صفحات العالم

عن الموقف الديني والأخلاقي إزاء الوضع في سورية


عبدالعزيز التويجري *

بلغت الأوضاع المتفجرة في سورية الدرجة القصوى من الخطورة التي لم تبلغها الأوضاع في أي منطقة أخرى من العالم العربي خلال السنة الماضية والشهرين الأولين من السنة الحالية. فقد دخلت سورية الأنفاق المظلمة التي لا نهاية لها في المدى القريب. وبدأت طلائع الحرب الأهلية تتبدى للعيان بصورة واضحة، وأصبحت هذه الدولة (التي يصرّ النظام فيها على تسميتها بالقطر العربي السوري) قاب قوسين أو أدنى من الانهيار والتفكّك. وتلك هي الكارثة العظمى التي إذا وقعت دخلت المنطقة مرحلة من القلاقل والزلازل يصعب التنبؤ بنهايتها، مما سيهدد، بل هو يهدّد فعلاً، الأمن والسلم في العالم أجمع، وليس فقط في المنطقة نفسها.

وهذا مصيرٌ يحرص العقلاء الحكماء على تجنّبه بشتى الوسائل. وفي الطليعة من هؤلاء الغيورين الشجعان الحريصين على مصلحة الشعب السوري وعلى مصلحة الأمة العربية الإسلامية برمتها والمصلحة الإنسانية أيضاً، خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي قال في اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف: «إن بلاده لا يمكنها إطلاقاً أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سورية». والموقف الديني والأخلاقي للمملكة العربية السعودية، هو الأساس في موقفها السياسي وقرارها الديبلوماسي إزاء التدهور المرعب للأوضاع في سورية. ومن مقتضيات هذا الموقف الرفضُ المطلق للاختيارات القمعية الدّموية الطائفية التي اعتمدها النظام السوري لمواجهة الانتفاضة الشعبية العارمة التي تطالب بالحرية والكرامة والعدالة، وإنهاء سلطة القمع والاستبداد والقهر وكسر إرادة الشعب وإذلاله وامتهان كرامته، وإخضاعه على مدى خمسة عقود، لجبروت حزب البعث ذي النزعة الفاشستية الذي خرب البلاد وأفقر العباد وأذلهم.

فالنظام السوري ضالع في المؤامرة ضد شعبه، وليس الشعب أو عناصر أو جماعات منه، هي التي تتآمر ضد الدولة السورية، كما يزعم ويدعي المسؤولون السوريون. النظام السوري يخوض حرباً طائفية مُدمّرة ضد الشعب السوري في سابقة غير معهودة حتى في أكثر بلاد العالم استبداداً، مما يشكل حالة شاذة في علاقات الأنظمة مع شعوبها.

لذلك فإن القطيعة مع النظام الجائر في سورية وعزله عربياً ودولياً، هما الموقف الصحيح في هذه المرحلة، وهذا يترتب عليه دعم المعارضة السورية وجمع صفوفها وتوحدها على أساس أهداف استراتيجية مشتركة، هو إسقاط النظام القمعي الطائفي وإقامة دولة مدنية ديموقراطية تعددية، للدفع بالأوضاع في الاتجاه الصحيح الذي يؤدي إلى إنهاء هذه المأساة الإنسانية الرهيبة التي باتت تؤرق ضمير العالم. وتلك هي المهمات المستعجلة التي تنتظر الإرادة السياسية الحازمة والموقف الإقليمي والدولي المنسجم، على رغم الموقف غير الأخلاقي (الذي يمكن أن نصفه بالانتهازي) الذي تتخذه روسيا بصورة واضحة، والصين بشيء من الغموض والتذبذب، إضافة إلى الموقف الطائفي لإيران والقوى التابعة لها.

لقد عبّر الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن حقيقة الوضع الحالي، حينما قال للرئيس الروسي في اتصاله الهاتفي معه: «إن أي حوار حول ما يجري في سورية لم يعد مجدياً»، لأن الأمور اتضحت بالقدر الكافي، ولأن الوقائع على الأرض تؤكد أن الحل السياسي الذي يبقي على النظام غير مقبول وغير ممكن، بعد أن وصل التدهور والانهيار في الأوضاع إلى أدنى المستويات، وبعد أن ثبت بشكل قاطع أن النظام السوري اختار الحل الدموي العسكري الطائفي الذي لا يزيد الأوضاع إلا تفجيراً، ولن يحيد عن هذا الاختيار الأهوج الأخرق حتى ولو دمرت البلاد وخربت وقتل أكبر عدد من المواطنين.

ما جدوى الحوار، على أي مستوى كان، بينما الشعب السوري يقتل يومياً من طرف قوات النظام من الجيش والأمن وصنائع النظام الذين يعرفون محلياً بالشبيحة والعناصر الأجنبية المندسة بين هؤلاء من قوى طائفية معروفة. المطلوب اليوم بإلحاح، هو موقف دولي حازم رادع يدفع النظام إلى الرضوخ لإرادة الشعب، ويمهد السبيل أمام المعارضة لتقوية صفوفها، ولتمارس دورها في الدفاع عن المصالح العليا للوطن، وفي دعم ثورة الشعب لتسير نحو الهدف الرئيس، ألا وهو إقامة نظام تعددي وطني عادل ينقذ البلاد والعباد من نظام دموي مستبد أصبح يهدد بعناده ودمويته، وبغباوته وجهالته، سورية الحضارة والمنطقة برمتها.

من مقتضيات الموقف الديني والأخلاقي التحرك سريعاً في هذا الاتجاه، والدفع بالأحداث نحو هذا الهدف، نصرة للشعب السوري الشقيق الذي يعيش تحت قصف المدافع وراجمات الصواريخ ليل نهار. فهل يستمع العالم إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وينتفض الضمير الإنساني لإنقاذ سورية الحضارة والمجد والعزة والشموخ من المأساة الدموية التي تغرق فيها.

* أكاديمي سعودي

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى