صفحات مميزةوائل السواح

عن التدخل الدولي: لات ساعة مندم: وائل السواح

 

وائل السواح

يوماً ما سوف يتدخل الغرب في سورية، لأنه لن يستطيع أن يتحمل عواقب عدم التدخل لدى الرأي العام في بلاده، أو لأسباب انتخابية، أو لتجنب الانهيار التام الذي سيؤدي إلى انهيار في المنطقة برمتها. لكن ذلك التدخل سيكون بعد فوات الأوان.

أثبتت المعارضة السورية التي راهنت على تدخل الغرب المبكر للمساعدة في إسقاط النظام، وإقامة نظام مدني ديموقراطي بديل للنظام الدكتاتوري في دمشق، أنها ساذجة وحسنة النية، وأنها معارضة لا تقرأ ولا تستفيد من دروس التاريخ. فلو أنها قرأت تجربة الصومال والبوسنة- الهرسك وكوسوفو والعراق، لأدركت أن التدخل الفعّال في سورية لم يكن مدرجاً على أجندة الغرب في أي وقت.

ثمة أربعة شروط للتدخل الدولي في بلد ما، ثلاثة منها معلن والرابع مخفي، تمكن قراءته دوماً بين الســطور. أول هذه الشروط وجود قلق إنســاني لدى الرأي العام الغربي من نتائج الصراع في المنـــطقة المعنية؛ وثانيها وجود إطار قانوني يشرِّع التدخل؛ وثالثها أن تكون للتدخل نتيجة يرى المجتمع الدولي أنها ممكنة ومرغوب فيها. أما الشرط الخفي الذي يكمن وراء الشروط الظاهرة فهو أن تكون للغرب مصلحة خاصة في التدخل، سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية.

الشروط الثلاثة محققة في سورية، فالرأي العام في الغرب يشعر بالقرف من الطريقة التي رد بها النظام السوري على انتفاضة غالبية السوريين السلمية في السنة الأولى من الثورة. وكان يمكن لجامعة الدول العربية أن تشكل الغطاء القانوني للتدخل؛ وأما النتيجة الممكنة والمرغوبة فهي إطاحة نظام لعب دوراً كبيراً في زعزعة الاستقرار في المنطقة واضطهد شعبه وساند الإرهاب في العراق ولبنان ومناطق أخرى.

الشرط الوحيد غير المتوافر، وهذا ليس اكتشافاً، هو وجود مصلحة مباشرة للغرب في التدخل في سورية. فليست فيها مكاسب اقتصادية من التدخل، والمكاسب السياسية محدودة إذا قيست بالأموال التي يمكن أن تخسرها الدول المتدخلة، وثمة عنصر جوهري لا يمكن الغرب تجاهله، وهو أين تكمن مصلحة إسرائيل في هذه القصة كلها.

على أن الحال ليست كذلك بالضرورة. وثمة من يعتقد بأن الغرب أضاع فرصة تاريخية ربما لن تتكرر لمصالحة تاريخية بينه وبين السوريين. فالمعروف أن السوريين تاريخياً لا يكنُّون مودَّة خاصة للغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً. وأسباب ذلك قومية ووطنية وإيديولوجية لا مجال لمناقشة صحتها هنا. على أن الأشهر الأولى من 2011 وموقف الولايات المتحدة من ثورات مصر وتونس وليبيا، وموقفها الأولي المتصاعد من الثورة السورية وإعلان أن الرئيس بشار الأسد فقد شرعيته ومن ثم مطالبته بالتنحي، أفسحت في المجال أمام إمكانية قيام علاقة جديدة، قوية ومستدامة بين الولايات المتحدة وغالبية السوريين. علاقة تقوم على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، كان يمكنها أن تقود إلى القضاء على التطرف وإلى انتقال ديموقراطي سلس وآمن يمكن أن يكون له أثر في الوصول إلى استقرار وسلام إقليميين لطالما سعى الغرب إلى تحقيقهما.

اليوم وصلت الحالة في سورية حداً لم يعد في إمكان أحد تحمّل كلفته السياسية والأخلاقية. وبات في حكم الأكيد أن قادم الأيام سيكون أشد حلكة وسواداً على سورية والمنطقة ككل. وثمة حالة من الاستعصاء يبدو الخروج منها شبه مستحيل، في ظل المعطيات الراهنة. النظام مصرّ على الاستمرار في حربه ضد شعبه وتدمير البنية التحتية للدولة وقتل مواطنيه وتهجيرهم وسجن معارضيه وتعذيبهم حتى الموت. في المقابل لا يبدو أن السوريين مستعدون للعودة إلى بيوتهم وقبول الهزيمة، بعد أكثر من ستين ألف قتيل ومئات آلاف الجرحى والمفقودين والمعتقلين، وملايين المهجرين قسراً داخل سورية وخارجها.

وبينما يتراجع باستمرار دور المعارضة السلمية المدنية وحتى دور «الجيش الحر»، يتقدم دور القوى الإسلامية المتطرفة التي تعلن ارتباطها بـ «القاعدة» وولاءها للمطلوب الأول في العالم أيمن الظواهري، وتفتِّت اللحمة الوطنية، وتدمِّر البنية التحتية. ويحقق النظام في الأسابيع الأخيرة تقدماً مدعوماً بصمت العالم والمساعدة المباشرة من إيران والعراق و «حزب الله».

وسيجد الغرب نفسه مضطراً بعد حين للتدخل، السياسي وربما العسكري. لكن تدخله وقتها لن يكون إحقاقاً لحق السوريين، مثلهم مثل شعوب العالم قاطبة، في المسؤولية عن الحماية، المبدأ الذي تبنّته قمة زعماء العالم عام 2005، والذي يفرض على الدول مسؤولية حماية سكانها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، وما يتصل بها من الجرائم ضد الإنسانية، ويطالب المجتمع الدولي بالتدخل إذا لم يتم الوفاء بهذا الالتزام… بل سيكون لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما يتبقى من سورية، ومن صورته أمام شعوبه وأمام العالم، ولمنع عودة النظام المتوحش إلى السلطة المطلقة أو انتصار الجماعات الأصولية المتطرفة. وفي كل الأحول لن يكون المستفيد هو الشعب السوري ولا بناء الديموقراطية ولا السلام الحقيقي في المنطقة. وقد تكون نتيجة التدخل اتفاقاً للسلام أشد هزالاً وقبحاً من اتفاق دايتون للسلام في البوسنة الذي أنهى القتال لكنه لم يؤسس لبناء أمة ديموقراطية مستقلة، بل عزز كانتونات طائفية ألغت فكرة المواطنة والمساواة، وأسست لاقتسام بائس للسلطة بين القوى الإثنية الثلاث هناك.

يبقى أن الغرب لم يكذب على السوريين هذه المرة. فمنذ الأيام الأولى قال لهم تكراراً إنه لن يكون هنالك تدخل عسكري في منطقتهم. لكنه تصرَّف دائماً بطريقة تشير إلى إمكانية حدوث ذلك. ولنتذكر أن الغرب الذي نزع الشرعية عن نظام بشار الأسد هو نفسه الذي ترك السوريين لشبيحة النظام لتقتل وتنهش في جسدهم وروحهم، وتحولهم من محتجين سلميين ديموقراطيين إلى مقاتلين يائسين من أجل الاستمرار على قيد الحياة.

المهم أن المعارضة السورية لم تستوعب ذلك، ويبدو أنها لن تفعل ذلك، خصوصاً بعد أن دخلت استقالة معاذ الخطيب حيز التنفيذ، وهو الذي كان يعوَّل عليه داخل المعارضة في بناء استراتيجية سياسية عقلانية وفعالة وممكنة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى