صفحات الناس

عن المسرح والموسيقى في سجن صيدنايا/ سامي حسن

 

 

صدق أو لا تصدق: مسرح مكتمل العناصر، نصاً وتمثيلاً وإخراجاً وموسيقى تصويرية، ومعهد لتعليم العزف والغناء، وورشات لتصنيع الآلات الموسيقية (عود، كمان، ناي…). كل ذلك في سجن صيدنايا السوري السيئ الصيت! كنوع من الترفيه أو في إطار برامج الإصلاح والتوجية للسجناء، يحصل في بعض الدول أن ترسل الجهات المعنية فرقاً فنية لتقديم عروض مسرحية أو موسيقية في السجون. لكنّ المسرح والموسيقى في سجن صيدنايا، اللذين كتب عنهما المعتقل السياسي السابق مالك داغستاني، هما شيء مختلف، وحالة أقرب إلى الخيال. فالإبداع الفني هنا ليس وافداً من خارج السجن بل من صنع المعتقلين أنفسهم.

لست في وارد تلخيص المقالين المنشورين في موقع «الجمهورية»، اللذين كُتبا من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس، لأن التلخيص سيحرم القارئ التفاصيل المليئة بالدهشة والإبداع. فالهدف من استحضارهما هنا هو المقارنة بين نظام ديكتاتوري، استخدم ما لا يخطر على بال من وسائل وأساليب لتحطيم معارضيه، وجعل من سجن صيدنايا مسلخاً ومحرقة للسوريين، وبين سوريين أحبوا الحياة وحولوا هذا السجن، رغماً عن أنف السجان، إلى مسرح ومعهد للموسيقى وغير ذلك من الفنون. هي مناسبة، إذاً، للكشف مرة أخرى عن حقيقة النظام وبشاعته وتفنيد مزاعمه وأكاذيبه. فالمعتقلون الذين يتحدث عنهم مالك داغستاني لم يكونوا متطرفين ولا سلفيين ولا تكفيريين. إن شئت تصنيفهم فكرياً، فهم يساريون علمانيون، وإن شئت تصنيفهم ذلك التصنيف الطائفي البغيض، فهم من حيث الولادة ينتمون إلى جميع الطوائف، فهم سنّة وعلويون واسماعيليون ومسيحيون ودروز، وإن شئت تصنيفهم مناطقياً، فهم يغطون مساحة الوطن السوري، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، أما أصولهم القومية فهم عرب وكرد وشركس إلخ… أما بالنسبة لفترة الاعتقال فكانت قبل أكثر من عقدين.

حينها لم تكن في سورية ثورة تريد إسقاط النظام. ولم يكن هناك من يحمل السلاح إلا النظام. أما سلاح المعتقلين فكان الكلمة، التي طالبوا من خلالها بدحر الديكتاتورية والظفر بالحرية. فعوقبوا على ذلك بزجهم في السجون عشرات السنين، ناهيك باستشهاد بعضهم تحت التعذيب.

إذاً، فليعلم من لم يعلم بعد، لا سيما أولئك الذين يتحدثون اليوم عن المؤامرة على سورية ويدافعون عن نظامها المجرم ويصورونه كحمل وديع ما كان ليكشر عن أنيابه لولا الوحوش التكفيرية الظلامية، أن هذا النظام يخاف من القصيدة والرواية والأغنية والمسرح واللوحة والمقال أكثر مما يخاف من السلاح. لذلك، وفي سياق استراتيجيته لتصحير الحياة السياسية والثقافية في سورية، زج بمعارضيه من الكتاب والصحافيين والأدباء والفنانين في السجون، وضيّق الخناق على من تبقى منهم خارجها. ولذلك أيضاً، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع ثورة الحرية والكرامة في أواسط آذار (مارس) 2011، بذل كل ما يستطيع لدفع الثورة نحو التسلح وكان له ما أراد، حيث أخرج من سجونه المتطرفين من أنصار حمل السلاح الذين أسسوا جبهة النصرة وغيرها من التنظيمات العنفية الأصولية، بينما قام بملاحقة واعتقال وقتل نشطاء الثورة السلميين.

اليوم، بعد مرور ست سنوات على اندلاع ثورة الحرية والكرامة، وبعد نحو نصف قرن من حكم النظام الأسدي، يمكن تمييز ثلاثة وجوه لسورية: وجه النظام القبيح الذي يقتل ويعتقل ويهجر ويدمر، ووجه المتطرفين الأصوليين الذين يشبهون النظام في إجرامهم وتوحشهم، ووجه السوريين المنحازين للحياة والجمال والإبداع ولقيم الحرية والعدالة والمواطنة. وللتعرف الى هذا الوجه الجميل لسورية، لا بد من قراءة ما كتبه مالك داغستاني. عندئذ، سيعرف من لم يعرف بعد، لماذا يستحق السوريون نظاماً غير نظامهم الحاكم، ولماذا يستحقون الحرية والحياة.

* كاتب فلسطيني سوري.

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى