضة الأخرى والأشهر، في هذا السياق، كانت في تصريح فيتالي تشوركين مندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن، حول وجوب أن تحذو الحكومة السورية حذو روسيا في خريطة حل الأزمة، وإلا “لن تخرج الحكومة السورية بكرامة”. على حد قوله. وغموض تلك الرسالة يتأتى من كون التصريح الروسي لم يحدّد، بالضبط، ما الذي تقوم به روسيا، وعلى الأسد أن يقوم به كي “يخرج بكرامة” من الأزمة.

نعم للفيدرالية.. لا للفيدرالية!

ومن الرسائل الغامضة التي خضعت لشد وجذب وتأكيد ثم نفي، هو الكلام الروسي عن الفيدرالية في سوريا. ثم انتظار نظام الأسد أكثر من يومين كي يبدي رد فعلٍ على التسريب الروسي بخصوص “فَدرلة” سوريا. ثم جاء توضيح روسي ينفي هذا التوجه، ما دفع النظام على لسان وزير خارجيته لإعلان موقفه الرافض للفدرلة.

ثم.. روسيا لا تسعى لإبقاء الأسد رئيساً

الرسالة الأخيرة في هذا المجال، وعلى ما نشر في وسائل إعلام روسية نقلها “العربية.نت” بتاريخ 22 مارس 2016 تمثلت في تصريح فيكتور أوزيروف، رئيس لجنة مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الدفاع والأمن في البرلمان، بأن موسكو “لا تعتبر الأساس في عملية التسوية هو الحفاظ على بشار الأسد رئيساً، بل العمل على مصلحة الشعب السوري. وليس الحفاظ على الأسد رئيساً”.

الانسحاب الروسي الجزئي أشد الرسائل غموضاً

إلا أن الانسحاب الروسي الجزئي، من سوريا، مثّل برأي طيف واسع من المحللين “لغزاً” أشد غموضاً من كل رسائل موسكو حيال مصير الأسد. وأغلب الآراء اتفقت على أن الانسحاب الروسي يحمل في ثناياه، تغيراً ما بخصوص حل الأزمة في سوريا. فقد ورد في صحيفة “الحياة” اللندنية في مقال للكاتب غازي دحمان، اليوم الخميس، بأن “الانسحاب الروسي في هذا التوقيت وعلى هذا الشكل يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات وتداعيات كثيرة، كما أنه ينذر بتغيير ديناميكيات الصراع ليس بين الأطراف التقليديين، بل داخل جبهة الأسد وحليفته إيران”.

خصوصا أن الروس لم يعطوا للأسد فرصة كي يقوم بتكريم ضباطهم الذين رحلوا عن سوريا، مع أنه أصدر قانوناً تشريعياً جديداً بخصوص منح وسام بطل الجمهورية للأجانب! وكذلك لم يمنحوه فرصة الإعلان أولاً عن الانسحاب من جانبه هو لا من جانب الروس!

كما أن الانسحاب السالف تم بمعزل عن الاتفاقية العسكرية ما بين الجانبين والتي قضت في الباب التاسع منها بأن أي تعديل على الاتفاقية أو إضافات يجب أن يتم من خلال “بروتوكول إضافي واتفاق بين الجانبين”. وهو ما لم يحصل، إذ صرّح الروس بأن بوتين أبلغ الأسد هاتفيا بالانسحاب الجزئي.

وينتظر المحللون السياسيون والمراقبون للشأن السوري، ما ستسفر عنه زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو، وما إذا كانت “ستبدّد” بعض غموض الموقف الروسي حيال مصير الأسد الذي يبدو أنه سيدخل في إطار البحث “الجدّي” خصوصا بعد تصريح روسي أخير بأن موسكو لا تسعى لإبقاء الأسد رئيساً.

 

 

 

 

سورية والحسم الروسي والتردد الأميركي/ كلوفيس مقصود

بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية بين النظام السوري والمعارضة بمختلف عناصرها، يبدو أن روسيا قرّرت حسم الموضوع عسكرياً لصالح النظام، فالحرب الأهلية التي استمرت نيفاً وخمس سنوات، مع أكثر من ستة ملايين سوري لاجئ خارج سورية، وملايين النازحين خارج مدنهم وقراهم، إضافة إلى الدمار السائد في مدنٍ سوريةٍ كثيرة، ناهيك عن أكثر من ثلاثمئة ألف قتيل من السكان، كما الدمار في الأملاك والبنى التحتية والمؤسسات، مثل المدارس والمستشفيات وغيرها. كل هذا تضاف إليه المنظمات الإرهابية العديدة.

مكّن الموقف الأميركي المتردّد بشأن سورية النظام أن يكون حاسماً في إجراءاته، وأن يستأثر بالمبادرات العسكرية التي قام بها، فقد بدأت أحداث سورية عندما قامت مجموعات من الشعب السوري بالمطالبة السلمية بإصلاحاتٍ، لها علاقة بالحرية وحقوق الإنسان، فما كان من النظام إلا أن جابه المظاهرات السلمية بالقوة العسكرية، ويعلم الجميع ما أدى إليه هذا الموقف المتصلب من المطالب الشعبية المحقة من ظهور منظمات إرهابية متطرفة، سيطرت على قسم من الأراضي السورية.

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى أنه، بعد التدخل الحاسم للقوات الروسية وبعد إعلان عن وقف إطلاق النار، عادت المظاهرات السلمية إلى الساحة، للإعلان بوضوح أن المطالب غير عنفية، وتتعلق، أولاً وآخراً، بحقوق الإنسان وحريات المواطنين.

ولن تكون مفاوضات جنيف بين النظام وفصائل المعارضة، برعاية روسية أميركية، سهلة. ولكن، ما يعطي الأمل القوي نسبياً بأن هذا المسار قد يؤدي إلى السلام في سورية هو ما يصدر عن الراعيين، الروسي والأميركي، من تصريحاتٍ إيجابيةٍ، ومن بوادر تشير إلى تصميم مشترك منهما، لوضع حد لهذه الأزمة، وبصورة خاصة لوقف تقدّم التطرف الإرهابي الذي فاق كل التوقعات، وتجاوز كل الحدود.

علاقة روسيا بسورية ليست جديدة، فهي قائمة منذ أيام الاتحاد السوفييتي والرئيس حافظ الأسد، حيث كان الاتحاد السوفييتي يزود سورية بالأسلحة، وبكل أنواع الدعم الساسي والعسكري. وانطلاقاً من هذا التحالف القديم والقوي، شاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يظهر للأصدقاء والأعداء أن بلاده لا تتخلى عن حلفائها، كما أنه واع لمصالح دولته، حيث ليس لدى روسيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط سوى قاعدة بحرية واحدة في مدينة طرطوس السورية، وقد أمّن الآن قاعدة جوية في منطقة اللاذقية. ومن هذا المنطلق، أصبح لروسيا الآن موطئ قدم ثابتاً في الشرق الأوسط، إذ أتاح التردد الأميركي لروسيا فرصة تعزيز موقعها، ليس في سورية فحسب، بل إلى حد ما في الشرق الأوسط.

أما الغيوم التي تخيم على مؤتمر جنيف، فهي ما أعلنه الأكراد بالبدء في إنشاء كيانٍ فيدرالي في المنطقة التي يسيطرون عليها في سورية، ما قد يؤدي إلى رغبة مناطق أخرى بأن تحذو حذو الأكراد. هذا مع العلم أن الدولة الفيدرالية لا تعني بالضرورة تقسيم البلد، بل ربما قد تعزز المسؤولية القومية، بإعطاء المناطق مسؤولية إدارة شؤونها المحلية. وذلك كله تحت سلطة دولة وحكومة واحدة، على غرار ما يجري في دول، مثل كندا وغيرها.

في الختام، هنالك قناعة بأن لا حلّ للأزمة السورية إلا بالوسائل السياسية. وعليه، فإن مفاوضات جنيف تشكل المسار الأنجع لإيجاد الحلول السلمية لهذه الأزمة المستعصية التي نأمل أن تجد حلها في المستقبل القريب، من خلال صحوة الأطراف السورية على اختلافها، باتجاه العثور على صيغةٍ تؤدي إلى وقف النزف وأسبابه. وبالتالي، إعادة بناء المؤسسات لضخ الحياة في أجهزة الدولة وحياة المجتمع السوري، بما يمكّن من استئناف ورشة الإعمار والبناء.

العربي الجديد

 

 

ما قبل الانسحاب وما بعده .. النصر الروسي باهظ الثمن في سوريا

ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد

تبقى جعبة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» دوما مليئة بالمفاجآت. وسط ضجة كبيرة، بدأت روسيا ما لا يقل عن انسحاب جزئي من سوريا. ومع عودتهم إلى قواعدهم في روسيا، فإن الطيارين الروس قد تم استقبالهم بالأبواق والرايات. وقد ادعى «بوتين» لنفسه نصرا حاسما، ويبدو أن الشعب الروسي أو أغلبه يصدق هذا الأمر. وقد أثبتت خفة اليد الروسية أنها مكلفة ليس فقط للشعب السوري، ولكن أيضا إلى الولايات المتحدة، وأوروبا، وحتى للمصالح الخليجية.

بالطبع لقد رأينا هذا السيناريو من قبل في أوكرانيا. بعد شنها الحرب الهجينة الناجحة ومباغته كل من كييف وواشنطن، فقد تفاوضت موسكو على وقف إطلاق نار مبدئي كان أكثر قليلا من خدعة. واصلت موسكو طريقها من النقطة التي توقفت عندها حيث استأنفت هجومها وسعيها إلى زعزعة استقرار البلاد قبل التفاوض على وقف إطلاق نار آخر تم انتهاكه بصورة عرضية أكثر من مرة منذ ذلك الحين. لم يكن ينبغي لنا أن نتوقع شيئا مختلفا في سوريا، حيث استمر القصف الروسي في انتهاك وقف إطلاق النار الذي قبلت به روسيا.

بعد كل شيء، فإنه في الوقت الذي كان فيه «بوتين» يناقش علنا منح «بشار الأسد» حق اللجوء إلى روسيا، فإن القوات الروسية كانت تواصل حملة من القصف المركز التي استمرت لعدة أسابيع في سوريا التي شملت الاستهداف المباشر للمستشفيات والسماح للقوات النظامية السورية باستعادة السيطرة على مئات المدن وآلاف الأميال من الأراضي. وعلاوة على ذلك فقد سمحت للقوات الكردية باحتلال أجزاء إضافية من الأراضي المتاخمة تركيا، مما تسبب في تحول الأخيرة إلى وضع الأزمة والبدء في صف وحدات الحماية الكردية في سوريا والمطالبة بمساعدة الغرب في إقامة منطقة آمنة.

ماذا حققت روسيا في سوريا بعد كل ذلك؟

بادئ ذي بدء، فإنها قد باغتت الغرب بشكل تسبب في تراجع ملحوظ للمطالبات الأمريكية والأوروبية بخطوة التنحي الفوري للأسد. نجحت روسيا، إلى الآن على الأقل، في إعادة الاستقرار لـ«نظام الأسد» الذي لا يزال ينتهك إلى الآن اتفاق وقف الأعمال العدائية في إطار سعيه إلى إحكام قبضته على الجزء الغربي من البلاد. من خلال إطالة الصراع وتعقيده فإن روسيا قد ضمنت لنفسها اليد العليا وقدرا كبيرا من النفوذ. خلال التوسط في محادثات السلام جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، فإن روسيا كانت قادرة على تسويق نفسها على أنها صانع سلام في الوقت الذي تواصل في مهاجمة قوات المعارضة السورية بأكثر من مهاجمتها لتنظيم «الدولة الإسلامية». عبر قيامها بذلك، كانت روسيا قد قضت على الجهود السابقة من وكالات الاستخبارات الغربية والخليجية لدعم هذه القوى المعارضة.

وعلاوة على ذلك، فإن روسيا قد أعادت بنجاح تقديم نفسها على أنها قوة عالمية كبرى. وقد كانت قادرة على إثبات ليس فقط قدرتها على الضرب بسرعة في بداية أي حرب هجينة، ولكن أيضا إثبات قدراتها الصاروخية الجديدة حيث أطلقت لسلة من صواريخ كروز في المجال الجوي السوري في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الغربية تحلق لتشن هجماتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ثم شرعت روسيا في توسيع نفوذها عبر بناء قاعدة عسكرية جوية جديدة في اللاذقية وقد شملت عملياتها الجوية ضد جماعات المعارضة السورية سلسلة من المناوشات مع طائرات أخرى كادت أن تهدد بنشوب تصعيد أكبر. وسعت روسيا منطقة نفوذها، ونجحت في اقتطاع منصب اللاعب الأكثر تأثيرا في الحرب الإقليمية بالوكالة برمتها.

وعلاوة على ذلك، فقد وعدت روسيا الأكراد بإنشاء دولة لهم في شمال سوريا، ونجحت في تحقيق تحالف فعلي مع حليف الغرب الأكثر أهمية على أرض الواقع في كل من سوريا والعراق. كما نجحت روسيا أيضا في توظيف هذه المشاركة محليا، فعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يشعر الشعب الروسي بوطأتها أكثر من أي وقت مضى، فإن شعبية «بوتين» المحلية قد ازدادت بوضوح. وعلاوة على ذلك، فإن التكلفة الإنسانية للحرب السورية قد تسببت في زعزعة استقرار الاتحاد الأوربي. وما قد يكون أكثر أهمية من ذي قبل، فإنها قد نجحت في عكس حالة الطمأنينة التقليدية لدى الاتحاد الأوربي، حيث أنفقت الولايات المتحدة 3.4 مليار دولار على تجهيزات عسكرية في بولندا جنيا إلى جنب مع وضع قوة متعددة الجنسيات. حتى دول البلطيق قد صارت قلقة على نحو متزايد من التدخل الروسي المحتمل في أراضي حلف شمال الأطلسي.

ماذا عن سلبيات الحرب بالنسبة إلى روسيا؟ أولا، كان التدخل مكلفا، مما أدى إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية في الداخل. ثانيا، تم استهداف روسيا من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية» مما أدى إلى إسقاط طائرة ركاب ومصرع المئات من المواطنين. ثالثا، تم إسقاط طائرة روسية مقاتلة بواسطة تركيا وتكلفت حياة الطيار إضافة إلى جندي آخر في عملية الإنقاذ الفاشلة. رابعا، توترت علاقة روسيا مع حلف الناتو بعد اشتباكها مع تركيا، وربما يكون تورط الناتو بشكل مباشر هو أهم الأمور التي كانت روسيا تخشى حدوثها في هذا الصراع. وخامسا فإن روسيا قد صلبت عن غير قصد من مواقف «نظام الأسد» إلى حد جعله يقاوم محادثات السلام التي ترعاها روسيا.

لماذا بدأت روسيا في سحب قواتها إذا؟

كانت روسيا بذلك قادرة على صناعة انقلاب جديد في العلاقات العامة أثار استغراب جميع الأطراف المعنية على الرغم من أن السبب الحقيقي لهذا الأمر يرجع إلى كون «بوتين» ومستشاريه قد رأوا بالفعل أنهم قد حققوا أكثر مما كانوا يتوقعونه. مع تنحية هذه الأسباب جانبا، فإن أحد الأسباب المحتملة ربما ينطوي على مزيج من الألم الاقتصادي الإضافي الذي يعانيه النظام نتيجة المليارات التي يتم إنفاقها في سوريا فضلا عن رغبته الآن في اللعب ببطاقة السلام من أجل الالتفاف على العقوبات المفروضة من قبل الأوربيين.

وقد صرح مسؤول كبير في الكريملين بأن روسيا في واقع الأمر لن تقوم بتخفيف عملياتها ولكنها ستقوم بتكثيفها. الأدلة على نوايا موسكو الحقيقية قد انعكست أيضا في الحقائق على الأرض، وهي الإبقاء على أعداد كبيرة من القوات واللوازم والطائرات والمستشارين العسكريين ومنظومات الصواريخ وسائر الفاعلين، حتى تتيح لنفسها أكبر قدر من المرونة في اتخاذ خطوتها المقبلة.

سمحت روسيا لوقف إطلاق النار بجلب قدر من السلام إلى منطقة الحرب السورية، مع دخول بعض القوافل الإنسانية (وليس كلها) الخاصة بالأمم المتحدة لإغاثة الجوعى من المدنيين السوريين. وقد اضطر الغرب للظهور كشريك قوي في هذا المسار الدبلوماسي مع قدر أقل من النفوذ في واقع الأمر انتظارا لما سوف يفعله نظامه «الأسد» وشريكه الروسي صانع السلام. كل هذا يمثل تحولا كبيرا في المشهد الجغرافي الاستراتيجي لا يمكن التقليل منه بحال.

المصدر | فورين أفيرز

 

 

“غلّة” بوتين من سوريا… 12 مليار دولار!/ موناليزا فريحة

قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مغادرة سوريا وهو في “ذروة” نجاحه. ارتأى الانسحاب من اللعبة مع رصيد في الجيب، بدل الغرق في المستنقع واستنزاف ما جناه في الأشهر الستة. ومع اعادة “السوخوي” وأخواتها الى بلادها، وابقاء قاعدتين روسيتين في سوريا، يمكنه الاحتفاظ بنفوذ كبير في سوريا والمنطقة بتكاليف أقل وأثر بعيد المدى.

ليس هذا التقويم لحصاد بوتين في سوريا غربياً، وإنما هو صادر عن مركز موسكو للمعلومات السياسية المقرب من الكرملين. وبمعايير المدير العام للمركز، كل ما قامت به روسيا في سوريا هو مكسب لها. دربت الجيش السوري وسلحته وهي تستمر في تقديم المشورة العسكرية له، مكرسة لنفسها نفوذاً كبيراً عليه. قتلت أكثر من 2000 ارهابي، غالبيتهم من دول الاتحاد السوفياتي السابق، فاطمأنت الى أن هؤلاء لن يعودوا لضرب قلب موسكو.

طوال ستة أشهر، شكلت سماء سوريا مسرحاً مفتوحاً لعرض أحدث المقاتلات الروسية، وأرضُها حقل تجارب للقنابل، الذكية منها كما الغبية التي حصدت بين ضحاياها مدنيين كثيرين ودمرت مستشفيات ومدارس. ومن بحر قزوين،اختبرت موسكو صواريخ أصابت أو أخطأت أهدافها لا فرق.الاهم أنها لفتت انتباه العالم الى الدب الروسي الذي استيقظ بعد طول سبات.

ليست قليلة المكاسب الجيوسياسية لروسيا التي يمكن أن تشكل ذخيرة لها لانتصارات سياسية كبيرة، ولا تقل عنها أهمية المكاسب المالية التي حققتها ويمكن أن تتيح لها تعويض كلفة تدخّلها في سوريا.

مركز الابحاث نفسه أوضح أن صفقات التسلح الموقعة بين روسيا ودول أجنبية زادت نحو 12 مليار دولار، وهو ما يعني أن العروض الجوية والبحرية أوتيت ثمارها.وباتت موسكو تتوقع تعاوناً عسكرياً وتقنياً مع شركائها القدامى، من الهند والصين وغيرهما، وصولا الى استقطاب زبائن جدد.

مع غلة كهذه، لا يعود مستغرباً أن يعلن بوتين أنّ المهمة أُنجزت. لم يدفع الرئيس الروسي تعزيزات الى سوريا لوقف الحرب ولا لمنع المذبحة المستمرة منذ خمس سنوات، ولا للقضاء على “داعش” و”جبهة النصرة”.أهدافه كانت مختلفة تماماً، وهو ما يبرر اعلانه انجاز المهمة. أما تهديد موسكو لواشنطن بالتحرك أحادياً ضد المجموعات التي “تنتهك” وقف النار، اذا لم يوافق الاميركيون على مناقشة اقتراح روسيا للحفاظ على الاتفاق، فقد يكون مناورة تفاوضية أو تحذيراً من أنها ستتدخل على الارض في سوريا.

انسحب بوتين من سوريا في الوقت المناسب في تقديره.حمل مكاسبه وملياراته ومشى، تاركاً وراءه سوريا تتخبّط في حربها وموطئ قدم يتيح له العودة متى ارتأى أن العودة قد توفر له مزيداً من المليارات.

النهار

 

 

الثنائية القطبية أثر بعد عين رغم التدخل العسكري الروسي/ فلاديمير فرولوف

لعل «غير ناجز» هي العبارة الأمثل لوصف نتائج التدخل العسكري الروسي في سورية، إثر إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المفاجئ وقف العملية بعد 167 يوماً من الغارات الجوية المكثفة. ولم يرمِ تورط بوتين في الحرب الأهلية السورية الطاحنة الى تحقيق النصر. وكان جلياً أنّ حجم القوات التي نشرتها موسكو في سورية لم يكن كافياً للغلبة والفوز. فالعملية العسكرية سعت الى غايات سياسية محدودة سبق ان حاولت موسكو تحقيقها من طريق الديبلوماسية. ومن هذه الأهداف الحؤول دون هزيمة حليف قديم. لذا، اقتضى دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في معركته ضد المعارضة المدعومة من الخارج والجماعات «الجهادية». وإلى إنقاذ الحليف، رمى التدخل الى الحؤول دون تدخل عسكري غربي في سورية ودون إنشاء مناطق حظر جوّي أو ملاذات إنسانية آمنة.

وغيّر التدخل الروسي مسار الحرب، وشدّ قبضة الأسد في شطر راجح من غرب سورية. كما أدّى إلى إضعاف قوى المعارضة المعتدلة وإطاحة زخمها العسكري. لكن التدخّل هذا لم يؤدِ الى نصر حاسم للنظام. وعبر المشاركة في الحرب السورية، ساعد بوتين الأسد في إدارة المعركة الى ان بلغ طريقاً مسدوداً ليحمل الطرفين الى طاولة المفاوضات. والوضع اليوم في سورية بعيد من الاستقرار، فموازين القوى غير راسخة وقابلة للانقلاب رأساً على عقب، وموقع الأسد غير آمن. وفي وسع روسيا، طبعاً، العودة الى سورية بسرعة إذا انهارت الهدنة الجزئية، فهي ترابط عسكرياً في قاعدتين كبيرتين. لكن هذه العودة مهينة وتترتب عليها كلفة باهظة. ولو لم يضمن بوتين التفاهم مع رعاة المعارضة الإقليميين على أن يحترم حلفاؤهم الهدنة ويشاركوا في التفاوض بحسن نية، لكانت استراتيجيته تستند الى الأمل وتتعلق بحباله. وليس هي سينزل الأسد على مطلب موسكو، أي التفاوض والاتفاق على تقاسم السلطة مع المعارضة.

حقق بوتين نجاحاً أكبر في هدفه الثاني (من التدخل في سورية): إنهاء العزلة الديبلوماسية الروسية الناجمة عن الأزمة في أوكرانيا. واستعداد روسيا لاستخدام القوة العسكرية حيث كانت الولايات المتحدة تتردد، ساهم في إحياء التعاون الروسي- الأميركي. فموسكو زودت واشنطن استراتيجية في وقت كانت جعبتها خاوية من الحلول. واتفاق وقف النار الجزئي الذي أرسي، على وقع المساعي الأميركية والروسية المشتركة، هو مرآة أمينة للرؤية الروسية التقليدية الى مثل هذه التسويات: املاء القوتين العظميين شروطهما على الدول التابعة لهما. وبلغت المغامرة السورية الغاية الإستراتيجية منها، اي العودة الى الثنائية القطبية بين روسيا والولايات المتحدة، وإلى التعاون بين القطبين. ويبرز التنافس على النفوذ كما كانت الحال في الحرب الباردة، عشية زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، المرتقبة إلى موسكو.

ومع ذلك، فإن «المهمة» البوتينية غير ناجزة. ويرغب الكرملين في جعل سورية نموذجاً ليس للعلاقات مع الولايات المتحدة فحسب، بل لإرساء قواعد جديدة للعلاقات الدولية. وأشار وزير الخارجية، سيرغي لافروف، في مقابلة تلفزيونية في 13 آذار (مارس) الماضي، الى إنّ موسكو ترغب في تسوية الصراع في الدونباس ثنائياً مع الولايات المتحدة. وهذا ليس كله بعيد المنال. وناقشت مساعدة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، ومساعد بوتين، فلاديسلاف سوركوف، مسألة استبدال القادة الانفصاليين في الدونباس بالأوليغارشيين الأوكرانيين، رينات اخميتوف ويوري بويكو. وهذا حل تقبله كييف وموسكو، على حد سواء. لكن الغرب لم يرفع أي عقوبات عن روسيا تقديراً لدورها في سورية.

وإذا كان لحلم موسكو بـ «الثنائية القطبية الجديدة» مع واشنطن أن يبصر النور، على الكرملين أن يتخلى عن نهج تعادل الخسائر والأرباح، ويبدأ بالاستناد الى مبدأ المقايضة في جدول الأعمال المشترك، أي تطوير مبدأ الحلول المشتركة، عوض كسب النفوذ عبر التحوُّل إلى جزء من المشكلة. والسبيل الامثل الى الحلول المشتركة هو تغيير لائحة أهداف الآلة العسكرية الروسية وتركيزها على «داعش» في سورية، وربما في العراق وليبيا. سوَّغ بوتين عمليته في سورية بالحاجة إلى القضاء على تنظيم «داعش»، كما دعا الى تشكيل تحالف دولي. اليوم، بعد ستة أشهر من هذه العملية، لم تبلغ هذه الاهداف ولم تنجز المهمة.

* محلل سياسي، عن موقع «موسكو تايمز» الروسي، 16/3/2016، إعداد علي شرف الدين

الحياة

 

 

 

ما هو السبب العميق للمغادرة الروسية؟/ عاموس جلبوع

جاء الروس في مفاجأة استراتيجية (ليس تكتيكية) الى سوريا، وهم يخرجون منها بمفاجأة استراتيجية وتكتيكية على حد سواء. ذات يوم يقول «بوتين» هذا، وفي الغداة يبدأون بالخروج، والعالم، بوسائل تجسسه المتنوعة، يتفاجأ من أقوال بوتين. ومع أن ليس كل القوة العسكرية الروسية تترك سوريا (الصواريخ المضادة للطائرات الحديثة، عدد من طائرات القصف وبعض العناصر الاخرى ستبقى)، فإن السيطرة الروسية في قواعد البحر والجو الخاصة بها في الشاطئ السوري ستستمر، وبالطبع التواجد السياسي والنفوذ الحصري على قواعد اللعب العظمى في سوريا ستستمر – ولكن قوة الدمار الجوي الروسية تغادر.

هذه هي القوة التي في الأشهر الخمسة دمرت تقريبا حتى الأساس مدن وبلدات وعشرات القرى في سوريا.

المسلي هو أنه قبل دقيقة من حديث «بوتين»، لم يقدر أحد بأن الروس سيغادرون، وبعد دقيقة من حديثه، يكاد يكون كل واحد يعرف كيف يفسر لماذا يغادرون: بسبب الثمن الاقتصادي الباهظ، بسبب الانخفاض في أسعار النفط، بسبب ذكريات أفغانستان الأليمة التي لدى الروس، بسبب تورطهم مع تركيا والناتو، بسبب مواجهتهم مع العالم السني؛ يحتمل أن يكون كل واحد من هذه الأسباب صحيحا.

أما بوتين نفسه فقد أعلن بأن سبب المغادرة هو أن القوات الروسية «حققت الأهداف التي وضعت لها». وهنا بالذات تكمن مشكلة. ليس فقط بسبب حقيقة أن أهداف القوة الروسية لم تفصل عندما وصلت إلى سوريا، بل بسبب شيء جوهري آخر وهو:

حسب كل المؤشرات في الميدان، القوة الروسية لم تحقق أهدافها، وتركت المهامة غير منتهية، وهي تغادر سوريا بالذات في توقيت ليس جيدا من ناحية نظام الأسد.

لماذا؟ ماذا تعني هذه الامور؟ صحيح أنه لا شك أن التدخل الجوي الروسي المكثف أنقذ على ما يبدو نظام الأسد (على الاقل لفترة زمنية) وأكسبه عددا من الإنجازات الإقليمية، لكنه لم يحقق بأي شكل الحسم أو يغير بشكل واضح الوضع.

أولا، القسم من مدينة حلب الذي يوجد في يد الثوار لم يُحتل على الإطلاق، بل ولم يطوق. والقوة العسكرية للأسد ومرتزقته لم تنجح في الوصول إلى حدود تركيا؛ كل منطقة إدلب في شمال غرب سوريا، التي تهدد اللاذقية، العاصمة العلوية، تبقى بسيطرة الثوار التامة.

وكقاعدة، فإن الثوار موجودون وقائمون، ولم يتنازلوا عن هدفهم في إسقاط النظام العلوي لبشار. صحيح أن الثوار «المعتدلين» تضرروا، ولكنهم لا يزالون في الميدان؛ وبالذات (المنظمات المتطرفة)، مثل جبهة النصرة وداعش، بالكاد تضررت من القصف الروسي.

بكلمات أخرى، فإن الروس يغادرون دون أن يحقق النظام السوري إنجازا استراتيجيا واضحا في الميدان. فالوضع لم يستقر، وهو يواصل كونه هشا، فيما أن دولاب الحظ قد ينقلب مرات عديدة أخرى. وعليه، برأي، فإن الجهات الأكثر خسارة من الخروج الروسي هم الإسد، حزب الله وإيران.

بشكل عام، فإن إيران أيضا أخرجت معظم قواتها المقاتلة من سوريا، بحيث أن اساس القتال يتم هناك من قبل «المبعوثين»، و«المبعوث» الأقوى هو حزب الله، الذي سيبقيه الخروج الروسي فقط في سوريا لينزف دمه.

إذن ما هو السبب العميق للمغادرة الروسية؟ تقديري هو أنهم بعد بضعة أشهر فهموا ما استغرق (إسرائيل) الكثير من السنين كي تفهمه في لبنان: «القصة» بلا غاية! أضيفوا إلى هذا كل ما تبقى من أسباب.

وماذا عن كل الأحاديث عن «مسيرة التسوية السياسية» في جنيف؟ بتقديري، أقوال عابثة، سخرية على أفضل حالها. ليس في الميدان أي مكان لذرة تفاؤل، على الأقل ليس في السنوات القريبة القادمة.

المصدر | معاريف العبرية – ترجمة المصدر السياسي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى