صفحات الرأي

عن العلمانية والخطاب الأيديولوجي/ رشيد بوطيب

 

 

من يتابع مقالات «الإسلامويين» حول العلمانية، وأعني بالإسلامويين أولئك الذين ينتجون خطاباً أيديولوجياً حول الدين والدولة، يصطدم مباشرة بسوء فهم كبير لهذا المفهوم، كما يقف على سوء فهمهم الديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية المرأة إلخ…

يتساوق ذلك مع سوء فهم كبير للدين والتراث عموماً، لأن قراءتهم مغلقة، فهي لم تكتشف التاريخ، فتورطت، إذا أردنا استعمال مصطلح معبر لمحمد عزيز لحبابي، في «التأرخخ»، و «التأرخخ» أو اللاتاريخانية، أقصر الطرق إلى الأيديولوجيا وأقربها إلى الوهم.

يعود سوء الفهم هذا إلى طبيعة السياق التاريخي الذي ظهرت فيه الحركات الإسلاموية. لقد اصطدم الإسلامويون كغيرهم بهذا المفهوم أو النظام في سياق الاستبداد. عانوا الأمرين من استئصالية بن علي وعسكر الجزائر والبعث والناصرية، من علمانية هي أيديولوجيا استئصالية، فجاء ردهم استئصالياً وأيديولوجياً، وهو رد تتوجب دراسته وفقاً لمنهجية التحليل النفسي أكثر مما وفقاً لمناهج الدراسات الثقافية أو الفلسفية. غير أن هذا الفهم الأيديولوجي للعلمانية، نلتقيه أيضاً في كتابات مفكرين عرب معروفين، وأذكر هنا ما كتبه المفكر المصري حسن حنفي في العدد الأخير من مجلة «الفيصل» السعودية. إنه يعرف العلمانية باعتبارها دفاعاً عن العقل وعن مركزية الإنسان في الكون، وأنها «اتجاه نحو العالم وليس إلى خارج العالم». ثم ينتقل مباشرة للحديث عن الإسلام، وهي منهجية معروفة من الخطاب الأيديولوجي الذي يتحرك دائماً في إطار ثنائيات زائفة ويشتغل وفقاً لمنطق مانوي. يتحدث حنفي عن الإسلام كدين للعقل ويرى أن العلمانية موجودة في القرآن وفي الإسلام باعتباره ديناً للعقل.

مغالطات مفاهيمية هي ديدن التفكير الأيديولوجي، وتفكير في إدمانه التبجيل والشعارات، يحول دون فهمنا النص الديني. فأي قارئ للقرآن الكريم، سيقف في داخله على مستويات خطابية متعددة، ويكتشف أنه ليس خطاباً عقلانياً فقط، إنه خطاب ديني، وهو لذلك يخاطب الإنسان في كليته، عقلاً وقلباً وقالباً، وجوارح ومشاعر وخيالات إلخ…

لهذا، يطالبنا الدين بالإيمان، والإيمان أكبر من العقل، وهو متعدد، فقد يخطئ عقلي الطريق إلى الدين، وقد لا يخطئ قلبي طريقه، في حين أن العقل مفرد (وإن تعددت أصواته!)، والإيمان منفتح والعقل مغلق، والإيمان علاقة والعقل حقيقة.

بقي أيضاً أن نؤكد أن العلمانية لا يجب اعتبارها مرادفة للعقل والعقلانية أو لحكم العقل. لأن العقل نظرة إلى العالم، موقف، عقيدة، في حين يتوجب فهم العلمانية، ضداً على السردية اليعقوبية، باعتبارها طريقة لتنظيم المجال العام، وأفضل الطرق إلى ذلك هو الفصل بين الدين والدولة، لأن من شأن ذلك أن يحرر الإنسان والدين والدولة معاً.

إن الخطاب التبجيلي يخطئ روح الدين، ولا عجب في أن يعتبر حنفي أن الإسلام احتوى كل القيم العلمانية. مثل هذا الخطاب يفصلنا عن الدنيا أيضاً، وهو يؤسس في النهاية للأيديولوجيا ويقف على النقيض من الإيمان باعتباره تجربة حية وشكّاً مستمراً!

* كاتب مغربي

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى