صفحات الرأي

عن المملكة وأوهام ربيعها السلطوي


عبد الله امين الحلاق

بات غنياً عن القول إذا ما أراد الكاتب أن يصدّر موقفاً واضحاً من قضية الحرية, دونما مراوغة أو محاباة لهذا النظام العربي أو ذاك, أن الحرية التي تهتف بها الشعوب العربية لا تتجزأ, وهي قضية واحدة وإن اختلف الموقع الجغرافي وخصوصية كل حالة من ليبيا إلى اليمن إلى البحرين وسوريا وقبلها تونس ومصر.. وأن الموقف الأخلاقي للمثقفين بالمعنى الجذري للكلمة ينبغي أن يقف مع قضية شعوب مستَلبة الحرية والكرامة بغض النظر عن كل اعتبارات يمكن أن تصب في مصلحة طرف مذهبي أو طائفي أو سياسي, هو دون مستوى طموحات الحرية والتحرر الذي تنادي به الشعوب, كأن يغض التيار الممانِع نظره عن انتفاضة سوريا، في حين يركز إعلامه على انتفاضة البحرين لا غير.

غير أن الآية قد تنعكس بدورها أيضاً, آنئذٍ يتبدى أن مناصرين لانتفاضة الشعب السوري وحقه في التحرر والانعتاق من نير النظام الاستبدادي يقفون وقفة مراوغ ودونما تصريح مباشر مع ما يسمى «محور الاعتدال» وتمثله المملكة العربية السعودية, وإن كان موقعي كـ«سوري» يلزمني نصرة شعب سوريا في انتفاضته السلمية لنيل الحرية, وهذا ما أفعله باعتباره واجباً أخلاقياً ووطنياً عليّ, إلا أن ذلك لن يمنع الوقوف عند حالات وتنظيرات سطحية تستدعي التأمل بها ملياً.

«يبدو واضحاً أن الربيع العربي أطلّ برأسه على المملكة العربية السعودية التي تعيش وفق ضوابط المؤسسة الدينية المتشددة», هذا مقتطف من مقالة لكاتبة لبنانية احتفت فيها بقرار الملك السعودي السماح للمرأة السعودية بالترشح إلى مجلس الشورى والمجالس البلدية. هي مقالة مختصرة للكاتبة يعبّر هذا المقطع الذي أوردناه عما تختزنه وهي تعتبر العاهل السعودي سيكمل المشوار «وسيعبد طريق التغيير في المملكة بالتأكيد»، كما تقول.

لا ريب أن أي خطوة «إصلاحية» قد تحدث تغييراً وإن سطحياً في البلد المنوطة به مرحَّب بها, لكن الأمر أبعد من اعتباره هكذا لأسباب عديدة.. فالنظام السعودي الذي لا يزال يقمع كل دعاة التنوير والإصلاح والانفتاح الديني والسياسي في ربوع المملكة رغم قلّتهم, لم يكن ليقدم على خطوة من هذا النوع على ضحالتها قياساً بالمطلوب منه وفق مقتضيات عالم لا يزال هذا النظام خارجه, لولا الربيع العربي الذي دق باب الأنظمة العربية قاطبةً وهو ما لا يبدو أن نظاماً عربياً قادر على مجاراته, وعلى تقديم تنازلات بنيوية وإصلاحات شاملة تقي البلد خطر الانزلاق نحو ما تشهده سوريا اليوم بسبب تعنت نظامها وعنجهيته, فيما لا تزال «أنظمة الساعة المنقلبة»، بحسب تعبير سعدي يوسف، تعيش أوهام عودة عقارب الساعة إلى الوراء وهي تقوم بإصلاحات ترقيعية وبالقطّارة.

وإن كان ثمة فروق جوهرية بين الواقع السعودي وواقع جل الشعوب المنتفضة لا يبدو بسببها أن ثمة هزة شعبية تنتظر نظام آل سعود قريباً على ما شهدته بلدان عربية عدة, فإن رياح التغيير التي هبت لن تترك نظاماً دون غيره في منأى عنها, وإذا ما بدا أن ثمة إصلاحاً حقيقياً قد تشهده المملكة, فهو لن يكتمل ويحرز مصداقية وواقعية إلا بعملية تغيير عميق في بنية النظام وتحالفه مع «الإكليروس» الإسلامي الوهابي هناك, وهما متلازمان ومتحالفان تحالفاً متيناً عن سبق الإصرار والتصميم, لا كما صورت تلك الكاتبة من أن «إصدار قرار لاحق يشرع قيادة المرأة للسيارة في المملكة.. يخفف من تولي الحكومة السعودية هذه المهمة العسيرة عليها في ظل استخدام التيارات المتشددة لهذا الموضوع ضدها». علماً أن الملك عبد الله بن عبد العزيز دعا سابقاً إلى تبني إسلام معتدل غير وهابي. ذلك أن الموروث السلفي المتشدد في المملكة يعود موروثه التاريخي إلى ما قبل محمد بن عبد الوهاب نفسه, وحتى ما قبل ابن تيمية, إلى احمد بن حنبل الذي تناقل السلفيون أفكاره مروراً بابن تيمية وصولاً إلى بن عبد الوهاب, وهي معضلة السلفية والفكر الأصولي أينما وجد, والقطع مع موروث كهذا يحتاج عملية جراحية صعبة والبدء بإصلاح ديني على كل مستويات وتراتبيات ومنظومات العيش في المملكة, لا يبدو النظام هناك ذاهباً باتجاهه أو قادراً على مكابدة مردوده عليه. وإذا كان ثمة حاجة تاريخية إلى إصلاح ديني وفق تجارب التاريخ العربي الحديث منذ القرن التاسع عشر, والذي شهد محاولات تنويرية باءت بالفشل، ليسود بعدها تيار متشدد تمثل المملكة أحد أوجهه الدينية والسياسية, فإن معركة التنوير في زمن الانتفاضات العربية تبدو في بدايتها, قد يشكل إسقاط الأنظمة الاستبداية الخطوة الأولى على طريق إصلاح ديني وتغيير عميق سيكون طريقه معبداً بالأشواك, فيما قد يتطلب الواقع السعودي سيناريو مقلوباً, كأن تكون معركة التنوير الديني بداية لطريق التحرر السياسي والديني, وهذا يبدو مرهوناً بتنامي الأصوات الداعية إلى التغيير وهي لا تزال ضعيفة وخجولة لأسباب موضوعية أولاً, وباستحقاقات وجودية لأنظمة كهذه في عالم لا تمت لمفاهيمه وتطوره بِصلة, كما أن الربيع العربي سيكون مساعداً على ازدياد سطوع الضوء الذي يلوح في نهاية النفق الطويل جداً جداً في «الأراضي المقدسة».

كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى