صفحات العالم

عن المواجهات المسلّحة في سوريا: إلى الشمال در!

 


ليس ما نشرته وكالة «الأسوشييتد برس» عن «استخدام مواطنين سوريين البنادق الآلية والقذائف الصاروخية لصدّ قوى الأمن» إلا تأكيداً لما يردّده منذ نحو شهرين معارضون تاريخيّون للنظام السوري عن وجود مسلّحين وعنف متبادل يجعل المستقبل السوري، في حال تفاقم الأزمة، مخيفاً

غسان سعود

تترقّب السلطة السوريّة إنهاء العمليّة العسكريّة في مدن حمص المتعدّدة للانتقال من الحدود البحرية والبرية مع لبنان إلى الحدود مع العراق، وتحديداً مدينة البوكمال. فالسلطة مقتنعة بأن الخطر الحقيقي الذي يتهدّدها هو سيطرة المحتجّين على مناطق حدودية (درعا، بانياس، تلكلخ، البوكمال) تمهيداً لتكرار سيناريو ليبيا، في ظل تأكيد الروايات المتناقلة أنّ «العنف المتبادل» سابق لمعركة الرستن، وكان حاضراً منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات في سوريا.

في درعا، عرض وجهاء العشائر الدرعاوية على مسؤول الأمن في المنطقة أن يعتقلهم هم ويطلق سراح الأطفال الذين أوقفهم فرع الأمن للاشتباه في كتابتهم على جدران مدرستهم «الشعب يريد إسقاط النظام»، فأجابهم مسؤول الأمن آنذاك بطريقة مهينة، فترك أحد الحاضرين «العقال» على مكتب المسؤول وغادر مع الأعيان ليعودوا في الليلة نفسها. أهينت العشيرة، فنزلت إلى الأرض: أُحرق فرع الأمن والمحكمة وفروع الحزب وطُردت السلطة السورية بالقوّة من درعا. وبقيت درعا «محررة» حتى أعاد الجيش سلطة الدولة إليها. وعلى طريقة الأمن، تصرّف المحتجّون خلال الساعات القليلة التي استتبّت لهم الأمور في درعا: «معنا تبقى أو ضدنا ترحل». اسألوا مدير تحرير جريدة الثورة مصطفى المقداد وعشرات الآخرين عن منازلهم التي أحرقت؛ ليس صحيحاً أن كل ما تقوله السلطة كذب.

ومن درعا على الحدود السورية ـــــ الأردنية إلى الساحل، شقّ الجيش طريقه باتجاه الشاطئ الطرطوسي دون أن يلتفت في اليوم الأوّل إلى المحتجّين. لاحقاً، بعدما ضمن السيطرة نسبياً على طول الشاطئ، بدأت العملية العسكرية في طرطوس. لا بأس، يمكن تصديق شهود عيان الفضائيات العربية واعتبار كل من يعرض التلفزيون السوري اعترافاتهم شهود زور أو ممثلين أو مأجورين أو مرهّبين، لكن لا بدّ من التصديق أيضاً أن هدف الجيش من نشر الآلاف من جنوده في هذه المرحلة على الشاطئ لم يكن أبداً تحسين سمرة هؤلاء.

قبل الرستن، كانت تلكلخ. كان في المدينة قبل وصول الجيش إلى مشارفها ببضعة أيام حشد واعتصام مفتوح. لكنّ المعتصمين تفرّقوا وعائلات كثيرة نزحت عن المدينة المعزولة. أما الجيش، فما زال هناك. لا يمر يوم دون إعلان الجيش السوري إصابة أكثر من جندي في تلك المدينة. انتهت فعلياً العملية العسكرية في مدينة درعا خلال ثلاثة أيام، أمّا في تلكلخ، فالعملية مستمرة. والأكيد أن الجيش لا يقاتل نفسه في مدينة باتت شبه مهجورة. يُذكَر أن النازحين من تلكلخ إلى لبنان أكّدوا عبر مختلف وسائل الإعلام أن النساء والأطفال نزحوا، أمّا الرجال، فبقوا في منازلهم يدافعون عن أرضهم؛ الدفاع عن الأرض لا يكون عادة بحمامة وغصن زيتون. تجار السلاح اللبنانيون الذين باعوا في الأسابيع القليلة الماضية كلّ ما في مستودعاتهم يعلمون ذلك. وبعيداً عن «الأسوشييتد برس»، لا يكاد يمرّ يوم دون إعلام أحد «الشهود العيان» الجماهير العربية أنّ من حق الشعب أن يدافع عن نفسه؛ فيما يتبيّن لتجار أسلحة الصيد اللبنانيين أن الـ«بومب أكشن» الذي فُقد من الأسواق أفضل وسائل الدفاع عن النفس.

وفي الرستن التي تبعد عن مدينة حمص 20 كلم وعن مدينة حماة 21 كلم، والتي ذكرت «الأسوشييتد برس» أنّ «قتالاً شرساً يحصل فيها بين الجيش والسكان يغذي المخاوف من احتمال تحول الانتفاضة الشعبية إلى نوع من النزاع المسلح على الطريقة الليبية»، يصف أحد النافذين في النظام ما تواجهه السلطة هناك بالتحدّي الأكثر تعقيداً حتى الآن بسبب موقع الرستن الجغرافي ـــــ الطائفي من جهة، وكثافة الضبّاط من أبناء الرستن في الجيش السوري (أكثر من مئة ضابط)، من جهة أخرى. وتدفع النقطة الثانية المراهنين إلى «الافتراض أن سقوط ضحايا في الرستن أو تعرض المدينة للقصف سيدفع بعض الضباط إلى إعلان موقف يراعي مشاعر أهلهم أو ينتفضون للظلم اللاحق بهم. وهكذا يحصل الانشقاق المنشود في الجيش». وقد ازداد هذا «السيناريو» وضوحاً بالنسبة إلى السلطة حين بدأت الفضائيات العربية وبعض المواقع الإلكترونية تأكيد حصول انشقاق في الجيش، وتصفيات، ونفي عشرات المواقع الإلكترونية خبر «الأسوشييتد برس» على أساس أن «ما تشهده الرستن ليس قتالاً بين الجيش والمحتجين، بل هو الجيش يقاتل نفسه». وهكذا، عمدت السلطة إلى التفرّج بأعصاب باردة على المحتجّين يُسقطون تمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد، ويعتصمون بحرية تامة على مرأى الفضائيات العربية ومسمعها، ويهاجمون بعض المراكز العسكرية ليطوفوا بالجنود الممنوعين من إطلاق النار في أرجاء المدينة». وبقيت السلطة تراهن على قدرتها على تنفيس الاحتجاج الرستنيّ بالحوار، ولا سيما أن وزير الدفاع السابق العماد مصطفى طلاس الذي يعدّ محاوراً إيجابياً في نظر المعارضين، ابن الرستن. لكن في النهاية ثبت للسلطة، بحسب مصادرها، قبل بضعة أيام، أنّ المحتجين لا يؤمنون بأي شكل من أشكال الحوار مع السلطة القائمة من جهة، والرستنيّين النافذين في المؤسسة العسكرية متماسكون مع السلطة من جهة ثانية. فتوجه الجيش صوب الرستن. ما يحصل هناك، بحسب مصادر عسكرية سورية، يشبه كثيراً ما حصل في درعا وبانياس وتلكلخ.

وفي النتيجة، يمكن تكرار ما يفترض أنه بات معروفاً من الجميع: السلطة تخطئ حين تضع كل خصومها في سلّة واحدة (سلفيّين ـــــ تخريبيّين ـــــ عملاء)، والمعارضة تخطئ أو تقع في فخّ السلطة حين تسمح لأحد ألوانها أن يطغى، بحجة عنف السلطة، على ألوانها الأخرى. الأمر الذي يضاعف جدية الدعوات إلى حوار سريع وحلّ سياسيّ.

الأخبار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى