خلف علي الخلفصفحات سورية

عن بدء تفكك النظام والأصوات المشبوهة التي تدعو لإيقاف التظاهر

 


خلف علي الخلف

بعد توالي الثورات العربية تولّد ما يمكن أن نطلق عليه “علم الثورات المقارن” عربياً. وفي الوقت الذي تنقل الأنظمة العربية التي اجتاحتها هذه الثورات من كتاب موحد مع تنويعات طفيفة؛ يبتكر المحتجون في هذه البلدان أساليب متنوعة لمواجهة هذه الانظمة وأساليبها المكررة والمكشوفة في مواجهة المحتجين ومحاولة ثنيهم عن الوصول إلى أهدافهم النهائية.

وقد انتشر في أدبيات الداعمين للثورات جدولا للمقارنة بين المراحل التي قطعتها كل ثورة سواء تلك التي أنجزت الإطاحة بالنظام أو تلك التي ما زالت في طريقها إلى إنجاز مطالبها التي تتلخص بـ ” إسقاط النظام”.

ويمكن تلخيص هذه المقارانات بحسب التسلسل بـ : 1- بدء التظاهر. 2- إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين. 3- ترويج اسطوانة المندسين والأجندة. 4- إعتقالات واسعة. 4- الإدعاء أن الحياة عادت لطبيعتها. 5- اتساع التظاهرات. 6- الخطاب الأول للرئيس وإطلاق وعود بجعل البلاد كـ”سويسرا” خلال شهر مترافقا مع تهديدات. 7- الإستخفاف بالخطاب واستمرار التظاهرات. 8- هبوط القناصة من كواكب بعيدة وقتل المحتجين. 9- إقالة الحكومة ووعود إقتصادية. 10- توسع المظاهرات وتحطيم صور الرئيس وتماثيله. 11- الخطاب الثاني وإعطاء وعود أكثر. 12- إيقاف دوري كرة القدم وإغلاق الجامعات. 13- خروج جوقة من بطانة النظام تطالب بإيقاف التظاهر وإعطاءه فرصة لتطبيق الإصلاحات الموعودة. 14- مظاهرات ضخمة وحاشدة. 15- الخطاب الثالث…. وينتهي السيناريو إما بهروب الرئيس أو تنحيه. مع شذوذ السيناريو الليبي واليمني عن هذا السيناريو؛ فالرئيس اليمني لم تعد خطبه ولا مناوراته تُعد.. أما الليبي فهو يحتاج لـ “كتاب” خاص.

في سوريا نحن الآن في مرحلة متداخلة؛ لكن الجوقة التي تطالب بإيقاف التظاهر خرجت بالأمس وساوت بين الضحية والجلاد وطالبت بإعطاء النظام الذي يتربع على عرش السلطة منذ 41 عاما مدة 15 يوما لتنفيذ الإصلاحات الموعودة.

النظام الذي يشن حربا مفتوحة ضد شعبنا عبر آلة القتل الممنهجة؛ وحملة إعتقالات واسعة ودهم ومحاصرة مدن وبلدات؛ واستمرارإعلامه بالتحريض على القتل ومحاولة إشعال الفتن بين مكونات الشعب السوري الذي أظهر وعيا منقطع النظير في وحدته وابتعاده عن الاستدراج المستميت له من النظام ومطبليه ومثقفيه لجره الى حرب أهلية وإشعال فتنة داخلية تكون مبررا لحرب إبادة.

النظام يريد تطبيق سيناريو عام 82 لكن الذي يجعله يجن ويفقد صوابه أنه لم يجد طرفا مسلحاً هذه المرة يبرر له حرب الابادة التي يشنها على شعبنا؛ فاخترع المندسين ثم العصابات المسلحة واستقر أخيراً على السلفية وإقامة الامارات الإسلامية.

لقد فشل النظام في محاولة تصويره أن المظاهرات هي “إسلامية سلفية مسلحة” فقد خرجت مظاهرات في الساحل السوري وفي السلمية وفي السويداء وفي القامشلي..

وأمام هذا الفشل استعان النظام بطابوره الاحتياطي الذين يتبنون رواية النظام وإعلامه الرسمي مع قليل من البهارات في الحديث عن “الحقوق المشروعة” لتبدو مقبولة، والتركيز على تجنيب البلاد الفوضى والدمار والخراب. والإيحاء ضمنا بأن المتظاهرين هم من يقوم بالتخريب. والربط المنهك و”المنحط” بين النظام والبلاد؛ وتصوير أن رفع شعار إسقاط النظام هو جر البلاد إلى الدمار. وبالتالي المطالبة بإيقاف التظاهر حتى تتطبق الإصلاحات الموعودة والتي لم يكفِ النظام 41 عاما للبدء بها! والآن يصبح قادرا فجأة على إنجازها خلال 15 يوماً..

هذه الدعوة المشبوهة ماهي إلا إجرام بحق الضحايا الذين سقطوا على مذبح الحرية والغاية منها جعل النظام يتلقط انفاسه ليقوم باعتقال الناشطين الميدانيين والشباب المتظاهرين وشن حملة موسعة من الارهاب والترويع لقطع الطريق على توسع الاحتجاجات بشكل أكبر.

ونذكّر هؤلاء أن ما يقولونه قام به أقرانهم في مصر ومنذ الخطاب الأول للرئيس المصري هناك من قال “عايزين إيه كمان؟” وبعد الخطاب الثاني تصاعد صوت هذه الجوقة؛ لكن المظاهرات توسعت، وبعد لقاء نائب الرئيس المصري المعين على عجل، مع قوى سياسية خرجوا إلى المتظاهرين بإسطوانة ” إعطاء فرصة” لكن المتظاهرين الذين يعرفون هذه الانظمة استمروا.. وسدوا أذانهم عن هذه الأصوات حتى كانت نهاية نظام مبارك وبدء محاكمته.

ليس أمام شعبنا إلا أن يستمر في حراكه السلمي وتصعيده ليتجنب عقود قادمة من السجون والمنافي والتعذيب.. لقد بدأت عجلة التفكك تدور في مؤسسات النظام؛ من إستقالات ورفض جنود وضباط إطلاق النار على المحتجين المسالمين؛ وسيناريو التفكك هذا لن يتوقف وإذا كان بدأ بالصحفيين والاعلاميين والادباء وامتد الى مجلس الشعب والمجالس المحلية والافتاء فإنه قطعا سيصل إلى مؤسسات تشكل عصب النظام وأهمها الشرطة والجيش؛ فرفض إطلاق النار يتسع حتى في ظل الإعدامات الميدانية لمن يفعل ذلك والإدعاء أن عصابات مسلحة قتلتهم.. كما أن هناك بعض الجنود الذين لم يلتحقوا بقطعاتهم وإنضمام بعض الضباط إلى المحتجين..

شعبنا سيستمر في التظاهر والحراك وصولا إلى العصيان المدني ليحمي نفسه أولاً؛ وليصل إلى هدفه النهائي في إسقطاط هذا النظام أخيراً.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى