صفحات العالم

عن الموقف التركي من الشأن السوري –مجموعة مقالات-

صفقة تركية أميركية/ حسين عبد العزيز

أن يصرح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أن بلاده ستبدأ عمليةً مع تركيا لاستكمال تأمين حدود شمال سورية، فهذا غير عادي، ذلك أن وصول التفاهم الأميركي ـ التركي إلى هذا الحد، يعني أن ثمة صفقة بين الجانبين، تتجاوز مجرد محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، لتشمل عموم الشمال السوري.

والمنطقة المقصودة في تصريحات كيري هي منطقة جرابلس الحدودية بين مدينتي عين العرب ـ كوباني وحتى مارع وربما أعزاز، وتشكل هذه المنطقة (نحو 100كلم) الشريان الرئيسي لتنظيم الدولة للاتصال بالعالم الخارجي، ومن شأن السيطرة عليها أن تحرم التنظيم من طرق التهريب التي طالما أمنت له عمليات الإمداد والدعم.

ولا يمكن للتفاهم التركي ـ الأميركي أن يصل إلى هذه المرحلة، بعد سنوات من الأخذ والرد، من دون أن تكون هنالك صفقة بين البلدين، بدت ملامحها أولاً بإلغاء تركيا صفقة صواريخ مع الصين، تحت ضغط من الناتو، وبدت ثانياً مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قبل أيام، حول الاقتراب من عملية عسكرية برية في سورية، وثالثا مع سماح تركيا للتحالف الدولي باستخدام كل القواعد العسكرية في أراضيها. والواضح أن صفقة عقدت بين أنقرة وواشنطن، تقبل تركيا بموجبها باستراتيجية الولايات المتحدة في سورية، أي أن تتنازل تركيا عن شرطها المسبق الذي يربط محاربة “داعش” بإسقاط النظام السوري، في مقابل موافقة الولايات المتحدة على الطلب التركي، في منع الأكراد من السيطرة على شمالي سورية، وتحويلها إلى نواة حكم ذاتي.

هذه الصفقة نتاج طبيعي بعيد العملية العسكرية الروسية في سورية، وخصوصا في ريف حلب الذي بدأ الجيش السوري وداعموه بإحراز إنجازات مهمة فيه، بفعل الغطاء الجوي الروسي، لتتحول حلب، والشمال السوري بشكل عام، إلى ساحة صراع كبرى، يحاول كل طرف فيها السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.

تلاقت المصالح الأميركية ـ التركية، إذن، فواشنطن لا تريد أن يسيطر النظام السوري المدعوم من روسيا على المناطق التي ستحرر من “داعش”، ولا أن تسيطر “جبهة النصرة” عليها. وأنقرة لا تريد، في المقابل، أن يسيطر الأكراد عليها، وكانت تركيا قد حذّرت على لسان رئيسها، نهاية الشهر الماضي، بأنها ستفعل ما هو ضروري لمنع الأكراد من إعلان حكم ذاتي، ولم يمض يومان على هذا التصريح، حتى قصفت طائرات تركية أهدافا تابعة لـ “وحدات حماية الشعب الكردي”، لمحاولتها عبور غرب الفرات.

ولذلك، جاء تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” و “جيش سوريا الجديد” حلاً وسطاً يرضي

“جاء تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” و “جيش سوريا الجديد” حلاً وسطاً يرضي الأكراد والأتراك والأميركان معا” الأكراد والأتراك والأميركان معا، لكن غلبة العنصر الكردي على هذين التحالفين دفع واشنطن إلى تعزيزه بالعنصر العربي، تطمينا لأنقرة. ولذلك، انضمت، أخيراً، ستة فصائل عربية جديدة، ضمن تحالف “قوات سوريا الديمقراطية” (الفرقة 30، لواء شهداء إدلب، اللواء 99 مشاة، لواء 455 مهام خاصة، لواء السلاجقة).

وتأتي العملية المرتقبة وسط سورية وغربها على الحدود التركية، استكمالا للعملية التي بدأت بتحرير بلدة الهول شرق الحسكة، وسنجار غرب الموصل، وغايتهما ربط الحدود السورية ــ العراقية والسورية ـ التركية، تحت إشراف القوات الكردية ـ العربية، بدعم من التحالف الدولي وتركيا.

يقوم المخطط الأميركي على تقاسم عبء المنطقة الشمالية، الممتدة من عين ديوار في أقصى الشرق السوري إلى عفرين في أقصى الغرب، بحيث تكون المنطقة الشرقية من عين ديوار إلى عين العرب ـ كوباني تحت سيطرة الأكراد، مع دعم عربي يمثله “جيش سوريا الجديد”، في حين تخضع المنطقة الغربية من عين العرب ـ كوباني وحتى عفرين بأيدي قوات عربية ـ كردية مشتركة، تشكل “قوات سوريا الديمقراطية” نواتها، مع منع “وحدات حماية الشعب الكردي” من التمدد غرب نهر الفرات، لمنعهم من الاستيلاء على جرابلس، ومن ثم منطقة عفرين، بحيث يبقى وجودهم الرئيسي إلى الشمال الشرقي من سورية.

عند هذه النقطة، حدث التلاقي التركي ـ الأميركي. ولكن، للعاصمتين أهداف متباينة في شمالي سورية، فتركيا التي تخشى من الثقل العسكري الكبير للأكراد في الشمال السوري، لن تطمئن نهائياً للترتيبات الأميركية، خصوصا أن الفصيلين الجديدين (قوات سوريا الديمقراطية، جيش سوريا الجديد) لا يستطيعان وحدهما حماية المناطق المحررة من “داعش”.

ولذلك، تسعى أنقرة إلى إيجاد ترتيبات جديدة في مرحلة ما بعد “داعش”، إما بتمكين “جيش الفتح” وبعض القوى الموالية لها من دخول هذه المنطقة، وهو ما ترفضه الإدارة الأميركية في الوقت الراهن، أو أن تتجه نحو عملية برية لإقامة المنطقة الآمنة التي طالما طالبت بها، وهي خطوة مرفوضة أميركيا، وعبر عنها باراك أوباما بشكل صريح في أثناء قمة العشرين، حين قال إن “بلاده تعتبر إنشاء منطقة أمنة، أو منطقة حظر طيران في سورية، أمراً خطراً بالنسبة لأهداف أميركا، ذلك أن إنشاء منطقةٍ كهذه يتطلب وجود قوات برية أيضاً. ولا تريد أميركا تكرار الأحداث السابقة، ومن الخطأ إرسال قوات برية إلى الشرق الأوسط لمحاربة الإرهاب”.

ويبدو من تطورات الأمور أن مرحلة ما بعد “داعش” في الشمال السوري ستكون مرحلة التعارض التركي ـ الأميركي، لاسيما مع اقتراب المجتمع الدولي من تحديد قائمة الفصائل المقاتلة في سورية التي يجب أن تدرج ضمن قائمة الإرهاب.

العربي الجديد

 

 

 

 

تركيا وقمة مجموعة العشرين/ خورشيد دلي

تعد قمم مجموعة العشرين من أهم الاجتماعات الدولية، نظراً لأنها تضم أهم اللاعبين الاقتصاديين العالميين. وعليه، فإن من حق تركيا أن ترى أن انعقاد هذه القمة على أراضيها بمثابة اعتراف دولي بمكانتها ودورها الإقليمي، فتركيا التي كانت تعيش قبل مرحلة حكم حزب العدالة والتنمية على وصفات صندوق النقد الدولي، وتعيش تحت وطأة الديون الخارجية والداخلية، تستطيع القول، اليوم، إنها دولة من دون ديون، وحققت تجربة مميزة على صعيد تجربة التعاون بين القطاعين العام والخاص، وباتت دولة رائدة في مجال النمو والاقتصاد، حيث تجاوزت موازنتها السنوية 820 مليار دولار. وبفضل هذا كله، دخلت مجموعة العشرين. بالنسبة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فإن فرحته مضاعفة، فالقمة إضافة إلى أنها اعتراف بمكانة تركيا، تأتي بعد نحو أسبوعين على الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية.

مع أن قمم مجموعة العشرين تركز عادة على القضايا الاقتصادية والتغير المناخي، إلا أن القمة المنعقدة في تركيا تكتسب أهمية خاصة، لجهة القضايا السياسية، فهي أقرب قمة للمجموعة تعقد قريباً من الأراضي السورية، إذ لا تبعد مدينة أنطاليا، مكان انعقاد القمة، عنها سوى 600 كلم. وعليه، فإن أهمية القمة بالنسبة لتركيا تتجاوز البعد الاقتصادي إلى البعد السياسي والأمني، فتركيا تهمها، بالدرجة الأولى، سياسة دولية فاعلة تجاه الأزمة السورية، وهذا ما يفسر تصريحات أردوغان المتكرّرة بشأن مناقشة هذه الأزمة في القمة، ومحاولة التوصل إلى موقف عملي بشأن إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، ومع التأكيد على أن هذا المطلب سيكون مجدداً على طاولة اللقاء الخاص بين أردوغان ونظيره الأميركي، باراك أوباما، وربما أخذ الدعم من كل من قطر والسعودية بهذا الخصوص، إلا أن تركيا تدرك حقيقة الموقف الروسي الرافض ذلك، وهو ما يجعل من هذا المطلب صعباً خصوصاً بعد تفاهم فيينا على الدخول في حل سياسي للأزمة السورية، بإطلاق مفاوضات بين النظام والمعارضة والدخول في وقف إطلاق نار، تمهيدا للمرحلة الانتقالية التي تتضمن خطوات سياسية عديدة.

يتصل الأمل التركي من قمة العشرين، أيضاً، بقضيتين مهمتين. تتعلق الأولى بالحصول على دعم دولي كبير لصالح اللاجئين السوريين في تركيا، والذين تجاوز عددهم مليوني شخص، وكذلك صيغة أقرب إلى صفقة بشأن تدفق اللاجئين عبر الأراضي التركية إلى أوروبا، وهو ما يعني أن أوروبا المعنية الأكبر بهذه القضية، خصوصاً بعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت باريس، والخوف الذي يسود معظم العواصم الغربية من عمليات إرهابية مماثلة. الثاني: كيفية تفعيل الحرب ضد داعش، بعد أن أعلنت تركيا مراراً استعدادها لحملة ضخمة ضد التنظيم، والحديث عن احتمال القيام بعملية برية واسعة، ولعل مثل هذه العملية تحتاج إلى دعم دولي مباشر، وهو ما قد يلقى قبولاً من الأطراف الدولية، خصوصاً في ظل القناعة بأن داعش تلقى ضربات قوية في سنجار في العراق والهول في سورية، بما يعني أهمية الانتقال إلى استراتيجية الإطباق على التنظيم من الطرف التركي الذي يريد من هذه العملية أيضا وضع حد لصعود نجم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، والذي يعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.

باختصار، ترى تركيا أن قمة أنطاليا فرصة ثمينة لوضع خريطة نهائية لجملة من القضايا المتعلقة بتداعيات الأزمة السورية والأمن واللاجئين ومكافحة الإرهاب، فضلا عن هدف القمة المتمثل بوضع خريطة طريق المستقبل للقمم المقبلة على الصعيد الاقتصادي، والتهرب الضريبي والتغير المناخي، حيث تترقب الأسواق المالية نتائج قمة مجموعة العشرين، بعد أن بلغت ميزانية هذه المجموعة 60 تريليون دولار.

العربي الجديد

 

 

حصيلة قمة العشرين عن سورية… صفر مصالح/ فهيم طاش غيتيران

كانت قمة مجموعة العشرين فرصة أمام السياسة الخارجية التركية. وسعت أنقرة الى استغلال هجمات «داعش» في باريس، وأزمة اللاجئين الذين يدقون باب أوروبا، وتحقيق مكاسب تخدم مصالحها. فأردوغان حين يسأل «ماذا لو بدأ 2.2 مليون لاجئ سوري في تركيا بالسير نحو دول الاتحاد الأوروبي؟»، يفتتح فصلاً جديداً في علاقة تركيا بالاتحاد يساعده في التفاوض على العضوية فيه.

رد الاتحاد الأوروبي بأن عرض على تركيا ما عرضه في الماضي على القذافي، أي حراسة حدود الاتحاد الأوروبي ومنع اللاجئين من الوصول اليها في مقابل دعم مالي. وأضاف الاتحاد الى هذا العرض العودة الى مفاوضات العضوية المنسية في فصل أو اثنين من فصول الشراكة لا أكثر. ولم يتوقع الأتراك هذا العرض، فسعوا الى اقناع أوروبا بأن البديل الأفضل هو انشاء منطقة آمنة في شمال سورية لاحتواء اللاجئين هناك، اي العودة الى اقتراح المنطقة العازلة التي تروج لها تركيا منذ العام 2012 ولا تلقى قبولاً دولياً. واليوم، إثر تفجيرات باريس، يتعاظم عدد الحواجز على حدود الدول الأوروبية في وجه اللاجئين السوريين. فهل يعزز هذا الموقف الجديد من اللاجئين فرص اقتراح أنقرة منطقة آمنة في سورية، أم أن المعنيين بالشأن السوري سيضطرون الى وضع خلافاتهم جانباً حول مصير الأسد، والانشغال بكيفية التخلص من خطر «داعش» الذي بلغ حدود فرنسا؟

وسعت تركيا كذلك الى تحويل المستجدات الى فرصة سياسية ديبلوماسية. عند الحديث عن تجييش الحرب على «داعش»، أخرجت أنقرة ملف قوات الحماية الكردية في سورية والتي تعتبرها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي. فأردوغان وهو يتحدث مندداً بهجمات «داعش» الإرهابية ينتقد موقف الغرب من محاربة الإرهاب، ويدعو الى التعاون الدولي من أجل تحقيق نتائج وعدم الكيل بمكيالين في هذه الحرب. فالرئيس التركي يرى ان الغرب يدعم قوات الحماية الكردية بذريعة أنها تقاتل «داعش». وهو لا يريد ان يتواصل دعم الغرب السياسي والعسكري لهذه المجموعات مخافة ان يلحق الضرر بمصالح أنقرة. ويرمي أردوغان كذلك الى قطع الحبل السري بين قوات الحماية الكردية- وهي ارهابية- وحزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي السياسي في سورية.

ولكن بعد تفجيرات باريس، هل يكون من اليسير اقناع الغرب بالتخلي عن دعم الأكراد في شمال سورية وهم يقاتلون «داعش»؟ تركيا سعت الى الترويج لمطالبها في اجتماعين مهمين: اجتماع فيينا واجتماع مجموعة العشرين. لكن، واضح أن حسن الاستقبال في انطاليا والابتسام أمام عدسات الكاميرات لن يغيرا المواقف السياسية. ورأى الناطق باسم الكرملين إن «لقاء من 20 دقيقة بين أردوغان وبوتين لن يكون منعطفاً في العلاقة بين البلدين ولن يحل الخلافات بينهما». صحيح أن هجمات باريس قد تعجل في حل الأزمة السورية، لكن الحل سيبقى رهناً لصراع القوى بين أميركا وروسيا. وفشلت القوى الإقليمية في إسقاط نظام الأسد بالقوة على يد المسلحين، لذا يجب أن ندرك أن العالم بدأ يقترب من الموقف الروسي ونظرياته لحل الصراع ولو لم يعلن الغرب ذلك بعد. وأشارت نتائج اجتماع فيينا الى بدء مفاوضات بين المعارضة والنظام السوري من أجل حكومة انتقالية ودستور جديد وانتخابات مبكرة. وهذا يعني أن الأسد باقٍ، على الأقل، في المرحلة الانتقالية. ولو أعلن وزير الخارجية التركي أن الرئيس الأسد سيرحل بعد المرحلة الانتقالية، وأنه يرى أن الروس ما عادوا يشددون على ضرورة بقاء الأسد، الا أن هذا التكتيك الروسي بدأ يؤتي ثماره. فهذا الموقف يساهم في تحريك عجلة المفاوضات لحل الأزمة، من غير ان تعد روسيا بشيء. ويقول الأميركي المغلوب على أمره أن الأسد سيرحل، لكنه لا يقول متى، ويعلن أن الخلاف مع الروس مستمر حول هذه المسألة. لكن ذلك لا يعوق تقدم المفاوضات. ويتصدر أولويات الاميركيين القضاء على «داعش» وليس الأسد ومصيره، وهوة الخلاف شاسعة بين هذا الموقف الأميركي والموقف التركي.

والبارز في فيينا ان مقاربة المسألة السورية تقترب أكثر الى اعتبارها مسألة مكافحة إرهاب، كما يريد الروس. والدليل هو إعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية في سورية. ومثل هذه اللائحة يوقع الذين يقاتلون بالوكالة في سورية، اي تركيا وغيرها، في مشكلة. فغير هذه القوى هو مَن سيحدد هوية الفصائل التي ستمد بالسلاح، في وقت ستجبه تركيا مشكلة أخرى: دعم كل من روسيا وأميركا قوات الحماية الكردية ولو رفعت اسم «الجيش الديموقراطي العربي». بالتالي، تخسر أنقرة فرصة اعتبار تلك القوات إرهابية.

وفي قمة العشرين، اتضح ان الرئيس باراك أوباما لن يدعم طلب تركيا منطقة عازلة في شمال سورية، ورفض إرسال قوات برية الى سورية لمحاربة «داعش». لذلك لن يدخل الجيش التركي هذا البلد، فتؤول الأمور الى خلاف ما تريده أنقرة، خصوصاً عندما يقول بوتين في القمة إن تنظيم «داعش» تموله 40 دولة تشتري نفطه، بينها «دول مشاركة في القمة». ولعله يشير هنا الى تركيا. وإثر اجتماع مجموعة العشرين، يتصدر الأولويات القضاء على تجارة «داعش» النفطية، والضغط سيزداد على تركيا المتهمة بشراء النفط الداعشي.

* كاتب، عن «راديكال» التركية، 17/11/2015،

إعداد يوسف الشريف

الحياة

 

 

 

 

المنطقة الآمنة امتحان لأردوغان المنتصر/ خيرالله خيرالله

يبدو رجب طيب أردوغان الذي حقّق حزبه انتصارا تاريخيا في الإنتخابات الأخيرة، بما تجاوز حدود تركيا، شخصيتين في شخصية واحدة ورجل واحد. اي أردوغان الذي انتصر في انتخابات الأوّل من تشرين الثاني – نوفمبر؟

هناك اوّلا الرئيس أردوغان العاقل والعصري الذي عرف كيف يساهم في ازدهار تركيا ويضع الأسس لنهضة بعيدة المدى نقلت البلد الى قوة اقتصادية في مستوى سويسرا وكوريا الجنوبية. بات الإقتصاد التركي في المرتبة الثامنة عشرة عالميا ويزيد حجمه على 1,5 تريليون دولار، فيما معدّل دخل لفرد نحو عشرين الف دولار سنويا. هناك مطار يبنى في اسطنبول سيكون من اكبر مطارات العالم!

وهناك أردوغان زعيم «حزب العدالة والتنمية» الذي يصرّ على تعديل الدستور وعلى اقامة نظام رئاسي في تركيا. اكّد هذه النيّة قبل ايام قليلة في خلال احتفال بالذكرى الـ77 لوفاة اتاتورك.

قبل كلّ شيء، لا بدّ من الإعتراف بان أردوغان استطاع في الأشهر الخمسة الأخيرة، التي مضت على الإنتخابات النيابية التي عجز فيها حزبه عن الإتيان بأكثرية نيابية، ان يكون مناورا من الدرجة الأولى. عرف كيف يستخدم كلّ الثغرات لدى خصومه لإستعادة المبادرة والوصول الى ما وصل اليه. صار في استطاعة حزب أردوغان تشكيل حكومة منفردا. لم تعد حاجة لا الى الأكراد ولا لأيّ حزب آخر في اليمين او اليسار. عرف أردوغان كيف يثير المشاعر الوطنية التركية مستعيدا ثلاثة ملايين صوت كان خسرها في انتخابات حزيران – يونيو الماضي لصلحة الحزب الكردي الصاعد، اي «حزب الشعوب الديموقراطية» و»»حزب الحركة القومية» اليميني. لعب أردوغان ورقتين. كانت الورقة الأولى تقوم على تخويف الأكراد من مواجهة محتملة ذات طابع شامل معهم ووضعهم بالتالي في سلّة واحدة مع «حزب العمال الكردي» المتهّم بممارسات ارهابية.

اما الورقة الثانية، فكانت ورقة المزايدة على اليمين في مجال مواجهة التهديدات الأمنية. كانت النتيجة تحوّل «حزب الحركة القومية» الى الخاسر الأكبر في الإنتخابات.

تبيّن ان أردوغان مناور من الدرجة الأولى. يثير فوز حزبه ارتياحا وقلقا في الوقت ذاته. يتمثّل مصدر الإرتياح في ان الرئيس التركي اتخذ منذ البداية موقفا واضحا من ثورة الشعب السوري. استقبلت بلاده عشرات آلاف اللاجئين السوريين الهاربين من ارهاب النظام والميليشيات المذهبية المدعومة من ايران ومن القصف الروسي الذي يستهدف حاليا المدنيين اوّلا.

كانت تركيا في كلّ وقت هدفا لأعداء الشعب السوري وثورته. كان بشّار الأسد يفضّل من دون شكّ بقاء الوضع السياسي غير مستقرّ في تركيا ومتابعة التنسيق مع ايران وروسيا بهدف الهاء أردوغان بمشاكل داخلية مختلفة بدءا بالإرهاب وانتهاء باختلاق كلّ نوع من انواع الأزمات. ولذلك كان ملفتا استعادة العملة التركية بعضا من عافيتها فور بروز دلائل على ان «حزب العدالة» سيحقّق انتصارا كبيرا.

ثمّة فهم عميق لدى أردوغان وكبار رجالات حزبه، بمن فيهم رئيس الوزراء احمد داود اوغلو، لطبيعة النظام السوري. فتركيا عملت في مرحلة معيّنة على تعويم هذا النظام قبل ان تكتشف انّه غير قابل للتعويم وانّ هناك مافيا عائلية – طائفية تصرّ على حكم سوريا بالحديد والنار ونهب ثرواتها.

هذا هو الجانب الإيجابي في انتصار أردوغان الذي تكمن مشكلته مع السوريين في التقصير في تقديم المساعدات المطلوبة للقوى المعتدلة وفضّل في احيان كثيرة دعم قوى متطرّفة. كان دعم مثل هذه القوى المتطرّفة بدل وضع تركيا امكاناتها في تصرّف المعتدلين مثل «الجيش الحرّ» من بين الأسباب التي عطّلت تحقيق الشعب السوري انتصارا سريعا على النظام. كان مثل هذا الإنتصار كفيلا بحماية سوريا ووحدة اراضيها. فالثابت ان ايّ تأخير في تحقيق مثل هذا الإنتصار يشكّل مساهمة في تفتيت سوريا خدمة للمشروع التوسعي الإيراني الذي بات يراهن حاليا على تقسيم البلد، بدعم روسي او من دونه.

هل تتغيّر السياسة السورية لأردوغان في المستقبل القريب، خصوصا بعد انكشاف دور ما بقي من النظام السوري وداعميه في استخدام الورقة الكردية وورقة الإرهاب ضدّ تركيا؟ هل تتمكن تركيا من اقامة «منطقة آمنة» في الشمال السوري بما يؤمن حماية للسوريين الهاربين من البراميل المتفجّرة؟ سيكون النجاح في اقامة «المنطقة الآمنة» الإمتحان الأبرز امام أردوغان في الأسابيع القليلة المقبلة.

اي تركيا سنرى في عهد أردوغان الجديد المنتصر على خصومه؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يفرض نفسه بحدّة. لا شكّ ان الموضوع الكردي سيطرح نفسه بقوّة. هل من حلول لدى الرئيس التركي ام سيلجأ الى الخيار السهل، وهو خيار مغرٍ في الوقت ذاته، اي الى خيار القوّة كما فعل اخيرا، فكانت ترجمة ذلك صعود شعبية حزبه؟

كانت هناك حاجة اقليمية الى انتصار لـ»حزب العدالة والتنمية» في تركيا وذلك كي لا تضيع تركيا وتغرق في فوضى داخلية. لكنّ ثمّة حاجة الى عقلانية أردوغان التي توظّف قدرات تركيا في خدمة الإستقرار الإقليمي.

فوق ذلك كلّه، هناك حاجة الى تفهّم أردوغان لواقع اليم في قطاع غزّة المحاصر. ليس بالشعارات والسفن التي تضمّ متطوعين يمكن فكّ الحصار الظالم الذي يتعرّض له الغزّاويون. فكّ الحصار يكون بدفع «حماس» الى التخلي عن وهم «الإمارة الإسلامية» التي اقامتها في القطاع والتي لا تخدم سوى اسرائيل من جهة وتشكل تهديدا للأمن المصري من جهة اخرى.

نعم، كانت هناك حاجة الى انتصار لحزب أردوغان من اجل استعادة تركيا استقرارها السياسي، وحتّى الإقتصادي، في ظل الخلل الذي يعاني منه التوازن الإقليمي. هذا الخلل عائد الى الهجمة الإيرانية التي تستثمر في الغرائز المذهبية، خصوصا في احدى اهمّ دول المنطقة، اي في العراق. كذلك، الخلل عائد الى الغياب الأميركي الذي سمح لدولة مريضة مثل روسيا ولرئيسها فلاديمير بوتين بلعب دور شرطي المنطقة انطلاقا من سوريا!

ايّ شخصية من شخصيتي أردوغان ستبرز، او ستنتصر، في مرحلة ما بعد الإنتخابات؟ أردوغان العاقل الذي ساهم في بناء تركيا الحديثة انطلاق من ارث اتاتورك… ام أردوغان الذي اندفع الى تعديل الدستور واقامة نظام رئاسي على قياسه؟

في النهاية، صحيح ان الإقتصاد التركي قوي، لكنّ هذا الإقتصاد يعاني من مشاكل يعبّر عن جانب منها هبوط التصدير بنسبة 8,6 في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري. هناك ازمات داخل المجتمع التركي على رأسها الإنقسام بين العلمانيين والمتدينين، فضلا عن قضية الأكراد طبعا. نصف الشعب مع «حزب العدالة والتنمية» ونصفه الآخر ضدّه. هل يستطيع الرجل ان يكون عامل توحيد بين الأتراك ويتعلّم من الأخطاء التي قادت الى نتائج انتخابات السابع من حزيران – يونيو الماضي؟

المستقبل

 

 

كيف تعد روسيا مخطط ضرب تركيا؟/ البروفيسور جاسم عجاقة

يُشكّل موقع تركيا الجغرافي همزة وصل بين أوروبا وآسيا ما يُعطيها أهمية إقتصادية كبيرة على صعيد النقل والإستثمارات بحكم قربها الجغرافي وكلفة اليدّ العاملة فيها. والأهم من هذا كلّه، أن تركيا إستطاعت منذ أوائل ثمانينات القرن الفائت أن تضمن لنفسها نسبة نمو مقبولة بفضل السياسات التي اتبعتها. ولكن هذه النسبة كانت مُتقلبة بسبب الأحداث السياسية والإقتصادية التي واجهتها كحرب العصابات في 1984، الأزمة المالية في 1994، والأزمة المالية والإقتصادية في أواخر تسعينات القرن الماضي. وهذا ما دفع الحكومة في العام 2001 إلى إجراء إصلاحات أسست لبنية الوضع المالي والإقتصادي الحالي في تركيا: إستقلالية البنك المركزي التركي، إعادة رسملة عدد من البنوك العامة والخاصة، إقفال المصارف التي في وضع الإفلاس، وإعادة هيكلة عدد من المؤسسات العامة والخاصة. وقد أدّت هذه الإصلاحات إلى وضع تركيا في نطاق الدول الجاذبة للإستثمارات (20% من الناتج المحلي الإجمالي) بحكم ضخامة الإستهلاك الداخلي والسياسة الضريبية الحكيمة.

يحتل الإقتصاد التركي المرتبة الأولى في الشرق الأوسط (والـخامسة عشرة عالمياً) من ناحية الحجم، مع ناتج محلّي إجمالي يبلغ 1050 مليار دولار. هذه القوة أتت كنتيجة لعوامل عديدة هي وليدة الإصلاحات التي قامت بها الحكومة التركية في العام 2001، ولثبات النظام الحاكم على مدى السنين الماضية، ما سمح له بتنفيذ الخطة الإقتصادية. لكن هذه الخطة إعتمدت بشكل كبير على الإستثمارات الأجنبية المُباشرة أكثر من إعتمادها على الثروة المخلوقة من الماكينة الاقتصادية وهذا ما يجعل الاقتصاد التركي رهينة هذه الإستثمارات الأجنبية المباشرة. فالإستهلاك المحلّي مُتعلق بشكل كبير بمديونية المواطن التركي حيث يزيد الإستهلاك كنتيجة لزيادة المديونية. وبالتالي فإن مدخول المواطن التركي يتعلق بالإستثمارات الأجنبية والتي إذا ما قلّت تؤدي إلى تعثر القروض وإنخفاض الإستهلاك وبالتالي إنخفاض النمو.

الوضع الجيوسياسي

بُعيد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة، بدأت تركيا والولايات المُتحدّة الأميركية بالتعاون عسكرياً بين الماكينتين العسكريتين. وتزامن هذا التعاون مع تدهور للعلاقات التركية-السوفياتية ومع إضطرابات داخلية وتأزم ملف الأكراد. وفي العام 1980 حصل إنقلاب في تركيا أدّى إلى تطور إيجابي في العلاقات التركية الأميركية من علاقات عسكرية بحتة، إلى علاقة مبنية على منطق جيوستراتيجي، مع تموضع تركيا في حقل السياسة الغربية وبالتحديد الأميركية. وأصبحت معها تركيا العمود الرئيسي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط عبر التأثير على السياسات العربية من خلال سياسة تركيا الإقليمية. وعلى الصعيد العسكري إستفادت الولايات المُتحدة الأميركية من قاعدة عسكرية في المنطقة من خلال حلف شمال الأطلسي. وبلغ هذا التعاون الديبلوماسي– العسكري ذروته في حربي الخليج (الأولى والثانية).

أدّى الوضع الإقتصادي المُتردّي في تركيا في أواخر تسعينات القرن الماضي إلى وصول النظام الإسلامي الحالي (AKP) إلى الحكم. وإستمرت تركيا في التبادل التجاري مع إيران على الرغم من وجود عقوبات إقتصادية ضد الأخيرة، مستفيدة بذلك من وجود جالية تركية كبيرة في إيران تعود إلى “الفتح العربي” لإيران إبان تقهقر الأمبراطورية الفارسية. وبذلك سعت تركيا إلى التقرب من إيران عبر هذا التبادل، ومن الدول العربية عبر موقفها اللافت من حصار غزة. وأصبح لدى تركيا أملٌ في تزعم العالم الإسلامي مع عودتها إلى الساحة الإقليمية وهي التي كانت غائبة عنها لعقود.

وشكّل موقف تركيا من نظام الأسد إبان الثورة السورية نقطة تحوّل في العلاقات مع روسيا التي إعتبرتها عائقاً أساسياً أمام إستمرار النفوذ الروسي في المنطقة مع وقوفها ضد آخر نظام موالي لروسيا في الشرق الأوسط. وأصبحت روسيا بإنتظار الفرصة المناسبة للجم النفوذ التركي في المنطقة والذي إتهمته روسيا بدعم تنظيم “داعش”.

الحادثة الأولى التي تُؤكد هذا التحول السيء في العلاقات الروسية التركية، كانت إسقاط الطائرة التركية مقابل الساحل السوري من قبل القوات الروسية المُتمركزة في طرطوس. وعلى إثر التدخل العسكري الروسي في سوريا، لم تتوارنَ روسيا عن إستفزاز تركيا عبر خرق مجالها الجوّي بإستمرار.

الحرب المُقدّسة

على إثر بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا، أصدرت الكنيسة الأورثوذكسية الروسية بياناً قالت فيه أن الحرب في سوريا هي “حرب مُقدّسة”. وهذا الإعلان هو بمثابة مفاجأة، إذ أن هذه العبارة استخدمت في الحروب الدينية كالحروب الصليبية لإستعادة القدس، وحرب “القاعدة” و”داعش” لتحرير العراق من الأميركيين. فما هو هدف الروس من إستخدام هذه العبارة؟ السيناريو المُحتمل يُمكن أن يكون بإعادة إحياء الدولة البيزنطية (بغض النظر عن الشكل الذي ستأخذه!) وهي الدولة التي كانت عاصمتها القسطنطينية (إسطنبول) وكانت موجودة مكان الدولة التركية الحالية. نعم قد يكون هذا السيناريو خيالياً إلا أن الإحتمال موجود. كيف لروسيا أن تُنفذّ مخطط ضرب تركيا؟

هناك إحتمالان: الأول توجيه ضربة عسكرية لتركيا والثاني الضغط عليها إقتصادياً.

في ما يخص الضربة العسكرية، قد يكون من الصعب تصور هذا السيناريو مع وجود تركيا ضمن حلف شمال الأطلسي. وإذا ما هاجمت روسيا تركيا، فإن حلف الأطلسي سيرد. لكن هل حلف الأطلسي مُستعدّ للردّ؟

إذا ما حاولنا مقارنة الوضع الحالي بوضع العالم في الحقبة النازية، نرى أن قرار الدول الغربية بدخول الحرب ضد المانيا النازية أتى نتيجة التهديد الكياني لهذه الدول. اليوم الوضع مُختلف، والمعادلة هي المُحافظة على هيبة حلف شمال الأطلسي وصدقيته ومصالحه الإقتصادية. فهل هذا الأمر يكفي لدخول حرب ضد روسيا مصيرها إستخدام النووي؟ التاريخ سيخبرنا.

أما في ما يخص الشق الاقتصادي وهو الأكثر إحتمالاً في حال وجود نيات روسية بضرب تركيا، فإن الخطة مبنية على خلق إضطرابات داخل تركيا بإعتمادها على الأقليات (علويون، أكراد، أرمن) ما يؤدي إلى تراجع الإستثمارات الأجنبية المباشرة عصب الاقتصاد التركي وإلى تراجع السياحة. وهذا الأمر إن حصل فإن تركيا قد تخسر سريعاً مكانتها الاقتصادية. وإذا ما إضفنا إلى هذا المزيج تسليح الأكراد في تركيا، فإن تركيا قد تخسر مناطق عدة خصوصاً في شرق تركيا وهذا الأمر سيوقظ الحلم الكردي ببناء دولة كردية عابرة لسوريا، العراق، وتركيا. وبحكم أن تركيا دولة أمنية، فإن ردها في الداخل سيكون قاسياً وهذا ما يدعم سيناريو التقهقر الاقتصادي. وهذه الدولة ستكون دولة سنية بإمتياز في مواجهة إيران نظراً لأن قسماً من الدولة الكردية سيطال إيران. بالطبع الولايات المُتحدة الأميركية لن تقف مكتوفة الأيدي وستُحاول بشتّى الطرق صد هذا المشروع نظراً لإحتمال خسارة حليف أساسي لها في المنطقة، لكن العلاقات التي تربط البشمركة مع إسرائيل قد تكون عامل تسهيل لخلق هذه الدولة.

ما هي مصلحة روسيا الاقتصادية مع تركيا؟ إن نظاماً تركياً موالياً لروسيا يُشكّل دعامة أساسية في إستراتيجية روسيا الغازيّة والتي تهدف من خلالها للسيطرة على سوق الغاز في أوروبا. ووجود تركيا في حضن السياسة الروسية، يمنع أي دخيل مثل قطر أو أي دولة شرق أوسطية أخرى من إيصال الغاز إلى السوق الأوروبية.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى