صفحات الثقافةمنهل السراج

عن بلدنا التي اسمها سوريا/ منهل السراج

 

حسبما ما سبق، ليس في أروقة السياسات الدولية، متفقة كانت أو مختلفة، إلا الاستنزاف لموضوعها، وهو سكان البلد. والمعاناة للسوري وحده، سواء في الداخل أو في الخارج، فلماذا لا يلتقون؟ من هم ضمن مسمى النظام ومن هم ضمن مسمى المعارضة. سؤال حارق عند كل مواطن.

السياسة أن، يُجلس حتى مع من يُظن به “قاتلاً”، “عميلاً” أو “خائناً”، وأن يطول اللقاء! ولو بنيّة التحقق، قد يعين هذا على فهم القضية والمباشرة في الحل، وقد يقلب كل ما اُعتقد سابقاً. والسياسة أن تؤجّل التصريحات في جو ساخن!

مادامت العلاقات حادة كما حالها منذ عقود، فإن الخلاصة تناقض وتشابه وبالتالي لا ابتكار ولا تطوير حلول.

من لم يكن في مأزق في خياراته؟ حين كان لكل كلمة و تصريح، ثمنا بشريا، أطفالا وأمهات، وطلابا.. وأهالي، هذا عدا المقاتل، الذي اندفع نخوة، أو ربما حرجاً، بهذا الاستسهال كانت الحرب وأثر الضغوط والنشاطات.

علينا أن نفترض أن من بادر بالنشاط ومن تلقى المبادرة، كان في مأزق، وعلينا أن نفترض أنه، حتى صاحب قرار قصف الأحياء الآهلة هو في مأزق.

المطلوب ليس مبادرات متسامحة بين الأطراف المتقابلة إنما رعاية للحل، حيث أن المنتظر للحل هم سكان البلد، الأحق بالإنصاف، وهم أيضاً السياسي والجماعة التي تطلب العدالة وكل منهم بمفهومه للأمر.

الحوار والجلوس إلى طاولة، لا يعني تشبث الأطراف ببعضهم، إنما يجب أن يكون التشبث بمبدأ يعمم سلاماً، ويجب أن يرضي الأطراف مادام الغرض هو السلام.

إن من يقطن في سوريا، وفي مركز سياسي أو عسكري، لا يمتاز مرتبة عن أي سوري حريص خارج سوريا.

محاولات السعي إلى حل، ليست تلك التي تحدث أكبر قدر من الصخب والحركة في ساعتها، إنما تلك التي تجعل التفاعل حقيقياً ويحمل أملاً بالدوام.

أتى شبان من أنحاء كثيرة من العالم، بمبدأ الجهاد، مارسوا أيديولوجية، لا يفهم أساسها ولا يحاط بسياستها ولا يعرف لها أفق، كما لا يمتدح لها ماض، يجيدون السجود بفعل الصلاة ويهرعون للقتل والاستقتال، طبقوا هذا الخيال وهذا الابهام، بين مدنيين، وكان الأهالي معزولين مخرسين، بلا اي إرادة وضعوا في هذه الظروف، ومع هذا الأمر الشديد، ظل تفاعل العالم والساسة السوريين على ذات الرتم اليومي.

إذا كانت السياسة عبارة عن علاقات متبادلة، فإن وضوح قوانينها ضرورة. بالنظر إلى الواقع، يبدو للمواطن أنها غير واضحة بين المتعاملين أنفسهم. يفهم أن هناك ممثلين لفئات وشعوب مسحوقة جهلاً وتأخراً. هناك ممثلون لفئات أو شعوب متعلمة، هناك من يطلب المساعدة وهناك من يقدم المساعدة ضمن بناء مصلحته ومصلحة بلده، هناك سياسيون تسنى لهم العلم والذكاء الدبلوماسي وهناك سياسيون مازالوا يفتقرون مثلهم مثل شعوبهم.

إذا كان طموح السياسيين هو نجاح لقاءاتهم بحصيلة تقنع الجمهور، فإن الوضوح هو أقصر الطرق إلى هذا، مهما كانت الصفة جافة وبعيدة عن الدبلوماسية.

في أوقات الحروب، يطلب المواطن مواقف واضحة وصارمة، وينتظر نتائج ذلك، ولا ينسى أن هذه الدولة أو تلك كانت متناقضة في تصريحاتها أو كانت تصريحاتها مؤقتة وإعلامية فقط، ولم تكن دقيقة بالوعود التي تطلقها.

يفهم أن هناك ناموساً للمسؤولين يخضعون لقوانينه، لكن تطبيق هذا لم يحترم عقل المواطن، أو على الأقل لم يمنحه ثقة بالمستقبل.

تأخذ الجرائد والتلفزيونات أسئلة كثيرة، تأخذها أخذ الريح، وتحل محلها كل يوم وكل ساعة جديداً ليس بجديد، هذا الكنس الكهربائي لما سبق، والذي يعيد صب نفس المحتوى بعد حين وحين الحاجة، لا ينشئ شيئاً. ويبدو أن السياسيين اعتادوا أمر الاعلام واعتادوا العمل وسط ساحة الكنس وإعادة الانتاج.

يوجد الآن في سوريا وبعد أحداث مروعة لأكثر من ثلاث سنوات، انتخابات، لا يمكن من خلال الاعلام والنشاط، تصنيفها بالسياسية أو الحربية أو السلمية، أهي تحدي أم استسلام؟ بغض النظر عن إرادة القائمين عليها وصفاتهم.

لم ير المواطن السوري قراءة لحاله خلال الأحداث منذ ثلاث سنوات، بل على العكس كان يشعر أنه نهب القراءات، لم يكن هناك جهة دولية أو جهة إعلامية تسامت إلى حاله، بل إن الجميع بلا استثناء تشاركوا بالعدل في حربه. لذلك، فإن تحرك من مكانه إلى صندوق الاقتراع، فسوف يفعل تكملة لاتقاء استمرار أزمته.

جلاء المشهد أمام عينيه، هو ما يحتاجه.

يراد أن يقال لسياسي المنطقة، أن عملكم اليومي كما يرى، عبارة عن لملمة أعباء ورميها إلى مجاور، ليقوم المجاور بالفعل نفسه بالتبادل أو بالتتابع.

 

على السياسة أن تتجاوز هذا النشاط الذي يتملص فيه كل من مأزقه لحظياً، على السياسة أن تسلك الجسور التي تبنى.

شرف السياسي والمثقف أن يضع في وجدانه أولاً، أرق شاب يبيت لا يدري مصير غده.

على السياسي أن يعرف أن المواطن الساكت ناقم وستكون نقمته نكبة إن لم يسرع في إنقاذه من جحيم الحرب. أما من يعتقد بنفسه الشجاعة ويمارسها تهوراً، غير آبه بحياته وحياة الناس فهذا يجب الحجر عليه ويجب أن يٌكف دوره.

موقع الآوان

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى