صفحات مميزة

عن الطفل السوري الغريق ومأساة اللاجئين السوريين – مجموعة مقالات –

 

الطفل السوري الغريق: “إنسانيتنا الراقدة على الشاطئ

لا شيء يُمكن أن يختصر المشاعر المصاحبة لصورة الطفل السوري الغريق على أحد شواطئ تركيا. وحده، مرميّ على شاطئ بودروم، بعد مقتل تسعة مهاجرين سوريين إثر غرق قاربهم.

وحده، مرميّ على شاطئ بودروم. بقيت له سُترته الحمراء وسرواله الأزرق فقط. حتى وجهُه انقلب لتُلامسه الأمواج.. وجع الطفل هذا، الذي تشاركه معه حوالى 300 ألف لاجئ عبروا المحيطات هذا العام، محاولين الوصول إلى أوروبا، قُتل أكثر من 2500 منهم. هربوا من موتٍ، فلاقاهم موتٌ آخر.

تأتي هذه الصورة في أسبوع دامٍ على اللاجئين الباحثين عن أملٍ تشبّثوا به في ألواحٍ في عرض البحر، علّهم يحيون. انتشرت منذ يومين أيضاً، صور لأربعة أطفال توفّوا وهم في طريقهم إلى “رحلة الموت”، كما اصطُلح على تسمية رحلة المهاجرين إلى أوروبا.

لكنّ صورة هذا الطفل، وجدت تعاطفاً غير مسبوق، تُرجم في منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة. انتشرت الصورة على أغلب صفحات العرب على مواقع التواصل، مع تعليقات تتحدث عن الألم، ووجع ومآسي السوريين تحديداً. على “تويتر”، أُطلقت وسوم “#غرق_طفل_سوري”، الذي وصل إلى لائحة الأكثر تداولاً عالمياً، و”#الإنسانية_تلفظ_على_الشاطئ”، بالإضافة إلى وسم “#KiyiyaVuranInsanlik” بالتركية. فكتب حجاج: “يا أيها البحر لا تبكي على شعبٍ، أبكى الصخورَ ولم يُبكِ السلاطينَ… كل البلادِ بوجه الضيفِ مقفلةٌ، إلا السماء أراها رحبت فينا”.

وكتب الشيخ محمد العريفي: “يصلنا من مآسي اللاجئين السوريين جزء قليل، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم… التحرك المتعقل عبر جمعيات موثوقة أمر مهم”. وقالت هند: “كان يجب أن يكون في المدرسة، أو يلهو مع رفاقه… لكنّ هذا العالم مريع”. وقال آخر: “لقد لفظني البحر لكي يفضح عاركم.. لم بشء المتوسط ان يسحبني الى اعماقه لانه تعب من سماع الاهات المخنوقة… تعب البحر ولم يمل العالم المنافق من الكذب”.

وكتب مغرد آخر: “صورة الطفل السوري الغريق مؤلمة والعالم أصبح بلا انسانية”. وكتبت ريما: “ما أحقرك يا إنسانية”. وقال بيار: “مش الطفل السوري مات ع شط البحر، نحنا متنا من زمان. كل شي فينا مات وانسانيتنا حرف ساقط بحياة ما فيا عدالة”. وكتب عبدالرحمن: “لا تلوموا البحر ولا تلعنوه. قاتل الطفل إنسان. ملعون.”

كما نشر مستخدمون رسوماً كاريكاتوريّة، صوّرت الطفل يرقد أمام شواطئ الدول الخليجية، وفي وسط مؤتمر الجامعة العربية، وأمام قبر كُتب عليه “الضمير العربي”، بالإضافة إلى صورة أخرى سخرت من التعاطي مع اللاجئين كموادّ لمواقع التواصل الاجتماعي فقط، من دون التحرك لمساعدتهم.

الصحافة من جهتها، ركّزت على الطفل وصورته. فكتبت أغلب الصحف والمواقع العالميّة، كما انتشرت الصورة على التلفزيونات العربيّة والأجنبية. وأجمعت وسائل الاعلام على أنّ “الصورة قاسية وتُلخّص حال السوريين حول العالم، واللاجئين الذين يُحاولون الوصول إلى أوروبا”. واختارت بعض الوسائل نشر الصورة كما هي، بينما قرّرت وسائل اخرى تمويه صورة الطفل لما تحمله من وجع.

وسألت “الاندبندنت”: “إذا لم تغير صورة هذا الطفل موقف أوروبا تجاه اللاجئين، فما الذي سيغيره؟” بينما قالت “دايلي مايل”: “مأساة الطفل الصغير تلخص يأس هؤلاء اللاجئين”.

العربي الجديد

 

 

ايلان وغالب كانا يحلمان بـ… كندا

جثة ايلان كردي بقميصه الاحمر هزت العالم.ابن الثلاث سنوات االذي قذفته الامواج مع شقيه غالب (5 سنوات) وأمه، وجد على رمال شاطئ بودروم على بحر ايجه في #تركيا.

كان ايلان مع 23 مهاجرا آخرين قالت الشرطة التركية إنه ابحروا على متن قاربين صغيرين من شبه جزيرة بوردون في محاولة يائسة للوصول على جزيرة كوس اليونانية، حيث وصل الاف اللاجئين في الاسابيع الاخيرة. ومنها كان عائلة ايلان وغالب تحاول الوصول بطريقتها الى كندا بعدما حاولت عبثا الدخول اليها بطرق شرعية.

وكالات الانباء التركية قالت إن الطفل بالقميص الاحمر اسمه ايلان كردي وهو الثالثة من العمر وقد غرق مع شقيقه غالب (5 سنوات) ووالدته ريهان، فيما نجا والده عبدالله.

تيما، شقيقة عبدالله وهي مصففة شعر في فانكوفر غادرت الى كندا قبل أكثر من عشرين سنة قالت لموقع “أوتاوا سيتيزن” :”وصلني الخبر الساعة الخامسة فجرا”.اتصلت بها غصن كردي،زوجة شقيقها الاخر محمد لتبلغ اليها إنها تلقت اتصالا من عبدالله وكل ما قاله إن زوجته وابنيه ماتا . وروت أن عبدالله وريهان وولديهما قدما طلبا للجوء وفقا لبرنامج”جي 5″ رفضته وزارةالجنسية والهجرة في حزيران الملضي، نظرا الى التعقيدات الخاصة بطلبات اللجوء في تركيا.

وكانت العائلة تواجه مشكلتين، على غرار الاف #اللاجئين_السوريين الاكراد في تركيا، ذلك أن الامم المتحدة لا تسجلهم كلاجئين، والحكومة التركية لا تعطيهم تأِشيرات للخروج. وأضافت: “كنت أحاول كفالتهم، وأصدقائي وجيراني ساعدوني بكفالات مصرفية، لكننا لم نستطع اخراجهم، ولهذا ذهبوا في قوارب.كنت أدفع لهم بدل الايجار في تركيا، ولكن الطريقة التي يعاملون بها اللاجئين السوريين مرعبة”.

فين دونيللي، النائب عن منطقة بوت مودي-كوكيتلام قال إنه سلم بيده ملف عائلة كردي الى وزير الجنسية و #الهجرة كريس الكسندر في وقت سابق هذه السنة، وأكد أن الكسندر وعده بدراسته لكن الطلب رفض في حزيران.ووصف خبر غرق العائلة بأنها اليمة، مقرا بأن “اليأس من الانتظار وعدم التحرك كان رهيبا”.

النهار

 

 

 

 

ميركل “منحبك”/ حمزة المصطفى

لم يبق للسوريين الذين تقطعت بهم السبل في المنافي والمهاجر، بعد أن أوصدت دول الجوار، والدول العربية والإسلامية، حدودها، وشددت من إجراءاتها الأمنية لوقف تدفق اللاجئين، وارتفعت في دول اللجوء الرئيسية (لبنان، الأردن، تركيا) حدة العنصرية تجاه السوري، إنساناً وقضية، إلا البحر ليركبوه، بحثا عن أمان واستقرار في دول أوروبا الغنية اقتصاديا. وأمام تدفق غير مسبوق للمهاجرين السوريين إلى دول الاتحاد الأوروبي، اتخذت الحكومة الألمانية قراراً، يعد “تاريخيا”، بمقاييس الأنظمة العربية الفريدة في التاريخ، لناحية شكلها ونظرتها لمواطنيها، نص على إلغاء “بصمة دبلن” للسوريين فقط. ما يعني استعداد ألمانيا لاستقبال جميع اللاجئين السوريين، بمن فيهم من أجبر، بحكم القانون الأوروبي، على إجراء البصمة في بعض الدول الأوروبية الفقيرة، مثل هنغاريا، ومقدونيا، ورومانيا، واليونان. ولم تمض ساعات على انتشار الخبر حتى ضجت به وسائل التواصل الاجتماعي وتبادله آلاف الراغبين والمتحمسين، وانتشرت كذلك إعلانات مأجورة لمهربين ثقاة، توضح مواصفات الرحلة ومسارها، وأجورها بحسب الدرجات (business، economy) أسوة برحلات الطيران المدني، والقطارات السريعة. ولم تخل تعليقات السوريين على القرار الألماني من نكت تراجيدية، اشتهروا بها، تعكس مأساتهم والتيه المعاش، وتجسد معايير جديدة لمفهوم الانتماء. كما استحضر السوريون شعار “منحبك” الذي يتغنى به مؤيدو النظام، ويرسمونه تحت صورة لبشار الأسد تتوسط علم سورية، ونسخوه على علم ألمانيا تحت صورة مستشارتها الشقراء، أنجيلا ميركل.

تعبّر الخطوة الألمانية هذه عن موقف “أخلاقي” متقدم على دول أوروبية غنية، مثل فرنسا وبريطانيا، فضلت دفن رأسها في الرمال، وأصرت، وما تزال، على حل هذه الأزمة من منظور أمني بحت، داخل أوروبا وخارجها، وكذلك على دول أوروبية أخرى، اختارت استقبال اللاجئين على أساس دينهم، أو طائفتهم أو إثنيتهم، فاستثنت السوريين العرب المسلمين، بتبريرات واهية، كالمخاوف من الإرهاب أو صعوبة الاندماج… إلخ. لكن، وكون النقاش حول قضية اللجوء يركز حاليًا على البعد الأخلاقي، فما يعد أخلاقيا الآن هو بالأصل نتيجة لسياسات غير أخلاقية في الماضي. خذ، مثلاً، سياسة ألمانيا تجاه الأزمة السورية ككل. فبخلاف دول أوروبية مؤثرة، تجنبت الحكومة الألمانية تصعيد موقفها تجاه نظام الأسد. لكن، من دون أن تخرج عن الإجماع الأوروبي فيما يتعلق بخطوات عقابية ضد مسؤولين سوريين انخرطوا في العنف، وإجراءات العزل الدبلوماسي، مثل سحب السفراء وتخفيض مستوى التمثيل. وحافظت ألمانيا، بحسب تقارير وتسريبات لصحف ألمانية شهيرة، على تعاونها الاستخباراتي والأمني مع النظام السوري، وتبنت مقاربة سياسية تجاه الأزمة، ركّزت فيها على مخاطر الإرهاب والتطرف، قبل أن يصعد نجمه، ومن دون النظر إلى الأسباب الحقيقة التي، غالباً، ما تؤدي إلى تغلغل الحركات الجهادية وانتشار أفكارها.

“خطوة ألمانية تعبر عن موقف “أخلاقي” متقدم على دول أوروبية غنية، مثل فرنسا وبريطانيا، فضلت دفن رأسها في الرمال، وأصرت، وما تزال، على حل أزمة اللاجئين السوريين من منظور أمني بحت”

من جهة أخرى، ينسب الاتفاق الأميركي-الروسي بشأن السلاح الكيماوي للدبلوماسية الألمانية التي نشطت آنذاك على خط (بغداد، طهران، دمشق) لإنضاج مبادرةٍ ترعاها روسيا، تجنب النظام السوري ضربة عسكرية مرجحة. ونجحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في عقد اجتماع ثنائي استثنائي جمع الرئيسين، الأميركي بارك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، في أثناء قمة العشرين في سان بطرسبرغ في 5 سبتمبر/أيلول 2103، تمخضت عنه صفقة دولية تضمنت سحب أداة الجريمة “السلاح الكيماوي”، وإطلاق يد المجرم، ليكمل وحلفاءه (إيران وحزب الله) حرب الإبادة والتهجير. وما ينطبق على ألمانيا ينطبق على جيرانها، إذ يستفيض المسؤولون الغربيون، في أثناء المؤتمرات الصحفية، في الحديث عما قدموه من مبالغ وإعانات نقدية وعينية للشعب السوري، ليتجاوز محنته. لكن المتمعن في تفاصيل هذه المساعدات ووجهاتها، يلاحظ كيف تُدَور هذه الهبات لتعود إلى خزائن الدول المتبرعة بشكل غير مباشر عبر رواتب الموظفين العالية، واللقاءات، والاجتماعات، ومنظمات المجتمع المدني التي عادة ما تركز على قضايا لا تمس حياة السوري اليومية، ولعل أغربها ما ظهر من حراك لإنقاذ طائر أبو منجل المهدد بالانقراض، وجمع شهادات عن معاناة المثليين السوريين في مناطق داعش، كما جرى في مجلس الأمن أخيراً.

يواجه الشعب السوريّ خطر الانقراض بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فإيران لم تعد تخفي رغبتها في إحداث تغيير ديموغرافي شامل لسورية. لذلك، كان ترحيل أهالي الزبداني ومضايا وبقين إلى الشمال مطلبها الرئيس في مفاوضاتها مع “أحرار الشام”، كما أوعزت للنظام المستسلم لإرادتها في سبيل البقاء بتجريف ومسح مناطق واسعة في دمشق (المزة بساتين، كفرسوسة)، وحمص (إحراق السجلات المدنية والعقارية) أخليت من سكانها ليتملكها مستثمرون إيرانيون، ويسكنها مقاتلون أفغان وعراقيون ولبنانيون، قدموا من خارج الحدود، للقتال إلى جانب نظام لا تجمعهم به أي مشتركات. والفاجعة الكبرى أن ردة الفعل العربية والدولية لا تخرج عن سياق الإدانات اللفظية والبيانات المنمقة، وكأنه قبول ضمني أو مباركة لما يحصل. وتدريجياً، تختصر الأزمة السورية ببعض جوانبها، كما يجري حاليًا مع اللاجئين، لتتلاشى الأسئلة الأخلاقية الكبرى، وتستبدل بأسئلة آنية وفرعيه عن من يستقبل اللاجئين؟ وما العدد المسموح؟ ولماذا تفتح أوروبا حدودها وتغلق الأبواب العربية أمام السوريين؟

العربي الجديد

 

 

 

 

 

السوريون والنازيون الجدد/ سامح المحاريق

عشرات الجثث في شاحنة متوقفة على جانب الطريق في النمسا معظمهم من اللاجئين السوريين، عند هذه المنعطفات تبدأ أوروبا في السفسطة الأخلاقية. بالمناسبة، قبل نصف قرن كان اليسار الفرنسي، سارتر وغيره، يخوضون معركة من أجل حق الجزائريين في تقرير المصير، ومن السذاجة الافتراض بأن كل هذه المرحلة أصبحت وراء ظهورنا، وأن الأوروبيين حسموا مواقفهم بصورة نهائية من مسألة تعريف الإنسانية خارج المعايير القياسية للشخص الأوروبي، وكل القصة أن الأوروبيين لم يخضعوا من زمن لامتحانات أخلاقية كبرى، واليوم، تلقي الأزمة السورية بأسئلة يتوجب الإجابة عليها بصورة فورية.

اليمين الأوروبي ليس مجرد وحش دون عقل، والشباب الذين يهاجمون معسكرات اللاجئين لا يمثلون حثالة بلدانهم، فهم لديهم إطار فكري يرى في المواقف المنفتحة التي تتخذها بعض الحكومات الأوروبية مجرد حالة من النفاق والميوعة التي لا تليق بتحديات مستقبلية يجب على الأوروبيين التفكير فيها، وأولها الأورام الاقتصادية الخبيثة التي تزحف في جسد القارة العجوز من أطرافها الجنوبية في اليونان وأسبانيا وايطاليا والبرتغال.

تغيبت أوروبا عن التدخل بموقف يليق بتاريخها وإمكانياتها فيما يتعلق بالأزمة السورية، فموسكو اليوم تدير دفة الأزمة وتبحث عن صفقة مناسبة لجميع الأطراف، وكان يمكن للأوروبيين أن يكتفوا بالفرجة على المأساة السورية ولكن تطورات أزمة اللاجئين السوريين أتت لتدين الصمت الأوروبي على امتداد المرحلة الماضية.

بداية يجب التأكيد على أن السوريين ليسوا مهاجرين، وإنما مبعدون بصورة قسرية عن بلدهم نتيجة ظروف يتحمل العالم بأسره مسؤولية كبيرة تجاهها، وإدخالهم في قضية الهجرة غير الشرعية والتعامل معهم على أساس تراثها الطويل في الدول الأوروبية يعد افتئاتاً على الحقيقة وتضليلاً للرأي العام، فالسوريون يبحثون عن ملاذ آمن بالحد الأدنى من الشروط الإنسانية، وهم لا يتطلعون لمزاحمة السكان الأوروبيين في مدنهم أو أعمالهم، فقبل الأزمة السورية لم يكن معروفاً عن السوريين أنهم من الجنسيات التي تلجأ إلى قوارب الموت، ولم تشهد مدينة دمشق ذلك التزاحم على السفارات أو مكاتب الهجرة، ويمكن القول، بأن السوريين كانوا يعايشون مرحلة تحول مهمة من سيطرة واحتكار القطاع العام إلى تأسيس سوق تنافسي، وبطبيعة الميول التجارية وثقافة (الشغل) السورية فإن الانتظار كان يشاغل السوريين أملاً في تحسن ملموس في الظروف الاقتصادية.

كما أن هجرات السوريين كانت عادة ما تتم ضمن حواضن عائلية وجهوية، فلم يكن السوري الذي يدخل أي مدينة أوروبية أو أمريكية لاتينية بحاجة لأن يبدأ من الصفر، ففي العادة كان الأقارب يتكفلون بوضعه على بداية الطريق، وذلك ما افتقده المهاجرون الأفارقة وحتى المغاربة والمصريون لدى وصولهم إلى السواحل الأوروبية، وكانت الحواضن العائلية تقطع بالقادمـــــين الجدد مرحلة مهمة في عملية الاندماج في المجتمع الأوروبي، كما أن السوريين بطبيعتهم يعدون شعباً قابلاً للتأقلم وأجبرتهم سنوات طويلة من التعايش مع نظام قمعي على حساسية مفرطة تجاه مخالفة القانون.

اشتباكات الجزائريين مع الجاليات الأخرى في فرنسا كانت مسألة متكررة وروتينية، والمصريون وبدعم من أشقائهم الجزائريين وبينما وصلات التراشق الإعلامي تنطلق من القاهرة بعد موقعة الخرطوم الكروية، قاموا بصدامات انتقامية واسعة مع المهاجرين اللاتينيين في ميلانو بعد مقتل أحد مواطنيهم على يد مهاجرين من البيرو والإكوادور، الأمر الذي أدى إلى اعتقال وترحيل مجموعة من المصريين، هذه الأحداث لم تكن تشتمل على سوريين، وببساطة لم يكن السوريون يعيشون في حالة (الغيتو) أثناء تواجدهم في أوروبا.

الإعلام الأوروبي، وكثير من الساسة، يخلطون الأوراق، وبينما يتحدث العالم عن شاحنة الموت بوصفها جريمة إنسانية مؤلمة، فإن البعض يبدأ في الحديث لينتهي بصدامات كاليه الفرنسية التي وقعت بين السلطات الفرنسية، وبدعم سياسي وأمني بريطاني، لوقف عبور المهاجرين في نفق المانش نحو الأراضي البريطانية، فهل يريد الأوروبيون أن يتنصلوا من مسؤوليتهم تجاه حالات اللجوء السورية من باب دمج قضيتهم في إطار أوسع وأكثر تعقيداً وحساسية، وبحيث يصبح أي سؤال أخلاقي حول الموقف الأوروبي من اللاجئين السوريين معلقاً برسم الدخول في متاهة تفاصيل قضية الهجرة غير المشروعة في أوروبا، ويصبح (الطارئ) السوري جزءاً من (الدائم) الأفريقي؟

على الأوروبيين الاعتراف بخصوصية الأزمة السورية وانفصالها عن مشكلتهم مع الهجرة غير الشرعية، وعليهم أيضاً أن يتحملوا نصيبهم من اللاجئين الذين يطالبون بأبسط وأكثر الحقوق الإنسانية أولوية وبدهية، وهو الحق في الحياة، واللجوء ليس قضية جغرافية صرفة بحيث يلتزم اللاجئ بالخروج إلى أقرب محطة أو نقطة حدودية ليجد مخيمه جاهزاً، فاللجوء الفلسطيني مثلاً كان يجري براً وبحراً، ولم تكن السفن الأوروبية القريبة من وقائع اللجوء الفلسطيني عن طريق البحر تتدخل لمساعدة القوارب الفلسطينية التي نقلت الآلاف أثناء اجتياح العصابات الصهيونية، ولأن التاريخ للجوء الفلسطيني ما زال يحتاج إلى كثير من الدراسة، فإن المواقف الأوروبية ستظهر غالباً تخاذلاً مماثلاً لما يحدث اليوم.

الرأسمالية الأوروبية لم تكن منزعجة من الهجرة غير الشرعية، فهي تمنح الدول الأوروبية فرصة واسعة للحصول على عمالة رخيصة في كثير من المهن التي لا تجتذب الأوروبيين أصلاً، ولكن المشكلة بدأت مع ظهور الجيل الثالث من أبناء المهاجرين ووزنهم السياسي في البلدان التي استقبلت الأجيال الأولى، واليمين أتى بطروحات أكثر صراحة ومباشرة، بينما كان اليسار يرى أصلاً في المهاجرين جزءاً من قاعدته التصويتية، وبقيت الأمور تراوح مكانها في هذه المربعات، وطبعاً لم يكن السوريون بصورة أو بأخرى ضمن هذه المعادلات، ولكن لا يوجد ما يمنع من استخدام فزاعة الثقافة وأنماط الحياة الأوروبية والتهديد الذي يلحق بها من المهاجرين الذين فشلوا في الارتقاء للمواصفات الأوروبية، وكانت مجزرة صحيفة «تشارلي إيبدو» تمثل نقطة تحول تزيد من عبثية مشهد المهاجرين في أوروبا.

فالصحيفة من منطلق انتمائها لليسار الفرنسي شكلاً وموضوعاً دائماً ما كانت تدافع عن قضايا المهاجرين، وأتى الهجوم على محرريها ورساميها ليعتبر بداية جديدة في التعامل مع المهاجرين، فالأوروبيون لم يعودوا ينظرون إلى تصاعد نسبة المهاجرين المسلمين بوصفها تحدياً ثقافياً ولكن ضمن تصنيفها تحدياً أمنياً.

يمكن للإتحاد الأوروبي أن يتجنب المسؤولية الأخلاقية من خلال اتخاذه خطوات جدية لاستقبال اللاجئين السوريين من خلال التنسيق والتحضير السياسي والأمني، وتجنيبهم الوقوع ضحية جزاري الهجرة غير الشرعية وسماسرتها ضمن إطار قانوني وأخلاقي وإجرائي واضح، وبذلك يمكن أن يتم التعامل مع السؤال الأخلاقي للاجئي الأزمة السورية، دون أن ينفي ذلك بالطبع، أو ينتقص، من أخلاقية السؤال حول الهجرة غير الشرعية ودور الإستعمار الأوروبي في تخريب نظم الحياة القائمة في افريقيا دون تقديم أية بدائل مناسبة تستطيع أن ترتقي بعشرات الملايين من ضحايا الصراعات والنزاعات الافريقية وتوابعها الاقتصادية.

أصبحت مشكلة الأخلاق في أوروبا مرتبطة بمنتجات فكرية يجري تداولها بلغة معقدة وقابلة للتأويل، وفي النهاية، فما يحكم أخلاقيات الساسة وناخبيهم هو بيانات الأسعار على رفوف السوبر ماركت، بالطبع، في حالة ظروف كالتي عصفت بألمانيا العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين يمكن أن يصعد النازيون من جديد، دون أن يكونوا هذه المرة ظاهرة محلية، فالنازيون الجدد وحليقو الرؤوس يصعدون في دول أوروبية كثيرة، ويمكن القول، بأنهم سيصبحون قوة مؤثرة في الاتحاد الأوروبي ككل.

٭ كاتب من الأردن

القدس العربي

 

 

 

 

فهمانين النفرات غلط/ لقمان ديركي

المهم مالكن بالطويلة يا أبو شريك. أنو نزلنا تسلاية تبع نفرات مع ماما ميركل. قام طشت فيها الصحافة. وما أدراك ما الصحافة. عَ الحمير اللي عنَّا ما كنت أقدر أعمل مقياس. بس بعد ما عبرنالِك عن محبتنا بشكل هزلي بحت. وفي أهزل من أنو نشبهك ببشار الأسد. وبجمهور بشار الأسد؟!!!

أكتر من هيك مسخرة ما في. والنفرات روح قلبهن المسخرة. ما حدا بيقدر يمنعهن عن ذلك. ومع ذلك هالغزلان تبع الصحافة العالمية استلقوها خبر. يا لطيف. السوريون يعبِّرون عن محبتهم لميركل. أنو بدهن يقولوا أنو السوريين شعب منافق. هدول الصحافة العالمية. أما الصحافة المنحبكجية المحلية المتدثرة برداء الحرية. فبتقدم النفرات كمخالفين للقوانين. ومنافقين. ونصابين. وحرامية. وفي شي أذكى من شي.

بس المتسابقين كلهن غزلان. صحافة غزلان. إعلام غزلان. وعم يقود المنطقة. وأي منطقة. منطقة الكذب. منطقة السرقة. منطقة السلبطة. منطقة القتل الحلال. قتل عَ الطريقة الأوروبية. قتل عَ الطريقة الأميركية. قتل عالطريقة الإستشراقية الداعشية. قتل عَ الطريقة البعثية الجحاشية. ونفس الشي فيما يخص المذلة. باعتباره الموت ولا المذلة. يعني لو بدنا ننذل كنا متنا.

نسيت اقلِّك أنو جايينك من ثورة. مو هربانين منها. بس هربانين من الموت اللي مسلطينه على هالثورة. وبالبلم جيناكم. وبلا اتفاقية. بس ع أساس الحق الكذاب لورا الباب. وأنا لاحقك. لاحق الديمقراطية. ولاحق الحرية. مع أنو ثورتنا ثورة كرامة. بعدين ارتأوا العلماء أنو لأ. هي ثورة حرية.

طيب.. بس بعد اللي صار برأيك عاد في قيمة لحرية الآراء؟!! حرية النشر. إي شو بدي بالنشر؟! أنا نفر. ما بدي أطلع بالتلفزيون. بس بدي انتشر. بنتشر وين ما بدي. عم أدفع للمهرب. وعم أشتري معه الطريق. ما بدي مفوضية لاجئين. ولا أنجيلينا جولي. ولا حتى الأم تيريزا.

بس الماما ميركل وضعها مختلف. ما لها من نوع الأعمال الخيرية التي يكرهها النفر. النفر لا يحب الأعمال الخيرية. النفر مغامر مقامر مجنون لا ينتظر المستقبلين على أرصفة المحطات. النفر بيغادر عاللسي. وبيفوت عاللسي. له طرائقه. ومعه زوادته. ما معه فيزا كارد. بس بيملك الويسترن يونيون.

الويسترن يونيون من أملاك النفر. لولاه بيسكِّر. وأنتِ جايي يا آنستي النمساوية تستقبليه بمحطة القطار وبإيدك سندويشة. ههههههههههههههههه؟!  انشالله مفكرة أنو النفر رح يهجم عالسندويشة وياكل أصابيعِك وراها؟!! صَدَّقتِ صور الإعلام القندرة لما بدُّه يظهر نفسه تاج راسنا.

لا.. نحنا ما حدا تاج راسنا. نحنا بلا تاج. نحنا نفرات خلعنا التاج. ولحقنا الكذاب لورا الباب. وما بنحب حدا. مخنا مو فاضي لهيك شغلات. حبينا نتسلى مع أم النفرات ماما ميركل لأنو تصرفت تصرف رجولي معنا بخصوص بصمة دبلن. وبس. ما بدنا مستقبلين. وما بدنا وجبات. بدنا نوصل عاللسي لبلاد فيها حقوق إنسان.. ونصفن لردح من الزمان.

يتبع.. من حديث نفرات

المدن

 

 

 

المليونير السوري المشرَّد/ أحمد عمر

هي مصادفة أن يقطف سوري مشرَّد بألمه ثروة تعادل 100 ألف دولار! رأسماله صورته واقفاً يشرع أقلاماً بيد، ويحمل بالأخرى طفلته في ميتتها الصغرى. اختار الرجل أقلاماً، وليس مناديل لمسح العرق، أو علب كبريت لإحراق الصدور بالنيكوتين، أو علكة لتدريب الأسنان على النهش.

صور كثيرةٌ لسوريات يلدنَ على الرصيف، ولأطفال ينتزعن من تحت الأنقاض أحياء، فما سبب نجاح هذه الصورة؟ هل هو المصدر الغربي؟ فالناشر هو الناشط الأيسلندي، غيسور سيمونرسن، الذي التقط صورة “بائع الأقلام”، في شارع “الحمرا”، وعلى أرجوحة كاهله طفلة نائمة. هل ذكّرنا “الرجل الكنغر” بنعمة النوم التي حرمت منها الطفلة، وهي حاجة دون لقمة الخبز وشربة الماء؟ الموت حق، لكن الحرمان من النوم جريمة.

رأينا بائع الأقلام يظفر بتلك الثروة بعد نداء “اشترِ قلماً”، ويقرر التبرع بجزء من ثروته لباقي اللاجئين. تذكّر الصورة بالأفلام الهندية الناجحة القديمة التي كان أبطالها متسولين، أو عاملين في مهن صغيرة، وكانت الموسيقى عنصراً أساسياً خلت منه هذه الصورة الخرساء الناطقة بموسيقى الفقد.

لم تفلح، حتى الآن، الدعوة إلى مناصرة المبدع، خلدون سنجاب، الممنوع من دخول بريطانيا، مع أن العضو الوحيد الذي يستطيع تحريكه في جسده لسانه. قبلها، تبرّع موسى العمر للعائلة التي خرجت من البيت المدمر، وطفلها يصيح “إخواتي…” بثمانية آلاف دولار. والطفل الذي تبرعت له تركيا بدار، بعد أن اعتدى عليه صاحب محل، وضربه، فكان البيت تعويضاً كريماً. والطفلة رزان خوجة التي تجمع لها التبرعات من أجل معالجتها من السرطان. ولا نعلم مقدار العملة الصعبة التي ابتلتعها قروش البر، وهم يغدرون بالسوريين، وينقلونهم إلى فكوك زملائهم قروش البحر. أعرف مثالاً مبكراً عن إماراتي تبرع باستضافة عائلة سورية قصفت، وفقدت إحدى الطفلتين يدها، وكان الضحايا معدودين في تلك الآونة. لكن، الأمثلة السعيدة فردية وقليلة.

مثال بائع الأقلام إعلامياً مثال سعيد، وأميركي النزعة، يمكن أن يدفع القارئ، أو المشاهد العربي، إلى الشعور بقليل من الرضى، ونسيان أمة كاملة، عزلاء من السيوف والأقلام.

معرض الألم السوري لا ينتهي من الصور التي يمكن بها تسول وطن. فعبد الحليم العطار مثال نادر على “سوبر ستار” النزوح السوري، الطفلة النائمة على كتفه لا تزال حية، وصورة عينيه وهو يطعننا بالأقلام، جعلت القلوب تعطف عليه. رأينا نجمة أخرى على الأخبار، هي عهد التميمي، اختطفت فضائية العربية خبرها، وصدّرته في واجهة “المحل” للبيع إعلاميا. ظهرت من قبل في خبر قبل سنوات، وهي تتحدّى جندياً صهيونياً، وتصيح بوجهه وتتهدده، وتوجّه إليه قبضتها، فيعاملها بحلم تحسده عليه شرطة عشر دول عربية. الجندي الصهيوني منيع وطويل، وهي طفلة صغيرة، وصراخها لن يؤذي أذنيه تحت الخوذة، ثم كان الخبر الثاني، وهي تحاول إنقاذ أخيها مع بقية أهلها من بين براثنه، فلا تجد سلاحاً غير أسنانها، تنجح العائلة، أخيراً، في انتزاع الطفل مكسور الذراع الذي تحدّى بدوره الجندي المدرّع والمخوّذ والملثم.

ثم رأيناها نجمة على الفضائية المذكورة، شقراء وجميلة ومصفوفة الشعر، كأنها عادت من حفلة، لكن الفضائية أرسلت رسالة مختلفة، فالأمور بخير، الطفل عاد والجنود تخلوا عنه، ولا دماء. كان للخبر بريدان: تطبيع مع الواقع، واحتفاء بالانتصار!

قصة فيلم “المليونير المتشرد” أميركية الحبكة هندية الأفكار؛ بطل واحد سعيد يحظى بالملايين، وملايين المشردين يحلمون بحظّه.

في بدايات الثورة السورية، كان النشطاء على الأرض في فسحة من الأمل والعمل، ويصدرون طوابع تذكارية رمزية. لكن، حتى الآن، لم يجمع أحد صورة السوري في أطلس درب الآلام. لدينا صور نستطيع بها أن نفجر الدمع من الصخر، أو نبيع عيدان الأشجار والقصب أقلاما، لكن قلوب الإخوة أشد قسوة من الحجارة.

اشترِ قلماً، ضع ظالماً، زد في تقى.

 

 

 

 

اللاجئون والإفاقة من الحلم الأوروبي/ حسام شاكر

التأمت قمة غرب البلقان لبحث الخطط الرامية للتعامل مع أفواج اللاجئين، فداهمها النبأ المفزع عن شاحنة مركونة على جانب الطريق المؤدي إلى فيينا، حيث تنعقد القمة، وفاحت رائحة المأساة المنبعثة من الأجساد المتحللة في قلب أوروبا.

ترتبك القارة الموحدة في استيعاب اللاجئين إليها، وتعجز عن صياغة إستراتيجيات عميقة للتعامل مع منابع الظاهرة، والحقيقة المسكوت عنها أنها ضالعة في قسط من المسؤولية عن تفاقم واقع إنساني مريع على تخومها.

تتعدد الإستراتيجيات والخطط المتداولة في الأروقة الأوروبية للتعامل مع السيول البشرية المتدفقة عبر المسارب المتعددة، ولا تنقص بعضها السذاجة أو القسوة أو الانفلات من الالتزامات الإنسانية والأخلاقية. لكن الغالب على المداولات هو جنوحها للتعامل مع الظاهرة بمعالجات جزئية محدودة أو بمطاردة نتائجها دون الاكتراث ببواعثها. ثم ينهمك المسؤولون في إظهار الجدية بعد كل كارثة موت جماعي، وتتواصل الإخفاقات الميدانية في الاستجابة للأزمة.

العواقب الوخيمة

تميل السياسات والإجراءات الأوروبية إلى مزيد من تحصين القارة بالرقابة الصارمة عبر الحدود والسواحل، واتخاذ تدابير لردع شبكات التسلل وزوارق الإبحار، علاوة على حزمة خيارات مع بلدان الجوار الأوروبي للحد من موجات المهاجرين.

“يسقط الضحايا على تخوم أوروبا في ما يشبه الانتحار الجماعي للقانطين من أحوالهم. أما الشبان العاجزون عن بلوغ الفردوس الأوروبي ولو بمهام انتحارية في عرض البحر، فقد يلوذون بمهام انتحارية من نمط آخر”

لا تبدو المبالغة في تحصين أوروبا مجدية، لكنها تثير التساؤل عن الأثمان المترتبة على ذلك. فما سيحدث ببساطة هو مزيد من الضحايا البؤساء مع إزاحة المعضلة إلى الجوار الأوروبي، لتتفاقم في المغرب العربي وجنوب شرق البلقان مثلا.

بدأت إرهاصات الانفجار تتشكل مع صدامات الشوارع في دول العبور مثل مقدونيا واليونان بين جماعات عنصرية وتجمعات العالقين. تتصرف السلطات في تلك البلدان ببراغماتية مفهومة، فهي تفسح الطريق للعابرين ليبلغوا مقصدهم في أعماق أوروبا، خشية التكدس البشري غير المرغوب.

ينبغي الاعتراف بالمعنى الوحيد لمنع المتسللين من بلوغ الشواطئ الأوروبية، ألا وهو تقديم وجبات بشرية مضاعفة لأسماك البحر. والواقع أن الغرقى الذين يبتلعهم المتوسط بالآلاف في كل موسم لم يستأهلوا اهتماما لائقا فظلت آلامهم مكتومة يغيب عنها البث المباشر والتوثيق المصور. أما المشاهد التي يلتقط الإعلام ذيولها فهي لناجين يحظون برأفة الصليب الأحمر، أو لسياح ذاهلين على الشواطئ إذ يطلع عليهم بشر من بين الأمواج مخلفين الغرقى وراءهم.

تعلو نبرة الوعيد الأوروبية بحق شبكات التهريب، لكن ظاهرة التسلل تعود في أساسها إلى دوافع واقعية وليس إلى شبكات جشعة. تفقد التهديدات معناها لوجود من يستعدون للدفع بسخاء والمخاطرة بأرواحهم كي يصلوا إلى العمق الأوروبي، وهو ما يغري سماسرة الأرواح باستغلال هذه الحاجة الإنسانية. أما تشديد العقوبات على تلك الشبكات فسيرفع الكلفة المالية على البؤساء العابرين إلى أوروبا، مع إسراف المهربين بمجازفات مفضية إلى الغرق أو الاختناق أو الهلع.

يسقط الضحايا على تخوم أوروبا في ما يشبه الانتحار الجماعي للقانطين من أحوالهم. أما الشبان العاجزون عن بلوغ الفردوس الأوروبي ولو بمهام انتحارية في عرض البحر، فقد يلوذون بمهام انتحارية من نمط آخر.

ألا يمكنهم التوجه صوب الجبال والصحاري ليحملوا الرايات ويعتلوا عربات الدفع الرباعي مع وعود ببلوغ الفردوس الأخروي؟ قد يشعرون بالزهو الميداني وهم يتحكمون برقاب البشر، وقد يديرون مصالح اقتصادية أو حقولا نفطيا أو خطوط تهريب، وقد يرسلون التهديدات المصورة إلى أوروبا أيضا.

وجه آخر لأوروبا

ترتبك أوروبا في استيعاب أعداد يسيرة نسبيا مقارنة مع ما استقبلته دولة واحدة في الجوار السوري. لا يبدو منطقيا قصور بعض السلطات الأوروبية في توفير المأوى لطالبي اللجوء، فكيف يمكن في قارة ثرية أن تبيت أعداد غفيرة على الأرصفة، وأن يجري التصرف مع اللاجئين دون احترام كرامتهم الإنسانية، وأن يخضع بعضهم للابتزاز حتى من منتسبي أجهزة تنفيذ القانون، وفق ما يأتي في التقارير والشهادات؟! يكتشف طالبو اللجوء -متأخرين- وجها آخر لأوروبا، بعد أن يلامسوها مباشرة وتنقطع أواصر العودة.

وتتحول قضية الهجرة إلى مادة للاستعمال السياسي الشعبوي، عبر سلوك أقصى اليمين لاسيما في المواسم الانتخابية. تجد الأحزاب المتطرفة والتيارات العنصرية فرصتها السانحة في موضوع اللجوء، فتنهمك في إثارة الهلع وإشعال الحرائق الاجتماعية، لكنها تكتفي بذم الظاهرة دون اقتراح معالجات منطقية لها.

“تتحول قضية الهجرة إلى مادة للاستعمال السياسي الشعبوي، عبر سلوك أقصى اليمين لاسيما في المواسم الانتخابية. وتجد الأحزاب المتطرفة والتيارات العنصرية فرصتها السانحة في موضوع اللجوء، فتنهمك في إثارة الهلع وإشعال الحرائق الاجتماعية”

لقد حقق أقصى اليمين تقدما كبيرا في محطات انتخابية متوالية، وعزز مقاعده في البرلمان الأوروبي، وتمنحه المؤشرات فرصا ذهبية قادمة إلى درجة اقتراب مارين لوبن من تحقيق حلمها بدخول الإليزيه.

وسيهون ذلك بالمقارنة مع المخاطر المترتبة على أي أزمات اقتصادية واجتماعية غير محسوبة، لأن حالات القلق والاحتقان والتوترات ستتأجج مع أي أزمة عاصفة قد تنتاب بلدانا أوروبية.

لقد أسفرت أزمة اليونان الاقتصادية عن نمط متوحش من الكراهية جسدته جماعات فاشية مثل “الفجر الذهبي”، برزت فجأة لتباشر هجماتها القاتلة وعمليات الترويع. ولكن حتى في ألمانيا المغمورة بالرفاه بات الاعتداء على مساكن اللاجئين حدثا اعتياديا تقريبا، بينما تواصل جماعات يمينية مظاهراتها ضد اللجوء.

لا تقتصر الهواجس على أقصى اليمين، فهي تنزوي في ثنايا المشهد السياسي “المعتدل” أيضا، بينما تحار الحكومات الأوروبية في كيفية “التوزيع العادل” للاجئين. كما يثور التنازع بين التقسيمات الإدارية المحلية داخل الدولة الواحدة بشأن إسكان اللاجئين فيتعطل معه تشغيل مراكز الإيواء مع عرقلة إنشاء المزيد منها. وتتفاعل على الأرض حملات ضغط ومبادرات شعبية ومظاهرات في بعض المناطق والأحياء ضد إقامة اللاجئين فيها، مع ضعف اعتراضات المجتمع المدني على هذا المنحى.

جدير بالذكر أن فلسفة “التعاون الإنمائي” بين أوروبا وبلدان الجنوب قد نهضت على تقليص الفجوات القائمة بين عالمين. لكن الاندفاع الجماعي للهجرة إلى الشمال يشي بإخفاق سياسات “التعاون الإنمائي”، فوق إخفاق التنمية ذاتها في بعض رقاع الجنوب.

كما أكدت السيول البشرية المتدفقة أن ما سماها الاتحاد الأوروبي “سياسة الجوار” كانت بلا فحوى، وتقوضت روح “الشراكة الأوروبية المتوسطية” لأن محيط أوروبا الممتد عبر العالم العربي ينزف ويتشظى وتعلو منه أعمدة الدخان، دون أن يعبأ الشاطئ الشمالي للمتوسط بما يجري.

يجوز الافتراض بأن السياسات والمواقف الأوروبية كانت ضالعة نسبيا في تفاقم هذه الأوضاع، ولو بتركها تتدحرج دون استعمال الكوابح المتاحة. فبعد تكريم “الربيع العربي” ومداهنته لفظيا، صمتت أوروبا عن سحق الديمقراطية الناشئة تحت عجلات الدبابات، وتجاهلت إبادة البشر أنفسهم في الميادين، وتم فهم ذلك عربيا بأنه ضوء أخضر للإجهاز على الأنفاس الطليقة.

يلمس الأوروبيون اليوم انعكاسات غير مباشرة لحرائق الجوار التي أهملوا مخاطرها، إذ تطرق أبوابهم التفاعلات التي أنتجتها الحروب والأزمات والاستبداد العسكري مع الفقر والجفاف وإخفاقات التنمية.

مكاسب وهواجس أوروبية

لا ينبغي للشكاوى من موجة اللجوء والهجرة المتصاعدة، أن تصرف الأنظار عن مكاسبها المؤكدة لأوروبا مهما كانت جزئية.

“القادمون الجدد يتركزون في الشرائح الشابة، ومعهم أسر ستتشكل وأجيال ستنشأ، بما يساهم في التخفيف من شيخوخة المجتمعات. ومن المفترض أن يتحول كثير منهم إلى طاقة عمل وتشغيل، وإلى دافعي ضرائب مع الوقت لتمويل دول الرفاه الاجتماعي”

إذ لم تكن القارة في غنى عن ملايين المهاجرين إليها لردم الفجوة السكانية الماثلة في بعض بلدانها، أي أن كل من تدفقوا طلبا للجوء لن يسدوا سوى جزء يسير من هذه الفجوة.

ثم إن القادمين الجدد يتركزون في الشرائح الشابة، ومعهم أسر ستتشكل وأجيال ستنشأ، بما يساهم في التخفيف من شيخوخة المجتمعات. ومن المفترض أن يتحول كثير منهم إلى طاقة عمل وتشغيل، وإلى دافعي ضرائب مع الوقت لتمويل دول الرفاه الاجتماعي التي تنهكها زيادة نسبة المتقاعدين على حساب طاقة العمل والإنتاج.

قد يبدو القادمون عبر البحر والجبال ومسارات التسلل حفاة عراة للوهلة الأولى، لكن النظرة المدققة تكتشف كفاءات واختصاصات، من بينهم، أرغمتها الظروف القاهرة على الفرار إلى الشمال. إنه طور جديد من “نزيف الأدمغة” المتدفق إلى بيئات أوروبية وفيها تتوفر فرص التوظيف وتحقيق الذات، في رصيد مضاف إلى القطاعات الصحية والهندسية والعلمية والتقنية والاقتصادية في البيئات الجديدة.

غني عن القول إن القادمين الجدد هم بشر وليسوا إحصاءات جامدة أو مؤشرات اقتصادية مجردة، فمع هذه الإضافات الديموغرافية تنشأ وقائع ومستجدات وتتشكل ظواهر وتفاعلات في المشهد المجتمعي.

وتُستثار في ظلال التدفقات كوامن القلق الاجتماعي والمخاوف الاقتصادية الساذجة ومشاعر الخشية غير المبررة على مواقع العمل وفرص السكن والخدمات الاجتماعية، بما يُذكي حمى العنصرية والعداء، ويبعث الهواجس الثقافية المتعلقة بالهوية ومسائل الاندماج.

إن لم يكن بوسع أوروبا الرضوخ لمطالب بعض الأطراف الداخلية بممارسة التمييز الصارخ على أساس الخلفيات الثقافية والدينية للقادمين الجدد، فإن ذلك لا يحول دون نشوء مواقف فظة. فها هي سلوفاكيا التي تعارض غالبية شعبها استقبال اللاجئين أساسا حسب الاستطلاعات، تمتنع رسميا عن استقبال السوريين إن كانوا مسلمين وتعلن عن فتح الأبواب للمسيحيين منهم فقط “لأن لديهم قدرات كبيرة على الاندماج بشكل شفاف في مجتمعنا”.

وتظل مخاوف التطرف والإرهاب سارية في أوروبا، وهي قابلة للربط بملف المهاجرين واللاجئين من المسلمين بالتحديد، رغم أن ما يشغل الجموع التي أنهكتها الحروب والأزمات والكوارث هو الأمان والاستقرار.

حالة دائمة لا عابرة

ما لا يتم الاعتراف به في أوروبا أن التدفقات البشرية الجارية هي حالة دائمة وليست موجة عابرة، ولعلها مرشحة لمزيد من التصاعد، لأن بواعثها تتفاقم أساسا. ومن ينجحون في تثبيت أنفسهم في بيئة جديدة يجتذبون مزيدا من التدفقات من المنابع ذاتها بأثر الأواصر الاجتماعية والثقافية.

وتبقى حركة البشر المتعطشين لوعود الأمان والرفاه لازمة من لوازم العولمة. لقد بارك “الشمال” انفتاح الأسواق وشجع تدفق السلع والخدمات عبر العالم، ورحب بانتقال رؤوس الأموال والاستثمارات دون عوائق، لكنه شيد الأسوار وزرع الأشواك في دروب البشر الذين يرغبون في الانتقال أيضا للمشاركة في وعود العولمة على طريقتهم.

“ما لا يتم الاعتراف به في أوروبا أن التدفقات البشرية الجارية هي حالة دائمة وليست موجة عابرة، ولعلها مرشحة لمزيد من التصاعد، لأن بواعثها تتفاقم أساسا. ومن ينجحون في تثبيت أنفسهم في بيئة جديدة يجتذبون مزيدا من التدفقات من المنابع ذاتها”

وستبقى حركة الانزياح البشري عبر الجغرافيا نتيجة منطقية لفجوة المستويات المعيشية بين المجتمعات في زمن العولمة. فلا جدوى من أي إستراتيجيات تراهن على التخفيف من هذا الانزياح ما لم تكترث المعالجات بجذع المعضلة أو جذورها. فالعديد من الشعوب تحتاج استنهاضا إنمائيا لا تتوفر إرادة سياسية دولية لخوضه، حتى انهارت “الأهداف الإنمائية للألفية” التي حددها المجتمع الدولي دون أن يلتزم بمقتضياتها.

مفهومة هي الدوافع وراء الهجرة واللجوء، ويبدو أن استنزاف الجنوب لصالح وفرة الشمال لن يبقى بلا ثمن في زمن العولمة، خاصة مع شح الموارد وضعف الدول أو فشلها. أما التحولات الديموغرافية فلا تترك فرصة للوهم بإمكانية تباطؤ اتجاهات الهجرة إلى أوروبا.

ولأنه في عالم اليوم لا يسع أي إقليم العيش بمعزل عما يجري في هذا العالم المضطرب، فكيف إذا كان هذا الإقليم هو أوروبا التي أمسكت بزمام القارات جميعا في ما مضى خلال عهود الاستعمار وما زال نفوذها حاضرا فيها، علاوة على مكانتها المتضخمة في الوعي البشري بصفة مركز العالم وحامل الشعارات الزاهية عن حقوق الإنسان وكرامة البشر؟!

 

تجازف الحشود بحياتها لبلوغ البر الأوروبي طلبا للمأوى فتصنع الحدث وتتصدر الأخبار، وتفترش الأغلفة وتستدر التفاعلات السياسية والمجتمعية. لكنها ليست موجة عابرة بل ظاهرة منفتحة على آفاق الاستمرار والتعاظم، ومعها تقف أوروبا في مواجهة استحقاق أخلاقي وإنساني وقيمي ومبدئي جسيم.

إنه اختبار عميق للنظام الأوروبي الذي تتجاذبه مقاربات متعددة، ينادي بعضها بالتخلي عن الرداء الأخلاقي بالكامل. ومعنى ذلك سيكون تدشين نظام يتناقض مع المواثيق الأوروبية والدولية والالتزامات الحقوقية والشعارات الإنسانية، التي تتعثر في التطبيق أساسا.

باحث ومؤلف واستشاري إعلامي، متخصِّص في الشؤون الأوروبية

 

 

 

 

البلقان معبراً انتقالياً صعباً للاجئين/ خيري حمدان

اشتدّت حمّى اللجوء إلى أوروبا، بعد أن تبيّن لشعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا صعوبة حلّ الأزمات والحروب المشتعلة وحالة عدم الاستقرار، في المستقبل المنظور، وكي يتمكّن اللاجئون من الوصول إلى هدفهم البعيد في غرب أوروبا وبريطانيا والدول الإسكندفانية، لا بدّ أن يعبروا ويذوقوا مرارة المرحلة الانتقالية في دول البلقان وأوروبا الشرقية.

مقدونيا تعلن الطوارئ

أعلنت الحكومة المقدونية حالة الطوارئ على حدودها الشمالية والجنوبية، في محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي، لأنّ أزمة اللجوء ليست مقدونية، بل أوروبية، ونشرت مقدونيا وحدات كبيرة من جيشها على الحدود المعنية، لمنع تدفّق اللاجئين إلى أراضيها من دون طائل. تعيد المشاهد المأساوية للاجئين الذين يحاولون جاهدين التسلّق إلى القطار المنطلق من منطقة غفغيليا المقدونية (على الحدود اليونانية) إلى الأذهان أحداث اللجوء المأساوية التي رافقت الحرب العالمية الثانية. وتشتكي مقدونيا مؤكّدة أنّ اللجوء يتمّ من دول أوروبية إلى أخرى، من دون الأخذ بالاعتبار رأي مقدونيا الرسمي وموقفها، ويتعذّر على الدولة الشابة تقديم الرعاية المطلوبة للاجئين الذين يعانون الأمرّين في مراكز اللجوء المقدونية التي لا تصلح لأيّ شكل من الحياة المدنية.

ويفضّل اللاجئون الالتفاف على بلغاريا، كيلا تعيدهم الدول الغربية، باعتبارها أولى الدول الأوروبية المانحة حقّ اللجوء، ولا يمكن إلزام مقدونيا بذلك، لأنّها ليست عضواً في اتفاقية ماستريخت التأسيسية للاتحاد الأوروبي، وليست مرشّحة، حتّى اللحظة، للانضمام إلى المنظومة الأوروبية. تعلمت مقدونيا درسًا من حالة اللجوء التي تعرّضت لها خلال العام 1999، ولم تحصل على أيّة تعويضات مقابل ذلك، مع أنّ اللجوء الذي تتعرّض له في هذه الأيام أقل بكثير منه في العام 1999، ورغبة اللاجئين تتمثّل بالاستمرار إلى الدول الغربية الغنية. لكنّ السلطات المقدونية ترفض، جملة وتفصيلاً، فتح حدودها للاجئين واستخدامها، كما دول البلقان الأخرى، حصان طروادة.

“أعلنت الحكومة المقدونية حالة الطوارئ على حدودها الشمالية والجنوبية، في محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي، لأنّ أزمة اللجوء ليست مقدونية، بل أوروبية”

وبلغ تعداد اللاجئين القادمين من اليونان، من سوريين وعراقيين وأفغان وباكستانيين وأفارقة قرابة 2000 لاجئ يوميًا، في شهر يوليو/تموز الماضي. وحاولت السلطات المقدونية تسجيل اللاجئين، وتوثيق بصمات قرابة 41 ألف لاجئ، ولم يطلب سوى 47 مواطنًا آسيويًا منهم حقّ اللجوء السياسي، في وقت مضى فيه معظم اللاجئين إلى الغرب. ويُذكر أنّ تعداد جمهورية مقودنيا لا يزيد على مليوني مواطن، يشعر معظمهم بالقلق الشديد من الضغط السياسي الخارجي الممارس على حدود بلادهم. وتنتقد مقدونيا بشدّة اليونان، لعدم محاولتها وقف تدفّق اللاجئين إلى دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي للمضيّ إلى دول أوروبية أخرى، واعتبار مقدونيا دولة ترانزيت محضة، ويبقى الهمّ الإنساني طاغياً على هذه الأزمة، لأنّ فئات الأطفال والنساء والعجزة من اللاجئين يحتاجون عناية خاصّة، بين طعام ودواء ومسكن، وغيره من ضروريات الحياة الأساسية.

اليونان تطالب بلقاء قمّة أوروبي عاجل

طالب الرئيس اليوناني، بروكوبيس بافلوبولوس، بعقد لقاء قمّة أوروبي عاجل لقادة الاتحاد الأوروبي، لمناقشة أزمة اللجوء الكبيرة في الآونة الأخيرة. ولا يتعلق الأمر فقط بشأن الأمن والاستقرار الأوروبي، بل يتعدّاه إلى ضرورة مواجهة أزمة إنسانية على نطاق واسع وكبير، وطالب الرئيس إيجاد حلول لهذه الأزمة مع هيئة الأمم المتّحدة، ما يتطلّب سياسة أوروبية موحّدة.

وحسب وزير الصحة اليوناني، بانايوتيس كوروبليس، فإن موجات اللجوء تهدّد كيان اليونان، ووجودها دولة مستقلة فوق الخارطة السياسية، ويجب استخدام كل السبل والآليات المتاحة على المستوى الأوروبي، لمكافحة الظاهرة، وعلى بروكسل أن تعي أنّ هذه المشكلة لا تهمّ اليونان فقط بل تطاول كل دول المنظومة الأوروبية. ويشار إلى أنّ اليونان تنظم يوميًا رحلات بالقطار والحافلات التي تقلّ آلاف اللاجئين، يوميًا، إلى حدودها مع مقدونيا التي لا تتلقى أيّ دعم أوروبي أو دولي، لمواجهة هذا العدد الكبير من اللاجئين القادمين من اليونان، حسب تصريحات وزير الخارجية المقدوني، ميتكو تشافكوف، الذي زار، أخيراً، منطقة غفغيليا الحدودية، للوقوف على الأوضاع ميدانيًا، والتيقّن من تورّط السلطات اليونانية في تدفّق اللاجئين إلى مقدونيا. وأكد تشافكوف تفهّمه المأساة الإنسانية للاجئين، لكنّه أعرب عن عدم قدرة مقدونيا استقبال آلاف اللاجئين يوميًا.

“تشعر بلغاريا بأنّها مهدّدة باجتياح آلاف اللاجئين أراضيها، واتخّذت الحكومة احتياطات كبيرة للحيلولة دون ذلك”

روما: الأزمة تهدّد نادي الشنغن

وقال وزير الخارجية الإيطالي، باولو جنتيلوني، إنّ أزمة اللجوء الهائلة تهدّد نظام الشنغن، وقد تؤدّي إلى إعادة النظر في نظام التنقّل الحرّ للمواطنين بين دول الشنغن (روح وعمود حياة المنظومة الأوروبية). وأشار الوزير إلى مخاطر تبادل اللاجئين ونقلهم ما بين دول أعضاء وغير أعضاء في القارّة الأوروبية. ونوّه، في حديثه للصحيفة الإيطالية ميسانجيرو، إلى عمليات إنقاذ 300 لاجئ في مياه البحر المتوسط، ونقلهم إلى إيطاليا للتمتّع بنظام اللجوء الأوروبي. وقال في حديثه الذي اتّسم بالعاطفية إن هناك مخاوف من وقوع أوروبا في أسوأ ممارسة ممكنة، انطلاقًا من وازع الأنانية المفرطة، ما قد يتسبّب باتخاذها قرارات قاسية، وتورّطها في جدل عقيم بين الدول الأعضاء المتضرّرة من متاعب ومسؤوليات اللجوء الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى أوروبا أن تفتح روحها، أو أن تفقدها، بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى. ودعا جنتيلوني دول المنظومة العمل على إيجاد القرارات المناسبة لحلّ الأزمة بصورة عاجلة.

البديل عن ذلك هو فشل اتفاقية الشنغن، وإعادة النظر في جدوى النادي الذي يسمح بحرية تنقّل كل الموجودين فوق أراضي دول الشنغن، من دون تفتيش أو عوائق إدارية، فوق رقعة كبيرة من القارّة الأوروبية، من جزيرة صقلية وحتّى جزيرة كوس اليونانية، مع ارتفاع وتيرة القلق والتوتر من مقدونيا وحتى هنغاريا، وهذا يهدّد اتفاقية الشنغن. وطرح الوزير تساؤله “هل يمكن تصوّر الاتحاد الأوروبي من دون معاهدة الشنغن، والعودة إلى النظام الحدوديّ القديم؟”.

بلجيكا: مخاطر الإرهاب

يتوقّع رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشيل، إمكانية إعادة النظر باتفاقية الشنغن وفرض الرقابة على الحدود المشتركة، خوفًا من ارتفاع وتائر العمليات الإرهابية في الدول المعنية. وقد جاءت تصريحاته، بعد أن حاول مواطن من أصول مغربية، في الخامسة والعشرين من العمر، مهاجمة قطار “تاليس” وفتح نيران بندقية كلاشينكوف تجاه المسافرين، ليجرح أحدهم، قبل السيطرة عليه. لكن، وبعيدًا عن هذه التفاصيل، ترك الحادث أثره البالغ على المفهوم الأمني لفضاء الشنغن، لأنّ التنقّل الحرّ يتيح المجال للإرهابيين كذلك بالتنقل لإنجاز مهامهم بسهولة، ومن دون عوائق.

وأوضح ميشيل أنّ الشنغن في منتهى الأهمية للاقتصاد الأوروبي. لكن، والحال على ما هو عليه، يمكن إعادة النظر في هذه الاتفاقية للحفاظ على أمن المنظومة الأوروبية، ولتتمكن الدول المعنية من رقابة حركة البشر والسلع والأمانات بين الدول الأعضاء.

وتناول رئيس الوزراء البلجيكي هذا الشأن مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وستتم مناقشة المسألة لاحقًا في بروكسل على أعلى المستويات، وقال إنه لا بدّ من التضحية بجزء من الحريات المتوارثة والمتعارف عليها في المنظومة الأوروبية. واقتبس مقولة الرئيس الأميركي، بنجامين فرانكلين، “الذين يجدون أنفسهم على استعداد للتضحية بأهم أسس الحرية في مقابل استقرار مؤقت لا يستحقون لا الحرية ولا الاستقرار”. وقد رفعت بلجيكا، بدءاً من نهاية الثلث الأخير من أغسطس/آب الماضي، آليات الرقابة في كل محطات السفر للحافلات والقطارات الدولية، وخصوصاً القطار الدولي “تاليس”، وسيعمل رجال أمن من بلجيكا وفرنسا على حماية هذه القطارات. وكان القطار يقلّ 554 شخصاً، وكان المغربي الأصل سيحدث أضرارًا جسيمة ما بين قتيل وجريح، على الرغم من قول محاميه إنّه كان ينوي السطو على المسافرين، من دون ارتكاب عمل إرهابي.

“تفيد البيانات بأنّ قرابة 44 ألف لاجئ قد عبروا الحدود اليونانية المقدونية في شهرين، ليعبروا بعد ذلك إلى صربيا ثمّ إلى هنغاريا”

اليمين المتطرف والاعتداء على اللاجئين

مجددًا، تعرّض مركز لجوء للاعتداء من راديكاليين يمينيين في مقاطعة ساكسونيا الألمانية، حسب ما ورد في قناة التلفزة “n24”، نقلا عن مصادر أمنية رسمية في درزدن. وشارك 150 ألمانيا متطرّفا بالاعتداء على موكب أمني، يقوم بحماية مركز اللجوء، مستخدمين عبوات زجاجية فارغة ومواد حادّة، وحاول مئات، يوم 22 أغسطس/آب، التسلّل إلى مركز اللجوء هايدناو، ما أدّى إلى جرح 31 رجل أمن، واندلعت الأحداث إثر وصول 120 لاجئا إلى المنطقة بأربع حافلات. وقد شارك ناشطون ألمان يساريون في مسيرة كبيرة للدفاع عن اللاجئين وحقوقهم، بالحصول على الحماية والأمان.

وهناك صراع خفيّ على خلفية سياسية بين اللاجئين أنفسهم، وشهدت العاصمة الصربية بلغراد قتالا بين اللاجئين، استخدمت فيه مطاوي، أدّى إلى جرح لاجئ في بطنه، وتشهد العاصمة صوفيا خلافًا وقتالاً بين لاجئين سوريين وأكراد، ما أدّى إلى رفع حالة الحنق وعدم الرضا في الدول المضيفة، نتيجة لنقل مشكلات اللاجئين من مواطنهم إلى المهجر.

وتشعر بلغاريا بأنّها مهدّدة باجتياح آلاف اللاجئين أراضيها، واتخّذت الحكومة احتياطات كبيرة للحيلولة دون ذلك، وارتفعت طائرات عمودية على طول الحدود البلغارية المقدونية، وعلى جزء من حدودها المشتركة مع اليونان، لمراقبة حركة اللاجئين وتنقلاتهم التي لا تهدأ ليل نهار.

حوار ألماني فرنسي

أخذ إيجاد حلول عاجلة لأزمة اللجوء التي تضاعفت وتائرها، أخيراً، حيّزًا أساسيًا في لقاء المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، في برلين، في 24 أغسطس/آب. وناقش الطرفان شأن إعادة النظر في حصص الدول الأعضاء ونصيبها من اللاجئين الوافدين فوق الأراضي الأوروبية، أخذًا بالاعتبار ضرورة موافقة دول المنظومة الأوروبية على القرارات المتّخذة في الاجتماع. وطالبت الدول الأعضاء بعقد لقاء قمة لاتخاذ السبل الممكنة لحلّ هذه الأزمة، في وقت تستمرّ فيه مقدونيا وصربيا بالتخلّص من اللاجئين على الفور، بتحميلهم في القطارات على الحدود، ليتوجّهوا نحو الغرب، كما وصل وزير خارجية النمسا، سبستيان كورتس، إلى مثلث الرعب المأساوي على الحدود المقدونية الصربية اليونانية، للوقوف على أحوال اللاجئين وأوضاعهم في المنطقة المعنية. وتحاول كل السلطات المعنية منع عمليات استغلال اللاجئين، بتقديم خدمات نقل خاصّة بأجور باهظة وخدمات أخرى شبيهة.

وتفيد البيانات بأنّ قرابة 44 ألف لاجئ قد عبروا الحدود اليونانية المقدونية في شهرين، ليعبروا بعد ذلك إلى صربيا ثمّ إلى هنغاريا، وحال تمكنهم من الوصول إلى هنغاريا، يمكنهم الانتقال إلى أيّ مكان في أوروبا، وهناك هاربون كثيرون من جحيم التفجيرات الانتحارية في أفغانستان وباكستان. وقبل 21 قرناً، تمكّن الإسكندر المقدوني من الوصول إلى باكستان، وها هم أهالي باكستان يعيدون الصاع لمقدونيا مضاعفًا، من دون أن تتمكن الحكومة المقدونية من تقديم العون والمساعدة، سوى ما يجود به الصليب الأحمر والمؤسسات المدنية وقوات الجيش، والأطباء الذين يقدمون المساعدة عن طيب خاطر للأطفال والنساء والشيوخ والحوامل، وما تقدّمه كذلك فئات المجتمع المقدوني من طعام وكسوة، لكنّ احتياجات هذه الدفعات الكبيرة من اللاجئين تفوق مقدرات دولة مقدونيا الشابّة بكثير.

 

 

3 آلاف لاجئ سوري إلى أوروبا يومياً و2500 قضوا غرقاً هذه السنة مفوضية الأمم المتحدة لـ”النهار”: استراتيجية أوروبية موحّدة/ موناليزا فريحة

صورة تلو الاخرى تسجل معاناة السوريين الهاربين من الموت الى الموت، ولعل من أكثرها إيلاما مشهد ذلك الطفل الهامد على وجهه على أحد شواطئ تركيا، وهو واحد من 12 شخصا قضوا بعد غرق قاربين أبحرا من جنوب تركيا في طريقهما الى جزيرة كوس اليونانية.

مأساة الطفل السوري ليست إلا تجسيدا لخيبة آلاف وآلاف من السوريين الآخرين الذين يقضون غرقا او اختناقا او ينتهون في سجون دول تعاملهم كأنهم غزاة يحاولون اجتياح أراضيها. مأساة هؤلاء لا تقلل حجم نكبة آخرين يعيشون من قلة الموت في مخيمات دول الجوار، إلا أن تفاقمها في الآونة الاخيرة أبرز فشلا جديدا للمجتمع الدولي في التعامل مع أسوأ مأساة انسانية يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

الطفل السوري بقميصه الاحمر وسرواله الازرق يبدو كأنه نائم على شاطئ رملي في بودروم بتركيا. لكن الواقع غير ذلك. فالطفل لفظ أنفاسه بعدما غرق مع ثمانية آخرين كانوا مع 14 شخصا في قاربين انطلقا من منطقة أكبارلار في شبه جزيرة بودروم التركية. وبين القتلى خمسة أطفال وامرأة، فيما أنقذ سبعة اشخاص ووصل اثنان الى الشاطئ وهما يرتديان سترتي نجاة ولا يزال شخصان مفقودين.

وقد تزايدت كثيرا في الآونة الاخيرة حركة الانتقال من تركيا الى اليونان بحرا. ورصدت وكالات الاغاثة انتقال 2000 شخص يوميا في آب الماضي الى الجزر الشرقية لليونان في قوارب مطاط. والثلثاء، أعلنت الحكومة التركية انقاذ خفر السواحل أكثر من 42 ألف مهاجر في بحر إيجه منذ مطلع 2015 وأكثر من 2160 الاسبوع الماضي وحده.

الواضح أن اللاجئين، وغالبيتهم سوريون، الذين يدفع كل منهم الف دولار على الاقل للمهربين بدل هذه الرحلة الخطرة، يستفيدون من هدوء البحر خلال الصيف. ومع ذلك، ثمة رحلات كثيرة تغرق بعد أن تمتلئ القوارب المطاط بركاب يفوق عددهم قدرتها على الاستيعاب.

المفوضية السامية

وصرح مسؤول العلاقات الخارجية في المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين فراس كيال لـ”النهار” بأن نحو 2500 شخص لقوا حتفهم غرقاً هذه السنة لدى محاولتهم الوصول الى أوروبا مستخدمين قوارب لعبور البحر الابيض المتوسط في مقابل 3,500 شخص قضوا في المتوسط العام الماضي.

وتشير ارقام المفوضية الى تزايد اعداد اللاجئين السوريين الذين وصلوا الى اوروبا هذه السنة عنها في 2014، ذلك ان اكثر من 3 آلاف شخص، غالبيتهم من اللاجئين السوريين وطالبي اللجوء من جنسيات أخرى اضافة الى المهاجرين، وصلوا الى اوروبا في الاشهر الثمانية الاولى من 2015، بينهم 200 الف حطوا رحالهم في اليونان بعد رحلة شاقة في مقابل 110 آلاف وصلوا الى السواحل الايطالية.

وفي غياب افق الحلول السياسية للأزمات التي تعصف بسوريا، أفاد كيال أن المفوضية تتوقع استمرار وصول اللاجئين خلال الفترة المقبلة بمعدل ثلاثة آلاف شخص يوميا تقريبا”.

ومع تزايد موجة اللجوء وتفاقم المأساة الانسانية الناجمة عنها، ما هي الخطوات التي تتخذها المفوضية في هذا المجال؟ أجاب كيال: “نحن على تواصل مستمر مع حكومات الدول الاوروبية من اجل اتخاذ التدابير اللازمة ومراجعة السياسات الاوروبية للجوء بما يسمح بمعاملة افضل للاجئين وفتح الحدود امامهم ليحصلوا على الحماية التي جاؤوا من اجلها.

اما تجار البشر “العديمو الاخلاق والذين يتاجرون بأرواح الابرياء “فيجب في رأيه محاسبتهم “وهؤلاء المهربون لا ينشطون فقط في البحر الابيض المتوسط وانما ايضا عبر الحدود داخل الدول الاوروبية”، في اشارة الى الحادث المأسوي الذي راح ضحيته اخيرا 71 شخصا قضوا اختناقا في شاحنة لدى تهريبهم عبر النمسا.

وتنسق المفوضية على نحو مستمر مع دول الاتحاد الأوروبي المعنية مباشرة بالأزمة، اضافة الى المفوضية الأوروبية. وفي هذا الشأن، استرعى الانتباه موقف المانيا التي اوقفت اعادة طالبي اللجوء من السوريين الى الدول التي دخلوا منها اراضي الاتحاد الأوروبي، معلقة عمليا تطبيق اتفاق دبلن الذي ينص على اعادتهم.

ألمانيا وأسوج

ولفت كيال الى الموقف “المميز والانساني” للحكومة الالمانية والمستشارة انغيلا ميركل خصوصا التي دعت الى معاملة اللاجئين في اوروبا معاملة حسنة والافساح في المجال للاجئين للبقاء قانونياً على ارضها، مضيفا ان اسوج أبدت تعاونا ممتازا لاستيعاب عدد غير محدد من اللاجئين، متمنيا على الدول الاوروبية الاخرى ان تحذو حذوهما في القريب العاجل اذ “لا بد في هذا الخصوص من استراتيجية اوروبية واضحة للتعامل مع هذه الأزمة تخلص الى استيعاب عادل للاجئين في عموم الدول الاوروبية بدل سياسات فردية لكل دولة على حدة”.

شأن كل النزاعات التي تتسبب بموجات هجرة وتدفع الناس الى المجازفة بحياتهم هربا من الحروب، يبقى الحل النهائي لهذه الأزمة حلا سياسيا شاملا. ولكن الى حين تحقيق ذلك، شدد كيال على ان ثمة اجراءات عملية ينبغي اتخاذها سريعا، منها انشاء مراكز استقبال على حدود أوروبا الجنوبية تقدم فيها المساعدات الطارئة للاجئين وطالبي اللجوء مع مراعاة الحالات الخاصة للنساء والاطفال والعجزة. “هؤلاء بشر في نهاية المطاف ولا بد من أن يعاملوا بطريقة انسانية ومنظمة بدل أن يتركوا فريسة لعصابات التهريب وتجار البشر”.

الى ذلك، رأى وجوب درس اوضاعهم وفقاً للمعايير الدولية و”من تنطبق عليهم معايير اللجوء، كالسوريين الهاربين من الحرب مثلاً، يجب توزيعهم داخل الدول الاوروبية وفقاً لنظام عادل وفعال كي لا تضطر دولة أو اثنتان في أوروبا الى استقبال غالبية هؤلاء اللاجئين بينما دول أخرى أوروبية لا تستقبل إلا عدداً ضئيلاً منهم”.

دول الجوار

والأزمة في أوروبا خطفت الاضواء أخيراً، لكن الازمة في الدول المجاورة لسوريا الى تفاقم بدورها. وأقر كيال بأن اعداد اللاجئين الذين هم في حاجة الى مساعدة يزداد بشكل مطرد. ففي لبنان كل شخص من أصل أربعة هو لاجئ سوري. هذه الزيادة تأتي في ظل عجز كبير في قيمة التمويل المتوافر لدى المنظمات الدولية العاملة على اغاثة اللاجئين السوريين.

وأوضح أن ما وصل حتى الآن هو 37 في المئة فقط من المبلغ الذي طالبت به هذه المنظمات من خلال النداء الذي وجهته في كانون الأول الماضي. وهذا يعني ان ما يقارب 60 في المئة من برامج الاغاثة التي كانت هذه المنظمات تنوي تنفيذها في الدول المجاورة معلقة نتيجة نقص التمويل. لذلك، ناشد كل الدول المانحة تقاسم الاعباء من طريق التمويل مع دول الجوار التي تستضيف بكرم أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري منذ أكثر من أربع سنوات.

 

 

«كوارتز»: على السعودية ودول الخليج فعل المزيد من أجل اللاجئين السوريين

ترجمة فتحي التريكي

بينما تفرك الأيادي في جميع أنحاء أوروبا، فإن تدفق اللاجئين من سوريا التي دمرتها الحرب لا يبدو أنه يظهر أي علامة على التراجع. دولة بعد دولة، فإن سياسات الهجرة، وكذلك البنى التحتية، صارت توضع تحت المجهر. وفي بعض موجات الغضب الاخيرة، اقترح بعض القادة الأوربيين أنهم على استعداد لإيواء اللاجئين المسيحيين ولكن ليس المسلمين. تسبب الأمر في موجة من الانتقادات للحكومات لكونها غير قادرة أو غير راغبة في بذل المزيد من الجهد لمساعدة هؤلاء اليائسين.

لكن نفس الحزم يجب أن يبذل للتأثير على سياسة الحكومات في شبه الجزيرة العربية. التي فعلت أقل بكثير من دول أوربا لتوفير المأوى للسوريين. ولحسن الحظ هذا قد بدأ يحدث أخيرا. فقد حمل بيان منظمة العفو الدولية إدانة دامغة للمملكة العربية السعودية وقطر والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة التي لم توفر مقعدا واحدا لإعادة توطين اللاجئين السوريين.

عار عليهم جميعا

الحكومات في كل من السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة يدركون بوضوح أن الدول الإسلامية التي تستقبل اللاجئين السوريين قد أصبحت مكتظة بأكثر مما ينبغي. ووفقا لمنظمة العفو الدولية، تستقبل تركيا وحدها 1.6 مليون لاجئا في أقل التقديرات وذلك برغم الظروف غير المستقرة اقتصاديا. يمكن قول الأمر نفسه عنم لبنان التي تستقبل 1.1 مليون لاجيء. في حين تستقبل الأردن 620 ألف لاجيء وتستقبل العراق 225 ألفا من اللاجئين، بينما تستقبل مصر 140 ألفا. هذا فقط وفقا للأرقام الرسمية المسجلة. فمن الصحب معرفة عدد أولئك اللذين عبروا الحدود إلى هذه البلدان بينما لم يتم فرزهم وتسجيلهم.

قد تجادل دول الخليج الغنية بالنفط بأنها تقوم بمنح مساعدات مالية لهذه الدول مساعدتها على تخطي أزمات اللاجئين، ولكن هذا لا يكفي. لا يمكن للمال بمفرده أن يغطي على توترات اجتماعية وسياسية هائلة تصيب هذه البلدان الصغيرة. أعداد اللاجئين تساوي ربع سكان لبنان، على سبيل المثال. ولا يمكن صرف تعويض عن استنزاف كبير على الموارد الطبيعية. إمدادات المياه في الأردن، التي كانت دائما هزيلة، لا يمكن التعامل مع هذا العدد الكبير من مزيد من الأفواه العطشى.

يجب على دول الخليج أن تفعل أكثر من ذلك، وستتناول الدورة الأكثر منطقية توجيه أعداد كبيرة من اللاجئين في الأردن إلى المملكة العربية السعودية من خلال الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين. المملكة العربية السعودية والكويت أيضا لديهما حدود مشتركة مع العراق، ولكن نظرا لأعمال العنف في ذلك البلد، قد يكون من الصعب الحصول على طرق آمنة للانتقال. يمكن شحن اللاجئين من مصر ولبنان إلى الموانئ على طول شبه الجزيرة العربية. ينبغي أن تضطلع الدول الغنية بالنفط بشكل فاعل بوظيفة الإيواء.

لدى المنطقة القدرة على بناء مساكن شرعية للاجئين. شركات البناء العملاقة التي شيدت الأبراج الفخمة في دبي وأبوظبي والرياض ينبغي أن يتم التعاقد معها لإنشاء ملاجيء لتدفق اللاجئين. المملكة العربية السعودية لديها الكثير من الخبرة في إدارة أعداد كبيرة من الوافدين: إنها تتلقى سنويا الملايين من حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة. ليس هناك سبب لعدم وضع كل هذه المعرفة والخبرة في الاستخدام الإنساني.

أوروبا تستطيع أن تفعل أكثر بالنسبة للسوريين. لكن المملكة العربية السعودية وأقمارها الصناعية الغنية يجب عليها، أو يجب أن يتم دفعها، لتحمل أكثر بكثير من ذلك العبء.

 

 

 

 

الأطفال في سورية يموتون… حقاً؟/ ليال حداد

لم يكن الهرب من الصورة ممكناً، حتى لمن أراد ذلك. الطفل عيلان عبدالله (ايلان الكردي) كان في كل مكان، على مواقع التواصل، على صدر مقالات عنوانها تقريباً كان موحداً: “الصورة التي هزّت العالم”… وفي صور بشعة صمّمت على عجل ومن دون إبداع لجثته تتوسط مجلس الأمن، أو راقداً على غيمة، أو في سرير جميل لطفل “عادي”.

حصل كل شيء بسرعة، بدقائق قليلة، سرعة منعتنا من طرح السؤال نفسه الذي نعيد تدويره منذ 4 سنوات: هل كان يجب نشر الصورة؟ الجواب البديهي المرتبط بأصول المهنة، واحترام “حق الضحايا وحق عائلاتهم بالخصوصية” هو لا. بشكل أبسط يقول طوني رودجرز، وهو أحد “المنظرين في أخلاقيات الصحافة”، أن “نشر الصور المزعجة قد يؤدي إلى ضرر نفسي وجسدي دائم بحق الضحية، عائلته، وبحق القارئ، وبالتالي فإن النشر مرتبط بظروف الأرض، وظروف الحدث”.

لكن كل المؤسسات نشرت. “الإندبندنت” بررت نشرها “بتذكير الناس بحجم المأساة لأننا ننسى بسرعة”، “نيويورك تايمز” فعلت ذلك أيضاً، مشيرة إلى نشر أبرز الناشطين الحقوقيين للصورة. “بي بي سي” فضّلت التركيز على صورة حرس السواحل التركي وهو يحمل جثة الصبي. بهدوء تام حصل النقاش: ننشر، لا ننشر. ننشر، لمَ لا؟ بدا الإعلام الغربي كأنه يرى الضحية السورية للمرة الأولى. ضحية نظيفة بلا دم، ولا دمار.

إذاً، يحتاج العالم إلى صورة. إلى صورة كهذه الصورة: طفل سوري، بشعر أسود جميل، بجسد ووجه مبللين، ملقىً على شاطئ سياحي تركي يعرفه السياح الأوروبيون جيداً. الصورة بكلّ عناصرها مغرية، لا براميل، لا ذبح، لا صراع سوري: لاجئ فشل العالم في إيجاد حلٍ للجوئه، فمات في البحر ورُميت جثته على الشاطئ، لن يضطر أحد إلى مواجهة اتهامات بعدم الحياد هذه المرة.

قبل عامين قتل النظام السوري المئات في الغوطة الشرقية، أغلبهم من الأطفال، يومها قرّر القسم الأكبر من الإعلام الغربي عدم نشر الصور “لقساوتها واحتراماً لحرمة الموت”. هكذا قيل وقتها. مع إعدام تنظيم “داعش” للرهائن الغربيين، مجدداً عاد النقاش، لم تنشر الصور، وتمت مقاطعة الصحف التي نشرتها. وها هو عيلان يموت. لم يقتله أحد بالمعنى المباشر للكلمة. غرق في البحر أمام تخاذل العالم عن استقبال اللاجئين (عددهم تجاوز 4 مليون لاجئ هذا العام بحسب الأمم المتحدة)، هذه هي الرواية الرسمية. الرواية الفضفاضة والتي تناسب الجميع. ولعلّ هذا ما جعل الجميع يتّفق على نشر الصورة، طبعاً إلى جانب ارتفاع الحملات الغربية الداعية إلى استقبال اللاجئين. هذه المرة يبدو الغرب على تماس مباشر مع موت الطفل، ثمة في الشارع من يصرخ محمّلاً الإعلام والحكومات المسؤولية. تنشر الصورة، يصدم العالم.. كأنه لم يرَ الموت السوري قبل الآن.

الصورة بكل تفاصيلها محزنة، بوجه الطفل الذي ينظر صوب البحر، بالقصة التي انتشرت عن حياته، وبصورته ضاحكاً يوم كان لا يزال يحتفظ ببيت وبلد. لكن مجدداً هل كان يجب نشر الصورة؟ لن يتغيّر شيء، لا قبلها ولا بعدها، منذ العام 2011، وسورية مصدر الصور الأول للأطفال القتلى حول العالم: مخنوقين، مذبوحين، عظام ناتئة من أجساد صغيرة بلا طعام… وراقدين على شواطئ ليست شواطئهم، ولا أحد ينشرها، نراها فقط على مواقع التواصل، ويتحجّج الإعلام “بعدم القدرة على التأكد من صحتها”.

يحتاج الإعلام الغربي إلى التأكد من قتل الأطفال السوريين، يهرب من واقع سورية إلى معايير مهنية علمية تعفيه من الخوض في وحول ودماء السوريين. اليوم وبينما يبكي العالم عيلان عبدالله، وشقيقه غالب الذي رقد غير بعيدٍ عنه، يموت أطفال آخرون في سورية، في دوما وحلب والزبداني (أكثر من 15 ألف طفل شهيد سقط في سورية حتى الساعة بحسب “قاعدة بيانات شهداء الثورة”)… لن نعرف أسماءهم، لن نعرف وجوههم، ولا قصصهم. لا تحتمل الصورة كل هذا الشِّعر: هذا لاجئ سوري غريق.

 

 

 

حاذروا أن توقظوه/ غسان شربل

< للوهلة الأولى حاولت ألا أصدق. قلت غلبه النعاس فنام. لا ثقوب في ثيابه. ولا آثار تعذيب. ولا غرابة أن يرتمي طفل سوري على شاطئ تركي. وكدت أقول حاذروا أن توقظوه. أوقفوا قليلاً دوي المدافع. وهدير الطائرات. و»زغردة» البراميل. والصواريخ الفراغية. والسيارات المفخخة. والأحزمة الناسفة. ولعله راهن أن شقيقه غالب سيوقظه بعد قليل. وأن أمه ريحانة ستناديه لمتابعة الرحلة إن استغرق غالب في الأحلام. ربما لم يعلم أن غالب مات قبل أن يوقظه. وريحانة ماتت قبل أن تناديه. وأنه مات هو الآخر. ربما لم ينتبه إيلان ابن السنوات الثلاث أن القارب انقلب بالسوريين الهاربين. وأن سورية نفسها تشبه قارباً انقلب. لم يعرف أن صورته ستحتل الشاشات. والصفحات الأولى.

ما أقسى أن تكون سورياً في هذه الأيام.

ما أفظع أن تكون كردياً سورياً في كل الأيام.

وما أوجع أن تكون من كوباني التي نسميها، نحن العرب، «عين العرب».

أكاد أتهمه بالانتحار عمداً. يأساً من بلاد تقتل أطفالها مرة على أرضها ومراراً في البحار. تطردهم وتوقعهم بين أنياب باعة الأحلام الموصلة إلى المقابر. ولعله انتحر ليرمي جثته في وجه هذا العالم المفترس. في وجه مهرج اسمه الضمير العالمي بقي متفرجاً على الجرح السوري المفتوح. في وجه كل من ولغ في دم سورية والسوريين. في وجه كل من حاول الاصطياد في بحيرة الدم السورية. ووجه كل من تردد في بذل ما يلزم لإيقاف مذبحة الأرقام القياسية. أرقام القتلى والمعوقين والبيوت المحروقة والجثث الصغيرة. ووجه سوبرماركت الأمم المتحدة ودكان الجامعة العربية. ودكاكين القرار في عواصم القرار.

لهذا العالم الوحش ذاكرة تنسى. غداً يضجر من جثة إيلان ويقلب الصفحة. لهذا لا بد من الاحتفاظ بالجثة حاضرة. ليتها تؤخذ طازجة إلى اجتماع لمجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية. تحضر لتذكر جون كيري بنهر الجثث المتدفق في المنطقة على رغم زياراته الكثيرة وابتساماته. يمكن أن ترسل أيضاً إلى سيده بطل مسلسل «الخط الأحمر». الرجل الذي ترك العراق لمصيره. وترك أفغانستان لمصيرها. وترك السوريين بين الموت براً أو الموت بحراً بعدما كان سارع في تحريضهم على الذهاب بعيداً في انتفاضتهم.

تحضر الجثة أيضاً لتصفع رجلاً اسمه سيرغي لافروف. تتلاطم أمواج الدم في سورية ولا يرف له جفن. انشغاله بتسجيل النقاط ضد السياسة الأميركية ضاعف شراهته في المناورة والتضليل وتوزيع الأكاذيب. يمكن إرسال الجثة أيضاً إلى سيده في الكرملين المنهمك بصيانة عضلاته أمام الكاميرات. أغلب الظن أن بوتين يفضل تجريب الأسلحة في سورية على استخدامها في روسيا. يفضل اصطياد الشيشانيين على التراب السوري لتفادي عودتهم إلى التراب الروسي. يتفرج على نوافير الدم السوري ولا يرف له جفن.

كنت في وارسو قبل أيام. قالت المرشدة السياحية لمجموعة في الفندق: «لا يجوز ألا تذهبوا إلى أوشفيتز لمعاينة آثار المحرقة. غرف الغاز وما ارتكبته وحشية النازيين. ليتكم اصطحبتم أطفالكم ليتعلموا أن العالم يجب ألا يتسامح مع القساة كي لا تتكرر مآسي المحرقة وغرف الغاز».

استمعت إلى كلامها وراودتني رغبة في الابتسام. لا مبرر لذهابي أنا العربي إلى أوشفيتز. لا يحق لي معاينة محارق التاريخ وأنا غارق في محارق الحاضر. ثم أنني من منطقة لا تكره جيوشها وميليشياتها أسلوب «الحل النهائي». لم تبدأ الوحشية مع «داعش» وإن يكن التنظيم أخذها إلى قمم غير مسبوقة.

لن أذهب إلى أوشفيتز. أحفاد الضحايا هناك ارتكبوا محارق كثيرة ضد الفلسطينيين. جثة محمد الدرة لا تزال صارخة. وتكفيني اليوم الجثة الصغيرة النائمة على الشاطئ التركي. الجثة الصارخة ضد موسم العار الطويل. موسم قوافل الهاربين. سمعتهم على الشاشات يمتدحون البلاد التي فتحت ذراعيها لهم بعدما اكتووا بنار بلدانهم الأصلية. موسم العار الطويل. البلد الغريب أكثر رحمة. والحكومة الغريبة أكثر رحمة.

ما أقسى هذه التي نسميها بلداننا. تقتلك إذا رفضت البقاء خانعاً أمام الظلم. تقتلك إذا رفضت الانخراط في عصر الظلام.

حاذروا أن توقظوه. فقد يروي أهوال رحلته. وأهوال بلاده.

الحياة

 

 

 

إيلان نائم على الشاطئ: «صورة تسائل جبننا/ سناء الخوري

«ابن أحدهم»، عنونت «اندبندنت» البريطانيّة، على صدر صفحتها الأولى، أسفل صورة إيلان كردي (3 سنوات)، الطفل الذي عرفه العالم جثّة على شاطئ بودروم التركية، أمس الأوّل. سألت الصحيفة: «إن لم تغيّر صور هذا الطفل السوري الميت على شاطئ، موقف أوروبا من اللجوء، ما الذي يمكن أن يغيّره؟». وفيما انشغلت دوائر القرار أمس بمحاولة إيجاد حلّ لتلك المعضلة، كان الإعلام منشغلاً بسؤال آخر: هل ننشر صورة إيلان أم لا ننشرها؟ «تويتر» لم ينتظر الضوء الأخر من أحد. أكثر من 60 ألف مرّة غرّدت صورة الطفل خلال أقلّ من 24 ساعة.

لكن، هل تعدّ أخلاقيّات نشر الصورة الصحافية، شأناً يستحقّ النقاش أصلاً، أمام هول المأساة؟ هناك جسد طفل ملقىً كقطعة بلاستيك على أحد شواطئ المتوسّط؛ نشرُ الصورة أو عدمه لن يمحو الفاجعة، لن يلغي فعل الغرق، لن يضع إيلان فوق سرير دافئ، لن يردّ أمّه وشقيقه إلى الحياة. لكنّ الصورة وثيقة، وصورة إيلان مناسبة جديدة لإعادة طرح إشكاليّة دور الصور في النزاعات، وأهميّة الأعمال الفوتوغرافيّة القادرة على التذكير بالظلم، وتغيير مسار التاريخ.

ترى بعض المدارس الصحافيّة أنّ نشر صور جثث، وخصوصاً إن كانت لأطفال، إهانة لكرامة الضحايا الإنسانيّة. مدارس أخرى تجد أنّ حجب الصور القاسية، تجهيل للقاتل، وتعتيم على أهوال الحرب، وخيانة لمبدأ عرض الحقيقة كاملة. يسأل منظّرون من مدارس أخرى أيضاً، عن قيمة الحقيقة إن كانت تفرض استباحة خصوصيّات أفراد ماتوا في ظروف مأساويّة، خصوصاً أنّ الصور لن تنصفهم، بل ستحوّلهم إلى أرقام تتكدّس فوق أخرى.

قبل أيّام، رفضت صحف وقنوات تلفزيونيّة أميركيّة نشر مشاهد مقتل الصحافية أليسون باركر والمصور آدم وورد على الهواء مباشرةً، احتراماً للضحيتين، ورفضاً لتكريس منطق القاتل. والعام الماضي، أجمعت القنوات الأميركيّة على عدم بثّ شريط ذبح الصحافي جايمس فولي على يد «داعش»، كما حظر «تويتر» نشرها، ما فُسّر حينها أنّه حرص على «كرامة الضحيّة البيضاء»، أكثر من كرامات آلاف الضحايا السوريين الذين عُرِضت صور موتهم من دون أيّ وازع. وبالأمس، رأى بعض المختصّين أنّ عرض صور إيلان مسّ بقيمة الحياة السوريّة. لكنّ آخرين رأوا أنّ المسّ الحقيقي بحياة السوريين، هو في عدم عرض تلك الصور. من جهتها، أجمعت الصحف البريطانيّة من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار، على عرض صور الطفل الغريق على صفحاتها الأولى. صحيفة «لو موند» الفرنسيّة خصّت غلافها للصورة مع عنوان «صورةٌ لتفتح أعيننا»؛ في حين برّرت «ليبراسيون» عدم نشرها الصورة، بأنّ فريق التحرير لم يرها في الوقت المناسب قبل إقفال العدد، واعتذرت عن ذلك، معلنةً دعمها الكامل لقضيّة اللاجئين.

في تصاريح إعلاميّة، قالت كيم مورفي من صحيفة «ذا لوس أنجلس تايمز» أنّ محرّري الصحيفة أجمعوا على ضرورة نشر الصورة، وأضافت: «الصورة ليست هجوميّة، ولا دمويّة، ولا تافهة، إنّها تحطّم القلب فقط، وفيها شهادة صارخة على مأساة إنسانيّة تحدث في سوريا، وتركيا، وأوروبا، وغالباً ما تكون هذه المأساة غير مشهود عليها (غير مرئيّة)». وأضافت: «كتبنا قصصاً عن آلاف المهاجرين الذي لقوا حتفهم في قوارب، أو في شاحنات، أو وحيدين على سكك الحديد، ولكن كان يتطلّب الأمر صورةً لطفل صغير على شاطئ لإفهام بعض القرّاء حجم مأساة المهاجرين».

من جهته، رفض موقع Vox نشر الصورة، وقال الصحافي ماكس فيشر تعليقاً على ذلك الخيار: «أتفهّم الحجّة القائلة بأنّ نشر الصورة طريقة لرفع الوعي وجذب الانتباه حول مأساة اللاجئين، ولا ألوم وسائل الإعلام التي نشرتها. لكنّي قرّرت عدم نشرها لأنّي لا أستطيع الحصول على موافقة الطفل الموجود في الصورة على جعله رمزاً».

في خضمّ السجال، نشر موقع معهد «بوينتر» المتخصّص بالصحافة أمس، تقريراً أخذ فيه رأي اختصاصيين، حول أخلاقيّة نشر صور إيلان، ومدى التزام ذلك بالمعايير المهنيّة. وقالت كيلي ماكبرايد من أخصائيي المعهد: «أحياناً تُظهر وسائل الإعلام صور الموت بطريقة مجانيّة، ولكن في أحيان أخرى، يكون نشر تلك الصور نابعاً من مسؤولية مهنيّة». وقال زميلها آل تومبكنز: «صورة موت واحد، خصوصاً حين يكون طفلاً، يمكن أن تجذب اهتمامنا بطريقة أكثر فعاليّة، من صور مجموعات من الراشدين اليائسين (…) بعض الصور تصبح أيقونيّة لدرجة تدفع الحكومات للتحرّك، رأينا ذلك في الصومال، وفيتنام، وإعصار كاترينا».

وفي السياق ذاته، يقول مؤسس «معهد بوينتر للتصوير الصحافي» كينيث إيربي لأحد المواقع المتخصّصّة، أنّ الأمر أعقد بكثير من فكرة استباحة خصوصيّة الأشخاص الظاهرين في الصورة. فخيار نشر صور الفجائع يخضع لمعايير عدّة برأيه، أبرزها عدم الخضوع لضغوطات سياسيّة، لناحية الحجب أو العرض؛ إلى جانب معيارَيْ «إظهار الحدّ الأقصى من الحقيقة، والحدّ الأدنى من الأذى»، بحسب تعبيره. «الحدّ الأقصى من الحقيقة لأنّ ذلك هو عمل الصحافيين، أي التوثيق، ونقل ما يرونه للمتفرجين. فالصحافيون عيون العالم، وهناك الكثير من الناس الذين يعتمدون عليهم لمعرفة ما يحدث. أمّا الحدّ الأدنى من الأذى، فذلك لأنّ بعض الصور قد تؤثّر سلبياً على أفراد ربما يتأذُّون من رؤية الموت، والألم، وقد يعانون من تروما».

التقطت صورة إيلان الصحافية التركية نيلوفر ديمر من وكالة «دوغان». وقالت ديمر في حديث لـ «سي أن أن تركيا» إنّ الدمّ جمد في عروقها لدى رؤية جثّته على الشاطئ. «حين رأيته، تجمّدت. المحزن أنّه لم يكن هناك ما يمكن فعله لذلك الطفل، فقمت بعملي. نجوب الشواطئ بشكل دائم منذ أشهر، ولكن أمس (الأربعاء) كان الأمر مختلفاً، رأينا جسد طفل لا يتحرّك، وجسد أخيه. من خلال تصويرهما، أردت أن أظهر مأساة هؤلاء الناس». وأشارت ديمر الى أنّها صوّرت جثث لاجئين ملقاة على الشواطئ سابقاً، ولم تكن تعرف أن صور إيلان ستخلّف ذلك الأثر.

صحيفة «ليبراسيون» الفرنسيّة، طرحت سؤال النشر على المصوّر ألان مينغام الحائز على جائزة «وورد برس»، ورئيس جائزة «الوكالة الفرنسيّة للتنمية». برأي مينغام فإنّ الصورة تتمتّع بكافّة العناصر العاطفيّة الكفيلة بإخراجها من التسطيح الذي قد يطال صور الحرب. «إنها تسائل عيوننا وضميرنا، وما يزيد من فظاعتها أنّها أُخِذت على الشاطئ خلال عطلة صيفيّة، ما يخلق تناقضاً بين ديكور الجنّة وديكور الجحيم في المكان ذاته».

يرى المصّور أنّ الصورة خالية من أيّ بعد جمالي، ولا تبذل أيّ جهد انفعالي، كلّ ما تفعله أنّها تقول للعالم: «انظروا إلى هذه الفاجعة التي أصبحت عاديّة». وبحسب فهم مينغام، فإنّ الصورة تختلف عن غيرها من صور اللاجئين «لأنّها تخرج من أثر المجموعة، لتظهر الطفل لوحده، معزولاً بموته الدراماتيكي، وذلك ما يمسّنا كآباء، وأمهات، وأخوة، وأخوات، ويخرج الصورة من التجهيل الذي يفرضه الحشد، إلى التخصيص الذي يفرضه مشهد كائن بشري وحيد، وفوق ذلك طفل». ويضيف: «تسائل الصورة جبننا. الغضب يكون على قياس الرعب الناجم عن المشهد. نشعر بالمسؤولية لأنّنا تركنا الأمور تتفاقم، ولأنّنا أهملنا صوراً أخرى». نشر الصورة إذاً، «رفضٌ لوضع لم يعد محمولاً»، بحسب المصوّر الفرنسي.

لكنّ صوراً كثيرة أخرى، لأطفال من ضحايا الحروب والمجاعات، هزّت ضمير العالم في السابق من دون أن تغيّر سلوكه. بعضها شكّل يقظة في الرأي العام، انعكست مع الوقت تغييراً في السياسة، كما كانت الحال مع الطفلة الفيتنامية كيم فوك التي صوّرها الصحافي الأميركي نيك أوت العام 1972، بعدما احترقت بغاز النابالم. صدمت صورة فوك الرأي العام الأميركي، وشكّلت وسيلة ضغط لإنهاء حرب الولايات المتحدة على بلدها. فما الذي يمكن أن تفعله صورة إيلان، بعدما أبكت العالم؟ الصحف الأوروبيّة تريدها أن تدفع باتجاه تغيير سياسات الهجرة واللجوء… آخرون يخجلون من النظر إلى صورة إيلان، لأنّهم اختبروا العجز أمام الموت السوري لخمس سنوات متتالية، ولأنّهم شهدوا، بصمت، كيف بلغ جحيم السوريين أيّاماً، صار فيها البحر يبصق أجساد أطفالهم على شواطئ غريبة باردة.

 

 

 

 

الإعلام يستيقظ: أرواح اللاجئين برقبتنا

دجى داود

امتلأت صفحات الجرائد وشاشات التلفزيونات العالميّة هذا الأسبوع بأخبارٍ عن اللاجئين إلى أوروبا، الغارقين في قواربهم. اختلفت النبرات المستخدمة والمواقف من القضيّة. فاعتمدت بعض الوسائل نبرة مسؤولين أوروبيين يُنادون بـ “التخلّص من المهاجرين” و”وقف زحفهم إلى أوروبا”، بالإضافة إلى الحديث عن “احتماليّات أن يكونوا مرتبطين بتنظيمات إرهابيّة كتنظيم الدولة الإسلاميّة وذهبوا إلى أوروبا لتنفيذ عمليّات ضدّها”. هذا عدا عن تصريحات للمسؤولين، ملأت الصحف أيضاً، تصف المهاجرين بالصراصير.

وهذه ليست الموجة الأولى هذا العام. فقد حاول أكثر من 300 ألف لاجئ العبور إلى أوروبا، قُتل منهم غرقاً أكثر من 2500 هذا العام، مقارنةً بـ250 ألفاً عبروا قُتل بينهم 3500 العام 2014 الماضي. الأسبوع الماضي، كان حديث وسائل الإعلام، خاصةً الإنكليزيّة منها، يتركّز على التعابير المستخدمة في توصيف اللاجئين. فصوّبت “الجزيرة” و”الاندبنت” و”الغارديان” وغيرها التعابير، مشيرةً إلى أنّ توصيف “مهاجرين” لا يُعبّر عنهم، فهم لاجئون يبحثون عن مأوى ويهربون من الموت، وليسوا أشخاصاً يطلبون تحسينات لأوضاعهم المعيشيّة لوصفهم بالمهاجرين، كما أنّهم ليسوا طالبي اللجوء السياسي.

هذا الأسبوع، تحديداً مع بروز صورة الطفل السوري الغريق، عيلان عبدالله، على شواطئ بودروم التركيّة، بينما كانت عائلته تُحاول الوصول إلى اليونان عبر البحر، في “رحلة الموت”، تغيّرت النبرة. أعاد الإعلام تموضعه، فانتشرت الصورة على أغلفة الصحف أمس، ليُظهر تعاطفاً إنسانياً غير مسبوق، ويدعو المسؤولين السياسيين إلى إعادة النظر بتصريحاتهم ومواقفهم من اللجوء.

صحيفة the National السكوتلندية عنونت “الحقيقة: لماذا على أوروبا التحرك الآن”. بينما كتبت “الغارديان”: “الحقيقة القاسية والصادمة عن مأساة اللاجئين في أوروبا”. وكتبت “ذا تايمز” اللندنية: “أوروبا منقسمة”. وقالت “إيرلندا المستقلة”: “صورة الطفل الغريق… الرمز المريع لمأساة اللاجئين في أوروبا”. ونشرت “وول ستريت جورنال” الصورة مع تعليق عن “الرعب في تركيا”. وعنونت صحيفة “نيويورك دايلي نيوز”: “البحر الميت”. وكتبت “دايلي ميرور”: “ما لا يمكن تحمّله”. وكتبت “دايلي مايل”: “ضحية صغيرة لكارثة بشريّة”. بينما نشرت “ذا صن” صورة طفل ولد في هنغاريا منذ يومين إلى جانب صورة الطفل الغريق، وكتبت “مسألة حياة أو موت”.

وكان الغلاف الأقوى لصحيفة “الاندبندنت”، التي عنونت: “طفل أحدهم”، مع فقرة صغيرة على غلافها كتبت فيها: “مأساة الباحثين عن مأمن في أوروبا ترتفع. ضحايا الأمس كان بينهم هذا الطفل السوري، بينما كانت عائلته تحاول الوصول إلى اليونان. الاتحاد الأوروبي أمام طريق مسدود، دايفيد كاميرون يعيش حالة النكران، والكارثة البشرية تكبر. هل لا زلنا نعتقد أنّ هذه ليست مشكلتنا؟”.

واختفت الصورة أو الأخبار عن اللاجئين عن أغلفة الصحف الفرنسيّة، إلا أنّها تابعت الموضوع بكثافة أيضاً في صفحاتها وعلى مواقعها. وركّزت أغلب الصحف كـ”لو فيغارو” و”لو موند” و”ليبراسيون” وغيرها على تأثير الصورة الصادمة على الرأي العام الذي تحرّك بشكل كبير ليُدافع عن اللاجئين.

كان الإعلام العالمي يستيقظ أمس. كان يرى أنّ “عليه مسؤوليّة يجب أن يتحمّلها”. فكان عيلان عبدالله (ايلان الكردي) بالنسبة للإعلام بمثابة “تكفير عن الذنوب” بحقّ أطفال سورية جميعاً.

 

 

 

عار الموت السوري/ بشير البكر

تحركت أوروبا، أخيراً، من أجل تنظيم عملية استقبال اللاجئين السوريين الذين يتدفقون عبر الممر التركي نحو اليونان فمقدونيا والمجر وألمانيا والنمسا. ولاحظ العالم أن الاتحاد الأوروبي غيّر أساليبه وخطابه حيال اللاجئين، من عدم الاكتراث والصد والاستعداد لقصف القوارب التي تحمل لاجئين باتجاه الضفة الشمالية للبحر المتوسط، إلى نقيض ذلك تماماً. وقادت الانقلاب ألمانيا التي اعتمدت مقاربة إنسانية، تجلت في السماح للاجئين السوريين بالوصول إلى أراضيها، وتطوعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، لقيادة حملة على جبهتين، داخلية وأوروبية. ونشطت في وسائل الإعلام لعرض مأساة اللاجئين، والدفاع عن كرامتهم الإنسانية وحقوقهم في ملاذ آمن، وواجب المجتمع الدولي في تأمين ذلك. ولهذا، كان خطابها الرئيسي موجها إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الذي تعاطى مع المسألة السورية بخفة ومصلحية وفوقية، منذ اليوم الأول للثورة السورية، وعلى الرغم من محاولات التميز من بعض البلدان، فإن الموقف الجماعي لم يتسم بالجدية، وبقي ذيليا يسير خلف الولايات المتحدة.

ما كان لأوروبا أن تغيّر موقفها وخطابها، لو لم تقع جريمة شاحنة العار، في 28 من الشهر الماضي، والتي راح ضحيتها 71 شخصا، قضوا اختناقا في جوف شاحنة، قامت بتهريبهم من هنغاريا إلى النمسا، وقد تركهم المهربون يختنقون وفرّوا. وكان للجريمة المروعة صداها في وسائل الإعلام الألمانية التي أثرت على نظيراتها الأوروبية بسرعة، لكن رد الفعل الأقوى هو التقاط المستشارة ميركل الرسالة التي تتمثل في أن رائحة الموت السوري سوف تملأ سماء أوروبا، إن لم يتم التحرك لوقف مغامرات الموت التي يندفع نحوها السوريون خياراً وحيداً وأخيراً. ويبدو أن فتح الطريق عبر تركيا كان له أثر أكبر من كل الطرقات الأخرى، فلم تنفع عمليات الموت غرقاً في البحر المتوسط في تحريك الأوروبيين، بالقدر الذي فعلته الرائحة التي تسربت من الشاحنة.

لم يحرّك الموت السوري الجماعي على الأرض السورية، بواسطة براميل بشار الأسد، الموقف الأوروبي على الرغم من المأساة، في حين أن وصول رائحة الموت إلى الأرض الأوروبية كان له فعل مختلف، لكنه يمكن أن يكون وقتيا ومسكنا، في حين أن المطلوب منه أن يكون ذا مفعول سياسي. صحيح أن السوريين الذين يهربون من الموت يطمحون إلى ملاذ آمن، لكنهم لا يهاجرون نحو العالم، ليتركوا سورية للأسد وداعميه الإيرانيين الذي يعملون علانية على تهجير السوريين، كما هو حاصل في الزبداني والغوطة الشرقية، حيث يفاوض الإيرانيون مباشرة مع حركة “أحرار الشام”، من أجل تهجير سكان هذه المناطق لتوطين موالين لإيران من الطائفة الشيعية.

يعود جانب من التحرك الأوروبي الراهن إلى احتواء موجات اللاجئين السوريين، المقرر أن تزداد زخما، إلى إدراك أوروبا مسؤوليتها عن السبب في وقوع هذه المأساة، فلو أن المجتمع الدولي تحرك، منذ قيام الثورة، لمساعدة السوريين على وجه سليم، لما كان الموقف وصل إلى هذا المستوى من الانهيار، ولكانت الفاتورة أقل وطأة على الجميع. وإذ يتحرك الأوروبيون، اليوم، بعد دمار القسم الأكبر من سورية، وتهجير شعبها في الداخل والخارج ومقتل أكثر من ربع مليون، فإن تحركهم هذا ليس عادياً، بل هو حدث مهم، ويمكن البناء عليه من أجل المساعدة على حل لبقية السوريين الذين لا يزالون يعيشون في بلدهم، ذلك أن نزوح أعداد كبيرة إلى الخارج لا يعني إقفال ملف النزاع في الداخل، بل إن القتال الأهلي مرشح أكثر لأن ترتفع وتيرته، وكلما طال أمده زادت آثاره الكارثية على أوروبا التي لن تستطيع تحمل تبعاته، الأمر الذي يدفعها إلى وضع ثقلها من أجل حل للسوريين، حتى لو كان إيجاد منطقة آمنة في الصحراء.

 

 

 

 

السوريون في أوروبا وأصل نزوحهم/ وليد شقير

هل تعجل أزمة النازحين التي غرقت فيها أوروبا بالبحث الجدي هذه المرة عن حل سياسي للأزمة السورية؟ وهل تدفع هذه الأزمة المجتمع الدولي إلى الضغط على الفرقاء الحقيقيين الذين يحولون دون الحل والذين أفشلوا المحاولات التي بذلت في جنيف 1 و2 وقبلهما في مبادرات الجامعة العربية وعبر الموفد الدولي الأول كوفي أنان ثم الموفد الثاني الأخضر الإبراهيمي، والآن ستيفان دي ميستورا الذي يحضّر صيغة مركبة لجنيف 3؟

قبل سنتين قال خبراء أميركيون في شؤون المنطقة وسورية بالتحديد، إن ما سمي «التردد» الذي اتصفت به سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما سيصطدم باثنتين من نتائج إطالة الحرب الدائرة في سورية: تدفق النازحين هرباً من أتون البراميل المتفجرة والمجازر والتطهير التي يرتكبها نظام بشار الأسد وتأثيرها في أمن أوروبا، وتصاعد دور المنظمات الإرهابية والمتطرفة في هذه الحرب بحيث أنها ستدق جرس الإنذار في واشنطن مخافة أن يصل الإرهاب إليها بعد أوروبا. وهذان التوقعان حصلا من دون تغيير سياسة أوباما. بل إن الأحداث تجاوزت توقعات الخبراء الأميركيين هؤلاء بظهور تنظيم «داعش» الذي ضاعف عمليات التهجير وارتكاب الفظاعات التي بدأها النظام السوري ومارسها حلفاؤه، لا سيما إيران و «حزب الله» في الميدان من دون أي حرج، منذ عام 2013. إذ إن «داعش» استهدف الأقليات إضافة إلى السنّة في سورية والعراق، إلى درجة أن بشار الأسد أخذ يستفيد من انتشار «داعش» لاستدراج دول الغرب إلى التعاون معه، وبالتالي الاعتراف بشرعيته، لمواجهة الإرهاب. بل إن الحلقة الضيقة المحيطة بالأسد تأمل بالانفتاح الغربي والأميركي عليه أكثر من مراهنته على دعم إيران وروسيا له حتى النهاية، لاعتقاد هذه الحلقة أن موسكو وطهران لن تتأخرا في التخلي عنه، إذا أمّنتا مصالحهما بتسوية ما على تقاسم النفوذ الإقليمي، لمصلحة مرحلة انتقالية تحفظ لهما دورهما في إدارة بلاد الشام أو على الأقل جزء منها، إذا كان لا بد من توزع النفوذ الجغرافي والديموغرافي بين المناطق التي رسمت حدودها الحرب.

لكن مشكلة اللاجئين التي هزّت أوروبا في الأسبوعين الماضين فاقت كل تصور. وعلى رغم أن النازحين الهاربين إلى دولها يشملون عراقيين وأفغاناً وأفارقة… فإن الأكثرية العظمى هي من السوريين. أيقظت الأزمة مشاعر إنسانية داخل المجتمعات كما أظهرت ردود الفعل على صورة ابن الثلاث سنوات الذي لفظ البحر جثته بعد غرقه فيما كان هارباً مع عائلته من كوباني السورية، أنه بقدر ما حرّكت النزعات العنصرية ضد العرب والمسلمين، هددت الأزمة بتعميق البطالة في الدول التي يعاني اقتصادها من الركود، وأظهرت عجز الدول الأوروبية عن التنسيق في التصدي للمشكلة. وطرحت تعديل قوانين حرية التنقل بين دول الاتحاد تارة من أجل التشدد فيها، وأخرى بهدف تنظيم تطبيقها نظراً إلى صعوبة العودة عن هذا المبدأ. وأطلقت نقاشاً داخل كل دولة، لا سيما الكبرى منها، على وجوب تقاسمها عبء النزوح مع دول الشرق الأوسط وطرق استيعاب النازحين اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

إلا أن القضية الجوهرية تبقى دور أوروبا في حل المشكلة الأساس، أي وقف الحرب التي تصدّر هؤلاء النازحين. وهو أمر لا يقع على عاتقها وحدها طالما أن المجتمع الدولي ما زال منقسماً بين تحالفات دولية متناقضة الأهداف أو مجهضة الوسائل. فهناك التحالف الدولي بين أصدقاء الشعب السوري المناهض للنظام، الذي أجهض المعارضة المعتدلة منذ عام 2012 بسبب سياسات واشنطن. وهو انطلق بـ 70 دولة رداً على الفيتوين الروسي والصيني في مجلس الأمن ضد تحميل النظام تبعات الأزمة والعنف، وانتهى بـ 10 دول. وهناك التحالف الدولي ضد «داعش» في العراق وسورية، من دون موسكو وطهران اللتين تشترطان التعاون مع الأسد ضد الإرهاب، والذي تأخرت تركيا في تفعيل دورها فيه. وفي المقابل تسعى موسكو إلى تحالف ضد الإرهاب تشترك فيه هي وطهران ونظام الأسد لتعويم الأخير. وهناك التحالف الدولي حول اليمن الذي يتصل بالأزمة السورية من زاوية انغماس طهران في التدخل بالأزمتين. ويختصر تعدد التحالفات الدولية هذه تشتت الجهد الدولي في التعاطي مع انفجار الصراعات الإقليمية، وسورية مسرحها الرئيس. وتزداد وطأة هذا التشتت إذا أضفنا التحالف الدولي حول أوكرانيا بمواجهة روسيا.

وفيما يسابق التصعيد العسكري في سورية جهود الحل السياسي المزعوم، تراهن موسكو على الإفادة من وطأة تدفق المهجرين إلى أوروبا، لعل الأخيرة تتراجع عن العقوبات ضدها، رداً على تدخلها في أوكرانيا واقتطاعها القرم منها، كي تقابلها بالتنازل المطلوب في سورية. فالقيادة الروسية تشعر بأنها بمأمن عن أزمة النازحين طالما هم يتجهون إلى الغرب.

حتى في البلدان التي لجأوا إليها يُستخدم السوريون وقوداً لصراع بعيد عن بلدهم.

 

 

سيل اللاجئين يتدفق على أوروبا/ فرانسوا هيزبورغ

تجبه أوروبا اليوم تحدياً أكبر من تحديات منطقة اليورو على وقع تدفق سيل المهاجرين اللاجئين الذين يبحثون عن بر أمان هرباً من مجازر سورية واضطرابات شمال افريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي. ولا شك في ان رد الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ليس في محله وغير مناسب. وتدق مسألة الهجرة إسفيناً بين سكان الاتحاد الأوروبي وحكوماتهم، وتزرع الشقاق بين الدول الأعضاء نفسها من جهة، وبين الاتحاد الأوروبي وقيمه التأسيسية من جهة اخرى. وفرنسا – وهي بلد متوسطي وأطلسي وقاري في آن – هي في عين العاصفة. فهي موئل قوة معادية للأجانب وغير ليبيرالية تميل إلى الاستفادة من مخاوف عامة الفرنسيين من آثار الهجرة. ويمثل هذه القوة حزب «الجبهة الوطنية»، وهو أكبر الأحزاب الأوروبية المتطرفة اليمينية، وهو يستميل 25 في المئة من الناخبين. وإلى اليوم، يبدو أن باريس في حيرة من أمرها، ولم تعرف بعد السبيل الى معالجة هذه المسألة.

ومشكلة المهاجرين إلى أوروبا ضخمة وعسيرة. وبلغ أكثر من مئة ألف مركب مهاجرين الاتحاد الأوروبي في تموز (يوليو) المنصرم فحسب. ولم يجمع قادة الاتحاد على رد. ولم ينته اجتماع عقد أخيراً في برلين بين فرانسوا هولاند وأنغيلا مركيل الى قرارات او اجماع. فالانقسامات بين الدول الأعضاء تتعاظم وتبلغ مبلغاً لا يحتمل. فألمانيا تستقبل 40 في المئة من طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي في وقت تستقبل بريطانيا 4 في المئة منهم فحسب، وفرنسا أقل من 8 في المئة منهم – وهذه نسبة بالغة الانخفاض ويعتصر القلب من الألم جرّاها.

ودعت بروكسيل وبرلين إلى أن تتقاسم دول الاتحاد الأوروبي أعداد اللاجئين قسمة عادلة، ولكنها لم تجد آذاناً صاغية. وشاغل كل دولة أوروبية شؤونها الداخلية.

وأجّج الاعتداء الأخير على متن القطار السريع في تاليس بين هولندا وفرنسا المخاوف من الإرهاب العابر للحدود وسمعت أصوات خافتة تطعن في منطقة شينغن التي لا تقيّد شارات السفر العابرين فيها والمتنقلين بين دولها. وخلْط الزعماء الشعبويين بين الهجرة وسفر اللاجئين الجماعي وانتشار الإسلام والإرهاب «الجهادي» هو خلط مشحون عاطفياً لا يستهان بقوته على قدر ما هو زعم مزيف. وفي هذا السياق، تزدهر قوى مثل «الجبهة الوطنية». وشاءت الصدف ان يعصف بهذا الحزب اليميني المتطرف خلاف بين مارين لوبان، رئيسة الحزب، ووالدها جان – ماري لوبان، مؤسس الحزب، وأن يقوّض هذا الخلاف «الجبهة». ولكن في مقدور مارين لوبان وقواها الحزبية رص صفوف «الجبهة» قبل الانتخابات الفرنسية في 2017. وهذا التيار المتطرّف يجرّ السياسة الفرنسية إلى اليمين المناوئ لليبرالية وأوروبا.

وتبرز حاجة فرنسا إلى بديل متماسك عن «الجبهة الوطنية»، والاتحاد الأوروبي إلى جواب أزمة المهاجرين جواباً لا يجافي قيمه. وإلى اليوم، شطر راجح من دول الاتحاد الأوروبي لا يقدم اللجوء الإنساني إلى النازحين من الحروب، على نحو ما يقضي القانون الدولي الإنساني أو الحد الأدنى من الأخلاق. ويبدو أن العالم أقرّ بهزيمته الأخلاقية. ولكن أوروبا لا يليق بها التخلي عن قيمها. وحريّ بقادة الاتحاد الأوروبي تحمّل مسؤولياتهم الإنسانية والمسؤوليات التي يقتضيها حسن الجوار وتقاسم حمل المهاجرين، والتوجه من غير لبس إلى الناخبين وإبلاغهم ضرورة نجدة اللاجئين.

 

* عن «فاينانشال تايمز» البريطانية، 28/8/2015، إعداد منال نحاس.

 

 

 

 

هجرة السوريين نحو البحر.. وجه آخر للحرب/ وسام عبدالله

قبل سنوات، كان الحديث عن الهجرة غير الشرعية بين السوريين يتم بشكل سري. حينها كان الخوف من معرفة أسماء المهربين وطرق العبور. وخلال الأشهر الماضية أصبح الحديث في المقاهي بشكل علني، أرقام هواتف وأسماء مستعارة يتم تناقلها، وكثر أصبح لهم تواصل مع مهاجرين غير شرعيين، يقدمون لهم خبرتهم في كيفية الوصول والمبالغ المطلوبة.

يبدأ التحضير للرحلة بالاستفسار عن ثلاث مراحل أساسية: طريق الوصول إلى تركيا، العبور من تركيا إلى اليونان، وماذا بعد الوصول إلى الشاطئ؟

الانطلاق من سوريا يكون بثلاث طرق، الأول عن طريق البر بالتواصل مع مهربين هم على اتصال مع المجموعات المسلحة المتواجدة في شمال سوريا، وخاصة في ريف حلب. وهذه الطريقة كانت البداية منذ سنوات في عملية التهريب، وخطورتها هي في المجموعات المتشددة التي تتعرض للهاربين بالضرب والاهانات قبل نقلهم، بالتنسيق مع الأمن الحدودي التركي إلى داخل البلاد. وتعد منطقة حوار كلس في شمالي حلب من أهم المعابر المستخدمة في عملية التهريب والتي أصبحت تغلق في معظم الأحيان، إضافة إلى طرق التهريب من المنطقة الشرقية على الحدود مع محافظة الحسكة.

الطريقان الآخران، إما البحر أو الجو، وهو ما يتم بطريقة واضحة وعلنية. ففي العاصمة دمشق مكاتب سفريات في ساحتي المرجة والمحافظة، تقطع تذاكر للمسافرين إلى تركيا عن طريق لبنان. ندخل أحد مكاتب السفريات، ليعطينا الموظف خيار إما السفر إلى تركيا عبر الجو أو عن طريق البحر، موضحاً «تقف حافلات في شارع المعرض القديم تنقل المسافرين إلى الحدود اللبنانية، بشكل نظامي ورسمي، وحين تصل إلى بيروت، يكون حجزك عن طريق مطار بيروت الدولي في رحلة إلى تركيا، أو عن طريق باخرة تنطلق نحو الشواطئ التركية».

وبعد أن يتم تأمين الطريق من سوريا إلى تركيا، يبدأ التواصل مع المهربين في الجانب التركي. وفي اتصال هاتفي مع احد المهربين الموجود في تركيا، ويدعى «أبو يوسف»، يصف لنا الخطوات التي يجب إتباعها حين نصل إلى تركيا. ويقول «عليك في البداية التواصل مع احد الأشخاص المسؤولين عن تأمين وصولك إلى تركيا، وعند وصولك يكون في استقبالك شخص آخر يسألك عن كلمة سر نقوم بإعلامك بها قبل انطلاقك، وتدفع جزءا من المبلغ المتفق عليه والجزء الثاني تدفعه حين يتسلمك المسؤول عن سفرك نحو اليونان».

وتبدأ بعدها عروض الأسعار، حيث يقدم لنا احد المهربين عبر البحر عرضين للتهريب، الأول من اسطنبول إلى اليونان إما بقارب مطاطي بتكلفة 1300 دولار أميركي، أو يخت سياحي بتكلفة 2500 يورو، ومكان الوصول هو جزيرة كوس اليونانية. العرض الثاني من مدينة بوضروم التركية إلى جزيرة متليني اليونانية، وذلك عبر قارب مطاطي بتكلفة 1200 دولار. وقدرة استيعاب القوارب المطاطية حوالي 35 شخصاً، أما السياحية فتصل إلى 50 شخصاً.

ويتحدث «المهرب» عن طريقة الهرب عن طريق البر نحو اليونان أو بلغاريا، حيث يمكن تقديم عرض تزوير جوازات سفر بلغاريا، بتكلفة تصل إلى 20 ألف دولار، ومشكلتها هي مدتها الطويلة للعبور سيرا على الأقدام، حيث أن الوصول إلى ألمانيا من اليونان يتطلب عبور ألبانيا ومقدونيا وصربيا ثم المجر والنمسا وتليها ألمانيا، وتتراوح تكلفتها بحسب الخدمات المقدمة فيها، فهي تبدأ من ألفي دولار وتصل إلى ستة آلاف دولار. ومن الخدمات المقدمة وجود دليل يقود الرحلة لمنع وقوعهم في أيدي الشرطة.

في السابق كانت إحدى طرق الهرب لبعض السوريين هي ليبيا نحو إيطاليا. وتشير إحصاءات رسمية إلى مقتل أكثر من 10 آلاف سوري غرقاً منذ بداية الأزمة. ويقول «أبو يوسف»، المتواجد في اسطنبول، إن «طلبات التهريب في ازدياد بشكل يومي، وخاصة بعد التسهيلات التي بدأت الدول الأوروبية بتقديمها للمهاجرين». ويضيف «في البداية كان الهاربون من المناطق التي شهدت معارك، مثل ريف حلب والرقة وادلب، أما اليوم فالأمر أصبح مفتوحاً حتى لسكان المدن».

وتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى انه ومنذ بداية الشهر الماضي وصل حوالي 21 ألف مهاجر إلى اليونان، وهم من سوريا والعراق وأفغانستان. كما تشير إحصاءات، نشرتها وكالة الصحافة الفرنسية، إلى انه في الفترة التي تقع بين الأول من كانون الثاني وحتى 14 آب الماضي، وصل 160 ألف مهاجر بحراً إلى اليونان، يضاف إليهم 1716 مهاجراً وصلوا عن طريق البر، وسجل مصرع أكثر من 2400 مهاجر خلال محاولتهم الهرب نحو أوروبا.

وأشارت الحكومة السورية في جلستها الأخيرة إلى ضرورة معالجة موضوع الهجرة غير الشرعية وملاحقة المهربين ومعرفة أسبابها. يذكر أن الإدارة العامة للهجرة والجوازات السورية كشفت في إحصائية بأنه منذ بداية العام 2015 بلغ عدد الطلبات للحصول على جواز سفر من داخل سوريا وخارجها، حوالي مليون طلب، 200 ألف منها للنساء و40 ألفاً للأطفال. وكان سكان مدينة دمشق وريفها من أكثر المتقدمين، حيث سجل تقديم 360 ألف طلب منذ بداية العام الحالي.

 

 

 

برلين أقرب للاجئين العرب من مكة؟

رأي القدس

تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي قولاً نسبوه إلى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تقول فيه «غداً سنخبر أطفالنا أن اللاجئين السوريين هربوا من بلادهم إلى بلادنا، وكانت مكة أقرب إليهم».

رغم كونه تصريحاً ملفّقا فإن من اخترعه لامس عصباً مكشوفاً لدى الجمهور العربي والإسلامي، وبلّغ عن أمر واضح في انكشافه وتجلّيه، فما نراه اليوم هو أن مئات آلاف اللاجئين السوريين (وغير السوريين) يقطعون بأرواحهم (لا بأجسامهم فحسب) الخطّ الجغرافي الفاصل بين حضارتين، متحشدين على أبواب بودابست وفيينا وبرلين وستوكهولم وكاليه، بينما لا نجد المشهد ذاته على حدود المملكة العربية السعودية أو دول الخليج العربي، وهي دول غنيّة وواسعة، والأهم من كل ذلك إنها الأقرب جغرافياً ودينياً إلى اللاجئين، فما هو السبب الحقيقي لذلك؟

مع بداية الثورة السورية (وقبلها الأزمة العراقية) استقبلت بعض دول الخليج اللاجئين من فئة «خمس نجوم»، كما فتحت الباب لبعض رجال الأعمال وأصحاب المهن العليا كالأطباء والمهندسين والصحافيين، لكنها أقفلت حدودها بصرامة على النوع الذي نقصده من اللاجئين الحقيقيين، كما لو كانت تخشى من انتقال جرثومة الثورة أو الفوضى إليها، بل إن بعضها سارع إلى تمويل وتسليح الثورات المضادة.

تتحمّل السعودية، كونها أكبر دول الخليج، مسؤولية أكبر من شقيقاتها، وهو أمر لا يتعلّق بحجمها الكبير وغناها، بل يتعلّق أكثر بالمحمول الإسلامي الرمزيّ الكبير الذي تحمله، وهو محمول باهظ يفيض عن إمكاناتها ويجعلها دائماً عرضة للانتقادات والهجمات التي تعتبرها مسؤولة عن الإرهاب في العالم، أو مسؤولة عن إنقاذ العالم الإسلامي من أزماته، وكلتاهما، أي الهجمات والآمال، تتعلّقان بمركز السعودية الجغرافي – السياسي أكثر مما تمتّان للواقع بصلة، فالإرهاب لا يتعلّق، كما يقترح توماس فريدمان، في دفاعه الحارّ عن إيران مؤخرا، بالعقيدة الوهابية، بل يتعلّق بالواقع العربيّ الكالح الذي يسدّ الآفاق أمام البشر فلا يعود لديهم سوى خيارين: الموت انتحاراً تحت أي راية كانت، حمراء أو سوداء أو صفراء، أو الهجرة بحثاً عن أمل في مكان يؤمّن مستقبل أطفالهم وكرامتهم.

غير أن تمنّع دول الخليج العربي، بالمجمل، عن استقبال اللاجئين، يكشف عن إشكالات كبيرة تعاني منها هذه الدول، فإقفالها أبوابها بوجه اللاجئين تعبير عن البنية الاجتماعية التي تقسم البشر إلى مواطنين وأجانب، ثم تقسمهم إلى جنسيّات تتدرّج من الأعلى للأدنى، وهي بنية تتنافى مع علاقات الاجتماع البشري الحديثة، بل إنها تتنافى مع الموروث والتاريخ الإسلامي نفسه، الذي ابتدأ بهجرة الرسول إلى المدينة المنورة، ومكّن شوكة الإسلام بالأخوة التي قامت بين المهاجرين والأنصار.

فتح الباب للاجئين، بهذا المعنى، هو علاج لاستعصاء في منظومتي السياسة والأخلاق الخليجيتين، وهي، في الوقت نفسه، عودة إلى فطرة الإسلام الأولى التي قامت على الهجرة والالتقاء الإنساني.

تكشف صورة الطفل السوري الغريق على شواطئ تركيا، التي تحوّلت فجأة إلى أيقونة تلخّص معاناة المهاجرين، فضيحة عربية تتفوق كثيرا في حجمها على الفضيحة العالمية، وهو بإدارة ظهره للعالم، وبحذائه المطاطي، وصغر حجمه، يحاسب كبار العرب، قبل الأوروبيين، على ما فعلوه به.

أمّا أهل النظام السوري الذين شمتوا بأهل الطفل «لأنهم أرادوا الحرية فنالوا ما يستحقون»، ولأن «بوط أصغر عسكري في الجيش العربي السوري أهم من طفل ميت»، وحتى تماسيحه التي تباكت على الغريق الصغير ولامت أوروبا «على سوء معاملتها للسوريين»، فهم أشكال للكلبية والانحطاط والوحشية، لا يمكن فهم مدى تغوّلها واحتقارها للبشر إلا بمقارنتها مع أسس المدنية والحضارة والإنسانية التي تدفع متظاهرين أوروبيين بالآلاف لرفع رايات «أهلا بالمهاجرين» للضغط على ساستهم لقبول أعداد أكبر من اللاجئين.

رأي القدس

 

 

 

 

 

موسم الهجرة.. سوريّون يعبرون تركيا إلى أوروبا/ إسطنبول ــ عدنان علي

تعمد الشرطة التركية إلى تفتيش السيارات التي تدخل إزمير لمنع اللاجئين من بلوغها، بالتزامن مع حملة على المهرّبين الذين ينقلونهم إلى اليونان.

في مدينة أزمير التركيّة، يتجمّع عشرات آلاف السوريين استعداداً لركوب قوارب صغيرة تقلّهم إلى إحدى الجزر اليونانية القريبة من الساحل التركي، المحطة الثانية من رحلتهم المحفوفة بالمخاطر، لبلوغ إحدى الدول الأوروبية حيث الحلم بحياة آمنة ومستقرة.

تشير المعطيات إلى أن خمسين ألف شخص وصلوا إلى اليونان في شهر يوليو/تموز المنصرم جلّهم من السوريّين، بالإضافة إلى آخرين من العراق وأفغانستان على سبيل المثال لا الحصر. وتعجّ فنادق إزمير بآلاف طالبي اللجوء، بالإضافة إلى آلاف آخرين يفترشون الحدائق العامة والشوارع الخلفية في المدينة. وكانت السلطات قد اتخذت هناك إجراءات للحدّ من دخولهم إلى المدينة ونفّذت عمليات مداهمة لبعض الفنادق ورحّلت المئات إلى مخيّم على الحدود التركية السورية، بالرغم من أن بعضهم يحمل بطاقة تعريف أو “كمليك”.

وكان محافظ مدينة إزمير مصطفى طوبراك قد أصدر قراراً بمنع دخول السوريين إلى المدينة بعدما ارتفعت أعداد اللاجئين السوريين فيها إلى 500 ألف وفق تقديرات غير رسمية (70 ألف مسجّل رسمياً). وقال إن السلطات التركية لن تتساهل في معاقبة كل من تسوّل له نفسه التفكير في الهروب إلى أوروبا وجزر اليونان ويحاول الهجرة غير الشرعية عبر الأراضي التركية. لكن بعض اللاجئين الذين تواصلت معهم “العربي الجديد”، يوضحون عدم وجود تدقيق كبير بدخول السوريين إلى المدينة. يقول عبد الرحمن الذي توجّه مع رفيق له إلى إزمير من مدينة تركية أخرى، “حضرنا بواسطة حافلة ركاب عادية ولم يعترضنا أحد. وقد تواصلنا مع المهرّب الذي أمننا في فندق ونقلنا مساءً إلى نقطة تجمّع بالقرب من البحر، في انتظار أن تتاح لنا فرصة الإبحار إلى إحدى الجزر اليونانية”.

من جهتها، تقول منار وهي لاجئة فلسطينية حضرت مع أولادها الصغار وشقيقها، أنها وصلت من دمشق قبل يومين وقد دفعت ألف دولار أميركي عن كل شخص بالغ للمهرّب الذي أدخلهم إلى تركيا، وذلك بعدما “بدأت سلطات النظام السوري أخيراً بالتشديد على سفر الفلسطينيين، في خطوة هدفها الابتزاز المالي فقط”. وبعد دخولهم إلى تركيا، نقلتهم حافلة إلى إزمير، وهناك تواصلوا مع مهرّب نقلهم إلى منطقة بين الغابات قريبة من البحر، في انتظار الفرصة المناسبة للمغادرة.

أما محمود الذي حضر مع أسرته من مدينة حلب قبل فترة وينوي اليوم الهجرة إلى أوروبا، فيقول إنه أوصل زوجته وابنته الصغيرة إلى إزمير وعاد إلى إسطنبول، في انتظار أن تقوم زوجته لاحقاً بلمّ شمل. يخبر أنه لاحظ “وجوداً لافتاً للشرطة التركية في المدينة، وأحياناً يتمّ التدقيق بكل ما يثير الانتباه. لكن وبما أن أوراقي قانونية وأملك إقامة (كيملك)، هم لا يستطيعون اتخاذ أي إجراء بحقّي”.

ويوضح مدير دائرة الهجرة التركية أتيلا طوروس أن “نحو مليونَي سوري مسجلون في 81 محافظة تركية، في حين لقي ما بين 22 ألفاً و25 ألفاً مصرعهم في أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا عبر المناطق الساحلية في تركيا من بحر إيجة والبحر المتوسط”.

أبو أحمد واحد من المهرّبين، يقول لـ “العربي الجديد” إن ثمة عدة طرق للوصول بحراً إلى الجزر اليونانية، أولاها وأكثرها شيوعاً هي عبر “البلم” وهو قارب مطاطي صغير يتسع عادة لنحو عشرة أشخاص، إلا أن أكثر من 30 شخصاً يُحشَرون فيه. وهو الأمر الذي يعرّضه لمخاطر كبيرة، لا سيما الغرق أو تعطل محركه. وهو معرّض للانقلاب نتيجة التدافع خلال مطاردته من قبل الشرطة التركية أو اليونانية.

يضيف أبو أحمد أن “البلم” هو الأرخص ثمناً، إذ إن البدل لقاء نقل شخص كبير هو 1250 دولاراً ونصف القيمة لمن هم دون العاشرة ومجاناً لمن هم دون السنتين. أما الطريقة الأخرى التي يلجأ إليها متوسطو الحال وكذلك الذين يخافون من مخاطر “البلم”، فهي المركب الخشبي الذي يتسع في الأحوال العادية لنحو عشرين شخصاً، لكن أكثر من 40 شخصاً يكدَّسون فيه وأحياناً 60 شخصاً. أما التكلفة، فتتراوح ما بين 2200 و2500 دولار.

ويتابع أبو أحمد أن الطريقة الثالثة هي عبر اليخت السياحي، ويلجأ إليها قلة من الناس لأنها مكلفة كثيراً وتصل كلفتها إلى 3500 دولار للشخص الواحد. لكن هذه الطريقة مريحة، إذ ينقل فقط خمسة أشخاص من بينهم نساء يظهرن على سطح اليخت بلباس صيفي على أنهن سائحات. وينطلق هذا المركب نهاراً بطريقة نظامية من الساحل، ويتجوّل ساعات عدة في عرض البحر، حتى يتسنى له العبور إلى المياه الإقليمية اليونانية. وهناك، يقترب من الساحل اليوناني بشكل طبيعي وينزل ركابه على الشاطئ ويعود إلى تركيا، بينما يسلم ركابه أنفسهم إلى الشرطة اليونانية للحصول على ورقة الطرد المسماة “الخارطية”.

في المحطة اليونانية وبعد استلام “الخارطية”، يتوجّه اللاجئون بحراً إلى العاصمة أثينا ويقيمون في أحد الفنادق الرخيصة، ريثما يتسنى لهم ترتيب الخطوة التالية في رحلتهم وهي الانتقال إلى العمق الأوروبي. بعضهم (الأقليّة) يختار السفر جواً عبر جواز سفر أوروبي مزوّر بتكلفة تتراوح ما بين 4500 و5600 دولار. ويتولى المهرب ترتيب العملية وتكرار المحاولة في حال فشلت، بعدما يقوم بتعديل مظهر “الزبون”، بما يتلاءم مع مواصفات صاحب الجواز الأصلي. وغالباً ما تبوء هذه المحاولات بالفشل في المرات الأولى، فتصادر السلطات جواز السفر المزوّر وتترك صاحبه، ليحاول مرّة أخرى. وأحياناً يقولون له: “حظاً طيباً في المرة المقبلة”.

إلى ذلك، ثمّة طريق غير معتمد كثيراً، باتجاه إيطاليا بحراً. وفرص نجاح اجتيازه منخفضة مثل فرص الانتقال جواً، لأن السلطات غالباً ما تكتشف الجواز الأوروبي المزور أو الهوية المزورة.

أما الطريق الأكثر اعتماداً خلال الشهرين الأخيرين والأخف تكلفة، فهو ذلك البري. وتنتقل مجموعات كبيرة براً إلى الحدود المقدونية ومنها إلى صربيا ثم هنغاريا وبعدها النمسا أو ألمانيا. وتتراوح التكلفة هنا ما بين 1500 و2000 دولار أو أكثر أحياناً، تبعاً للمسافة التي يتوجّب اجتيازها سيراً على الأقدام عند التنقّل ما بين الدول المذكورة، أو طول مدّة المكوث وما يتخلل ذلك من نفقات إضافية خاصة بالنوم في الفنادق والطعام.

160 ألف مهاجر بحراً

تفيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،  بأن 160 ألف مهاجر وصلوا بحراً إلى اليونان، ما بين الأول من يناير/كانون الثاني و14 أغسطس/آب 2015. يضاف إلى هؤلاء 1716 مهاجراً وصلوا عن طريق البرّ. وخلال الفترة الزمنيّة نفسها، لقي أكثر من 2400 مهاجر مصرعهم خلال محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا.

 

 

 

تهريب اللاجئين تجارة تفوق المخدرات والأسلحة

عبد الاله مجيد

مليارات الدولارات تجنيها عصابات الإتجار بالبشر

يبيّن توافد آلاف اللاجئين والمهاجرين من أفغانستان والشرق الأوسط وأفريقيا على دول الاتحاد الأوروبي عبر البلقان أن تجارة تهريب البشر شهدت رواجًا واسعًا، وهي الآن أكبر من تجارة المخدرات والتجارة بالسلاح الممنوع، كما يؤكد مسؤولون أمنيون أوروبيون.

عبدالإله مجيد: قال الكولونيل غيرالد تاتسغيرن، رئيس شرطة مكافحة المتاجرة بالبشر في النمسا، إن هناك في اليونان وحدها نحو 200 عصابة لتهريب اللاجئين والمهاجرين.

وأعلنت وزيرة الداخلية النمساوية يوهانا منكل لايتنر أن تهريب اللاجئين تجارة قيمتها مليارات الدولارات، مشيرة إلى انتشار هذه التجارة في عموم المنطقة، وخاصة في بلدان مثل بلغاريا والمجر ومقدونيا ورومانيا وصربيا.

مندوبون جوالون

يتبدى وجود هذه العصابات في محطة كيليتي للقطارات في العاصمة المجرية بودابست، حيث منعت السلطات آلاف اللاجئين من الوصول إلى الغرب. إذ يطوف أفراد عصابات التهريب بين اللاجئين، عارضين عليهم بالهمس نقلهم إلى النمسا مقابل مئات الدولارات.

لكن اللاجئين ما زالوا يتذكرون موت 71 مهاجرًا قضوا اختناقًا بعدما تركهم المهرّبون على أحد الطرق في النمسا. وفي حادث آخر، أنقذت الشرطة 24 أفغانيًا من داخل شاحنة مغلقة بعد مطاردة في شوارع فيينا. وقالت الوزيرة منكل لايتنر إن ساعة كانت تفصل بينهم وبين الموت.

ويقدر روب وينرايت رئيس الشرطة الأوروبية “يوروبول” أن نحو 30 ألف شخص ضالعون في عصابات تهريب البشر، وأن يوروبول فتحت هذا العام وحده ملفات 1400 قضية تتعلق بتهريب البشر.

من المخدرات إلى البشر

وقال مسؤولون أوروبيون إن شاحنات خفيفة كانت تُستخدم سابقًا لتهريب السجائر أصبحت تُستخدم الآن لتهريب بضاعة أكثر هشاشة وقابلة للكسر هي البشر. ويستطيع اللاجئ أو المهاجر أن يختار من بين قائمة من الخدمات على مواقع التواصل الاجتماعي، من مقعد غير مريح على قارب مطاطي، وجهته اليونان، إلى طائرات خاصة من النمط الذي يستخدمه رجال الأعمال، تنقل من يدفع المبلغ المطلوب إلى السويد مباشرة.

وأوضح روبرت تشربيكو رئيس مكافحة الجريمة المنظمة في يوروبول أن هناك عددًا متزايدًا من الشبكات التي كانت تهرّب المخدرات، لكنها تحوّلت إلى تهريب البشر. أضاف “إن عدد النشاطات الإجرامية يتزايد بسرعة طردية مع عدد المهاجرين غير الشرعيين”.

ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن باتريك إنغستروم، رئيس قسم حماية الحدود في الشرطة السويدية، إن تجارة تهريب البشر بوصفها نشاطًا إجراميًا عالميًا “تجارة مربحة جدًا”. وأصبحت السويد إلى جانب ألمانيا وجهة اللاجئين الرئيسة في أوروبا، بعدما أعلنت إستوكهولم أن اللاجئين السوريين سيُمنحون إقامة دائمة وحق إعادة توطين عائلاتهم داخل الحدود السويدية.

خداع 5 نجوم

وبحسب إنغستروم، فإن شرطة حماية الحدود السويدية كشفت مخططات للوصول إلى السويد بطرق بسيطة، مثل عبور مركبة استجمامية على أحد الجسور، وطرقًا معقدة مثل استئجار طائرة خاصة أقلعت من تركيا، حيث تقاضت العصابة التي استأجرتها نحو 10 آلاف دولار من كل مسافر سوري مقابل رحلة خمس نجوم كهذه.

يعكس تنوع الأساليب تباين الأوضاع التي يهرّب منها طالبو اللجوء. فالنزاع السوري، الذي دخل عامه الخامس، دمّر حياة الكثير من عائلات الطبقة الوسطى، التي كانت في الغالب ستبقى قرب سوريا سنوات، معتمدة على مدخراتها، على أمل العودة قبل أن تيأس، وتتجه صوب أوروبا.

وقال مسؤولون أمنيون أوروبيون إن لكل خدمة ثمنها، من مئات الدولارات مقابل رحلة بحرية خطيرة تحت سطح قارب عتيق عبر البحر المتوسط إلى آلاف الدولارات مقابل رحلة أطول وأكثر تعقيدًا، لكنها مضمونة ومريحة. وفي عصر الهاتف الذكي، تتوافر خدمات التهريب باللغة العربية على فايسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي. كما يتواصل المهاجرون مع بعضهم البعض خلال الرحلة مستخدمين أدوات كتابة الرسائل، مثل واتس آب، للتحذير من الأماكن التي تكون قوات الشرطة منتشرة فيها بكثافة.

ترويج عبر الانترنت

تكون الرحلة بقارب ومشيًا على الأقدام، وبالقطار والحافلة لقطع أكثر من 1600 كلم وصولًا إلى ألمانيا من نقطة الانطلاق في تركيا، بحسب مسؤولين أوروبيين. وتقدر السلطات أن 90 في المئة من اللاجئين يدفعون إلى عصابات التهريب لترتيب الرحلة أو على الأقل مرحلة مهمة منها.

وقالت إيزابيلا كوبر المتحدثة باسم وكالة حماية الحدود الأوروبية “فرونتكس” إن المهرّبين في تركيا يتقنون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ويتوجهون إلى جمهور محدد.  ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن كوبر قولها “بالإمكان رؤية ما هو متاح من خدمات على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تُعرض مواعيد محددة وأنواع محددة من وسائل النقل”.

وحتى الآونة الأخيرة كانت غالبية عمليات التهريب إلى أوروبا تجري بحرًا عبر المتوسط من شمال أفريقيا، ثم انتقل تدفق اللاجئين إلى منطقة البلقان على طرق كانت المتاجرون بالبشر يستخدمونها منذ فترة، ولكن ليس بالأعداد الحالية. وانتقل الزخم إلى منطقة البلقان، بعد العديد من الحوادث المأساوية في عرض البحر، التي نالت تغطية واسعة في وسائل الإعلام، سلطت الضوء على مخاطر هذا الطريق.

 

 

 

صورتان من سوريا وفيتنام/ مشاري الذايدي

هل تكون صورة الطفل السوري (3 سنوات) إيلان عبد الله كردي، وهو غريق على الشاطئ التركي، موقظة للعالم؟

طفل من بلدة كوباني السورية، ذات الغالبية الكردية، هرب هو ووالده وأمه وشقيقه الصغير، على قوارب التهريب، طمعا في الوصول لبر الأمان الأوروبي، فلقي الطفل وشقيقه غالب وأمه ريحان الموت، بعدما هرب صاحب القارب وتركهم لوحوش الماء.

صورة الطفل بقميصه الأحمر، وهو منكفئ على وجهه الغض، وزبد الموج القاتل يغمر وجنتيه الرقيقتين المنغمستين في ملوحة الشاطئ، تهز كل إنسان، وتعقد كل لسان.

فجأة صار مشهد الطفل السوري إيلان ملخصا للكارثة السورية، فمثل إيلان، الملايين من الهاربين السوريين، بكل البراري والبحار.

اهتزت أوروبا، والغرب، لصورة إيلان، وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لقد تأثرت كثيرا للصورة، لأنني أولا أشعر بمشاعر الأب.

قال ذلك ودول أوروبا كلها تعيش أزمة حادة بسبب تدفق مئات الآلاف من السوريين هربا من جحيم الأسد ونيران «داعش».

من يدري، ربما تعيد صدمة الطفل إيلان، للعقل، وقبله الضمير العالمي، رعشة حياة وهبة عمل، لحل «حقيقي» للكارثة السورية، إن لم يكن ذلك بسبب الحرج الأخلاقي، والدافع الإنساني، فعلى الأقل بسبب تبعات إهمال الكارثة السورية، ومن تلك التبعات «العالمية» ظهور «داعش» السوداء، وحش القرن الحالي، وانثيال أمواج الهجرة البشرية السورية إلى أوروبا.

الصورة تغني أحيانا عن الكثير من الكلام، تؤثر في مجرى الأمور الكبرى، ومن ذلك الصورة الشهيرة للطفلة الفيتنامية (كيم فوك) وهي تجري وتصرخ عارية من لهب قنابل النابالم الأميركية، قبل أربعين عاما، وهي الصورة التي اعتبرت من أشهر صور الحرب. وكانت سببا في تكوين رأي عام ضاغط لإنهاء الحرب الفيتنامية.

مأساة سوريا معروفة، وتزيد كل يوم كارثية على العالم كله.

تحقيق الأمم المتحدة حول المأساة مؤخرا انتقد ما وصفه بـ«إخفاق العالم» في حماية اللاجئين السوريين. فهذه الحرب أجبرت 4 ملايين من السوريين على الفرار للخارج، و7.6 مليون للنزوح داخل سوريا.

التقرير يقول إن أوروبا استقبلت 250 ألف طلب لجوء سوري، لكن دول الجوار العربية وتركيا تحتضن 4 ملايين سوري.

هذه المأساة سببها الأول، عدم «حزم» الإدارة الأميركية من البداية. عدم الإصغاء والتعاون «الحقيقي» مع الدول التي كانت تريد إنهاء هذه المسألة مبكرا، وكانت تحذر بوضوح من هذه المآلات.. والآن يتحدثون عن إخفاق «العالم»!

هو إخفاق الغرب جملة، مع جموح حلفاء النظام الأسدي، في موسكو وطهران.

هذا هو الحال.

 

 

جثة أيلان تحرّك ضمير أوروبا

لندن ـ مراد مراد ووكالات

«لم اعد اريد الوصول الى اوروبا. اريد ان آخذ جثث اولادي وزوجتي لأدفنهم في عين العرب (كوباني) وابقى معهم هناك الى الأبد». بهذه الكلمات المبللة بدموع القهر رد عبد الله شينو كردي والد الطفلين غالب وايلان اللذين لفظتهما امواج المتوسط جثتين هامدتين على شاطئ بودروم على اسئلة الصحافيين في تركيا صباح امس بشأن خطوته المقبلة بعد هذه المأساة التي هزت ضمائر شعوب العالم عموما والاوربيين منهم خصوصا.

وسرد عبد الله اللحظات الأخيرة وهو ينفجر بالبكاء، فذكر أنّ «12 شخصاً كانوا على متن قارب صيد (فايبر) عندما بدأت الأمواج تعلو بشكل كبير«. وشرح مأساة غرق المركب الصغير الذي كان متجها بهم الى كوس اليونانية فقال «لقد علا الموج كثيرا الى حد افزع قائد المركب الذي رمى بنفسه في البحر وسبح هاربا وتركني لوحدي وعائلتي ومن تبقى من الركاب، فحاولت السيطرة على المركب لكنه سرعان ما انقلب بنا».

واضاف «توفي ابني الأول جراء الموج العالي، فاضطررت إلى تركه لأنقذ ابني الثاني فتوفي أيضاً وبدأ الزبد يخرج من فمه، ومن ثم تركته لأنقذ أمه، فوجدت زوجتي قد توفيت أيضاً، وبقيت بعدها 3 ساعات في الماء إلى أن وصل خفر السواحل التركي وأنقذني«.

ومصيبة آل شينو قد يستفيد منها غيرهم من العائلات التي شردتها ماكينة القتل الأسدية وارهاب «داعش«. اذ ان مشهد ايلان وهو منكب على وجهه جثة هامدة على الشاطئ اضفى على مأساة اللاجئين السوريين المتجهين الى اوروبا، طابعاً انسانياً بحتاً بعدما لونتها السياسة العالمية العقيمة بالطابع الامني. فجل ما كان يهم زعماء الدول الاوروبية قبل غرق مركب عائلة شينو، هو كيفية ضبط حدود بلدانهم، والحد من اعداد اللاجئين المسموح لهم بالدخول الى هذا البلد او ذاك، وتقسيم اللاجئين وترقيمهم بحسب العمر واللون والجنس والدين، لكن بعد انتشار صور جثة الطفل ايلان على شاشات المحطات التلفزيونية والصفحات الاولى لشتى صحف العالم، تضاعف الضغط على جميع الزعماء الاوروبيين الرافضين استقبال حصة من سيل اللاجئين المتدفق الى اوروبا عبر تركيا واليونان، وهذا ما يمهد لتوزيع اللاجئين محاصصة وتعديل بعض قواعد اللجوء في الاتحاد الاوروبي، ويؤدي في نهاية المطاف لتسهيل ايجاد حل لهذه الازمة خلال القمة الاوروبية الطارئة المزمع عقدها في 14 ايلول الجاري.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أثناء زيارة إلى سويسرا امس في مؤتمر صحافي في برن «الحكومة الألمانية تقول إن نهج دبلن لم يعد فعالاً، لأن عددا كبيرا من اللاجئين يصلون إلى حدودنا الخارجية، ولا يمكننا ترك اليونان وحدها أو ايطاليا بمفردها كي تواجه هذه المهمة«.

وأضافت «في الوقت نفسه، إذا قلنا إنه لا يمكن ترك ايطاليا واليونان بمفردهما للتعامل مع تلك المهمة، فانه لا يمكن أيضا ترك ثلاث دول كالسويد والنمسا وألمانيا تتحمل نصيب الاسد من هذا الأمر«. وطالبت ميركل دول أوروبا بحل أزمة اللاجئين بروح «العدالة والتضامن»، مشيرة إلى استعداد ألمانيا لتحمل مسؤولياتها في ضوء قوتها الاقتصادية. وأضافت أن «القيم المسيحية تنص على حق كل من يواجهون الخطر في الحصول على الحماية«.

وفي لندن، اجمع عدد واسع من النواب من شتى الاحزاب بما فيها حزب «المحافظين» الحاكم، على ضرورة تغيير الحكومة البريطانية موقفها الرافض لاستقبال حصة عادلة من اللاجئين القادمين الى اوروبا، وعبر اكثرهم باختصار عن الوضع الراهن بالقول: «لن نرضى ابدا بأن نكون الجيل الذي فشل في مثل هذا الاختبار الانساني».

رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون لم يشذ بدوره عن القاعدة، فبعدما شدد اول من امس على ان «الحل الطويل الامد للازمة هو انهاء الحرب واعادة الاستقرار الى سوريا»، وصف امس «تأثره الشديد كأب، بصور جثتي الطفلين على الشاطئ«، واكد ان «بريطانيا ستتحمل مسؤوليتها الاخلاقية تجاه اللاجئين» دون ان يحدد كيف ومتى.

رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أكد ان صورة الطفل السوري تعكس «الحاجة الطارئة للتحرك». وغرد فالس على «تويتر» قائلا: «اسمه ايلان كردي. التحرك حاجة طارئة. الحاجة طارئة الى تعبئة اوروبية» ونشر صورا لشرطي تركي ينقل جثة الطفل.

وقالت وزيرة التعليم الفرنسية نجاة فالو ـ بلقاسم عبر تلفزيون ايتيلي «الامر لا يحتمل». وتابعت «في الوقت نفسه ينبغي الا نخطئ في النقاش على ما يحصل غالبا. الامر الذي لا يحتمل اكثر من هذه الصورة التي ينبغي نشرها برأيي، لانه يجب الا نشيح بنظرنا عنها، هو وضع هؤلاء المهاجرين».

واعتبرت ان «البعض يتساءل ان كان من المناسب اظهار هذا النوع من الصور (…) ارى انه يجب فعل ذلك بالتاكيد، لانه علينا ان نفتح اعيننا ونطلع على حقيقة هذه الهجرة، هذا البؤس، هذه الاوضاع المريعة التي تدفع بالمهاجرين الى الطرقات مع اطفالهم معرضين حياتهم للخطر».

ودعا رئيس الحكومة الاسبانية ماريانو راخوي العالم للتحرك لانهاء الحرب في سوريا، بينما قال نظيره الايطالي ماتيو رنزي ان اوروبا لا يمكنها الاكتفاء بالتعبير عن المشاعر لمقتل لاجئين يفرون من الحرب والاضطهاد. واضاف «بعد مشاهدة هذه الصور التي تدمي قلب اي اب، علينا ان ندرك اننا بحاجة الى استراتيجية عالمية، وان اوروبا لا يمكنها ان تقبل بان يلحق بها العار».

وفي هنغاريا، اعادت السلطات فتح محطات القطار في بودابست بعدما اغلقتها مدة يومين، وتدافع اللاجئون السوريون الى داخل القطارات الواقفة، لكن المحطة اعلنت ان جميع الرحلات الدولية الغيت حتى اشعار آخر، وان بطاقات النقل التي بحوزة الركاب توصلهم الى عند الحدود النمسوية فقط.

وانتقد رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان المانيا بسبب تعاملها مع الازمة بعد انتشار مشاهد الفوضى في بلاده. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس البرلمان الاوروبي مارتن شولتز، ان تدفق المهاجرين الى بلده «ليس مشكلة اوروبية بل المانية». وأضاف ان المستشارة الالمانية اكدت انه لا يمكن لاي من المهاجرين مغادرة المجر بدون تسجيلهم فيها تماشيا مع قواعد الاتحاد الاوروبي «الواضحة» بان الدولة التي يدخل اليها المهاجرون اولا يجب ان تتعامل مع طلباتهم للجوء. وتابع «لا احد يريد البقاء في المجر او سلوفاكيا او بولندا او استونيا. جميعهم يريدون التوجه الى المانيا. ومهمتنا هي فقط تسجيلهم«.

واعترف رئيس مجلس الاتحاد الاوروبي دونالد توسك بالانقسام الشديد الحاصل بين الدول الاوروبية الشرقية من جهة والدول الغربية من جهة اخرى، فقال «بينما تقوم الدول الشرقية في الاتحاد ببناء الاسوار لمنع دخول اللاجئين الى اراضيها ابدت الدول الغربية رغبتها في استقبال اللاجئين وتقاسمهم بشكل عادل بين الدول».

 

 

 

 

 

ظاهرة المهاجرين ثمن ثقيل ارتدّ على الغرب حماية الأقليّات تطوُّر لافت في مساعي الحلول/ روزانا بومنصف

لا تزال الاشادات الخارجية تنهال على لبنان لاستقباله عدداً هائلاً من اللاجئين يكاد يوازي ثلث سكانه فيما يتركز الاهتمام على استقراره للبقاء موئلاً هادئاً ومحتملاً للاجئين السوريين خصوصاً. لكن الأمور لم تعد منضبطة وانتقلت الازمة التي حاولت الدول الغربية ولا سيما منها الأوروبية حصرها من ضمن الدول المجاورة الى هذه الدول بالذات وبدأت تلمس ان لإطالة أمد الأزمة السورية جنباً الى جنب مع استمرار استعار الأزمات في المنطقة انعكاسات سلبية خطيرة بدأت تصل اليها عبر تفاقم أزمة المهاجرين الى دولها فيما لا تستطيع وقف تدفق هؤلاء. فأزمة المهاجرين تبدو انعكاساً جديداً بدأ يلقي بتبعاته على الدول الغربية بعدما شكل نشوء تنظيم داعش الانعكاس الخطير الأول في هذا الاطار، وكذلك التحاق شباب غربيين من الخارج بهذا التنظيم الذي تحول مشكلة للغرب باسره وصولاً الى روسيا مقدار ما هو مشكلة بالنسبة الى سوريا والعراق والدول العربية الاخرى. ويبدو التطور المتعلق بأزمة المهاجرين نتيجة طبيعية لصمت الغرب ووقوفه عاجزاً عن وقف ما اعتبره “جرائم حرب” ترتكب في سوريا على غرار ما سجلت الولايات المتحدة بالذات بالنسبة الى سقوط أكثر من 2000 برميل متفجر فوق رؤوس السوريين بين تموز ومنتصف آب من السنة الجارية من دون ابداء أي رد فعل باستثناء الاستنكار الذي لا يفيد في شيء. كما هو نتيجة طبيعية للعجز عن التوافق في مجلس الامن على حلول لانهاء الازمة بحيث ان التوافق الأخير على لجنة للتحقيق في هوية من استخدم السلاح الكيميائي ضد الشعب السوري والذي تم في 7 آب المنصرم نتيجة مفاوضات خمسة أشهر بين الولايات المتحدة وروسيا قد لا يعطي النتائج المرجوة من اجل اتاحة المجال لاتخاذ مواقف حاسمة او اجراءت عقابية، على رغم صدور قرارات تفيد بسقوط براميل تحمل غاز الكلورين من الطائرات التي لا يملكها سوى النظام.

تأخّرت الدول الغربية في مقاربة الحلول الممكنة وإن تعدّدت الأسباب لذلك في مقدمها استمرار التباين في المقاربتين الأميركية والروسية للأزمة اضافة الى التباعد لا بل الصراع الاقليمي بين ايران ودول الخليج العربي اضافة الى أسباب أخرى. لكن هذه الدول بدأت تدفع أثماناً كبيرة فيما تتخبط في محاولة توحيد المواقف من الازمة المتفاقمة للمهاجرين او الحد منها. وهي بدأت تدعو الى مؤتمرات من اجل محاولة ايجاد حلول على غرار ما بدأت روسيا مساراً متجدداً من اجل تشكيل تحالف ضد الارهاب الذي يشكله داعش ترغب في ان يضم نظام بشار الاسد الى دول المنطقة في هذا التحالف على غير ما هو التحالف الذي تقيمه الولايات المتحدة على هذا الصعيد. ففتح الباب مجدداً أمام اتصالات متعددة حفل بها الشهر المنصرم ولا يزال يشكل أحدها لقاء الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا مع مساعد الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان في بيروت فيما الديبلوماسي الدولي في طريقه اليها. وكان عبد اللهيان أعلن في 5 آب المنصرم ان بلاده تعتزم تقديم خطة للامين العام للامم المتحدة تتضمن اربع نقاط وفيها ما هو لافت الى جانب الدعوة الى وقف فوري للنار والدعوة الى حكومة وحدة وطنية وانتخابات ومراقبة تأمين حماية دستورية للأقليات. وقد اجتمع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف مع الاسد في 12 آب من أجل البحث في النقاط الايرانية. والنقطة الأخيرة المتعلقة بحماية الأقليات التي ترغب ايران في تأمينها تستقطب الاهتمام في خضم مساعي التوصل الى حلول على قاعدة ان حماية الاقليات هي نقطة القوة في المساعي الروسية للحل وهي ليست لايران مقدار ما هي للحليف الآخر لنظام الأسد، اذ معلوم ان روسيا ترفع شعار الأقليات والدفاع عن المسيحيين في الأساس من اجل المحافظة على وجودهم في سوريا والمنطقة ومن اجل امتلاكها أوراقاً قوية لا يمكن تجاهلها. لكن الالتقاء الروسي الايراني على حماية الأقليات يبدو مهما في سياق ترقب الحلول التي تراها كل من الدولتين الحليفتين للنظام. كما تستقطب هذه النقطة الاهتمام من باب المعلومات التي تم تداولها عن هدنة بعد أخرى في الزبداني حيث يخوض “حزب الله” حرباً بالنيابة عن النظام ومعه بالتزامن مع مفاوضات اقامتها ايران في تركيا مع فصائل معارضة من أجل تأمين استبدال سكاني في المنطقة في ما يفسر من جهة المخطط الايراني بالنسبة الى المحافظة على ما تبقى لايران في سوريا وابقائه صلة الوصل بين ما يمكن ان يتبقى من نفوذ حلفائها هناك ومناطق سيطرة حلفائها في لبنان قبل بلورة الحلول المحتملة، والتي تدرك ايران قبل سواها ابعادها بدليل اقتراحها في بنود الحل التي تراها مناسبة لسوريا بنداً لحماية الأقليات ستندرج تحته حكماً حماية الطائفة العلوية التي ينتمي اليها الرئيس السوري، فيما ان حكومة انتقالية جامعة تستلم السلطة في سوريا وفقاً لبيان جنيف لن تبقي على صلاحيات الأسد حتى لو بقي لبعض الوقت. والاستبدال السكاني الذي سرى على انه نزوح مدني كامل المواصفات لم يلق أي أهمية في ردود الفعل الخارجية في ظل التغيير الديموغرافي الذي تشهده سوريا ويساهم في تهجير الآلاف من سكانها. فالغرب لا يزال تحت وطأة نتائج الاتفاق النووي وفي انتظار اقفاله نهائيا بحيث تعجز عن مقاربة ما يحصل في سوريا بما يوتر علاقاتها مع ايران في زمن السعي الى الانفتاح عليها.

النهار

 

 

 

أوروبا وفقدان ذاكرة اللجوء/ خافيير سولانا

بعد الحرب العالمية الأولى عندما تحول الملايين من المدنيين الأوروبيين إلى لاجئين واضطروا إلى الخروج من ديارهم وأوطانهم بسبب احتلال عدو أرضهم أو ترحيلهم تم إنشاء نظام دولي لتنسيق الاستجابات الفعالة وتخفيف المعاناة عن أولئك الذين اقتلعوا من أرضهم.

وبعد قرن من الزمان يشهد العالم أزمة لاجئين أخرى، وهذه المرة أوروبا هي التي تملك القدرة اللازمة لتوفير ملاذ آمن لليائسين، ولكنها لم ترتفع إلى مستوى المسؤولية، حيث فشلت أغلب استجاباتها في مجاراة إلحاح الموقف.

ففي غضون الأشهر الأولى فقط من عام 2015 حاول أكثر من 38 ألف شخص الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط من شمال أفريقيا، وقد توفي نتيجة هذا نحو 1800 شخص، أكثر من ضعف عدد الوفيات المماثلة في عام 2013 بالكامل.

والأمر المحبط المخيب للآمال هو أن العديد من الأوروبيين استجابوا لهذه الأزمة الإنسانية التي تشبه إلى حد كبير الأزمة التي تحملتها أوروبا قبل قرن من الزمان، بمعارضة قبول بلدانهم أي عدد إضافي من اللاجئين.. كيف نسينا ماضينا بهذه السرعة؟

والأسوأ من ذلك هو أن بعض الأوروبيين يريدون منا أن ننسى، الواقع أن مشاعرنا اليوم تغذت إلى حد كبير على مواقف الأحزاب الشعبوية التي تصور نفسها باعتبارها حامية حمى الهوية الوطنية، ويزعم المنتمون إلى هذه الأحزاب أن أوروبا تواجه تدفقا جماعيا يهدد بفرض ضغوط أكبر على اقتصاداتها، وثقافاتها، وأسواق العمل لديها، ولا يحتاج المرء للرجوع إلى الوراء قرنا من الزمان لكي يدرك مدى خطورة العواقب المترتبة على مثل هذا الخطاب.

ولكن السرد الشعبوي ليس تحريضيا فحسب، بل إنه كاذب، فرغم صعوبة التمييز بين دافع النزوح في بعض الأحيان فإن بيانات وكالة الأمم المتحدة للاجئين تظهر أن ما لا يقل عن نصف أولئك الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من شمال أفريقيا يفرون من حرب أو اضطهاد.

وقد قررت المنظمة الدولية للهجرة والبحرية الإيطالية أن المهاجرين هذا العام ينهمرون في الأغلب من إريتريا، وجامبيا، ونيجيريا، والصومال، وسوريا، وكلها بلدان حيث الظروف السائدة تخول مواطنيها طلب اللجوء.

باختصار، هذه ليست أزمة مهاجرين بل أزمة لاجئين، وهي لا تبدي أي إشارة للتباطؤ، فمع اجتياح عدم الاستقرار والعنف قسما كبيرا من شمال أفريقيا والشرق الأوسط يبدو أن انحسار الصراع المسلح منذ الحرب العالمية الثانية تباطأ إلى حد كبير، بل وربما بدأ يتسارع.

إن المجتمع الدولي ملزم قانونا بحماية أولئك الذين يضطرون إلى الفرار من ديارهم بسبب الصراع والاضطهاد، وفي ضوء تاريخ أوروبا وقيمها -ناهيك عن قربها من بعض المناطق المنكوبة- تصبح ملزمة بشكل خاص بالمساهمة في هذا الجهد.

ولكن أوروبا ليست المنطقة الوحيدة المثقلة بأعباء تدفقات الهجرة اليوم أو حتى الأكثر تحملا لهذه الأعباء، إن تسعة من كل عشرة لاجئين لا يغادرون مناطقهم فيفرون إلى بلدان قريبة للغاية من بلدانهم أو على الحدود معها، فمخيم الزعتري الأردني للاجئين يؤوي وحده أكثر من 82 ألف شخص، وإذا كان ذلك المخيم مدينة رسمية فإنه سيصبح من المدن الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، كما يستضيف لبنان -الدولة التي لا يتجاوز تعداد سكانها 4.5 ملايين نسمة- أكثر من مليون ومائة ألف لاجئ، وهو ما يعادل عدد سكان بروكسل تقريبا.

ولهذا فمن الصعب أن نبرر فشل أوروبا في الاتفاق على نظام لنقل وإعادة توطين نحو عشرين ألف مهاجر هذا العام رغم أنهم موزعون على 28 دولة وفقا لنظام الحصص الفردية، والواقع أن العديد من البلدان الأوروبية قبلت عددا ضئيلا للغاية من اللاجئين حتى الآن، الأمر الذي يجعل فهم تقاعسها عن التحرك أشد صعوبة، فقد تقبلت كل من إسبانيا واليونان على سبيل المثال نحو أربعة آلاف لاجئ فقط، وهو عدد ضئيل للغاية مقارنة بالأردن أو لبنان.

ومن الممكن أن يساعد اتفاق على أساس الحصص في توزيع العبء على الاقتصادات الأوروبية، فحتى الآن كانت الفوارق الكبرى بين البلدان في ما يتصل بسياسات اللجوء تعني فوارق كبرى في أعداد اللاجئين، والواقع أن أربع دول فقط -فرنسا وألمانيا وإيطاليا والسويد- استقبلت نحو ثلثي اللاجئين المقبولين في أوروبا العام الماضي.

عندما تتسبب شبكة من مهربي البشر في تحويل البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة جماعية لا يجوز لأوروبا أن تحول نظرها بعيدا ببساطة، وبدلا من الاستسلام للشعبوية المدمرة والانعزالية المخلة بالشرف يتعين على قادة أوروبا أن يلتزموا بالوفاء بمسؤوليتهم القانونية والأخلاقية عن مساعدة اللاجئين، وبطبيعة الحال شرح الأسباب وراء أهمية هذا الأمر لمواطنيهم.

وسوف يتطلب مثل هذا الجهد أن تساهم كل دولة أوروبية -وليس فقط تلك الواقعة على البحر الأبيض المتوسط- بالموارد اللازمة لدعم عمليات بحث وإنقاذ واسعة النطاق، ومن غير الجائز أن يكون ضبط الحدود الهدف الوحيد أو حتى الهدف الأولي.

بعيدا عن المساعدة في إدارة الأزمة اليوم يتعين على أوروبا أن تلتزم بمساعدة البلدان الهشة والمتضررة من الصراعات في التغلب على التحديات التي تواجهها، وتحسين رفاهة مواطنيها، وبناء اقتصادات مزدهرة.

ولكي يحافظ على سلطته الأخلاقية والسياسية يتعين على الاتحاد الأوروبي -ولعله المثال الأكثر إقناعا للكيفية التي يعمل بها التعاون على دعم السلام والرخاء- أن يشارك بعيدا عن حدوده بإخلاص وعزم صادقَيْن، ويسعى إلى التوصل إلى اتفاقات متبادلة مع جيرانه في الجنوب.

الواقع أن وراء كل طلب لجوء يتلقاه الاتحاد الأوروبي مأساة إنسانية وتاريخا مصغرا من العنف والخوف والخسارة، وهدف طالبي اللجوء ليس الوصول إلى أوروبا، بل هو ببساطة الفرار من الصراع والاضطهاد، ولا بد أن يمكّنوا من تحقيق هذا الهدف.

في القرن الماضي -أثناء الحربين العالميتين- كان الأوروبيون هم الفارين من الاضطهاد، ومع بلوغ أعداد النازحين الآن مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية فإن أوروبا لديها مسؤولية تتمثل في تذكر تاريخها، وينبغي عليها أن تغتنم الفرصة للاستجابة لأزمة اللاجئين اليوم كما كانت تحب أن يستجيب العالم لمعاناتها، وأن تثبت أن قيم الاتحاد الأوروبي تمتد إلى ما هو أبعد من حدوده.

 

 

 

 

عائلة الطفل الغريق أيلان نزحت تكراراً قبل مأساتها

رَفْضُ طلبها للهجرة إلى كندا يثير انتقادات ضد حكومة أوتاوا

نزحت عائلة الطفل أيلان الكردي الذي أثارت صورته ميتاً على شاطئ تركي صدمة في العالم، مرات عدة داخل سوريا والى تركيا هرباً من أعمال العنف قبل ان تقرر الهجرة الى أوروبا، بحسب ما أفاد صحافي كردي أمس.

واثارت صورة جثة الطفل البالغ الثالثة من العمر ممدداً على بطنه على رمال شاطئ بودروم جنوب غربي تركيا لدى نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ومن ثم على الصفحات الاولى للعديد من الصحف الاوروبية، صدمة حقيقية وموجة تأثر في العالم. وكان بين مجموعة من المهاجرين السورين الذين غرقوا ليل الثلاثاء ـ الاربعاء بعد انقلاب المركب الذي يقلهم من بودروم نحو جزيرة كوس اليونانية.

وقال الصحافي مصطفى عبدي من مدينة عين العرب (كوباني) السورية ذات الغالبية الكردية والحدودية مع تركيا لوكالة «فرانس برس« ان والد الطفل ووالدته متحدران من عين العرب، «وكانا يسكنان دمشق منذ مدة طويلة. في 2012، غادرا دمشق (التي شهدت اشتباكات في تلك الفترة) مع ولديهما الى حلب (شمال)».

وأضاف «عندما اندلعت المعارك في حلب، انتقلا مع عائلتهما الى كوباني. فحصلت حرب ايضاً، فانتقلوا الى تركيا. بعد تحرير كوباني (من تنظيم «داعش») عادوا اليها. فحصلت المجزرة» على يد التنظيم الذي نفذ عملية ليومين في عين العرب قبل ان يطرده منها المقاتلون الاكراد في حزيران. وقتل في المجزرة حوالى مئتي كردي.

وروى عبدي ان «المجزرة كانت قريبة منهم. لم يتمكنوا من ايجاد مكان لهم في مخيمات تركيا، فاستدانوا مبلغاً من المال بعدما أمضوا شهراً في بودروم وانطلقوا باحثين عن حياة افضل».

وتم انتشال 12 جثة من المركب الذي انقلب بينها جثث أيلان وشقيقه غالب (خمس سنوات) ووالدته ريحانة، فيما وجد والده في مستشفى في بدروم وهو في حال من الإعياء.

وقال عبدي لفرانس برس «اتصلت بالوالد وحاولت التكلم معه، لكنه بدأ بالبكاء، وأعطى الهاتف لأحد أصدقائه».

وقالت تيما كردي التي تسكن في مدينة فانكوفر في كندا وهي عمة أيلان، لصحيفة ناشونال بوست الكندية: «سمعت النبأ في الساعة الخامسة فجر اليوم«.

واتصلت زوجة أحد أشقاء عبدالله بتيما، وقالت: «تلقت اتصالاً من عبدالله وكان كل ما قاله هو: ماتت زوجتي وطفلاي«.

ونقلت الصحيفة عن تيما قولها إن عبدالله وزوجته وطفليه قدّموا طلبات لجوء على نفقة خاصة للسلطات الكندية ورفضت في حزيران بسبب مشكلت في الطلبات الواردة من تركيا.

وأضافت «كنت أحاول التكفل بهم ولدي أصدقاء وجيران ساعدوني في أرصدة البنوك لكننا لم نستطع إخراجهم ولذا ركبوا القارب. كنت أدفع إيجار مسكنهم في تركيا لكن طريقة معاملة السوريين هناك مريعة«.

وامتدح العالم استقبال تركيا لمليوني لاجئ منذ بدء الصراع في سوريا في مارس آذار 2011 إذ أنفقت ستة مليارات دولار على رعايتهم ولم تحصل سوى على 400 مليون دولار في شكل مساعدات من الخارج. لكن تركيا حذرت من نفاد قدرتها الاستيعابية وقالت إن الآلاف يقومون الآن برحلة محفوفة بالمخاطر في قوارب من تركيا إلى اليونان سعياً لدخول أوروبا.

وقال الجيش التركي إن فرق البحث والإنقاذ التابعة له أنقذت حياة مئات المهاجرين وسط الأمواج المتلاطمة بين تركيا والجزر اليونانية خلال الشهور القليلة الماضية.

وتعرضت الحكومة الكندية المحافظة لانتقادات من معارضيها السياسيين امس بعد التقارير التي أفادت بأن أسرة كردي حاولت الهجرة إلى كندا.

وذكرت وسائل إعلام أن وزير المواطنة والهجرة الكندي كريس الكسندر علّق حملته الانتخابية للفوز بمقعد في البرلمان وعاد إلى العاصمة. وسرعان ما وجهت أحزاب المعارضة أصابع الاتهام للحكومة. وقال الزعيم الليبرالي جاستين ترودو للصحافيين في مونتريال: «لا تبدي التعاطف هكذا فجأة وسط حملة انتخابية… إما أن يكون لديك أو لا«. وأضاف: «تجاهلت هذه الحكومة التماسات منظمات كندية غير حكومية وأحزاب معارضة والمجتمع الدولي بأن كندا يجب أن تفعل المزيد وكان يجب أن تفعل المزيد«. وأشار إلى أن كندا يجب أن تقبل 25 ألف لاجئ سوري على الفور.

وتعهّد زعماء الأحزاب الثلاثة الرئيسية في كندا الاربعاء بأن تستضيف بلادهم مزيداً من اللاجئين السوريين، في وعود تأتي قبل شهر ونصف من الانتخابات التشريعية المقررة في 19 تشرين الاول.

وكانت حكومة رئيس الوزراء المحافظ ستيفن هاربر تعهدت استضافة 20 الف لاجئ سوري في غضون اربع سنوات، ولكن من اصل هذا الرقم، فقط 1002 لاجئ سوري استقروا في كندا حتى نهاية تموز، بحسب الارقام الرسمية الاخيرة.

وقال هاربر خلال مؤتمر صحافي: «لدينا خطط لفعل المزيد» على صعيد استضافة اللاجئين السوريين، مشدداً في الوقت نفسه على ان زيادة حصص اللجوء لن تكفي لوحدها لحل مأساة مئات آلاف السوريين الذي فروا من النزاع الذي يمزق بلدهم. واضاف «ما دامت هناك تنظيمات مثل ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية الذي يتسبب بملايين اللاجئين حرفياً ويهدد بقتل اناس في العالم أجمع، لا يمكن ان يكون هناك حل» لأزمة اللاجئين، مشدداً على انه «يجب ان يكون لدينا موقف عسكري حازم ضد الدولة الاسلامية وهذا ما نفعله».

(أ ف ب، رويترز)

 

 

هل تؤدي أزمة اللاجئين السوريين إلى إلغاء اتفاقية دبلن؟/ هشام منوَّر ()

في وقت يصل الارتباك في الدول الأوروبية ذروته في التعامل مع «تسونامي« اللاجئين… الى الموت، تتواصل فصول المآسي الإنسانية. وبالتزامن مع حوادث غرق عشرات في مياه البحر المتوسط، باتت تسجل وفيات في البرّ أيضاً، بعد اكتشاف جثث عشرات السوريين في شاحنة بالنمسا.

المفوضية العليا للاجئين صدمت العالم بأن أكثر من 300 ألف مهاجر عبروا البحر المتوسط منذ بداية كانون الثاني (يناير) الماضي، فغرق أكثر من 2500 في البحر أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا على متن قوارب متهالكة.

وبعد غرق زورق حمل مئات المهاجرين قبالة سواحل مدينة زوارة الليبية، أعلن الناطق باسم الهلال الأحمر الليبي محمد المصراتي أن اكثر من 100 جثة انتُشِلت من الموقع بوجود عدد غير معروف من المفقودين.

في الوقت ذاته، ارتفع عدد الجثث التي سُحبت من شاحنة عُثر عليها في اليوم ذاته متروكة الى جانب طريق عام في شرق النمسا إلى 71 من السوريين والذين يرجح موتهم اختناقاً. ورجحت الشرطة أن المهاجرين الـ71 الذين عُثر على جثثهم في الشاحنة المتروكة على جانب الطريق، هم سوريون وبينهم 4 أطفال. وصرح الناطق باسم الشرطة هانس بيتر دونسكوزيل أنه عُثر على وثائق سفر سورية، وأن القتلى «على الأرجح« هم لاجئون سوريون.

تفكر بعض الحكومات الأوروبية التي تشعر بقلق من التهديدات الأمنية والهجرة غير الشرعية، في تعديل اتفاق «شينغين« الذي أزال القيود الحدودية المنهجية عبر معظم أوروبا. وتصر المفوضية الأوروبية التي تفرض تطبيق اتفاق «شينغين« على انها لا ترى ضرورة لتغيير القواعد، سواء لتحسين الأمن أو للحد من الهجرة.

واقع الحال أن الدول المحيطة بسورية امتلأت باللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم 4 ملايين لاجئ رسمياً، ونظراً لأن الخدمات المقدمة لهم بعد أكثر من أربع سنوات لا تفي بالغرض، ولأن الدول العربية في الخليج العربي غير موقعة على اتفاقية جنيف للاجئين، فإن الباب الوحيد المتبقي أمامهم لإيجاد ملاذ آمن هو أوروبا.

ألمانيا أعلنت أنها استقبلت منذ بداية العام نحو مئة وسبعة آلاف لاجئ، وأنها تتوقع أن يصل العدد إلى ثمانمائة ألف لاجئ بنهاية العام الحالي، ومع ذلك، تصر ألمانيا والدول الاسكندنافية على استقبال آلاف اللاجئين السوريين، لإدراكها مدى حاجتهم إلى ذلك، وبسبب نوعية اللجوء الذي يتمتع به السوريون بسبب كونهم شعباً منفتحاً ومتعلماً وشاباً.

يعتزم الاتحاد الأوروبي حالياً القيام بدراسة ميدانية مهمة بين اللاجئين حول اتفاقية شنغن واتفاق دبلن بالذات، ومن المتوقع أن تفضي إلى إلغاء الاتفاقية برمتها أو استثناء السوريين حصراً منها وأن يتم رفع هذه التوصية مع نهاية العام الجاري، وقد تسلم الملف الخاص بهذه المهمة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.

ستقوم الدول الاوروبية كافة، بحسب التوصيات المزمع إقرارها بعد الدراسة الميدانية التي ستعتمد مبدأ المقابلات مع اللاجئين الواصلين أو المرشحين للوصول إلى أوروبا، باستقبال كل اللاجئين والذين يغلب عليهم الجنسية السورية، وسيتم تسجيلهم في أماكن وصولهم كاليونان وإيطاليا وهنغاريا وغيرها من البلدان الأوروبية التي تعاني من تكدس أعداد اللاجئين، ثم تخييرهم بين الدول التي يريدون الإقامة فيها، وهو ما قد يختصر من إجراءات اللجوء والتسجيل، ويوقف باب المتاجرة باللاجئين الوافدين إلى أوروبا.

تطمح ألمانيا ومعها فريق الدول الاسكندنافية إلى استقبال جميع اللاجئين الوافدين إلى بلدانهم، والتخلص من صداع الدول الصغيرة التي تتخوف من استقبال اللاجئين، في الوقت الذي تقوم بـ»نهب» المخصصات الأوروبية التي توزعها الدول الغنية في الاتحاد الأوروبي كألمانيا وفرنسا والسويد، على هذه الدول لتأمين استقبال لائق للاجئين السوريين، حيث لا يصل في بعض البلدان للاجئين سوى القليل من هذه الأموال.

بالمقابل، تشير التسريبات إلى ان خطوة الاستقبال والتسجيل التي ستقوم بها الدول الأوروبية الحدودية التي يتوافد إليها اللاجئون ولا سيما اليونان وإيطاليا، سوف يتبعها خطوة أخرى ترفع الحظر عن اللاجئين الذين أجبروا على التقدم باللجوء في بعض البلدان أثناء طريق وصولهم إلى ألمانيا والدول الاسكندنافية، وبالتالي سحب ملفات هؤلاء اللاجئين إلى تلك البلدان الغنية، على الرغم من اعتبارهم لاجئين في بلدان أخرى، ما يشير إلى القيمة الحقيقية التي توليها الدول الغنية لمأساة اللاجئين السوريين ومدى الحرص على الاستفادة منها، على الرغم من المظاهرات الشعبية التي يقوم بها اليمين الأوروبي ضد اللاجئين والمهاجرين بشكل عام، والسوريين بوجه خاص، فالدول الغنية في الاتحاد الأوروبي حريصة على «ابتلاع» كل ما يقدم لها من أعداد غفيرة من اللاجئين الشبان لتعويض الخلل الديمغرافي الكبير الذي تعرفه بلدانها، وكذلك الافادة من الكفاءات الكثيرة المتوفرة في صفوف هؤلاء اللاجئي.

 

() كاتب وباحث

 

 

 

 

 

شبكات تهريب اللاجئين السوريين..4 طرق محفوفة بالمخاطر إلى أوروبا/ تحقيق – أيهم الفارس

لعدة أيام ظل اللاجئ السوري خالد (من دير الزور)، يشعر بالرعب على ذويه الذين فقد الاتصال معهم، قبيل حادثة الشاحنة التي راح ضحيتها 71 مهاجراً، بقي خالد على هذه الحال ثلاثة أيام إلى أن وصله نبأ نجاح أقاربه في الوصول إلى ألمانيا.

يومياً تخرج مئات من القوارب المطاطية من السواحل التركية من “أزمير بودروم مرمريس” إلى اليونان، يقول خالد لـ”العربي الجديد”، “غير أنني رفضت الهجرة بهذه القوارب”، ويضيف اللاجئ المستقر في هولندا، “اخترت طريق السفر براً من تركيا إلى اليونان، ومنها إلى مقدونيا وصربيا والمجر، وأخيراً كان المستقر في هولندا”.

دفع خالد للمهرّب العراقي 1300 دولار أميركي في تركيا، حتى يخرجه منها إلى اليونان، وعبر مهرّب أفغاني دفع له 1500 يورو، انتقل من اليونان إلى المجر، ومنها خرج مع 3 أصدقاء، عبر دفع 1000 يورو عن كل واحد منهم إلى مهرّب فلسطيني أوصلهم إلى هولندا.

في كل يوم يخرج آلاف في رحلات الموت، إما عبر البحر أو البر، قليل منهم من يحالفه الحظ مثل خالد، إذ يقول مدير الشؤون الأوروبية في وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فيسينتي كوشيتيل، إن 124 ألف شخص (غالبيتهم من السوريين) وصلوا إلى اليونان منذ بداية العام الحالي، بينهم 50 ألفاً وصلوا في شهر يوليو/ تموز فقط.

ما هي “الخارطية”؟

يعتبر اللاجئ السوري أن وصوله إلى إحدى الجزر اليونانية العديدة في البحر المتوسط، هو بداية موطئ قدم له ولعائلته في أوروبا، من هؤلاء ياسين (من دمشق)، الذي وصل إلى اليونان حديثاً. يقول ياسين لـ”العربي الجديد”: تَشرع السلطات اليونانية بتسليم السوريين وثائق تخوّلهم حرية التنقل لستة أشهر فقط، وهي ما تُعرف بـ”الخارطية”، بعدها ننتقل إلى دول البلقان الأخرى، إذ إن السلطات اليونانية باتت عاجزة عن تقديم أدنى متطلبات اللاجئ بالجزر الممتدة في بحر إيجه.

تقدّر الأمم المتحدة عدد المهاجرين واللاجئين السوريين، الذين يعبرون مقدونيا باتجاه شمال غرب أوروبا، بثلاثة آلاف فرد يومياً، كما قدّرت وكالة غوث اللاجئين أن 80 بالمائة ممّن ينتظرون اجتياز الحدود اليونانية المقدونية من منطقة سالونيكي عبر إدموني اليونانيتين باتجاه قرية جفجيليا المقدونية، هم من السوريين.

مقبرة المهاجرين

ساهم الاضطراب السياسي والعسكري الذي يسود ليبيا بعد عام 2011 في جعلها ممراً نشطاً للاجئين القادمين من دول الصراع في أفريقيا وآسيا متجهين إلى إيطاليا ومالطة، بوابات أوروبا الجنوبية، إذ يتخذ اللاجئون والمهاجرون من المتوسط المحفوف بالمخاطر طريقاً لهم، لينجو منهم من نجا ويبتلع البحر الآلاف. وتشير أبحاث المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أوروبا هي الوجهة الأخطر للمهاجرين غير الشرعيين الذين يعبرون البحر المتوسط، إذ سجلت مقتل ما يزيد عن 2000 شخص خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري غرقاً، منهم 1300 غريق في شهر نيسان/ أبريل وحده، مقارنة مع أكثر من 3400 غريق لعام 2014، كما تشير إحصائيات إلى أن هذا العدد يساوي أربعة أضعاف غرقى عام 2013، بحسب المنظمة.

معضلة دبلن في المجر وإيطاليا

تُمثل المجر حجر عثرة في طريق اللاجئين السوريين الذين تمكنوا من عبور اليونان ومقدونيا وصربيا، إذ تواجههم فيها صعوبات الدخول والخروج دون بصمة تحرمهم حق اللجوء والعيش الأفضل في بقية دول الاتحاد. والبصمة إجراء يُجبَر عليه اللاجئ في حال تمكنت السلطات من توقيفه، وفقاً لما تنص عليه اتفاقية دبلن، بحيث تعد المجر وجهة اللجوء النهائية لهذا للاجئ، وهو ما يحرمه فرصة اللجوء في بقية أوروبا.

شكل العدد المرتفع من المهاجرين المارين عبر المجر أزمة كبيرة، إذ سجلت السلطات المجرية مرور أكثر من 70 ألف مهاجر منذ بداية 2015 حتى الآن، مقارنة بـ43 ألفاً في العام الماضي بأكمله، ما دفعها إلى الشروع في بناء سياج على طول الحدود مع صربيا سيبلغ طوله 175 كيلومتراً وبارتفاع يُقدّر بأربعة أمتار، بالإضافة إلى استخدام الكلاب البوليسية لمطاردة اللاجئين، وهو ما يهدد حياتهم، بالإضافة إلى اعتقال من يرفضون البصمة بعد تعنيفهم، مثل اللاجئ السوري لؤي (من دمشق)، الذي أجبر على البصمة في مكتب الشرطة، ثم أخلي سبيله، وتمكن من الذهاب إلى ألمانيا، غير أنه عاش في رعب قبل صدور قرار السلطات الألمانية الأخير بعدم طرد اللاجئين السوريين ممّن سبق لهم إجراء البصمة في دول أوروبية أخرى، كما تنص اتفاقية دبلن.

وهو ما تكرر مع حالة اللاجئ السوري ياسين (من دمشق)، الذي أجبر ورفاقه على وضع بصماتهم في دولة المجر، يقول ياسين لـ”العربي الجديد”: “حظنا جيد، إذ كانت وجهتنا إلى ألمانيا، التي صارت تغض الطرف وتكسر قواعد دبلن في ما يخص المرور بالمجر، لكن اللاجئين الجدد صاروا يواجهون عائق السياج والكلاب البوليسة، والمعاملة العنيفة من الشرطة المجرية”.

تشكو السلطات الإيطالية من تنصّل شركائها في اتفاقية دبلن من مسؤولياتهم، وتركهم دول جنوب المتوسط (إيطاليا واليونان) في مواجهة مشكلة المهاجرين من دون دعم أو شراكة، وهو ما دعاها إلى طلب تغيير قواعد دبلن، بحيث يتم إجراء توزيع عادل للاجئين والمهاجرين على مختلف دول الاتحاد، بعد أن ذكر مكتب الإحصاء الأوروبي “يوروستات”، أن نحو 170 ألف مهاجر (أغلبهم سوريون)، عبروا المتوسط عام 2014 وحده، باتجاه السواحل الإيطالية.

عقب وصول اللاجئين إلى السواحل الإيطالية، تقوم السلطات بوضعهم في “كامب مفتوح” والحصول على صورهم وأسمائهم دون القيام بإجراء البصمة لأغلب اللاجئين، فيما تقوم بالإجراء على استحياء مع عد قليل من اللاجئين الذين سيمكثون بموجبه فيها، مراعاة للانتقادات الأوروبية المتصاعدة لعدم التزامها باتفاقية دبلن.

على أسوار مجمعات استيعاب اللاجئين المؤقتة في إيطاليا، تقف عصابات متخصصة في التهريب، تتفق مع اللاجئين على إخراجهم وإرسالهم إلى وجهتهم، ومن هؤلاء المهاجر السوري علي (من القنيطرة)، الذي سافر من إيطاليا إلى سويسرا ثم فرنسا وبلجيكا وألمانيا، ثم عبر إلى الدنمارك ومنها استقر في النرويج، بعد دفع قرابة 2700 يورو.

نخاسو القرن 21

يحدد العامل المادي أي طريق سيسلكه اللاجئ السوري، ومدى خطورته، فهناك من تصل كلفة رحلته إلى 3000 يورو قاطعاً بذلك البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا ومنها إلى وجهته النهائية، فيما تصل الكلفة إلى 3500 يورو لمن يريد العبور من تركيا إلى اليونان ثم مقدونيا فصربيا ومن ثم المجر، ليصل بعدها إلى الوجهة التي يريد، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يسلك طريق اليونان، ألبانيا، ثم الجبل الأسود وصربيا باتجاه المجر، في حين يدفع من يحالفه الحظ وتنجح محاولته في استخدام وثائق سفر مزورة يحصل عليها من شبكات تهريب كبيرة في اليونان 5 آلاف يورو للسفر من مطار أثينا إلى ألمانيا أو فرنسا (أو أي دولة يرغب بها) في رحلة مباشرة، عدا كلفة العبور من تركيا إلى اليونان والتي تراوح بين 1000 إلى 2000 يورو، وتعد هذه الطريقة الأكثر تفضيلاً لدى الأسر الموسرة، بعد أن قلّ الاعتماد على رحلة طيران مباشرة من إحدى الدول الأوروبية عبر وثائق سفر مزورة توفرها عصابات تهريب تركية بقيمة تتجاوز 12 ألف يورو، بحسب شهادات موثّقة حصل عليها “العربي الجديد” من عدد من اللاجئين.

يصف اللاجئ السوري حسان (من ريف دمشق)، شبكات التهريب المنتشرة على طول السواحل الليبية بنخاسي القرن 21، إذ خرج وزوجته من ليبيا إلى شواطئ إيطاليا، بالاتفاق مع أحد المهربين على عبور البحر لقاء مبلغ قدره 2000 يورو بواسطة جرافة حديدية تُقل 200 مهاجر.

صعق حسان لدى وصوله إلى نقطة الانطلاق في زوارة الليبية، حيث لا مجال للعودة ولا حديث إلا لبندقية المهربين، كما يقول، مضيفاً: تم انتقلنا بواسطة قارب خشبي مُهترئ وبعدد تجاوز الـ500 مهاجر.

بحساب ما جناه المهرّب من وراء قارب رحلة حسان، نجد أنه حصل على نصف مليون يورو، وبالعودة إلى حديث مكتب الإحصاء الأوروبي عن الـ170 ألف مهاجر ممّن عبروا البحر في العام 2014، يمكن توقّع الدخل السنوي للمهربين.

وكان رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، قد طالب في نيسان/ أبريل الماضي، باتخاذ إجراءات صارمة تجاه مهربي البشر الذين وصفهم بـ”نخاسي القرن 21″، في الوقت الذي دعت فيه دول الاتحاد الأوروبي إلى عقد جلسة لإقرار خطة أمنية أوروبية في المتوسط من شأنها إيجاد حلٍ جذري لظاهرة التهريب ومعاقبة تجار البشر، إذ أكدت منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، أن المسألة الأهم هي اتخاذ قرار سياسي حول العملية (التهريب) في البحر المتوسط لمحاربة المجموعات الإجرامية التي تمارس تهريب البشر.

وتتوالى التأكيدات الأوروبية على معاقبة المهربين المتورطين، دون البحث عن سبلٍ أكثر جدوى من شأنها إيجاد طرق آمنة لسيل المهاجرين المتدفق منذ عام 2000 وبلغ ذروته بعد أحداث سورية 2011، إذ تحدثت صحيفة “لوموند” الفرنسية عن 31 ألف مهاجر قضوا أثناء هجرتهم إلى أوروبا منذ بداية عام 2000 إلى الآن.

لم تكن حادثة شاحنة النمسا القاتلة الأولى في سجل مآسي المهاجرين السوريين، إذ سبقتها حوادث غرق قوارب على سواحل لامبيدوزا، وصقلية الإيطالية، لكن اللاجئ السوري في تركيا، علي (من الزبداني)، يؤكد أن كل تلك الحوادث لن تثنيه عن حلمه الأوروبي، “إذ يظل الطريق إلى أوروبا، رغم أنه محفوف بالآمال والمخاطر، خيراً من حياة بلا أمل، وكلها مخاطر كما في سورية”.

العربي الجديد

 

 

 

الخليج واللاجئون السوريون… دعمٌ ولا استقبال/ بدر الراشد

توجّه انتقادات بالجملة إلى دول الخليج العربي لعدم مساهمتها بشكل فعّال في معالجة أزمة اللاجئين السوريين، من خلال استقبالهم بصورة مباشرة على أراضيها.

وفي ظلّ تصاعد أزمة اللاجئين في أوروبا، ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات خليجية غاضبة خلال اليومين الماضيين، تنتقد ما اعتبره البعض “خذلاناً خليجياً للسوريين”. وراجت عبر موقع “تويتر” مجموعة وسوم (هاشتاغ) للتعبير عن هذه المسألة، منها “#استضافة _لاجئي_سورية_واجب_خليجي”، “#أوقفوا_هجرة_اللاجئين_السوريين”، “#غرق_طفل_ سوري”.

حصدت هذه الوسوم تفاعلاً واسعاً، قُدّر بعشرات الآلاف من التغريدات التي جاء معظمها في سياق المطالبة باستضافة اللاجئين السوريين في الخليج، عوضاً عن الاكتفاء بتقديم المساعدات المالية للدول المضيفة.

من الضفة الأخرى للقضية، ومن وجهة نظر رسمية خليجية، هناك تعقيدات تنطلق منها الحكومات الخليجية في معالجة قضايا اللاجئين، أبرزها المخاوف الأمنية، والخوف من استغلال اللاجئين لدخول خلايا موالية للرئيس السوري بشار الأسد أو تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وغيرها من المخاوف الأخرى. ويتم التعبير عن هذه المخاوف الأمنية بصورة غير مباشرة غالباً. لذا تقوم استراتيجية دول الخليج في التعاطي مع أزمة اللاجئين السوريين بالاستعاضة عن استقبال أعداد كبيرة منهم بصورة مباشرة، بدعم الدول التي تستضيفهم، وبصورة أساسية، من خلال إقامة مشاريع لخدمة اللاجئين في لبنان والأردن وتركيا.

كما أنّ هناك تعقيدات دولية أخرى لها علاقة بالموضوع الأمني، تنعكس بشكل مباشر على التقصير الخليجي إزاء مأساة اللاجئين، وخصوصاً لناحية ملاحقة مؤسسات خيرية خليجية بتهم تتعلق بتمويل الإرهاب. وهو ما ينعكس على تضييق الخناق على أي تدفقات مالية من الخليج، والاكتفاء قدر الإمكان بحملات التبرع الحكومية، لضمان أنّ تلك الأموال لن تذهب لدعم منظّمات إرهابية.

وبحسب مستشار وزير الداخلية السعودي، رئيس “الحملة الوطنية السعودية لنصرة الأشقاء في سورية”، ساعد العرابي الحارثي، فإن السعودية نفّذت 141 برنامجاً إغاثياً داخل سورية. وفي مخيمات اللاجئين في تركيا والأردن ولبنان، نفّذت برامج إغاثية تبلغ قيمتها 706 ملايين ريال سعودي، ما يعادل 188 مليون دولار أميركي، حتى آخر أبريل/نيسان الماضي.

من جهتها، قامت دولة قطر بخطوات مشابهة، إذ تمّ إنشاء “الهيئة القطرية لإغاثة الشعب السوري”، لدعم جهود استقبال اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا. ودعمت “جمعية قطر الخيرية” مشاريع خدماتية بما يقارب 142 مليون ريال قطري، ما يعادل 39 مليون دولار أميركي، ذهب 55 في المائة من هذا الدعم إلى الداخل السوري، والمتبقي للاجئين في دول استضافتهم.

تُعدّ الكويت ثالث أكبر الداعمين للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بقرابة 122 مليون دولار. وقدّمت السعودية للمفوضية خلال العام 2015، قرابة 9 ملايين دولار، وقطر 2.727 مليون دولار، والإمارات قرابة 2.5 مليون دولار. لكن العجز الذي تعاني منه المفوضية، لا يزال كبيراً، ويساهم في عرقلة عملها.

لكن يبدو أنّ ذريعة “المخاوف الأمنية” غير قادرة على إقناع الجميع. ففي ظلّ وجود إمكانات كبيرة لدول الخليج، يمكن تنظيم استقبال اللاجئين السوريين بصورة تضع المخاوف الأمنية في حدّها الأدنى، وخصوصاً مع نجاح دول تملك إمكانيات أقلّ في استضافتهم، مثل الأردن ولبنان، في ظلّ تنامي الحديث عن معاناة اللاجئين في مخيمات اللجوء في تلك البلدان.

من جهته، يرى الكاتب والصحافي السعودي، أيمن الحماد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّه “لا يمكن توجيه انتقادات عشوائية لدول الخليج، بحجة أنّها لم تعلن عن استقبالها للاجئين سوريين”، موضحاً أنّه “يجدر بنا الإشارة إلى تضاعف أعداد السوريين الذين دخلوا إلى المملكة بتصاريح لزيارة أفراد عائلاتهم منذ بدء الأزمة السورية . وللأسف لا يوجد رقم معلن، لكن المملكة منحت الكثير ممن لديهم علاقات اجتماعية مع سوريين مقيمين على أرض المملكة فرصة للمّ الشمل وكذلك التمتع بمميزات، منها التعليم والصحة ومعاملة استثنائية. وقد صدر قرار ملكي قبل عام لقبول 3 آلاف طالب سوري في الجامعات السعودية”.

لكن الحماد لم ينف المخاوف الأمنية قائلاً: “هناك بعض الهواجس، ربما الأمنية أو غيرها، قد تعوق بعض دول الخليج من استضافة سوريين على غرار ما فعلت المملكة، لذا فإن دعم الدول التي تحاذي سورية كالأردن ولبنان، يجب النظر إليه بإيجابية وكمساهمة فاعلة خفّفت من تداعيات الأرقام الكبيرة التي تلجأ إلى هاتين الدولتين”، معتبراً أنّه “ربما من دون هذا الدعم، كانت عمان وبيروت ستواجه مأزقاً كبيراً”. ويلفت الحماد إلى أنّه “لا يجب المقارنة بالدول الأوروبية. فالدول الأوروبية والغربية عموماً، لديها برامج مؤسساتية للمهاجرين وإدماجهم، لكن المشكلة التي تواجه أوروبا هي الأعداد الكبيرة فقط”.

الخليج العربي

 

 

 

 

 

الأوروبيون وحرب البحر المتوسط/ عبد الرحمن الراشد

انتظرنا في القطار ثلاث ساعات قبل أن يجتاز ميناء كاليه، وذلك بسبب أنباء عن وجود مهاجرين على طرفي سكة الحديد. ووصلنا إلى لندن بعد منتصف الليل قادمين من باريس. ولم تكن الفوضى التي عطلت عبور القطار السريع حالة فريدة، فموجات من المهاجرين المتسللين إلى أنحاء أوروبا أصبحت التحدي الرئيسي لحكوماتها أمنيا واقتصاديا وقانونيا، بعد أن دخلوها عبر الحدود والبحار والمدن والقطارات. الاتحاد الأوروبي في حالة انعقاد مستعجلة لإنجاز قوانين تعالج المشكلة، وهناك حديث عن تشكيل قوة بحرية في البحر الأبيض المتوسط للسيطرة على حركة الملاحة فيه ومنع التدفق غير المشروع، وهي خطوة ستتطلب موافقة دولية.

ورغم الشكوى فإن الرقم لا يزال قابلا للاستيعاب، مائتا ألف مهاجر غير شرعي حتى الآن. إنما ما تخشاه الحكومات الأوروبية هي الموجات الأكبر. الاحتمال أن يحاول ملايين من الفارين من أفريقيا وآسيا السباحة إلى بلدانهم أو عبورها برًا، عندها ستصبح الأوضاع خارج السيطرة، وتضعهم في شبه حالة حرب. وربما بالغ أحد المسؤولين الإسبان عندما حذّر بأن الأوروبيين سيصبحون أقلية في بلدانهم بسبب غزو المهاجرين لها.

السؤال: لماذا تدفق المهاجرون بهذه الأرقام الكبيرة فجأة اليوم؟ مَن الذي فتح لهم البحر؟

أحد المحللين العرب يجزم بأن هناك حكومات تتعمد دفع الناس إلى الهروب. وهذا غير معقول، لأن الهروب إلى أوروبا له سببان، الأول سقوط أنظمة كانت ملتزمة بحراسة شواطئها، مثل ليبيا وسوريا، وبغياب النظام صار البحر مفتوحا للمهربين والهاربين. ثانيا، الحروب والفوضى دفعت قسرًا آلاف الناس إلى البحث عن مأوى، وهذا أمر متوقع في ظل مقتل مئات الآلاف الناس في سوريا وليبيا وغيرهما، وتهجير أكثر من اثني عشر مليون إنسان. من المؤكد أن عدد الهاربين إلى أوروبا سيتضاعف.

والحقيقة أن مخاطر زيادة تدفق أعداد الفارين إلى أوروبا بسبب حروب الشرق الأوسط كانت أمرا قد قيل وبحث مرارا خلال السنوات القليلة الماضية، وخصوصا بعد أحداث الربيع العربي. ليس مفاجئا ما نشاهده، لكن الحكومات الأوروبية بدأت تعاني منه فقط الآن. وإذا كانت القارة قلقة من دخول مائتي ألف، فيمكننا أن نتفهم الظروف الصعبة التي تعانيها بلدان مثل الأردن ولبنان وتركيا، التي ينام في مخيماتها ومدنها ملايين اللاجئين، وهي بإمكانيات اقتصادية محدودة.

أمام الأوروبيين، والمجتمع الدولي عموما، مهمتان للحد من الأزمة. الأولى، دعم الدول الراعية للاجئين وتمكينها من تقديم خدمات ضرورية تبقيهم على أراضيها. والثانية، التدخل لإنهاء مأساتي كل من سوريا وليبيا. فالتردد أطال أمد الصراع، وفي النهاية نحن نثق أن التدخل العسكري الجماعي أمر سيحدث، وسيكون هو الحل الوحيد لوقف الحرب، وفرض حل دولي، وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم ومساعدتها على إعادة توطينهم.

دون دعم الدول المجاورة المضيفة للاجئين، والتدخل العسكري، سيحاول ملايين الهاربين الوصول إلى أوروبا، القارة المستقرة والمؤهلة اقتصاديا لاستيعابهم، وستتفاقم الأوضاع.

اعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير السابق لصحيفة “الشّرق الأوسط” والمدير العام السابق لقناة العربيّة

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

السوريون يفرون من الأسد إلى أحضان “ماما ميركل”/ لندن ـ مراد مراد

بعضهم يحمل صورها، والبعض الآخر يحمل لافتات تحمل اسمها، لكنهم جميعا يهتفون «ماما ميركل». هذه هي مشاهد اللاجئين السوريين الذين يقطعون في أحيان كثيرة عشرات الاميال سيراً على الاقدام في سبيل الوصول الى ألمانيا التي فتحت ذراعيها لاستقبالهم مهما كان عددهم، فقد اعلنت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل صباح امس ان «السلطات الالمانية ستقوم بدراسة حالة كل لاجئ للتثبت من انه فعلا لاجئ حرب»، اي من دول كسوريا والعراق وافغانستان واليمن وفلسطين وليبيا. وأكدت ان «لا سقف او حد معين لعدد اللاجئين الذين ستمنحهم المانيا اللجوء اليها. سنمنح اللجوء الى كل لاجئ سوري، فنحن اقتصادنا قوي ومتين وقادرون على مواجهة هكذا ازمة.

وبعد سماعها هذه الكلمات الالمانية المرحبة باللاجئين عموماً وبالسوريين منهم خصوصا، اضطرت الحكومة الهنغارية صباح امس الى تغيير موقفها من عدم نقل اللاجئين من بودابست الى الحدود النمسوية وخصصت باصات وقطارات لنقلهم، لكنها قررت بعد الظهر وقف ارسال المزيد من الباصات وعدم تخصيص المزيد من القطارات لهذا الغرض، بعدما بدأت آلاف جديدة من المهاجرين تظهر عند الحدود الصربية – الهنغارية راغبة بدورها في الوصول الى المانيا.

وتساءل رئيس الوزراء المجري فيكتور اوربن «ما مدى نفع تقاسمنا عشرات الآلاف من هؤلاء اللاجئين بين بلداننا الاوروبية ما دمنا على يقين ان ملايين آخرين سيلحقون بهم. ان هذه الموجة لا ارى نهاية لها». وتؤكد مصادر في بودابست ان اوربن سيرسل الجيش المجري لتشديد قبضته على الحدود مع صربيا ويغلقها تماما في وجه اللاجئين بعد 10 ايام وهي المدة الزمنية المتوقعة لتنتهي هنغاريا من بناء سياج شائك عال على طول حدودها مع دول البلقان. وتبنى البرلمان الهنغاري قانونا جديدا يحكم بسجن اي لاجئ يدخل بصورة غير شرعية الاراضي المجرية بالسجن لمدة اقصاها 3 اعوام.

وبدأ نحو الف لاجئ من السوريين الذين توفرت لهم صباح امس الباصات المجرية الى النمسا، يصلون تباعا الى ميونيخ في المانيا على متن قطارات قادمة من النمسا التي حلت هي الاخرى ارتباطها باتفاقية دبلن الخاصة بقوانين اللجوء في الاتحاد الاوروبي، ويتوقع ان يصل عدد الوافدين الى الاراضي الالمانية الى نحو 10 آلاف لاجئ قبل فجر يوم غد الاثنين. فمنذ توقف القطارات والباصات المجرية بعد ظهر امس عن نقل اللاجئين، لا يزال آلاف من هؤلاء يقطعون مسافات مئات الاميال سيراً على الأقدام للوصول الى النمسا. وتزعم بعض وسائل الاعلام نقلاً عن مصادر في فيينا ان الحكومة النمسوية قد ترسل في الساعات المقبلة باصات او قطارات الى داخل هنغاريا لنقل المهاجرين الى اراضيها تمهيدا لترحيلهم على متن قطارات الى المانيا.

واكدت وزيرة الداخلية النمسوية يوهانا ميكل – ليتنر امس بعد حل التزام بلادها استثنائيا باتفاقية دبلن ان «النمسا لن تستخدم القوة لمنع دخول آلاف من اللاجئين الذين تدفقوا اليها قادمين من هنغاريا، ولن تجبرهم على التسجيل كلاجئين هنا في النمسا» على عكس ما كانت السلطات الهنغارية تفعل التزاما منها بتطبيق معاهدة دبلن. واضافت في بيان إن «أكثر من 6 آلاف لاجئ وصلوا إلى النمسا منذ ليلة الجمعة – السبت. وكل لاجئ بإمكانه تقديم طلب لجوء في النمسا، فنحن نعلم جميع الوافدين بهذه الإمكانية ونترك لهم حرية الاختيار: اللجوء الى النمسا او اكمال المشوار الى المانيا». وأوضحت ان «نحو 10 لاجئين فقط تقدموا بطلبات لجوء في النمسا حتى الآن. الآخرون يرغبون في إكمال الرحلة وأغلب هؤلاء يقصدون المانيا». وختمت «اؤكد أمرة أخرى أن أفراد الشرطة النمسوية لن يستخدموا القوة لمنع هؤلاء الأشخاص والأسر والأطفال من دخول النمسا او مغادرتها ولن يجبروهم على التسجيل كلاجئين هنا«.

وينقسم شعب كل دولة اوروبية بما فيها الشعب الالماني بين متعاطف مع اللاجئين ورافض لهم. ويحذر مراقبون من انه في حال استمرت الحرب السورية مدة اطول واستمر زحف اللاجئين الى القارة البيضاء، فقد يؤدي هذا الى احداث شغب داخل المجتمعات الاوروبية قد يدفع ثمنها بعض اللاجئين حياتهم على ايدي الجماعات القومية المتطرفة والنازيين الجدد الذين لم يترددوا في وصف اللجوء بهذه الاعداد الكبيرة بـ«الاجتياح الاسلامي للقارة المسيحية». وتحفل شتى مواقع الاعلام الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات ايجابية وسلبية حيال هذه الازمة التي تهدد كيان الاتحاد الاوروبي والمعاهدات التي اسس عليها.

 

 

 

ماما ميركل!/ عمر قدور

حظيت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في الأسبوع الأخير، بمديح لم يحظَ به زعيم غربي على صفحات التواصل الاجتماعي السوري. وكما هو معلوم كان المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين قد أصدر تعليمات تقضي بتعليق إجراء بصمة دبلن على السوريين الذين يطلبون اللجوء في ألمانيا، وعلى وجه الاستعجال غزت صور ميركل صفحات الفايسبوك بوصفها صاحبة «المكرمة» الجديدة، وراحت التعليقات تتوالى مقارِنةً بينها وزعماء آخرين لم يقدّموا للسوريين مساعدة شبيهة.

قلة من التعليقات على الحدث ذكّرت بأن مأساة السوريين سياسية في المقام الأول، وأن مساعدتهم الأهم هي في التخلص من النظام الذي يتسبب بباقي المآسي، أما التذكير بموقف حكومة ميركل السياسي من الملف السوري فقد انعدم كلياً أمام الامتنان الحالي. لقد تقدّمت المستشارة الألمانية لتُطوَّب «ماما ميركل» عطفاً على «إنسانية» موقفها من اللاجئين السوريين، ونُسي أمر الموقف الرسمي الألماني يومَ مجزرة الكيماوي، حيث كانت المستشارة من أشد الأوروبيين معارضة لمعاقبة النظام، ونُسي أيضاً ما سُرّب من تقرير للمخابرات الألمانية يبرّئ بشار الأسد من إعطاء أمر باستخدام الكيماوي، بل وينص على أنه رفض مراراً طلبات «قادة الجيش» استخدامه.

ثم إننا، ونحن نتابع الأخبار الواردة عن حفاوة الألمان باستقبال السوريين، لا نلحظ أدنى تطور في الموقف السياسي للحكومة الألمانية، إذ نفترض منطقياً أن يثير قدوم تلك الدفعات الضخمة من أصحاب المأساة شهية الإعلام للبحث عن أسباب مأساتهم. لكن النزوع الإنساني، الذي ينبغي تقديره تماماً، لا يترافق بتقدم في الموقف السياسي أو الإعلامي، ومن الضروري أن نسترجع هنا أحاديث أصدقاء ألمان يشكون منذ بداية الثورة من تواطؤ الإعلام والحكومة على تجاهل الحدث السوري، وفي أغلب الأحيان التطرق إليه بما يخدم النظام.

المفارقة بلا شك ستزداد عندما نلاحظ أن موقف الحكومة الفرنسية المتقدّم سياسياً، والذي كان متحمساً لإسقاط الأسد، لا يقابله تطور فيما تقدّمه للسوريين على صعيد الاستضافة. بل العكس هو ما يحصل، فبعد اعتداءات شارلي إيبدو صار واضحاً التناقصُ المطرد في عدد طلبات اللجوء التي تقبلها السفارات الفرنسية، وتغلّبَ همُّ الأمن الذاتي على الاعتبارات الإنسانية. أكثر من ذلك، تشديد الإجراءات في حق السوريين المنكوبين يتهمهم ضمناً بأنهم سيتسببون بمزيد من الإرهاب، مع أن فرنسا تُعدّ في طليعة الدول الأوروبية التي صدّرت المقاتلين الأجانب إلى الساحة السورية، وثمة شك كبير في أن تشديدها على الداخلين يماثله تشديد على الإرهابيين المغادرين من حملة جنسيتها. بالطبع، المفارقة لن تكبر بالحديث عن دول عربية «صديقة للشعب السوري» لم تفتح أراضيها للاجئين، فالمعاتبة لا محل لها مع حكومات لا تحترم حقوق الإنسان أصلاً.

في سياق متصل، أعلنت الخارجية الأميركية في الوقت نفسه أنها ستستضيف ما بين خمسة آلاف لاجئ وثمانية آلاف لاجئ سوري في عام 2016. ما يجدر التوقف عنده ليس ضآلة الرقم المعلن قياساً إلى القوة الأعظم في العالم، وإنما ما يضمره هذا الإعلان من أن القضية السورية لن تجد لها حلاً في السنة المقبلة أيضاً. لندع جانباً ما تتباهى به الإدارة الأميركية من حجم المساعدات الإنسانية التي قدّمتها إلى مخيمات النازحين، فمجملها يكاد يساوي تقريباً الميزانية المرصودة لتدريب 15 ألف مقاتل معتدل حسب وصف الإدارة، وهذه المقارنة كفيلة وحدها بتوضيح ضآلة المساعدات الإنسانية قياساً إلى ما لا يقل عن مليوني نازح سوري فقط في مخيمات الجوار.

وعلى الرغم من أن استفاقة العالم على معاناة النازحين أمر محمود، إلا أنها تتزامن مع أمرين بالغي الأهمية؛ أولهما ما يشيعه الروس، ولا تنفيه الدول المعنية، من قبول غربي بمبدأ مشاركة الأسد في المرحلة الانتقالية، وأن الخلاف حالياً على مسألة تنحيه في نهايتها. ثانيهما خطة المبعوث الأممي دي مستورا التي تمهد لمفاوضات طويلة الأمد بلا شروط مسبقة، أي من دون إلزام النظام بوقف الحرب على السوريين والتسبب بمزيد من الإبادة وموجات النزوح. باختصار، يعكس الاهتمام الإنساني الحالي تراجعاً واضحاً على المستوى السياسي، بل يعكس نية معلنة في عدم العمل على حل فعلي لمشكلة النازحين التي تبدأ بأسباب النزوح. العالم ليس بحاجة إلى رشوة السوريين إنسانياً كي يغطي على تخاذله، أو حتى على المساهمة الحثيثة لقسم منه في إطالة عمر مأساتهم؛ هذه الالتفاتة موجهة أصلاً إلى المواطن الغربي الذي يحتاج توضيحاً وحلاً لصور المهاجرين غير الشرعيين عبر البر والبحر، الناجين منهم والقتلى. إنما لن تكون الالتفاتة أبداً على حساب العوامل الداخلية، الاقتصادية والأمنية، كما نرى في اختلاف المثالين الألماني والفرنسي.

المؤسف أننا، نحن السوريين، صرنا ضحية اليأس من العالم، وأصبح العامل الإنساني أقوى لدينا أيضاً من السياسي بفعل ذلك اليأس. أصبحت الهجرة مطلباً لشرائح متزايدة من السوريين لانعدام الأمل من حل قريب، بما فيها تلك الشرائح التي لا تتعرض لخطر مباشر أو فاقة كبيرة، غير أنها تملك هواجس مشروعة إزاء مستقبلها ومستقبل إقامتها في دول لا تمنحها وضعاً قانونياً مستداماً. الغرب هو الوجهة الوحيدة المتاحة لفاقدي الأمل، وبالتأكيد للباحثين عن خلاص فردي، وقد دللت تجارب سابقة مماثلة على ندرة العائدين من الغرب بعد انتهاء الحروب في بلدانهم الأصلية. خارج الشعارات والعواطف، يمكن القول بأن أغلب السوريين اللاجئين إلى أوروبا لن يعودوا إلى سوريا حتى بعد سقوط النظام، ونسبة المستنكفين عن العودة تتعاظم مع مرور الوقت بسبب خطوات الاندماج المرهقة التي يتبعها اللاجئ، وأيضاً بسبب الأبناء الذين اندمجوا سريعاً في أمكنتهم الجديدة وصار يصعب اقتلاعهم منها. ويمكن القول بأن ندرة منهم قادرة الآن على خدمة القضية السورية من المنافي الغربية، لأن الاندماج في تلك المجتمعات والتأثير بها يتطلب سنوات.

اتهام العالم بالضلوع في مؤامرة كبرى لتغيير الواقع الديمغرافي السوري لن يكون مفيداً أو صائباً، وكذلك امتداح هذه الزعامة أو تلك لمساهمتها في تسهيل الهجرة. ثمة خيار أقرب إلى السياسة، يتعين في الإلحاح المستمر على القوى الفاعلة دولياً كي تضطلع بمهماتها السياسية والإنسانية معاً، وكي لا تغلّب الأخيرة منهما على الأولى. مساعدة ناجٍ من الغرق أمر يستحق الشكر حتماً، لكن الأمر يتطلب قولاً آخر عندما تمتد يد للغريق واليد الأخرى للمجرم الذي دفع به إلى الغرق.

المستقبل

 

 

 

 

قاتل آلان قتل حمزة أيضاً/ الياس حرفوش

ليس آلان أول طفل سوري يذهب ضحية الكارثة التي حلّت ببلده، ومع الأسف لن يكون الأخير. وإذا كانت صورة هذا الطفل على الشاطئ التركي قد هزّت العالم واحتلّت صدر الصفحات الأولى من الصحف، فإن أطفالاً كثراً في سورية ماتوا ويموتون كل يوم، ولا يثير موتهم قلق العالم ولا يحرّك ضميره، لأنه لا يرى صورهم في صحفه وعلى شاشاته، أو لأنه يفضّل تجاهل هذه الصور إذا كانت ستدفعه الى قرار سياسي يتجاوز تحرّك الضمير.

جيد أن يقلق الغرب بعد موت هذا الطفل بالصورة المفجعة التي شاهدناها، وأن يبادر باندفاع إنساني، الى فتح أبواب دوله لاستقبال عدد أكبر من الهاربين من الحرب السورية والحروب الأخرى وسائر المجازر التي تُرتكب في منطقتنا من دون حساب. لكن لهذه الهجرات والكوارث والمجازر أسبابها، ولو اهتمّ الضمير الغربي بهذه الأسباب منذ البداية لما كان مضطراً اليوم الى مواجهة هذه النتائج.

أمام مسلسل المأساة السورية، وقف الغرب متفرجاً. وبين الشلل الغربي والانتهازية الروسية والدعم الإيراني للنظام، طالت المأساة. وما جثة الطفل آلان الممددة على الشاطئ إلا واحدة من النتائج. مثل آلان ابن كوباني، مات الطفل حمزة الخطيب ابن بلدة الجيزة في محافظة درعا. لم يذهب حمزة ضحية أمواج البحر التي قذفت جثّته الى الشاطئ، بل مات تحت تأثير التعذيب الذي ارتكبته عناصر أمنية مجرمة بأوامر من نظام بشار الأسد. أحرقت جسده وكسرت رقبته وقطعت عضوه التناسلي، وهو ابن الحادية عشرة. هل يكفي تبريراً لصمت ضمير العالم أنه لم يرَ صورة جثة حمزة الخطيب على شاشاته ولهذا لم يتحرك؟!

صحيح أن صورة آلان الكردي حرّكت القلوب وأظهرت للعالم حجم الكارثة الواقعة على السوريين، والتي تدفع عائلاتهم الى المخاطرة بكل شيء، بما في ذلك حياتهم، من أجل ترك بلدهم بحثاً عن مستقبل أفضل… وأي مستقبل سيكون أفضل لهم من البقاء تحت «رحمة» النظام السوري. وصحيح أن صورة هذا الطفل أظهرت لنا مجدداً أن الغرب أكثر رقياً من مجتمعاتنا في التعاطي مع الكوارث البشرية وفي احتضان ضحاياها. ومع أن بعض الأصوات الناشزة ارتفعت في أوروبا (كما من رئيس حكومة المجر أو من حكومة سلوفاكيا) تدعو الى استقبال اللاجئين المسيحيين فقط، فإن هذه الأصوات أثارت اشمئزازاً من جانب سائر الحكومات الأوروبية قبل أن تثير انتقاداتنا، واعتبرت مناقضة للقيم التي يحترمها الاتحاد الأوروبي ويدافع عنها. هل نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن احترام هذه القيم الإنسانية من جانب حكوماتنا وفي مجتمعاتنا؟

كان التعاطف مع موت آلان عفوياً شعبياً وإعلامياً في الغرب، اضطر القادة والسياسيون الى تعديل قراراتهم للتجاوب معه. غير أنه في مقابل هذا التعاطف، وجد البعض فرصاً للمتاجرة بمأساة الطفل. هناك من اعتبرها مناسبة لانتقاد الحكومات الغربية لأنها تتعامل «بطريقة مخزية» مع اللاجئين. كلام لا يمكن تقدير درجة وقاحته إلا عندما نعرف أنه صادر عن النظام السوري، المسؤول عن استمرار هذه المأساة. أما على الجانب الآخر، فقد وجدها رجب طيب أردوغان فرصة للتشفّي، فاعتبر أن الحكومات الغربية حوّلت البحر المتوسط الى «مقبرة للاجئين»، متناسياً أن حكومته تتحمّل مسؤولية لا بأس بها عن حرب كوباني، التي جاء منها هذا الطفل، لتصفية حساباتها مع الأكراد. وفي مقابل ردود الفعل هذه، كان كلام ابراهيم، والد آلان، مدوياً ببساطته، إذ تمنى أن تكون صورة جثة ابنه كافية لوقف مأساة بلده، قبل أن تقضي على أطفال سورية الباقين.

الحياة

 

 

 

يأسنا الذي يدهم أوروبا/ عمر قدور

لا أهمية لاحتلال صور النازحين السوريين، القتلى والأحياء، صدارة الصحف والتلفزيونات الغربية، إذا بقي تجهيل القاتل مستمراً. لا معنى للقول إن هؤلاء هربوا من الحرب، أو قُتلوا بفعل جشع مافيات التهريب، ولا معنى حتى لتقريع الحكومات الغربية التي تتخذ إجراءات مشددة لضبط حدودها. تلك هي تفاصيل ثانوية، لن تفيد معالجتها سوى في تحسين بعض شروط الهجرة، ومن المرجح مع توالي الحوادث المشابهة أن يفقد الغريق الجديد البريق الإعلامي لسابقه، كما من المرجح أن يعود بعض الحكومات إلى تعاطيه الخاضع لاعتبارات داخلية خاصة بقدرته على الاستيعاب، سواء من الناحية الاقتصادية أو الثقافية.

الجدير بالذكر أن آخر حضور إعلامي كثيف لضحايا سوريين كان قبل سنتين، عندما استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي. في ما تلا ذلك، فهِم الإعلام الغربي أن قضية السوريين غير مدرجة في أولويات الساسة، وستكون مملة للقارئ أو المشاهد متابعة سيل الجثث التي تحولت مجرد أرقام لا تثير حراكاً دولياً. إصدارات «داعش» المبهرة ستصبح ذات جدوى إعلامية أعلى، لا لأنها تلاقي عقلاً استشراقياً كما يحلو للبعض اختزال الأمر، وإنما لفهم الإعلام واقع التحول في اهتمامات الساسة المؤثرين، وفي مقدمهم الإدارة الأميركية التي عقدت صفقة الكيماوي مع بشار وأنشأت حلفها الدولي ضد «داعش».

توجيه اللوم للإعلام الغربي على تقاعسه إزاء ضحايا البراميل المتفجرة مثلاً، واستفاقته على ضحايا النزوح، لن يبدو في محله، ففي الحالة الأخيرة لدينا عدة قرارات حكومية لدول في الاتحاد الأوروبي تواكب مسألة الهجرة، ولدينا قبلها أضخم موجة نزوح تداهم الشواطئ والحدود البرية للاتحاد الأوروبي. تجاهل المشكلة لم يعد ممكناً، بعد أن وصلت إلى قلب أوروبا، بالضبط لم يعد ممكناً أمام الرأي العام الغربي، ونبالغ في تقدير الذات إذا ثمّرنا قيمة ضحايانا بمفردهم، فالأساس هنا في وعي إنساني تتمتع به المجتمعات الغربية، من دون ربطه تلقائياً بوعي أو فعالية سياسيين.

إذاً، من الضروري التفريق جيداً بين عتبة الوعي الإنساني، المترافقة بما أنجزته تلك الشعوب لنفسها أولاً، والسياسات الخارجية للحكومات الغربية، حتى مع التنويه بأنها حكومات منتخبة ديموقراطياً، فهي قلّما تُنتخب على أساس السياسة الخارجية لها، ما لم تؤثـــر الأخيرة في شكل ملحوظ على الداخل. هذا التفــريق ينبغي ألا يقود إلى الفصل التام بين المستويين، حالما تتاح الفرصة كي يطّلع المواطن المنــــشغل بهمومه على مآسٍ خـــارجية صادمة. لقد رأينا كيف كثرت تظاهرات الأميركيين عندما بثت شبكات التلفزة الكبرى مشاهد مأساة البوسنة وكوسوفو ووضعتها في طليعة نشراتها الإخبارية، ورأينا في المقابل كيف لم تتمكن أوروبا بمفردها من حل مسألة على قدر كبير من الخطورة في خاصرتها.

لذا ينبغي الانتباه جيــداً لطريقـــة تغطيـــة مأساة النازحين الحالية. صحيفــة عريقـــة مثـــل «واشنطن بوست» تكاد تقـــول في تغطيتها الحدث أن المشكلــــة هي بــــــين النازحين وأوروبـــا، وبعض الصحف الأوروبية لم يـــصل أبعد من انتقـــاد سيـــاسة الحــكومات إزاء ملـــف الهجرة، مـــن دون التطرق جدياً إلى الأسباب الكامنة وراء مــا يُصنّف بأنه أكبر موجــــة نزوح في العصر الحديـــث. العديد أيضاً من اللقاءات الرسمية الأوروبيــــة اقتصر على الجانب الأوروبي من الحدث، وكيفية تقاسم المسؤوليات الإنسانية، أي غاب عنها البحث في حل الجذر السياسي للمشكلة، مع إدراك المسؤولين الأوروبيين أن بلدانهم ستتولى عملياً توطين المهاجرين الذين يستبعد أن تعود منهم سوى قلة قليلة. الخطأ الأوروبي هنا ليس في تجاهل الأسباب السياسية المباشرة فحسب، وإنما في تجاهل جوهر ما يدفع أولئك اللاجئين إلى الانسلاخ النهائي عن أوطانهم.

بعبارة أوضـــح، ليســــت جرائــم نظام بشـــار الأســـــد وجرائــــــم «داعش» السبب الوحيد، بــــل استمـــرار هذه الجرائم من دون أفــــق لإنـهـــائها، وتدمير مقومات العيش الحالي والمستقبلي لشريحة متعاظمة من السكان.

قبل ثلاث سنوات مثلاً، كانت جرائم بشار تُرتكب، لكننا لم نكن إزاء موجة ضخمة من النزوح إلى أوروبا كالتي نراها الآن. نحن الآن في مواجهـــة ما تمكن تسميته الموجة الثانية التي تفــوق سابقتها عدداً وضراوة، غالبية نازحـــي الموجة الأولى توجهت إلى دول الجــوار، علـى أمل العودة قريباً، قسم ضئيل غادر إلى أوروبا مباشرة. تدريجياً، ضاقت الأحوال في دول الجوار، وما كان مقبولاً بوصفه شدّة عابرة لم يعد يُحتمل إلى أجل غير مسمى. حتى الشرائح الميسورة أنفقت مدخراتها، وحتى أولئك الذين يعملون في دول الخليج راحوا يفكّرون في نهاية عقودهم وانتهاء صلاحية وثائقهم التي لا يستطيعون تجديدها.

هي قوة اليأس ما يدفع بالسوريين إلى الشتات الأوروبي. لقد طال انتظار حل لم يأتِ، وتتوالى القوى الدولية الفاعلة على تأكيد عدم اقترابه. هو يأس أقوى مما قد يُظن لأنه يأتي بعد انحسار موجة تفاؤل بالتغيير. فالتنكيل الذي جرى بحلم التغيير، مادياً ومعنوياً، يكفي لإشاعة اليأس التام من الحاضر والمستقبل. هذا أهم ما ينبغي الانتباه اليه أوروبياً. فاستمرار حالة اليأس يعني توالداً مستمراً لموجات النزوح تجاه البر الأوروبي بوصفه نافذة الأمل الوحيدة، والأمر لم يعد يتعلق بمدى ما تقدمه دول المنطقة من تسهيلات للاجئين، بما أن الإقليم برمته صار مهدداً بعدوى اليأس السوري.

كانت الفكرة السائدة لدى صانعي القرار محاصرة المقتلة السورية ضمن حدودها الجغرافية، بحيث لا تثير فوضى إقليمية عامة. مع تدفق النازحين إلى أوروبا صار ملحّاً التخلص من ذلك الوهم، مثلما هو ضروري عدم الركون إلى القدرة على ضبط حدود الاتحاد الأوروبي أمامهم. ما لم يستطع السوريون تحقيقه بقوة الأمل قد لا يردعهم شيء عن تحقيقه بقوة اليأس الذي بات يطرق القارة العجوز من مختلف منافذها، بما في ذلك المنفذ القطبي.

الحل الوحيد المتاح هو إنهاء المقتلة السورية، بوصفه مدخلاً لإعادة شيء من الأمل إلى المنطقة ككل، وهو يقتضي شجاعة من الحكــومات الأوروبية لأن بلدانها صارت في موقع المتضــرر من السياسية الأميركية الروسية في المنطقة. من مصلحة أوروبا التحرك فوراً من أجل حل منصف ومستدام، وإلا سيترتب عليها ابتلاع المزيد من اليأس القادم من الجنوب.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى