رزان زيتونةصفحات سورية

عن “المبادرة الوطنية”!


رزان زيتونة

من المبكر جدا التفاؤل بما سينتج من مبادرة الهيئة الوطنية التي يجري حالياً التباحث حولها بين قوى المعارضة والحراك الثوري في الدوحة. منذ الآن يبدو أن طريق المبادرة لا يزال حافلاً بالعقبات، خاصة مع موقف المجلس الوطني الرافض والمشكك والذي يعتبر المبادرة بمثابة مؤامرة ضد وجوده!

ومازاد الأمور تعقيداً هو التصريح الفج للسيدة كلينتون حول الموقف من المجلس والمبادرة. لا تعي الولايات المتحدة أن رصيدها أصبح صفرا في الشارع الثوري. وأن معظم هذا الشارع لا يجد في ما تظهره من عجز في التعامل مع الملف السوري، وممانعة لتسليح الثوار، إلا دعماً غير مباشر للنظام في قتل شعبه.

على الرغم من أن المجلس أو عدداً من أعضائه وكتله انجروا إلى استخدام أدوات النظام من تخوين وتشهير في رد فعلهم على المبادرة، وعلى الرغم من أن الخلافات والنزاعات الشخصية لبعض قادته هي مايحكم جانب من موقفهم هذا، فإنه لا يمكن التشكيك بالمواقف الوطنية للمجلس من حيث المبدأ. المشكلة أن تلك المواقف محاطة بكم هائل من فوضى الأداء وفشله على جميع الأصعدة.

فات المجلس أن أداءه ذاك كان سبباً في ترك البلاد ساحة مفتوحة للدول “الصديقة والشقيقة” وتدخلاتها من كل حدب وصوب. وأن ما خلقه من فراغ حاولت مختلف الأطراف استغلاله كل لمصلحته، وبذلك انتفى الهدف الوحيد الذي يرفع المجلس لواء الدفاع عنه.

لا شيء يضمن عدم تكرار الأخطاء نفسها مع المبادرة الجديدة. المعارضون ــــ كأشخاص ــــ هم أنفسهم من فشلوا خلال الأشهر الماضية في التوافق على خطة عمل جدية تساعد الثورة على الاستمرار وتقربها من النصر. والحراك الثوري من المستبعد أن يكون له دور حقيقي في إدارة الأمور في أية مبادرة جديدة. عملياً يستحيل على الثوار في الداخل المشاركة فعليا في ظل أجواء الحرب التي يعيشونها. وممثلوهم في الخارج هم في الغالب جزء من تركيبة المعارضة السياسية نفسها.

مع ذلك، فواقع الحال يستحق المحاولة، خاصة إن أُخذت أخطاء الأشهر الماضية في الاعتبار. نحتاج في المبادرة الجديدة إلى وضوح في الأسس التي تقوم عليها وفي خطابها السياسي. أن تتوجه إلى السوريين بما تستطيع فعلا أن تقدمه وليس ماتتمنى أن تقدمه. نحتاج إلى أمور بسيطة جداً لكنها تؤمن تواصل الثورة مع الهيئة الجديدة وأعضائها بشكل سليم وبعيدا من الولاءات الشخصية. شبكات عنقودية للتواصل مع الثوار والتنسيقيات. خارطة واضحة للمناطق المنكوبة وخطة عملية للتعامل مع واقعها الكارثي. مكتب ارتباط للتواصل مع الكتائب المسلحة على الأرض. “الفصل بين السلطات” داخل الهيئة الجديدة، بما يضمن عدم خلط الأوراق وبقاء المال السياسي وقذارته بعيدا من أجواء الثورة.

قد لا تتمكن الهيئة الجديدة من إحداث تغيير يذكر على صعيد المواقف الدولية المتخاذلة، لكنها تستطيع أن تفعل الكثير على الصعيد الداخلي، من دعم الثورة والمساهمة في إدارة شؤونها وتصحيح أخطائها واستمرارها، في مد الناس بالطاقة والقدرة على المقاومة في الوقت الذي لا نعلم فيه كم من الوقت قد يستمر الوضع على هذه الحال.

أخيرا، على المبادرة الجديدة وأهلها ــــ إن كتب لها النجاح ــــــ الأخذ بالاعتبار، أن كسب ثقة الثوار لن يكون سهلاً بعد تجربة المجلس الوطني، وكذلك خسارة الثقة التي قد تكتسب قد يكون سريعاً جداً، إن لم يتم إنجاز عمل حقيقي يخدم الثورة. فضلاً عن ضرورة أن تكون المبادرة واضحة منذ البداية في سقفها السياسي، بما ينفي بشكل قاطع، كل الأقاويل التي تقال حاليا حول المبادرة. السقف السياسي لأي مبادرة جديدة إن لم يتطابق مع سقف الثوار، فهي محكومة ليس فقط بالفشل، بل بالسقوط وطنياً وأخلاقياً.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى