صفحات سوريةغسان المفلح

عن الخطاب السياسي ونبرته

 


غسان المفلح

‘الشعب يريد إسقاط النظام’ هذا شعار الثورات الشبابية العربية التي دوت في أمكنة عدة من بلداننا المبتلاة بالفساد، على كافة الصعد، وبالديكتاتوريات التقليدي منها والمحدث كما يقال، أعتقد أن شعارا كهذا ، عندما يترجم مرفوعا كيافطة بين أنامل هؤلاء الشبان، لا يجد أي نظام ديكتاتوري، مهما بلغت قوته أو ضعفه، سقفا أعلى في الخطاب من هذا السقف، حتى لو قلت عن النظام أنه فاسد أو قمعي أو طائفي..الخ، بالنسبة له غير مهم إزاء هذه اليافطة.

تلك التوصيفات تبدو مهمة له عندما لا يكون موضع وجوده أصلا مطروحا، خاصة إذا كان نظاما طارئا كالنظام السوري، الخطاب السياسي في واقع أية معارضة لأي نظام ديكتاتوري، يتنوع تبعا لعدة عوامل، وأهمها الخلفيات الفكرية والسياسية للبشر المنتجة لهذا الخطاب، لنلاحظ أمثلة من سورية:

في تاريخية خطاب حزب العمل الشيوعي في سورية مرحلتان: الأولى إسقاط النظام، وهذه استمرت منذ التأسيس وحتى عام 1980، تاريخ الصراع بين السلطة والإخوان، وبالطبع كان تجميد شعار إسقاط النظام، لأنه مستهدف من حلف رجعي أسود تقوده جماعة الإخوان المسلمين واليمين البعثي العراقي، بدعم امبريالي أو من بعض دوائر الامبريالية العالمية، ومع ذلك خطاب الحزب السياسي لم يتغير، من حيث نبرته ومفرداته وسياقاته وملفوظاته، بقي الحزب يتحدث عن سمات طائفية للنظام، ويتحدث عن ‘رأس النظام’ وكانت هذه تزعج السادة في الأجهزة الأمنية، خطاب الحزب المتشدد كما يقال تجاه النظام لم يتغير، ولا تغيرت شبكة ملفوظاته، حتى تناسبا مع تغيير الهدف البرنامجي المرحلي، الذي كان إسقاط النظام.

وكان الحزب في الواقع أكثر قوى المعارضة تواترا في إصدار منشوراته وأدبياته، خاصة البيانات، رغم أنه كان يرى أنه أكثر القوى اليسارية تعرضا للقمع والملاحقة المتواترة، ولديه دوما معتقلون أكثر من بقية القوى السياسية اليسارية، بينما نلاحظ لدى الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي، الذي أصبح لاحقا حزب الشعب الديمقراطي، كان تغيير النظام برمته هدفا، لكن خطابه كان خطابا مختلفا عن خطاب الحزب، ويتسم بالعقلانية كما يقال أيضا آنذاك، وفق معايير كانت سائدة في تلك المرحلة، ورغم كل الاحداث المكتب السياسي لم يغير هدفه المرحلي أو لم يجمده، رغم أنه ونتيجة للقمع والملاحقة، قلت نسبة صدور أدبياته قياسا بتواتر صدور أدبيات حزب العمل الشيوعي. كثر من كوادر المكتب السياسي كانوا يعتبرون خطاب حزب العمل متهورا أو يساريا طفوليا، رغم أنـــهم يقولون انهم أكثر عداء للنظام من حزب العمل.. ورغم ان النظام كما قيل وقتها أيضا، أفرج عن معتقلي الحزب شباط/فبراير 1980 كما أذكر، الذين يتجاوز عددهم الثمانين معتقلا، لأن الحزب جمد شعار إسقاط النظام، بالطبع أفرج عن الجميع مع الضباط المعتقلين على اسم الحزب، ما أردته من هذا المثال، هو أن نعيد الآن نقاش ما يتم تداوله الآن لدى الكيثر منا على الخطاب السياسي المفترض من المعارضة السورية حمله، ونبرته..

مثال آخر راهن، هنالك جماعات متعددة من المعارضة تتحدث عن طائفية النظام، منها من جمد معارضته للنظام، وأقصد الإخوان المسلمين، وهنالك من لايزال معارضا من هذه الجماعات، ويريد تغيير النظام.

وأنا هنا بالطبع لا اتحدث عن بعض أفراد هنا وهناك، يتبادلون المزايدة في الملفوظات ذات الطابع التعبوي التجييشي، اتحدث عن معارضة وتيارات سياسية، أما بالنسبة للأفراد كما قلت، فهذه ظاهرة طبيعية ترافق كل فعل معارض في هذا الزمن المنفتح على العالم وعلى نفسه، من خلال ما يتيحه للأفراد من التعبير عن أنفسهم مباشرة ومن دون وسائط حزبية. كما أنني لا أرى في تلك الخطابات ما يؤثر على وحدة المعارضة او على سلوك الناس، أو أنه يثير مخاوفهم من خطاب كهذا، كما يرى بعضنا، هنالك نقطة واحدة يجب ان نقولها سلبا عن مثل تلك الخطابات هي التي تتعلق بالتعرض لعقائد البشر، والتعامل معهم كطائفيين جملة وتفصيلا، وهذه ليست لأنها خطيرة بل لأنها مجافية للوقائع، والدليل أن كوكبة المعتقلين السوريين المضربين عن الطعام الآن في سجون النظام السوري، تمثل كافة مكونات المجتمع السوري، وهذا دليل أكثر من كاف على سوء استخدام مثل هذه اللغة، التي نراها عند بعضهم. هنالك فارق بالطبع بين أن تقول ان النظام قمعي وطائفي وفاسد وبين أن تقول: ان الطائفة النصيرية أو العلوية هي التي تحكم البلد.. هنا أعتقد أن هذا الخلط يقع فيه حتى من هم ضد هذا الخطاب، لأنهم أيضا يفترضون أنك عندما توصف النظام بأنه طائفي، وكأنك تقول بأن الطائفة هي التي تحكم، وهذا خطأ، أقله من زاوية مهمة ان السلطة هي من حاولت وتحاول أن تحول الطائفة إلى حزب سياسي حاكم، وهذا لم يتم حتى اللحظة، وعندما يتم يمكن للمرء أن يتحدث عنه.. فلازلت السلطة تمارس ما بدأته منذ أربعة عقود بنفس الأساليب وبنفس طرائق إنتاج الولاءات السياسية والشخصية والطائفية والدينية. تؤخذ على من خرج من سورية حديثا وأنا منهم بالطبع انهم بعد ان خرجوا من سورية رفعوا سقف خطابهم ضد السلطة، هنا لن اتحدث عن الآخرين، بل أقول ان ‘الخوف من توصيف الوقائع السياسية هو الأمر غير الطبيعي، لذلك عندما يتنفس المرء الحرية بالضرورة سيشعر بأنه كان في ظرف غير طبيعي وأنه كان نتيجة لخوفه يحاول أن يرسم لنفسه خطوطا حمراء لخطابه وكتاباته، أما لغة الشتائم من أي نوع كان، التي لدى بعضنا فهذه هي المرفوضة جملة وتفصيلا، لأن الموضوع ليس شخصيا، بل هو علاقات يراد تبيان حركيتها وتشابكاتها وكيف تدير البلد، أما ان اشتم هذا المسؤول أو ذاك فهي لغة لا تصلح أبدا لأي خطاب معارض. وبالطبع أيضا هنالك فارق بين أن تقول عن مسؤول أنه فاسد وبين أن تشتمه في شخصه، نعم ربما اكون ممن رفعوا سقف خطابهم بعد ان خرجوا من سورية، لكن هذه المفارقة سببها الخوف من السجن أو من أشياء أخرى، خاصة بعد أن جربت السجن.. وهذه مفارقة يجب ألا تكون الأساس في الحكم على أي خطاب سياسي، بل يجب الحكم عليه من خلال ما يقدمه من وقائع وبعض حقائق، ومن تحليلات لهذه الظاهرة أو تلك. فرغم ذلك لايزال موقفي كما هو’ ان تمشي السلطة خطوة تجاه الديمقراطية أمشي تجاهها خطوتين..’ طرحت نفسي مثالا كي لا اتحدث عن آخرين.

إن تنوع خطابات البشر أيضا يعود للجملة الشخصية للفرد صاحب هذا الخطاب، ربما تجد أفرادا لغتهم سوقية، لكنهم لا يستحقون الاقصاء والتعنيف، بل يجب الاستمرار قدر الامكان في محاورتهم وجعلهم يغيرون شكل خطابهم هذا. وأقول قدر الإمكان لأن الملاحظ في الفترة الأخيرة أن هؤلاء أصبحوا كثرا في الواقع، لكن من جهة أخرى من يرى خطاب رجالات النظام وسوقيته في كثير من الأحيان، يرى أن هذا المرض الاجتماعي يطال الجميع، المفارقة ان هنالك بعضا منا يتعامل مع أفراد محسوبين على النظام ولغتهم سوقية، وينبذون أفرادا لهم نفس اللغة لكنهم معارضون. الديمقراطية معيار ذاتها، ولا يوجد بيننا من يمكن أن يكون معيارا للديمقراطية ولشكل الخطاب الذي يصلح أو لا يصلح، في النهاية الوقائع هي التي تثبت أن هذا الخطاب له صدى عند الناس أم ذاك الخطاب.. والناس هي التي تقرر ذلك في أنها تبتعد أو تقترب من هذا الخطاب أو ذاك. على قوى وأحزاب المعارضة ومثقفيها ان يجعلوا خطابهم هو العقل الذي يمكن أن يصل للناس، وهذه قضية تحتاج منا جميعا إلى وقفة معها. لكنني أرى أنه لنترك الافراد يعبرون بطريقتهم ومن دون أن نجعل من ذلك موضوعا، نشير من خلاله إلى أنه هو من يعيق عمل المعارضة السورية من أجل الديمقراطية. للحديث صلة.

 

‘ كاتب من سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى