صفحات مميزة

عن انتخاب دونالد ترامب مرة أخرى – مقالات مختارة-

عالم ترامب وبوتين وخامنئي وشين جين بينغ/ برهان غليون

كان الأمل كبيراً في بداية الثمانينيات أن تكون نهاية الحرب الباردة فرصةً تاريخية، وربما الأخيرة، لتدشين مسارٍ جديد للبشرية التي أنهكتها الحروب والنزاعات القومية والأيديولوجية، ولفتح الطريق أمام تعاون دولي، يضمن الأمن والحرية والعيش الكريم لجميع سكان المعمورة. وعلت بالفعل أصوات عديدة مطالبة بتطوير منظومة الأمم المتحدة التي شلتها الحرب الباردة من قبل، وتعزيز قدراتها وصلاحياتها، وتحويلها إلى شبه إدارة دولية قادرة على ايجاد الحلول المتوازنة للنزاعات الدولية المتقرحة، وإطلاق برامج أصبحت أكثر من ضروريةٍ للرد على تحديات ومعالجة مشكلات البيئة ونقص التنمية في أكثر مجتمعات العالم، والقضاء على الفقر، ودعم جهود التربية والتقدم التقني والعملي لملياراتٍ من البشر الذين لا يزالون مستبعدين منها، على مستوى المعمورة بأكملها.

ما حصل كان معاكسا تماما لذلك. استغلت الولايات المتحدة، تفرّدها بالقوة لإعادة ترتيب الأوضاع الدولية، بما يعزّز هيمنتها ونفوذها العالميين، فخاضت حروباً عديدة، كلها مدمرة، في أفغانستان والعراق وغيرهما، فاقمت من المشكلات العالمية، ثم ما لبثت روسيا أن ردّت بالمثل، بعد أن تحرّرت من أزمة الدولة السوفييتية، وتيقنت من انكفاء واشنطن وانطوائها على مشكلاتها الداخلية. وهي تخوض اليوم في سورية، بالتعاون مع إيران، وتغطية صينية، حرباً دولية دامية لفرض نفسها من جديد قوة عالمية كبرى، على الأقل في أوروبا والشرق الأوسط، بينما تكاد منظومة الأمم المتحدة تنهار من تلقاء نفسها، بسبب عجزها المحزن عن القيام بأي دورٍ لتخفيف المحنة عن الشعوب التي تتعرّض لإبادة حقيقية، وفي مقدمها الشعب السوري الذي أصبحت أراضيه مسرحا للمواجهة بين عديد الجيوش والمليشيات الطائفية وغير الطائفية، المحلية والإقليمية والدولية، بينما يتعرّض أكثر من مليون إنسان لحصار جوع قاتل، وتدمير منهجي لأبسط شروط الحياة الطبيعية في حلب والغوطة ومناطق أخرى، في عملية تهجير قسري مقصودة للسكان، وباستخدام جميع الأسلحة الكلاسيكية والكيميائية، بينما لم يبق للأمم المتحدة دور سوى الإعراب عن قلق أمينها العام وهي عاجزة حتى عن ضمان إدخال المساعدات الغذائية والأدوية، وإخراج المصابين من تحت الأنقاض، فما بالك بضمان استقلال الدول وسيادة الشعوب، كما تنص عليه مواثيقها.

لكن، في موازاة هذا التصعيد المتسارع والخارج عن السيطرة للعنف، والصراع بين الدول

“إنه عالم أصبح فيه العنف والتطرّف والأنانية سياسة دولية، وصار كبار قادته من أكابر المتطرفين” والحكومات والطوائف والجماعات، والتنافس عبر الحدود والسيادات على السيطرة والنفوذ ونهب الموارد التي لا تستطيع الشعوب الصغيرة حمايتها، تتفاقم أزمةٌ عالميةٌ متعدّدة الأبعاد، تنذر بانهيار النظام الدولي والتهميش الكامل للأمم المتحدة، والتنكّر لآخر ما تبقى من الأعراف والقوانين وقواعد العمل بين الشعوب والمجتمعات، تحاول الدول أن تخرج منها، أو تخفّف خسارتها فيها، بتخليها عن مسؤولياتها الدولية، وإعادة صوغ أجندتها القومية، كما كان عليه الحال في القرن التاسع عشر، أي في أكثر صورها بدائيةً، بحيث لا تراعي فيها الحكومات أي مصالح أخرى غير مصالحها الخاصة، ولا تنظر من خلالها إلى مدىً أبعد من سنوات الولاية الانتخابية وحدها، أي لأقل من عقد. وهو ما يدفع العالم، بزخمٍ لا حدود له، نحو وضعٍ تزداد فيه الفوارق والاختلالات بين الطبقات والشعوب والمجتمعات على كل المستويات بشكل انفجاري، ويجعل من المواجهات المتعدّدة الأشكال مصدر فوضى معممة، تهدّد بزعزة استقرار جميع القارات. وذلك مع انهيار الايمان بوجود حاضنة قانونية وسياسية، قادرة على ضمان حقوق الأفراد وصون أمن الدول وسيادة الشعوب.

في هذا السياق، تبرز النزوعات القوية نحو الديكتاتورية، ويدفع انهيار الثقة بوجود حاضنةٍ قانونية بضمان حقوق الأفراد وصوت أمن الدول وسيادة الشعوب إلى انبعاث الهويات التقليدية، الإثنية والدينية، وفيه أيضاً تنمو الرغبة في التقوقع على الذات وفقدان الأمل بقيمة التكتلات الدولية. وفيه أيضا يبرز معنى تصويت الناخبين البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي شكل درعاً للدول الأوروبية جميعا في مواجهة الرياح العاتية للأزمات المتعددة الأشكال التي من المممكن أن تتمخض عنها التحولات الاقتصادية العالمية، في إثر ما سمي بالعولمة وسياسات الانفتاح المتسارع وتكوين سوقٍ عالمية واحدة. ولا يقتصر الأمر، كما يبدو الآن، على بريطانيا. فتيار الانكفاء على السياسات القومية ينمو بشكل مضطرد في إيطاليا وفي بلدان أوروبية أخرى، حتى لو لم يتخذ شكل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وليس فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعيداً عن هذا التوجه، بل إنه التعبير الأكثر فجاجةً عنه، حيث تعلن الولايات المتحدة، على لسان رئيسها الجديد، انسحابها من كل التزاماتها الدولية الجماعية. ومن الطبيعي ألا يكون حامل هذا التوجه من الفئات والشرائح الاجتماعية المندمجة في الاقتصاد المعولم أو المستفيدة منه، وإنما جمهور المهمشين الذي شعر بأنه في طريقه إلى أن يخسر مكانه وموقعه ووزنه في الدولة والمجتمع معاً، بسبب إعادة توزيع علاقات السطلة والنفوذ والثروة على قواعد عولمية جديدة، أعني الجمهور الذي لم يعد يشكّ في أنه مهدّد بأن يصبح من بين الجماعات الواسعة العديدة القابعة منذ عقود على قارعة الطريق، لا مستقبل لها ولا قيمة ولا اعتبار. وهذا هو أيضاً درس الانتخابات الأولية الفرنسية التي فاز فيها رئيس الوزراء السابق، فرنسوا فييون، وهو الذي حرص على أن يظهر في خطابه ذاك التكنوقراطي الذي لا تهمه سوى حماية المصالح الفرنسية، بصرف النظر عن أي مبادئ أو معايير أو قيم إنسانية، أخلاقية أو سياسية.

لا يعرف الجمهور الحائر ما يريده من المرشّحين الذين يصوّت لهم، لقدرتهم على ترجمة

“تيار الانكفاء على السياسات القومية ينمو بشكل مضطرد في إيطاليا وفي بلدان أوروبية أخرى” مشاعر الخوف والقلق التي تستبدّ به عن حق، إلى كلام سياسي أو شبه سياسي، فهو ليس لديه معرفة كبيرة بأبعاد السياسة الاقتصادية الدولية، وبالاستراتيجيات المتنافسة والمتنازعة على مستوى التكتلات القارية. على الأغلب إن ما ينتظره من هؤلاء الطامحين للحكم، باسمه، هو تطمينه فحسب. وغالبا ما يتخذ هذا التطمين، من الساعين إلى حصد ثمار هذا الخوف والقلق، وإعادة إنتاجه وتضخيمه في الوقت نفسه، لتحويله إلى رصيد سياسي ثابت، أحد شكلين: الأول شرعنة العداء للأجنبي واللاجئ والمختلف، والثاني تفعيل النزعة القومية التي تخفي الفوارق الطبقية والتمايزات داخل البلد الواحد ضد الدول الأخرى والتكتلات وتعزيز الضخ في مشاعر الهوية والخصوصية، على حساب القيم والتقاليد والتوجهات الإنسانية الكونية الانفتاحية المتهمة بتسبيب التدهور في شروط الحياة والمستقبل.

فالأول يقدم للمرشحين لقيادة المجتمعات المتازمة في العقد المقبل كبش الفداء المطلوب الذي لا يفدي بالضرورة أحداً، فتحويل حياة اللاجئين والمهاجرين إلى جحيم لن يحمي أحداً من الخائفين والناقمين، وإنما يفعل العكس تماما. لكنه يقدم للقادة مسرباً إضافيا للتهرّب من المسؤولية أو التغطية على الفشل.

أما الثاني فبمقدار ما ينمّي الشعور بالأنانية والعظمة، ويشجع على التحلل من الأخلاقيات السياسية، وبشكل خاص مبادئ الالتزام بحقوق الإنسان التي أقامت عليها الدول الكبرى، خلال العقود الماضية، سياساتها لتضفي على هيمنتها العالمية صبغةً أخلاقية وإنسانية، يبرّر عمليات السرقة والنهب وصرف النظر عن المذابح التي تجري في عالم مفتوح على كل احتمالات النزاع، ومن وراء ذلك استعادة الروح الاستعمارية والامبريالية الفجة، والتحوط ضد تأنيب الضمير.

إنها العودة إلى روح القرن التاسع عشر الاستعماري، حيث ضاعت القواعد والأعراف، واختلطت القومية بالعنصرية، وصارت تتجلى في العداء للآخر المختلف، بدل أن تتحوّل إلى التزام بالتضامن الداخلي، وحيث استعادت الرأسمالية في طورها الأخير سيرتها الأولى، وتحوّلت مضاربات ومكائد وسطو مسلح أو شبه مسلح على موارد الشعوب والجماعات ونهب واحتلال.

ما يجري في المشرق اليوم هو نموذج مبكّر وفج، أي متوحش ككل نموذج بدائي، لهذا النزوع الذي يدفع العالم إلى التحلل من التزاماته الجماعية، والجري وراء المصالح في صورتها القريبة والمباشرة والآنية وعدم الاكتراث بأي نتائج للأعمال، ولا أي مبدأ أخلاقي أو قيمة إنسانية. وهذا ما يفسر لماذا استمرت الحرب السورية، ولماذا بقي العالم متفرجاً على اجتياح بلد آمن وتدميره من مئات المليشيات المتعدّدة الأجناس والمذاهب التابعة والممولة من دول أعضاء في الأمم المتحدة وموقعة على مواثيقها، ووقوفه اليوم غير عابئ اليوم لاغتيال مدينة الحضارة العالمية بامتياز حلب، وتدميرها على رؤوس أطفالها ونسائها.

إنه عالم ترامب وبوتين وخامنئي وشين جين بينغ (الرئيس الصيني). عالم: انجُ سعد فقد هلك سعيد. عالم أصبح فيه العنف والتطرّف والأنانية سياسة دولية، وصار كبار قادته من أكابر المتطرفين.

العربي الجديد

 

 

 

 

الأشياء تتداعى والعالم أيضاً…/ وائل السواح

في 1958، كتب الكاتب النيــجيــري تــشيـــنوا أتشيبي رواية بعنوان «الأشياء تتداعى»، صوّر فيها انهيار قيم القبيلة في وجه الحضارة القادمة من الغرب وانهيار أوكونوكو، زعيم القبيلة وبطلها أمام الحضارة الجديدة. اليوم يبدو أن هذه الحضارة الجديدة نفسها قد بدأت تتداعى. وصول ترامب إلى رئاسة أقوى بلد في العالم وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومعالم وصول اليمين المتطرف في غير بلد أوروبي وحدوث أكبر دمار بشري منذ الحرب العالمية الثانية في بلد صغير هو سورية: كل ذلك يدل على أن العالم بدأ يتهاوى بالفعل وربما كان صعباً جداً وقف هذا الانهيار.

قبل أيام توّج معجم أكسفورد البريطاني كلمة جديدة بلقب كلمة العام 2016. الكلمة هي ما بعد الحقيقة (post-truth)، وهو عرفها بأنها «الحالة التي تكون فيها الحقائق الموضوعية أقل تأثيراً في تشكيل الرأي العام من استثارة العواطف والمعتقدات الشخصية». وقد برر محررو المعجم هذا التتويج بأن استخدام هذه الكلمة زاد بنسبة 2000 في المئة. وهم عزوا ذلك إلى ظاهرتي بريكزيت وترامب.

والحال أن فوز ترامب بالانتخابات الأميركية الذي هزّ العالم مرشح لمزيد من التفاقم. ولا يبدو أن الترمبية في طريقها إلى التلطف بل إلى مزيد من الجلافة. واليوم، بدأت ظواهر أميركية قديمة كانت مستترة بالإعلان عن نفسها بقوة بإلهام من فوز ترامب. فقبل أيام رفعت على الجدران في بروكلين بنيويورك شعارات الصليب المعقوف، الشعار النازي الأشهر، قبل أن يقام على مرمى حجر من البيت الأبيض اجتماع ضمّ مئات من أنصار حركة «اليمين البديل» (Alt-right) ليستمعوا إلى زعيمهم ريتشارد سبينسر الذي حيا ترامب بالعبارة النازية المعروفة «هايل ترامب. عاش النصر. عاش الشعب». وارتفعت عشرات الأذرع ممدودة إلى الأمام بحركة التحية النازية المعروفة.

وللأمانة، اضطر ترامب إلى التنكر لهذه الجماعة التي نصبته فوهرراً عليها، ولكنه تنصلٌ لم يدعمه أي من إجراءاته الأخرى. بل على العكس، فبينما دان تصريحات جماعة «بديل اليمين» قام بتعيين أحد رموزها كبيراً لموظفي البيت الأبيض وهو ستيفان بانون، الذي وصفه بيرني ساندرز بالعنصرية والكراهية.

ولم يكتف الرجل بذلك، بل زاد عليه تعيين متطرفين يمينيين آخرين في منصبين رفيعين آخرين، فعن الجنرال مايكل فلين مستشاره للأمن القومي، وفلين عنصري وكاره للأقليات عموماً والإسلام والمسلمين خصوصاً، وهو كان قد صرح مراراً بأن «الخوف من المسلمين منطقي». أما مرشحه لمنصب النائب العام للولايات المتحدة فهو السناتور جيف سيشن، الذي كانت اللجنة القانونية في مجلس الشيوخ قد رفضت ترشيحه عام 1986 بسبب «سلوكه وتصريحاته العنصرية». ثم أتبع ذلك بتعيين داعية كبيرة للتعليم الخاص هي البليونيرة بيتسي دوفوس وزيرة للتعليم.

هذه التعيينات جعلت كاتباً معروفاً في «نيويورك تايمز» هو تشارلز بلو يكتب عموداً بعنوان: «ترامب يجعل أميركا بيضاء من جديد»، في لعب على شعار ترامب: «لنجعل أميركا عظيمة من جديد». لكنه بالمقابل أثار حماسة متطرفين أميركيين كثر من مثل المؤمنين بتفوق العرق الأبيض ومن بينهم منظمة «الفيديرالية من أجل إصلاح الهجرة الأميركية» التي أيدت تعيينات ترامب العنصرية.

وبينما تغرق أميركا في انقسام شعبي حاد، نجد أن العالم لم يفق بعد من حالة الذهول. ويسأل كثير من المتابعين: «كيف وصلت الإنسانية إلى هذا الدرك؟ وما الخطأ الذي ارتكبناه؟» كيف يمكن لنظام ديموقراطي ن ينتخب رجلاً عنصرياً كارهاً للثقافات والقوميات الأخرى ومحتقراً للمرأة والمعاقين ومحتالاً يغش موظفيه والطلاب الذين يدرسون في جامعته رئيساً لأكبر ديموقراطية في العالم؟

في المقلب الآخر سياسيون هنا وهناك يحاولون تجاهل هذا المنحدر الذي وصلنا إليه مختارين الحل الفاوستي ببيع أنفسهم للشيطان. هؤلاء، وبينهم سياسيون سوريون معارضون، يرون مثلاً (كما رأى قيادي في الائتلاف السوري) أن ترامب يعبر عن «ميول الأكثرية الأميركية بأخذه أكثرية أصوات الناخبين، ومنهم أكثرية أصوات الأميركيات (53 في المئة)». طبعاً هذا الكلام غير دقيق: فترامب لم يفز بغالبية الأصوات كما بات معروفاً، بل إن كلينتون تفوقت عليه بمليوني صوت. ولم يفز ترامب بـ 53 في المئة من النساء، بل بنسبة 53 من النساء البيض، وفي هذا فرق كبير.

ثم يتابع السياسي المعارض أن تصريحات ترامب جاءت في إطار معركة انتخابية، «يقال في كثير من محطاتها ما لا يقال في مواقع وأماكن وأزمان أخرى خارج المعركة». واستشهد الكاتب بخطاب النصر للرئيس المنتخب الذي أبدى فيه «روحاً عالية من المسؤولية، بخلاف كل محتويات مناظراته وخطاباته في المعركة الانتخابية».

ورأى الكاتب أخيراً أن «سياسة ترامب في القضية السورية ستكون أفضل من سياسة سابقه أوباما، التي قامت على التخلي عن دورهم، بل تسليم الملف إلى روسيا على رغم أنها طرف في القضية السورية».

مثل هذه المواقف فيها خطأ وخطيئة. فأما الخطأ فهو أن سلوك ترامب برمته بعد الانتخابات لا ينم عن أنه سيتراجع عن وعوده الانتخابية في سياساته الداخلية والخارجية. فداخلياً هو ماض في مشروعه للتضييق على المهاجرين والمكسيكيين والمسلمين، وخارجياً هو ماض في تقليصه للوجود الأميركي في الناتو والتخلي عن أصدقاء الولايات المتحدة التاريخيين مثل الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا والخليج العربي وتعزيز علاقته بدلاً من ذلك ببلطجي الكرملين.

وأما الخطيئة فأن الأمور لا يمكن حسابها فقط من منطق الربح والخسارة المباشرين في ما يتعلق بأي ملف من الملفات. نحن أمام عالم يتداعى وقيم تنهار ومبادئ تتهاوى، وسيكون من الخطأ الأخلاقي التلاعب براغماتياً مع هذا الواقع لتحقيق مكسب هنا أو هناك. والحق أن حتى الفاوستية ينبغي أن تكون مجزية: فأن تبيع روحك للشيـــطان لقاء 24 سنة من المعرفة والقوة والمتعة الحسية (كما فعل فاوست الأصلي) شيء أما أن نبيعها لقاء مكتسبات ضئيلة وتافهة، فهي فاوستية تهريجية قميئة في أحسن أحوالها.

الحياة

 

 

 

حقل بوتين وبيدر ترامب/ مروان قبلان

لم يبدُ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما بيّنت الصور، مهتماً كثيراً بحديث نظيره الأميركي، باراك أوباما، في لقائهما العابر الأخير على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ، يوم الأحد الماضي. في المقابل، بدا الرئيس أوباما حريصاً، على ما جاء في تصريحاته التي أعقبت لقاء الدقائق الأربع، أن يسمع نظيره الروسي ما ظل يتوق إلى سماعه أكثر من سنتين، أي استعداد أميركا للاعتراف بوجود رابط بين الصراعين الأوكراني والسوري. قال أوباما إنه يريد حلاً للأزمة في أوكرانيا قبل مغادرة منصبه، وإنه يريد في الوقت نفسه مساعدة روسيا في تخفيف حجم الأزمة الإنسانية التي يضاعفها بوتين في سورية، لإحراج الغرب وجرّه إلى صفقةٍ معه. يدرك أوباما أن أوكرانيا هي درة التاج في الاتحاد الأوراسي الذي يسعى بوتين إلى إنشائه، باعتباره أمل روسيا الأخير في الاستمرار قوةً ذات شأن على المسرح الدولي، وأن حرمانه منها قضى، من ثم، على هذا الحلم، وأن تدخله في سورية لم يكن سوى صرخة وحش جريح يشارف على الانهيار، وهو أمر لا يرى أوباما فيه ضيراً.

في ظروف مختلفة، كان بوتين ليتلقف هذا العرض ويبني عليه. لكن، لماذا الاهتمام بكلام رئيس مغادر تجاهله سنواتٍ طويلة، في حين ينتظر أن يدخل البيت الأبيض رئيسٌ يبدو أكثر تفهماً. فكيف يجري بوتين حساباته في هذا الشأن؟ يرى بوتين أن سورية يمكن أن تشكّل مدخلاً لتفاهم مع إدارة ترامب حول أوكرانيا، إذ يتوقع أن يواصل الرئيس الجديد سياسة سلفه في التركيز على استهداف تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). لكن ترامب، بعكس أوباما، يفضل التنسيق في هذه الحرب مع روسيا، بدلاً من إيران التي يناصبها عداءً شديداً. وكان الرئيس أوباما يتبع مقاربة مختلفة، إذ كان يعامل نظيره الروسي باستخفافٍ شديد، وينحو إلى التقليل من شأن بلاده، في وقتٍ كان يكيل فيه المديح “للحضارة” الإيرانية والثقافة الفارسية، فاستخدم الشعر الفارسي في رسائل الغزل الثلاث التي بعث بها إلى المرشد، يحضّه فيها على قبول الاتفاق النووي، وبلغ إعجابه بإيران أن طلب زيارتها بعد الاتفاق، لكنها اعتذرت عن استقباله. وقد جرت ترجمة إعجاب أوباما بإيران، ثقافة وحضارة، بقيام الطيران الأميركي بوظيفة سلاح الجو للمليشيات المدعومة إيرانياً، في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بعد أن كان قد أنقذها من زحف التنظيم على بغداد بعد سقوط الموصل. لن يجد بوتين مشكلةً في مساعدة ترامب في احتواء النفوذ الإيراني، إذا هو أبدى المرونة المطلوبة في الملف الأوكراني، وهو أمر يبدو قابلاً للنقاش عند ترامب.

وبعكس أوباما، لا يبدو ترامب مهتماً كثيراً بمستقبل أوكرانيا، وهو أصلاً غير مهتم بمستقبل القارة الأوروبية، لا اقتصاديا (الاتحاد الأوروبي) ولا أمنياً (حلف شمال الأطلسي). كما ينطلق ترامب من فرضيةٍ شائعة في دوائر الاستخبارات الأميركية، أن روسيا قوة آفلة، بالنظر إلى تردي وضعها الاقتصادي والتكنولوجي وتراجع عدد سكانها، وإن سياسات بوتين تزيد من عمق مأزقها وتستنزفها. بالنسبة لترامب، يأتي الخطر الأكبر من الصين، وتحظى مواجهتها بأولوية عنده، وهو أمر لن يلقى، على الأرجح، ممانعة كبيرة من بوتين، فالصين تمثل خطراً على روسيا، كما على الولايات المتحدة، باعتبارها عملاقاً نووياً واقتصادياً صاعداً في شرق آسيا، ولها حدود طويلة مع روسيا، ويمثل الزحف الديموغرافي الصيني باتجاه سيبيريا أحد المهدّدات الأمنية الكبرى للروس.

إذا ذهبت الأمور بهذا الاتجاه، فالأرجح أن يتبع بوتين مع أميركا والصين الاستراتيجية نفسها التي اتبعها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، مع الاتحاد السوفييتي خلال فترة الحرب الباردة، فقد انتهج كيسنجر سياسة الانفتاح على الصين لمحاصرة الاتحاد السوفييتي، فاتحاً الطريق أمام زيارة الرئيس نيكسون بكين عام 1972، ما عزّز من عملية احتواء موسكو، وأجبرها على الموافقة على معاهدة الحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية (SALT). لن يمانع بوتين في الانفتاح على أميركا لاحتواء الصين عالمياً، واحتواء إيران إقليمياً، إذا تمكّن ترامب من التغلب على الممانعة الأوروبية الرافضة عودة الهيمنة الروسية على أوكرانيا، أو على الأقل ضمان حياد أوكرانيا بين روسيا والغرب. هذه هي حسابات الحقل عند بوتين، فهل تتطابق مع حسابات البيدر عند ترامب؟ ننتظر ونرى.

العربي الجديد

 

 

 

 

طاقم ترامب/ فاطمة ياسين

تتواتر التكهنات والتوقعات بشأن الأسماء التي سيعتمد عليها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، لقيادة السياسة الأميركية في الداخل والخارج، على الرغم من أن الرجل كان صريحاً وطريفاً، ومتطرّفاً أحياناً، في بيان ما ستكون عليه سياسته. وسيكون على المرشحين المحتملين لشغل المناصب فهم مواقف ترامب التي أعلن عنها، والعمل بموجبها.

من المفيد الإشارة إلى أن الدستور الأميركي يجعل الرئيس المسؤول في المقام الأول، من دون أن يعني ذلك أن الطاقم الرئاسي مجرد سكرتاريا، لكن الموظف الذي سيتم تعيينه لن يحيد كثيراً عما يرغب به الرئيس، أو ما أعلن عنه في حملته الانتخابية. ويمكن التدليل على ذلك بمقارنة السياسة الخارجية لأميركا في مرحلتي هيلاري كلينتون وجون كيري، حيث لا يمكن تلمس فروق جوهرية في معظم المواقف الدولية، سواء تجاه روسيا أو إيران أو العلاقات مع إسرائيل والمنطقة العربية، فقد نفذ الوزيران سياسةً عامةً، وضعها أوباما، لم تتغير بتغير الشخص الذي شغل المنصب.

جاء ترامب من خلفية جمهورية، وهي بيئة كلاسيكية ذات طبيعة محافظة أقرب إلى التديّن، أو تقترب أخلاقياتها من تعاليم الكنيسة، وتشجّع المبادرات الشخصية، وتحاول إزالة القيود، وخفض الضرائب، وتعتبر العالم كله مجالاً مفتوحاً لنشاطها، وقد تكون متحفّظةً إزاء التورّط في حروب خارجية كبيرة، وخصوصاً بعد نتائج حربي العراق وأفغانستان الهزيلتين والمكلفتين. لكن، مع المحافظة على أمن دفاعي قوي جداً ومسيطر. وترامب سليل عائلةٍ غنيةٍ، وقد ولد بمستقبل مضمون. ومع ذلك، برهن على نجاحات عريضة ضمن المجتمع الأميركي، والنجاح الذي يهم الأوساط التي تؤمن بترامب، هو تحقيق الثروة من دون إثارة شبهاتٍ كبيرة، وهو الأمر الذي حققه ترامب بالفعل، ما يجعله جمهورياً نموذجياً، أما رؤية ترامب الانتخابية فقد بينت عن كراهية للآخر، ممزوجةٍ بعنصريةٍ واضحة، دلل عليها في أثناء دعوته إلى بناء جدار مع المكسيك وحرمان المسلمين من دخول أميركا، وإيجاد قاعدة بيانات للاجئين السوريين.

جاء الحسم عبر صندوق الانتخابات الذي أظهر ميل الناخبين نحو الجمهوريين بتوجهاتهم المعروفة، وتبدو الأجواء العامة شبيهة بالتي أعقبت فوز جورج بوش الابن، بعد ثماني سنوات ديمقراطية، وعد فيها بوش ناخبيه بالالتفات إلى الداخل، من خلال تخفيض الضرائب وإصلاح الضمان الاجتماعي والمساعدة الدوائية لكبار السن، وهي تطابق وعود ترامب مع صخبٍ إعلاميٍّ أقل. ولكن، سرعان ما فوجئ بوش بهجمات “11 سبتمبر”، فانقلب الحزب المحافظ الكلاسيكي إلى طغمةٍ عسكريةٍ، أطلقت على نفسها اسماً لطيفاً هو “حزب الشاي”.

يرى ترامب في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خطراً كبيراً على الأمن القومي الأميركي، وقد كرّر في خطاباته مفهوم “التطرّف الإسلامي”، وذكر تنظيم الدولة بالاسم، وأكّد أولوية التصدّي له، على الرغم من عدم شرح طريقة التصدي تلك، والتي قد لا تتجاوز ما كان أوباما يقوم به. يرى ترامب، أيضاً، وبحكم ما يمثله، إيران خطراً كبيراً آخر، وهي تمثل العدو المباشر بعد “داعش”، وقد يكون الاتفاق النووي الذي اعتبرته إيران انتصاراً، في خطر، فقد لمح ترامب أنه سيعمل على تعديله، فيما ظهر شديد الحذر بما يخص الملف السوري، على الرغم من انتقاده العلني والواضح بشار الأسد، وقد فصل بين الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية، واعتبرهما قضيتين مختلفتين، وأظهر تساهلاً تجاه روسيا، فيما يخص المسألة السورية. وقد لا يأخذ هذا التساهل مدى بعيداً، بحكم الخلفيات التي يستند إليها ترامب، واستراتيجيات فلاديمير بوتين اللامحدودة، ما قد يعجل الشقاق أسرع مما نتصوّر، خصوصاً بتداخل الملف الإيراني مع السوري والروسي.

قد تبذل روسيا جهوداً لتعزيز فهم ترامب الموضوع السوري، لكن إيران ستظهر من جديد عقدة منشار، وقد تقلب رؤية ترامب، ليكون حازماً بعض الشيء تجاهها على الأرض السورية بالذات، بما قد لا يرضي الروس، ومن ثم سنشهد استعادةً للعداوات وللتحالفات التقليدية، وقد يجد ترامب نفسه ثانيةً، يلحس كل تصريحاته بشأن السعودية ودول الخليج.

العربي الجديد

 

 

 

 

من يحمي الديموقراطية؟/ حازم صاغية

سوف تتلاحق، في الأسابيع والأشهر المقبلة، مواعيد تثير التهيب، إن لم يكن الرعب، يخيم فوقها جميعاً وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد استفتاء «بريكزيت» في بريطانيا.

في 4 كانون الأول (ديسمبر) المقبل سيتوجه الإيطاليون إلى استفتاء دعا إليه رئيس حكومتهم ماتيو رِنزي ورهن مستقبله السياسي بنتائجه. لكن الاستفتاء سيُجرى فيما تتحسن يومياً حظوظ حركة «النجوم الخمسة» الشعبوية والمناهضة لـ «المؤسسة»، بزعامة بيبي غريو، ابن الشتوة الأخيرة، الذي احتفل بفوز دونالد ترامب.

لكنْ في اليوم نفسه (4/12) سوف يعاود النمسويون إجراء انتخاباتهم لاختيار رئيس للجمهورية، حيث يمكن أن يفوز نوربرت هوفر من «حزب الحرية» الشعبوي، المناهض للأجانب وللهجرة. وجدير بالذكر أن الانتخابات الرئاسية كانت قد أجريت قبل أشهر فلم يرسب هوفر فيها إلا بفارق 31 ألف صوت فحسب، إلا أن نتائجها ألغيت بسبب أخطاء تقنية في حسبة المقترعين عبر البريد.

في 15 آذار (مارس) 2017 سينتقل الهلع إلى هولندا، التي عُدت طويلاً أكثر بلدان العالم تسامحاً. فيومذاك ستُجرى انتخابات يتنافس فيها الليبراليون و»حزب الحرية» (أيضاً) بقيادة غيرت وايلدرز الذي ربما كان أشرس الشعبويين الأوروبيين وأشدهم نضالية في عدائه للهجرة والأجانب والمشروع الأوروبي.

وايلدرز هذا سبق له أن حضر مؤتمر الحزب الجمهوري الأميركي الذي نصب ترامب مرشحاً رئاسياً، وكثيراً ما أكد أن حملته تنسج على منوال الحملة البريطانية للخروج من الاتحاد الأوروبي.

في 23 نيسان (أبريل) و7 أيار (مايو) 2017 ستُجرى دورتا الانتخابات الرئاسية في فرنسا. مارين لوبن، زعيمة «الجبهة الوطنية» الفرنسية ستخوض الدورة الأولى وتخرج منها حتماً أحد فائزين، وبعد ذلك يصعب التكهن!

الخبر الواعد نسبياً، وإن كانت دلالاته لا تنسحب بالضرورة على جمهور «الجبهة الوطنية»، أن نيكولا ساركوزي خرج من السباق، فاسحاً المجال لأحد رئيسي الحكومة السابقين ألان جوبيه وفرانسوا فيون.

في خريف 2017، حين تُجرى الانتخابات الألمانية، قد تختلف النتائج والوجهة. فحتى الآن ليست هناك قوة وزعيم شعبويان قادرين على إطاحة المعادلات السياسية المعمول بها. لكن «البديل» قد يحقق قفزة في حجم الدعم الذي يحظى به، مرسملاً على حملة التخويف من سياسة المستشارة أنغيلا مركل حيال الهجرة، ومن انتصارات «بريكزيت» وترامب وما قد يلي من انتصارات شعبوية في بلدان أخرى.

ما يمكن قوله، حتى إشعار آخر، أن الائتلاف الكبير بين المسيحيين الديموقراطيين والاشتراكيين الديموقراطيين، وهو الذي يحكم ألمانيا اليوم، قادر على صيانة الديموقراطية الألمانية. والشيء ذاته يمكن قوله عن أي ائتلاف محتمل بين الاشتراكيين الديموقراطيين والخضر واليسار.

وهي مفارقة كبرى أن تغدو ألمانيا حصن الدفاع عن الديموقراطية ضد الشعبوية في أوروبا وفي عموم العالم الغربي، وإن كان ما يعقد المهمة الألمانية أن الشعبويتين الظافرتين في بولندا وهنغاريا تحاصران ألمانيا من شرقها أيضاً.

وهذه معارك تخص العالم كله، لا مواطني تلك البلدان فحسب. وذلك ليس مرده إلى الهجرة واللجوء وحدهما، على أهمية ذلك، بل أيضاً إلى موقع أوروبا بوصفها المرجع في الديموقراطية والحداثة، والمسرح المركزي لتوتر العالم واستقراره.

عاشت أنغيلا مركل.

الحياة

 

 

 

 

إيران أول المستفيدين من سياسة ترامب في سورية/ راغدة درغام

حشد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مزيجاً من التأهب العالمي لمتابعة أخباره وقراراته وتعييناته قيادات الإدارة المقبلة، وبين فورة تفاؤل وصعود في أسهم بورصة نيويورك، وبين قلق عميق لدى شطر من الأميركيين وكثر غيرهم من احتمال ارتداد الولايات المتحدة عن قيمها ومبادئها ودستورها لتصبح عنصرية وإقصائية وطائفية. الواضح أن هذا الرجل المثير للجدل لا علاقة له بالملل. وواضحٌ أنه يتمتع كثيراً بلعبة السلطة ويتلذّذ جداً بإخفاء أوراقه ليترك العالم أجمع في حالة ترقب وتشوّق، وواضح أيضاً أنه وفريقه الأساسي أيقنوا أنه ليس في وسعهم إعادة اختراع منصب الرئاسة الأميركية، بل كان عليهم أن يستعينوا بأركان واشنطن التقليديين في المرحلة الانتقالية علماً أن الحملة الانتخابية كانت أساساً ضد واشنطن وأركانها التقليديين. دونالد ترامب الرئيس المنتخب خفّف من نبرة ترامب المرشح على صعد عدة من ضمنها التراجع عن محاكمة منافسته هيلاري كلينتون التي هتف بعضٌ من قاعدته الانتخابية تكراراً «احبسوها». هذا لا يُطبق على جميع وعوده الانتخابية إذ إنه، كمثال، أعلن اعتزامه الانسحاب من «الشراكة عبر الباسيفيك» التي وضعها الرئيس الحالي باراك أوباما بهدف تقوية النفوذ الأميركي في آسيا ضمن استراتيجية «بفيت» pivot أي تحويل المسار والأولوية من الشرق الأوسط إلى آسيا. أما ماذا في ذهن الرئيس الأميركي المنتخب نحو روسيا ومغامراتها الاستراتيجية في سورية وفي أوكرانيا، أو نحو إيران وتوسعها في الرقعة العربية بالذات في سورية، الأرجح أن يكون مزيجاً من المصالح الاستراتيجية الأميركية البعيدة المدى وبصمات شخصية يريدها دونالد ترامب أن تميّز عهده. الواقعية ستجبر الرئيس المنتخب على التفكير مرتين قبل أن يعقد العزم على بدء عهده بشراكة علنية مع جهاتٍ يتهمها حلفاء الولايات المتحدة الغربيون بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تحت ذريعة القضاء على «داعش» إنما الهدف الأساسي هو إبقاء نظام بشار الأسد حليفاً دائماً في السلطة.

لا شك في أن دونالد ترامب سيستكمل ما يقوم به باراك أوباما في الموصل والرقة للقضاء على «داعش» وأمثاله. وربما تنتهي معركة الموصل قبل تسلم دونالد ترامب مفاتيح الرئاسة، وذلك بهدف حرمان «داعش» من أرض «دولة الخلافة». كان مفترضاً أن تقوم الولايات المتحدة بمهمة ضرب «داعش» في العراق وأن تتولى روسيا مهمة القضاء عليه في سورية. ما حدث هو أن روسيا حوّلت المهمة من القضاء على «داعش» إلى القضاء على المعارضة السورية المعتدلة التي تحارب على جبهتين: ضد «داعش» وضد نظام بشار الأسد. فروسيا وإيران، حليفتا الأسد، وجدتا فرصة لهما لتوطيده في السلطة من خلال استهداف المعارضة المعتدلة أولاً. راهنتا على عدم إقدام أوباما إما على منعهما ميدانياً وعسكرياً، أو تسليح المعارضة نوعياً، أو الاحتجاج جدياً على التجاوزات المرعبة لمحور روسيا – سورية – إيران بما فيها ارتكاب جرائم حرب، بموجب تعريف القانون الدولي، على نسق استهداف المستشفيات.

دونالد ترامب يرث عن باراك أوباما مأساة أخلاقية وإنسانية في سورية. لو انتهت الحرب لكان يمكن القول أن ترامب ليس مضطراً أن يتعاطى مع ما فعل أوباما – أو لم يفعل. لكن الحرب مستمرة، والانتهاكات تزداد، وسيضطر ترامب إما أن يسير على خطى أوباما، أو أن يعيد النظر تجميلياً، أو أن يقرر سياسة مختلفة تماماً.

تصريحات ترامب خلال الحملة الانتخابية أفادت بأنه وضع القضاء على «داعش» أولوية قاطعة وأنه جاهز للشراكة مع فلاديمير بوتين وبشار الأسد لتنفيذ المهمة، وحتى مع قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» المطلوب دولياً، إذا تطلبت المعادلة الميدانية القبول بذلك كأمر واقع. مواقفه الانتخابية نحو إيران أفادت بأنه لن يسمح لطهران بالاستقواء، لا في المسألة النووية ولا في الهيمنة الإقليمية، وأنه ينظر إليها على أنها دولة راعية للإرهاب.

إذا نفّذ ترامب وعوده الانتخابية ودخل طرفاً في محور روسيا – سورية – إيران فإنه يكون قد دخل شريكاً مع محور متهم بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين في سورية، وثانياً، يدخل طرفاً في حرب أهلية في سورية بدعمه بشار الأسد، وثالثاً، يضفي الشرعية على «حزب الله» وميليشيات شيعية شكّلتها إيران للحرب في سورية، ورابعاً، يصبح حليفاً عملياً لإيران التي تخوض معارك مذهبية، وخامساً، يتورط مع تركيا ومع دول غربية في حلف شمال الأطلسي التي تشكك جذرياً في غايات روسيا في حربها في سورية، وسادساً، يبدأ عهده بوصمة إلغاء مبدأ المحاسبة على جرائم حرب وتوطيد أميركا كدولة تخلّت عمداً عن المسؤولية الأخلاقية إزاء المدنيين.

إيران ستكون في صدارة المستفيدين من تنفيذ دونالد ترامب وعوده الانتخابية في سورية، ذلك أنها ستصبح معفاة من المحاسبة بفضل شراكتها الميدانية في الحرب على «داعش». وللتأكيد، فإن القضاء على «داعش» ليس مشروعاً إيرانياً بل هو مشروع دولي بشراكة سنّية قبل أن تكون إيرانية. ذلك أن «داعش» تمكّن من فرض نفسه في العراق رداً على التجاوزات الإيرانية وتمكين الشيعة من التهام السلطة بإقصاء سنّة العراق. إيران كانت سبباً رئيسياً لبروز «داعش» وهي مصرَّة على المشاركة في سحقه لأن إلغاء «دولة الخلافة» الممتدة جغرافياً بين العراق وسورية هو إحياء لمشروع «الهلال الشيعي» الذي يربط إيران بالعراق وسورية ولبنان.

الجنرال ديفيد بترايوس أكثر العارفين بضرورة الشراكة مع السُنّة للقضاء على «داعش»، إذ إنه تمكَّن من ضرب «القاعدة» في العراق عبر تلك الشراكة. البعض يعتقد أن ذلك زاد صبّ الزيت على الحرب المذهبية السنّية – الشيعية وساهم في إنشاء البيئة لبروز «داعش». إنما حتى لو كان ذلك صحيحاً جدلاً، فإن الدرس هو ضرورة التنبه لإفرازات وتداعيات الظهور بأن الولايات المتحدة تتناوب على شراكة تارة مع السُنَّة وتارة مع الشيعة.

بترايوس يرى أن لدى الولايات المتحدة خياراً آخر غير ذلك الذي لمّح إليه المرشح دونالد ترامب وهو يدق في عصب العلاقات الأميركية – الروسية والأميركية – الإيرانية والأميركية – السورية. رأيه أن الانحناء أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو بشار الأسد أو قاسم سليماني سيكون مكلفاً جداً للمصالح الأميركية الاستراتيجية، وأن الوقت حان للاعتراف بأن الكلام عن حلول سياسية في سورية هو للاستهلاك وأن الحسم العسكري هو سيد الساحة. عليه، ينطلق بترايوس من الإيضاح أن لا حاجة أبداً لتدخل عسكري أميركي بقوات أميركية على الأرض، وأن الخوف من مواجهة ميدانية أميركية – روسية في سورية في غير محله، بل هو تهويل وهراء. يقترح قصف المواقع العسكرية، حيث الطيران السوري الذي يقصف بالبراميل المتفجرة لشلّ قواه مع إبلاغ روسيا بأن تدخلها في هذه العملية هو الذي سيقود إلى مواجهة، وهو واثق في أن وضوح الإنذار سيجعل بوتين يفكر مرتين ويتراجع. رأي بترايوس أن الوقت حان لإحياء أميركا كقوة عظمى جاهزة للتصرّف طبقاً لمصالحها ومبادئها، وليست دولة عجوزاً خائفة ومترددة، ومصلحتها الآن تقتضي تغيير الموازين العسكرية في سورية وتسليح المعارضة المعتدلة وتفعيل التحالف الدولي بمشاركة روسية للقضاء على «داعش» وأمثاله داخل سورية كما داخل العراق.

حذف الخيار العسكري عن الطاولة أدى إلى إذلال أميركا وخلع الهيبة عنها كدولة عظمى. هذا رأي كثر من الجمهوريين الذين يبحث دونالد ترامب احتمال تعيينهم في مناصب مهمة في إدارته. ترامب نفسه يوافق على المبدأ على رغم كونه غير متحمس لمواجهة عسكرية مع روسيا أو غيرها. إنه مؤمن بضرورة استعادة أميركا عظمتها وموقعها الفريد عالمياً.

وضوح معاداة بعض الذين عينهم في مناصب مهمة نحو إيران ومعارضة بعض الذين ينظر في تعيينهم للاتفاق النووي مع إيران يجب ألا يفسّره الخليجيون بأنه سيشكل ضغوطاً تلقائية على السياسة الإيرانية الإقليمية، بالذات في العراق أو سورية أو لبنان. حنكة التفكير العميق في كيفية التأثير في السياسة الأميركية تتطلب الكف عن الاستنتاجات الآنية والاسترخاء. هذه الفترة فائقة الأهمية للتأثير في سياسات الإدارة المقبلة نحو الشرق الأوسط.

القمة الخليجية ستعقد في البحرين بعد أسبوعين وهذه فرصة استثنائية لصوغ رسائل رئيسية إلى إدارة ترامب لا تتوقف عند الترحيب المبطن برحيل أوباما أو الاحتجاج على مواقف ومشاعر العداء نحو المسلمين من جانب ترامب أو مستشار الأمن القومي أو غيرهما. لا حاجة للترحيب بما يُفسّر بأنه صرامة مع إيران ولا ضرورة لاشتراط رحيل بشار الأسد كأساس للشراكة الخليجية – الأميركية، في سورية أو في مواجهة الإرهاب. إعلان الحرب الكاملة على «داعش» وأمثاله هو في المصلحة الخليجية، إنما هناك حاجة لإعلان استراتيجية متكاملة في شأن الشراكة الجدية في هذه الأولوية الواضحة لإدارة ترامب كما في بناء علاقة جديدة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.

قد تشعر مصر بأنها مؤهلة أكثر من غيرها لعلاقة مميزة مع ترامب بعدما كان الرئيس عبدالفتاح السيسي بين أوائل الذين تلقى الرئيس المنتخب اتصال التهنئة منهم، حتى قبل رئيسة وزراء بريطانيا. قد تعتبر مصر أن العلاقة التهادنية التي يريدها ترامب مع فلاديمير بوتين تقع في مصلحتها لأنها على علاقة مميزة مع روسيا. وقد ترتاح كثيراً لمغادرة أوباما البيت الأبيض لأنها تعتبره أحد أهم مفاتيح صعود «الإخوان المسلمين» إلى السلطة وترتاح بالقدر ذاته إلى موقف ترامب من الإسلام السياسي الراديكالي الذي تعتبره عدواً لها. هنا أيضاً، تقتضي مصلحة مصر التريث وألا تفسّر استعداد ترامب للعمل مع الأسد لضرب الراديكالية الإسلامية بوابةً للشراكة الأميركية – المصرية. الأجدى بالسياسة المصرية أن تعمل على إعادة صوغ العلاقات الأميركية – المصرية كاستراتيجية منفصلة عن المواقف الانتخابية المعلنة في شأن سورية.

هناك جديد آتٍ أيضاً إلى الأمم المتحدة بتولي الأمين العام المنتخب أنطونيو غوتيريس المنصب مطلع كانون الثاني (يناير). فالأمين العام الجديد شخصية قيادية وبراغماتية وهو مهتم بالمنطقة العربية عموماً وسورية خصوصاً نظراً إلى معرفته الدقيقة بوضع اللاجئين كما بالنواحي السياسية والميدانية للأزمة السورية.

هذا الأسبوع عقد غوتيريس جلسة غير رسمية مع أعضاء مجلس الأمن بعيداً من الأضواء والغوغائية. كان لافتاً ما قاله أثناء جلسة التعارف عن سورية، وفق ما نقل عنه أحد السفراء الذين حضروا الجلسة. قال لهم بكل عفوية وصدق أن سورية كانت وراء سعيه وراء منصب الأمين العام لأن نزيفها مؤلم يجب أن يتوقف. دلالة هذا الكلام كافية. ومن المفيد للاستراتيجية العربية أن تبني على هذه الإشارة بفاعلية.

الحياة

 

 

 

استراتيجية ترامب في سورية كارثية… وتنقذ إيران من الهزيمة/ شارلز ليستر

في الأسبوع الماضي، فسر دونالد ترامب، الرئيس الأميركي المنتخب، موقفه من الأزمة السورية، وأعلن عزمه على رفع وتيرة الحرب على داعش ووقف دعم من يقاتل نظام بشار الأسد، قائلاً: «تقاتلون سورية، في وقت تقاتل هي داعش… وروسيا في جبهة واحدة مع سورية، واليوم إيران صارت نافذة بسببنا (الفضل يعود لنا)، وهي تحالفت مع سورية… ونحن ندعم ثوار لا نعرف من هم في قتالهم سورية». والكلام هذا تبسيط لافت لأزمة بالغة التعقيد. وعلى رغم أن لسان حال موقف الرئيس المنتخب هو تدمير داعش، أبرز ما ستؤدي إليه سياساته المزمعة هو القضاء على المعارضة المعتدلة لنظام الأسد وزيادة نفوذ المتطرفين. ولا تقوم قائمة لمسوغاته. والاطلاع على جزء يسير من التاريخ ودروسه يظهر أن نظام الأسد غير مؤهل لمكافحة الإرهاب. فاستخبارات هذا النظام أنشأت إنشاء منهجياً «القاعدة» في العراق، وبعدها «الدولة الإسلامية في العراق» لتتحولان إلى قوة إرهابية هائلة تقاتل القوات الأميركية بين 2003 و2010. ومئات الجنود الأميركيين كانوا ليكونوا بيننا اليوم، لو لم يدعم الأسد أسلاف داعش.

واقتراح ترامب شراكة مع روسيا في «تدمير» داعش لا سند له. فالحملة الروسية لا تشغلها المجموعات الجهادية. و8 في المئة فحسب من المناطق التي استهدفتها الغارات الروسية بين 12 تشرين الأول (أكتوبر) و8 تشرين الثاني (نوفمبر) هي تحت سيطرة داعش. وفيما خلا استعادة تدمر من «الجهاديين» خلال هدنة فرضها المجتمع الدولي- انصرف الكرملين إلى قتال المعارضة، وليس داعش. وشطر راجح من هجماته استهدف معارضين لهم صلة بالولايات المتحدة.

وعلى خلاف زعم ترامب، تعرف واشنطن حق المعرفة من هم «أولئك» الذين تدعمهم في سورية. فوكالة الاستخبارات المركزية أرست شبكة علاقات معقدة مع عشرات مقاتلي «الجيش السوري الحر» منذ نهاية 2012. واليوم، تدعم، من طريق برنامج اسمه «تيمبر سيكامور»، 80 مجموعة سورية بالتنسيق مع حلفاء دوليين وإقليميين. وأرست الولايات المتحدة آلية ضبط الدعم الدولي للمعارضة السورية، وقيدت خطر وصول أسلحة المعارضة ومقاتليها إلى داعش. وعلى خلاف قول شائع، لا يسلم مقاتلو هذه المجموعات، وهم «مدقق» في أمرهم، الأسلحة الأميركية إلى «الجهاديين» ولا يلتحقون بصفوفهم. وركن مساعي الـ «سي آي أي» هو مد المجموعات المعارضة بصواريخ موجهة مضادة للدبابات، «بي جي أم-71 تاو». وهذا الإمداد ساهم في بقاء المعارضة المعتدلة عنصراً وازناً في النزاع. وبحسب معلومات منشورة، أرسل، على الأقل، 1073 صاروخاً إلى سورية واستخدمت الصواريخ هذه في القتال. وعدد الصواريخ التي وصلت إلى أيدي مجموعات «لم يدقق بأمرها» يقتصر على 12 صاروخاً، أي 1.1 في المئة من الصواريخ. ولم تهزم مجموعات مرتبطة بـ «القاعدة» غير مجموعتين من المجموعات «المدقق في أمرها».

ويبدو أن ترامب عاقد العزم على مكافحة أعراض الأزمة – أي الإرهاب- وترسيخ سببها الأول: ديكتاتورية الأسد ورفضها التفاوض. وعلى رغم أن المعارضة السورية المعتدلة ليست كاملة الأوصاف، يقوض سحب الدعم الأميركي والمشروعية الدولية المصالح الأميركية في سورية.

تعزيز قبضة «القاعدة»

المجموعات المتحدرة من «القاعدة» أعدت العدة لقطف ثمار تقليص الدعم الأميركي للمعارضة المعتدلة. فـ «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً) أمضت أكثر من 4 سنوات وهي تزرع نفسها في تربة الثورة السورية وهي تقدم نفسها للمعارضة والمدنيين على أنها شريكة حركتهم الوطنية ومن حماتها. ومنذ بروزها في كانون الثاني (يناير) 2012، تصر «جبهة فتح الشام» على أن الولايات المتحدة لن تنقلب على الأسد وأن السنّة السوريين المسلمين هم ضحايا مؤامرة دولية ترمي إلى استتباع حكم الأقلية لهم. ولتعاسة الأمور، كثير من التطورات (مثل إفلات نظام الأسد من العقاب إثر الهجوم بغاز السارين في آب (أغسطس) 2013، وتدخل روسيا لإنقاذ الأسد في نهاية 2015) تحمل السوريين على تصديق هذه السردية. وثمة حسبان شائع أن واشنطن لا تأبه بمعاناة السوريين. والرأي هذا حمل عناصر من المعارضة السورية على اعتبار أن «القاعدة» ترغب في حمايتهم وأنها تحمي مصالحهم أكثر من أميركا، قائدة «العالم الحر» المزعومة. واقتراحات ترامب السياسية تساهم في انزلاق سورية إلى أسوأ مما كانت عليه أفغانستان قبل هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وهذا المآل يقلق كل من يهتم بالأمن الدولي. فسورية قريبة من أوروبا.

لقوى الإقليمية

ويقوض سحب أميركا دعمها للمعارضة السورية أمن الحلفاء الأوروبيين ويغضب الشركاء الإقليميين الذين سعوا إلى تسليح المعارضة السورية المسلحة منذ أول أيامها. والدعم هذا، كان غير منظم وفوضوي. وفي 2011 و2012، ساهم في إخفاق الجيش الحر في الاندماج تحت راية موحدة. وساهم الدعم الأميركي في تنظيم المعارضة المسلحة. فمنذ نهاية 2012، شاركت الولايات المتحدة في غرف العمليات في تركيا والأردن، وكان لها دور بارز في ضبط تدفق العتاد العسكري والتمويل.

وإثر تغيير «جبهة النصرة» اسمها إلى «جبهة فتح الشام»، قد تدعمها دول إقليمية يائسة من مآل الأمور، إثر سحب الدعم الأميركي. وقد ترى دول إقليمية أن انتهاك الحظر الأميركي على مد وكلائها في سورية بأسلحة مضادة للطيران مثل «MANPADS»، مسوغ. وتدفق مثل هذه الأسلحة بدأ، إثر اعتبار أن أميركا لا تستعمل قوتها في الحؤول دون هجمات عنيفة على شرق حلب المحاصر.

فرصة جديدة لداعش

ويهدد تحالف أميركي- روسي إمساك داعش بالأرض في سورية، في الأمد القصير. ولكن مثل هذه الشراكة تنفخ في البروباغندا الداعشية في الأمد الطويل. فـ «الدولة الإسلامية» تعافت في العراق بين 2010 و2014 على وقع النقمة السنّية مما ترى أنه قيادة مذهبية في بغداد والحرب الأهلية في سورية المجاورة. وانبعاثها المستقبلي سيعود إلى غضب السنّة من عنف الهجوم الأميركي – الروسي على سكان إقليم داعش في 2017.

تقوية إيران

وترامب هو معارض شرس للاتفاق النووي الإيراني، لذا، يقع وقع المفاجأة أن يقترح سياسات في سورية تنقذ إيران من هزيمة إقليمية وتقوي قبضة نفوذها. وطوال سنوات قبل الربيع العربي، كانت سورية في مثابة «صمغ» يشد أواصر دوائر نفوذ إيران- من طهران إلى بغداد إلى دمشق وصولاً إلى بيروت. ودور النظام الإيراني في حماية نظام الأسد يفوق الدور الروسي في ميدان المعارك. فهزيمة الأسد في سورية تفكك امبراطورية إيران الإقليمية، وتخلف فجوة عميقة في قلبها، وتهدد «حزب الله»، وهو منظمة إرهابية صارت قواته المسلحة معترف بها في دولة – أمة.

روسيا

أعلن ترامب أن فلادمير بوتين رجل «عظيم» يبادر إلى خطوات عظيمة لتحسين صورة بلاده. ولكن الكلام هذا يغفل أن بوتين يسعى إلى بروز بلاده على حساب القوة الأميركية ونفوذها، وليس من طريق الشراكة مع واشنطن. وحسبان ترامب أن مواجهة الأسد تقوض مساعي مكافحة داعش، في غير محله. فالتحالف الأميركي – الروسي سيحمل المعارضة السورية على استنتاج أن شركاءها في المفاوضات ينتظرون منها الاستسلام والصدوع بـ «فوز» الأسد. ومثل هذه الشراكة تفضي إلى تواطؤ أميركي يطلق يد الأسد وروسيا وإيران و «حزب بالله» والميليشيات الحليفة في معاملة المعارضة السورية كلها على أنها صنو داعش، ويشجع على ارتكاب مزيد من جرائم الحرب. فتتعاظم العدائية الروسية في سورية والعالم، على خلاف المصالح الأميركية.

أزمة اللاجئين

ما تقدم كله يفاقم أزمة اللاجئين، فتتعذر عودة شطر راجح من 5 ملايين السوريين إلى بيوتهم. ويبقى ربع سكان سورية ما قبل الحرب خارجها. وتترك دول الجوار لمصيرها في تحمل أعباء تفوق قدراتها في تأمين مسكن لهم، في وقت يسعى كثر من اللاجئين إلى بلوغ أوروبا. فتنفخ أعدادهم الكبيرة في شعبية الحركات اليمينية الشعبوية المتطرفة، فتتعاظم الاضطرابات، وتسنح الفرص أمام الإرهابيين والحكومات العدائية. وقد يأمل الرئيس المنتخب في تقليص الالتزامات المالية والعسكرية الأميركية في الخارج، ولكن مثل هذه التطورات يفاقم أعباء الولايات المتحدة.

* باحث، عن «فورين بوليسي» الأميركي، 17/11/2016، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

آن الأوان لأوروبا أن توجّه دفّة الغرب/ ديرك كوربجوفيت

في كانون الثاني (يناير) 2017، حين يحلف دونالد ترامب القسم رئيساً للولايات المتحدة، يُحتفى بمئة عام على العصر الأميركي ويُؤبن العصر هذا في آن. فالغرب برز في شكله المعاصر في كانون الثاني 1917، في وقت كانت الحرب الأولى تعصف بأوروبا. وحينها أعلن الرئيس الأميركي، وودرو ويلسون أن أوان تحمل أميركا مسؤولية «السلام والعدالة»، آن. وقال في نيسان (أبريل): «يجب أن يكون العالم آمناً أمام الديموقراطية». فأعلن الحرب على ألمانيا وأرسل جنوداً إلى أوروبا لترجيح كفة الديموقراطيات الغربية. ومذ ذاك انبرت الولايات المتحدة لريادة العالم الحر. وكانت أولى مراحل العولمة السياسية. وبعد مئة عام، انتخب ترامب الذي لا يريد أي صلة بالعولمة؛ وهو داعية القومية الأميركية والانعزالية والانسحاب الجزئي من التجارة العالمية والتنصل من مسؤولية المشكلات المعولمة مثل التغير المناخي. وهو انتخب إثر حملة انتخابية شابتها النقمة والعنصرية والتحريض.

ولا شك في أن الكرامة الإنسانية هي ركن المشروع الغربي. وإثر الثورات في فرنسا والولايات المتحدة في آخر القرن الثامن عشر، بادرت الدول للمرة الأولى في التاريخ إلى حماية حقوق الإنسان وضمانها. وحقوق الإنسان لها وجه معياري. ولا يسع العنصري أن يجسد مشروعاً معيارياً. فترامب لا يملك حس الكرامة أو الإجلال، سواء كانت كرامته أو كرامة الآخرين.

والغرب اليوم يواجه الفراغ والخوف. فما مصير الغرب اليوم؟ وما مآل الغرب وأوروبا وألمانيا من غير الولايات المتحدة في الصدارة؟ وألمانيا هي ابنة الغرب، والولايات المتحدة تحديداً. فهي أبصرت النور في تربة الكرم الأميركي وهي ربيبة أميركا، وتشعر، اليوم، بالصدمة. فالرئيس الأميركي كان على الدوام رئيس بلاده وبلادنا. واليوم، تمس الحاجة إلى جبه غياب القيادة الغربية. وتحت راية القيادة الأميركية، أفلحت الديموقراطيات في هزيمة الامبراطوريتين الألمانية والنمسوية – المجرية في الحرب العالمية الأولى. وفي الحرب العالمية الثانية، قضت الديموقراطيات على أنظمة فاشية في ألمانيا الرايخ وإيطاليا. وفي الحرب الباردة، قطعت الأنظمة هذه الهواء عن الاتحاد السوفياتي الشيوعي فانهار. وفي مطلع التسعينات، كان جلياً من الفائز في التاريخ: الغرب. ومصدر قوته هو الحرية. وبدا أن اقتصاد السوق يسمو على الأشكال الاقتصادية التي تتحكم بها الدولة. ووسع الغرب الفوز في الحروب وسباقات التسلح.

والخوف من خسارة الحرية كان راجحاً رجحاناً حمل المجتمعات الغربية على شد أواصرها. والتسعينات كانت أسعد أوقات الغرب. فالديموقراطيات ازدهرت، وبدا أن الخوف على حريتنا تبدد، بعد أفول من يهددها. وهذه المرحلة انتهت في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. فمارقون إسلاميون هاجموا عاصمة الحرية، نيويورك والبنتاغون في واشنطن. ومذ ذاك كرت سبحة الإرهاب. واليوم، الخوف هو سيد الغرب. ولكنه ليس خوفاً من الإرهاب فحسب، وليس خوفاً على الحرية، ولكن خوف منها. والخوف هذا عبد الطريق أمام دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. فالغرب يتمتع بالحرية ويخشاها، يذود عنها ويحاربها في آن. والخوف من الحرية يجلو على أشكال مختلفة. والخوف من حرية المرء وثيق الصلة بخشية حرية الآخرين. فالآخرون هم الجحيم، على قول الوجودي جان – بول سارتر. وفي الإمكان القول الآخرون هم الجحيم إذا كانوا أحراراً ويسعهم عبور الحدود والاستقرار في أمكنة جديدة، والكفاح من أجل المساواة في الحقوق: حقوق النساء والمثليين وغير البيض. والرجال البيض، والمسنون منهم تحديداً، هم من حملوا ترامب إلى الرئاسة. وكان من الخطأ ترك هؤلاء الرجال والنساء اللواتي يفكرن مثلهم، لمخاوفهم ومخاوفهن. فالخوف حين يعس طويلاً، يولّد الغضب من مَن يتهمون بالوقوف موقف المتفرج من مخاوفهم، أي الـ «ايستابليشمنت» (المناصب والمؤسسات). والإنترنت صار منبر الغضب هذا، فبلغ جمهوراً عريضاً، وأعلى صوت الأكثر خوفاً وغضباً. وحين نصب دونالد ترامب نفسه في صدارة حركة الغضب هذه، وسعه بلوغ الرئاسة. وينتظر اليوم أن يحد الحريات، ومنها التجارة الحرة والهجرة. وشطر كبير من الأميركيين، والأقليات خصوصاً، يخشون على حريتهم. ومصدر الخطر اليوم داخلي.

وحبكة الدراما اليوم مفادها: أبرز سمة في الغرب، وهي الحرية، صارت اليوم مرادف الخطر. وهذه أزمة جوهرية أو أسسية. وهي بلغت الديموقراطيات الأوروبية، وتتفشى عدوى الغضب والخوف من الهجرة والعولمة والتجارة الحرة. ويبدو أن خوف الأميركيين من اتفاق التجارة العابر للأطلسي يفوق خوف الأوروبيين. وفي غرب أوروبا، لم يفلح الغاضبون والخائفون بَعد في حمل واحد من ممثليهم إلى سدة الرئاسة أو رئاسة الوزراء، وقد ينتخب مثل هذا الممثل في النمسا رئيساً في مطلع كانون الأول (ديسمبر).

وإذا التزم دونالد ترامب ما قاله في الحملة الانتخابية، تنازلت أرض الأحرار عن دورها في قيادة العالم الحر. وحينها، يحين دور أوروبا في القيادة. وحري بالقارة الأوروبية أن تقاوم الشعبوية من طريق مقاربة المخاوف مقاربة جادة واحتساب أسبابها، وجبه الغضب، ولكن من غير تقييد الحريات. وقد تحمل صدمة ترامب أوروبا على ترجيح كفة الاتحاد الأوروبي. ويدعو إلى الأسف أن أوروبا مترهلة منذ عقود. والبريطانيون يغادرون الاتحاد الأوروبي جراء الخوف من حرية الآخرين، أي من حرية أولئك في الاستقرار في بريطانيا العظمى. وكثير من الدول يسلط الضوء على مسائل الخلاف وليس على مسائل الاتحاد. والدول الأوروبية تبتعد عن بعضها عوض الاتحاد. وكان في إمكانها، إلى وقت قريب، تكبد كلفة التباعد. فطوال قرن من الزمن، كانت أميركا هي حامية الغرب وقائدته، ووسع حلفائها الاستكانة إلى الراحة والتمتع بترف تأييد الفكرة الأوروبية تأييداً فاتراً. فالأميركيون كانوا هم الحماة. وكان كل بلد أوروبي يشبك علاقات ثنائية خاصة مع أميركا. واليوم، أوروبا مضطرة إلى ضمان أمنها من فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وداعش في الجوار الأوروبي.

وقادة الغرب، فيما خلا أميركا، يجبهون اليوم تحديات كبيرة. ومثل هذه التحديات تنتظر المستشارة الألمانية أنغيلا مركل. فهي ممثلة بلد قوي، والتزاماتها الأخلاقية قوية، على نحو ما ثبت في أزمة المهاجرين. وليست مركل وولدرو ويلسون، ولا حاجة لها بأن تكون هو، ولكن في وسعها أن تكون قائدة أوروبا وموجهة دفتها.

* عن «شبيغل أونلاين» الألمانية، 14/11/2016، إعداد منال نحاس.

الحياة

 

 

 

 

تشدد مع إيران وملامح مرونة مع روسيا أي سوريا بعد تسلم دونالد ترامب مهماته؟/ روزانا بومنصف

التقى الرئيس الاميركي باراك اوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين على نحو غير رسمي لمدة اربع دقائق على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا المحيط الهادئ في البيرو في آخر زيارة للخارج يقوم بها اوباما الذي سعى خلالها الى طمأنة الحلفاء الى سياسة الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الاميركية داعيا الى اعطاء الاخير فرصة في رئاسته. وذكر مصدر في البيت الابيض انه تم البحث في موضوعي سوريا واوكرانيا في هذا اللقاء الخاطف على نحو لا يعطي من حيث المبدأ اي ملمح ايجابي انطلاقا من تساؤل هو كيف يمكن بحث موضوعين شائكين في اربع دقائق وماذا قيل خلالها او ايضا ما الذي استحوذ على الدقائق كلها سوريا او اوكرانيا علما ان ذلك يعني ان اوباما ترك لخلفه هذه الملفات العالقة وراءه ومهمة التصدي لروسيا مبدئيا في هذين الملفين في ظل تساؤل آخر ما الذي ستتركه الولايات المتحدة لروسيا في نهاية الامر اوكرانيا او سوريا او الاثنتين معا . لكن اذا كانت بعض التعيينات الاولية التي اجراها الرئيس الاميركي المنتخب ترامب شكلت مؤشرات مبدئية حول المنهج السياسي الذي سيعتمده لا سيما في االدلالات التي اوحت بالتشدد تجاه ايران، فان الوجه الآخر لرصد طبيعة هذه التعيينات ارتبط في شكل اساسي بالمقاربة التي سيعتمدها ازاء روسيا ايضا او في الدرجة الاولى بالاحرى. وقياسا على اسماء من شملتهم التعيينات لا سيما مستشاره لشؤون الامن القومي مايكل فلين فان النصائح التي وجهها الرئيس الاميركي الذي يغادر الرئاسة باراك اوباما ازاء عدم التهاون مع روسيا قد لا تجد آذانا صاغية كليا . فالمؤشر الثاني الذي تلمسه المتابعون الى جانب تعيين فلين كان التمديد سنة للجنة التحقيق في استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا . فهذا التمديد تم الاسبوع الماضي لمدة سنة اضافية بعدما كانت انتهت مهلة عمل اللجنة في اواخر تشرين الاول لكن الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا في الموضوع السوري خصوصا بعد فشل الاتفاق الذي عقده كل من وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في ١٠ ايلول الماضي عرقل التفاهم بين الجانبين على تمديد عمل لجنة التحقيق خصوصا انها كانت توصلت الى خلاصات تفيد باستخدام النظام السوري غاز الخردل ضد شعبه ثلاث مرات في مقابل استخدام تنظيم الدولة الاسلامية هذا الغاز مرة واحدة. روسيا لم تقبل مرة باتهام النظام واستخدمت الفيتو خمس مرات من اجل منع ادانته وهي سعت الى ادخال تعديلات على مهمة اللجنة بالاتفاق مع الاميركيين علما ان هذا التفاهم كان متعذرا في الآونة الاخيرة رغبة من روسيا في عدم بيع اوباما اي مكسب ولو جزئي لرئاسة راحلة وانتظار انجاز هذا الامر مع رئاسة جديدة تبين انها ملائمة اكثر حتى الان بالنسبة الى روسيا التي كان رئيسها فلاديمير بوتين لا يحبذ وصول هيلاري كلينتون الى الرئاسة الاميركية . وبعدما تم التمديد للجنة التحقيق لاسبوعين فقط في اواخر تشرين الاول اي حتى منتصف الشهر الحالي توصل الجانبان الاميركي والروسي خارج مجلس الامن الى تفاهم ابدى عبره الجانب الاميركي مرونة في صياغة تعطي مجالا من اجل التعاون مع الحكومات في تقرير استخدام تنظيمات ارهابية اسلحة كيميائية. وليست المرونة الاميركية هي المؤشر على احتمال مقاربة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة انطلاقا من ان اي قرار يحتاج مجلس الامن الى اقراره بموافقة اعضائه انما يستلزم صياغات تأخذ في الاعتبار مصالح واعتبارات الدول المعنية على ما حصل في قرار التمديد للجنة التحقيق في الاسلحة الكيميائية . لكن المغزى هو في التوقيت والرسالة التي يمكن ان يوجهها التفاهم حول هذا الموضوع بعد تشنج كبير بين الولايات المتحدة وروسيا انعكس توترا بين البلدين على خلفية ازمة سوريا ويقول البعض ان الادارة الاميركية لا تزال حتى مطلع السنة ادارة الرئيس الحالي باراك اوباما لكن عناصر جديدة دخلت على الخط عبر الانتخابات الرئاسية التي ادت الى فوز دونالد ترامب ومن مصلحة روسيا ابداء القدرة على التفاهم مع ادارة جديدة تبادلت معها حتى الان عبارات المجاملة والود فيما كان الرئيس المنتخب يظهر انفتاحا على علاقات اكثر حرارة مما كانت بين سلفه وبوتين.

وفي ظل رد فعل ابدته ادارة اوباما على القصف الذي استهدف حلب في الايام الاخيرة محذرة دمشق وموسكو من عواقب مثل هذه الاعمال اي ما سمته سوزان رايس مستشارة الامن القومي بالقصف الشائن فانه غدا واضحا ان هذا الموقف لا يقدم ولا يؤخر . هو لم يفعل في وقت سابق ولن يكون له اي مفاعيل بالتزامن مع رفض النظام على لسان وزير خارجيته خطة لشرق حلب عرضها عليه المنسق الدولي لسوريا ستيفان دو مستورا مستقويا كما في السابق ولكن اكثر من اي وقت مضى باستمراره القسري في السلطة بدعم حلفائه وبوقت اميركي ضائع علما ان امال النظام كبرت بانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة. لكن المؤشرات المذكورة ليست كافية ولن تكون كذلك حتى انطلاق رئاسة الرئيس الاميركي المنتخب. والاسئلة حول طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في عهده ليست محور اهتمام كبير فحسب بل محور تجاذب ايضا خصوصا مع الحلفاء الاوروبيين وسواهم كما في داخل الولايات المتحدة على الارجح خصوصا في حال لم يشأ ترامب الاستفادة من الفرصة التي يمكن ان يمنحها له الاخرون كما طالب اوباما من اجله .

النهار

 

 

 

هل يفاجئنا ترامب في سورية؟/ سمير صالحة

لم يعلن بعد الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بوضوح، أسس سياسته وطريقة عمله مع ملف الأزمة السورية، لكن رسائله في هذا الخصوص، إذا ما التزم بتنفيذها، تعني أنه سيطلق يد روسيا وإيران أكثر في تحديد مسار التفاهمات والتوازنات ورسم خريطة سورية الجديدة.

حذرنا ترامب، أولاً، من أن فتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين سيزداد صعوبةً، إذا لم نتوقف مطولاً عند إعلانه رغبته “في إعادة الأقوياء منهم الذين قبلتهم الولايات المتحدة في أراضيها، فهناك احتمال أن يكونوا جيشا من إرهابيين، انتحلوا شخصيات لاجئين”. وتبنى قبل الجلوس على مقعد الرئاسة فكرة أن تحالفاً أميركياً مع روسيا والنظام في سورية فرصة لهزيمة تنظيم الدولة، وهي السياسة التي يفضلها للتعامل مع الأزمة السورية. ثم قال إنه لا يحب بشار الأسد مطلقا، لكن تعزيز نظامه هو الطريق الأفضل للقضاء على التطرّف الذي ازدهر في فوضى الحرب الأهلية. “الأسد بالنسبة لي يأتي في الأولوية بعد تنظيم داعش”.

يبدو أن واشنطن تريدنا أن نتغاضى، ونتعاون معها في الجمع بين مشروعية التدريب والتسليح والتنسيق الذي تنفذه مع الوحدات الكردية في سورية وقانونية وجود قوات حزب الله اللبناني على جبهات القتال هناك، على الرغم من تعارضها مع شعار النأي بالنفس اللبناني. وأخيراً، أن نتجاهل رغبة الحشد الشعبي العراقي الالتحاق بقوات النظام في سورية، من دون سماع رأي الحكومة المركزية في بغداد.

تريد واشنطن محاربة تنظيم داعش، ومنح الوحدات الكردية السورية التابعة لحزب صالح مسلم (الاتحاد الديمقراطي) دوراً أكبر في الملف السوري، ولا تريد تقديم السلاح النوعي لقوى المعارضة، مخافة أن يقع بيد جيش الفتح والمتشددين، وهي تحاول أن توازن مواقفها من خلال طمأنة الثوار أنها ستعرقل خطط تقديم العون العسكري للنظام. لو كانت واشنطن تريد أن تخدم حقاً لكانت فعلت أبسط ما في مقدورها، وهو إنهاء مشاركة حزب الله ووجوده العسكري في سورية، بالتنسيق مع السلطات الرسمية اللبنانية. هي لم تفعل ذلك، ليس بسبب عجزها، بل بسبب عدم رغبتها في قطع الطريق على هذا الوجود الذي يخدم أهدافها هناك. وها هي الآن تتابع عن قرب إعلان “الحشد الشعبي” رغبته في التوجه إلى سورية لدعم النظام، فهل هو

“مسؤولية الائتلاف الوطني السوري المعارض والجيش السوري الحر، بعد الآن، أن يزيدا من حجم التنسيق والاستعداد لجولاتٍ أصعب في المواجهة مع النظام وحلفائه” مشروع أميركي آخر لتعقيد المشهد السوري، وتعطيل التقارب والتنسيق التركي الروسي هناك؟

لم تعرقل واشنطن الخطط التركية في التعامل مع ملف الأزمة السورية فقط، بل كانت، أيضاً، تحولها أوراق مساومة، تناور بها مع موسكو وإيران ضد شريكها التركي. هي التي وعدت بدعم مشروع تدريب وحدات في المعارضة السورية المعتدلة وتجهيزها، وفتح الطريق أمامها، وتخلت عن كثير من تعهداتها، وربما هذا ما دفع أنقرة إلى تغيير سياستها، وطريقة تعاملها مع الملف السوري، وتحركها باتجاه الدخول في المواجهة العسكرية المباشرة مع تنظيم داعش، وطرده من شمال سورية، في إطار خطة تنسيق واضحة المعالم مع موسكو لقطع الطريق على المناورات الأميركية ضدها هناك. ويعد قرار فرض العقوبات على مزودي النظام السوري بالسلاح رسالة أميركية لروسيا وإيران باتجاه تعقيد الملفات، وإطلاق يدهما أكثر لا غير .

ما الذي يعنيه كل هذا التجييش والحشد العسكري التركي على الحدود مع سورية والعراق، لو لم تكن أنقرة تريد توجيه رسائل مباشرة لإدارة أوباما، قبل غيرها، أن الرهان على مواقف الحليف المفترض لم تعد سياسةً مغرية لأنقرة، وأن لا أحد يحكّ جلدك مثل ظفرك.

إما أن نكون موحدين وأقوياء في حوارنا مع ترامب في الأسابيع المقبلة، ونضع أمامه جردة الربح والخسارة الأميركية، ونقنعه بها، أو أن نتخلى عن خيار النزول إلى البئر بالحبل الأميركي، والبحث عن بدائل إقليمية أخرى، كما فعلت تركيا أخيراً، ما قد يقود واشنطن إلى تغيير مواقفها وأساليبها .. أو أن نقطع مع الإدارة الأميركية، إذا ما تصلبت في دعم الوحدات الكردية في سورية، ولعب ورقة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، بتشجيعه على البقاء في بعشيقة، وفتح الطريق أمام وحدات العمال الكردستاني للانتشار في سنجار، بهدف الرهان على خطة فوضى خلاقة جديدة، لا تملك غيرها من خيارات.

الدخول العسكري التركي إلى شمال سورية هو الذي أبقى الأتراك، في اللحظة الأخيرة، أمام طاولة المساومات الإقليمية، لا بل هو اليوم الذي حول أنقرة إلى لاعب أساسي في توجيه مسار التطورات في شمال سورية نفسها. والزيارات واللقاءات التركية الروسية، السياسية والعسكرية والأمنية على أعلى المستويات، في الأسابيع الأخيرة، وعدم مشاركة الطيران الروسي في قصف حلب، كما تعلن موسكو، تطورات تؤكد وجود خطة تركية روسية تتقدّم على الأرض، وأن واشنطن التي فقدت فرصة المناورة على خط التوتر التركي الروسي بدأت تقدم أوراقاً مغرية للبلدين، بينها قرار الوحدات الكردية مغادرة منبج بذريعة محاربة تنظيم داعش في الرقة، وإعلان المبعوث الخاص لقوات التحالف ضد “داعش”، بريت ماكفورك، أن التنسيق التركي الأميركي مستمر في معركة الرقة. وكشف رئيس الأركان الأميركي، جوزف دانفورد، عن أجزاء مهمة من ورقة التفاهم بين أنقرة وواشنطن، في معركتي الموصل والرقة. ما لا نعرفه بعد هو ما إذا كانت الخطة التركية هي فتح الطريق أمام الجيش السوري الحر للاقتراب من الرقة، وأخذها من “داعش”، أم إن إيصاله إلى مدينة الباب هو أكثر ما يمكن أن تقدمه تركيا لنفسها، ولقوى المعارضة، في إطار خطة بناء “المدينة الآمنة”؟

“لم تعرقل واشنطن الخطط التركية في التعامل مع ملف الأزمة السورية فقط، بل كانت، أيضاً، تحولها أوراق مساومة، تناور بها مع موسكو وإيران ضد شريكها التركي”

ما هو نوع التفاهم التركي الروسي بين الرئيسين، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، وبين القيادات العسكرية العليا في البلدين التي بدأت عملية تنسيق وتبادل معلومات عسكرية وأمنية واسعة؟ حصلت تركيا على كثير مما تريده في شمال سورية، لكننا لا نعرف ما إذا كانت نقطة النهاية هي مدينة الباب ومشروع المنطقة الآمنة، أم هي البداية لخطة سياسية عسكرية أوسع أعدت بين أنقرة وموسكو، ووجدت واشنطن نفسها ملزمةً بدعمها؟

بقي أن نرفع معنويات الرئيس الأميركي بعض الشيء، ونقول إن الموقف الأميركي في سورية لا بد أن يرتبط مباشرة بملفات ومواقف أميركية إقليمية عديدة، متداخلة مع الملف السوري، وهي أبعد جداً من مسألة خيار أولوية ترامب بين الحرب على تنظيم داعش أو على النظام في سورية. ونحن ما زلنا لا نعرف تماماً ما الذي سيقوله ترامب للإيرانيين، بعد دخوله هو وفريق عمله البيت الأبيض. وهل ستقبل موسكو أن يصعّد ترامب ضد طهران في موضوع الملف النووي، ضاربا بعرض الحائط بنود اتفاقية التفاهم المعلن بين الغرب وإيران؟

تريد موسكو تحديد حصتها في سورية، وتضع أسس حمايتها، وتركيزها هناك في بناء منطقة آمنة مشابهة للمنطقة التركية في محيط حلب واللاذقية. تريد أن تعيد بناء المدينة على طريقتها هي، كما فعلت في الشيشان وقرقزستان والقرم، وتضمن توازنات حديقتها الخلفية هناك، التي ستوصلها إلى شرق المتوسط. وهذا ما تحاول إقناع أنقرة به من خلال دعمها في تعطيل مشروع الكيان الكردي الأميركي في المنطقة نفسها، فهل يطرح ترامب مشروعاً خدماتياً بديلاً، أم أنه سيوقع لموسكو على ما تريد في إطار رسم خريطة تقسيم جديدة لسورية تقبل واشنطن وحلفاؤها الأكراد فيها بالتمدّد في شرق الفرات، ويحفظ كل طرف مصالحه في التفاهم الجديد؟

احتمال آخر لا نناقشه كثيراً في تركيا، وهو إما أن أنقرة لا ترى المصيدة المعدّة لها في حلب، عبر تفاهم أميركي روسي إيراني لإسقاطها في المستنقع هناك، عبر استدراجها إلى مدينة الباب، أو أن سيناريو التفاهم التركي الروسي على إخراج مجموعات “فتح الشام” من حلب هو الذي سيشكل مقدمةً لخطة حل جديدة في سورية، تبدأ وتنطلق من الشمال، وضعت تفاصيلها على خط أنقرة موسكو؟

مسؤولية الائتلاف الوطني السوري المعارض والجيش السوري الحر، بعد الآن، أن يزيدا من حجم التنسيق والاستعداد لجولاتٍ أصعب في المواجهة مع النظام وحلفائه، من دون أن نغفل احتمال إقدام الإدارة الأميركية الجديدة على لعب أوراق محلية وإقليمية كثيرة ضدهما. توحيد صفوف قوى المعارضة، سياسياً وعسكرياً، ورفع مستوى الجهوزية، واستغلال الفرص التي تملكها في تحالفاتها مع قوى عربية وإقليمية وغربية، ورفع صوتها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتفعيل خطة المنطقة الآمنة في شمال سورية، والتصدّي لمشروع حزب الاتحاد الديمقراطي، الكردي التقسيمي، وبين ما يمكن فعله على المدى القصير، مصير حلب هو النقطة العالقة الوحيدة في المشروع.

العربي الجديد

 

 

 

 

من البغدادي إلى ترامب/ الياس خوري

تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) يُهزم عسكرياً في العراق، لكنه ينتصر في كل مكان. من واشنطن حيث تأتي تعيينات ترامب لمعاونيه لتأكيد المؤكد عن عنصرية الادارة الامريكية الجديدة، وفرنسا فرنسوا فيون، إلى القصير حيث استعرض حزب الله دباباته في وسط البلدة التي هَجَّر سكانها إلى لبنان، مروراً بتركيا الاردوغانية، وايران الملالي، ولبنان الذي يبني جداراً للفصل في مخيم عين الحلوة، وصولاً إلى الجنون الاسرائيلي الذي يريد منع رفع الأذان في القدس وبقية مناطق داخل الداخل الفلسطيني، ويفرح بعصبة اللاساميين المحيطة بالرئيس الامريكي المنتخب، معلناً أن اللاسامية والصهيونية وجهان للعملة نفسها.

هذا العالم الجديد الذي يتدحرج إلى هاوية الشعبوية الفاشية بدأ ذات يوم في الولايات المتحدة، حين تفتقت عبقرية زبغنيو بريجينسكي، الذي كان مستشار الأمن القومي للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عن امكانية اغراق الاتحاد السوفياتي واستنزافه في افغانستان بالتحالف مع السعوديين وباكستان، يومها ولدت حركة المجاهدين الأفغان، التي خرج منها الطالبان والقاعدة، ومن رحم القاعدة خرجت دولة البغدادي…

هل كان المهاجر البولوني، واستاذ العلوم السياسية، يعرف أن اللعب بالدين والعنصرية، سوف يقود العالم إلى هذا المنزلق الرهيب؟ أم أنه كان يعتقد بأن ذكاء الرجل الأبيض وتفوقه سوف يجعل من الشعوب وعقائدها دمى في لعبته؟

وعندما سئل بريجنسكي عما اذا كان نادماً على لعبته الأفغانية، في حوار مع شبكة سي. ان ان. ارتسمت على شفتيه ابتسامة ذكاء، وأجاب أن اسقاط الاتحاد السوفياتي كان الهدف الذي نجح في الوصول إليه، وهو هدف يستحق هذه اللعبة.

ذكاء بريجنسكي تحوّل إلى بلاهة في 11 أيلول/سبتمبر، عندما ضربت القاعدة في نيويورك وواشنطن، وابتداء من تلك اللحظة أصيب الغرب الأمريكي بالعماء، من غزو أفغانستان إلى احتلال العراق، وانفتح الجحيم الأصولي على مصراعيه، في الصراع الوحشي بين الأصوليتين السنية والشيعية في المشرق العربي، وبدأت اللغة الشعبوية العنصرية تحتل الغرب، وارتفع نجم بوتين، ديكتاتور الديمقراطية الروسية، الذي يحلم باستعادة أمجاد القياصرة على خراب سورية وجثث ابناء شعبها.

حين حقق المليونير الامريكي مفاجأة الفوز في الانتخابات الرئاسية، بدأ الانقلاب العالمي يتخذ شكله الملموس، على ايدي مجموعة العنصريين التي تحيط بترامب، والتي تستعد للدخول إلى البيت الأبيض.

لقد انقلبت اللعبة على صانعيها، هذا هو لؤم التاريخ و»كلبيته»، فالذي أشعل الحرائق بذكاء مصنوع من الجهل والغباء، قذف العالم إلى جنون الإسلاموفوبيا، التي سرعان ما اتخذت شكل عنصرية فالتة من عقالها، لأنها تمفصلت على الأزمة الاقتصادية، وعلى ايقاعات عولمة تخلخل البنى التقليدية القائمة، وفي حمى انفلات الرأسمالية المتوحشة، وهو اليوم يدفع الثمن.

الترامبية هي الترجمة الملموسة لانتصار المجاهدين الأفغان، وورثائهم على المستوى العالمي، من خطاب الجبهة الوطنية الفرنسية الذي بات سيد خطاب اليمين التقليدي الفرنسي، إلى ترامب وجماعته، الذين يعيدون امريكا إلى ما قبل حركة الحقوق المدنية، ويفرضون خطاباً أبيض يسعى إلى تأجيج العنصرية بأشكالها المتعددة، إلى انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إلى آخره…

الخليفة البغدادي ليس صانع هذه اللحظة التاريخية، بل هو أحد نتائجها، ومن الغباء الافتراض بأن المشرق العربي الذي يتفكك اليوم ويتشظّى يقود العالم إلى هاويته. كل ما في الأمر، هو أن السحر الذي صنعوه في حمّى الحرب الباردة، أطلق في بلادنا العنان لأصوليات كانت موجودة على الهامش، فانتقلت إلى المتن، لتلتقي بالأصولية الايرانية التي نجحت في الاستيلاء على الثورة الشعبية ضد ديكتاتورية الشاه.

من جهة أخرى، صار طابخ السم آكله، كما تقول العرب، فالغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، على وشك أن يصير بلا قيادة، بعد فوز ترامب، كأن خطاب الثورتين الأمريكية والفرنسية دخل في سبات عميق، أمام صعود المكبوت العنصري والديني من جديد.

لعبوا بصراع الحضارات، وصنعوا عدواً جديداً هو الاسلام، فاذا بالواقع ينقلب عليهم. فالعنصرية ضد المسلمين تنتقل إلى عنصرية داخلية لا تطاول المسلمين وحدهم بل تشمل كل الأقليات غير البيضاء. كراهية الآخر تنقلب إلى كراهية للذات ودعوة إلى اعادة تشكيلها على أسس عرقية، لن تكون ثمارها إلا فوضى عالمية كبرى، سوف يكون الغرب أول من يدفع اثمانها الباهظة.

واللافت أن اللاسامية تطل برأسها من جديد في الولايات المتحدة، ولكن ليس عبر استبدال اليهود بالمسلمين، انها مسيانية، تتحالف مع اسرائيل ضد اليهود! هذه هي احدى خصائص الترامبية، وهي مسألة تفتح جراحا لم تندمل بعد في المجتمعات الغربية، وتنذر بكوارث في المشرق العربي.

يستحق ابو بكر البغدادي مصيره البائس، فهو ينتصر لحظة هزيمته، شأن لاعبي الاحتياط جميعاً، الذين يلعبون في الوقت الضائع، وعندما ينزل اللاعبون الأساسيون إلى الساحة يفقدون ادوارهم، ويصيرون مجرد متفرجين.

أين بلادنا من هذه اللعبة التي تفرض قواعدها الجديدة على العالم؟

هل نحن مجرد متفرجين على موتنا؟

هل همجية القصف الروسي لحلب، ووحشية التطهير الطائفي في سورية هي نهاية مطاف حلم الحرية والديمقراطية الذي انفجر في العالم العربي مع الثورة التونسية؟

أم أن هذا الألم السوري الفلسطيني اليمني الليبي المصري… سوف يقودنا إلى بناء وعي جديد ينقذ أرواحنا وبلادنا من الخراب؟

القدس العربي

 

 

 

 

ترامب مثل بوتين والأسد لا يرى شعباً في سورية/ عبدالوهاب بدرخان

يتم حالياً اغتيال حلب، بإبادة بطيئة، برعاية على أعلى مستوى: فلاديمير بوتين وباراك أوباما ودونالد ترامب وعلي خامنئي وبنيامين نتانياهو… وبالبثّ المباشر. العرب والأوروبيّون والعالم يقرّون بالعجز والهوان، روسيا ونظام بشار الأسد والإيرانيون في طريقهم الى إنجاز انتصار. عندما باشر الروس حملة التدمير المنهجي قبل شهرَين، لم يتوقّعوا ردود الفعل التي أدانت «جريمة حرب» موصوفة، فحاولوا أولاً التنكّر بـ «شرعية» محاربة الإرهاب، ثم أوحوا بتقاسم المسؤولية مع الأميركيين أو إلقاء اللوم عليهم لأنهم «لم ينجحوا في فصل المعتدلين عن المتشدّدين» في صفوف مقاتلي المعارضة. عندئذ فضّلوا تغيير كامل تكتيكهم، لا لسبب أخلاقي أو إنساني، بل لأن الهجوم البرّي لاقتحام دفاعات المعارضة لم ينجح. وخلال الهدنة التي أعلنوها، ومدّدوها مراراً، لم يكونوا يتوقّعون من المحاصَرين داخل حلب سوى الاستسلام والمغادرة الفورية. لا الروس ولا حلفاؤهم يقبلون بأن يبقى مدنيّ واحد في المدينة، ولا هم فتحوا ممرات آمنة بمعايير الأمم المتحدة لإقناع المدنيين بالخروج، ولا سمحوا بإدخال مساعدات إنسانية. إنهم يبحثون عن مجزرة كبرى، عن إبادة فعلية.

خلال الهدنات الروسية، طرأ تغيير مهمّ. انتُخب ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ابتهجت موسكو ودمشق، ولم تبتئس طهران، فما يناسب حليفَيها في سورية يناسبها أيضاً، ثم إنها منهمكة بتجذير وجودها في سوريا عبر شراء العقارات واستكمال حصارات التجويع في المناطق المحيطة بدمشق، أما مشاكلها مع واشنطن في شأن الاتفاق النووي وغيره فهي قادرة على إدارتها. كان ترامب قال خلال حملته، أنه لا يعرف بوتين الذي كان الوحيد في قول «أشياء جيدة» عنه وفي دعمه باختراقات إلكترونية، لذلك فهو مستعد للعمل مع الرئيس الروسي لبناء تعاون بين الدولتين. لكن ما ظهر بعدئذ لفت الى أن بين الرجلين قنوات اتصال وليس مجرد كلمات طيبة، وإذ شمل الابتهاج بفوز ترامب إسرائيل أيضاً، فلا بد أن تقارب بوتين ونتانياهو فعل فعله في كواليس الرئيس المنتخب وبعض عائلته فضلاً عن «اللوبي اليهودي». ثمة اتصال وتواصل منطقيان بين هذه العناصر، وقد أنتجا هذه المهادنة الترامبية المبكرة لروسيا – بوتين، على رغم أنها لا تتماشى كلّياً مع التوجّهات الأساسية للحزب الجمهوري.

في الرابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، تهاتف بوتين وترامب. كان هذا الاتصال الثاني المعروف بينهما. أفاد الكرملين رسمياً بأنهما تحادثا عن «ضرورة توحيد الجهود في محاربة الإرهاب»، وبحثا في «سبل تسوية الأزمة السورية». أما الترجمة الفورية لهذه اللغة الخشبية فتقول أن بوتين أبلغ الآخر بأن معركة حلب ستُستأنف. لم يستأذنه، طبعاً، لكنه شرح التكتيك الجديد: روسيا تخوضها جوّاً كالعادة، لكنها تتوارى إعلامياً وراء نظام الأسد، طالما أن الأخير غارقٌ في سمعته الدموية. في اليوم التالي، أي 15/11 بدأت الحملة الجديدة على حلب، وفي ذلك اليوم قال الأسد في لقائه مع التلفزيون البرتغالي: «إذا كان ترامب يريد محاربة الإرهابيين فسنكون حلفاء طبيعيين له مع الروس والإيرانيين». هذا يعكس تناغماً مع تصريحات عديدة لترامب قال فيها أن الأسد ليس مشكلته وإنما تنظيم «داعش»، وأنه لن يدعم تسليح المعارضة، وهو كان وصف حلب في إحدى المناظرات مع منافسته هيلاري كلينتون، بأنها «كارثة إنسانية لكن المدينة في الأساس سقطت».

ما يتوقّعه ترامب وما وُعِد به أن بوتين و «حليفه الطبيعي» الأسد إضافة الى الإيرانيين، سينهون عملية حلب قبل مباشرته عمله في البيت الأبيض في 20/01/2017. هذا يعني رمزياً وفعلياً، أنه أعطى الضوء الأخضر للإجهاز على المدينة، وأصبح مع أوباما شريكين لبوتين في أبشع مرحلة مرّت بها حلب في تاريخها الطويل. ولم يعد هناك معنى لكل الانتقادات والإدانات التي توجّهها الإدارة الحالية للقصف الحاصل. فلا الأمم المتحدة ولا قناة الاتصال الأميركية – الروسية التي يقال أنها لا تزال فاعلة، ولا اتصالات كيري – لافروف، ولا أي جهة على الإطلاق، لمّحت الى بحث في هدنة «حقيقية» أو وقفٍ لإطلاق النار. أما الحصيلة خلال الأيام الأولى، فتجاوزت بضع مئات من الضحايا قضى العديد منهم في القصف المركّز على المستشفيات التي لم يعد أي منها في الخدمة، لذا فإن أكثر من ألف جريح لا يجدون من يهتم بهم، وبعض كثير منهم أصيب بأسلحة محظورة دولياً كالقنابل الفوسفورية أو العنقودية أو قذائف الكلور المعبّأة في البراميل المتفجّرة، وقد لا يختلف مصيرهم عن مئات دمّرت الأبنية فوقهم فقُتل مَن قُتل وظل الآخرون عالقين تحت الأنقاض فيما فقد الدفاع المدني (ذوو الخوذ البيضاء) القدرة على الإنقاذ بعد استهداف مراكزه وأفراده. وبعدما وزّعت آخر المؤن الغذائية انعدمت سبل العيش، والآن ينتظر الأسد دعم «حليفه الطبيعي» الآخر: حصار التجويع.

بات واضحاً لماذا كان متاحاً دائماً لـ «الحليف الطبيعي» لترامب (و»الحليف الموضوعي» لأوباما) أن يلقي البراميل المتفجّرة على شعبه، ولم يكن ممكناً أبداً إلقاء أي مساعدة إنسانية الى المحاصرين في حلب وغيرها. إنه أكبر تحالف جهنمي اجتمع فيه الأعداء والمتضادّون ليمنعوا شعب سورية من نيل حريته وحقوقه، وجعلوا ثمن بقائه على أرضه أن يرضى بالحاكم المستبد المجرم الذي كان الترخيص الدولي والإقليمي لبقائه يقوم على ضمانه أن شعبه غير موجود. لذلك فهو لا يريد حلب، وحلفاؤه جميعاً لا يريدونها، سوى أكوامٍ من الركام.

يتصرّف ترامب وبوتين كما لو أن بينهما تفاهماً سابقاً ويتعجّلان تفعيله، بل إن بوتين لم يعد راغباً في العمل مع الإدارة الحالية، لأن هناك استحقاقات، أو تحديداً لأن مجزرة حلب لا تستطيع الانتظار لشهرين إضافيين. وعلى نحوٍ مجاني ومتهافت، يبدو ترامب مسلّماً سورية الى روسيا، حتى قبل أن يتسلّم مهماته. فعل ما تفادى سلفه أن يفعله على رغم أنه ارتكب أفدح الأخطاء في سورية. لا أحد في المنطقة العربية سيحنّ الى أيام أوباما أو سياساته، لكن ما سيُفتقد على الأرجح هو ذلك الحد الأدنى – ولو الوهمي – من القيم والأهداف. هذا على الأقل ما يبدو أن أنغيلا مركل قصدته عندما انتهزت وقوفها الى جانب أوباما لتقول مخاطبةً ترامب: «الأسد لا يمكن أن يكون حليفاً لنا»، ولتشرح أيضاً أن الأسد مسؤول عن الإرهاب وعن معاناة اللاجئين الذين اجتاحوا ألمانيا، فـ «معظمهم هرب من الأسد وليس من تنظيم داعش». لا شك أن الأوروبيين يفضّلون شكواهم المريرة من بلادة سياسات أوباما على الشكوك العميقة التي تنتابهم حالياً إزاء استخفاف ترامب ونياته «الانقلابية».

السؤال ماذا بعد حلب، كالسؤال ماذا بعد الموصل وماذا بعد «داعش»، لا يُطرحان بحثاً عن حلول سلمية استقرارية تأخذ في الاعتبار مجتمعات البلدَين ومكوّناتهما، بل للانكباب على رسم حدود وخرائط للصراعات والتوتّرات، وبالتالي للوصايات الخارجية المستدامة. كان أوباما يبرّر تلكؤه في مساعدة المعارضة السياسية والعسكرية بأنه لا يعرفها وبالخشية من جماعات الإرهاب، لكن تردّده جاء بـ «داعش»، وعندما أراد ضربه جاءت روسيا لمشاركته وللسير بالأزمة السورية نحو حل سياسي لكنها لم تحارب الإرهاب بل أجّجت نار الصراعات المذهبية، وتخوض الحسم العسكري لمصلحة الأسد. لذا لم يعد مستغرباً أن يبدأ ترامب «من الآخِر»، فهو أعفى نفسه من محاربة الأسد (لم يتوقعها أحد منه) خشية أن تؤدّي الى «مواجهة مع روسيا»، لكنه مصمّم على محاربة «داعش». الفارق أن ترامب، خلافاً لأوباما، لا يرى مشكلةً ولا عاراً أخلاقياً في إبقاء الأسد وحتى التحالف معه، بل إنه مثل بوتين والأسد وخامنئي لا يعترف بأن هناك شعباً في سورية.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

الشرق الأوسط بين أوباما وترامب/ لينا الخطيب

غالباً ما كانت الحملة الانتخابية للرئيس المنتخب، دونالد ترامب، معنيّةً بالقضايا الداخلية، لا بالسياسة الخارجية. وحتى خطاب فوزه في 9 تشرين الثاني (نوفمبر)، كان خالياً على نحو ملحوظ من أي إشارة إلى البلدان خارج الولايات المتحدة. وكانت حملته مليئةً بالتصريحات المثيرة للجدل، منها تلك التصريحات المتعلقة بالمسلمين والمكسيكيين، والتي أشارت إلى زيادة الانعزالية الأميركية وألمحت الى انفصال جذري عن إدارة أوباما. وقد أفضى ذلك إلى التكهن بما ستكون عليه سياسة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط. يبدو بعض التوقعات أكثر رجحاناً من غيره، غير أن الاعتماد المفرط على تصريحات الحملة للتنبؤ بنهج ترامب السياسي المحتمل فيه مخاطرة بتكوين توقعات خاطئة.

في ما يتعلق بالصراع السوري، يبدو ترامب مؤيداً للتحالف مع روسيا في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مُعتبراً ذلك – وما يتضمنه من معارضة إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد – أمراً ذا أولوية بالنسبة الى الولايات المتحدة. ففي حوار مع صحيفة «وول ستريت جورنال» في 11 تشرين الثاني، قال ترامب: «رأيي هو أنكم تحاربون النظام السوري الذي يحارب داعش، وما عليكم فعله هو القضاء على داعش. روسيا الآن متحالفةٌ مع النظام السوري، وكذلك إيران، التي أصبحت قوية بسببنا. وما نفعله الآن هو أننا ندعم الثوار في حربهم ضد النظام السوري، وهم أناسٌ لا نعلم عن ماهيتهم شيئاً».

هذا التصريح يشير إلى خلط ترامب بين النظام السوري والدولة السورية، وأن موقفه تجاه الثوار السوريين – ومنهم جماعات تدعمها الولايات المتحدة – يختلف عن موقف إدارة أوباما الحالية. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الرئيس ترامب سيغير جذرياً سياسة أميركا تجاه سورية. والنظر إلى إجراءات إدارة أوباما – بدلاً من تصريحاتها – يشير إلى احتمال وجود أوجه شبه بين سياستيْ الإدارتيْن أكثر مما قد يبدو من الوهلة الأولى.

كان ثابتاً في فترتيْ رئاسة أوباما، إعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم «القاعدة». ففي خطاب أوباما الانتخابي عن السياسة الخارجية في تموز (يوليو) 2008، أعرب عن أسفه لما فُقِد من أموالٍ وأرواحٍ أميركية في الحرب العراقية، وأن مجهوداً كهذا كان يمكن استغلاله في «ملاحقة أسامة بن لادن والقاعدة وطالبان وتدميرهم». أوباما الآن على وشك ترك منصبه بعد أن دبّر مقتل بن لادن، وبعد أن أصبحت الحربُ ضد «داعش» هي الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في سورية، بدلاً من المساعدات الإنسانية أو تغيير النظام.

في ما يتعلق بالثورات العربية، قال أوباما في خطاب ألقاه في أيار (مايو) 2011، أنه يؤيد المتظاهرين في مصر وليبيا وسورية، مضيفًا أن «المجتمعات المتماسكة تحت تأثير الخوف والقمع قد توفر استقراراً وهميّاً لبعض الوقت، لكنها مجتمعات مؤسَّسة على صدوع لن تلبث أن تنهار». لكن مثلما فعل ترامب في حملته الانتخابية، إذ لم يقطع أي وعود سياسية خارجية تتعلق بتلك القضايا، كذلك فعل أوباما حين رشّح نفسه في انتخابات 2012.

وحتى الخطاب الأميركي المتعلق بدعم المعارضة السورية – سواء كان سياسياً أو مسلحاً – لم يكن مصحوباً بالعمل من جانب إدارة أوباما. ففي الشهور الأخيرة، انخفض تمويل الولايات المتحدة لـ «الجيش السوري الحر»، وانقطعت محادثات السلام. الضعف الناتج في صفوف «الجيش الحر» وعدم وجود آفاق سياسية لإنهاء الصراع، إضافة إلى حملة روسيا العسكرية في سورية التي تستهدف «الجيش السوري الحر» في المقام الأول، ذلك كله أدّى إلى لجوء عدد من الجماعات المتمردة في سورية إلى تغيير موقفها لتتحالف مع الجماعات الجهادية ذات التمويل والقدرة العسكرية، بخاصة «جبهة النصرة» التي لها علاقات مستمرة مع تنظيم «القاعدة»، مع أن الجبهة غيرت اسمها أخيراً إلى «جبهة فتح الشام» وأعلنت عن قطع تلك العلاقات. هذا كله خلق نبوءةً روسية محققةً لذاتها بأن حربها ستكون حرباً ضد «المتطرفين». وعلى هذا النحو، يمكن النظر إلى تركيز ترامب على محاربة «داعش» والتحالف مع روسيا كأنه مواصلة لسياسة أوباما، وليس انفصالاً عنها.

ليس من المستبعد أيضاً لهذه المواصلة أن تُحدد شكل العلاقات مع إيران. فأوباما على وشك ترك منصبه بعد إبرام الاتفاق النووي المعروف بـ«الاتفاق الشامل للبرنامج النووي الإيراني» (JCPOA)، وهو ما يتماشى مع حملته الانتخابية الخاصة. ففي خطاب حملته في تموز 2008، قال أن «منع إيران من تطوير أسلحة نووية يعتبر من مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة». ومع أن ترامب عبّر في حملته الانتخابية صراحةً عن معارضته الاتفاق النووي، كما عيّن مايكل بومبيو (Michael Pompeo) – المشهور بانتقاده الاتفاق النووي – رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية، إلا أن مستشاره في الشرق الأوسط، وليد فارس، صرح بعد انتخاب ترامب بفترة وجيزة بأن الأخير «سيراجع» الاتفاق فحسب.

وكذلك يتشابه خطابا أوباما وترامب في ما يتعلق بالصراع بين إسرائيل وفلسطين. ففي 2008، أشار أوباما إلى أن عملية السلام في الشرق الأوسط ستكون لها الأولوية إذا نجح في الانتخابات. وفي الفترة التي سبقت انتخابات 2012، أُعيد إدراج «القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل» في برنامج الحزب الديموقراطي. أما الآن، فقد ذكر ترامب القدس باعتبارها عاصمة لإسرائيل، وأعرب عن أمله بإبرام «الاتفاق الذي لا يمكن إبرامُه» بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

بالطبع، لم تُسفر الأعوام الثمانية التي أمضاها أوباما في الحكم عن حل للصراع بين إسرائيل وفلسطين، كما أن تصريحاته عن أهمية معالجة الدوافع الرئيسية للإرهاب والاحتجاج في العالم العربي لم تُفضِ إلى اتخاذ إجراءات ملموسة في شأن تلك القضايا. وفي ما يتعلق بالعراق، كان أوباما قال قبل انتخابه في 2008: نجاحنا الحقيقي سنحرزه حين نترك العراق بين يديْ حكومة تَحُول دون نشوب صراع طائفي، وتضْمَن أن خطر تنظيم «القاعدة» – الذي صدّته قواتنا – لن يعاود الظهور. ومع ذلك، فقد غضّت إدارته الطرف عن تجاوزات حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ما أدى إلى المظالم الطائفية التي ساهمت في بزوغ «داعش».

أيّاً كانت السياسة التي سينتهجها ترامب في الشرق الأوسط حين يتولى الرئاسة، فستؤثر فيها حتماً الظروف الراهنة التي يتحمل أوباما جزءاً من مسؤولية تكوينها. ربما يكون أوباما قد أوْفى بوعده بملاحقة بن لادن والحد من البرنامج النووي الإيراني، لكن النظر إلى فترة رئاسته يكشف عن غياب مقلق لبعد النظر في الشأن الشرق أوسطي. ففي 2008، صرح بأنه لو كان هناك تهديد شبيه بـ9/11 فسيأتي من أفغانستان وليس من العراق. والواقع أن الهجمات الإرهابية التي اندلعت في جميع أنحاء العالم على مدى العاميْن الماضييْن، كانت نتيجة لبزوغ «داعش» في العراق وسورية وليس أفغانستان.

وفي المناظرة النهائية حول السياسة الخارجية ضد ميت رومني في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، هاجم أوباما رومني قائلاً: يسعدني اعترافك بأن تنظيم «القاعدة» يشكل تهديداً، لأنك قبل بضعة أشهر حين سُئلتَ عن أكبر تهديدٍ جيوسياسي تواجهه أميركا أجبت بأنه روسيا، وليس «القاعدة». ومع ذلك، وكما ذُكر أعلاه، فتزايد قوة الجماعات التابعة لتنظيم «القاعدة» في سورية يُعتبر جزئيّاً نتيجة التدخل العسكري الروسي والسياسة الروسية.

بالنظر مرة أخرى إلى تصريحات حملات أوباما الانتخابية والإجراءات الفعلية التي أجراها وهو في منصبه، يصبح واضحاً وجوب الحذر عند اتخاذ تصريحات الحملة أساساً للتنبؤ بمسار السياسة الخارجية لأي رئيس. افتقار ترامب إلى أي خبرة سياسية سابقة، واللغة التحريضية التي استخدمها طوال حملته الانتخابية، وعدم اهتمام عامة الجماهير باحتمالات فوزه، ذلك كله جعل سياسته المرجَّحة تجاه الشرق الأوسط يكتنفها الغموض. لكن حتى في حالة أوباما، لم تكن سياسته في الشرق الأوسط دائماً مطابقة لما قاله في تصريحاته الانتخابية.

* كاتبة لبنانية، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» – لندن

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى