صفحات العالم

عن انتصارات المعارضة السورية الأخيرة ومصير الأسد –مجموعة مقالات-

 

حتى بشار … يرحل!/ حازم صاغية

ما دام الموت، الذي شغل البشر منذ الإنسان الأول، نهايةً يحتمها قانون بيولوجي لا يُرد، تم التحايل عليه بطرق عدة، فقد نشأت، مثلاً، فكرة «الخلود» بوصفها تهميشاً للموت، أو تحويلاً له إلى مجرد محطة للعبور. وكانت الأهرامات الفرعونية التجسيد النُصبي الأعظم للفكرة هذه. كذلك، وعلى مستوى السلطة في معناها المباشر، نشأ «التوريث» الذي يُراد له أن يُبقي الميت حياً من خلال نجله وأنجال نجله. ولأن الابن، كما قيل، سر أبيه، فهذا التواصل الجيلي يضفي الخلود على «السر» المقدس فيزيده قدسيةً. وهنا، في التوريث، بات الهرم هو الشخص المتواصل نفسه. إنه خوفو الذي من لحم ودم.

لكنْ كثيراً ما تصالحت هاتان التقنيتان التاريخيتان، والدراميتان، في ملاعبة الموت، فأقيمت التماثيل والنُصب للحاكم الوريث. والحجرُ، كما هو معروف، لا يُزال ولا يُمحى مع الزمن. هكذا اجتمع الخلود والتوريث في طوطم شبه إنساني، شبه ميثولوجي.

وفي سورية، انطوت مفردة «الأبد» على هذه المعاني مجتمعة، وعلى الهامش، وفي اللحظات الصعبة، وُجدت تقنية ثالثة للتحايل على الموت لا صلة لها بتاتاً بالعظمة المزعومة: إنها الوضاعة التي تحمل صاحبها على تقبيل الأيادي واللحى، وطي ما يُفترض أنه مبادئ وقيم متبناة، في سبيل الحفاظ على الحياة.

لكنْ في النهاية بقي المبدأ الحاكم يقول: ما دام القائد خالداً، منقوشاً في الصخر ومتواصلاً في الأجيال، فإنه رفيق الأبد، وكلّ ما هو أقصر من الأبد، أو أقل، فسحةٌ لا تكفيه لاستعراض خلوده.

والقائد الخالد والأبدي لا يواجه مشكلة أو أزمة مهما كانت كبيرة، سمها ثورة أو إطاحة نظام، بل يواجه الشر بوصفه شيئاً خالداً وأبدياً هو الآخر، إلا أن خلوده وأبديته سلبيان. وهذا ما يفسر أن إعلام خوفو لم يتحدث إلا نادراً عن فاجعة راهنة يواجهها النظام، بل مارس، على السوريين والعرب والعالم، الإيهام بالفاجعة الأعظم التي لا بد أن تحدث في حال سقوطه. وكردع مسبق لهذا الشر الجوهري المنقوش في أفق المستقبل، تغدو الوحشية مطلوبة، لا مرغوبة فحسب، لأنها محكومة بغرض نبيل واستباقي في آن معاً. ومن دون الوقوع في تآمرية الظن أن النظام أوجد التنظيمات التكفيرية، يبقى أن الغرابة التي قد تنطوي عليها تلك التنظيمات، وقدرتها غير المألوفة على إثارة الرعب، يجعلانها مطلوبة من النظام، لا مرغوبة فحسب. فهي تكمل لوحة الثنائية الضاربة في الأصل البشري بين الخير الدائم والشر الدائم، وتمد ذاك «الخير» بنسغ مغذٍّ وحياة مديدة.

هذه العلاجات كلها، التي تجمع الواقعي إلى الأسطوري، ربما شرعت اليوم تكف عن الاشتغال. وقد أطنب المعلقون والمراقبون في شرح الأسباب التي تقف وراء ذلك: من التنسيق الإقليمي بين دول عدة ضد الأسد، إلى تراجع الحماسة الإيرانية له، ومن المراجعة الروسية لأكلاف سياسة موسكو في دمشق، إلى تزايد الدعم الذي يحظى به المعارضون. وإلى هذه يضاف سبب مؤلم هو ترقق القاعدة الأهلية التي استند إليها الأسد، وارتداد الصراع المسلح إلى خامه العددي.

لقد واجه السوريون تحايل نظامهم على الموت، وهو ما بدأ بإسقاط التماثيل، وما قد يجد تتويجه بسقوط الأسد نفسه. وهذا الاحتمال الكبير يضعنا أمام سؤال مُر وحارق: إذا كان سقوط مئات آلاف السوريين شرطاً لحياة «الأبد»، فهل يكون موت هذا «الأبد» شرطاً لحياة السوريين؟ إنه سؤال المسؤولية المطروح على أبناء سورية، وعلى العالم بمعنى ما.

أما الآن، في هذه اللحظة بالذات، فلنحتفل بالاحتمال الكبير.

الحياة

 

 

“وصايا” النظام السوري.. وما بعده/ وسام سعادة

استدراكٌ – قبل البدء: لم يسقط نظام الرئيس بشّار الأسد بعد. سقوط نظام مسألة «مطلقة» وليس مسألة نسبية. يسقط النظام حين يُطاح رأسه في العاصمة. القول إنّ النظام «سقط عملياً» قبل سنة أو اثنتين أو ثلاث هو قول مجازيّ ودعائي، تنبغي المحاذرة من تصديقه بحرفيته. بشّار الأسد لم يسقط بعد، وليس هناك أولوية أهم، على جدول أعمال السوريين الآن، من عملية إسقاطه.

استدراك على الاستدراك: النظام لم يسقط بعد. لكنه يحتضر. أكثر من ذلك، هو من يقول عن نفسه الآن، ما ترجمته: أنا احتضر. في مرحلة سابقة – قبل أشهر من الحين، كان يبدو أن النظام نجح في تحويل الاحتضار نفسه إلى «باب رزقة»، إلى احتضار دموي = حيوي، ومزمن: إذاً، إدارة للحرب الأهلية. تجاوزنا هذه المعادلة إلى حد كبير الآن. لم تعد عدّة نصب النظام وحلفائه أنّه إذا سقط سيحدث كيت وكيت من الأشياء في المنطقة والعالم. صار النظام متواضعاً من هذه الناحية: أنا أحتضر لكن أريد أن أقسّم الورثة. نحن في مرحلة يستميت فيها نظام دموي، وهو يموت، من أجل كتابة «وصاياه». حرب «حزب الله» في سوريا الآن هي تحديداً حرب الوصايا.

عجْز النظام عن قمع الثورة وعجْز الثورة عن الاطاحة السريعة بالنظام، ولّدا مفاعيل توازن كارثي أتى على المجتمع السوري المتصدّع أساساً بفعل عناصر مزمنة كثيرة، في مقدمتها هذا النظام الفئوي الدموي. وهذا التوازن الكارثي ترجم نفسه في صيغة حرب أهلية لامتكافئة لسنوات، حجز فيها نظام آل الأسد لنفسه دوراً مركزياً في ادارة هذه الحرب الأهلية بشكل يحاكي فيه أسوأ الادارات الكولونيالية، ويتعامل فيه مع السوريين كـ»سكان أصليين» يجري تحضيرهم، بالمجازر والسلاح الكيماوي.

لكن هذه الحرب الأهلية التي أدار النظام قسطاً واسعاً منها، ليست من النوع الذي يمكن أن يأمل فيه هكذا نظام بأن يخرج مظفراً، ويستعيد مشهد الجنرال فرانكو وهو يحسم الحرب الأهلية ويقيم سلماً أهلياً في إسبانيا على أساس الديكتاتورية. أبداً، هي حرب من نوع لا يمكن أن يستمر نظام آل الأسد بعدها، لكنها يمكن أن تستمر كحرب بعده، وهذا بيت القصيد اليوم، خصوصاً في داخلنا اللبناني.

الانقسام حول المسألة السورية في أشدّه لبنانياً. لكن، ما من أحد يمكنه أن يدّعي اليوم أن هذا النظام لن يسقط. التفاوت في التقديرات بات يتعلّق فقط بموعد سقوطه، والشكل.

إذاً، ثمة مجال، ولو جزئي، لإيجاد مساحة كلام لبنانية مشتركة: ماذا نحن فاعلون في مرحلة صار فيها سقوط النظام قاب قوسين أو أدنى، من دون أن يكون واضحاً، أبداً، ما ستؤول إليه سوريا بعده؟ صحيح أن هناك فريقاً يكابر لفظياً على القسم الأول من السؤال، لكنها مكابرة رفع عتب، وصحيح أن هناك فريقاً يكابر تفاؤلياً على القسم الثاني من السؤال، لكنها مكابرة رجائية أكثر منها واقعية. المكابرتان لا تغيّبان المساحة المشتركة، للحديث بين اللبنانيين، وليس فقط «القنوات الحوارية» الحزبية، حول مرحلة سورية آتية، ستتجاوز ثنائية «نظام وثورة»، لكنها ستنهي قبل كل شيء الحالة التي اسمها بشّار الأسد، وهي مرحلة ستعطي بمجرد تدشينها، عناصر جديدة للاتفاق وعناصر جديدة للخلاف بين اللبنانيين، وفرصاً جدّية – وإن تكن صعبة – لتغليب الأولى.

المستقبل

 

 

 

مقولة “الأسد أو داعش” الساقطة/ زيـاد مـاجد

تسارعت التطورات العسكرية في سوريا في الأسابيع الماضية، وتسارعت أيضاً التطورات السياسية المرتبطة بها.

ويُرجّح أن يستمرّ التسارع هذا على جبهتيه حتى شهر حزيران المقبل، موعد تقديم المبعوث الأممي دي مستورا تقريره الجديد وما يُحكى عن دعوته لـ”جنيف 3″، وموعد الانتخابات التركية العامة وإمكانية تجديد الأتراك لـ”حزب العدالة والتنمية” في قيادة البلاد بما يكرّس تعاون حكومة أنقرة مع قطر والسعودية في الشأن السوري، وموعد الجولة الأخيرة من المباحثات الأميركية الإيرانية من أجل التوقيع الرسمي على الاتفاق النووي.

ويبدو حتى الآن أن تطوّرات الميدان تهدف الى خلق واقع يصعب معه أن يقول أحد بعد الآن، لا سيّما في الغرب، إن الخيار في سوريا هو “بين داعش أو الأسد”. فهذا الأخير يتعرّض لضربة عسكرية تلو الأُخرى، ويظهر عاجزاً رغم الطيران والصواريخ عن الثبات أمام التحالف العسكري للقوى المناهضة له في محافظة إدلب، التي سيطرت في الأسابيع الماضية على مناطق واسعة وأنزلت بجيش النظام هزائم كبرى، وتستمرّ في التقدّم باتّجاه مناطق جديدة على تخوم المحافظتين الساحليّتين وفي تقاطع طرق استراتيجي يربط وسط سوريا بمدينة حلب.

وفي حلب بالذات، وبعد أن دار حديث النظام والإعلام الموالي له على مدى أشهر عن قرب اكتمال الطوق حول المناطق الخارجة عن سيطرته، وعن فصل المدينة عن ريفها الشمالي، صار الجهد العسكري للنظام ينصبّ بالكامل اليوم على المحافظة على مواقعه المهدّدة ومنع عزل قواته المتواجدة في المدينة وفي نبّل والزهراء، وهو ما قد يصبح مستحيلاً في المقبل من الأيام.

وفي الجنوب، فشل النظام مدعوماً بالضباط الإيرانيين وبحزب الله وبعناصر مليشياوية عراقية وأفغانية من إحراز أي تقدّم في محافظتي درعا والقنيطرة، وخرجت آخر النقاط الحدودية مع الأردن عن سيطرته.

أما في دمشق وغوطتيها، فتستمرّ المراوحة على حالها، إذ إن جوبر ما زالت جبهة مفتوحة لم يُفلح النظام في إخمادها، وتقدّمه في بعض محاور الغوطة الشرقية لم يؤثّر جدّياً على توازن القوى فيها.

وفق هذه المعطيات، تكون المعادلة البائسة التي حاول الأسد والمروّجون له غرباً نشرها عن كونه البديل الوحيد لـ”داعش” قد أصبحت نكتة سمجة ميدانياً، وهي في الأصل وضاعة أخلاقية وقصر نظر سياسي فادح.

وحتى مع وجود قدرة داعشية على إحداث أضرار جديدة في “المشهد السوري” الراهن وارتكاب جرائم فظيعة لجذب الانتباه الإعلامي – على نحو ما جرى في مخيم اليرموك وريف سلمية منذ فترة – وحتى مع احتمالات توتير للأوضاع في ريف حلب الشرقي حيث تحتلّ “داعش” مناطق حيوية، فإن الدينامية العسكرية القائمة والمرشّحة للإستمرار جعلت البحث السياسي يتركّز اليوم على “تنظيم سقوط النظام” عوض البحث في تعويمه لمواجهة “داعش”. وهذا أمر شديد الأهمية دولياً بمعزل عن تقييم القوى التي تكيل له الضربات، لا سيّما في الشمال السوري.

وإذا كانت إيران وحزب الله يعتقدان أن توجيه الأنظار نحو القلمون والتهديد بمعركة كبرى هناك قد يُعيد بعض التوازن الى الوضع السوري، ففي اعتقادهما مزيج من الوهم والغرور. ذلك أن في تدخّلهما المباشر والثقيل ما يؤكّد عجز النظام الكامل عن مواجهة خصومه الداخليّين من جهة، وفيه من جهة ثانية ما يُناقض احتفالاتهما العام الفائت بالنصر في يبرود، ثم حديثهما المتكرّر منذ أشهر عن أم المعارك في القلمون، أي في محيط يبرود!

هل يعني كلّ ما سبق، معطوفاً على التصفيات الداخلية في دمشق وآخرها قتل رستم غزالي على وقع عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، أن سقوط الأسد بات وشيكاً؟

ليس بالضرورة. لكنه يعني أن الدينامية العسكرية الراهنة، وما تفرضه من تقييم سياسي، تدفع نحو هذا السقوط، أو بالأحرى تُظهر أنه لم يعُد لأحدٍ أن يطرح حلّاً سياسياً لا يلحظ السقوط المذكور. وهذا وتبعاته، بالطبع، مبحثٌ آخر…

موقع لبنان ناو

 

 

 

هل تخلّت أميركا عن الأسد… وهل أوقفت إيران الحرب من أجله؟/ عبدالوهاب بدرخان

في غضون أسبوعين، تغيّرت المعادلة الميدانية في شمال سورية لمصلحة المعارضين للنظام، وبعد إدلب وجسر الشغور، باتت الخطوة التالية المتوقعة في منطقة الساحل حيث لم يتوقف الغليان في ريف اللاذقية طوال الأعوام الماضية. وعلى رغم حصارات التجويع والبراميل المتفجّرة والقصف المتواصل، لم تكن وطأة الطوق الذي تشكّله الغوطتان حول دمشق كما هي الآن. وثمة تغيير آخر لا يقلّ خطورة سيأتي من جبهة الجنوب وتقدّم المعارضة الى درعا، التي أُخليت منشآتها الحكومية من الأثاث والوثائق.

فمع خسائر الشمال، واحتمال استكمال إخراج قوات النظام من حلب، يتركز الخطر على ما يسمّى «معقل النظام»، وهو المنطقة التي بقيت هادئة نسبياً بل إن القوى الدولية سبق وحذّرت المعارضة من التعرّض لها خشية وقوع «مذابح مذهبية». ومع ازدياد الضغط من الجنوب والغوطتين، قد لا تعود العاصمة منطقة آمنة للنظام، لذلك أكثرت أوساطه وكذلك أوساط إيرانية أخيراً الكلام عن نقلٍ أو انتقالٍ ما لقيادة النظام الى طرطوس، ما أوحى بأن الفكرة قيد التداول، ومن مؤشراتها حصول حركة نقل لعائلات الضباط الى المدينة الساحلية.

طوال الفترة الأخيرة، كان السؤال الأكثر إلحاحاً وغموضاً: أين إيران من الهزائم التي يراكمها حليفها في سورية؟ ففي أواخر شباط (فبراير) – أوائل آذار (مارس)، لم يُسجَّل للإيرانيين أي إنجاز سوى إرسال حملة الى الجنوب لاستعادة المواقع التي تسيطر عليها المعارضة حول درعا، ولكنهم اضطروا الى التخلّي عن هذا المشروع الذي انتهى بخسائر كبيرة لـ «حزب الله»، لكنه انتهى خصوصاً بـ «مجزرة الأفغان» الذين وُضعوا في الخط الأمامي للهجوم. بعد ذلك، لم يُسمَع عن الإيرانيين سوى أنهم السبب المعلن لبداية التخلّص من رستم غزالي، رئيس «شعبة الأمن السياسي»، أولاً بضربه و «فسخه» وصولاً الى موته المبرمج. وعدا سعي غزالي الى التحدث عبر قناة «المستقبل» اللبنانية لتوضيح دوره في قضية اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، كان بعض الشهود أبلغ المحكمة الدولية الخاصة أن غزالي تقاضى أموالاً من الحريري، وهو علّق على ذلك بقوله: لست الوحيد، وأعرف جميع من تلقوا أموالاً. وقد يكون الإيرانيون أيضاً سبباً غير معلن للتخلّص من علي مملوك، رئيس «مكتب الأمن الوطني»، الذي تعرّض بدوره لـ «وعكة صحية»، إذ يقال الآن إن لمملوك اتصالات مع تركيا خصوصاً منذ مهمة قادته قبل أسابيع الى الحسكة. واستناداً الى الجلسات الخاصة جداً للضبّاط القريبين من النظام، فإن الضيق من تسلّط الإيرانيين على القرارات والتوجّهات بلغ ذروته، لكن أحداً لا يجرؤ على مواجهتهم أو انتقادهم علناً.

وبعدما تكرر طرح السؤال: أين إيران، حتى في بعض أوساط «حزب الله» التي وجدت في خطب أمينه العام حسن نصرالله، عن اليمن بداية تفسير لموقف طهران. أي أن أولويتها انجذبت الى التحدي الأول من نوعه الذي تتعرّض له منذ بدأت انسلالاتها في بلدان المحيط العربي. وعندما أوفد النظام وزير دفاعه فهد جاسم الفريج، الى إيران، كان إعلام «حزب الله» أكثر من سلّط الأضواء على هذه الزيارة التي فُهِمَت على نطاق واسع على أنها «استغاثة» ومحاولة لفهم ما يجري في عقل الحليف الأول. وقالت وكالة «سانا» أن الفريج «تلقى وعوداً باستمرار الدعم». والواقع أن الإيرانيين لم يعودوا مقتنعين بجدوى أي دعم. صحيح أنهم لا يزالون متمسكين بالنظام، إلا أنهم مضطرّون الى الاعتراف بأن النظام بات عاجزاً عن تأهيل نفسه، وبأنهم لم يتمكّنوا من إعادة تسويقه حتى في إطار المشاركة في «الحرب على داعش». وفي كل المواقف مما يجري في سورية، كان واضحاً أن طهران ودمشق معنيّتان فقط بالحل العسكري للأزمة، ولم تتوقعا يوماً أن تضطرا الى مواجهة استحقاقات أي حل سياسي يتطلّب تنازلات. ولم يكن هناك ما يقلقهما، لا المعارضة المقاتلة التي أنزلا فيها هزائم، ولا أحوال العرب في الإقليم.

لم يعد سراً أن وراء هذه التطوّرات تغيّراً أساسياً في المناخ الإقليمي، سواء منذ بداية «عاصفة الحزم» في اليمن، أو الانعكاسات المتوقعة لاتفاق نووي تريده إيران تتويجاً لتوسّعها في «تصدير الثورة»، والقيام باختراقات في العالم العربي. وبات الوضع المستجد في سورية نتيجة طبيعية للحال التي أشاعتها «عاصفة الحزم»، كما لو أنه الخطة الموازية، والمكمّلة، لما يحصل في اليمن. فعندما تبلورت الظروف للتعاون والتنسيق، عاودت القوى الإقليمية الاستثمار في قوات المعارضة السورية، فوفّرت لها الإمكانات لتصنع الفارق بعد شهور طويلة من العجز والإحباط، وعندما تخلّت الولايات المتحدة للمرة الأولى عن تردّدها، رافعةً جزئياً «الفيتو» عن تسليح نوعي ولو محدود لبعض المعارضة، وجدت أن واقعاً جديداً يرتسم في سورية.

يُذكر أن واشنطن كانت ردّدت مراراً، أن الحل السياسي يستلزم تغيير «المعادلة الميدانية»، وأنه يجب الضغط على النظام لإجباره على «مراجعة حساباته». لكن، يبدو أن واشنطن اضطرّت أخيراً الى التخلّي عن سلبيّتها بعدما لمست تصميماً وإصراراً من جانب السعودية وتركيا وقطر على ثلاثة توجّهات: 1- إن الشراكة مع أميركا في الحرب على الإرهاب لا معنى لها من دون التصدّي لضلوع النظامين الإيراني والسوري في هذا الإرهاب. 2- ضرورة التصدّي، مع أميركا، من دون بلوغ محاربة «داعش» في سورية، أمر واقع فرضه الإيرانيون في العراق، وهو الاعتماد على وحدات من الجيش والميليشيات الشيعية التي ارتكبت انتهاكات وجرائم في محافظتي ديالى وصلاح الدين، وفي الحال السورية عمل الإيرانيون على حصر الخيار ضد «داعش» بالميليشيات التي يستقدمونها، فضلاً عن قوات نظام بشار الأسد. 3- إن محاولات استدراج النظام الى «حل سياسي» تعثّرت في جنيف، وفشلت في لقاءات موسكو، بسبب تعويل إيران ونظام الأسد على انتصارات عسكرية حققاها لاستكمال «الحل العسكري» وإلحاق هزيمة نهائية بالمعارضة، لذلك وجب تصحيح الوضع العسكري للمعارضة، أولاً بتوحيد ما أمكن من الفصائل المقاتلة المعروفة وتنظيم قدراتها، ثم ربطها بغرف عمليات موحّدة، ومدّها بأسلحة نوعية، لتمكينها من المبادرة الى إخراج قوات النظام من مواقع استطاعت الاحتفاظ بها طوال أربعة أعوام.

وعلى رغم أن أي جهة لم توضّح ما هي التفاهمات التي قادت هذا التغيير الميداني أو سقفه وحدوده، إلا أن مصادر كثيرة التقطت عبارة لباراك أوباما في حديثه الى «نيويورك تايمز» (06/04/2015)، واعتبروها إشارة الى توجّه أميركي مختلف، إذ تساءل عما «يمنع العرب من مكافحة الانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان (في سورية) أو ما فعله الأسد». هنا سيصرخ كثر، أميركيون وعرب، أن ما أو مَن «منعهم» هو أوباما نفسه، وهناك شهود من داخل إدارته. أما وقد أصبحت هناك إرادة عربية لفعل شيء، فإن أوباما لم يعد يمانع. وبعد هزائم الشمال والجنوب، لعلها المرّة الأولى التي يقلق فيها الأسد، مستشعراً أن «أميركا تغيّرت»، خصوصاً بعد إغارة «طائرات مجهولة» على الألوية النظامية 199 و92 و65 في جبال القلمون (أواخر نيسان (أبريل) الماضي)، ومقابلتها بتجاهل تام من جانب إعلام النظام وإيران و «حزب الله».

مع ذلك، لا تزال هناك خطوط حمر على المعارضة، وهي معروفة: عدم إسقاط النظام عسكرياً، عدم التعرّض لمناطق العلويين في الساحل، عدم التسبب بانهيار الدولة ومؤسساتها. واقعياً، لم تعد «الدولة» و «المؤسسات» سوى أجسام شبحية فارغة، والجميع متيقّن بأن النظام يفيد من الخطوط الحمر هذه ليتابع القصف بالصواريخ البالستية ورمي البراميل المتفجّرة حتى فوق رياض الأطفال، وبالتالي تجاوز كل الخطوط الحمر باستئناف استخدام السلاح الكيماوي. لم يسبق للنظام أن انتهز أي انتصارات عسكرية للتقدّم بمبادرة سياسية، ولم يبدِ استعداداً للمجيء الى تفاوض على «مرحلة انتقالية»، كما أن أوضاعه المتراجعة راهناً لم تدفعه بعد الى التلويح بتنازلات مع أن أنصاره المباشرين بدأوا أخيراً يوجّهون إليه نداءات علنية تطالبه بالإسراع الى «حل سياسي».

 

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

بشار.. قلق محتار/ مشاري الذايدي

ظهر بشار أخيرا، أمام الجمهور، والهدف رفع الروح المعنوية، بعد هزائم قواته في الشمال والجنوب هذه الأيام، ليس من قبل «داعش»، بل فصائل أخرى، شطر كبير منها ينتمي للمعارضة المعتدلة.

في محاولة، قد تكون متأخرة، يريد الرجل الذي قضى تفكيره على تدبيره، أن يصور الأمر على غير صورته، كعادته دومًا، وأن يهون من وقع الهزائم المتتالية عليه وعلى حزب الله اللبناني، على الحدود السورية اللبنانية.

هل فات الوقت عليه؟

ربما من المبكر قول هذا، فما زالت بنية النظام الطائفي العائلي المافيوي، صلبة، وما زال الموقف الدولي رخوًا، وما زالت المعارضة – معارضة الداخل على الأرض – مشتتة، ولكن كل هذا لا يلهينا عن حقيقة واضحة هي بداية العد التنازلي لنظام الأسد، ومن خلفه «النظام» الخميني في طهران، وتوابعه في لبنان واليمن.

على ذكر اليمن، فإن عاصفة الحزم العربية، والتحالف العربي الذي قام من حولها، هي تحول ضخم وخطوة شاسعة للأمام، بصرف النظر عن مجريات العمليات على الأرض في اليمن، ففي النهاية ستصل العاصفة إلى ميناء الأمل اليمني، قريبًا. ولكن المهم في العاصفة هو معناها في يقظة العرب وهبتهم ضد غزو إيران، في ظل مكايدة روسية لأميركا، وضياع رؤية الأخيرة في عهد الرئيس أوباما.

دوي العاصفة في صنعاء وعدن، له صدى في دمشق وحلب وبيروت وبغداد.

في ظهوره الأخير أمام الجمهور، ظهر بشار قلقًا وجلاً، رغم أنه أراد تبديد القلق عن جمهوره وقاعدته، ومما قاله بشار، تعليقًا على سيطرة المعارضة على إدلب وجسر الشغور شمالاً، وبصرى الحرير جنوبًا، وحصار قواته، وفي كلمات تفصح عن كثير من دفين المشاعر قال: «عندما تحصل نكسات، يجب أن نقوم بواجبنا كمجتمع، أن نعطي الجيش المعنويات ولا ننتظر منه دائمًا أن يعطينا»، مهاجمًا ما يفعله «البعض» اليوم من «تعميم روح الإحباط واليأس بخسارة هنا أو هناك».

ثم وسط هتافات جماعته القلقة بدورها، من أمام مدرسة ما، خطب بشار، وربما خاطب لا وعيه الباطن، فقال: «أنا لست قلقًا ولا داعي للقلق، ولكن هذا لا يمنع من التحذير من أن بداية الإحباط هي الوصول إلى الهزيمة».

هذا كلام يبعث على القلق وليس السكينة.

الحزم والمبادرة، صارتا نهجًا يتبع، بعد تحالف عاصفة الحزم، وما حك جلدك مثل ظفرك، ولن تترك سوريا طعمة للضياع والخراب الإيراني، وقد قال الملك سلمان بن عبد العزيز في قمة الدرعية الأخيرة مع قادة الخليج، بحضور الحليف الغربي الأصدق، فرنسا، ورئيسها هولاند، قال سلمان: «الأزمة السورية طال أمدها» ولا بد من حل لها لا يتضمن رموز النظام الأسدي، ليؤكد هولاند على تطابق الموقف الفرنسي مع هذه الرؤية، في كلمته أمام زعماء الخليج. على بشار أن يقلق، بعد منع الـ«فيتو» الروسي ضد اليمن، والتحالف الذي رفض بقاء الحال في اليمن كما كان، لن يقبل ذلك في سوريا.

صحافي وكاتب سعودي وكبير المحررين – السعودية والخليج في جريدة «الشرق الأوسط».

الشرق الأوسط

 

 

 

 

لم يسقط الأسد… بعد/ إيلـي فــواز

لم يسقط بشار الأسد بعد، أو، وبخلاف كل من يعد الأيام لرحيله، الأسد سيبقى لبرهة.

من دون شك حققت المعارضة إنجازات عدة في سياق معركتها مع نظام البعث. المعارضة حققت انتصارات عسكرية في جنوب سوريا، وهي أيضاً أعادت مجريات الأمور إلى ما كانت عليه الحال قبل التدخل الإيراني وأدواته دعماً للرئيس الاسد، بشكلٍ بات اليوم يعكس حقيقة التفوق الديمغرافي لمناهضيه.

والمعارضة وفي هذا السياق أيضاً تكون وضعت حدوداً لما يمكن ان تقدمه إيران للأسد، أي في المدى المنظور كانتون علوياً فقط لا غير.

كل تلك التطورات الميدانية لم تكن لتتحقق لولا التنسيق الإقليمي التي قادته المملكة العربية السعودية، ونجحت في الضغط على الدول العربية وتركيا في وضع خلافاتهما جانباً من أجل مواجهة ووقف المد الايراني المتغلل في العمق العربي الاستراتيجي في كل من سوريا واليمن.

ولكن تلك التطورات على أهميتها لا تعني أن الأسد سقط. فالأسد سيبقى لبرهة بعد لأسباب عدة منها داخلية ومنها خارجية.

الأسباب الخارجية فتعود لعدم حزم الرئيس الاميركي باراك أوباما أمره بعد في ما خص مصير سوريا. وهو يميل الى ما تحبذه ايران. وهو أيضاً يأخذ بعين الاعتبار مصالح نظام الملالي. ومن الطبيعي ان تكون مصلحة ايران في بقاء نظام علوي موالٍ لها ولو على بقعة جغرافية صغيرة نسبياً.

بقاء الأسد لبرهة ستكون إحدى أسبابه  إمكانية ايران مساعدته مالياً وعسكرياً بشكل أكبر، خاصة بعد ان يفرج أوباما عن اموالها المحتجزة جراء العقوبات والتي تقدر بنحو 150 مليار دولار.

في الأسباب الداخلية يمثل وجود داعش عقبة امام الإطاحة بالأسد، فالاميركيون والعرب والايرانيون والغرب توافقوا ان يكون التخلص من “التنظيم الارهابي” كما يصفونه اولوية قبل الكلام عن اي حل في سوريا.

وما تزال مهمة توحيد الفصائل المعارضة تحت راية واحدة، عسكرية وسياسية، بحاجة الى جهد اكبر لكي تفرض نفسها على المجتمع الدولي كبديل فعلي وجدي لنظام الأسد.

كما أن الاسد ما زال يملك السيطرة على المدن الاساس لا سيما حمص وحماه، حيث لم يتسنّ بعد للمعارضة تهديدها نظراً لانشغالها في جبهات اخرى.

ما نراه في سوريا اليوم من تطورات ميدانية، هي بداية حصار للنظام جغرافياً الذي استنفد كل قدراته العسكرية والبشرية من دون ان يستطيع انهاء المعركة لصالحه.

الفرصة التي أعطيت للأسد طوال اربعة اعوام من اجل قمع الثورة انتهت، بمأساة انسانية كبرى يتحمل مسؤليتها كل من وقف الى جانب هذا النظام وساعده.

ولكن اليوم ومن أجل التسريع في عملية التخلص من نظام البعث، المطلوب من التنسيق العربي ان يستمر ويتطور ويدفع باتجاه توحيد القرار العسكري والسياسي السوري من جهة، ومن ثم المحافظة على المكتسبات على الارض والانتقال الى مرحلة محاصرة الأسد في المدن الكبرى التي يتحصن فيها.

هذه الخطوات من شأنها ان تقطع الطريق على اي تحايل سياسي تريد ايران وحلفاؤها الروس والاميركيون فرضه على السوريين إنْ كان في إنشاء كانتون علوي او فرض الاسد شريكاً في الحل السياسي.

صحيح أن الاسد سيبقى لبرهة ولكن مصيره اليوم بيد استمرار التنسيق العربي، وامكانية توحيد المعارضة السورية.

موقع لبنان ناو

 

 

لعبة أميركية على حبال اليمن وسوريا لإرضاء.. إيران!/ هدى الحسيني

ذكرت تقارير غربية أن اتفاقا يجري العمل عليه بين الولايات المتحدة وروسيا، ترغب من خلاله الأخيرة في إنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأن الجانب الأميركي لا يعترض على ذلك رغبة من الإدارة الأميركية في إرضاء إيران.

يتعرض النظام السوري حاليًا لخسائر عسكرية كبيرة، وانهياره يعني ضربة قاصمة لإيران وروسيا، وهذا ما تريد أميركا تجنبه أيضا في اليمن من أجل إيران. تريد من المملكة العربية السعودية إيقاف القصف والدفاع عن حدودها على «أساس الوضع الإنساني»، ولهذا توجه جون كيري وزير الخارجية الأميركي للرياض من أجل إقناعها بأن «الحالة الإنسانية في اليمن لم تعد تسمح بمواصلة الحرب» ضد الحوثيين.

خلال إبحار الأسطول الإيراني إلى خليج عدن، أبلغ الأميركيون الإيرانيين – كي يتجنبوا المواجهة – بأنهم سيوقفون الحرب، وصاروا يتحدثون عن «الضحايا الجماعية»، وباعوا مسألة قرارهم ووعودهم بوقف الحرب إلى إيران.

الواقع السعودي الآن مختلف تمامًا. وهذا ما أقلق إيران، هناك جيل جديد برز وعلى رأسه الأميران محمد بن نايف ومحمد بن سلمان. جيل واثق من نفسه.. هذا الجيل لن يتراجع، خصوصًا عندما يسمع أن «أمن اليمن من أمن إيران». في الحسابات الجغرافية والتاريخية البسيطة وحتى الأمنية، هذه المعادلة غير بريئة وغير دقيقة.

في السابق كانت السياسة السعودية تفضل الصبر والانتظار، وإعطاء الآخر الفرصة كي يستوعب ويتراجع. الجيل الجديد رأى أن التمادي الإيراني تجاوز كل الحدود حتى اقترب من تهديد الأمن القومي السعودي والخليجي. إنه جيل واثق من نفسه وقدرات بلاده، يعرف أميركا، ويعرف كواليس الكونغرس، ويعرف الإعلام، ثم إنه لاعب على المسرح الغربي، والغالبية منه تخرجت من جامعات أميركية، والكل يدرك اللعبة الكبرى للإدارة الأميركية الحالية من أجل إيران. إن هذا الجيل حرك الشعب السعودي كله إلى جانبه.

عن لقائه مع محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني نقل ديفيد إغناتيوس في «واشنطن بوست» في 29 من الشهر الماضي قوله: «نريد حوارًا جديدًا مع السعودية ونريد شركاء جديين، ونريد لأمن المنطقة في المستقبل عملية متعددة الطبقات، كالتي جلبت الاستقرار لأوروبا الشرقية بعد الحرب الباردة».

يجب القول إن الإيرانيين الشباب نسبيًا مثل ظريف والرئيس حسن روحاني وحسين أمير عبد اللهيان وآخرين يعرفون جيدًا الأميركيين، ويعرفون أميركا، ويمارسون لعبة الرئيس باراك أوباما، يعرفون ما يريد وما تريد إدارته. من هنا يأتي عدم ارتياح ظريف والقيادة الإيرانية لبروز الجيل السعودي الجديد. ثم عندما يتحدث ظريف عن أوروبا الشرقية بعد الحرب الباردة لم يقُل أين تأتي إيران في هذه المعادلة، هل سيكون مصيرها كمصير الاتحاد السوفياتي؟

وكان تقرير سري للأمم المتحدة تحدث عن الدعم العسكري الإيراني المستمر للحوثيين في اليمن منذ عام 2009، وقال مسؤول إيراني لوكالة «رويترز»: «إن كل شيء يدور حول توازن القوى. تريد إيران وجودًا شيعيًا قويًا في المنطقة، لهذا تدخلت في اليمن». وعندما بدأت «عاصفة الحزم» في اليمن توقع كثيرون وصولها إلى سوريا، وقد لاحظنا التغيرات الفجائية على الأرض هناك.

وتواجه أميركا مشكلة، لم يعد باستطاعتها إيقاف السعوديين بالكلام والتصريحات. كشف الإيرانيون اللعبة عندما قالوا إن الأميركيين أبلغوهم بأنهم سيوقفون الحرب في اليمن وبالتالي لا داعي للأسطول الإيراني بمواصلة الإبحار. لهذا كما أن اللعبة الأميركية – الإيرانية مستمرة، كذلك فإن الحرب ستستمر.

يوم الاثنين الماضي قال روبرت فورد السفير الأميركي السابق لدى سوريا لـ(سي إن إن): «إن الحديث في واشنطن هو أن بشار الأسد أفضل الخيارات السيئة»، لكن يبدو أن المعارضة المسلحة في سوريا لن تتوقف، وبالتالي لن يستطيع الأميركيون إنقاذ الأسد. سيحدث سقوطه تغييرًا جذريًا في الشرق الأوسط، وقد يتدخل الروس والإيرانيون عسكريًا لإنقاذه. أما الرئيس باراك أوباما فإنه يحاول أن يتجنب أي شيء يضطره إلى التصرف انطلاقًا من أن أميركا هي القوة الكبرى في العالم، فهذا لا يفيد الصفقة مع إيران.

عندما بدأ السعوديون حملة «عاصفة الحزم» دفعوا أوباما إلى «أصعب» الخيارات: أنت معنا أم ضدنا! واضطر إلى الوقوف إلى جانب السعودية كي لا يخسر داخل أميركا، إذ الكل يعرف أنه إلى جانب إيران، لذا يعمل المستحيل لتجنب مواجهة بحرية.

يحاول أوباما تجنب «لحظة الانكشاف» التي صارت معروفة لدى الجميع. نجح في ذلك لكنه أثار حفيظة الإيرانيين الذين تمسكوا بأن كيري وعدهم بإيقاف الحرب. ويستمر كيري بتوزيع الوعود، فهو قال مساء الأحد الماضي للقناة العاشرة الإسرائيلية عن الاتفاق النووي مع إيران: «سيكون لدينا مفتشون دوليون كل يوم في إيران. هذا ليس اتفاقا لمدة 10 سنوات فقط، إنه إلى الأبد».

الآن في سوريا الشيء نفسه يحدث. لا يعرف الأميركيون كيف يتجنبون سقوط الأسد، لأنه إذا سقط فإنهم مضطرون إلى الوقوف إلى جانب القوى الموالية للغرب في المنطقة ولا تريد الإدارة لهذه اللحظة أن تأتي. لذلك تقول: نحاول تجنب حرب كبيرة، لكن لن تستطيع لأن ما سيحدث سيحدث، ولحظة الحرب الكبيرة تقترب تدريجيًا، ولهذا ذهب وزير الدفاع السوري إلى إيران لبحث خطوات «تعاون استراتيجي بين الجيشين».

يقول مصدر عسكري غربي إن هدف أوباما تجنب الحرب من أجل إيران، لكنه لن يستطيع. إيران تريد إنقاذ الأسد، إذا تدخلت إيران عسكريًا فهذا سيناريو مخيف للمنطقة، لكن في الوقت نفسه يجب أن تعود إيران إلى حجمها، وأن تعرف روسيا أنها لم تعد أبدًا الاتحاد السوفياتي، لهذا لا توجد طريقة لمنع الحرب من الوقوع، حتى لو توقفت «عاصفة الحزم» في اليمن فإنها ستتحول إلى دولة أخرى.

الملاحظ أنه في حين يقف الروس إلى جانب حلفائهم حتى النهاية، فإن إدارة أوباما تقف ضد حلفاء أميركا وتقوم بمناورات لتغطية هذا الموقف. لكن هذا لن يستمر، لأنه إذا مال الميزان سلبًا أكثر في سوريا واليمن فإن الروس والإيرانيين سيقفون معهما ويسببون لأميركا وضعًا يفرض عليها أن تتخذ موقفًا هي الأخرى مع حلفائها.

تدعي أميركا أنها تريد تجنب الحرب. لكن لاحظ السعوديون، ولم يلاحظ الأميركيون، أنه منذ الربيع العربي، كلما اهتز مكان في الدول العربية تدخلت إيران لتصبح لها اليد العليا، ومن هناك تخطط لدفع أنظمة أخرى إلى الاهتزاز مع الاستعداد للتدخل فورًا. ومحاولة إيران عبر الحوثيين السيطرة على جنوب اليمن كانت العامل الذي أشعل ردًا سنيًا جماعيًا مع العلم أن اليمن هو المرحلة الثانية بعد إطاحة نظام «الإخوان المسلمين» في مصر، فأوجد ذلك تحالفًا خليجيًا – مصريًا، وقد يكون اليمن المرحلة التي تسبق ما سوف يحدث في سوريا والعراق لاحقًا.

نجح العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في توحيد الرد العربي وتجاوز «النصائح» الأميركية، وذلك عندما دفعت إيران بالحوثيين إلى مدينة عدن وباب المندب، وكان الهدف توحيد اليمن تحت سيطرة الحوثيين، بعدما سقطت العاصمة صنعاء. تلك كانت خطوة أبعد من المقبول، فاليمن يشترك مع السعودية بحدود طولها 2500 كلم، وتحّكم الحوثيين بهذه الحدود يوفر لإيران الوسائل المطلوبة للضغط على السعودية.

منذ «عاصفة الحزم» عرفت إيران أنها بدأت تخسر، وصارت تهديداتها وما يصدر عن حلفائها يلقى آذانًا صماء، فأصبحت عبر ظريف تدعو الآخرين لمساعدتها على النزول عن الشجرة من دون أن تقع. ثم إنها مع الهزائم المتلاحقة صارت مهتمة بالتفاوض مع الأميركيين حول كل المسائل، وليس فقط الملف النووي، وترى في كيري من يسوق مشروعها لـ«الوحدة الوطنية في اليمن، ولبقاء الأسد في سوريا».

الأميركيون كعادتهم ضائعون، يتظاهرون بأنهم إلى جانب السعودية، ويقولون إنهم إلى جانب السلام، لكن أميركا لم تهتم بالسلام عندما احتل الحوثيون كل اليمن، بل عندما صارت المكاسب الإيرانية مهددة.

السعوديون والعرب بشكل عام صاروا يدركون أبعاد هذا الكلام «الجميل»، وأن كل الحديث عن السلام الآن في المنطقة البعيدة عن السلام إنما هو خدعة لإنقاذ إيران والمحافظة على مكاسبها. وتعتقد أميركا بأن إيران ستكون ممتنة لها إذا ما نجحت في «فرض السلام على اليمن، وإبقاء الأسد في سوريا» وتمنحها الاتفاق!

الشرق الأوسط

 

 

 

 

لماذا تستعجل واشنطن الان تدريب المقاتلين السوريين؟/ حسين عبد الحسين

الحماسة التي أبدتها إدارة الرئيس باراك أوباما لتدريب وتجهيز “المعارضة السورية المعتدلة” خارجة عن المألوف، إذ حسب وزير الخارجية التركية، مولود جاويش أوغلو، ستبدأ الولايات المتحدة العمل بالبرنامج، الذي أعلنته العام الماضي، في التاسع عشر من الشهر الحالي، على أن يتخرج 300 مقاتل كل شهر، ما يعني أنه مع نهاية العام، ستكون قوة معارضة مؤلفة من 2100 جندي جاهزة للانخراط في الحرب السورية.

وتأتي الحماسة الأميركية في وقت لم يعلّق وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، أثناء استقباله رئيس الائتلاف السوري المعارض، خالد خوجة الأسبوع الماضي، على مطالب ضيفه بإقامة مناطق آمنة داخل سوريا. واكتفى كيري بتكرار “نقاط الكلام” الأميركية، التي تتمحور حول حل سياسي عبر حوار مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وفي غياب أي حديث أميركي عن مهمة القوة المزمع تدريبها في تركيا، يبدو أن أهداف واشنطن خلف التدريب لا تتعلق بتغيير موازين القوى العسكرية على الأرض السورية، فالحكومة الأميركية تعلم انه حتى القوات الأكثر عديداً وأحسن تدريباً وتسليحاً، مثل البشمركة الكردية والجيش العراقي، تعاني في مواجهاتها مع قوات تنظيم “الدولة الإسلامية”. كذلك، تعلم أميركا، من تجاربها السابقة، أن “التجهيز” الذي ستزوده للقوة المعارضة المعتدلة لن يوازي قدرات، لا قوات النظام ولا قوات المعارضة الإسلامية، التي لا تستسيغها الولايات المتحدة.

هذا يعني أن هناك سببين رئيسيين يكمنان خلف البرنامج الأميركي، وهما نفس السببين اللذين دفعا “وكالة الاستخبارات الأميركية” (سي آي ايه) على الاشراف على برنامج مماثل في الأردن قبل أكثر من سنتين.

السبب الأول هو ان أي برنامج تدريبي يعطي الولايات المتحدة فرصة للاحتكاك بمقاتلي المعارضة، وتكوين فكرة عن الفصائل وترتيبها وارتباطها ببعضها البعض. كما تعطي برامج من هذا النوع الولايات المتحدة فرصة لتحديد “من مع من” بين المعارضين السوريين المقاتلين، ومن يمكن لأميركا الركون اليه، ومن عليها ان تضعه تحت المراقبة الاستخباراتية خوفاً من نشاطات مستقبلية قد يقوم بها ضد مصالح أميركية وغربية.

لذلك، رأينا واشنطن تشرف في الماضي على برنامج “خفيف” من نوعه، فيه تدريبات بسيطة على استخدام السلاح، ويغيب عنه التسليح، فيما اكتفت أميركا بتزويد الثوار الأصدقاء بـ “مساعدات غير فتاكة”، على شكل أجهزة اتصالات ووجبات طعام جاهزة.

السبب الثاني هو أنه بسبب الانتصارات العسكرية التي حققتها المعارضة السورية على مدى الأسابيع الماضية، تخشى الولايات المتحدة أن يؤدي انهيار نظام الأسد، ووصول المعارضة المسلحة الى الحكم، الى غياب أي أصدقاء لواشنطن من بين المعارضين المسلحين، أي انه – حسب التعبير الأميركي السائد – تريد واشنطن ان “يكون لها حصان” بين الفصائل السورية المختلفة حتى يكون لديها عيون وآذان، وكذلك كلمة، في مرحلة ما بعد الأسد.

لهذه المصالح الأميركية الذاتية سارعت الولايات المتحدة الى ابلاغ المسؤولين الاتراك استعدادها لإعادة تشغيل برنامج “التدريب والتجهيز”، المتعثر منذ شهور، فالولايات المتحدة لا تسعى إلى إنشاء قوة عسكرية تساهم في تغيير الوقائع على الأرض، أو تكافح الفصائل التي تصنفها واشنطن عدوة، بل جلّ ما تريده هو أن يكون لديها قوة صديقة بين الثوار، في حال اكتسح هؤلاء ما تبقى من الأراضي التي يسيطر عليها الأسد وتسلموا زمام الحكم.

موقف واشنطن الفعلي من تسارع الأحداث العسكرية في سوريا، هو ما قاله كيري علناً أمام خوجة: حوار سياسي بين المعارضة والنظام، تليه مرحلة انتقالية وحكومة جامعة لكافة الأطياف السورية. أما بقية التصريحات الأميركية حول التدريب والتجهيز والتسليح، فمجرد كلام بكلام.

المدن

 

 

 

انتصارات المعارضة السورية/ حسن بن سالم

< تحول كبير وخلخلة في ميزان القوى يحدث في الأراضي السورية لمصلحة المعارضة العسكرية، بالتزامن مع تطورات شكّلت تحوّلاً في سياسة أهم الدول الفاعلة والمؤثرة في دعم المعرضة السورية، كان أهمها «عاصفة الحزم»، التي لم تهدف فحسب إلى تصحيح وضع اليمن، وإنما الوضع في المنطقة، وتحجيم الدور الإيراني المتضخم فيها.

إذ لم تقتصر رياح «عاصفة الحزم» على انهيار إحدى ركائز المشروع الإيراني في اليمن فحسب، ففي الوقت الذي كان يشاهد فيه العالم ‏الوحدة العربية في مواجهة المشروع الإيراني على أيدي وكلائه الحوثيين، كانت الفصائل السورية المعارضة التي أعلن معظمها تأييدها «عاصفة الحزم» تتحد وتتحالف لتشكل جيشاً حرّر في خمسة أيام مدينة إدلب، وليخسر بذلك ‏النظام السوري ثاني محافظة له بعد الرقة.

فمع «عاصفة الحزم» هبت عاصفة غرفة عمليات جيش الفتح، وأصبحت المعارضة تتقدم يوماً بعد آخر وبشكل متسارع، فغرفة عمليات جيش الفتح التي ضمت فصائل حركة أحرار الشام الإسلامية، وجبهة النصرة، وجند الأقصى، وفيلق الشام، ولواء الحق، وأجناد الشام، ابتدأت في شمال سورية برسم خريطة عسكرية جديدة، تستطيع أن تفرض واقعاً سياسياً أقوى للثورة، وتشكل نوعية عمل عسكري يعيدان ترتيب الأوراق بما يخدم أهداف الثورة.

ومن هذا الجيش انطلقت بعدها «معركة النصر»، التي جاءت بتنسيق بين فصائل غرفة عمليات «جيش الفتح»، إضافة إلى جيش الإسلام؛ من أجل السيطرة على بقية مدن ريف إدلب، وحقّقت فصائل المعارضة السورية المسلحة من خلالها في شمال البلاد تقدماً كبيراً بالسيطرة على معسكر القرميد الاستراتيجي ومدينة جسر الشغور، خط الدفاع الأول لقوات النظام عن منطقة الساحل، وأهم خطوط إمدادها، ويُرجّح أن تبدأ الفصائل معارك إسقاط ما تبقّى من مواقع عسكرية لقوات النظام في محافظة إدلب، كمعسكر المسطومة ومدينة أريحا، إضافة إلى بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين. ومن شأن هذه الخطوة أن تضع محافظة إدلب كلها خارج سيطرة النظام، وهو ما يفتح المجال أمام احتمالات عدة، سواءً على الصعيد الميداني، لناحية المسار المستقبلي للمعارك، أم على الصعيد السياسي، وهو ما يعطي المعارضة عوامل قوة إضافية في مفاوضات «جنيف 3».

لقد استطاعت المعارضة أن تحقق تلك الإنجازات الميدانية على الأرض في وقت قصير، بعد أن استطاعت هذه المرة تجاوز أكبر إشكالٍ كانت تعاني منه، وهو التناقض والاختلاف بين الكتائب المسلحة، وارتباط بعضها بسياسات دول كانت مختلفة في رؤيتها، إذ قاد تحالف «عاصفة الحزم» إلى إحداث توافق بين هذه الدول في الرؤى، أدى إلى تأسيس «جيش الفتح»، وإطلاق معركة النصر، وهو ما يمهد إلى تأسيس تحالفات في مناطق أخرى على منوالها (حلب، وريف دمشق)، ويجعل الصورة في وضعها الراهن مختلفة كلياً عما كانت عليه، وبات النظام الذي كان يتحكم بإيقاع المعارك وتوجيهها مع حلفائه لمصلحته، في موقف أضعف وأكثر ارتباكاً، ليس بسبب خسارته في الجهة الشمالية فحسب، بل وبخسارته قبل ذلك في الجهة الجنوبية، فسيطرة الجبهة الجنوبية (الجيش الحر)على مدينة بصرى الشام بريف درعا شكلت ضربة قاسمة للنظام ولإيران، التي كانت تقود المعركة هناك بقيادة قاسم سليماني، إذ كان هذا النصر دافعاً لتحرير مناطق أخرى أهمها معبر نصيب الحدودي، وهو ما جعل النظام عاجزاً عن مواجهة هذا الاندفاع، ولاسيما أن الهجمات الأخيرة جاءت في وقت كانت دعاية النظام تشيع عن هجوم وشيك لجيشه على مدينة إدلب لاستعادتها من المعارضة، لكنه فوجئ بهجوم استباقي من المعارضة جعله من جديد في موقع الدفاع التراجعي، وقد أشار السفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد أكثر الخبراء بالشأن السوري، في مقالة نشرها منذ أيام بعنوان: «مؤشرات على بداية نهاية النظام السوري» إلا «أن التطورات الأخيرة قد تكون في الواقع هي مؤشرات على بداية النهاية بالنسبة إلى هذا النظام، وأنه في موقف دفاعي على نطاق واسع الآن، وأن ما نراه اليوم قد يكون علامة بداية نهايتهم».

ويظل الأمر المهم الآن هو قدرة الدول الداعمة للمعارضة على توحيد المعارضة وربط الفصائل المسلحة على الأرض بعنصر وجسم سياسي واحد، من أجل تنفيذ وتثبيت مخرجات بيان جنيف1، بتشكل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية، ليس للأسد أية عملية سياسية فيها، فالانتصارات التي حققتها قوات المعارضة المسلحة يجب أن تستثمر سياسياً، بتكثيف الضغوط على النظام السوري، بما يؤدي إلى إضعاف موقفه، وتخليه عن نهج التعنت والمماطلة. أما ما يثار حول مشاركة جبهة النصرة في غرف العمليات، فإن العمليات تجري بالتنسيق معها كفصيل وليست هي من يتصدر المشهد، ولا تزال معظم الفصائل وعلى رأسها «أحرار الشام» تدفع باتجاه فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتحويلها تدريجياً من مشروع جهادي إلى مشروع وطني سوري، بالاعتماد على العناصر السورية القيادية في الجبهة على حساب المقاتلين الأجانب، في وقت لم تفلح فيه الجهود الإقليمية والدولية بدفع جبهة النصرة إلى مزيد من التكيّف مع الشأن الداخلي السوري وفك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتشير بعض المصادر إلى احتمالية وجود سيناريو يهدف إلى دفع العناصر التي تميل إلى الانفصال عن «القاعدة»، إلى اتخاذ قرار بالانفصال عن جبهة النصرة، وهو ما قد تتضح بعض معالمه خلال المرحلة المقبلة.

* كاتب سعودي.

الحياة

 

 

 

النظام السوري في حدّه الأقصى/ تـونـي بـدران

هل هذه بداية نهاية بشار الأسد؟ في ظل الهزائم المتتالية التي يعاني منها نظامه في شمال وجنوب البلاد، يرى العديد من المعلّقين أن نهاية الديكتاتور السوري تقترب.

إلاّ أنّ الأكثر دقّة القول إنّ الحرب في سوريا دخلت مرحلةً جديدة، يمكن تسميتها تحديد حدود النظام. بعض هذه الحدود بنيوية، تتعلق بالحقائق الديمغرافية، وبعضها الآخر من فعل الديناميات الجيوبوليتيكية الجديدة، وبالتحديد تنظيم إئتلاف إقليمي مناهض لإيران. الواضح هو أنّ المكاسب التي حقّقها النظام على الأرض على مدى العامين الماضيين، والتي كانت نتيجة دعم إيراني ضخم له، تُمثّل قمة ما قد يأمل تحقيقه. فهذه المرحلة من النهضة التي وفرّها الإيراني بلغت منتهاها.

قد يكون من المناسب تسمية المرحلة السابقة، التي بدأت في صيف 2013، “الإحياء الخادع للأسد”. وقد تميّزت بتدخّل إيران وميليشياتها (“حزب الله” بشكل أساسي) على نطاق واسع، مساندةً للنظام، وبظهور الدولة الاسلامية في شمال وشرق سوريا. وقد مكّن تدخّل هذين اللاعبين النظام من استعادة حضوره على الأرض ومن السيطرة على الوضع- على الرغم من العيوب البنيوية ومواطن الضعف الكثيرة التي عادت لتظهر من جديد اليوم.

سمح التدخل الايراني للنظام بإحكام سيطرته على أراض حيوية استراتيجياً، تصل دمشق بجبال سوريا الساحلية عبر الممر على طول الحدود مع لبنان الذي يصل دمشق بحمص. وأشرفت إيران كذلك على إعادة بناء القوى القتالية للأسد، حيث عملت على دمج الجيش النظامي بالميليشيات الشيعية التي تحركها إيران وبوحدات عسكرية سورية مدرّبة على يد إيران. وفي غضون ذلك، عمل قيام داعش لمصلحة الأسد لأنه ركّز بشكل أساسي على قتال المعارضة بدل قتال النظام.

بالإضافة الى ذلك، وفي حين أنّ إيران أبقت تركيزها على الأمور الاستراتيجية- واستمرّت في دعم النظام- لم تحافظ الولايات المتحدة، والسعودية، وباقي الداعمين للمعارضة السورية على وحدتها.

وقد رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما بكل حزم أن يأخذ الخطوات اللازمة لتنظيم المعسكر المناهض للأسد ولمنحه الهدف الاستراتيجي الذي منحته إيران للقوات الموالية للنظام. وهذه العوامل مجتمعة سمحت للأسد وحلفائه بالاستمرار بالهجوم، وبتوسيع المنطقة العازلة حول المنطقة الاستراتيجية للنظام، وعلى تعزيز المواقع في حلب وقربها.

إلاّ أنّ هذا التوسّع كان في العديد من النواحي اصطناعياً، واعتمد في الغالب على طرق إمداد متفرقة. وهو اليوم يصطدم بعائق بنيوي- هو بالتحديد قدرة النظام المحدودة على التعبئة.

“في الوقت الحاضر التعبئة العلوية في أقصى درجاتها، سواء بالنسبة الى الجيش أو بالنسبة الى الميليشيات، وكل الأدلة تشير الى أنّها لا تستطيع أن تدعم أي هجومات وبالكاد يمكنها ان تسيطر على الخطوط”، كما يشرح المؤرّخ ويليام هاريس، صاحب كتاب: المشرق: فسيفساء محطّمة، الذي يُعتبر مصدراً مهماً لفهم الديناميات الأعمق لما يجري في سوريا.

وحتى في عزّ الهجوم المضاد من جانب الأسد – إيران، كانت القيود التي تكبّل النظام بادية – على الرغم من إدخال إيران آلاف المرتزقة الشيعة الى ساحة المعركة. على سبيل المثال، ومع كل الحديث عن إعادة السيطرة على حلب خلال العامين الماضيين، لم يتمكن النظام من تحقيق هذا الهدف. وفي غضون ذلك، في الجنوب، بدأت سيطرة النظام تنهار تدريجياً خلال عام 2014- وهذا على الرغم من الاستثمار الإيراني الكبير هناك.

وفي كل الأحوال، كان معدّل الإنهاك في صفوف قاعدة الدعم الرئيسة للنظام- أي الطائفة العلوية- مرتفعاً جداً. “كل ما نسمعه عن الخسائر في صفوف الذكور العلويين المعبئين يدلّ على أنّ معدّلات الخسائر مشابهة لمعدلات خسائر الجيوش التي عانت من أسوأ معدّلات الخسارة في الحرب العالمية الأولى”، يقول هاريس.

وبعيداً عن هذه المشكلة البنيوية غير القابلة للمعالجة، فقد لعب ردّ السعودية على التدخّل الايراني دوراً أكبر بكثير مما تصوّر معظم المعلقين. فبعد تيّقن الملك السعودي الجديد من أنّ أوباما تخلّى عن الدور القيادي التقليدي لأميركا في الشرق الأوسط، عمد الى تنظيم الدول الإقليمية للوقوف في وجه سياسة التوسّع الإيرانية. وترجم قراره من خلال التنسيق بين الرياض وباقي اللاعبين الإقلميين- لا سيما تركيا، وقطر والأردن- ما أثّر بسرعة على مجرى الأحداث في ساحة المعركة السورية. ونتيجةً لذلك، فإنّ موقع النظام في إدلب ينهار الآن، ويستمر في التراجع في محافظة درعا أيضاً.

هكذا نكون اليوم قد عدنا الى حيث كنّا قبل عامين تقريباً. فلأسباب بنيوية، هكذا كان متوقعاً على الأرجح من النظام أن ينتهي به المطاف: بأن يكون مقاطعة معزولة في غربي سوريا.

وفي المرحلة الأخيرة من الحرب، عوّض الإيرانيون عن النقص في العنصر البشري في ساحة المعركة، ولكنّهم استغلّوا كذلك دبلوماسياً المخاوف الغربية من داعش. حيث نجحت إيران ووكلاؤها بإقناع المعلّقين الغربيين شبه الأمّيين بأنّ إيران والأسد يتشاركان المصالح نفسها مع الولايات المتحدة وأوروبا في دحر داعش. ولم تخطر على بالهم حقيقة كون الديكتاتور السوري لن يلعب يوماً الدور الذي يريدونه له. إذ لطالما حدّدت القيود البنيوية بأنّ الأسد يمكن أن يكون في أفضل الأحوال جنرال حرب مدعوماً من إيران، يسيطر على مجموعة من الكنتونات ممتدة من دمشق الى الساحل.

إن استمرار تدهور الأسد يعتمد على ثلاث متغيرات رئيسة. الأول يتعلق بضرورة حفاظ المملكة العربية السعودية على وحدة داعمي الثوار. الثاني هو ضرورة حفاظ الثوار أنفسهم على شكل من أشكال التماسك الداخلي فيما بينهم. وثالثاً، ضرورة حرص الولايات المتحدة على أن لا تمنح الصفقة النووية إيران الوسائل، الدبلوماسية والاقتصادية، لإعادة إنعاش القوى الموالية للأسد مرة أخرى.

الطريق لا يزال طويلاً، وسوف يشهد الكثير من المراحل الأخرى من الحرب. ولكن على المدى الطويل، الوضع لا يبشّر بالخير بالنسبة للنظام.

طوني بدران من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وهو يغرّد على تويتر @AcrossTheBay

موقع لبنان ناو

 

 

 

لروسيا أيضاً دور في التراجع الميداني لقوات الأسد؟/ جورج سمعان

بدأ المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ومساعدوه لقاءاتهم مع أطراف الصراع في سورية. يأتي هذا التحرك الجديد على وقع «الأغاني الوطنية» التي أحلّها النظام في دمشق محل البرامج المنوعة، إثر الانتكاسات التي مني بها في شمال غربي البلاد وجنوبها. ويأتي إثر فشل لقاء «موسكو 2» الذي لم يحرك قطار الحل السياسي خطوة إلى الأمام. ويأتي عشية القمة الأميركية – الخليجية. أما النتائج فلن تظهر إلا مع نهاية حزيران (يونيو) المقبل، المهلة الأخيرة لإبرام اتفاق نووي بين إيران والدول الخمس الكبرى وألمانيا. وهو موعد بات كثير من الاستحقاقات في المنطقة العربية مرتبطاً به ارتباطاً مباشراً. من مستقبل «عاصفة الحزم» و «إعادة الأمل» في اليمن، إلى مصير «جنيف 3» وإمكان تحريك عاصفة مشابهة في سورية. ومن مسار الحرب على «داعش» في العراق ومستقبل الوضع السياسي في هذا البلد، إلى مستقبل الانتخابات الرئاسية في لبنان على وقع قرقعة السلاح استعداداً لموقعة القلمون… وربما مستقبل انخراط «حزب الله» في الحرب السورية.

في اليمن يرفع التحالف العربي ورقة العودة إلى طاولة الحوار في الرياض برعاية مجلس التعاون. لكنه لم يعلق «عاصفة الحزم» أداة ضغط متواصلة لتحقيق ما لم تحققه الديبلوماسية بين القوى المختلفة المعنية بأزمة اليمن. وفي العراق يحتدم النقاش حول دور «الحشد الشعبي» بميليشياته الشيعية وإدارته الإيرانية في تحرير المحافظات. وتغذيه المخاوف من احتمال مد الولايات المتحدة المكونين الكردي والسني بالسلاح اللازم من دون العودة إلى بغداد وحكومتها المركزية. ليس في الحدثين جديد طارئ كما هي حال الأزمة السورية التي شهدت في الأسابيع الأخيرة تحولات ميدانية تنذر بقلب المعادلة العسكرية وميزان القوى على الأرض لمصلحة الفصائل المسلحة المعارضة التي باتت تطرق أبواب الساحل في ريف اللاذقية التي تحتضن كتلة سنية وازنة حولت الخريطة الديموغرافية في هذا الساحل لمصلحة هذه الكتلة.

أكثر من عامل حرك جبهات الحرب في سورية. بينها التحالف العربي الجديد الذي أرسى تفاهمات بين بعض «أصدقاء سورية»، خصوصاً السعودية وقطر وتركيا والأردن، انعكست تفاهمات على الأرض بين فصائل متناحرة ومتنافسة. وانضمام وحدات تلقت تدريبات خارج سورية إلى هذه الفصائل. وتبدل المزاج الأميركي بعدما حض الرئيس باراك أوباما العرب على التحرك كما فعلوا في اليمن. وبينها أيضاً انشغال ميليشيات تدعمها إيران بالحرب على «داعش» في العراق. فضلاً عن انشغال طهران نفسها بتطورات الوضع اليمني، ومحاولة شد إزر الحوثيين وحلفائهم. إلى كل هذه الاعتبارات ثمة مؤشرات إلى تغير في مزاج روسيا: لم تعد تحتمل اقتصادياً. تعاني مثلها مثل الجمهورية الإسلامية. فعلت العقوبات وتدني أسعار الطاقة وخروج الاستثمارات الخارجية فعلها. ومن الطبيعي أن يترك ذلك أثره على الدعم الذي تقدمه إلى دمشق.

ربما باتت روسيا أكثر اهتماماً بإعادة النظر في موقفها بعد أربع سنوات من الوقوف إلى جانب النظام. وما يشجعها على ذلك إدراكها عبر مبعوثيها أن القيادة السورية لا تملك صورة عما قد يؤول إليه الوضع. وكانت ولا تزال تراهن على الحسم العسكري. وترفض مجرد البحث في أي تسوية سياسية. وبدت في الأسابيع الأخيرة عاجزة أمام تقدم المعارضة. وتعاند في التقدم ولو خطوة بسيطة في اتجاه المعارضة الداخلية، أو ما تسميه «المعارضة الوطنية». في حين كانت أصوات تتعالى في الساحل السوري معترضة وناقمة بعد الخسائر التي منيت بها المؤسسة العسكرية المنهكة بكل فروعها باعتراف الأسد نفسه. فيما يضرب الفساد عميقاً في نواح ومستويات عالية في هياكل السلطة، خصوصاً في صفوف قوات «الدفاع الوطني» حيث وصل الأمر إلى حد المواجهة الميدانية بينها وبين الجيش النظامي. كما حدث في حمص حيث تحاول الميليشيات إحباط أي هدنة ليستمر استغلالها للحصار وبوابات العبور! ولاحظت دوائر معنية أن الكرملين لم يخف انزعاجه من موقف وفد الحكومة السورية الذي حضر لقاءات «موسكو 2» الأخيرة مع بعض الوجوه المعارضة. وترجم هذا الانزعاج تخلفاً في مد الجيش السوري ببعض الشحنات من ذخائر وعتاد، وإن عاد إلى وتيرته السابقة أخيراً. وهو ما دفع ربما وزير الدفاع العماد فهد جاسم الفريج إلى زيارة طهران التي بدورها قلصت من دعمها المالي، ولم تعد قادرة، كما في السابق، على توفير كل ما تحتاج إليه آلة النظام.

إلى كل هذه الاعتبارات، تخشى موسكو أن تستأثر طهران بالورقة السورية كاملة. وما يقلقها أن تستخدم هذه الورقة على طاولة الحوار مع واشنطن إذا قيض للاتفاق النووي أن يرى النور نهاية الشهر المقبل. ولا شك في أن روسيا ترى إلى سورية حليفاً تاريخياً لا غنى عنه في قلب الشرق، سواء عبر القاعدة البحرية في طرطوس، أو عبر العلاقة العضوية مع الجيش السوري وترسانته من السلاح الشرقي. وهي تخشى أن تحقق المعارضة العسكرية مزيداً من المكاسب على الأرض بعدما باتت تطرق حدود الساحل من بوابة اللاذقية. مثلما تخشى أن تتصاعد الدعوات إلى قيام مناطق آمنة، مثلما ألح رئيس «الائتلاف الوطني» خالد خوجه في لقاءاته بواشنطن أخيراً. ومثلما تلح تركيا وآخرون.

لا يعني هذا التبدل أن روسيا تخلت عن الرئيس الأسد، أقله في المدى المنظور. لكنها قد تكون معنية بالتحرك الجديد للمبعوث الدولي الذي يسعى إلى إحياء ما نص عليه بيان «جنيف 1». متابعون لحركة الداخل السوري يتحدثون عن رغبتها مجدداً في إثارة موضوع المرحلة الانتقالية من ستة أشهر يظل فيها الرئيس الأسد على رأس السلطة، بينما تنتقل صلاحياته إلى حكومة مشتركة من أبناء النظام والمعارضة، تتولى الإعداد لانتخابات رئاسية يفترض أن تنتهي بطي صفحة الأسد، لكنها تحافظ على ما بقي من هياكل الدولة، لئلا تتكرر تجربة العراق. وليس مؤشراً عابراً أن تمرر موسكو في مجلس الأمن القرار 2216. ساهمت في تقديم غطاء شرعي لـ «عاصفة الحزم»، مع ما يعنيه من إغضاب لحليفها الإيراني، وتسليف للسعودية وأطراف التحالف العربي الجديد. وهي على علاقة جيدة مع مصر والأردن. وتعي جيداً أن بعض العرب المتوجسين بالتقارب بين واشنطن وطهران يسعى إلى حلفاء في صفوف القوى الكبرى يمكن الاعتماد عليهم كفرنسا والصين وروسيا لتعويض ما قد يفتقده من الانسحاب أو التخلي الأميركي.

مع هذا التوجه الروسي نحو تمتين العلاقات مع التحالف العربي الجديد وما يولده من تنسيق في مجالات عدة أبرزها أسعار الطاقة وأسواقها، يعلق سيد الكرملين أهمية كبيرة على بناء علاقات وثيقة مع رجب طيب أردوغان. فالرئيس التركي يعاني مثله من متاعب مع أوروبا التي بات شبه مقتنع بأنها لا تريده عضواً في اتحادها. ويمكن البلدين أن ينطلقا من مصالحهما الواسعة في مجال الطاقة نحو بناء سياسات مشتركة على مستوى المنطقة. فهما يتشاركان النفوذ في دول آسيا الوسطى، ويمكن أن يعززا روابطهما مع هذه الدول، من أجل تعزيز اقتصاديهما، والتنسيق معاً للتضييق على حركات التطرف الإرهابية. وربما شكلت أنقرة بديلاً من طهران إذا جازفت هذه وذهبت بعيداً في علاقاتها مع واشنطن في ضوء اتفاق نووي مرض يرفع عنها سيف العقوبات، ويفتح الباب واسعاً أمام الشركات الأميركية والغربية عموماً. علماً أن أوساطاً دولية تشير إلى تفهم في أوساط الرئيس حسن روحاني وفريقه لتسوية تأخذ في الاعتبار شيئاً من مضمون «جنيف 1» بما يرضي المعارضة. لكن الجناح المتشدد لا يزال يرفض تقديم أي تنازل في الساحة السورية، بل يبحث عن سبل الرد على السعودية انطلاقاً من اليمن.

والأوساط نفسها لاحظت أن بعض العرب من «أصدقاء سورية» باتوا أكثر اقتناعاً بالبحث عن تسوية تطمئن الأقلية العلوية وتحافظ على المؤسسة العسكرية بعد إعادة هيكلتها وإبعاد العناصر القيادية التي تلوثت أيديها بالدماء. وهناك من يتداول صيغة مشابهة لصيغة الحكم في العراق. أي أن تبقى الرئاسة للعلويين من باب طمأنتهم، على أن تنتقل الصلاحيات التنفيذية الرئيسية إلى رئيس الوزراء السني. مثل هذا الحل يحمل ضمانات لروسيا ببقاء قاعدتها العسكرية في طرطوس. مثلما يحفظ أيضاً شيئاً من النفوذ لإيران يبقيها على تواصل مع الساحة اللبنانية.

لكن المبالغة بالتفاؤل تصطدم بكم هائل من العراقيل. يكفي أن بعض الدوائر الغربية ترتاب من تحرك الكرملين. وتخشى من سعيه إلى عرقلة الاتفاق النووي بالإفراج عن صفقة صواريخ «اس 330» لإيران لدفعها نحو التشدد وكسر الحصار. ويسعى إلى تحويل الشرق الأوسط عنصراً أساسياً في الحرب الباردة مع الولايات المتحدة والغرب عموماً. فهل يكون البديل من فشل التسويات واستحالة التلاقي بين المكونات الوطنية في العراق واليمن وسورية الذهاب بعيداً في رسم حدود جديدة بين هذه المكونات لا تمس الحدود الدولية التي خطها سايكس وبيكو؟ ألا تقدم صيغة الدولة الفيديرالية أو الاتحادية ضمانات أكثر صدقية للنفوذين الروسي والإيراني؟ الأجوبة مع نهاية الشهر المقبل ومصير تحرك المبعوثين الدوليين في اليمن وسورية!

الحياة

 

 

 

“القاعدة” ليست بديلاً من الأسد/ موناليزا فريحة

النكسات الميدانية الاخيرة للنظام السوري في شمال البلاد وجنوبها اعادت ابراز الدور المحوري لــ”جبهة النصرة”. الفرع السوري لتنظيم “القاعدة” الذي اضطلع بدور رئيسي في المعارك المستمرة منذ أكثر من اربع سنوات، عاد أخيرا بقوة الى الواجهة، بعدما نافسته “الدولة الاسلامية” منذ 2013 بممارساتها الوحشية.

سقوط مدينة ادلب وبعدها جسر الشغور في نيسان الماضي تحت ضربات تحالف بقيادة “النصرة” ضم “جند الشام” و”جيش السنة” و”لواء الحق” و”أجناد الشام” وغيرها من الجماعات الاسلامية، لم يعكس القوة القتالية للجبهة فحسب، وإنما قوة الجذب التي تتمتع بها بين التنظيمات الاسلامية الصغيرة. اضافة الى قدرة هذه الفصائل على تحقيق اختراقات بارزة بعد تجاوزها الاقتتال في ما بينها وتركيزها على هدف واحد.

هذه المكاسب مرشحة للتمدد وسط تقارير عن انهاك للقوات النظامية وتزايد الدعم الاقليمي للفصائل المعارضة للأسد، بما فيها “النصرة” طبعاً، لكونها الاكثر قدرة على احداث اثر على الارض. ومثل هذا التغير في المشهد الميداني كان يفترض أن يشكل فرصة لزخم عربي ودولي جدي للدفع في اتجاه نظام جديد في سوريا ينهي حكم البعث الذي أطبق عليها عقوداً. لكنه عوض ذلك، يمكن أن يرسي مأساة جديدة لا تقل سوءا عن حكم الحزب الواحد اذا نجحت الجماعات الجهادية على شاكلة “النصرة” وغيرها في مواصلة انتصاراتها لتعزيز دورها في مستقبل سوريا.

في نظر بعضهم، ليست “النصرة” ببشاعة “الدولة الاسلامية”. ورغم تشاطرهما هدف اقامة الامارة الاسلامية، فثمة من يرى أن الجبهة تتمتع بميزة عن منافستها، وخصوصا بضمها مقاتلين سوريين أكثر من الأجانب، خلافاً لـ”داعش” الذي تحوّل خزاناً للجهاديين الاتين من حول العالم. ولا شك في أن الهدف المعلن للجبهة والمتمثل في اسقاط الاسد، يُكسبها قبولاً في المجتمع المعارض، خلافاً لأهداف”داعش” المشبوهة والعابرة للحدود السورية.

هذه الصبغة “السورية” وفرت لـ”النصرة” ولا شك قدرة على حشد تأييد ودعم شعبيين داخل القرى التي تغزوها. وازاء المكاسب الاخيرة التي حققتها، بدأت مراكز ابحاث أجنبية تطالب الغرب بعدم وضع “النصرة” و”داعش” في سلة واحدة، وتجاوز الانتماءات الايديولوجية للجبهة في محاولة لتشجيع “براغماتيتها” لانهاء النزاع السوري. نداءات كهذه فيها الكثير من المجازفة ، خصوصاً أن “النصرة” ليست الا “القاعدة” وإن غيرت اسمها ، وسجلها لا يقل دموية عن سجل “داعش”.

المشهد السوري الجديد الذي هو قيد التبلور يمثل تحديا جديا لـ”أصدقاء سوريا” والمجتمع الدولي، ويبرز حاجة ملحة الى سياسة متماسكة لسوريا تركز خصوصا على استنهاض القوى المعتدلة، السياسية منها والعسكرية. استنهاض كهذا قد يشمل دفع “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” الى الداخل السوري للقيام بالدور المنوط به أصلاً، ليثبت نفسه بديلا تعدديا وديموقراطيا من النظام، وتنفيذ البرامج الموعودة لتدريب المعارضة.

النهار

 

 

 

الأسد انتهى وبدأ اقتسام سوريا/ راجح الخوري

كل المؤشرات توحي بأن بشار الأسد انتهى وان ما يجري وراء الكواليس ليس سوى عملية مقايضة معقدة تتصل باقتسام سوريا مناطق نفوذ مرحلياً ريثما تتضح صورة المستقبل الذي لا يمكن فصله عن الشكل الإقليمي الجديد، وخصوصاً إذا تذكّرنا ان الحديث عن تقسيم العراق بات علنياً وصريحاً.

لكن هناك فرقاً في الواقع الميداني وفي التوزيع الأتني بين العراق وسوريا، ولهذا تستعمل في الحديث عن سوريا الآن كلمة اقتسام بدلاً من تقسيم. والاقتسام قد يكون مرحلياً لترتيب الحصص والمصالح بين المقتسمين. ولهذا كان من الضروري ضخّ مقدار من دخان التعمية عبر المشاورات الجانبية التي يجريها ستيفان دو ميستورا في جنيف مع بعض الأفرقاء السوريين، والتي لن تؤدي الآن الى أكثر من تحضير المنبر في إنتظار الاعلان عما يمكن ان يتوصل اليه المقتسمون وأعطائه شكلاً مشروعاً.

قبل أيام قليلة، ظهرت من طهران تحليلات غير رسمية تتحدث عن نقل العاصمة السورية دمشق الى طرطوس واللاذقية. ومع ان المقربين من النظام سارعوا الى القول ان هذا الإقتراح بعيد عن الواقع، فان لا دخان بلا نار كما يقال، فبعد ٢٤ ساعة برزت تقارير ديبلوماسية تتحدث عن مساعي اميركية مع ايران تهدف الى إجبار الأسد على التنحي!

طهران على ما تردد وضعت شروطاً محددة ثمناً لرأس الأسد، كضمان الحصول على الديون المترتبة عليه لمصلحتها وعدم الإدعاء على أي من الاطراف الايرانيين الذين قاتلوا الى جانبه، وتثبيت الملكيات العقارية التي حصلت عليها مقابل بعض الديون للنظام، والاعتراف بالهوية السورية التي أُعطيت لكثيرين من الإيرانيين الذين حاربوا مع الأسد!

كل هذا يأتي في ظل التطورات الميدانية الأخيرة التي عكست انهيارات متلاحقة لجبهات النظام، سواء في الجنوب حيث صدّ “الجيش السوري الحر” الايرانيين و”حزب الله”، وإنتقل الى الهجوم ليسيطر على بصرى الشام التي كانت مركزاً لـ”الحرس الثوري”، ثم جرى إقتحام معبر نصيب على الحدود الأردنية، أم في الشمال حيث سقطت إدلب ثم جسر الشغور وباتت اللاذقية مهددة!

المعارضة ستجتمع في انقرة ومن المرجح إعلان الشمال منطقة آمنة وبموافقة أميركية على ما يبدو، وفي الجنوب تسعى دول عربية لجعله منطقة آمنة أيضاً، وهذا ما يجعل منطقة الساحل السوري مسرحاً لتجاذب النفوذ بين ايران وروسيا، والرهان ضمناً على اصابة عصفورين بحجر واحد الخلاص من الاسد لفتح الباب واسعاً للخلاص من “داعش” والمتطرفين الإرهابيين.

من خلال كل هذا يمكن ان نفهم لماذا التركيز الكبير على المعركة من القلمون الى دمشق، ذلك ان ايران التي تخشى سيطرة روسيا على الساحل السوري تحرص على إبقاء الكوريدور الذي يربط القلمون وضواحي دمشق بلبنان!

النهار

 

 

سوريا مقبلة على وقائع تاريخية كبيرة

رأي القدس

أمر يحمل معاني سياسية مهمة أن يعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية عن مؤتمر مرتقب للمعارضة السورية في العاصمة السعودية الرياض «لوضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام بشار الأسد».

المؤتمر هو أحد عناوين تغيّرات كبرى في السعودية نفسها بدأت بالظهور بقوة مع إعلان «عاصفة الحزم» في اليمن، كما انعكست في تقاربات خليجية وإقليمية، ظهر تأثيرها في الساحة السورية مباشرة.

كان دور السعودية في الأزمة السورية، قبل تولّي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، يعاني إشكالا كبيرا، فرغم قرار ملكها آنذاك، عبد الله بن عبد العزيز، الواضح منذ رمضان عام 2011 بدعم المعارضة السورية لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، فإن تنفيذ ذلك عانى من صعوبات هائلة بسبب الخلافات في ترتيب الأولويات السياسية والأجندات بين الرياض والإمارات من جهة والدوحة وأنقرة من جهة ثانية، وهو ما أدّى لنتائج بمقاييس كارثية على المعارضة والشعب السوريين، وكذلك على الوضع العربي عموماً، حصدت إيران نتائجه تقدّما وترسيخاً لسيطرتها في المنطقة، وهو ما ترافق، بالضرورة، مع ارتفاع في وتيرة التطرّف في الحواضن السنّية في العراق والشام حصد تنظيم «الدولة الإسلامية» نتائجه توسعاً مطّرداً، مما أوقع المنطقة العربية بكاملها تحت وطأة تهديدين كبيرين (متعاكسين في الشكل ولكنهما متوافقان في المضمون بحيث يمدّان بعضهما بعضاً بأسباب العصبية والتطرّف والتوحّش ويشاركان في الأثر التهديمي للنسيج الاجتماعي العربي): إيران، وميليشياتها الشيعية المنفلتة من عقالها، و»الدولة الإسلامية» وتطرّفها السلفيّ والطائفي.

وإذا كان لتوسّع إيران (في اليمن والعراق وسوريا ولبنان) و»الدولة الإسلامية» (في العراق وسوريا) من فائدة فهو أنّه بلغ أوج خطره مع استلام الملك السعودي الجديد الحكم، فالتحدّي الداهم للسعودية (وشقيقاتها الخليجيات) كشف قصور التخطيط السياسي الاستراتيجي في الساحتين اليمنية والسورية ودفع الرياض ودول الخليج إلى قراءة جديدة للأوضاع وافقها وجود طاقم حكم سعودي جديد وهو ما أطلق الأساس العملي لعملية «عاصفة الحزم» في اليمن، ولتعاط استراتيجي جدّي مع الأزمة السورية.

يبيّن إعلان خالد العطية عن مهمة المؤتمر المرتقب للمعارضة السورية في الرياض وهي إعداد خطة لما بعد سقوط الأسد عن اقتراب حثيث من استحقاقات تأجلت فترة طويلة على الساحة السورية.

يترافق ذلك مع جهود تركية وخليجية مؤثرة لتوحيد فصائل المعارضة المسلحة السورية ومع وعود دولية بفكّ الحظر عن مضادّات الطيران وتوفير مناطق آمنة داخل سوريا لحكومة المعارضة وللسوريين المنضوين تحت لوائها، وهي أمور ستتم بلورتها خلال أو بعد لقاء القادة الخليجيين المرتقب بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في 14 و15 من الشهر الحالي.

الواقع مع ذلك يشير إلى أن معارضة الشعب السوري لنظام الأسد التي صمدت في وجه ضغوط هائلة من قبل النظام وحلفائه، كما نتيجة تردد ومماحكات الحلفاء العرب والغربيين عبر السنوات السابقة، تعرّضت لتبدّلات عميقة طالت بناها وبرامجها وشعاراتها بشكل يجعل من الصعب التكهّن، ناهيك عن التحكّم، بمساق الأحداث بعد سقوط نظام الأسد.

مع ذلك فلابد من الاعتراف أن معسكر حلفاء المعارضة السورية يُظهر، يوماً بعد يوم، منذ بدء «عاصفة الحزم» اليمنية، قدرة كبيرة على المبادرة كانت مفتقدة في التعاطي مع المسألة السورية، ويقابل ذلك إحساس متزايد لدى المعارضة السورية بالثقة بالنفس وبأن هزيمة النظام صارت ممكنة.

كل ما يحصل حالياً يشير إلى أن سوريا مقبلة على وقائع تاريخية ستغيّر توازنات المنطقة.

القدس العربي

 

 

الأسد والموت السريري!/ حسين شبكشي

أطل مجددا حسن نصر الله زعيم ميليشيا تنظيم حزب الله الإرهابي، على أنصاره في خطاب طويل وممل آخر (ظهر حسن نصر الله على أنصاره خلال أزمتي اليمن وسوريا أكثر مما ظهر طوال معاركه ضد إسرائيل واستخدم لهجة أشد وأكثر عدائية بحق العرب)، وما هي إلا سويعات قليلة ويمنى تنظيم حزب الله الإرهابي بخسائر عظيمة في صفوف مقاتليه بمنطقة القلمون على الحدود السورية اللبنانية، فيفقد خمسة من قادته العسكريين، اثنان منهم من قادة الصف الأول هما قائد العمليات العسكرية ونائبه، إضافة إلى أربعة آخرين، مما جعلهم يتقهقرون من النقاط التي تمركزوا فيها أساسا.

كان ظهور حسن نصر الله في غاية الارتباك والخوف والقلق، وبدا ذلك بوضوح على حركات وجهه ولغة جسده؛ فجميعها كانت تؤشر بأن هناك حالة انهزامية قد أصابته ولم يعد قادرا على إيصال ما يقوله بثقة وقناعة، وما هي إلا ساعات أخرى قليلة وظهر بشار الأسد في أحد الأماكن العامة في العاصمة السورية دمشق أصفر الوجه مرتبكا خائفا قلقا يحاول طمأنة مؤيديه بكل ما أوتي من قوة ووسيلة، معترفا ومقرا بحصول هزائم وتراجعات في جيش النظام أمام الثوار في جبهات مختلفة.

القناعة في ازدياد هائل وعظيم بأن مرحلة نظام الأسد انتهت بشكل كامل. والآن، بات العالم يستعد للدخول في مرحلة ما بعد الأسد، الأمر الذي يفسر التوتر الهائل الحاصل في إعلام الأسد المؤيد وفي صفوف مسانديه.

الثوار يواصلون تحرير الأراضي والمدن بشكل متناسق ومدروس وبعيد عن العشوائية، وحزب الله يرتفع صوته بالوعيد والتهديد، والأسد يحاول زرع الطمأنينة والثقة بأي وسيلة ممكنة في نفوس أنصاره، ولكنها مهمة مستحيلة، خصوصا مع توالي الأخبار الغريبة عن الموت الغامض والغريب لعدد غير بسيط من رموز الدائرة الأمنية المحكمة والمقربة في نظامه، مما يوحي بأن هناك حالة متسارعة من تصفية النظام لرموزه مع إدراكه لاقتراب رحيله وسقوطه الحتمي والوشيك، وفي حالة أصابت من قبل كثيرا من الأنظمة الطاغية.

المعارضة السورية على الأرض اكتسبت قدرا مهما ولافتا وواضحا من الكفاءة والثقة بالنفس، انعكس على أدائها ونتائجها بشكل فعال، وأدى إلى انهيار كبير في نفسيات جنود الأسد. هناك خروج كبير ونزوح عظيم لعوائل مؤيدي الأسد باتجاه مدن الساحل، إضافة إلى أن طرح نقل كثير من مؤسسات الدولة بصورة «مؤقتة» إلى طرطوس، أصبح مستساغا في أوساط النظام، خصوصا بعد أن تم الإعلان عن إنشاء مطار في طرطوس ومضاعفة حجم وسعة الميناء فيها، بالإضافة إلى إنشاء جامعة جديدة.. كل هذه المؤشرات تؤكد أن النظام يسير للاحتفاظ بموضع قدم طائفي لنفسه في الكيان الذي دمره، فالكل في سوريا يعيش بشكل عملي وفعلي معنى مقولة «الأسد أو حرق البلد». إن الدمار الممنهج الذي حصل في دور الزور وإدلب وحلب وحمص وجسر الشغور، هو دمار المفارق والمغادر الذي لن يسمح لمن يأتي بعده أن يهنأ بها، وسيجعله يتكلف أموالا طائلة من الديون والأعباء لإعادة البناء، وهي مرحلة من المشهد العام يبدو أنها سوف تكون مكلفة وطويلة.

إيران أدركت بصورة أو بأخرى أن «ثمن» المحافظة على بشار الأسد باهظ، وهي تستعد للمرحلة القادمة، وهذا يفسر هجوم الإعلام المؤيد لبشار الأسد في لبنان على إيران والاستغراب من صمتها وعدم قيامها بإرسال العتاد والجند اللازم لمساندة النظام، وهو الأمر الذي انعكس بشكل فوري على فشل زيارة وزير الدفاع السوري إلى طهران وعودته من هناك بخفي حنين، ورأى العالم أثره في وجهي بشار الأسد وحسن نصر الله مؤخرا.

نظام بشار الأسد مات سريريا وباق إعلان الوفاة رسميا.

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى