صفحات مميزة

عن الوضع في عفرين –مقالات مختارة-

 

 

المواجهة التركية الكردية في غرب الفرات/ بشير البكر

توحي التحركات الميدانية أن المواجهة التركية  مع حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سورية باتت وشيكة، وما يحصل من حشد عسكري من عيار ثقيل لا يدع مجالا للشك بأن أنقرة جادة هذه المرة في خوض معركةٍ كبيرةٍ ضد هذا الحزب الذي تعتبره العدو رقم واحد.

يترافق الحشد العسكري التركي مع تعبئةٍ سياسيةٍ واسعة، تقوم بها الحكومة التركية في الداخل والخارج، من أجل تأمين الغطاء السياسي لهذه المعركة التي تبدو مصيرية، بل أهم معركة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني الذي استطاع، في الأعوام الثلاثة الأخيرة، أن يشكل قوة عسكرية كبيرة في سورية، عمادها الرئيسي “قوات سورية الديموقراطية” التي يفوق عددها 50 ألف مقاتل مسلحين بأسلحةٍ حديثةٍ، قدمتها الولايات المتحدة على نحو خاص، وساعدتها فرنسا، بالإضافة إلى خبراء من البلدين، يتجاوز تعداد الأميركيين منهم ألفين حسب الأرقام الرسمية، وخمسة آلاف وفق روايات أخرى.

على المستوى الخارجي، عملت أنقرة خلال الأشهر الأخيرة من أجل الحصول على ضوء أخضر روسي. ولذلك شاركت في مسار أستانة بخصوص مناطق التهدئة، وقدّمت تنازلات سياسية للجانبين، الروسي والإيراني، كي تكسب، على الأقل، عدم معارضتهما العملية العسكرية، وحصلت هذا الأسبوع على تأييد أولي روسي، ومن ثم إيراني.

جاء الإعلان الأميركي منذ أيام عن إنشاء جيش كردي قوامه 30 ألف عنصر، ليتمركز على الحدود السورية التركية والسورية العراقية، كي يسرّع من العملية التركية التي كان يمكن لها أن تتأخر قليلا، أو يتغير مسرحها ويبقى محدودا في منطقة عفرين التي تعد ساقطةً من الناحية العسكرية، كونها باتت محاصرةً من القوات التركية. وفي الوقت نفسه، ساهم القرار الأميركي في وقوف كل من موسكو وطهران إلى جانب أنقرة، فهما متضرّرتان أيضا من تشكيل جيش كردي، اعتبرت روسيا أنه سوف يؤدي إلى تقسيم سورية، وهذا أمر لا يقبل النقاش، لأن تشكيل هذا الجيش، إلى جانب “قوات سورية الديموقراطية”، يعني سيطرة الأكراد على حوالي ثلث مساحة سورية، واقتطاع ثلاثة من أكبر المحافظات السورية وأغناها، الرقة، دير الزور، الحسكة.

إذا لم يتغير اتجاه الرياح في المدى المنظور، وحصلت العملية التركية، فإنها ستكون أول انخراط تركي عسكري جدي في سورية، ولن يكون في وسع أنقرة أن تنخرط جزئيا هذه المرة، أو تعتمد على فصائل سورية موالية لها فقط. وعلى الرغم من أن قوة درع الفرات ستشارك معها، إلا أن حجم المهمة يتطلب حشد قوات تركية برية كبيرة، بالإضافة إلى سلاح الجو.

هناك عاملان سوف يلعبان، نسبيا، لصالح تركيا. الأول موافقة روسيا وايران على العملية من الناحية المبدئية. ورغم التفاوت بين موقفي موسكو وطهران، وقيمة الثمن الذي تطلبه كل منهما من أنقرة كمقابل لإطلاق يدها، فإن الترتيبات الميدانية قد تشكل عائقا، وتمنع تمدد العملية إلى منطقة شرق الفرات. الثاني أن الولايات المتحدة لن ترسل قواتها للقتال على الأرض من أجل الدفاع عن الأكراد في منطقة غرب الفرات، في وقت بدأت بإنشاء معسكرات تدريب أميركية شرق الفرات، وتخصيص 400 مليون دولار للعملية، ولهذا موقف واشنطن قاطع لجهة عدم الوقوف إلى جانب الطرف الكردي في المواجهة، بدليل التصريحات التي صدرت يوم الثلاثاء عن وزارة الدفاع الأميركية، أنها لا تدعم المليشيات الكردية، في عفرين، ولا تراها جزءًا من قوات مكافحة تنظيم داعش، وقالت إنها ليست جزءًا من أي عملية عسكرية تركية محتملة في عفرين، كما قال المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، ريان ديلون، لوكالة أنباء الأناضول، إن واشنطن التي تقود التحالف لن تدعم المليشيات الكردية، في حال قيام تركيا بعملية عسكرية في المنطقة، وأضاف “عفرين لا تدخل ضمن مجالنا العمليَّاتي”.

العربي الجديد

 

 

 

 

المعارضة السورية بين مطرقة أردوغان و سندان ترامب/ سميرة المسالمة

تضع جملة المتغيرات الأخيرة في مشهد الصراع على سورية المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري بين خيارين، أحدهما يتجاهل تفاهماتها المديدة والعميقة مع الدولة التركية لنحو سبع سنين، والآخر يورطها في مواجهة الرغبة الأميركية المتصاعدة في الحضور العسكري المعلن على الحدود الشمالية والشرقية، وبقوة قوامها الأساسي «قوات سورية الديمقراطية»، أعداء الخيار الأول سواء لتركيا، أو للفصائل المعارضة السورية التي تعمل في ظلها على اختلاف تسمياتها، من إسلامية أو جيش حر أو حتى الموسومة بالمتشددة، ما يعني أن الخيار المتاح للسوريين بات التموضع في جبهة قد تكون في مواجهة مسلحة مع الأخرى، وتحت شعارات معارك خارج الصراع السوري- السوري الذي أنتجته تطورات الثورة منذ اندلاعها (في آذار- مارس 2011)، ولكنه بأدوات جميع ضحاياها سورية.

ويبدو الإعلان الأميركي عن جيش سوري قد أخذ هذه المرة على محمل الجد من تركيا، بعد التأكيد أنه سينتشر على الحدود الشمالية والشرقية، وتعداده 30 ألف جندي، ستكون غالبيتهم من الأكراد، الذين يعملون منذ عامين كقوة سورية منظمة تحت الراية الأميركية في عملياتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، بعد رفض فصائل الجيش الحر الانضمام إلى التحالف الدولي، بسبب شرطه توجيه السلاح باتجاه واحد لخدمة الحرب الأميركية وتحالفها ضد التنظيم فقط، من دون السماح بفتح معارك على التوازي مع قوات النظام السوري، وهو الشرط الذي اتخذته القيادات في المعارضة كمبرر لرفض العرض الأميركي عام 2015 وتشكيل جيش موحد، بينما تلقفته القوات الكردية لتنتج من خلاله وجوداً مشرعناً ومحمياً من واشنطن على كامل المساحة الشمالية والشرقية التي تحررت من «داعش».

وعلى ذلك فإن قرار فصائل سورية معارضة الوقوف في جبهة تركيا، في حربها على قوات سورية الديموقراطية، في وقت تستعد فصائل من غير المحسوبة على الكرد أو من غير العاملة معهم، للانخراط في المشروع الأميركي الداعم للمعارضة المسلحة والتي أعلنت عنه الإدارة الأميركية بتكلفة 500 مليون دولار، أي بمعنى أنها لن تكون في ذات الجبهة التركية، ما يمكن أن يؤدي إلى احتمالات عدة منها:

– ارتفاع وتيرة الصراع العسكري في سورية وفق جبهات جديدة، تضاف إلى الجبهات المفتوحة اليوم، بين النظام وحلفائه من جهة، وبين التنظيمات المسلحة المعارضة من جهة مقابلة، وإلى جانب ذلك الحرب على «القاعدة» و «داعش» من جبهة النظام «كما يدعي»، ومن الحرب الممتدة بين المعارضة و «النصرة» من جهة، والمعارضة و «داعش» من جهة أخرى، لتفتح الأبواب أمام صراعات جديدة بين فصائل كانت تعمل جنباً إلى جنب، وأصبحت اليوم في خندقين متواجهين من الداعمين أنقرة مقابل واشنطن.

– تغيير خريطة الصراع بين النظام وحلفائه، وبين المعارضة وأصدقائها، لتصبح تركيا والفصائل الداعمة لها تعمل على نفس الأهداف المشتركة مع النظام في تخليه عن الكرد، ومناصبة العداء لمشروعهم شمال سورية، الذي تدعم جزءاً منه الإدارة الأميركية، أي ما يتعلق بتشكيل قوته العسكرية والأمنية، بينما تصرح عن رفضها الجزء السياسي المتعلق بإقامة كيان كردي مستقل على الحدود الشمالية والشرقية، وتكتفي بطلب إشراك الكرد في المفاوضات السياسية، كطرف سوري معارض ضمن وفد المعارضة، وإتاحة الفرصة لفتح الخيارات عن شكل سورية السياسي، بما يتوافق مع تحقيق حفظ حق كل المكونات السورية، ومنها الأكراد في سورية المقبلة.

– إعادة إحياء تقاسم النفوذ على سورية، وفق تفاهمات جديدة من شأنها أن تجعل تركيا «ربما» في صف آخر، غير صف المعارضة، إذا وقفت فصائل سورية غير كردية بوجه معركتها التي تعتبرها وجودية، وتدخل ضمن ما يسمى حزام الأمن القومي التركي، وهذا يعطي فرصة للنظام في سورية في استعادة الحليف الأمثل له «تركيا»، ومحاصرة المعارضة عسكرياً وسياسياً، ما يعني إسقاط كل التفاهمات من جنيف إلى آستانة إلى سوتشي، وإعادة بناء توازنات جديدة، تقع في مواجهة الرغبة الأميركية وتوسيع نفوذها في المنطقة على حساب كل الأطراف المتصارعة.

وضمن ذلك يمكن القول أن ليس من قبيل المصادفة أن تأتي المعارك الأخيرة في ريف حلب وإدلب على مقاس النظام، وضمن انسحابات مشبوهة لـ «جبهة النصرة» من مناطقها لمصلحته، وهو الأمر المتفق عليه في تفاهمات آستانة لخفض التصعيد، والتي تبرر التحرك الروسي والإيراني مع النظام في كل سورية، لفتح معارك تحت مظلة الحرب على الإرهاب، الذي تمثله «هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً)، لتدفع تركيا باتجاه حربها في «عفرين» التي أعلنت عنها منذ ما يقرب من عام كخيار أخير لها لتحقيق ما تراه أنه مصالحها الأمنية، بعد أن تم توزيع الحصص بين القوى المتصارعة جنوباً وشمالاً وشرقاً لأميركا وحلفائها، بينما تركت سورية المفيدة وحتى الساحل مساحة حرة للوجود الإيراني والروسي عسكرياً واقتصادياً.

وفي هذا السياق، بدأت ملامح الخلاف بين أجندات الفصائل المسلحة تظهر إلى العلن، وذلك من خلال رأيها من «مؤتمر سوتشي»، ما يطرح التساؤل عن خلفيات هذه المواقف والاصطفافات، فبينما المعارضة بشقيها العسكري والسياسي القريبة من تركيا وروسيا تراوغ في إبداء موقفها من المشاركة في «مؤتمر سوتشي»، تارة تحت حجة أنها لم تتسلم دعوة للمؤتمر لتعلن موقفها منه، وتارة أخرى تربط هذه المشاركة (من دون رفضها) بجملة متغيرات في الساحة الميدانية، وما يتعلق بإجراءات الدعوة ونوعية المدعوين وانتماءاتهم، في الوقت الذي تعلن الفصائل المسلحة التي فتحت أميركا أبوابها لها أخيراً في شكل بيّن، رافضة حضور «سوتشي»، ومعتبرة أنه يمرر الأجندة الروسية والإيرانية في صياغة الحل في سورية، متجاهلة الموقف التركي، الذي أعلن أكثر من مرة عن توافقاته مع روسيا حول المؤتمر، على رغم تغيرات تصريحاته بما يخص بقاء رأس النظام المعلن عنه مسبقاً كمنتج لـ «سوتشي». ليست المعارضة وحدها لا تستطيع حسم أمرها في ظل المشهد المربك للصراع في سورية، وإلى أي من التوافقات الإقليمية والدولية المتغيرة يجب أن تميل، بل لعلها في واقع مماثل من موقع تركيا الأضعف دولياً بين دول الصراع على سورية، والمتورطة في الحرب داخل أراضيها، حيث تركيا أمام تحديات عدة، فمن جهة خسرت معركتها الديبلوماسية من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فذهبت باتجاه السودان والصومال، وكانت خسرت أيضاً أي دور لها في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الناطقة بالتركية، ومن جهة ثانية، خسرت توافقات «آستانة»، ومنها خفض التصعيد في إدلب، وطال انتظارها من غير حصاد، لموقف روسي- أميركي مساند لمعركتها في عفرين، فذهبت وحيدة للإعلان عن حرب غير معلومة النتائج والاستطالات، في ما إذا وقفت واشنطن إلى جانب حلفائها من الكرد، أو تملصت روسيا وإيران من مواقفهما من الكيان الكردي في شمال سورية، ليبقى النظام السوري «المعادي لها» هو المساند الوحيد لمعركتها ضد الكرد لتقاطع المصالح معها، وليضرب التحالف الكردي- الأميركي من خلال مواجهته مع تركيا.

بواقعية، المعارضة اليوم بين مطرقة تركيا من جهة، وسندان الولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، لا تملك في المعارك الدائرة إلا الضحايا، فإذا توافقت مع تركيا خسرت المكون السوري الكردي جميعه، حتى ذلك المصطف سياسياً حالياً مع هيئات المعارضة الموالية للموقف التركي، وإذا وقفت ضد حرب تراها تركيا وجودية فإنها تنزع صمام الأمان لقنبلة موقوتة لا أحد يعرف متى تنفجر، ولا يصبح بالإمكان لملمة جراح السوريين بعد أن تتشظى بين معارك بينية مع النظام، ومعارك داخلية بين الفصائل لا تخدم إلا النظام، وهي بالمحصلة أيضاً تقف مع الولايات المتحدة في فوضى ترامب التي لا يمكن الوثوق بها.

*كاتبة سورية

الحياة

 

 

 

عفرين على صفيح ساخن/ بكر صدقي

ارتفعت نبرة المسؤولين الأتراك، في الأيام الأخيرة، في تهديداتهم بعملية عسكرية تستهدف عفرين (ومنبج)، وهما جيبان تسيطر عليهما «قوات سوريا الديمقراطية» و»وحدات الحماية الشعبية» التي تشكل العمود الفقري لـ»القوات». وبلغ الأمر بالرئيس التركي أردوغان أن حدد موعداً تقريبياً لـ»توسيع عملية درع الفرات» باتجاه منبج وعفرين «في غضون أيام قليلة».

هذا تطور جديد عما ألفناه من تهديدات سابقة بشأن عفرين، بالأخص، ما كان ينظر إليها بجدية، بسبب صعوبة حصول تركيا على الضوء الأخضر من الروس والأمريكيين، كما بسبب صعوبة اجتياح عفرين وما يمكن أن يتكبده الجيش التركي من خسائر باهظة ستكون لها أثمان سياسية كبيرة أيضاً.

فما الجديد الذي شجع أردوغان على هذا الاندفاع في تصريحاته؟

يمكن الحديث، في تفسير ذلك، عن عوامل عدة، داخلية وخارجية. ففي المشهد السياسي التركي نرى أن أبرز ما يشغل الحياة السياسية التركية اليوم هو الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة مبدئياً في خريف العام 2019. هو موعد بعيد نظرياً، وقد تتغير جميع المعطيات القائمة اليوم إلى ذلك الحين. ولكن في حسابات أردوغان والحزب الحاكم، يكاد الوقت المتبقي حتى موعد الانتخابات لا يكفي لترتيب المشهد بحيث يخرج الحزب والرئيس منتصرين منها، تحول دون هذا الهدف تحديات خطيرة، من اتساع رقعة المتضررين من الحكم، إلى التململ المتنامي داخل قاعدته الاجتماعية، إلى التحديات الخارجية الكبيرة. وتدور تكهنات كثيرة حول احتمال تقديم موعد الانتخابات إلى صيف العام الحالي (15 تموز/يوليو، ذكرى الانقلاب العسكري الفاشل في 2016) إذا رأى أردوغان ـ البارع في الحسابات المتعلقة بأصوات الناخبين ـ أن هذا التقديم يمكن أن يخدم تطلعه إلى الفوز فيها.

وقد اتضحت معالم التحالفات السياسية، بإعلان رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي عن دعمه لترشيح أردوغان لمنصب الرئاسة. وعلى رغم ضعف نفوذ الحزب القومي المتشدد، ثمة بيئة واسعة في الرأي العام التركي للتشدد القومي إزاء «الخطر الكردي» المفترض، من شأن التحالف بين أردوغان وبهجلي أن يلبي تطلعاتها. في هذا الإطار الداخلي القائم على حسابات صندوق الاقتراع، يمكن قراءة التهديدات اليومية باجتياح منطقة عفرين «للقضاء على وحدات حماية الشعب» الموصوفة إرهابية لدى الحكومة التركية والمعارضتين القومية والعلمانية على السواء.

ولكن ما هو حظ تلك التهديدات بالتحول إلى عمل عسكري حقيقي؟

هنا يجب البحث عن الجواب في عوامل خارجية، أبرزها إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن نيتها إنشاء قوة عسكرية مدربة من 30 ألف مقاتل، نواتها «قوات سوريا الديمقراطية» لـ…. حماية الحدود مع تركيا والعراق وخط نهر الفرات الذي تسيطر على غربه وجنوبه ميليشيات أسدية ـ إيرانية! كلام يعني عملياً إقامة كيان للنفوذ الأمريكي، في شمال شرق سوريا، له حدود بحاجة إلى حماية.

وإذا كان هذا الإعلان موجهاً، بصورة رئيسية، إلى روسيا التي أعلن رئيسها بوتين النصر في سوريا قبل شهرين، فهو موجه أيضاً إلى تركيا التي رأت في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فردت بالتهديد باجتياح منبج وعفرين.

لكن الاستراتيجية الأمريكية إزاء سوريا التي يقال إنها تبلورت أخيراً، وسيتم الإعلان عنها قريباً بصورة رسمية، لا تقتصر على إقامة كيان شرق نهر الفرات تحت حمايتها. هذا ما يمكن استنتاجه من تصريحات المعارضتين السوريتين السياسية والعسكرية اللتين زارت وفود منهما العاصمة واشنطن، قبل أيام، وجاءت بأخبار جديدة. فتحدث مصطفى السيجري، قائد لواء المعتصم، الذي رأس وفد «الجيش الحر» في زيارة واشنطن، عن «استئناف الدعم الأمريكي لفصائل المعارضة المسلحة، ومواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، ومحاربة الإرهاب» بوصفها مهمات «الجيش الحر» في المرحلة الحالية. «أكدنا استعدادنا كفصائل» يتابع السيجري قائلاً «للعمل ضمن برنامج جديد يهدف لمواجهة إيران والتنظيمات الإرهابية في سوريا».

معروف أن لواء المعتصم الذي يقوده السيجري هو أحد فصائل درع الفرات المدعومة من الحكومة التركية. إنها سابقة في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، قبل كل شيء، مجرد استقبال وفد من المعارضة المسلحة. وتزداد أهمية هذا التواصل بالنظر إلى علاقة هذه الفصائل بتركيا، بعد سنوات من التوتر الأمريكي ـ التركي بسبب تحالف الأمريكيين مع قوات حماية الشعب الكردية. من المحتمل إذن أن الأمريكيين يسعون إلى نوع من التوازن في علاقاتهم بكرد سوريا وبتركيا، على أمل إبعاد تركيا عن روسيا وإخراجها من إطار «ثلاثي سوتشي». فهل يكون ثمن تطبيع العلاقات الأمريكية ـ التركية تخلي الأمريكيين عن حليفهم الكردي في عفرين بموازاة استمرار التحالف شرقي نهر الفرات؟ هذا ما يمكن أن يكون قد شجع أردوغان على رفع حدة تهديداته باجتياح عفرين. ربما في هذا الإطار جاء تصريح الناطق باسم التحالف الغربي لمحاربة داعش الذي قال إن عفرين ليست داخل مناطق عملياتنا. فهذا التصريح يمكن قراءته كضوء أخضر أمريكي لتركيا.

أما من ناحية الروس، فمن المحتمل أنهم وافقوا على اجتياح تركي لعفرين مقابل موافقة أردوغان على تمثيل حزب الاتحاد الديمقراطي، بصورة غير مباشرة، في اجتماع «الشعوب السورية في سوتشي» بصفة مستقلين. لكن واقعة استدعاء السفيرين الروسي والإيراني في أنقرة إلى وزارة الخارجية التركية، تشير إلى أن التفاهمات الروسية ـ التركية بشأن إدلب واجتماع سوتشي أصبحت تواجه خطر التلاشي، ربما بسبب الإشارات الإيجابية، المذكورة أعلاه، القادمة من واشنطن إلى أنقرة.

إذن هل تتحول التهديدات التركية إلى عمل عسكري في عفرين فعلاً، أم هي رسائل ابتزاز لواشنطن وموسكو، وإرضاء للحليف القومي المتشدد في المشهد السياسي الداخلي في تركيا؟

يبقى العامل الميداني الذي لم نتطرق إليه إلى الآن. فمنطقة عفرين جبلية وعرة، تنتشر فيها قوات وحدات حماية الشعب المسلحة جيداً من قبل الأمريكيين. كما أنها المنطقة التي قدمت لحزب العمال الكردستاني أكبر عدد من المقاتلين، منذ الثمانينيات، لمحاربة الجيش التركي. وعموماً لا تتمتع تركيا، في الرأي العام الكردي في عفرين، بأي مشاعر مودة. مجموع هذه العوامل يجعل من أي اجتياح محتمل مغامرة مكلفة جداً. لذلك تحدث أردوغان في أحدث تصريحا ته عن أن العملية المحتملة ضد عفرين ستتم بقوات من الجيش السوري الحر.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

أردوغان والخطأ الذي يجر الخطأ/ علي العبدالله

تعكس الاستعدادات التركية لمهاجمة منطقة عفرين مواصلة الخيار الخطأ الذي تبناه الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان منذ سنوات، خيار التخلي عن التسوية السلمية للقضية الكردية في تركيا والدخول في جولة قتال جديدة مع الكرد فيها، بتجاهل تام لمعطيات ونتائج الصراع الذي امتد عقودا، والذي انعكس سلباً على الدولة والمجتمع التركيين: ضحايا بالآلاف ودمار واسع لمدن وبلدات وقرى تركية وهدر مليارات الدولارات، ناهيك بتمكين الجيش التركي من السيطرة على الحياة العسكرية والمدنية واستنزاف جزء كبير من موازنة الدولة، رواتب وحوافز وامتيازات، طوال فترة المواجهة المسلحة، وفشل القوات التركية في القضاء على التحرك الكردي وإجهاض التطلعات السياسية الكردية المشروعة.

وضع الانحياز لسياسة القوة في حل ملفات سياسية اردوغان في مواجهة القضية الكردية في دول الجوار ودفعه إلى الانخراط في الصراع حول القضية الكردية، في سورية والعراق بشكل خاص، على خلفية السعي إلى خنق التحركات الكردية فيهما، كي لا يشكل التوصل إلى حل لأي منهما سابقة تضطره للإقرار بحقوق الكرد في تركيا، ما جعله يقف ضد نتائج الاستفتاء في إقليم كردستان العراق وضد توجهات حزب الاتحاد الديموقراطي ومشروعه الفيدرالي في سورية.

مشكلة أردوغان وخياره السياسي أن الدولة التركية أضعف من أن تقرر وتنفذ في صراع تشارك فيه قوى عظمى وكبرى استثمرت فيه، من جهة، ولها، من جهة ثانية، فيه مصالح مباشرة أو غير مباشرة تسعى لتحقيقها وحمايتها، وإنه بحاجة إلى الحصول على موافقة هذه الدول على موقفه وقراره، وأنها، لاعتبارات تتعلق بالمصالح القريبة والبعيدة، لن تمنحه موافقتها ما لم يتناغم موقفه مع هذه المصالح ويخدمها أو ما لم يدفع ثمناً لذلك في ملف آخر، في سياق ما يسميه المخططون الإستراتيجيون «الربط بين القضايا».

وما يزيد موقف أردوغان دقة وحراجة أن بعض طلبات هذه القوى تتعلق بملفات تركية داخلية، سياسية وحقوقية وأمنية، بما في ذلك القضية الكردية ذاتها، والتجاوب مع طلباتها يتناقض بشكل صارخ مع الصورة التي يسعى لترويجها عن نفسه، وهو على أبواب انتخابات رئاسية مصيرية بالنسبة له، كحريص على الحقوق التركية وساع لتحرير القرار التركي من الهيمنة الأميركية.

نجح أردوغان في تحاشي سيطرة «قوات حماية الشعب» الكردية على كل الشريط الحدودي السوري التركي المشترك عبر الدفع من حساب السوريين، دماً ودماراً بتخليه عن المعارضة في ذروة معركة حلب، ثمناً لموافقة موسكو على عملية «درع الفرات»، التي اكتوى بنارها ودفع ضريبة الدم فيها مقاتلون سوريون من فصائل «الجيش السوري الحر»، التي حررت مثلث جرابلس اعزاز الباب من تنظيم «داعش» وقطعت الطريق على «وحدات حماية الشعب» الكردية التي سعت إلى الوصل بين كانتونيها في عين العرب/ كوباني وعفرين عبر احتلال الشريط من جرابلس إلى عفرين. وهذا شجعه، كما يبدو، على تكرار العملية ودفع ثمن مواجهة «خطر» كانتون عفرين من الدم السوري، وعلى حساب تطلعات الثورة السورية في الحرية والكرامة، بدفع الفصائل الخاضعة لرعايته وتوجيهه إلى المشاركة في ما يسمى «مؤتمر الحوار الوطني السوري» في سوتشي خدمة لموسكو، ودفع فصائل «درع الفرات» إلى أتون محرقة المواجهة مع «وحدات حماية الشعب» الكردية في عفرين وجوارها.

هنا لا بد من الإشارة إلى نقطة جوهرية سهلت على اردوغان إقناع فصائل من «الجيش السوري الحر» لخوض حربه بالوكالة ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية، وهي سياسة القوة التي اتبعتها «الوحدات» الكردية في تعاملها مع المواطنين العرب والتركمان في مناطق سيطرتها، حتى الكرد المختلفين معها سياسياً لم يسلموا من بطشها، واحتلالها مدن وبلدات وقرى عربية وممارسة القمع والتمييز ضد سكانها إن بطردهم من هذه المدن والبلدات والقرى وتدمير بعضها لمنعهم من العودة إليها أو بفرض التجنيد الإلزامي على شبابها وتحصيل ضرائب ورسوم مرور على السلع والأعمال التجارية فيها.

تستدعي الحصافة من فصائل «الجيش السوري الحر» التدقيق في المعادلة وموازنة الربح والخسارة التي تنطوي عليها المعركة والثمن الذي سيدفع في القتال أو في مساومات اردوغان مع موسكو وإيران على حساب تطلعات الثورة والمعارضة، كما تستدعي من «وحدات حماية الشعب» الكردية إسقاط بعض حجج اردوغان بالانسحاب من البلدات والمدن والقرى العربية في محيط عفرين وتسليمها لفصائل من «الجيش السوري الحر» أو لمجالس محلية منتخبة.

في الختام كان باستطاعة اردوغان تقليص حجم «الأخطار» التي يراها في التحركات والبرامج الكردية في دول الجوار لو أنه واصل عملية التسوية التي أتاحها عبدالله اوجلان، الذي تخلى عن مشروع الانفصال وقبل بحل حقوقي داخل الدولة التركية، وأنجز اتفاقاً ينهي هذا الصراع المرير ويلعب دوراً إيجابياً في حل القضية الكردية في دول الجوار عبر تحقيق سابقة متوازنة ومقنعة لكل الأطراف.

الحياة

 

 

 

 

عفرين وما بعدها/ إياد الجعفري

مع بدء العملية العسكرية التركية في عفرين، يتجلى سيناريوهان، يحددان مستقبل الشمال السوري برمته. ويمكن التمييز بينهما عبر الإجابة على التساؤل الكبير الآتي: هل الدخول العسكري التركي إلى تلك البقعة في شمال غرب سوريا، كان بناءً على تفاهمات غير معلنة مع الروس والأمريكيين والإيرانيين، أو بعض تلك الأطراف على الأقل؟، أم أنه جسٌ للقدرات، وتناطُحٌ للإرادات، وبالتالي، قد يكون توريطاً ميدانياً خطيراً للأتراك في سوريا؟

السيناريو الأول، يتضمن سيناريوهات فرعية أبرزها، أن تكون تركيا قد حصلت على عفرين كترضية من الأطراف المؤثرة في سوريا. فالأمريكيون تخلوا عن عفرين، مقابل قبول تركي، غير معلن، بالترتيبات الأمريكية – الكردية، شرق الفرات. أو على الأقل، لأن عفرين لا تعنيهم استراتيجياً، وبالتالي، فإن الأمريكيين لا يريدون الذهاب بعيداً في استفزاز الأتراك، من أجلها. أما الروس، فتخلوا عن عفرين، ربما مقابل دعم تركي لمؤتمر “سوتشي”، الذي يراهن عليه بوتين بحماسة. أما الإيرانيون، فعلى الأغلب، تخلوا عن عفرين التي كانت تحظى بعلاقات وطيدة مع النظام، وميليشياته في حلب، مقابل تخلي الأتراك عن المعارضة ومناطق سيطرتها، شرق سكة الحجاز، في إدلب. وهنا نلحظ أن بدء العملية العسكرية التركية في عفرين، تزامن بشكل غريب، مع حديث النظام عن السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري. وهو تطور ميداني لم يتأكد بعد.

وكسيناريو فرعي آخر، قد تكون تركيا تمكنت من تحصيل تفاهمات مع بعض الأطراف، وليس جميعها. ومن المرجح، حسب هذا السيناريو، أن يكون الروس أبرز المتفاهمين مع الأتراك. وما يؤكد ذلك، المعلومات الأولية عن سحب روسيا لشرطتها العسكرية من عفرين، كإشارة إلى وجود ضوء أخضر روسي للأتراك، في عمليتهم العسكرية. ويبدو أن الأتراك حصلوا أخيراً على ضوء أخضر روسي، أيضاً، لتحليق طائراتهم ضمن مجال جوي، داخل الأراضي السورية، يسمح لهم بتنفيذ عمليتهم العسكرية في عفرين.

وحسب هذا السيناريو، يبدو أن النظام من أبرز المتضررين، من التفاهم التركي – الروسي. ذلك أن الجناح الذي يدير عفرين، من قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، يتمتع بتفاهمات وطيدة مع النظام، ومع الإيرانيين. وبعض قادته قضوا فترات طويلة في جبال قنديل بالعراق، حيث معقل حزب العمال الكردستاني، الذي يحظى، هو الآخر، بتفاهمات مع إيران، هناك.

لكن، مقابل المؤشرات السابقة، التي تدعم نظرية وجود تفاهمات إقليمية ودولية على تسليم عفرين لتركيا، نجد أن مؤشرات أخرى، تدعم نظرية معاكسة، تذهب إلى أن عفرين قد تكون توريطاً للأتراك.

تدعم هذه النظرية، معلومات متواترة عن تحصينات واستعدادات قتالية عززها مقاتلو الأكراد في عفرين، بالتزامن مع وصول شحنات أسلحة، من المرجح أنها تضم مضادات دروع أمريكية. ويُشاع أن هذه الشحنات تضمنت مضادات طيران. لكن المعلومة الأخيرة ما تزال موضع شكٍ كبيرٍ، وإن أهملناها نهائياً، فإن استعدادات الأكراد للمقاومة في عفرين، كافية لترجيح كفة النظرية القائلة بأن تشجيع الأتراك على دخول عفرين، قد يكون بهدف توريطهم واستنزافهم هناك.

ذلك أن عفرين، ليست شمال حلب. فالديمغرافيا ليست متصالحة مع الأتراك. بل العكس. كما أن المقاتلين هم من أبناء المنطقة، وليسوا كمقاتلي “داعش” المجلوبين من مختلف أصقاع الأرض. لذا، فإن دخول الأتراك إلى عفرين، لن يكون سهلاً، إلا إن كانت هناك تفاهمات مع أطراف خارجية، قد تدفع مقاتلي الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى الانسحاب سريعاً.

أما إذا واجهت القوة العسكرية التركية مقاومة شرسة في عفرين، فهذا يعني أن الأمريكيين والروس والإيرانيين، أو بعضهم على الأقل، أرادوا تلك المنطقة اختباراً للإرادة السياسية التركية، وللقدرة العسكرية التركية، على حدٍ سواء. وهو اختبار في حال فشلت فيه تركيا، ستكون عواقبه سلبية للغاية على النفوذ التركي في سوريا، وعلى مجمل مصالح الأتراك هناك. وكذلك ستكون نتائجه سلبية على معظم فصائل المعارضة السورية، حتى منها تلك التي تقف على مسافة من الأتراك. أما في حال نجاح الأتراك في هذا الاختبار، فإن ذلك يفتح الباب نحو المزيد من التوسع وتعزيز النفوذ التركي في شمال سوريا. وقد يفتح الباب للانتقال إلى مرحلة منبج. وهو أمر قد يعزز أوراق الأتراك، وحلفائهم من السوريين، على طاولة المفاوضات. سواء في أستانة وسوتشي، أو في مسار جنيف الذي يضم قوى معارضة على صلة وطيدة بالأتراك.

فهل ستكون الحرب في عفرين، حرب تحريك، لا أكثر، يتم تحت ظلالها تبادل مناطق النفوذ، فتكون عفرين، لقاء “شرق سكة الحجاز”، مثلاً؟.. أم تكون الحرب هناك منعطفاً نوعياً، عصيباً، نحو إحدى نتيجتين، الأولى، فشل الأتراك وخسارة جانب كبير من نفوذهم في شمال سوريا، والثانية نجاحهم، وتعزز نفوذهم وقوة حلفائهم من السوريين؟

الساعات القليلة القادمة ستحسم الإجابة، بصورة جازمة. لننتظر ونرى.

المدن

 

 

 

تركيا في “أرض العجائب” السوريّة/ شورش درويش

منذ أكثر من عام، وتركيا تواصل تهديداتها باجتياح عفرين ومنبج، الواقعتين تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد). ومع سيول التهديدات المتوالية، شهدت منطقة عفرين وضواحيها أعمال قصف مدفعي وصاروخي استهدف نقاطا، قالت الحكومة التركية إنها تابعة لوحدات حماية الشعب، بيد أن التهديدات أخذت بعداً غير مسبوق، إذ تواصل الحكومة التركية حشد قواتها على مقربة من الحدود السورية، بالقرب من عفرين ومنبج، بينما تنهال تصريحات الحكومة التركية من دون توقف، والحديث عن حرب وشيكة، واجتياح برّي رفقة قوات “درع الفرات” المدعومة من تركيا، والهدف المعلن للعملية، بحسب الرئيس رجب طيب أردوغان: “غدًا أو بعده .. سنتخلّص من أوكار الإرهابيين واحداً تلو الآخر في سورية، بدءاً بمنبج وعفرين”.

قد تدخل هذه التهديدات حيّز التنفيذ، فالعزم التركي مترافقٌ مع صمتٍ روسيّ يمكن أن يفسّر بأنه من ثمرات الاتفاقات الجارية بين موسكو وأنقرة، في ما خصّ ترتيب الأوضاع في إدلب، بمعنى أن تكون عفرين الثمرة اليانعة التي ستسمح روسيا للأتراك بقطفها، في مقابل توسيع مناطق سيطرة النظام السوري. وقد سبق لاتفاق مماثل أن طبّق في حلب، فكان الدخول التركي إلى الباب وجرابلس، في مقابل بسط سيطرة النظام وروسيا على كامل مدينة حلب، وقد ساهم الاتفاق السابق في قطع الطريق على تمدّد “قسد” التي كانت ترمي إلى وصل المقاطعات الثلاث (الجزيرة، كوباني، عفرين) ببعضها، وصولاً إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسّط.

تعي حكومة “العدالة والتنمية” أن غربي الفرات، أي المنطقة تحت الإشراف الروسي، أكثر قابليّة لشنّ هجمات عليها، على عكس التي تحظى برعاية ودعم أميركيّين، وأنها خاصرة وحدات الحماية و”قسد” الرخوة. وبالتالي، سيعني اجتياح عفرين ومنبج وتوطيد أقدام قوات درع الفرات فيهما تهديداً مباشراً للقوات نفسها في الضفة الأخرى من الفرات، فمن شأن توسيع رقعة الحضور التركي في الداخل السوري جعلها أهم اللاعبين الذين سيحدّدون مصير أكراد سورية، عبر ربط الانسحاب التركي بنزع سلاح الوحدات و”قسد”، بالإضافة إلى الخلاص من كابوس تمدد الأخيرة على كامل منطقة الحدود السوريّة التركيّة.

في إزاء الموقف الروسي، ثمة اعتراض أميركي خافت على تصريحات تركيا وحشودها

“قد تدخل  التهديدات حيّز التنفيذ، فالعزم التركي مترافقٌ مع صمتٍ روسيّ”

العسكرية، إلّا أن هذه الاعتراض الداعي إلى “التهدئة” على جانبي الحدود، قد يتحوّل مع بلوغ التهديدات والقصف المتقطّع مرحلة الحرب المباشرة والمفتوحة. وقد تعمد أميركا إلى تكرار تجربتها السابقة في المنطقة الخاضعة لـ”قسد، إذ عمدت، في وقت سابق من العام الفائت، إلى نشر قواتها وأعلامها في نقاط حدودية شرقي الفرات، بغية إيقاف القصف الجوي والمدفعي التركي الذي انصبّ على نقاط تابعة لوحدات حماية الشعب في محافظتي الحسكة والرّقة، وقد نجح انتشار القوات الأميركية الذي شكّل فزّاعة حيّة للقوات التركية.

في المقابل، تعرف الولايات المتحدة أنها استفزّت تركيا إلى أبعد الحدود، خصوصا أنها أعلنت، أخيرا، نيتها تشكيل قوة حرس حدود هائلة العدد، مكوّنة من 30 ألف مقاتل، سيتم نشرهم على طول الحدود مع تركيا شرقي الفرات والعراق، من دون منح رفض تركيا ومخاوفها أدنى اعتبار، فالحديث عن خلاف تركي أميركيّ متنامٍ بات أقرب إلى السرّ المفضوح، وشقّة الخلاف هذه قد تدفع تركيا إلى عدم الإصغاء إلى دعوات أميركا الراغبة في التهدئة، لكن من شأن أي تصعيد تركي يتجاهل الموقف الأميركي أن يساهم في مضي الأخيرة في دعم القوات الكردية، وتمكينها من كل مقومات معاندة الاجتياح التركي ومقاومته. وبالتالي، فإن من شأن حربٍ كهذه أن تستنزف القوة التركية المهولة، وتحويل الحرب إلى معارك طويلة الأمد.

وعليه، تبدي الحكومة التركية مزيجاً من الثقة في النفس، والثقة في صمت القوى الفاعلة في المسألة السوريّة، إلا أن أرض الواقع السوريّ غالباً ما بدّدت تفاؤل المتفائلين غير مرّة، وليس التفاؤل التركي استثناءً، خصوصاً إذ دار الحديث عن قوّة مثل “قسد” فاجأت الجميع بقدراتها على الحفاظ على المناطق التي تسيطر عليها، خصوصاً وأن هذه القوة باتت تجيد نسج العلاقات مع القوى الفاعلة على الأرض السورية، ناهيك عن مسألة تكديس السلاح والعتاد والكفاءة القتالية، وصولاً إلى إجادتها مغازلة المجتمعات المحليّة، والالتحاف بالحواضن الشعبيّة. لذا يمكن القول: إن الحرب وإن وقعت والاجتياح وإن حصل، فإن مسار الأحداث لن يكون رحلة هانئة، تدوم أسبوعا، على نحو ما وصفه قادة تركيا، فمن الصعب، بل ربّما من المستحيل، التخمين والتقدير والتنبؤ حول مآلات الأحداث داخل الأرض السوريّة التي حُقّ أن نسميها أرض العجائب.

العربي الجديد

 

 

 

 

عملية عفرين.. المهمة والنطاق والإشكالات السياسية/ عمر كوش

التشابكات السياسية

الموقف الروسي

الرؤية الإيرانية

مؤشرات ومعطيات عديدة تشي بقرب قيام تركيا بعملية عسكرية في منطقة عفرين الواقعة شمال غربي سوريا، وبات السؤال يطرح حول توقيت وكيفية بدء العملية، خاصة بعد أن استكمل الجيش التركي وفصائل من “الجيش السوري الحرّ” تحضيراتهم واستعداداتهم في انتظار ساعة الصفر.

 

يخوض الجيش التركي والفصائل هذه العملية تحت مسمى عملية “سيف الفرات”، بهدف أبعاد مليشيات “وحدات حماية الشعب” (YPG) الكردية، التابعة لحزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” (PYD) الذراع السورية لحرب “العمال الكردستاني”(PKK) المحظور في تركيا، بوصفه منظمة إرهابية بالنسبة إليها.

ويبدو أن تركيا استكملت استعداداتها العسكرية، إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من 20 ألف جندي تركي ومقاتل من فصائل الجيش السوري الحر، يستعدون للمشاركة في العملية العسكرية، التي من المرجح أن تنطلق من غرب مدينة أعزاز، وبالتحديد من المناطق التي تضم بلدة عين دقنة ومطار منغ العسكري في ريف حلب الشمالي.

وستمتد حتى تصل إلى مدينتيْ تل رفعت وعفرين في محافظة حلب، حيث تسيطر وحدات الحماية الكردية على 12 قرية وبلدة في المنطقة هي: منغ وعين دقنة وتل رفعت ومريمين والمالكية وشواغر ومرعناز والشيخ عيسى وحربل وكفر ناصح ودير جمال، وتنتشر في مدينة تل رفعت وبلدتيْ مارع وكفرجنة قوات شرطة روسية منذ نهاية عام 2016.

التشابكات السياسية

تحرص تركيا على تأكيد أن عمليتها العسكرية في منطقة عفرين لا تستهدف الأكراد في سوريا، بل عناصر حزبيْ العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي والمليشيات التابعة له، وأنها ستتم بمشاركة فصائل من الجيش السوري الحر، حيث أكدت كل من “فرقة السلطان مراد” و “جيش النصر”، و”الجبهة الشامية” استعدادها للمشاركة في هذه المعركة.

وتنضوي هذه المجموعات ضمن فصائل “درع الفرات” المدعومة من تركيا، وتعتبر هدفها من خوض معركة عفرين هو استرداد القرى العربية التي تسيطر عليها مليشيات الحماية الكردية الانفصالية وحماية الأراضي السورية منها، واسترداد حقوق الشعب السوري المسلوبة من النظام وغيره.

تنتظر أنقرة استكمال تفاهماتها السياسية مع كل من موسكو وواشنطن وطهران، كي تعطي إشارة بدء العملية العسكرية، في ظل تعدد واختلاف اللاعبين في الصراع على سوريا وفيها، حيث تحرص القيادة التركية على ضمان عدم الاصطدام مع القوات الروسية والأميركية والمليشيات الإيرانية الموجودة بمنطقة عفرين أو قربها.

هذا فضلاً عن سعي أنقرة إلى الحصول على غطاء سياسي وتنسيق عسكري لأي تحرك عسكري مقبل من طرفها. غير أن التوتر السياسي تصاعد ما بين الأتراك والأميركيين بعد الكشف عن خطط أميركية لإنشاء قوات أمنية حدودية في شمالي سوريا، قوامها 30 ألف مسلح بالتعاون مع “قوات سوريا الديمقراطية”، تنتشر على طول الحدود السورية مع تركيا والعراق وضفة نهر الفرات الشرقية، الأمر الذي اعتبرته أنقرة تهديداً مباشراً موجهاً لها من واشنطن.

واستدعى ذلك توضيحات من وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، نفى فيها تشكيل مثل هذه القوة، ثم دعت وزارة الدفاع الأميركية كل الأطراف إلى التهدئة على الحدود التركية/السورية، مع أخذها في الاعتبار قلق أنقرة من حزب “العمال الكردستاني”.

وطمأنت واشنطن الجانب التركي بأن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لن يشن عمليات عسكرية في منطقة مدينة عفرين السورية، كما نفت أي دعم لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية الموجودة في مدينة عفرين، وقالت إنها “لا صلة لها بها”.

واعتبرت بعض الأوساط التركية أن هذا الموقف يشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لن تتدخل ضد أي عملية عسكرية تركية مقبلة في منطقة عفرين، إلا أن جاويش أوغلو اعتبر أن تصريحات مسؤولين أميركيين حول مخاوفهم بشأن الحدود السورية غير مطمئنة، ولذلك شدد على أن بلاده ستتدخل “في عفرين ومنبج بسوريا”، وأنهم أبلغوا أميركا بأنهم لا يريدون مواجهة حليف لهم هناك.

الموقف الروسي

ولعل الأهم بالنسبة لتركيا هو الموقف الروسي حيال تحركها العسكري المرتقب، إذ إن روسيا صاحبة اليد الطولى في الوضع السوري عسكرياً وسياسياً، وهناك تنسيق وتفاهمات عديدة ما بين تركيا وروسيا وإيران في مسار أستانا العسكري (بين النظام السوري وفصائل المعارضة السورية المسلحة)، الذي ترعاه هذه الدول الثلاث والضامنة لاتفاقات مناطق خفض التصعيد التي تمخضت عنه.

ولم يعلن ساسة موسكو موقفاً واضحاً من الاستعدادات العسكرية التركية، حيث لم يصدر عنهم حتى الآن أي موقف علني مؤيد أو معارض لتصريحات الساسة الأتراك، التي تشير إلى اقتراب قيام الجيش التركي وفصائل من الجيش السوري الحر بعملية عسكرية في عفرين، بالرغم من أن وسائل إعلام تركية تحدثت -منذ عدة أيام- عن أن موسكو أبلغت أنقرة بأنها لن تقف ضد أي تحرك تركي من هذا النوع.

لكن التصريح الوحيد الذي أدلى به وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زاد عدم وضوح الموقف الروسي، لكونه دعا قبل بضعة أيام إلى “وقف العنف في عفرين”، وهذا ما يفسر مسارعة أنقرة إلى إرسال قائد أركان الجيش التركي خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات التركية هاغان فيدان إلى موسكو، للتباحث معها بشأن العملية العسكرية المرتَقَبة، واستيضاح موقف روسيا حيالها.

وذلك في سياق رغبة أنقرة التنسيق مع موسكو والحصول على دعم روسي لمعركة عفرين، وعدم عرقلتها من موسكو، إلى جانب طلب أنقرة من موسكو التدخُّل لدى النظام السوري كيلا يعترض عليها، ووقف هجماته على مناطق محافظة إدلب.

ولا شك في أن الحصول على موافقة موسكو على العملية العسكرية في عفرين سيخضع لمساومات بين الروس والأتراك، حيث لن تقدم روسيا دعمها للعملية إلا مقابل تنفيذ الجانب التركي التزاماته المتعلقة بمسار أستانا، والقاضية بضمان الأمن في إدلب والتحرك نحو تصفية “جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة سابقا) تدريجياً.

هذا إضافة إلى أن الموافقة الروسية على الطلب التركي تأتي في وقت تتوحد فيه مواقف الساسة الروس والأتراك والإيرانيين، لإفشال المشروع الأميركي الساعي لتشكل جيش جديد، من خلال إضعاف مليشيات وحدات الحماية الكردية، وهذا ما تسعى إليه تركيا عبر عمليتها العسكرية في عفرين.

ومع ذلك يريد الساسة الروس من نظرائهم الأتراك أن توجَّه عمليتهم العسكرية فقط نحو إبعاد عناصر حزب العمال الكردستاني من غير السوريين وتحديداً الأتراك، لكون الروس لا يزالون ينسقون مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يمتلك مكتباً في موسكو، ولا ترغب موسكو في أن تخسر تماماً لصالح تحالفه مع واشنطن.

الرؤية الإيرانية

يأتي كل ذلك في وقت تستعد فيه موسكو -بالاشتراك مع أنقرة وطهران- لعقد مؤتمر سوتشي لما يسمى “الحوار الوطني السوري”، حيث إن أي إعاقة من طهران أو موسكو للرغبة التركية ستؤثر على ظروف وممكنات عقد هذا المؤتمر، بل وعلى مستقبل الوضع في سوريا.

ولذلك ليس مصادفة أن يعلن جاويش أوغلو أن نائب مستشار الخارجية التركية سيتوجَّه إلى سوتشي لحضور اللقاء التحضيري لمؤتمر الحوار الوطني، وأن وحدات حماية الشعب الكردية لن تحضر هذا المؤتمر.

وعلى الطرف الإيراني، تُجري أنقرة اتصالات مكثفة مع طهران في إطار التمهيد لعملية عفرين، مستندة لرفض الطرفين قيام كيان كردي مستقل سواء أكان في سوريا أم العراق، تحسباً لانعكاسات محتملة على أمنهما القومي، وتعوّل على التنسيق المشترك بينهما في الملف السوري، الأمر الذي يعتبره الأتراك عاملاً مساعداً في موافقة إيران على تحرك بلادهم في الشمال السوري.

لكن ساسة طهران بالمقابل لا يريدون أن تُطلَق يد تركيا في شمالي سوريا، تخوفاً من تأثير الدور التركي على مشروعهم التوسعي فيها وفي المنطقة العربية، إضافة إلى سعيهم لأن يكونوا أصحاب اليد الطليقة في الوضع السوري بالتعاون والتنسيق مع روسيا.

ويشهد واقع الحال بأن تركيا لم تعمد إلى مواجهة المخططات الإيرانية في سوريا ولا في العراق، بل إن الغياب التركي على الأرض السورية استغله الساسة الإيرانيين لصالح مشروعهم الساعي لبسط النفوذ والهيمنة، وفرض حلّ بالقوة في سوريا، وبما يمكّنها من فتح الممر الواصل بين طهران وبيروت مروراً ببغداد دمشق.

ولذلك يسابق الساسة الإيرانيون الزمن -بواسطة مليشياتهم في سوريا- من أجل الاستيلاء على المزيد من مناطق سيطرت المعارضة السورية، وهو ما يقومون به في أيامنا هذه في كل من غوطة دمشق الشرقية ومحافظة إدلب.

ويبقى أن الخاسر الوحيد من ذلك كله هو المدنيون السوريون (عرباً وكرداً وتركماناً وسواهم)، حيث دفعوا ثمناً غالياً ومهولاً خلال السنوات السبع الماضية. ولا شك في أن أي عملية عسكرية في عفرين ستشملهم، خاصة أن أكثر من نصف مليون سوري يعيشون في منطقة عفرين، التي نزح إليها عشرات آلاف السوريين من مناطق أخرى، إلى جانب أن مدينة عفرين ذات التركيبة العرقية المتنوعة، والموزعة ما بين العرب والكرد والتركمان.

لذلك لا بد من أن تأخذ تركيا هذا الواقع بالحسبان، والمرجح أن تقتصر العملية العسكرية التركية على استرداد القرى التي تحتلها مليشيات الحماية الكردية، وأن يُحاصَر مقاتلو هذه الوحدات أو يُرتب انسحابهم من المدينة، وهو أمر لا يبدو سهلاً لأن منتسبي حزبيْ العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي يسيطرون على هذه المدينة منذ عدة سنوات.

ولذلك فإن السؤال ليس فقط عن متى ستبدأ العملية العسكرية الوشيكة؟ بل عن كيفية تنفيذها ومداها ونتائجها على الوضع السوري بشكل عام.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2018

 

 

 

عملية عفرين.. ذروة التوتر بين أنقرة وواشنطن/ سعيد الحاج

التوتر التركي/الأميركي

تحالف على المحك

سيناريوهات عفرين

أثار الإعلان عن عزم التحالف الدولي إنشاء وتدريب قوة لحرس الحدود في سوريا، تتشكل من قوات سوريا الديمقراطية ويمكن أن يصل تعدادها إلى 30 ألفاً؛ ردودَ فعل غاضبة ورافضة من النظام السوري وإيران وروسيا، إلا أن ردة الفعل الأكثر حدة جاءت من تركيا كما كان متوقعاً.

ذلك أن التصريح المنقول -نهاية الشهر الفائت- عن قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل عزّز هواجس أنقرة بخصوص وحدة الأراضي السورية، ومشروع الدويلة الكردية الذي تعتبره خطاً أحمر لا يمكنها السماح به، وزاد عدد الأزمات المتراكمة مؤخراً مع واشنطن.

التوتر التركي/الأميركي

منذ تسلم العدالة والتنمية الحكم في تركيا؛ تعاني العلاقات التركية/الأميركية من أزمات من وقت لآخر، مردّها إلى تغيُّر طبيعة العلاقة بعد انتهاء الحرب الباردة، وتبدل نظرة تركيا لمكانتها ودورها في الإقليم والعالم. إذ لا يبدو أن واشنطن تتفهم المتغيرات الحاصلة في الطرف التركي، أو تقبل برغبة أنقرة في ندّية العلاقات بينهما واستقلالية قرار سياستها الخارجية.

اليوم، لم يعد ما يحكم العلاقة تبعية أنقرة لواشنطن خلال الحرب الباردة، ولا الشراكة الإستراتيجية المعلنة في 1995، ولا الشراكة النموذجية والحديث عن “النموذج التركي” على لسان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، بل التوتر الدائم والأزمات المتفاقمة؛ وأهمها:

أولاً، رفض الولايات المتحدة تسليم تركيا فتح الله غولن المتهم الأول في المحاولة الانقلابية الفاشلة صيف 2016، ومماطلتها في التعاون بشأن ملف التحقيق معه.

ثانياً، الدعم الأميركي المستمر والمتزايد للفصائل الكردية المسلحة في سوريا والمصنفة على قوائم الإرهاب التركية.

ثالثاً، قضية رضا ضراب رجل الأعمال التركي من أصل إيراني، التي تسير نحو إدانة مسؤول كبير في مصرف حكومي تركي، وترى فيها أنقرة مؤامرة لاستهدافها اقتصادياً.

رابعاً، الموقف التركي المتقدم في مواجهة قرار ترمب بخصوص القدس.

خامساً، عدد من الأزمات الفرعية الأقل حجماً وتأثيراً، مثل التحقيق مع الحرس الشخصي للرئيس التركي في الولايات المتحدة.

أدت هذه الأزمات وغيرها -ولا سيما مواقف حلفاء تركيا الأطلسيين خلال وبعد الانقلاب الفاشل- إلى اقترابها أكثر من روسيا، التي نسجت معها تفاهمات ومسيرة تعاون في القضية السورية، ووقعت معها صفقة أس 400 الدفاعية ذات البعد الإستراتيجي.

يبقى ملف التوتر الأكبر والأخطر بين تركيا والولايات المتحدة هو دعم الأخيرة للفصائل الكردية المسلحة في سوريا، وهو دعم معلن وواضح ومستمر أوصل هذه الفصائل إلى مصافّ جيش نظامي، يقدّر عدد أفراده بعشرات الآلاف.

ترى واشنطن في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) حليفاً محلياً في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقوة أثبتت نفسها في مواجهة التنظيم منذ معركة عين العرب/كوباني في 2014، التي خاضتها ذراعه العسكرية وحدات حماية الشعب (YPG) ضد التنظيم.

الدعم الأميركي للحزب وامتداداته يبدو مستقراً ومستمراً وشاملاً للجوانب السياسية والمالية والعسكرية والإعلامية، بما في ذلك إمداده بكميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وتدريب عناصره.

الغطاء الأميركي للحزب وعناصره شمل الجانب السياسي والإعلامي بتغيير اسم وحدات الحماية إلى قوات سوريا الديمقراطية (SDF) بعد ضم عناصر أخرى، والجانب العسكري الذي شمل إبقاء عناصر الحزب في منبج بعد إخراج “داعش” منها وحمايتهم من القوات التركية.

كما تشكل الفصائل الكردية المسلحة غطاء للوجود العسكري الأميركي في سوريا، على شكل قواعد عسكرية في مناطق سيطرتها شرق الفرات، ويبدو بالنسبة للكثيرين أن ذلك جزء من رؤيتها للحل في سوريا عبر التقسيم أو الفدرلة.

تحالف على المحك

بالنسبة لتركيا، يُعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي هو الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK) الانفصالي، والمصنف منظمة إرهابية بسبب الحرب التي يخوضها ضد الدولة التركية منذ 1984.

تبعية حزب الاتحاد للعمال الكردستاني ليست مجرد ادعاء تركي، بل تؤكدها عدة تقارير دولية أهمها تقرير لـ”مركز التميز للدفاع ضد الهجمات الإرهابية” التابع لحلف الناتو، أصدره عام 2016. كما أن الحزب متهم بالضلوع في هجمات انتحارية داخل تركيا، أصدرت أنقرة إثر إحداها مذكرة توقيف بحق رئيسه صالح مسلم نهاية 2016.

المشروع السياسي لحزب الاتحاد -والمتمثل في إقامة دويلة بشمال سوريا- تعتبره أنقرة التهديد الأكبر لها، وتضع مواجهته وتقويض إمكاناته على رأس قائمة أولوياتها، بما في ذلك عملية درع الفرات التي نفذتها -بين آب/أغسطس 2016 وآذار/مارس 2017- لمنع التواصل الجغرافي بين كانتوناته الشرقية والغربية.

عملية درع الفرات كانت “خنجراً في قلب المشروع” وفق تعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لكنها لم تؤدِّ إلى وأده تماماً، ولذلك تهدد أنقرة -منذ أشهر- بعملية وشيكة ضد الحزب في منطقة عفرين شمال غربي سوريا.

تتناول وسائل الإعلام التركية أخبار العملية المفترضة في عفرين منذ أشهر تحت اسم “سيف الفرات”، مما يوحي بصفتها الهجومية مقابل الصفة الدفاعية لدرع الفرات، لكن ساعة الصفر لم تحدد بيوم معين.

عقدة أنقرة الرئيسية في عفرين هي الوجود العسكري الروسي في المنطقة، مما يجعل التنسيق مع موسكو ضرورة قبل بدء أي تحرك تركي. ولذلك يعزو الكثير من المراقبين تأخر عملية عفرين إلى غياب الموافقة الروسية حتى وقت قريب.

ومما يعزز ذلك أن التفاهمات الروسية/التركية في سوريا لا تسري على الملف الكردي، إذ تمتنع روسيا عن وضع العمال الكردستاني على قوائم الإرهاب، وتستضيف مكتباً لحزب الاتحاد الديمقراطي على أراضيها، وتصر على إشراكه في مؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري.

الخطة الأميركية -بتشكيل حرس حدود من قوات سوريا الديمقراطية- وضعت على ما يبدو الخطة التركية بخصوص عفرين على سكة التفعيل. فقد صرح أردوغان أكثر من مرة بأن العملية باتت وشيكة جداً، وأرسلت أنقرة المزيد من التعزيزات العسكرية إلى الحدود، بل وقصفت القوات المسلحة التركية مواقع في عفرين بالمدفعية.

ترى تركيا نفسها مستهدفة بالخطط الأميركية التي تقوّض وحدة الأراضي السورية عبر التقسيم أو الفدرلة، وتسعى لإنشاء كيان سياسي لحزب مصنف على قوائم الإرهاب ولديه علاقة عضوية مع العمال الكردستاني.

يعني ذلك أن أي كيان مفترض بقيادة هذا الحزب سيكون معادياً لها، وحاجزاً بينها وبين سوريا والعالم العربي، وأرضاً لتدريب الكردستاني وانطلاق عملياته نحو الأراضي التركية، فضلاً عن التعقيدات المتوقعة على الملف الكردي داخل تركيا.

سيناريوهات عفرين

يمكن القول إن عملية عفرين قد بدأت فعلاً قبل أشهر، عبر مرحلة تمهيدية تضمنت نشر قوات تركية في إدلب ضمن اتفاق مناطق خفض التصعيد، وهو ما مكن أنقرة من حصار عفرين من الجنوب ومنع تسلسل مسلحي العمال الكردستاني عبر البحر الأبيض المتوسط. واليوم، يبدو القصف المدفعي التركي مرحلة ثانية يمكن اعتبارها مقدمة لعملية فعلية أوسع تستعد لها أنقرة.

أعلن أردوغان أن العملية الوشيكة ستقوم بها القوات المسلحة التركية بمساعدة مجموعات من المعارضة السورية، تماماً كما حصل في درع الفرات، وهو ما سيؤمّن لها مشروعية تريدها تركيا، إضافة للتنسيق مع الأطراف الفاعلة وخصوصاً روسيا.

وفي حين أعلن أردوغان أن الاتصالات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتينمستمرة؛ أكد أنه لن يبادر بالاتصال بنظيره الأميركي دونالد ترمب. وهو تصريح ينسجم مع عدة تصريحات تركية غاضبة من واشنطن، ومحذرة لها في آنٍ معاً من “اللعب بالنار” أو “إدامة دعمها للمنظمات الإرهابية” خلال العملية التركية.

السيناريوهات المطروحة بخصوص عفرين كثيرة، لكن يمكن تلخيصها في اثنين رئيسين:

الأول، عملية واسعة تهدف لتقويض سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على عفرين تماماً، أي عملية شبيهة بدرع الفرات من حيث الإعداد والمراحل والتدرج، واشتراك عدة فرق من مختلف الاختصاصات في الجيش التركي، إضافة إلى مجموعات السوري الحر.

الثاني، عملية محدودة تنتزع بعض المناطق من الحزب وتحاصره في منطقة جغرافية أضيق، مما سيقلّل خطره على الحدود التركية، ويُنهي إمكانية اتصاله لاحقاً بالكانتونات الشرقية جغرافياً، فضلاً عن منع وصوله إلى مياه المتوسط.

ثمة تحديات كثيرة أمام الخطة التركية المفترضة؛ أولها اختلاف تضاريس عفرين عن مناطق درع الفرات حيث تبدو أكثر وعورة وتعقيداً، وعدم اطمئنان أنقرة لمواقف موسكو وواشنطن على المدى البعيد.

هذا إلى جانب وجود القوات الأميركية في منبج التي قد يحصل احتكاك مباشر معها، واحتمالات تسليم الحزب عفرين إلى النظام السوري، والارتدادات المحتملة على الداخل التركي، فضلاً عن سيناريو التورط والاستنزاف الذي لا تريد تركيا الوقوع في فخاخه.

وبمنظور أشمل من خصوصية عفرين؛ فإن مساحات المناورة التركية في سوريا تبدو أضيق اليوم نسبياً من السابق، في ظل قصف إدلب من قبل موسكو والنظام، وانعكاسات ذلك على الإطار الثلاثي الضامن لوقف إطلاق النار.

ومن جهة أخرى، فإن إمكانات تركيا في عملية عفرين لا تنطبق على منبج المحميّة أميركياً، ولا تمنحها حلولاً مثلاً للمناطق الواسعة التي تسيطر عليها الفصائل الكردية المدعومة أميركياً شرق الفرات، وهو ما يجعل سيناريوهات التقسيم والفدرلة حاضرة ومحتملة دائماً رغم معارضة أنقرة.

أخيراً، فإن التصريحات التي نقلتها وكالة الأناضول للأنباء عن الناطق باسم التحالف الدولي ريان ديلون، وتقول إن التحالف لا ينوي دعم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في عفرين باعتبارها منطقة خارج اهتمامه واختصاصه؛ قد تُفهم على أنها ضوء أخضر أميركي للعملية التركية، وتخلٍّ من واشنطن عن حلفائها.

لكنها أيضاً قد تندرج ضمن سيناريو التشجيع والاستدراج لتوريط تركيا في عملية عسكرية تبدأها هي، لكن قد لا تسيطر على مراحل تطورها ونتائجها النهائية، مما يعني أننا أمام منعطف خطير مفتوح على عدة سيناريوهات، وله تداعياته على الملف السوري عموماً والعلاقات التركية/الأميركية بشكل أخص.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2018

 

 

 

 

 

هل ستهاجم تركيا حزب العمال الكردي في عفرين السورية؟

رأي القدس

أثار إعلان التحالف الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية العمل على تشكيل جيش قوامه 30 ألف مقاتل يقوده أتباع حزب العمال الكردستاني التركي داخل سوريا، ويقوم بحراسة الحدود السورية مع تركيا والعراق، مجموعة من ردود الفعل الدولية الكبيرة.

أكثر هذه الردود عنفاً تمثل بالتصريحات الرسمية التركية والتي تبعتها مجموعة من الاستعدادات العسكرية للهجوم على مدينة عفرين، المعقل الرئيسي للحزب في سوريا، والحاضنة الشعبية التي وفّرت للحزب على مدى العقود الماضية آلاف العناصر الذين قاتلوا في صفوف الحزب داخل تركيا نفسها.

أسباب تركيا لهذا التوجّه كثيرة أوّلها، بالطبع، اعتبارها القرار الأمريكي تشريعاً لدولة كرديّة مقبلة، وهي دولة تراها السلطات التركيّة خطراً وجوديّاً عليها لأنها ستكون قاعدة ممكنة لشنّ الهجمات داخل تركيا، وربما للتوسّع وضمّ المناطق التي يعتبرها الحزب أراضيه داخل تركيا نفسها.

النقلة الأمريكية الخطيرة استدعت، عمليا، الردّ التركي، ولكنّ بالنظر إلى أن كل خطط السلطات التركية السابقة كانت تواجه برفض أمريكي واضح، فهل وصل الأتراك إلى ما يمكن اعتباره حافّة الهاوية التي لا يمكن قبول السقوط فيها، وباتوا مستعدّين لاجتياز الخطّ الدولي المانع للهجوم على حزب العمال، أم أن هذا الخطّ لم يعد موجوداً بعد تصريحات متحدثين من وزارة الدفاع الأمريكية أمس تؤكد أن قوات الحزب في عفرين «ليست جزءاً من العملية الأمريكية ضد تنظيم الدولة»، وأنها لا تقوم بدعم تلك القوات عسكريا؟

الغطاء العسكريّ/السياسي الأمريكي لحزب العمال الكردستاني على مدار السنوات الماضية لم يكن المتحوّل الوحيد في المعادلة السورية الشديدة التعقيد، فالحزب كان أداة لاستخدام النظام السوري له منذ بدء الثورة عام 2011 ضد كل الأطراف الكردية التي تعاطفت مع تلك الثورة، كما استطاع فتح خطوط على الروس، الذين يريدون مماحكة الأتراك به، ومنافسة رعاته الأمريكيين، وخطوط أخرى مع الإيرانيين بحيث تم تبادل منافع ومصالح الطرفين في سوريا وإيران والعراق، وكذلك مع الأوروبيين الذين سمحوا لمتطوّعين من جنسيات أوروبية بالقتال معه، وزوّدوه بأشكال عديدة من الدعم العسكري.

وفّر كل هؤلاء الرعاة والداعمين لحزب العمال مجالا واسعاً للحركة، لكنّه أجّج مشاعر تاريخية عميقة لدى الأتراك بأن خطة الحلفاء القدامى في الحرب العالمية الأولى (الروس والبريطانيون والفرنسيون) لتحطيم بلادهم قد تمت استعادتها مجدّدا وأن حزب العمال هو أداة تنفيذها الكبرى بعد سقوط محاولة الانقلاب العسكري الأخيرة صيف عام 2016.

الخطّة التركيّة لكسر شوكة الحزب في عفرين تحتاج إلى تخلّي واشنطن عن حليفها الكرديّ هناك، وهو أمر صعب لكنه ممكن إذا اعتبره الأمريكيون ثمناً معقولا للاعتراف التركي بخطتهم للسيطرة على منطقة شرق الفرات، كما يحتاج لموافقة روسيّة، وهو أيضاً أمر صعب لأنه يحتاج إلى هبوط الروس عن شجرة قناعتهم بأن سيطرتهم على سوريا بالكامل اقتربت، ولكنّ الموافقة قد تكون ضرورية لإعادة الأتراك إلى مسار سوتشي، وربّما لانتهاز الفرصة لانتزاع مناطق ما تزال تحت هيمنة فصائل معارضة تدعمها أنقرة.

المعركة، في النهاية، هي معركة تركيّة لأنها تقوم بين طرفين تركيين، أو هي بالأحرى، معركة على تركيا نفسها، ولكنّها، بالضرورة ستؤثر على مسارات الأحداث اللاحقة في سوريا، وبالتالي هي أيضاً معركة على سوريا.

القدس العربي

 

 

 

خيارات تركيا في سورية كلّها مجازفات بلا ضمانات/ عبدالوهاب بدرخان

تقف تركيا حالياً أمام منعطفات تقودها جميعاً إلى مأزق شامل في تعاطيها مع الملف السوري وتداعياته عليها داخلياً. فكلّ خطر حاولت إبعاده أو تجنّبه ما لبث أن ارتسم وتأكّد. وفي حين استطاع جميع اللاعبين في سورية ترتيب مصالحهم، موقتاً، يغلب على حسابات تركيا السعي هاجس الحدّ من الخسائر. وفيما تقاسمت الولايات المتحدة وروسيا «الانتصار على داعش» وتبنيان عليه، وشاركهما فيه النظام السوري وإيران ليبنيا عليه أيضاً، حاولت تركيا إبراز عملية «درع الفرات» كمساهمة ناجحة ضد «داعش»، إلا أن الآخرين يواصلون تحميلها مسؤولية أساسية في تدفّق المقاتلين الأجانب، وتتضافر جهودهم لفرملتها وإبقاء مكاسبها محدودة، خصوصاً لعدم تمكينها من استثمار الدور الذي منحتها إياه روسيا في تحجيم قوة أكراد سورية الذين استفادوا أولاً من تعاونهم مع نظام بشار الأسد والإيرانيين، ثم ظفروا بدعم أميركي متعاظم وسعي روسي دائب لاحتضانهم.

تمرّ العلاقات التاريخية بين تركيا والولايات المتحدة بأسوأ مرحلة على الإطلاق، وعلى رغم صلابتها المزمنة وبعدها الاستراتيجي المؤكّد إلا أنها لم تصمد أمام «الإغراء الكردي» الذي تعلّقت به واشنطن ولم تبالِ بأخطاره على دولة حليفة كتركيا ولم تحرص على طمأنتها أو على توثيق أي ضمانات لتهدئة مخاوفها على وحدة جغرافيتها. فالمقاتلون الأكراد لم يكونوا فقط أداة فاعلة في يد أميركا لمحاربة «داعش» بل أشعروها للمرّة الأولى بأن لديها «مصالح» في سورية، لذلك فهي تعمل لبقاء مديد في الشريط الشمالي أسوة ببقاء روسيا المديد لإدارة مصالحها في عموم سورية. ومع أن أنقرة اندفعت في علاقة متقدّمة مع موسكو، واستحصلت منها على دور في سورية، إلا أن تعاونهما لم يرقَ إلى مستوى الشراكة التواطؤية بين روسيا وإيران، فظلّت الشريك الثالث الطارئ الذي يعوّلان عليه لاستكمال ضعضعة المعارضة العسكرية وإدارة هزيمتها الميدانية. وحتى عندما حصل فجأة تنسيق بين تركيا وإيران تصدّياً لولادة دولة كردية مستقلة منفصلة عن العراق، ظل تقاربهما محدوداً بسبب خلافهما على مصير الأسد ونظامه، وفيما خسرت تركيا جانباً مهمّاً من استثماراتها مع كردستان العراق تنفرد إيران حالياً بإعادة هندسة العلاقة بين بغداد وأربيل.

يجمع خبراء ومراقبون على أن تركيا راكمت الأخطاء في الأعوام الأولى للأزمة، سواء مرغمةً أو بإرادتها وتردّدها، إذ أضاعت وقتاً طويلاً في البحث عن تفويض أميركي أو أطلسي في سورية وتبيّنت باكراً أنها لن تحصل عليه فأحجمت عن التدخّل المباشر عندما كان متاحاً، حتى ولو في شكل محدود. وحين فضّلت الحرب بالوكالة، عبر دعم فصائل المعارضة، أخطأت أيضاً في «أدلجة» خياراتها بإعطاء أولوية للإسلاميين بدلاً من التركيز على «الجيش السوري الحرّ» الذي كان واضحاً أن النظام والإيرانيين يعتبرونه عدوّهم الأول والأخطر، وما لبث الروس بعد تدخّلهم أن جعلوا إضعافه إحدى أولوياتهم لإنقاذ النظام.

كانت خسارة المعارضة وفصائلها فادحة نتيجة التدخّل الروسي، لكنها لحقت أيضاً بالدول التي دعمتها، كما وضعت أي دور لتركيا على محكٍ تسارعت صعوباته، ليس فقط بتداعيات إسقاط طائرة «السوخوي» بل أيضاً في نأي «الناتو» بنفسه عن أي مواجهة مع روسيا. ثم تراكمت الصعوبات في العلاقة مع الولايات المتحدة، من مفاوضات شاقة على اتفاق إتاحة قواعد تركية للطائرات المشاركة في «الحرب على داعش»، إلى الملف الشائك المتعلق بتسليح الأميركيين أكرادَ سورية ودخول أكراد تركيا على الخطّ، وصولاً إلى المحاولة الانقلابية (15/07/2016) التي تتهم أنقرة واشنطن بدعمها.

شكّلت هذه المحاولة نقطة تحوّل في تفكير الطاقم الحاكم، لذا كانت زيارة رجب طيّب أردوغان الخارجية الأولى بعدها إلى روسيا، وفي أواخر آب (أغسطس) 2016 أطلقت تركيا عملية «درع الفرات» لطرد «داعش» من غرب النهر إلى شرقه. وهي عملية أجازها فلاديمير بوتين ليدعم أردوغان ويظهره كمَن بدأ يحقق لتركيا طموحاتها في سورية، وأيضاً ليجتذبه إلى مقاربة مختلفة للملف السوري، إذ كانت معركة حلب محتدمة وقتذاك ولم تُحسم إلا بعد ثلاثة شهور وبعدما استكملت روسيا تدميرها المنهجي شرقَ المدينة، وعندذاك انخرط الروس والأتراك في تفاوض على ترتيبات انسحاب مَن تبقى من مقاتلين ومدنيين في المدينة. كان ذلك تدشيناً لدور تركي في مراحل تالية بوشرت بإنشاء «الثلاثي الضامن» لوقف النار الذي لم يطبّق ويُلتزَم إلا في مناطق المعارضة، أما قوات النظام والميليشيات الإيرانية فتابعت قضم مناطق هنا وهناك، خصوصاً في محيط دمشق. وتطوّر هذا التعاون مع اجتماعات آستانة وصولاً إلى الاتفاق على المناطق الأربع لـ «خفض التوتّر» التي استمرّ الطيران الروسي يقصفها باستثناء تلك الواقعة جنوب غربي سورية والخاضعة لاتفاق خاص بين روسيا وأميركا والأردن (وإسرائيل ضمنياً).

بعد مرور ثماني شهور على هذا الاتفاق لم تتمكّن الدول الثلاث «الضامنة» من تفعيل آليات مراقبة لـ «خفض التوتّر» أو إشراك دول أخرى في تلك الآليات، كما تعهّدت، بل إن ثلاثي روسيا وإيران والنظام دفع خلال تلك الفترة بمزيد من النازحين المرحّلين قسراً من منطقتَي «خفض توتّر» إلى منطقة أخرى هي محافظة ادلب حيث تجمّع خليط من فصائل مصنّفة «معتدلة» (الجيش الحرّ) وأخرى «متطرّفة» (أبرزها «هيئة تحرير الشام»/ «جبهة النصرة» سابقاً). وإذ طلبت تركيا تولّي ترتيب الأوضاع في إدلب فقد نالت من الشريكين موافقةً ملتبسةً. وقبل ذلك كانت عملية «درع الفرات» اصطدمت بخطّين أحمرين: أولاً، لم يسمح الأميركيون لتركيا بالوصول إلى منبج، حتى أنهم عطّلوا نظام «جي بي إس» لشلّ حركة قواتها، ثم أرسلوا قوة مراقبة رافعة العلم الأميركي لمنع قوات النظام وإيران من دخول المدينة ولإبقاء سكانها العرب تحت سيطرة كردية لا يريدونها. وثانياً، هبطت فجأةً قوة روسية في منطقة عفرين لتجعلها تحت حمايتها… إذاً، كان هناك اتفاق روسي – أميركي على إحباط استخدام تركيا دورها في سورية ضد الأكراد. وكما حال الأميركيون دون أي مشاركة لها في معركة الرقّة، على رغم إلحاحها، كذلك لم يوافق الروس على طلبها إخراج المقاتلين الأكراد من عفرين كشرط لتنفيذ مهمّتها في إدلب.

انطوت التصريحات الأخيرة لأردوغان، قبل استدعاء الخارجية التركية السفيرين الروسي والإيراني والقائم بالأعمال الأميركي وبعده، على ثلاث دلالات: 1) إن تركيا بلغت مفترقاً خطيراً، فمن جهة أخفقت في ثني الأميركيين عن تسليح الأكراد ودعمهم لإنشاء كيان خاص بهم في شمال سورية وضمّ مناطق عربية إليه، ومن جهة أخرى لم تستطع إقناع روسيا بتوجّساتها الكردية بل إن موسكو تراهن على التعاون مع الأكراد على المدى الطويل. 2) إن شريكي اتفاقات آستانة، الروسي والإيراني، لم يتخلّيا عن هدف السيطرة على كامل سورية بل إنهما عهدا إليها في سياق هذا الهدف بمهمة تصفية المجموعات المتطرّفة في إدلب إمّا بمهاجمتها مباشرة أو باستخدام الفصائل ضد بعضها بعضاً، وعندما أصرّت على خطط استخبارية لاختراق المنطقة وعزل «النصرة» أطلقا مع النظام هجمات واسعة جنوب شرقي إدلب في تهميشٍ واضح للدور التركي. 3) إن عدم استكمال عملية «درع الفرات»، بتوسيعها إلى منبج وتحييد عفرين وإخراج المقاتلين الأكراد منها كحدٍّ أدنى، يجعل «مناطقها» في شمال سورية عرضة للتأكّل بهجمات أسدية – إيرانية يغطّيها الروس جوّاً، بالتالي فإن تركيا قد تضطر لاحقاً لاستقبال ما لا يقلّ عن مليوني نازح إضافي.

أخطر ما في مأزق تركيا أن إخفاقاتها استراتيجية ويصعب تصحيحها أو تعويضها، فالشريكان الروسي والإيراني وحتى الحليف الأميركي ربطوا مصير دورها بمصير فصائل المعارضة التي يريدون جميعاً تصفيتها. ويعزو بعــــض المراقبين إلى الغضب التركي عــــودة الفصائل السورية إلى القتال وتحقيقها نتائج مفاجئة في إدلب وحرستا ضد قوات النظام وإيران. وإذا كان بوتين فضّل استبعاد مسؤولية تركيا عن الهجمات بطائرات مسيّرة (درون) على قاعدتي حميميم وطرطوس، فلأنه يريد حالياً استمرار دورها في إدلب وينتظر أن تضغط على المعارضة لتشارك في مؤتمر «الحوار السوري» في سوتشي، لكن أنقرة تتوقع ثمناً لذلك في عفرين وتلوّح بانتزاعه بالقوة. وفي المقابل تقدّم الأميركيون خطوات جديدة بـ «ترسيم» حدود «الكيان الكردي» والبدء بتشكيل قوة لحراسة حدوده، في ما يعدّ استفزازاً لا تملك أنقرة أي ردّ عليه.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

دخول الأميركيين في صراع سوريا/ عبد الرحمن الراشد

يجري بناء جيش سوري من ثلاثين ألف مقاتل في شرق الفرات، حدوده بين جنوب تركيا وشمال العراق. نصفه من أكراد سوريا والنصف الآخر من أبناء المناطق العربية وغيرهم. الولايات المتحدة هي صاحبة المشروع، وهي اللاعب الجديد، التي قررت أخيراً أن تخوض الحرب السورية بدعم القوى المحلية المعارضة، والعمل كقوة على الأرض، حتى تفرض رؤيتها للحل السياسي حيال سوريا.

وكانت جريدة «الشرق الأوسط» أول من انتبه للتغييرات الميدانية المتسارعة ووصفتها بأنها مشروع ولادة دولة جديدة في سوريا.

بالفعل هي تطور مهم يقوم على قوة جديدة، لكنها لن تكون دولة بمفهومها القانوني، لأن تقسيم وتأسيس دول جديدة عملية سياسية وقانونية وعسكرية معقدة وخطيرة، وفيه شبه إجماع دولي على رفضها، وهذا ما حال بين الأكراد في العراق وحلمهم بإقامة دولتهم في الإقليم الذي تحت سيطرتهم الكاملة.

مشروع إقليم شرق الفرات السوري، أقل من دولة وأكثر من منطقة حماية. في شهادته أمام الكونغرس تحدث ديفيد ساترفيلد، المكلف بإدارة ملف الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية عن المشروع بأنه سيكون نموذجاً جديداً في سوريا. ومن شهادته تبدو الدويلة المقترحة مشروعاً موجهاً لتنفيذ عدة أهداف كبيرة يعمل فيها دبلوماسيون ومخابرات وقادة عسكريون.

هذه المرة فاجأت الولايات المتحدة الجميع، وعلى غير العادة، بأنها قادرة على تبني أفكار جديدة، وبناء مشروع من الصفر، والحفاظ على سريته. باسم محاربة «داعش» في شرق وجنوب سوريا بعثت تدريجياً قواتها وخبراءها ليبلغ العدد نحو خمسة آلاف، أكثر من نصفهم في شرق الفرات السوري. وهي تقوم بجمع وتدريب قوة كبيرة من ثلاثين ألف سوري. وكان أول انتصاراتهم هزيمة «داعش» في الرقة.

أول ردود الفعل المعارضة لم ترد من نظام دمشق ولا من إيران، كما كان متوقعاً، بل من تركيا التي أعلنت أنها لن تسكت عن المشروع الأميركي، وأنها ستدخل في حرب مع الأكراد السوريين المسلحين، الذين تعتبرهم امتداداً للأكراد الأتراك «الانفصاليين الإرهابيين». والجميع ينتظر أول معركة للقوات التركية في عفرين خلال الأيام المقبلة.

موقف تركيا المرتاب في أي قوة كردية مسلحة على حدودها مفهوم ومبرر، لكن امتناع تركيا عن مواجهة إيران في سوريا خلق فراغاً يفرض دخول قوة بديلة لهذه المهمة. والدول المنخرطة في الصراع عرفت نقطة الضعف التركية ونجحت في الاستفادة من السياسة الإردوغانية البراغماتية التي تبدو مستعدة للتعاون والتنازل مع أي طرف تخشى أنه ينوي دعم خصومها الأكراد. هذا ما فعله الإيرانيون ثم الروس، فسارعت أنقرة للتصالح معهم مقابل وقف دعمهم الأكراد. الأميركيون، ربما، يشعرون أنهم في حاجة إلى إيصال الرسالة نفسها إلى أنقرة. وهناك رسالة أميركية أهم موجهة للنظام الإيراني بأن سوريا ستكون فيتنام إيران.

القوة السورية الجديدة قد تكون أفضل خيار لتحقيق سلام معقول في سوريا، وليس سلام «سوتشي» الذي يخطط له الروس والإيرانيون من أجل فرض حل بالقوة في سوريا. إيران تريد سلاماً يسمح لها باحتلال سوريا وفرض نفوذها على لبنان والعراق، الأمر الذي يحقق لها في الأخير قدرة تفاوضية عالية في ملفاتها الإقليمية وكذلك في علاقتها مع الغرب.

وإيران تسابق الوقت؛ تسعى للاستيلاء على مناطق سبق أن وافق الروس على أن تترك تحت إدارة المعارضة المدنية. عضو وفد المعارضة ياسر الفرحان تحدث عن الاتفاق وكيف خرقه الإيرانيون. يقول: «رسمت الخرائط بشكل صريح على أن هذه المناطق لا يدخلها النظام، تديرها مجالس محلية منزوعة السلاح الثقيل، ويبقى السلاح الخفيف بيد قوات الأمن والدفاع المدني المحلي، لتأمين خدمات الناس»، و«أن الاتفاق يقضي بعدم دخول الميليشيات الإيرانية، ولا قوات النظام، وإنما مجموعة قليلة من القوات الروسية حصراً، كقوات مراقبة تتموضع بثلاث نقاط، تشرف على تطبيق الاتفاق. وأنه خلف الخط الفاصل بين الطرفين تتمركز القوات التركية فيها». وكما نرى، فإن الميليشيات الإيرانية لم تحترم الاتفاق، ولا روسيا أجبرتها على احترامه، ولا تدخلت القوات التركية. هذا النشاط الإيراني يبرهن على أن اتفاقات «سوتشي» ليست محل ثقة، ما يجعل قيام قوة موازية ضرورة في ظل السباق الإقليمي على السيطرة على سوريا.

الشرق الأوسط

 

 

 

 

سوريا: بلبلة في واشنطن وعنتريات على ضفاف البوسفور وبَرَدى…/ جلبير الأشقر

بلغت البلبلة القائمة في واشنطن إحدى ذرواتها في مجال تقاطع السياسة الخارجية والاستراتيجية العسكرية يوم الأحد الماضي. فقد أعلنت قيادة القوات الأمريكية المتواجدة في شمال سوريا، وتضمّ ألفي جندي حسب ما اقرّ به البنتاغون قبل شهر وبعد أنباء متضاربة عن تعدادها، أعلنت أنها في صدد تشكيل حرس حدود قوامه ثلاثون ألف عنصر من «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري. ويأتي هذا الإعلان، فضلاً عن تأكيدات سبقته تشير إلى تمديد بقاء الوجود العسكري الأمريكي في سوريا حتى أجل غير مسمى، ليؤكد تصميم البنتاغون، والوزير المشرف عليه حالياً، الجنرال جيمس ماتيس، على المضي قدماً في الاستناد إلى «قوات سوريا الديمقراطية» حليفاً رئيسياً على الأراضي السورية. هذا وناهيكم من أنباء لم تؤكَّد، مفادها أن البنتاغون سلّم القوات المذكورة صواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف.

وتندرج هذه السياسة في البراغماتية المعهودة لدى العسكريين في عدم الاكتراث للاعتبارات الأيديولوجية على حساب الفعالية العسكرية. هكذا رأينا القوات الأمريكية في تصديها للقوات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية لا تتردد في مساندة القوات الشيوعية الصينية، على سبيل المثال لا الحصر. ومن يدرك السوابق التاريخية لا يتعجب من اختيار البنتاغون للقوات الكردية السورية حليفاً رئيسياً في محاربة تنظيم داعش على الأراضي السورية، كما لا يعجب من قرار العسكريين الأمريكيين الاحتفاظ بهذه الورقة الثمينة إزاء امتداد السيطرة الإيرانية/الأسدية المدعومة من روسيا على الأراضي السورية، فضلاً عن الاتكال عليها لمنع تسلل مجدّد لجماعة داعش عبر الحدود التركية والعراقية، علماً بأن الدولتين التركية والعراقية قد أثبتتا أنه لا يمكن الاعتماد عليهما في هذا الصدد.

أما البلبلة فتكمن في التضارب الفاقع بين قرار الجنرالات وأمنيات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتصرف بوحي من أيديولوجية غارقة في الرجعية لا تنسجم مع براغماتية العسكر. والحال أن ترامب، الذي يكره كل ما له صبغة يسارية، كان قد أبلغ زميله التركي رجب طيب أردوغان، في حديث تلفوني بتاريخ 24 تشرين الثاني/نوفمبر أنه «أعطى تعليمات واضحة» لوقف تسليح «وحدات حماية الشعب» مصرّحاً أنه «كان ينبغي إنهاء هذا العبث منذ وقت طويل»، حسب ما نقل وزير الخارجية التركي. ولم ينفِ البيت الأبيض هذا النبأ، بل أكّده بتصريح رسمي أشار بكلام ديبلوماسي إلى «تعديلات وشيكة في الدعم العسكري الذي نقدمه لشركائنا على الأرض في سوريا، الآن وقد انتهت معركة الرقّة».

ومن الواضح أن للبنتاغون كلمة الفصل في الأمور العسكرية في وجه رئيس أمريكي يتخبط في غوغائه ولا هيبة له ولا احترام في نظر معاونيه، كما بيّن التحقيق المدوي الذي تضمنه كتاب «النار والغضب: داخل بيت ترامب الأبيض» وقد بات أشهر من نار على علم.

أما استراتيجية البنتاغون في الاعتماد على «قوات سوريا الديمقراطية» فيبدو أنها أصابت، لو قسنا فعاليتها بردود الفعل التي أثارها قرار تشكيل حرس الحدود من طرف موسكو وطهران ودمشق. فقد أدان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قرار البنتاغون متهماً الولايات المتحدة بأنها «لا تريد المحافظة على وحدة الأراضي السورية» (ظنّ اننا نسينا مواقف موسكو السابقة في التعاون مع القوات الكردية).

وبينما أكّدت طهران أن الحرس المزمع تشكيله «محكوم عليه بالفشل»، أعلنت دمشق أنه يشكّل «تعدّياً صارخاً على السيادة السورية» (ونعلم كم أن النظام السوري حريص على تلك السيادة!) وأن أي مواطن سوري يلتحق بالحرس المذكور سوف يُعتبر «خائناً».

أما الرئيس التركي فقد تخطى الجميع بالعنتريات، متوعداً في خطاب رنّان، ألقاه قبل يومين، بأن واجبه هو «وأد جيش الإرهاب»، وهو يقصد الحرس المزمع تشكيله بالطبع، انسجاماً مع تقاليد أنظمة الاضطهاد القومي في وصف الحركات التي تقاومها بالإرهابية، كما اعتدنا من الدولة الصهيونية إزاء المقاومة الفلسطينية. وقد أضاف أردوغان، قاصداً الأمريكيين: «أنزِلوا أعلامكم عن التنظيم الإرهابي بأنفسكم كي لا نضطر لأن نسلّمها لكم بأنفسنا. وانزعوا شاراتكم عن بدلات الإرهابيين كي لا نضطر لقبرها إلى جانب الإرهابيين».

تذكّرنا هذه العنتريات برفض أردوغان رفضاً صارماً الاعتذار من روسيا بعد إسقاط إحدى طائراتها في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، مع ردّه آنذاك بأن روسيا هي التي يتوجب عليها أن تعتذر، مما حدا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوصف تركيا بأنها «تلحس الأمريكان في مكان معيّن» (كذا، في مؤتمر بوتين الصحافي بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2015). وقد رأينا كيف أن الرئيس التركي ما لبث أن بلع المرّ وتراجع عن موقفه العنتري بعد أقل من عام ليعتذر من بوتين وينقلب إلى مشارك في لعبة موسكو في سوريا على حساب المعارضة السورية، وقد دفعت هذه الأخيرة ثمناً باهظاً لهذا الارتداد منذ معركة حلب حتى اليوم.

ويبدو أن «الجيش السوري الحرّ» قد استخلص العبرة من كل ذلك، لا سيما إزاء الهجوم الجاري حالياً في منطقة إدلب، فقرّر التوجّه نحو واشنطن من جديد. ومنذ أيام قليلة، يزور وفد من الجيش المذكور العاصمة الأمريكية لإجراء محادثات في البيت الأبيض والبنتاغون توخياً الحصول على دعم أمريكي نوعي من خلال إقناع واشنطن بالاتكال على «الجيش السوري الحرّ» ركيزةً ثانية لاستراتيجيتها في سوريا إلى جانب «قوات سوريا الديمقراطية».

٭ كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

 

 

 

أميركا والأكراد وتركيا … في حلقة مفرغة/ نوراي مرت

قد تنزلق تركيا إلى حال حرب نتيجة سياسات أميركا «الكردية» في شمال سورية. ولا أزعم أن سياسات تركيا المحلية وسياساتها الإقليمية إزاء الأكراد منزهة، ولا يجوز الطعن فيها. وقد يقول قائل أن شوائب السياسة الخارجية التركية هي وراء تدهور علاقاتها بالعالم الغربي، وأميركا على وجه الخصوص. لكن هذا قول غير منصف. وليس في محله إلقاء اللائمة كلها على الحكومة التركية وسياساتها لتفسير ما يحصل. فنهاية ما يسمى بعملية السلام (مع الأكراد) لم تطح فرص تركيا كلها في حل ديموقراطي للمسائل الكردية في الداخل التركي فحسب، بل حالت دون علاقات أفضل مع الأكراد في شمال سورية. ويبدو أن الأكراد شأن الأميركيين يرفضون إدراك أن كل دولة سيدة لا يسعها أن تقف موقف المتفرج حين وقوع تغيرات كبيرة على طول حدودها، وألا تشعر بأنها مهددة.

والحلم ببروز دولة كردية مستقلة على الحدود السورية هو كابوس في عين قادة تركيا وسياسييها كلهم وأحزاب المعارضة الرئيسية. ولا يُنظر إلى هذه المسألة على أنها خطر خارجي فحسب. فهي، كذلك، مسألة داخلية. ويزعزع بروز إدارة كردية ذاتية في شمال سورية استقرار مناطق يسكنها الأكراد في تركيا. وساهم سوء تقدير قلق تركيا في المواجهة الأخيرة بين الأكراد من جهة، والأميركيين، من جهة أخرى.

ولا شك في أن الحكومة التركية أجهضت عملية السلام. لكن الأكراد لم يمتنعوا من عسكرة النزاع، إثر انتخابات حزيران (يونيو) 2015. وحماسة الحزب الكردي التركية مفهومة لمكاسب الأكراد شمال سورية، وهو أمل بانفتاح الحكومة التركية على الأكراد. لكن الأمور تفاقمت حين تصدرت الحسابات السياسية الإقليمية الكردية أولويات أكراد تركيا. ويؤخذ على الحكومة التركية أنها لم تنتهج مقاربة مسالمة مع أكراد سورية، لكننا لا نعيش في عالم الأحلام. فإسبانيا، على سبيل المثل، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، رفضت استفتاء كاتالونيا واحتمال استقلالها، ولم يسعها التكيف معه أو الصدوع بمترتباته. ولقيت حكومة إسبانيا تفهماً أوروبياً وأميركياً لموقفها. والمعايير المزدوجة تعزز شكوك الرأي العام التركي والحكومة في القوى الغربية. وهذه حلقة مفرغة. فالشكوك هذه تنفخ في المشاعر القومية التي تسبغ مشروعية على سياسات غير ديموقراطية. وينفخ تعاظمُ المشاعر القومية في تركيا والإجراءات غير الديموقراطية في حق سياسيين أكراد، الشعورَ بالاغتراب عن الدولة التركية في نفوس أكراد تركيا، ويحملهم على الابتعاد من السياسات الديموقراطية.

ويثير الدعم الأميركي السياسي والعسكري لـ «وحدات حماية الشعب» الكردية غضب المسؤولين الأتراك. وعلى رغم أن مواقفهم الشاجبة ترحب بها غالبية الأتراك، إلّا أنها لا تخدم مصالح السياسة التركية. وحري بالأتراك والحكومة التركية والسياسيين الأكراد أن يدركوا أن سياسة القوة والنفوذ ستطيح أي أمل في مستقبل يعمه السلام.

* كاتبة، عن «حرييت دايلي نيوز» التركية، 15/1/2018، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

أمريكا تعلن حدود الدولة الكردية في سوريا؟

رأي القدس

أعلنت الولايات المتحدة أمس إنها تعمل مع فصائل «حليفة» لها لتشكيل «قوة حدودية» جديدة قوامها 30 ألف جندي ستكون مهمتها الانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالا والعراق باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات.

الفصائل الحليفة المقصودة طبعا هي «قوات سوريا الديمقراطية» أو «وحدات الحماية الكردية» وكلاهما من الواجهات ذات الأسماء المتعددة لحزب العمال الكردستاني في تركيا، (وهو ما يعني أنه حزب يعبّر عن سياق سياسي لأكراد تركيا وليس أكراد سوريا) وهذا ما يفسّر الغضب التركي السريع من الإعلان واستدعاء أنقرة للسفير الأمريكي لديها.

توازى الإعلان مع تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان تهدد بمهاجمة مدينة عفرين، وهي مركز أساسي لسيطرة «حزب العمال الكردستاني» لكنه قريب جدا من تركيا (حوالى 70 كم) وبعيد عن حدود نهر الفرات، وهي تصريحات سبق أن كررها المسؤولون الأتراك على مدى سنوات، ولكن رافقها هذه المرة توسيع القصف المدفعي منذ السبت الماضي على مواقع حزب العمال في المدينة وإرسال تعزيزات عسكرية للحدود والحديث عن قرب ظهور تشكيل من 5 آلاف مسلّح مع تحركات تشير إلى هجوم برّي، وكلّ هذه إشارات تدلّ على تصاعد غير مسبوق لغضب الأتراك تجاه الأمريكيين.

لا يخفي «حزب العمال» أبداً خططه لتشكيل دولة «اتحادية» كردية داخل سوريا (مع إمكان توسّعها إلى مناطق نفوذه في العراق وتركيا)، والواضح أن هذا يجد دعماً أمريكياً متزايداً لأن الحزب كان مطواعاً في تنفيذ الأهداف العسكرية والسياسية الأمريكية في سوريا والعراق، ولكونه (على عكس التجربة الأمريكية مع الفصائل العسكرية السورية المعارضة) معصوما عن الهوى «الإسلامي» الذي «يزعج» الإدارات الأمنية والسياسية الأمريكية، وعلى عكس تلك الفصائل، كان قادراً على التنسيق مع النظام السوري و»توحيد القوى» معه ضد «الإسلاميين» بكافة أشكالهم حين يحتاج الأمر.

يمكن ربط النقلة الأمريكية الحالية بتجربة واشنطن التاريخية الطويلة مع الأكراد، لكن إذا وضعنا في حسباننا تخلّي الولايات المتحدة الأمريكية عن استفتاء الاستقلال الأخير في كردستان العراق يمكننا اعتبار ما يحصل في سوريا حاليّاً تطوّرا غير مسبوق.

سحب التجربة الكردية العراقية على تركيا يكشف بدوره تغيّرات مهمة في الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة، ففي حين تدافع واشنطن عن وحدة الدولة العراقية وترفع بطاقة حمراء لاستفتاء استقلال الأكراد هناك، فإنها، في المقابل تحوّل حزب العمال الكردستاني إلى جيش وتحدد له حدود دولة في سوريا (مع قابلية للتمدد)، وهو ينتج بالضرورة أشباح المشابهة بين حال عراق صدام تسعينيات القرن الماضي وتركيا إردوغان الحالية.

يمكننا اعتبار تفكك سوريا وتمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» من العراق إليها مدخلاً للحالة الراهنة، ولكنّ هذا التفكك وصعود «الجهادية» المتطرفة ما كانا ليحصلا لولا الاجتياح الأمريكي الشهير للعراق، وتجاهل أمريكا للوحشيّة الرهيبة التي قوبلت بها الثورة السلمية في سوريا، وبالتالي فإن كل ما جرى يحمل بصمات أمريكا ويجعلها مسؤولة كبرى عما حصل.

ولكن ماذا لو أن كل ما حصل هو نفسه «الاستراتيجية الأمريكية»؟

وماذا لو أن استهداف تركيا كان ضمن هذه الاستراتيجية وليس نتيجة فرعيّة لتفكك سوريا وصعود «الجهادية» المتطرفة؟

القدس العربي

 

 

مطالب كردية بـ«حظر» فوق عفرين… وقلق من غياب ضمانات أميركية

«الائتلاف السوري» المعارض ينتقد نية واشنطن دعم {الوحدات}

دمشق – لندن: «الشرق الأوسط»

طالب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بالتحرك الفوري والعمل بما يلزم كي تكون عفرين منطقة شمال سوريا وغرب الفرات وشرقها منطقة آمنة.

وقال الحزب في بيان، الأربعاء: إن مثل هذا التصرف المسؤول يؤدي إلى النتيجة المأمولة في إيجاد حل للأزمة السورية وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.

وأضاف: «إننا في الهيئة التنفيذية لحزب الاتحاد الديمقراطي ندين بأشد العبارات القصف التركي لعفرين الآمنة المسالمة. كما نطالب المجتمع العالمي والأسرة الدولية وكافة منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية والقانونية بتحمل مسؤولياتها تجاه أكثر من مليون من الأهالي يقطنون عفرين».

وتتعرض منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي لقصف متكرر من قِبل الجيش التركي الذي يقول، إنه يستهدف وحدات حماية الشعب الكردي التي يعتبرها الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان توعد بقيام الجيش بعملية عسكرية في عفرين خلال الأيام المقبلة.

وأكد القيادي الكردي السوري، صالح مسلم، عدم تلقي أي رسائل طمأنة من الولايات المتحدة ضد الاستهداف التركي لمواقع السيطرة الكردية في شمال سوريا، وقال: إن الأكراد لا يعولون على حسابات الدول الكبرى كروسيا والولايات المتحدة لكون هذه الدول تقيّم الأمور في ضوء أهدافها ومصالحها. وشدد في الوقت نفسه على أن خيار الخروج من عفرين (بريف حلب شمالي سوريا) تجنباً للقصف التركي ليس مطروحاً. وقال في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية: «لم تصلنا أي رسائل طمأنة أو تعهدات بالحماية من جانب الأميركيين… وعموماً، الأميركيون يقيمون التهديدات التركية لنا في ضوء مصالحهم… ولذلك؛ نقول إننا لن نتوقف كثيراً عند مواقف الدول الكبرى كالولايات المتحدة أو روسيا. عندما بدأنا حربنا ضد (داعش) كنا بمفردنا تماماً والآن مجدداً سنعتمد على أنفسنا بالمقام الأول، ولكن بالطبع أي جهد سيكون مرحباً به».

إلى ذلك، أدان «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» الأربعاء سعي واشنطن لتشكيل قوة أمن حدودية في سوريا، مبدياً رفضه سيطرة المقاتلين الأكراد على المناطق التي تم طرد تنظيم داعش منها.

وأعلن التحالف الدولي بقيادة واشنطن، الأحد، أنه يعمل على تشكيل قوة حدودية قوامها 30 ألف عنصر في شرق سوريا، بعد تراجع حدة المعارك ضد «داعش»، في خطوة استدعت تنديد كل من أنقرة ودمشق وطهران.

وأبدى «الائتلاف» المعارض في بيان إدانته «المخطط الأميركي الرامي إلى تشكيل قوة حدودية شمال شرقي سوريا»، معلناً «رفضه أي ذرائع أو مزاعم تسعى لتسويق مثل هذه المشروعات». وشدد على «أهمية الجهود التي بذلت لمحاربة الإرهاب والتصدي لتنظيم داعش الإرهابي». وأكد أنه «ليس مقبولاً وضع الأراضي التي تحررت من الإرهاب تحت سلطة تنظيم (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي) أو غيره من التنظيمات ذات الأجندات التي تتعارض مع أهداف الثورة السورية وترتبط بالنظام وقوى الاحتلال».

وحققت «وحدات حماية الشعب» الكردي، العمود الفقري لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، بدعم أميركي سلسلة انتصارات بارزة ضد تنظيم داعش، آخرها طرده من مدينة الرقة، معقله الأبرز سابقاً في سوريا.

وتحمل المعارضة السورية على المقاتلين الأكراد وقوفهم على «الحياد» منذ اندلاع النزاع في سوريا في عام 2011، وعدم تصديهم لقوات النظام السوري.

وتصاعد نفوذ الأكراد مع اتساع رقعة النزاع في عام 2012 مقابل تقلص سلطة النظام في المناطق ذات الغالبية الكردية. وبعد انسحاب قوات النظام تدريجياً من هذه المناطق، أعلن الأكراد إقامة إدارة ذاتية مؤقتة ونظام فيدرالي في ثلاث مناطق في شمال البلاد.

وبحسب التحالف الدولي، من المقرر أن يكون نصف عدد القوة الأمنية من عناصر «قوات سوريا الديمقراطية» والنصف الآخر من مقاتلين سيتم تجنيدهم، على أن يتمركزوا «على طول حدود المناطق الخاضعة لسيطرة (قوات سوريا الديمقراطية)، لتشمل أجزاء من وادي نهر الفرات والحدود الدولية في شرق وشمال المناطق المحررة».

وإثر إعلان التحالف، اعتبرت أنقرة، الأحد، أن واشنطن بهذه الخطوة «تعطي شرعية لمنظمة إرهابية» في إشارة إلى المقاتلين الأكراد الذين تصنفهم «إرهابيين». وتعهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الثلاثاء تدمير «أوكار الإرهابيين» في شمال سوريا.

وأعلنت دمشق، الاثنين، أن «سوريا تعتبر كل مواطن سوري يشارك في هذه الميليشيات برعاية أميركية خائناً للشعب والوطن، وستتعامل معه على هذا الأساس».

وعدّت حليفتها طهران، الثلاثاء، الخطوة بأنها «تدخّل سافر للولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لبلدان أخرى».

ويثير الدور المتصاعد للأكراد قلق كل من أنقرة التي تخشى حكماً ذاتياً كردياً على حدودها، ودمشق التي طالما أكدت نيتها استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد.

إلى ذلك، أرجأت الإدارة الذاتية الكردية موعد المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات التي تجريها في مناطق سيطرتها في شمال سوريا وكانت مقررة بعد يومين جراء «ترتيبات تنظيمية»، من دون تحديد موعد جديد، وفق ما أكدت قيادية كردية الأربعاء.

وأوضحت الرئيسة المشتركة للهيئة التنفيذية لفيدرالية شمال سوريا، فوزة يوسف، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا توجد أي ظروف منعتنا من إتمام المرحلة الثالثة، لكن الناحية التنظيمية والتقسيمات الإدارية المتعلقة بنتائج المرحلة الثانية دفعتنا إلى التأجيل». وأضافت: «حتى الآن لم يتم تعيين موعد جديد للانتخابات» التي كانت مقررة الجمعة.

ونظمت الإدارة الذاتية الكردية في سبتمبر (أيلول) المرحلة الأولى من هذه الانتخابات غير المسبوقة والأولى منذ إعلان الأكراد النظام الفيدرالي في مناطق «روج أفا» عام 2016.

واختيرت في المرحلة الأولى الرئاسات المشتركة لما يطلق عليه «الكومونات»، أي اللجان المحلية للحارات والأحياء. وانتخبت في المرحلة الثانية مطلع ديسمبر (كانون الأول) مجالس محلية للنواحي والمقاطعات التي تشكل الأقاليم الثلاثة: الجزيرة (محافظة الحسكة) والفرات (تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (محافظة حلب).

وكان من المقرر أن يصار في المرحلة الأخيرة الجمعة إلى انتخاب «مجلس الشعوب الديمقراطية» لكل من الأقاليم الثلاثة التي ستتمتع بصلاحيات تشريعية محلية، وفي الوقت ذاته انتخاب «مؤتمر الشعوب الديمقراطية» العام، الذي سيكون بمثابة برلمان على رأس مهماته تشريع القوانين ورسم السياسة العامة للنظام الفيدرالي.

وينظر الأكراد إلى هذه الانتخابات بوصفها الخطوة الأولى لتكريس النظام الفيدرالي الذي يطمحون إليه في سوريا، في وقت وصفتها دمشق التي رفضت إعلان الفيدرالية بـ«المزحة»، مؤكدة عزمها استعادة السيطرة على أراضي البلاد كافة.

وقالت يوسف: «ليعلم السوريون أن الدولة القومية في سوريا لن تعود» لافتة إلى أن «المشروع اللامركزي فقط من شأنه تقوية الدولة السورية».

وبعد سياسة تهميش اتبعتها الحكومات السورية ضدهم طوال عقود، تصاعد نفوذ الأكراد الذين يشكلون نحو 15 في المائة من السكان اعتباراً من عام 2012، وعملوا على تمكين «إدارتهم الذاتية» في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرقي البلاد، فأعلنوا «النظام الفيدرالي» وبنوا المؤسسات على أنواعها. كما شكلوا مكوناً رئيسياً في الحرب ضد تنظيم داعش.

وتخشى تركيا من إقامة الأكراد حكماً ذاتياً على حدودها، وتصنف المقاتلين الأكراد بـ«الإرهابيين». وتعهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الثلاثاء بتدمير «أوكار الإرهابيين» في شمال سوريا في إشارة إلى مناطق سيطرة الأكراد.

وبعد ساعات، توعّد قائد وحدات حماية الشعب الكردي سيبان حمو بـ«تطهير المنطقة من مصائب» تركيا، مؤكداً أن قواته «جاهزة للدفاع عن روج آفا، وعفرين تحديداً».

 

 

 

عفرين استفتاء آخر للمشروع الكردي/ حامد الكيلاني

الجيش الأميركي باق في سوريا لمواجهة تنظيم الدولة وإيران ونظام الأسد. هذا ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة، ريكس تيلرسون، وفيه إيجاز لأجوبة تتعلق بسياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب في الملف السوري، رغم أن تلك الأجوبة تمت ترجمتها باللغة التركية إلى تحركات لقوات عسكرية بانفعالات سياسية حادة لم تجد في أقوال وزير الخارجية الأميركي ما يهدئ أو يكفي لتتراجع القيادة التركية عن غضبها، نتيجة لتشكيل قوة من 30 أو 40 ألف مقاتل بقيادة قوات سوريا الديمقراطية الذين تعتبرهم تركيا فصيلا من حزب العمال الكردستاني.

أميركا ردت إنها تتفهم أسباب رد الفعل التركي تجاه إنشاء تلك القوة الحدودية مع تركيا والعراق أيضا في الشمال السوري، في وقت قالت فيه وزارة الدفاع الأميركية إنها تعمل لتكوين جيش كردي في سوريا.

تركيا حالها كبقية دول التواجد الكردي في إيران والعراق وسوريا، فهي تخشى من إحياء المشروع الكردي في المنطقة بل تعتبره فوبيا لها منطقها وأسبابها التاريخية ونتائجها الأمنية المحتملة على الداخل التركي، وذلك متوقع إن تراخت تركيا في مجابهة الطموحات الكردية على حدودها، أو إن تمادت في عمليتها العسكرية تجاه عفرين أو منبج لأن الشارع الكردي سيتحرك في تركيا خاصة في حالة إطالة أمد الهجمات أو تزايد خسائرها وضحاياها.

المأساة السورية والاستخفاف الدولي بها وتركها للقوة الروسية وإيران ولمفاوضات شكلية كانت منذ البداية تستهدف إضاعة الوقت لصالح المتغيرات في ميزان القوى العسكرية على الأرض للإبقاء على النظام كذريعة قانونية تستمد منها روسيا بقواتها الجوية وقواعدها شرعية التدخل، كما تفعل إيران بميليشياتها التي تجاوزت 30 ميليشيا متعددة الجنسيات وبقوام يضاهي قوة جيش بفرق عسكرية متكاملة.

تركيا تنسق مع روسيا وإيران لتمرير موقف عملياتي دون أخطاء تدفع ثمنها سياسيا تلافيا لتجارب الماضي القريب، بضربات جوية استدعت تفاهمات على مستوى رئاسة أركان الجيوش والمخابرات دون الإشارة إلى النظام الحاكم في سوريا المعني وفق مفاهيم الدولة بالتهديد. هذه التناقضات صارت واقعا يحرج النظام لذلك يلجأ إلى تقمص دور السيادة ببياناته وشجبه واستعدادات دفاعاته الجوية لرد العدوان التركي.

الموقف الأميركي يشدد على عدم مغادرة سوريا على طريقة الانسحاب من العراق في العام 2011 الذي فتح الباب واسعا للإرهاب ومكنه من احتلال مساحة واسعة رغم أن العراق حينها كان بمعايير عسكرية وتجهيزات خاضعة لمقاييس الجودة الأميركية إلا أنه تعرض لهزيمة كاسحة.

أما في سوريا فالأمر مختلف لأنها تحت الوصايا الروسية والإيرانية، والتواجد الأميركي فيها أقرب إلى الالتفاف والمناورة لتقويض الصمت الطويل لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وهو صمت إرادي له مبرراته ومرجعيته الفكرية متعددة الأهداف، ولتقويض التفرد الروسي الذي نزع التوافق الأممي من مفاوضات جنيف في تحويلات مؤقتة تبطئ من حركة سير المفاوضات نحو غايتها السورية لبدء عملية الانتقال السياسي التي تؤدي إلى إحلال السلام وبناء نظام ديمقراطي يحترم تطلعات الشعب السوري.

الولايات المتحدة الأميركية بعد مرحلة تنظيم داعش في العراق وسوريا تدشن تنصيب تحويلتها كدولة عظمى للسيطرة على الجموح الروسي وتشذيب تمدد المشروع الإيراني بميليشياته المذهبية ولترميم مثالب الانكفاء في السياسة الخارجية الأميركية بمقدمة عقوبات خاصة على النظام الإيراني وإنذار أخير من الرئيس ترامب بعدم التوقيع مرة ثانية على استمرار رفع العقوبات المقرر بالاتفاق النووي إذا لم يعد النظر في بعض فقرات الاتفاق وبالتشاور مع الدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن مضافة إليها ألمانيا والسماح للمفتشين الدوليين بالدخول إلى كافة المواقع العسكرية في إيران.

مفترقات طرق في لعبة ساذجة استمرت طويلا لإفراغ محتوى الشعوب بالقمع والاستبداد، والشعب الكردي في سوريا مثال صارخ لعدم التسليم بحق أفراده ولو بالحصول على جواز سفر أو امتلاك جنسية أو أوراق ثبوتية كالمواطنين الآخرين في عقود الزواج وشهادات ميلاد الأطفال والملكية.

يتباكى النظام السوري على الشعب الكردي ويطلب التنسيق معه، في حين لا يتوانى مندوبه في الأمم المتحدة بشار الجعفري عن السخرية في أحد لقاءاته الصحافية لمفاوضات جنيف والتهكم على صحافي كردي توجه إليه بالسؤال عن مستقبل حقوق الأكراد في سوريا.

عفرين تعيدنا إلى الصمت الكردي في إقليم كردستان بعد الاستفتاء على الانفصال أو الاستقلال عن العراق، وذلك التلميح من الإدارة الأميركية لقيادة الإقليم لتأجيل الاستفتاء لأن الظروف الدولية والمحيطة غير ناضجة بما فيه الكفاية للإقدام على خطة جريئة بحجم الاستفتاء. رئيس إقليم كردستان العراق وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، لم يتجاوب مع النصيحة الأميركية باعتبار الاستفتاء حقا للشعب الكردي لكنه في التوقيت الخاطئ. ماذا عن توقيت الأزمة في عفرين؟

مسعود البارزاني وصف كركوك مؤخرا بالمدينة المحتلة وامتنع عن خوض حزبه للانتخابات البرلمانية فيها. وهذا يؤكد أن الثبـات على الطموحات يحتاج إلى مخططـات استراتيجية تتجاوز مديات الحياة الشخصية للقادة حتى التاريخيين منهم، لأنه لا يرتبط بالأحلام بل بالواقع كما في حالة إقليم كردستان المرتبط بالأمة الكردية ككل وبالأنظمة السياسية للدول الخاضعين لها.

التصرف التركي تجاه إقليم كردستان بعد الاستفتاء يتجدد طبعا في قضية الشمال السوري لكن بأدوات إجرائية فاعلة؛ لذلك فإن الانقسام بين الأحزاب الكردية الرئيسية في الإقليم وانتزاع كركوك بصفتها العاصمة الاقتصادية، مع مجموعة قرارات حكومة المركز التي أثرت تماما من الباطن في حلم إقامة إقليم مماثل في سوريا كان ممكنا جدا أن يتفاعل معه أكراد الجغرافيا الإيرانية، وهم الأكثر تضررا في حقوقهم الاقتصادية والإنسانية والثقافية من الأكراد الآخرين.

تركيا في قضية أكراد سوريا على قناعة بأن إيـران لن تخذلها في مـواقفها وذلك بشكل أو آخر يتماشى مع علاقة روسيا بالأكراد التي لا تريد أن تهتز مكتسباتها في الأرض السورية والتي وفرت لها مواطئ أقدام في الشرق الأوسط، أو في تفاهماتها المقبلة مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلف الناتو.

الشريط الحدودي مع تركيا بعمقه داخل الأراضي السورية كان رغبة تركية لإقامة منطقة آمنة منزوعة السلاح تضم النازحين من الحرب، ولذلك طالبت بقرار دولي مماثل لما جرى مع إقليم كردستان في بداية التسعينات لحظر الطيران.

لكن الشريط الحدودي تتهيأ له الظروف الآن رغم صعوبتها ليكون امتدادا طبيعيا لأكراد العراق وتركيا وإيران بما يغير كثيرا من المشاريع التوسعية حتى مع إخفاقاته لأنه يؤسس بالتتابع ولو على المدى البعيد وحدة موضوع لتصحيح خطأ استعماري، عن قصد، في بدايات القرن العشرين.

هل نحن بصدد أحداث دراماتيكية ونيران متقابلة في الخنادق الواحدة ولو في مجال السياسة؛ أم إننا أمام حالة خاطفة تبعث النشاط لإغلاق ملفات وصلت إلى نهايتها منذ مدة ليست بالقصيرة ذهبت دونها شعوب ومدن عامرة واختصرت بلدا مثل بلاد الرافدين إلى مجرد شريط حدودي لحماية هلوسة إرهاب النظام الإيراني.

 

كاتب عراقي

العرب

 

 

 

من يحقق لأنقرة ما تريده في سورية؟/ سمير صالحة

تلتقي معطيات واستنتاجات كثيرة متعلقة بالهجوم، أخيراً، على القوات الروسية في قاعدة حميميم عند تقاطع أن العملية مكيدة من صنع الولايات المتحدة للإيقاع بين تركيا  وروسيا. لكن تحريك قوات النظام السوري، بالتنسيق مع موسكو وطهران، في جنوب إدلب، والمتزامن مع هجوم حميميم، لا يعرف أحد أسبابه وأهدافه. وإذا ما كانت هي المكيدة الحقيقية التي أعدتها موسكو وطهران لعزل تركيا وإبعادها عن واشنطن أكثر فأكثر، وإضعاف موقفها على خط إدلب – عفرين، ومحاصرتها بضرورة دعم مؤتمر سوتشي المرتقب خياراً وحيداً لا تملك غيره في علاقاتها مع الدول “اللا ضامنة” لمناطق خفض التصعيد.

استدعاء الخارجية التركية سفيري روسيا وإيران احتجاجا على هجوم النظام في إدلب، ولتذكيرهما بمسؤولية بلديهما في الالتزامات والتعهدات الموقعة في أستانة، وضرورة تنفيذ خطط المناطق الآمنة ومناطق خفض التوتر، قابله رد من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وبعد ساعات فقط “لا علاقة لتركيا بالهجوم المدبر ضد قواتنا في حميميم”. وبذلك، فإن موسكو ترد نيابة عن طهران، وعن نفسها، لتبرير تحرّك القوات السورية في جنوب إدلب، مع أن ما تقوله أنقرة غير ذلك تماما.

لماذا لم تجتمع آلية المتابعة الثلاثية المنبثقة عن اتفاقيات أستانة، لبحث مسألة تحريك قوات

“تواصل أنقرة منح واشنطن مزيداً من الفرص لتبديل رأيها في الملف السوري”

النظام السوري التي تتعارض عسكريا وسياسيا مع نص تفاهمات قمة سوتشي التركية الروسية الإيرانية وروحها؟ هل يتحرك بشار الأسد بشكل منفصل، ومن دون التنسيق مع موسكو وطهران وهل قرار وقف هجوم قوات النظام في إدلب مسألة صعبة على روسيا وإيران حقا؟ أم أن الشراكة التركية الروسية الإيرانية هي التي تقف اليوم أمام امتحان إعلان الفشل أو الاستمرار، خصوصا أن أحدا في الجانبين الروسي والإيراني لا يريد مناقشة أسباب تحريك دمشق قواتها مع أنقرة؟

تحدث الإعلام التركي، قبل أيام، عن زيارة محتملة لوفد تركي غير رسمي إلى دمشق، وكانت الأصابع تتوجه نحو حزب “وطن” اليساري الذي يتبنى سياسة سورية مغايرة لسياسة حزب العدالة والتنمية، لكنه يدعمها اليوم في ملفات كثيرة. هل تمت الزيارة؟ بمن التقى الوفد هناك، وما الذي جرى بحثه، وهل لتحريك القوات السورية باتجاه جنوب إدلب علاقة بالزيارة؟

يقول الأتراك إن القوات التركية استكملت خطة محاصرة عفرين من الجهات الأربع، بانتظار ساعة الصفر، فمن الذي سيدخل المكان، الجنود الأتراك أم الجيش السوري الحر؟ لم يسقط خيار التقدم نحو عفرين تركيا، فهل يمكن أن يكون الطرح البديل هو التفاهم الروسي الأميركي غير المعلن بتسليم عفرين للنظام وقواته، لإنهاء القلق التركي في مقابل إشراك النظام في خطة إدلب، لإنهاء وجود جبهة النصرة هناك، بعدما تعثرت الخطة التركية؟

هل شعرت موسكو أن أنقرة بدات تتراجع عن دعم مؤتمر سوتشي، بسبب شكها في أنه قد يعقد، ولكن ليس لتسهيل انطلاق مؤتمرات جنيف ودعمها، كما تقول موسكو، بل من أجل فتح الطريق أمام تفاهمات روسية أميركية أوسع في سورية، وفي احتمال وجود تفاهم روسي أميركي، بعيدا عن الأضواء بشأن تمثيل قوات سورية الديمقراطية في المؤتمر، وإن أية عملية رد تركي، بينها التحرك نحو عفرين، تعني بعد الآن المواجهة التركية الأميركية، وبالتالي التصعيد الروسي الأميركي هناك، فهل تسمح موسكو بتوتر خطير من هذا النوع، يهدم كل ما بنته في سورية؟

نجحت واشنطن في العودة إلى المشهد السوري، عن طريق الدعم العسكري لقوات سورية الديمقراطية، وستبحث عن الشريك الذي ستحاوره سياسيا في الملف السوري، ولن تجد أفضل من موسكو التي تملك أوراقا وخيوطا كثيرة في اللعبة. وعندما يقول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، معقبا على هجوم حميميم، إن موسكو وأنقرة لا تملكان كل وسائل السيطرة على الأرض في سورية للحؤول دون وقوع خروق وهجمات في أماكن مختلفة، ما الذي تمهد له موسكو لتبرر مقولتها هذه؟ وبمن ستثق أنقرة، وعلى من ستراهن لحماية مصالحها في سورية؟ وفيما تعيدنا الهجمات التي يقودها النظام السوري في جنوب إدلب، كما استهداف القوات الروسية في حميميم، إلى المربع الأول هناك، فإن السؤال هو: ما المقصود بذلك، وهل الهدف الحقيقي تبرير خطة تحرك بديل على الأرض في المنطقة، توازن بين إطاحة جبهة النصرة وإخراج قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من عفرين، في مقابل التزام أنقرة بدعم انعقاد مؤتمر سوتشي وقبول قراراته؟ تبقى العقدة معرفة مدى قبول واشنطن مشروعا من هذا النوع، وهو ما يدفع باتجاه بروز سيناريو آخر، يعكس حجم فشل التنسيق الثلاثي في أستانة، وضرورة إيجاد بديل جديد، هو تفاهم أميركي روسي، نيابة عن اللاعبين المحليين والإقليميين؟

مسار آخر خارج هذه السيناريوهات يعني خيبة أمل تركية أكبر في سورية، وإقحامها في أكثر من مواجهة على أكثر من جبهة، بهدف حرق كثير من أوراقها هناك. والرد عندها لا يمكن أن يكون غير التحرّك الميداني على طريقة علي وعلى أعدائي شبه الانتحارية، لاستكمال عملية درع الفرات في منبج، والسيطرة على إدلب، بإسقاط ورقة جبهة النصرة، وإنهاء جيب عفرين، لتجنب مواجهة أكبر مع جيش نظامي كردي، تعد واشنطن لتأسيسه، وسط بقعة تحولت إلى مستنقعات ورمال متحركة.

وعلنا، تريد القوات التركية التي دخلت إدلب قبل ثلاثة أشهر، في إطار اتفاقيات أستانة، لإنشاء مناطق خفض التوتر، بالتنسيق مع روسيا وإيران، ربط مصير إدلب بمستقبل عفرين، لناحية تطهير المنطقة من وجود المجموعات التي تتهمها بالإرهاب. لكن ما يدفع أنقرة إلى التصعيد هذه المرة (سيرون ماذا سنفعل في غضون أسبوع)، والتذكير بأن حسابات منبج لم تحسم بعد، هو أبعد من مشروع إقامة ممر كردي يربط عفرين بمنطقة كبيرة، تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية في شمال شرق سورية.

إن عملية عسكرية قريبة في عفرين يمكن تفسيرها على أنها حلقة من التفاهمات التركية الروسية الأميركية هذه المرة، يعقبها حضور أميركي روسي لمؤتمر وزراء الخارجية الذي تعد له أنقرة الشهر المقبل، خصوصا أن وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، يقول إن الأوضاع لن تتحسن تماما ما لم يتم التوصل إلى حل سياسي، يحقق الاستقرار في سورية من دون تهميش أي دور لأحد. القلق التركي حيال تفاهمات إقليمية ودولية تتم في آخر لحظة على حساب أنقرة هو الذي يدفعها إلى الإعلان عن تحضيرات تتم لعقد اللقاء.

وتتخوف أنقرة من تفاهمات آخر لحظة روسية أميركية على حسابها. لذلك هي تريد أن تظهر

“تتخوف أنقرة من تفاهمات آخر لحظة روسية أميركية على حسابها”

لهما أن قرارها واستقلاليتها في التعامل مع الملف السوري من جهة، وتريد كسب العواصم الأوروبية، مثل باريس وبرلين، إلى جانبها على ضوء التك التركي أخيرا تجاه أوروبا. كما أنها تحاول التحرّر من قيود اتفاقيات أستانة الثلاثية التي بدأت تقيد تحركها حيال شركائها المحليين والإقليميين، خصوصا بعدما ثبت احتمال حدوث خروق، وخروج عن التفاهمات، كما حدث مع الهجوم الاستفزازي الواسع لقوات النظام في جنوب إدلب.

وهناك هاجس آخر يطارد الأتراك، ويريدون قطع الطريق عليه قبل أن يتحول إلى قوة ضغط هائلة أمنيا وعسكريا في الحدود الجنوبية لتركيا، وهو الخطة الأميركية التي تتقدم باتجاه تأسيس قوة عسكرية تحت مسمى “جيش شمال سورية”، بثقل كردي، ويضم مائة ألف عنصر كما هو المخطط. وصدى ما تقوله قيادات في حزب الاتحاد الديمقراطي يسمع في أنقرة أيضا “هذه القوات ستتصدى لأي هجوم على مناطقها، وهي تتمتع بالاحترافية والخبرة. بعد الآن لن يكون بإمكان تركيا أو سورية أو أي بلد آخر أن يتجاوز على أراضينا بسهولة”. وقد زار وفد أميركي، برئاسة الدبلوماسي ماكس مارتن، مناطق شمال سورية، لوضع اللمسات الأخيرة على هذا المشروع، كما يقال أيضا.

وتواصل أنقرة منح واشنطن مزيدا من الفرص والوقت، لتبديل رأيها، في طريقة تعاملها مع الملف السوري، وهي لا تثق تماما بالشراكة الروسية الإيرانية، بعد هجوم النظام السوري أخيرا في جنوب إدلب، لكنها لا تتراجع عن توجيه رسائل التصعيد، مهما كان الثمن “إن لم يتم الالتزام بالوعود التي تم قطعها لنا في منبج، عندها سننهي الأمر بأيدينا، لن يتجاوز الأمر الأسبوع كي يروا ماذا سنفعل”، كما يقول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الذي كان يقول قبل أشهر إن “العملية العسكرية التركية في إدلب حققت نتائجها إلى حد كبير، وأمامنا الآن موضوع عفرين”. لكن الرئيس التركي الذي قد يكون فوجئ بهجوم جنوب إدلب، يعرف جيدا أن أي تحرك عسكري تركي في المنطقة يتطلب أمرين هما: توافق روسي تركي في هذا الشأن، وتوافق أميركي روسي، طالما أن التوافق الأميركي التركي شبه مستحيل، إلا إذا كان متمسكا بقوله إن “الولايات المتحدة تكذب علينا لكن لا يمكن لأحد أن يخدعنا”.

العربي الجديد

 

 

 

 

في وجوب منع مواجهة تركية كردية/ محمود الريماوي

تثير المسألة الكردية حساسية شديدة لدى تركيا، لأسباب تتعلق بالحجم المعتبر لعدد هذا المكوّن، وللجنوح الكردي إلى العنف، على الرغم من الحقوق التي تحصّل عليها الأكراد في بلاد الأناضول، والتي تفوق ما حظي به هؤلاء في إيران وفي سورية. وعليه، وبقدر ما كان مستغرباً كل الاستغراب أن تعمد واشنطن إلى الإعلان عن تشكيل جيشٍ، قوامه الوحدات الكردية، وبهدف نشر هذا الجيش على الحدود مع تركيا والعراق، كان متوقعاً أن تتفهم واشنطن المخاوف التركية الشديدة لمثل هذا التطور، وإلى درجة أن تنأى بنفسها عن أي مواجهةٍ محتملةٍ بين القوات التركية وقوات الحماية الكردية في منطقة عفرين في شمالي سورية. والراجح أن واشنطن سوف تدرك أهمية نزع فتيل التوتر بين الجانبين، وأنها، في ضوء التفهم الذي أبدته لرفض أنقرة الوجود المزمع لتلك القوات على الحدود، سوف تعيد النظر في هذه الخطط، تفادياً لخلط الأوراق، ومخافة الابتعاد عن هدف تركيز الجهد على محاربة تنظيم داعش الإرهابي، الذي ما زال يحظى بحرية الحركة في ريف حماة، وحتى في مناطق من العاصمة دمشق.

ويسترعي الانتباه أنه ما إن ثارت هذه المسألة المتعلقة بتشكيل جيش كردي، ونشره على الحدود، حتى سارعت كلٌّ من موسكو وإيران والنظام في دمشق إلى استثمارها من أجل تحقيق غايات سياسية مرئية، في مقدمّها الإيحاء بأن ثمة ما يجمع هذه الأطراف الثلاثة مع تركيا، وأن على الأخيرة أن ترد تحية الوقوف إلى جانبها، بمماشاة هذه الأطراف في سيناريو مؤتمر سوتشي، وبمجمل مواقفها حيال التسوية المستقبلية للأزمة السورية. وقد جاءت مواقف

“ليس من مصلحة تركيا أن تظهر بصورة المناوئ لكل ما هو كردي خارج الحدود”

الأطراف الثلاثة، بعد احتجاجات تركية تم إبلاغها لموسكو على الخروق الجسيمة المتواصلة في مناطق خفض التصعيد في كل من إدلب والغوطة الشرقية، وحيث ردّت موسكو على هذه الاحتجاجات بمواصلة حربها التدميرية على المدارس والأسواق وتجمعات النازحين في إدلب. وبهذا، فإن ما فعلته واشنطن، بالإعلان عن تشكيل جيش قوامه ثلاثون ألفاً، لا يعدو أن يكون خطوة تنقصها الحصافة، وتزيد في تعقيد الأزمة العامة، وما أبدته واشنطن من تفهم لاحق، عبّر عنه الوزير، ريكس تيلرسون، في 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، من شأنه تبريد هذا التوتر، وإن كان لا يعالج أسباب الأزمة الناشبة والمستفحلة بين الطرفين، الكردي والتركي. فواقع الحال أن واشنطن لم تبذل جهداً كافياً مع حليفها الكردي/ السوري لدفعه إلى فك ارتباطه التنظيمي والسياسي مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، وهذا الارتباط هو الذي يثير مخاوف جدية لدى أنقرة، تتعلق بالأمن القومي التركي، وليس أقل من ذلك. ولم تبادر قوات سورية الديمقراطية (قسد) لتبديد المخاوف التركية، ولنزع التوتر بين الجانبين، وجرى الخلط بين الانتماء العرقي/ القومي الواحد الذي يجمع الأكراد هنا وهناك والوشائج السياسية والتنظيمية التي يفُترض أن لا تكون قائمة، وذلك لخصوصية وضع الأكراد في كل من تركيا وسورية، وهو ما تنبّهت إليه الحركة الكردية في شمال العراق، التي ميّزت نفسها بصورةٍ حاسمة عن حزب العمال الكردستاني في بلاد الأناضول.

ومن عجبٍ أن دوائر التفكير وصنع القرار في واشنطن لم تتنبه لهذه المسألة، أو أنها تنبهت لها، لكنها لم تصل إلى نتيجة مع الجانب الكردي، أو لم تعمل بمقتضاها للتجسير بين الجانبين. والآن، إذ تدخل الأزمة السورية منعطفاً سياسياً حاسماً، ومع تواتر الأنباء عن مقاربة أميركية أكثر وضوحاً وشمولاً حيال الأزمة، باتت قيد التبلور، وعبّر عن بعض جوانبها الوزير تيلرسون، فإن معالجة الأزمة التركية الكردية أمر لا غنى عنه، ويزداد إلحاحاً في ضوء نُذُر المواجهة بين الجانبين اللذين يرتبطان بعلاقاتٍ وثيقةٍ مع واشنطن التي تعتبرهما حليفين، في وقت ترفض تركيا، الدولة الإقليمية الكبيرة، التعامل الأميركي معها (ولها ملء الحق في ذلك) على قدم المساواة مع الجانب الكردي السوري، وإن كانت لا تُمانع، من حيث المبدأ، إقامة علاقة ما بين واشنطن والجانب الكردي، لا تصل إلى مستوى التسليح، وبأسلحة ثقيلة.

أما الجانب التركي فقد أحسن صنعاً بالتواصل مع واشنطن ومع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووضعه في صورة التهديدات التي ينطوي عليها نشر جيشٍ على حدوده مع سورية، جيشٍ لا ينكر صلته بحزب العمال الكردستاني، ويبقى بعدئذ أنه ليس من مصلحة تركيا أن تظهر

“المواجهة بين الجانبين تزيد الأزمة السورية تعقيداً، وتتسبب بإزهاق مزيد من الأرواح”

بصورة المناوئ لكل ما هو كردي خارج الحدود، وذلك بعد موقفها العنيف المعترض على الاستفتاء الكردي في شمال العراق في سبتمبر/ أيلول الماضي، على الرغم من العلاقات الوثيقة التي كانت تربطها بحكومة أربيل، وعلى الرغم من أن الأخيرة كانت تتغاضى عن الهجمات التركية ضد تموضعات حزب العمال، فالحركة الكردية تظل تحظى بقبولٍ على مستوى واسع من العالم، باعتبارها تعبّر عن أقلية قومية تعرّضت لاضطهاد طويل على أيدي حكومات المنطقة، وتنشُد التمتع بحقوقها الثقافية والسياسية.

ولأن تركيا منحت الأكراد، أو من هم من أصل كردي، حقوقاً أفضل بكثير من التي نالها نظراؤهم في إيران وسورية (قبل الاعتقالات التي شملت قيادات حزب الشعوب الديمقراطي)، فلا بد من الحفاظ على هذا الإرث، وعلى هذا الرصيد في إنصاف الأكراد الذي يُحسب لتركيا، ويستحق البناء عليه لا التضحية به. وهو ما يتطلب من أنقرة بذل جهدٍ لتوضيح أن موقفها لا يناهض الوجود الكردي في سورية، لكنه يعترض بشدة على ارتباط مكونٍ كردي رئيسي في سورية بحزب العمال، مع لجوء هذا المكون إلى العسكرة المتزايدة، بما قد يُغذي نزعات العنف لدى المكون الكردي في تركيا. يُذكر في هذا المجال أن أنقرة تقيم علاقات مع المجلس الوطني الكردي السوري، وهو أحد مكونات الائتلاف السوري المعارض، ويتعرّض لقمع شديد على أيدي “قسد” التي تقوم بتأميم الحياة السياسية في مناطقها في شمال سورية.

وفي جميع الأحوال، واشنطن مدعوةٌ إلى التراجع بغير تأخير عن موقفها المتسرّع والخاطئ، بما يتعلق بالجيش الكردي ومستويات تسليحه وتموضعه مستقبلاً، وعليها نزع فتيل التوتر الذي تسببت به، لا الاكتفاء بتفهّم المخاوف التركية، فالمواجهة بين الجانبين تزيد الأزمة السورية تعقيداً، وتتسبب بإزهاق مزيد من الأرواح، ولن تفيد في خطط استئصال “داعش” الإرهابي، أو في محاصرة التمدّد الإيراني، أو وقف الجموح الروسي المدمّر لكل الحلول.

العربي الجديد

 

 

 

 

التحرك العسكري التركي في عفرين وانتهاء حجج أمريكا/ محمد زاهد غول

التحرك العسكري التركي نحو عفرين تأخر أشهراً عديدة، ومنذ انتهاء عملية درع الفرات في مارس 2017 تحدثت السياسة التركية عن عملية عسكرية مقبلة في عفرين ومنبج، ولكن السياسة التركية أرادت أن تثبت للشعب التركي، قبل غيره، أن وجهة نظرها نحو سوريا كانت ولا تزال وستبقى سياسة دفاعية، وإن أخذت مظاهر السياسة الهجومية.

وقد أثبتت كذلك أنها لا تستعجل في تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها عودة الشعب السوري إلى أراضيه في مدنه وقراه، التي هُجر منها غصباً وتشريداً وتطهيراً عرقياً من حزب العمال الكردستاني (ب ك ك)، مهما كانت تسمية الكتائب والمليشيات العسكرية التي يستخدمها، سواء كانت قوات حماية الشعب (ب ي د) أو باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أو باسم قوات حماية الحدود شمال سوريا، بجيش قوامه ثلاثون ألف مسلح، كما أعلن البنتاغون قبل أيام، فوجهة النظر التركية أن لا تتورط بعمل عسكري في سوريا، إلا بقرار سياسي واضح للشعب التركي وللعالم العربي والعالمي، وبقرار عسكري مدروس ومتوافق مع الرؤية الدولية، خاصة روسيا وإيران الدولتين اللتين لهما قواعد عسكرية وجيش وطيران وميليشيات عسكرية منتشرة على الأرض، ولا سيما في منطقة عفرين.

إن الدواعي الحقيقية للتحرك العسكري التركي معلومة للجميع وقديمة أيضاً، وهي منع إقامة دولة كردية جنوب تركيا، وهذا الهدف ـ وهو إقامة دولة كردية شمال سوريا، تسعى أمريكا لتحقيقه ولو على مدى سنوات، ولذلك كان اختلاق أو استثمار أو استغلال وجود «داعش» في شمال سوريا من قبل أمريكا والبنتاغون ـ لا ينطلي على السياسة التركية، فمنذ إعلان أمريكا تشكيل التحالف الدولي الستيني لمحاربة داعش في سبتمبر 2014 رفضت تركيا المشاركة فيه، إلا بعد الاطلاع على خططه وأهدافه، لأن تركيا كانت تعلم بالنوايا الأمريكية السياسية لتقسيم سوريا، وأنها تسعى لسرقة الأحزاب الكردية من الوصاية الروسية إلى الوصاية الأمريكية، وتقديم الدعم العسكري لها، حتى لو كانت على قوائم الإرهاب الدولي، لأن أمريكا تقدم مصالحها على مصالح الدول الأخرى، بما فيها الدول الحليفة لها مثل تركيا، حتى لو أدى ذلك إلى تهديد أمن حلفائها القومي، فالحجج الأمريكية بمحاربة «داعش» في كوباني وغيرها لم تكن تنطلي على تركيا، ولكن تركيا انتظرت حتى تفرغ أمريكا كافة حججها لدعم الارهابيين، سواء كانوا من «داعش» أو من حزب العمال الكردستاني وفروعه قوات حماية الشعب الكردي، أو قوات سوريا الديمقراطية، بل أنها صبرت حتى بعد أن اعلنت روسيا ودول أخرى القضاء على «داعش» في سوريا، وكان ذلك يعني عدم وجود ذريعة لأمريكا لتقديم أربعة آلاف شاحنة محملة بالأسلحة إلى قسد في الأشهر القليلة الماضية، فقد كانت تلك الأسلحة تكفي لإنشاء جيش قوامه ستون ألف مسلح، ثم جاء إعلان أمريكا قبل أيام عن تشكيل جيش قوامه ثلاثون ألف مسلح ليؤكد ذلك، بينما الهدف ليس تشكيل الجيش فقط، وإنما جعله نواة عسكرية لتأسيس الدولة الكردية المقبلة شمال سوريا، التي ستمنح الجيش الأمريكي حق إقامة قواعد عسكرية على أراضيها، حتى تصبح متوافقة مع القانون الدولي، كما فعل بشار الأسد ـ الفاقد لحق الحكم في سوريا ـ بتقديمه اتفاقا لروسيا بإقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية في طرطوس والحميميم وغيرها لإبقائه في الحكم.

إن التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي تيلرسون التي قال فيها: «إن أمريكا لم تكن تسعى لإقامة جيش شمال سوريا». وكذلك تصريح رائد عسكري من البنتاغون قبل يومين بأن أمريكا لا تدعم قوات حماية الشعب في عفرين، وأن منطقة عفرين ليست من ضمن انتشارها العسكري لمحاربة «داعش»، هذه التصريحات تؤكد أن أمريكا أدركت جدية الموقف التركي بالقضاء على التواجد العسكري الارهابي في عفرين أولاً، وبالتالي فهي أي أمريكا تتناغم مع التصريحات العلنية للرئيس التركي أردوغان، ومع تصريحات مجلس الأمن القومي التركي، الذي قرر أن يمنع تشكيل أي جيش يهدد الأمن القومي التركي شمال سوريا، وعلى الأخص إذا كان هذا الجيش تابعاً للأحزاب الكردية الانفصالية الارهابية، فهذه الأحزاب استهدفت الأراضي التركية بالتفجيرات وتهريب الأسلحة، وقتلت أبناء الشعب التركي بمن فيهم المواطنون الأكراد في المدن التركية العديدة في السنوات الماضية.

وتركيا لن تنتظر حتى تبني أمريكا أوكار الفتنة والتهديد والإرهاب على حدودها، بل ستخوض حربا حقيقية، ولكنها في الوقت نفسه، لا تريد أن تريق قطرة دم واحدة، بدليل إعلان تركيا عن هذا التحرك العسكري قبل أشهر وأسابيع وأيام، لإعطاء الفرصة لكل من أخطأ سابقا واشترك في هذه الأعمال الارهابية للتراجع والانسحاب ومغادرة هذه المناطق، فليس الهدف مجرد الحرب ولا المباغتة العسكرية، وإنما ترك الفرصة والوقت لكل من يرغب في النجاة أن يغادر أرض الحرب قبل وقوعها.

وذهاب رئيس الأركان التركي الفريق أول خلوصي آكار، ورئيس المخابرات الوطنية التركية هاكان فيدان إلى روسيا يوم الخميس 18 يناير الجاري هو خطوة في الاتجاه نفسه، فتركيا تريد ان تسمع القيادة الروسية وجهة نظرها الأمنية والعسكرية في عفرين ومنبج وشمال سوريا عموما، وهي لا تسعى للاصطدام مع روسيا ولا مع إيران، ولا مع جيش بشار الأسد في ادلب ولا غيرها، وإنما هي في حالة الدفاع عن نفسها، بمنع الأخطار المحدقة بالأمن القومي التركي، ولا شك في أن وجهة النظر التركية العسكرية تجد آذاناً صاغية في موسكو أولاً، لأن روسيا ترفض وجودا عسكريا أمريكيا في سوريا، وهذا ما أعلنه وزير الخارجية الروسي سيرغي لابروف مراراً، وروسيا تطالب حكومة بشار الأسد برفض الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، واعتباره غير قانون وعدواني، فمن مصلحة روسيا أن تقطع تركيا على أمريكا إقامة دولة كردية شمال سوريا، وبالتالي أن تقطع الآمال الأمريكية بإقامة قواعد عسكرية لها في سوريا.

أما إيران فلا شك أن التفاهم معها أكثر صعوبة حول ذلك، لأن إيران لديها اتفاقيات أو تفاهمات أمنية وعسكرية مع امريكا، ولو بتفاهمات أمنية سرية تولى أمرها وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، في مباحثاته السرية أولاً مع إيران في سلطنة عمان، ثم بعد تحويلها إلى مباحثات علنية بحجة الملف النووي الإيراني قبل توقيعه في يونيو 2014، فينبغي للسياسة التركية أن لا تثق كثيرا بالمواقف الإيرانية، ولذلك فإن السياسة التركية مطالبة بأن تأخذ من موسكو كافة التعهدات التي تريدها في سوريا قبل تنفيذ العملية العسكرية في عفرين أولاً، ثم في منبج ثانياً، وحتى لو تم تأخير عملية منبج مرة أخرى، فإن ذلك سيكون مفهوم الأسباب، حيث إن أمريكا لن تتخلى عن بعض أمنياتها الضارة بتركيا، في حال دفعها أو تشجيعها الأحزاب والمنظمات الارهابية لمواجهة تركيا في منبج، بدليل أن نفي التصريحات الأمريكية عن تقديم دعم لـ (ب ي د) تعلق في عفرين فقط، ولم تتحدث عن منبج، بينما كانت الوعود الأمريكية القديمة تتعهد بسحب المقاتلين من منبج بعد طرد «داعش» قبل سنتين، عندما تعهدت امريكا بإخراجهم من غرب الفرات، لولا التعهدات الأمريكية في ذلك الوقت، التي قام بها وزير الخارجية التركي بتذكير أمريكا بهذه التعهدات مرة أخرى.

إن التحركات العسكرية التركية نحو عفرين ليست سهلة الخطوات أولاً، ولا سهلة المهمات ثانياً، ولكنه قرار الدفاع عن النفس من أعلى الدرجات، وما يطمئن هو أن الجيش التركي لا يتصرف كجيش احتلال داخل سوريا، وإنما يجعل من الشعب السوري نفسه، وبالأخص من الجيش السوري الحر صاحب المشروع والتحرير بوصفه صاحب الأرض، ثم يجعل من عودة اللاجئين إلى أراضيهم وإعادة الإعمار فيها أهدافا حقيقية للحملة، لأنها هي الضمانة الحقيقية لمنع عودة الارهابيين إليها، فأهل الأرض السورية وأصحابها هم اولى الناس بحمايتها واستثمارها وإعمارها.

كاتب تركي

القدس العربي

 

 

 

 

الإستراتيجيا التركية في عفرين مغامرة غير محسوبة النتائج/ نزارعبد القادر

حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تكراراً من هجوم عسكري تركي على عفرين، وذلك في أعقاب صدور معلومات عن واشنطن بأنها ستساعد «قوات سورية الديموقراطية» التي تتشكل في أكثريتها من وحدات حماية الشعب الكردية على تشكيل قوة من ثلاثين ألف مقاتل تنتشر على الحدود السورية- العراقية والسورية– التركية لمنع عودة «داعش» إلى المنطقة «المحررة» في شمال شرقي سورية. وتعتبر القيادات التركية أن هذه القوة التي ستكون مدعومة أميركياً، تشكل تهديداً للأمن الوطني التركي، كما تهدد سلامة الأراضي التركية وسلامة مواطنيها.

وحذّر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره الأميركي ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس، على هامش أعمال الاجتماع الوزاري الدولي حول الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية في كندا بتاريخ 17 كانون الثاني (يناير) من أن «تشكيل قوة كهذه، أمر من شأنه إلحاق الضرر بالعلاقات التركية – الأميركية على نحو لا رجعة فيه».

ويبدو من تصريحات جميع المسؤولين الأتراك حول الاستعدادات العسكرية لإطلاق عملية عسكرية «واسعة» من أجل احتلال عفرين ومنبج، أن الهجوم واقع لا محالة، وأن توقيته بات يرتبط باستكمال الحشد العسكري اللازم، إضافة إلى استكمال الخطوات التنسيقية والتقنية اللازمة، سواء مع قيادات حلف شمالي الأطلسي في بروكسيل أم مع القيادات العسكرية الروسية في موسكو، والتي كلف بإجرائها رئيس الأركان التركي خلوصي أكار ومدير المخابرات العسكرية.

يؤشر السيناريو العسكري الذي تستعد له تركيا إلى أنه سيتعدى العمليات العسكرية المحدودة عبر الحدود، سواء بالقصف البري أم الجوي، وسيشكل عملية هجومية واسعة لاحتلال كامل «كانتون» عفرين الذي تسيطر عليه القوات الكردية، والتي تعتبرها أنقرة جزءاً من حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه كتنظيم إرهابي. وسيؤدي هذا السيناريو (في حال تنفيذه) إلى خلط أوراق جميع اللاعبين الأساسيين في الصراع السوري، وسينقل الحرب إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيداً وخطورة بحيث تشمل الأراضي السورية والتركية والعراقية.

سيجد الأميركيون أنفسهم في وضع صعب ومعقّد، بين مساعدة «وليدهم» الكردي، وخسارة حليفهم الإستراتيجي التركي، وبين الوقوف على الحياد وخسارة دورهم شرق الفرات الذي يؤمن لهم دوراً رئيسياً للحفاظ على مصالحهم في سورية. ستؤدي عملية خلط الأوراق التي تحضر تركيا لها إلى تغيير جذري في التحالفات وفي موازين القوى في الشمال السوري، وبالتالي إلى تدمير كامل للمنطقة وإلى تهجير جديد لما يقارب مليوني سوري إضافيين، كما أنها ستؤدي إلى ارتدادات إقليمية واسعة.

تطرح التحذيرات والتهديدات التركية مجموعة من الأسئلة، لم تبادر أي من القوى الدولية أو الإقليمية المعنية بالصراع في سورية إلى طرحها بصورة مباشرة وعلنية، وذلك تحاشياً منها لإعلان موقف صريح حول السيناريو التركي. ومن أبرز هذه الأسئلة: ما هي الإستراتيجية التي تتبعها تركيا حيال الأزمة السورية منذ بدايتها وحتى اليوم؟ ما هي الأهداف الحقيقية التي تسعى تركيا إلى تحقيقها في سورية؟ ما هي الأهداف العسكرية التي تحاول تركيا تحقيقها من خلال عمليتها في الشمال السوري، بدءاً من عملية «درع الفرات» ووصولاً إلى عملية عفرين ومنبج؟

في رأينا لا يمكن البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة من خلال استعراض مواقف وتصريحات المسؤولين الأتراك الأخيرة، والتي صدرت في أعقاب الإعلان الأميركي لتشكيل وتدريب القوة الكردية الخاصة بحماية الحدود الشمالية والشرقية، أو انطلاقاً من المعطيات الميدانية والخطط التكتيكية الموضوعة لاحتلال عفرين، بل يجب الذهاب إلى أبعد من ذلك بحثاً عن الأجوبة الحقيقية لهذه الأسئلة. من أجل إدراك أهداف وأبعاد العملية التركية في الشمال السوري لا بدّ من اعتماد مقاربة تحليلية واسعة وعميقة للسياسات والمواقف التي اعتمدتها تركيا تجاه الأزمة السورية خلال السنوات الست الماضية. ولا بدّ من الانطلاق في هذا التحليل من مختلف الخيارات الإستراتيجية التي اعتمدها الرئيس أردوغان في مواجهة كل المراحل والتطورات التي شهدتها الأزمة السورية خلال السنوات الست الماضية. ولا نغالي أبداً إذا ما اعتبرنا أن هذه الخيارات اتسمت بالغموض والسلبية، باستثناء العداء لنظام بشار الأسد والدعوة إلى رحيله، إضافة إلى رفض الاعتراف بأي دور للأكراد السوريين، واتهامهم بالإرهاب.

 

اعتمدت تركيا في بداية الأزمة السورية خيار نصرة الشعب السوري عن طريق إسداء النصح للرئيس الأسد باعتماد إصلاحات جوهرية للنظام، ومن ثم من خلال تقبلها للجيش السوري الحر على أراضيها، وفي المناطق المحاذية لحدودها، واستقبال مئات ألوف اللاجئين السوريين، وتشجيع العديد من المجموعات السورية المعارضة، ولكن سرعان ما بدأت تركيا التحول إلى اعتماد خيارات متناقضة، من أجل مواجهة تعقيدات الوضع الدولي والإقليمي إضافة إلى نشوء وانتشار المجموعات الجهادية والإرهابية في أجزاء واسعة من سورية والعراق، وبعد اعتماد الولايات المتحدة لقوات حماية الشعب الكردي كحليف في محاربة «داعش» بعد معركة «كوباني». في ظل هذه التحولات الدراماتيكية تبدلت المواقف والخيارات التركية، واتسمت ردود الفعل التركية في كثير من المحطات بالتناقضات سواء لجهة العلاقات مع روسيا أم مع الولايات المتحدة أم مع إيران أم في علاقاتها مع «داعش» أو «جبهة النصرة»، حيث اتهمت تركيا بتمرير آلاف الإرهابيين والأسلحة، وتجارة النفط غير المشروعة عبر أراضيها لمصلحة «داعش».

من هنا يمكن الاستنتاج أن مجموعة المواقف والسلوكيات التي اتبعتها تركيا تجاه الأزمة السورية كانت أشبه بدراما «إغريقية»، مليئة بالمفاجآت والمشاهد الدرامية الدامية والمؤلمة، والتي يمكن اعتبارها نتيجة واقعية لمحاولات أردوغان إعادة صوغ وتوجيه السياسة التركية الداخلية والخارجية، على أساس أنه «السلطان الجديد» لتركيا وبلاد الشام.

تقف تركيا الآن على بُعد خطوات معدودة من المشهد الأكثر دموية وخطورة من هذه «الدراما اليونانية» التي صنعتها بنفسها. والمنقذ «المحتمل» الوحيد من السقوط في هذه المغامرة العسكرية الخطيرة سيكون الولايات المتحدة، من خلال العمل على إجراء «أعجوبة» للتوفيق بين هواجس تركيا الأمنية ومطالب الأكراد بحقوقهم وهويتهم. تجد واشنطن نفسها في وضع حرج بين حليفين، وستترتب نتائج خطيرة على انحيازها إلى هذا الفريق أو ذاك، واندلاع الحرب في عفرين لن يكون في مصلحتها، إذ سيؤدي في نهاية المطاف إلى «كابوس» مخيف لكل من واشنطن وأنقرة والأكراد. إذا لم يجرِ تجاوز الأزمة في الأيام أو الساعات القليلة الفاصلة عن بدء الهجوم، فإن الرابحين الحقيقيين منه سيكونون روسيا والنظام السوري وإيران. من هنا، فإن السؤال المحرج الذي لا بدّ من طرحه في هذه الساعات الأخيرة الحرجة: هل تشجع روسيا أردوغان على ركوب مغامرة حرب غير محسوبة النتائج؟

* باحث لبناني في الشؤون الاستراتيجية.

الحياة

 

 

 

 

تركيا هل ستربح الحرب سياسيا أم عسكريا؟

منهل باريش: أكدت مصادر محلية في كفر جنة لـ ”القدس العربي” انسحاب القوات الروسية من معسكر بلدة كفر جنة الذي يعتبر المركز الرئيسي للقوات الروسية في منطقة عفرين والمنطقة التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية. وأكدت المصادر إخلاء نقاط “المراقبة” التابعة للشرطة العسكرية الروسية في مطار منغ العسكري ونقاط أخرى في جوار تل رفعت وصولا إلى منطقة شعالة وخربة الدوير، آخر نقاط سيطرة “الوحدات” غرب مدينة الباب.

وأضاف المصدر أن الجنود الروس “أفرغوا كامل المعسكر ونقلوا حتى الأسرة العسكرية والأغطية”، وتوجه رتل يضم نحو عشر آليات بينها ثلاث ثقيلة وعربات زيل وسيارات والعشرات من عناصر الشرطة. وذكرت وكالة الأناضول التركية أن القوات الروسية توجهت نحو مدينتي نبل والزهراء شمالي حلب الخاضعتين لسيطرة النظام السوري. وأشارت إلى أن “قسما من عناصر الشرطة الروسية مازال موجودا في محيط مدينة عفرين”.

وتأتي التحركات الروسية وإعادة الانتشار لقواتها في عفرين بعد يوم من زيارة رئيس الأركان التركي الجنرال خلوصي أكار ورئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان إلى موسكو، في محاولة لاطلاع الروس على حدود العملية العسكرية التركية في عفرين وأهدافها.

وأشار وزير الدفاع التركي نور الدين جانكلي، يوم الجمعة، إلى أن “المسؤولين الروس أعلنوا بشكل رسمي ومن أعلى المستويات، أنهم سيسحبون قواتهم في عفرين”.

وعين قائد الجيش الثاني التركي قائدا للعملية العسكرية في عفرين، ويتوقع أن عدد الجنود الاتراك الذين سيشاركون في العملية سيصل إلى نحو سبعة آلاف عسكري، إضافة إلى نحو عشرة آلاف مقاتل من فصائل المعارضة السورية في منطقة درع الفرات.

وعلمت “القدس العربي” من مصدر عسكري في منطقة درع الفرات أن فصائل المعارضة تستعد لإرسال نحو ألفي مقاتل على ثلاث دفعات إلى منطقة شمال إدلب، حيث يتمركز الجيش التركي جنوب منطقة عفرين في دارة عزة وجبل الشيخ بركات، في نقاط مراقبة بعد توقيع اتفاق أستانا 6 الخاص بمناطق “خفض التصعيد”. وأضاف المصدر: “لم تبلغ عمليات درع الفرات بالذهاب إلى إدلب الآن”، ورجح أن “يكون المحور الأول للهجوم هو عبر الأراضي التركية من جهة الشمال باتجاه عفرين وليس إلى إدلب”، أي محور شنكال ميدان إكبس المواجه لبلدة ديلي عثمان التركية والواقعة على طريق هاتاي- كيليس. ويتوقع أيضا هجوم آخر من محور راجو السورية، وصولا إلى جنديرس جنوبا.

ساعة الصفر لبدء عملية “سيف الفرات” لم يحدد بعد، حيث نوه وزير الدفاع التركي أنه لا يمكنه “الإدلاء بمعلومات عن موعد انطلاق العملية العسكرية على أوكار الإرهابيين في عفرين”، مؤكداً أن بلاده “ستقضي على كل تواجدهم في شمال سوريا”.

من جهتها تمنت واشنطن من انقرة “عدم اتخاذ مثل هذه الخطوة”. وقالت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخاريجية، هيثر ناويرت، خلال مؤتمرها الصحافي اليومي: “نحن لا نعرف ما إن كانت تركيا ستجري عملية عسكرية في عفرين أم لا، لأن عيون الجميع يجب أن تكون على داعش”.

في فرضيات المعركة يبدو أن مؤشرات الحشود حتى اللحظة وإشراك فصائل “درع الفرات”، يدلل على أن الهدف الأولي هو إبعاد “وحدات حماية الشعب”، والتي تعتبرها أنقرة الذراع العسكري السوري لحزب العمال الكردستاني، عن الحدود التركية المباشرة، وتطويقها داخل الأراضي السورية من الجهتين الشمالية والغربية، بعد أن عززت تركيا قواتها في نقاط المراقبة جنوب عفرين وانتشارها في مناطق درع الفرات شرق عفرين.

عملية “سيف الفرات”، حسب تسمية الجانب التركي، والتي يفترض أن تشمل عفرين ومنبج في الوقت ذاته يبدو أنها ستركز على عفرين حاليا فقط. وقد تحل مسألة مناطق غرب نهر الفرات ضمن تسوية تكون روسيا وإيران طرفا فيها. ومن غير المستبعد أن ينزع فتيل الحرب في عفرين بتسوية بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي تتدخل فيها أمريكا نفسها، تنسحب بموجبها “وحدات حماية الشعب” من القرى والبلدات الـ11 والممتدة من تل رفعت إلى غرب مدينة الباب، والتي تقدمت إليها الوحدات وشركاؤها المنضوون تحت ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، خلال حرب تركيا وفصائل درع الفرات على تنظيم «الدولة الإسلامية» العام الماضي.

ورغم تصريحاتها المتواترة والمكثفة على المستويات الرسمية والسياسية كافة، فإن القيادة التركية حذرة جدا في بدء العملية، فالحرب الإعلامية والضغط السياسي الذي تمارسه مازال أقوى بكثير من القصف المدفعي الذي بدأته في الثالث عشر من هذا الشهر بشكل متقطع على محاور عدة باتجاه عفرين. وهو ما يذكر بعمليتها العسكرية في إدلب قبل ثلاثة شهور بعد تصريحات وتهديد ووعيد، حيث قامت بالاتفاق مع “تحرير الشام” ودخلت دون أي طلقة معها.

تحاول أنقرة التخفيف من خسائرها السياسية بعد أن مضت في اتفاق أستانا مع طهران وموسكو، حيث قام الطرفان بعملية عسكرية شرق إدلب وحماة وسيطرا على نحو 300 بلدة بين جبل عزان وريف حماة الشرقي، فيما بقيت تركيا عاجزة حتى اللحظة عن إبعاد ما تعتبره تهديدا لأمنها القومي. وتدرك أيضا أن الاتفاق مع روسيا وإيران ضعيف للغاية ولا يرقى للشراكة الاستراتيجية كتلك التي بين الطرفين، وتتخوف دون شك من تغير قريب بين الجانبين، وتخشى فقدان هذه الشراكة رغم كونها الطرف الضعيف والأقل حظاً. ولا تريد أن تخسر دورها كما خسرت الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا، وتصبح بذلك “عدوة” الجميع مع بقاء ما يهدد أمنها القومي جنوب حدودها.

مع كل تلك الحرب الإعلامية يبدو أن تركيا ستفضل حلا سياسيا وتبتعد عن التورط في عملية عسكرية طويلة المدى في منطقة عفرين، التي تعتبر أكثر المناطق الكردية السورية تماسكا قوميا فهي شبه خالية من أي مكون سوى الأكراد السوريين.

عملية عسكرية محدودة تنتهي بحل سياسي لمناطق غرب الفرات قد تكون الخيار الذي تفضله أنقرة، مقابل تأجيل خيار الرصاص إلى مناطق شرق النهر.

 

 

 

غصن الزيتون”: حصار عفرين لإخراج المقاتلين الأكراد/ أحمد حمزة، باسم دباغ

لم يكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يعلن بدء عملية الجيش التركي ضد “وحدات حماية الشعب” الكردية في عفرين شمال غرب محافظة حلب السورية، حتى شنّت الطائرات التركية غارات على مواقع للمسلحين الأكراد في منطقة جلمة جنوب عفرين، فيما كانت مجموعات تابعة إلى الجيش السوري الحر تتجه إلى المنطقة، بعد دخولها من كيليس الحدودية. بذلك تكون حرب عفرين قد انطلقت فعلياً، بعدما سبق لها أن بدأت “نظرياً” بقصف مدفعي مكثف قبل يومين بهدف واضح: إخراج مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي من عفرين ومن محيطها، من دون اجتياح بري للمدينة.

وقالت مصادر، لـ”العربي الجديد”، إن العملية، التي أطلق عليها الجيش التركي اسم “غصن الزيتون”، ستتم تحت راية الجيش السوري الحر بدعم من القوات التركية، وإنها تختلف عن عملية “درع الفرات” (لذلك جرى إطلاق تسمية مستقلة لها، أي غصن الزيتون)، إذ إن القوات التركية ستنسحب من المنطقة بعد انتهاء العملية، مع ترجيح عدم شمول العملية مناطق مثل منغ وتل رفعت. وترجح المصادر فرض حصار على عفرين المدينة لا اقتحامها، وذلك بسبب وجود مئات آلاف المدنيين في المناطق التي قد تشهد المعارك، وصعوبة الميدان الجغرافي لها. ويبدو أن تركيا حصلت على ضوء أخضر روسي لإطلاق الهجوم ضد عفرين، مع إعلان وزارة الدفاع الروسية سحب جنودها (الشرطة العسكرية الروسية) من محيط مدينة عفرين.

وذكرت رئاسة الأركان التركية، في بيان، أنه “بدأت عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين اليوم (أمس) في تمام الساعة الخامسة عصراً بالتوقيت المحلي، وذلك بهدف تحقيق الأمن والاستقرار لحدودنا في المنطقة، وأيضاً بهدف تحييد عناصر العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وداعش، وإنقاذ الشعب الصديق والشقيق من ظلمهم”. وأضافت أن “العملية تجري في إطار حقوق بلادنا النابعة من القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب وحق الدفاع عن النفس المشار إليه في المادة 51 من اتفاقية الأمم المتحدة، مع احترام وحدة الأراضي السورية”. وشددت على أن “عملية غصن الزيتون تستهدف الإرهابيين فقط، ويجري اتخاذ كل التدابير اللازمة للحيلولة دون إلحاق أضرار بالمدنيين”.

وأعلن رئيس الأركان التركي، الجنرال خلوصي أكار، أنه “ستتم إدارة عملية غصن الزيتون من مقر الأركان العامة في أنقرة”. وأطلع أكار نظيريه الروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، والأميركي الجنرال جوزيف دانفورد، هاتفياً على العملية وأهدافها النهائية. كذلك بحث غيراسيموف ودانفورد، في اتصال هاتفي، التطورات في سورية. وأجرى وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، مكالمة هاتفية مع نظيره الأميركي، ريكس تيلرسون، بناء على طلب الأخير، حيث جرت مناقشة العملية التركية في عفرين. وأكد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، أمس، أن “الجيش التركي بدأ العمليات الجوية ضد عفرين”، مضيفاً “ليست لدينا عداوة أو مشكلة مع أحد، نحن نريد أن يحل السلام وتسود الأخوة في المنطقة”. واتهمت “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة تركيا، أمس السبت، باستغلال مزاعم بقصف عبر الحدود ذريعة لشن هجوم في سورية. وحذرت “قسد”، في بيان، من “أنها لا تجد خياراً أمامها سوى الدفاع عن نفسها إن تعرضت على هجوم”، معتبرة أن “تهديد تركيا المفاجئ وغير المبرر بمهاجمة عفرين يغامر بعودة تنظيم داعش”.

وبدأت عملية “غصن الزيتون” باستهداف الطائرات التركية مواقع تابعة إلى المسلحين الأكراد في منطقة جلمة جنوب عفرين. ومهّد القصف المدفعي، المتواصل منذ أيام، على مواقع الأكراد في عفرين الطريق أمام مجموعات من الجيش السوري الحر للتقدم في المنطقة. وذكرت وكالة “الأناضول”، أمس، أن “مدرعات وعناصر للجيش السوري الحر بدأوا بالتقدم من حدود ولايتي كيليس وهطاي التركيتين باتجاه مناطق في عفرين، عقب استهداف سلاح المدفعية التابع للقوات المسلحة التركية أهدافاً للتنظيم الإرهابي”، مشيرة إلى أن “وحدات الجيش السوري الحر لم تواجه أي مقاومة من قبل التنظيم حتى الآن (مساء أمس)”. وكان قصف المدفعية التركية لمناطق تُسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية بمحيط عفرين، قد تجدّد منذ فجر أمس السبت، بعد هدوء لساعات خلال ليل الجمعة، وطاول شمال وشمال شرق ناحية عفرين، ومواقع أخرى قرب بلدة تل رفعت. وتزامن ذلك مع دفع الجيش التركي لمزيد من التعزيزات العسكرية، نحو الشريط الحدودي المقابل لعفرين، في حين أظهرت تسجيلات مصورة، وأكدت مصادر ميدانية، مواصلة مجموعات من “الجيش السوري الحر” استعداداتها قرب مدينة إعزاز شرق عفرين، للمشاركة في العملية العسكرية التركية.

وبعد يومين من حديث وزير الدفاع التركي، نور الدين كانيكلي، عن أن عملية بلاده العسكرية “بدأت” فعلياً في عفرين، من خلال القصف المدفعي، قال أردوغان، أمس، إن “عملية عفرين بدأت فعلياً على الأرض، وستتبعها مدينة منبج”، مضيفاً أن “تركيا لن تكون في أمان ما دامت سورية غير آمنة”. وأشار أردوغان، في خطاب في مدينة كوتاهية غرب وسط البلاد، إلى أن “من يخططون للعبة في سورية من خلال تغيير اسم التنظيم الإرهابي ويعتقدون أنهم يتمتعون بالدهاء، (أقول لهم) الاسم الحقيقي لذلك التنظيم هو حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي”. وقال، في إشارة إلى تطمينات أميركية سابقة بأن “وحدات حماية الشعب” الكردية ستنسحب من عفرين، “لم يتم الإيفاء بالوعود التي قطعت لنا بشأن منبج. فلا يمكن لأحد أن يعترض على قيامنا بما يلزم”. وأضاف “سنقوم لاحقاً بالتدريج بتنظيف بلدنا حتى الحدود العراقية من هذه القذارة الإرهابية التي تحاول محاصرتنا”. وأكد أن أنقرة ستدمر “خطوة بخطوة” ما وصفه بـ”الممر الإرهابي” الذي أقامته “الوحدات” الكردية. وكانت رئاسة الأركان التركية قد أعلنت في بيان لها أمس السبت، أن القوات التركية المسلحة ردت على نيران أطلقها المسلحون من عفرين، في ريف محافظة حلب السورية. كذلك نقلت وكالة “الأناضول”، عن رئاسة الأركان العامة التركية أنه تم “تحييد 20 إرهابياً من منظمة حزب العمال الكردستاني، خلال أسبوع من العمليات المستمرة جنوب شرقي تركيا، وشمالي العراق”.

وتبدو حسابات تركيا في هذه العملية العسكرية أكثر تعقيداً من عملية “درع الفرات” التي بدأت في 24 أغسطس/ آب سنة 2016، ضد تنظيم “داعش” بريف حلب الشرقي، وسيطرت خلالها القوات المشاركة في العملية على مدن، أهمها جرابلس، فالراعي وبعدها مدينة الباب، وعشرات البلدات والقرى الممتدة على طول 90 كيلومتراً من الشريط الحدودي السوري – التركي، وبعمق يصل إلى 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية. وتبدو الحسابات في هذه العملية العسكرية أكثر تعقيداً، لجهة التضاريس الجغرافية الجبلية في ضواحي عفرين، وكثافة أعداد المدنيين المقيمين في تلك المدينة، وفي ما يقارب 350 قرية حولها، فضلاً عن أن المواجهة مباشرة هذه المرة، ضد “الوحدات” الكردية، المدعومة من واشنطن، التي “حثت” الجانب التركي على تجنب عمل عسكري في عفرين، وهو ما كان ورد على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، قبل ثلاثة أيام، عندما دعت “الأتراك إلى عدم الإقدام على أي أفعال من هذا النوع. لا نريدهم أن ينخرطوا في عنف، وإنما نريدهم أن يواصلوا التركيز على تنظيم داعش”. على الرغم من ذلك، فإن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، أريك باهون، أشار لاحقاً إلى أن واشنطن وأنقرة متحالفتان، ولن تتسبب عملية عفرين بفوضى، أو انهيار علاقات البلدين. وكان تيلرسون قد حاول نزع فتيل التوتر مع أنقرة، الذي اشتعل إثر إعلان واشنطن تأسيس “قوة حدود” عمادها “الوحدات” الكردية في سورية. وقال إن بلاده لا تعتزم إنشاء “قوة الحدود”، و”هذا أمر تم تصويره وتعريفه بأسلوب خاطئ، وبعض الأشخاص تحدثوا بطريقة خاطئة”.

وفيما تشي هذه المواقف الأميركية بضبابية تتأرجح بين تطمين أنقرة تارة وإظهار تفهم أميركي للمخاوف التركية المتعلقة بأمنها القومي، وبين حضها تارة أخرى على عدم الخوض في عملية عسكرية في عفرين، فإن تركيا اتجهت نحو محاولة التوصل إلى تفاهم مع موسكو بهذا الصدد، وهو ما كان محور زيارة أكار ورئيس الاستخبارات التركية، حاقان فيدان، إلى موسكو قبل يومين، وعقدهما لقاءات مع المسؤولين هناك، أبرزهم وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بالتزامن مع نفي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده سحبت جنودها الموجودين في عفرين. وأعربت موسكو، أمس، عن “قلقها” حيال إعلان تركيا بدء هجوم يستهدف عفرين. وأعلنت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، أن “موسكو قلقة حيال هذه المعلومات”، مضيفة “ندعو أطراف المواجهة إلى ضبط النفس”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى