صفحات العالم

عن الانشقاقات السورية/ ماجد كيالي

يشكّل قيام “الجبهة الإسلامية” انشقاقاً في ثورة السوريين، ومحاولة “انشقاق” في مجتمعهم، بخاصة في جماعة الأكثرية (السنّة)، ليس بسبب الخلفية الإسلامية لهذه الجبهة، فهذا شأنها، وإنما بسبب سعيها لإنشاء كيانات سياسية خاصة بها، ومحاولتها فرض تصوراتها، التي تصادر حال التنوع والتعددية في المجتمع، بالقوة والقسر، مستغلة اضطراب الأوضاع في البلاد، وغياب الشعب عن معادلات الصراع.

ليس هذا هو الانشقاق الأول، الناجم عن تداعيات الانفجار السوري، إذ سبقه “انشقاق” جماعات “النأي بالنفس”، التي ترى في نفسها مجرّد أقليات “طائفية”، و”انشقاق” الجماعة الكردية التي آثرت تعزيز مكانتها وطموحاتها كجماعة قومية.

هكذا يمكن النظر إلى الانشقاق المتمثّل بقيام الجبهة باعتباره بمثابة تحصيل حاصل، أو ردّ فعل، على الانشقاقات السابقة، وعلى انتهاج النظام سياسات تدمير وإزاحة ازاء البيئات الشعبية الحاضنة للثورة. فوق ذلك فإن هذه الانشقاق يعبّر عن أزمة في الثورة كونها لم تتمكّن، بعد ثلاثة أعوام تقريبا، من خلق اجماعات وطنية جديدة، أو توليد مرجعيات سياسية بديلة، أو توضيح ماهيتها لشعبها وللعالم.

وفي الحقيقة، ومن دون التقليل من تداعياته أو من مخاطره، فإن هذا “الانشقاق” لا يحظى بشرعية أو باجماع في إطار الجماعة “السنية”، التي يدّعي تمثيلها، او احتكار تمثيلها، رغم كل ما تكابده هذه الجماعة من النظام، لسبب بسيط مفاده أن جمهور “السنّة” تاريخياً لا يعرّف نفسه بالدين ولا بالطائفة، لأنه يرى في ذاته أكثرية، ولأنه يعتقد بأنه بمثابة “الشعب”، ولأن هذا الجمهور متعدد ومتنوع ومتوزّع على التيارات الإسلامية الاخرى، كما على التيارات العلمانية والليبرالية والقومية واليسارية.

المعنى من ذلك أن مشكلة هذه الجبهة ليست فقط مع التيارات الوطنية/العلمانية، وإنما هي أيضاً مع باقي التيارات والجماعات الإسلامية، لأن كل جماعة في هذه التيارات تعتقد بأنها هي الوكيلة الحصرية لتفسير الاسلام وتمثيل المسلمين، ما يضعها في مواجهة الجماعات الأخرى.

وبديهي أن هذا الوضع يضع “الجبهة الإسلامية” و”داعش” و”جبهة النصرة”، كلاً على حدة، في مواجهة بعضها البعض، كما في مواجهة التيارات والمدارس الاسلامية الوسطية الأخرى، بل انه يضعها في مواجهة جماعة الاخوان التي تؤكد التزامها بإقامة دولة ديموقراطية تحفظ الحقوق والحريات والمساواة لكل المواطنين، هذا مع معرفتنا بأن جمهور السنة يتوزع أيضا على التيارات العلمانية بتنويعاتها، كما ذكرنا.

عموماً وفي الحديث عن الانشقاقات في سوريا يبقى أن الانشقاق المؤسّس والأخطر إنما يتمثل بالنظام الذي بلغت غربته عن غالبية شعبه حد التنكر لمطالبه، وحدّ التعامل معه بالكيميائي والقذائف الصاروخية والبراميل المتفجرة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى