صفحات مميزة

عن تطورات الموقف الأميركي من الوضع في سورية “معركة الرقة والمعارك المرتبطة بها” –مجموعة مقالات-

الحرب على «داعش» في الرقة والمحتلون الجدد/ ياسين الحاج صالح

(إلى فراس… حارس ذاكرتنا، الباقي وحيداً هناك)

وصفت لجنة تحقيق مستقلة تابعة للأمم المتحدة عدد الضحايا المدنيين في قصف قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، مدينة الرقة، بالمدهش. وقالت اللجنة أن أكثر من 300 سقطوا في هذا القصف خلال أيام، وأن 160 ألفاً تشردوا من منازلهم. مصادر رقاوية قدمت لائحة اسمية بحوالى 600 شهيد قبل أسبوع من تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة. النازحون من المدينة يحجزون من قبل «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) في معسكرات خاصة، وتصادر هوياتهم، وعليهم أن يثبتوا أنهم ليسوا «دواعش». يتشكل العمود الفقري من قوات «قسد» من تنظيم الاتحاد الديموقراطي الكردي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في تركيا، والمرجع المعتمد أميركياً في «تحرير» المدينة. التخلص من «داعش» يبدو وشيكاً فعلاً، لكن يحصل الأمر بصورة لا تبالي بحياة سكان المدينة وعمرانها من جهة، ويبدو مرشحاً لخلق مشكلة إثنية متفجرة في المنطقة من جهة أخرى.

التنظيم الكردي الذي يشغل مواقع القيادة والتخطيط فيه كرد من تركيا وإيران، يتصرف مع الأكثرية العربية من السكان بصورة يمتزج فيها الاستعلاء بالقسوة و «الرسالة التحضيرية». شكاوى السكان المحليين منذ الاستيلاء على تل أبيض عام 2015 أكثر تواتراً من أن يؤَوّل الأمر كحوادث عارضة، وبعض منها موثّق على كل حال في تقارير لمنظمات حقوقية دولية، مثل أمنستي إنترناشونال وهيومان رايتس ووتش. ومن هذه الوقائع نهب بيوت ومصادرة ملكيات وترويع المدنيين ومنع عودة النازحين إلى قراهم، وممارسات إذلالية متنوعة.

لكن، ما الذي جعل هذا العدوان على حياة السكان المحليين، قصفهم الأحياء السكنية العشوائي بالهاون وبالفوسفور الأبيض، والاعتداء على كرامتهم وملكياتهم، ممكناً؟ أولاً وقبل كل شيء «تدعيش» السكان، اعتبار سكان الرقة حاضنة «داعش». هذا كلام قيل مراراً وتكرراً بحق سكان كانوا مهمشين في غالبيتهم ومفقرين من قبل، وساهم في خفض الحواجز الأخلاقية والقانونية والسياسية التي كان يمكن أن تحمي حياتهم. هذه آلية إبادة معروفة، نصادفها أيضاً في خلفية عمليات الجينوسايد الكبرى في ألمانيا النازية وفي رواندا وكمبوديا وغيرها.

ويندرج اتهام السكان المحليين بـ «الداعشية» في إطار سردية الحرب ضد الإرهاب التي تماهي بين الإرهاب و «داعش» والسلفية الجهادية عموماً، وتماهي من وجه آخر بين محاربي الإرهاب والأميركيين ومن يواليهم ويتبعهم. وهي لذلك بالذات لا ترى أن أول من وقع تحت إرهاب «داعش» هو سكان المدينة، وأن أبرز ثائريها اختطفوا وقتلوا في سياق استيلاء «داعش» عليها (ومنهم أخي فراس وطبيبي إسماعيل الحامض، وأصدقاء آخرون)، وأن سكانها هم من تمّ الاستيلاء على ملكياتهم وتهجير كثيرين منهم.

هذا الإرهاب الأول والأصلي هو بالضبط ما لا يهتم المحررون – المحتلون الجدد بمحاربته. ولم يظهر الأميركيون وأتباعهم، ولو اهتماماً لفظياً، بمصير المخطوفين والمغيبين عند «داعش»، وليس هناك ما يؤشر إلى أدنى عناية بتحريرهم أو معرفة مصيرهم. بمقدار ما يتعلق الأمر بالسكان المحليين، ما يحصل هو أقرب إلى تجديد للاحتلال والإرهاب «الداعشيين»، كان «داعش» نفسه استمراراً للاحتلال والإرهاب الأسديين.

لكن، ما الذي يفسر دور هذا التنظيم الذي وضع القضية الكردية في سورية ضد السكان العرب وليس في مواجهة النظام الأسدي الذي يحكم البلد منذ نحو خمسن عاماً؟ لا يكاد يكون هناك سر وراء ذلك. التنظيم فرع سوري لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تشغل تركيا موقع إسرائيله، وهو ما وضعه على علاقة قرب متفاوتة الدفء مع كل من الدولة الأسدية في سورية ودولة الملالي في إيران. الواقعة غير المعروفة على نطاق واسع أن النظام سحب قواته من مناطق الكثافة الكردية في سورية لتركيزها في مواجهة الثورة في وقت دالّ جداً، تموز (يوليو) 2012، أي بالضبط عندما كان الحزب الإيراني يسيطر في دمشق في واقعة رمز لها حينذاك اغتيال عنصر خلية الأزمة (18 تموز 2012). في الوقت ذاته تقريباً، كان الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني، أي النظير الإيراني لحزب الاتحاد الديموقراطي في سورية، يُجمِّد علمياته ضد دولة الملالي. هكذا، أخذت الساحة الكردية السورية التي كانت حتى ذلك الوقت جزءاً من الثورة السورية له مطالب خاصة، تتحول إلى ورقة بيد حزب العمال الكردستاني في تركيا وحلفائه.

في هذا الوقت بالذات، تموز 2012، كانت التظاهرات السلمية تتوقف في سورية، بفعل استخدام النظام سلاحَ الطيران واستهداف حتى طوابير الخبز على نحو موثق في تقارير منظمات حقوقية دولية معروفة.

وقبل نهاية 2012، كانت تركيا تحرض تشكيلات من الجيش الحر على مهاجمة رأس العين ومقاتلة التنظيم الكردي، وهو مسلك عابث بالقضية السورية وضيّق الأفق سياسياً، ساهم في جعل سورية ساحة إضافية إلى الصراع بين السلطات التركية والتنظيم الأوجلاني. تركيا سهلت أيضاً تدفق جهاديين أجانب عبر حدودها، مُعوّلة على قتالهم التنظيمَ الكردي، وهو ما تحقق فعلاً. لكن «داعش» الذي استقطب معظم هؤلاء الجهاديين العنيفين، لم يقتصر على مقاتلة الكرد، وشملت حربه تشكيلات الجيش الحر ومجموعات إسلامية، واستولى في حركة توسع سريعة عام 2014 على الرقة ومناطق واسعة في دير الزور، وشرق حلب وحماة وحمص، وعلى الموصل في العراق، وحاولت احتلال عين العرب – كوباني، البلدة ذات الغالبية الكردية شمال شرقي حلب. هنا وقع التدخل الأميركي، وتم صد «داعش» عن البلدة التي تدمرت بصورة شبه كلية.

التنظيم الكردي ذو الخبرة القتالية الطيبة والهيكلية المتينة المستمرة طوال ثلاثة عقود، ربط نفسه بعد التدخل الأميركي باستراتيجية الصراع ضد «داعش»، وعمل على الارتباط بالروس أيضاً بعد تدخلهم عام 2015 لمصلحة النظام. لكنه تحول عبر هذه الروابط مع قوى دولية نافذة، وانخراطه في حرب اختيارية وهجومية في مناطق ذات أكثرية عربية، إلى تغليب أجندة حزب العمال الكردستاني في سورية على حساب الأجندة الخاصة بحقوق الكرد السوريين، على ما أظهر تقرير للمجموعة الدولية الخاصة بالأزمات في تقرير لها صدر في 4 أيار (مايو) الماضي («خيار حزب العمال الكردستاني المنذر بالسوء في شمال سورية»).

الارتباط بالحزب الأوجلاني التركي يفسر واقعة مدهشة أخرى يبدو أنها أدهشت الكرد السوريين مثل غيرهم: تلك الرمزيات الحديثة التي تم تعميمها على نطاق عالمي بعد معركة كوباني، مشفوعة بخطاب اجتماعي تحرري (مظهر النساء، تناصف المناصب بين الجنسين، خطاب عن الإدارة الذاتية الديموقراطية…).

هذا يمد جذوره في حياة فكرية وسياسية تركية أنشط بكثير من سورية، ومتوجهة نحو الغرب منذ أجيال، مع وجود جاليات كردية كبيرة من كردستان تركيا في أوروبا. ليس للأمر ذاكرة في سورية، ولا منابر ولا نقاش، ولم تبذل في أي وقت جهود للتواصل مع أي بيئات اجتماعية أو ثقافية أو سياسية سورية، وتبدو محدودة جداً حتى في النطاق الكردي السوري.

والقصد أن التقاء هذه العناصر: حداثة برانية تصلح للتسويق في الغرب، واندراج في مخطط تنظيم غير سوري أقرب للنظام السوري والإيراني، واعتلاء قطار الحرب ضد «داعش»، هو ما جعل قتل مدنيي الرقة وإذلالهم مأمون العواقب.

وليس إلا مطالبة برخصة مفتوحة في القتل اتهام كل من يعترض على منهج الإذلال بأنه «داعشي». هذا منهج النظام وأتباعه في رد الصراع في سورية إلى ثنائية النظام أو الإسلاميين. وهو واقع اجتهد النظام بكل طاقته من أجل صنعه، ولا يزال غير محقق. صناعة كهذه أيضاً يشتغل عليها التنظيم المعتمد عند الأميركيين حين يتوسط لديهم لاستبعاد تشكيل «لواء ثوار الرقة» المكون من مقاتلين محليين من معركة تحرير مدينتهم. اللواء كان مقاتلاً «داعش» طوال الوقت، وهو جزء من «قسد». الجماعة يصنعون الواقع الذي يهوون الشكوى منه.

تبقى نقطتان جديرتان بالذكر. يخطئ معارضون وناشطون عرب حين يتكلمون على تنظيم الاتحاد الديموقراطي الكردي في سورية بأنه انفصالي. فعدا أن هناك حقاً مبدئياً للكرد في دولة مستقلة، ينفصلون فيها عن الدول التي تقاسمت كردستان، وفق السردية القومية الكردية (الانفصال عن سورية وحدها متعذر لعدم التواصل الأرضي بين مناطق الكثافة الكردية، ولقلة المناطق الصافية كردياً)، فالمشكلة في الواقع هي أن التنظيم فرع لحزب آخر، أن الاستراتيجية تصنع في مكان آخر ولغرض آخر، لا تكاد تكون سورية غير ساحة له، ولا يكاد يكون كردها غير ورقة فيه. ما ليس مقبولاً ليس طموح الكرد السوريين للانفصال، بل توجيه هذا الطموح ضد السكان غير الكرد (والكرد المعارضون للتنظيم الأوجلاني)، وممارسة من كانوا مضطهَدين قبل قليل الاضطهاد في مناطق عربية كان سكانها مهمشين من قبل الدولة الأسدية.

النقطة الثانية تتعلق بمستقبل الرقة والجزيرة بعد «داعش». ليس هناك مؤشرات إلى التزام أميركي طويل الأمد في الجزيرة السورية. هذا يترك الباب مفتوحاً لإعادة المنطقة إلى الدولة الأسدية، وحلفائها الإيرانيين والعراقيين. قد نرى ذلك خلال أشهر من اليوم. هل هناك احتمال لعمليات تطهير عرقي يشكل استرخاص حياة مدنيي الرقة تمريناً عليها؟ هذا ربما يحتاج إلى إحياء «داعش» بعد موته، أو إبقائه قادراً على القيام بعمليات إرهابية، تسوغ حملات تأديبية وتطهيرية بحق السكان من وقت إلى آخر. تهجير سكان مناطق متعددة من جانب الدولة الأسدية يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى في هذا الشأن. وتحت جناح الحرب، يمكن أن ترتكب جرائم كبيرة، وتغطى جرائم كبيرة.

ما يستمر من الأسدية إلى «داعش» إلى «قسد» هو تجريد السكان من ملكية منطقتهم وتمثيل أنفسهم والعيش بكرامة على أرضهم.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

لماذا تتحرّش إيران بأميركا؟/ غازي دحمان

يشكل الممر البري الذي تعمل إيران على إنشائه بين العراق وسورية أهمية استراتيجية خاصة لها، إذ عدا عن أن هذا الممر سيشكل رمزاً للهيمنة الإقليمية لإيران، فإنه سيكرس وجودها في المشرق العربي وسيتوّج سنوات الحرب الطويلة التي خاضتها ضد قطاعات كبيرة من شعوب المشرق، بعد أن استحوذت على الدولة وحولت مؤسساتها ورجالها إلى وكلاء لمشروعها في المنطقة.

لكن الاستعجال الإيراني على تظهير هذا الممر والسيطرة على مفاصله، يطوي خلفه غايات أبعد من السيطرة نفسها، ذلك أن إيران التي شقّت مسار طريقها في العراق وسورية عبر سنوات من العمل الدؤوب قام على عمليات تطهير عرقي وحروب إبادة، يفترض أن تكون أكثر ثقة واطمئناناً بأنه يصعب على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي لا تملك من الأصول العسكرية أكثر من ألف جندي أميركي مع حفنة قليلة من الثوار، إحداث تأثيرات مهمة في المشروع الإيراني الذي انبنى خلال وقت طويل وتوطّن بحيث صار اقتلاعه يحتاج إلى قوّة أميركية ربما بحجم تلك التي شاركت في حرب الخليج الأولى، وهو أمر من المستحيلات إعادة إنتاجه في هذه الظروف.

ومن المعلوم أن إيران وفي مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق تعمّدت عدم إظهار مقاومتها للأميركيين، بل طالما حاولت إثبات عكس ذلك من خلال طلبها من حلفائها داخل العراق التعاون مع الأميركيين في العملية السياسية، كما طلبت من حليفها بشار الأسد التعاون الأمني مع الولايات المتحدة عبر تزويدها بقوائم المقاتلين العرب الذين عبروا من سورية إلى العراق، فلماذا تغامر اليوم بالصدام المباشر مع الأميركيين في سورية على رغم أن تدخلهم ليس بالدرجة والكثافة اللتين تنذران بإمكان احتلالهم سورية أو أجزاء منها؟

ينظر الإيرانيون للصراع المحتمل مع أميركا في سورية كونه فرصة يتعين استثمارها، فهو أولاً من الناحية العملانية صراع تعرف إيران حدّه الأقصى، بعد أن أكدت أميركا أكثر من مرة أنها غير معنية سوى بالدفاع عن قواتها في التنف وليس لها أهداف أكثر من ذلك، وبالتالي فإن ترجمات مثل ذلك ستكون مجرد ضربات متقطعة لن تصل إلى حد إعلان حرب مفتوحة على إيران في سورية.

وتعتبر إيران أن هذا صراع رخيص الثمن ستكون حصائده المثمرة لإيران أكبر من أخطاره، ولعلّ أول مكاسبه تبرئة إيران من حروب الإبادة التي ارتكبتها في سورية، ذلك أن حرب أميركا عليها ستظهر أن إيران كانت تقف بالمكان الصحيح في الحدث السوري، وأنها كانت تحارب المؤامرة وأدواتها في سورية وتالياً تحميل مسؤولية العنف والارتكابات إلى الطرف الآخر، أي الضحايا أنفسهم.

ويتولد عن هذا المكسب مكسب آخر لا يقل أهمية، وهو إحراج الأنظمة العربية الحليفة لأميركا وإظهارها بمظهر المتآمر على قضايا المنطقة، وإظهار إيران كطرف وحيد مقاوم ومدافع عن قضايا الأمة، وتمثل هذه الحالة مخرجاً مناسباً لإيران في ظل اشتداد الحصار عليها وظهور مؤشرات الى توجه أميركي يهدف إلى تزخيم العقوبات على إيران لدرجة قد يتم شل اقتصادها ويلغي كل المكاسب التي تحقّقت نتيجة الاتفاق النووي.

على ذلك، وبمنطق حسابات الربح والخسارة، فإن الكفة تبدو مائلة لمصلحة إيران، ما دامت الحرب تجرى بعيداً من المدن الإيرانية، وما دام أن ما ستخسره إيران في المواجهة ليس سوى عناصر من اللاجئين الأفغان والباكستانيين، أو حتى من الميليشيات العراقية واللبنانية، ذلك أن لديها خزاناً هائلاً من هؤلاء بحيث يمكن دائماً تعويض أي خسارة ما دامت سردية المظلومية ما زالت تعمل بكفاءة وما دامت أنابيب النفط والغاز غير معطّلة.

غير أن ثمّة تطورات أخرى بدأت بالظهور على سطح الحدث السوري استدعت عملاً استباقياً من جانب إيران، وتتمثل تلك التطورات في المفاوضات المستمرة بين الأميركيين والروس في العاصمة الأردنية عمان، والتي تتخوف طهران من تحوّلها إلى مفاوضات لاقتسام النفوذ في سورية بين اللاعبين الكبار وإخراج إيران من اللعبة السورية نهائياً، وانطلاقاً من ذلك، فإن النشاطات الإيرانية، سواء في البادية بين العراق وسورية أو في درعا جنوباً هدفها إرباك هذه المفاوضات وإجهاض أي نتائج لا تأخذ في الاعتبار مصالح إيران.

لن تكّف إيران عن الزج بميليشياتها لإرباك أي ترتيبات محتملة في المنطقة تستبعد دورها وتؤثر في نفوذها، وستفعل ذلك انطلاقاً من القاعدة التي تعاملت بها مع حوادث المنطقة، تحويل الأخطار والتحديات إلى فرص، ما دامت المواجهة الأميركية معها لن تغير الديناميكيات السائدة في المنطقة لمصلحتها.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

أسابيع حمّالة مفاجآت؟/ ميشيل كيلو

يحيّر السوريين السؤالُ عن إمكانية الحل السياسي وموعده أكثر مما يحيرهم أي سؤال آخر. أما حيرتهم المعذّبة، فمردُّها فقدانهم الثقة بوجود حل في ظل خروج قضيتهم من أيديهم، وعجزهم عن ممارسة أي تأثير جدي ومنظم على الممسكين بأوراقها، من الأجانب والعرب، ناهيك عن افتقارهم إلى قيادة، وتهافت دور ممثليهم الذين يبدون أقرب إلى المتفرج على مأساتهم، منهم إلى جهةٍ تتابع أهدافاً يرتبط بها مصير الملايين منهم الذين ينتظرون حلاً يرد الكارثة عمّن لم تبتلعهم بعد محارق ومجازر الأسد وإيران وروسيا.

لمتابعة التطورات التي تلعب دوراً تقريرياً بالنسبة للحل، يجب أن نتوقف عند بناء عسكر واشنطن، منذ نيف وعام، قواعد عسكرية على الأرض السورية، تمتد من شمالها وشرقها إلى جنوبها الغربي، تشكل، مع مثيلاتها في شمال العراق، بنية استراتيجية متكاملة، قد تكون بديل البنية التي فشل الأميركيون بإقامتها في العراق، بعد غزوه بين عامي 2003 و2010. هذه البنية ترابط فيها قوة عسكرية عديدها عشرة آلاف جندي وضابط، يمتلكون مدافع ودبابات وراجمات صواريخ وطائرات وسفناً حربية، كلفوا بقطع طرق إمداد إيران إلى سورية ولبنان، وبإغلاق الحدود العراقية مع سورية، والمساعدة على طرد “داعش” من محور الرقة/ دير الزور/ الميادين/ البوكمال الذي ستتولى إدارة مدنه وقراه مجالس مدنية منتخبة وفصائل من الجيش الحر. بعد إنجاز هذه المهام، يأمل الأميركيون أن يحدث تحوّلٌ مفصليٌّ في الوضع السوري يبدل حسابات الروس، ويحد من قدرة إيران على معارضة تفاهم دولي على حل، والأسد على إحراز نصر عسكري.

هل تبني واشنطن هذا الوضع العسكري في سورية، لكي تخوض حرباً بقواتها المباشرة ضد إيران والنظام وروسيا، أو لأنها تريد التراضي مع موسكو على حل سياسي، انطلاقاً من التوازن العسكري بينهما، أو من تفوقها عليها. وفي الحالتين من إنهاء انفرادها بالشؤون السورية؟ بغض النظر عن أن للانتشار الأميركي مهام تتخطى سورية إلى الإقليم، وخصوصاً منه إيران، فإن فاعليته كانتشار مستقر تتطلب العمل لإيجاد بيئةٍ تضمر حلاً سياسياً، يلبي مصالح روسيا أيضاً، ويقلص مصالح إيران ودورها في إدامة الصراع السوري. ما هي التنازلات التي ستطلبها كل دولة من الأخرى؟ سيقرّر الرد على هذا السؤال صورة الحل وهويته، وما إذا كان تقاسم النفوذ السياسي والحضور العسكري بين الدولتين سيتعارض مع وحدة سورية دولة ومجتمعاً، أو سيكتفي بطمر نيران الصراع تحت رماد تفاهمهما وحسب. سيعزّز توازن القوى بين روسيا وأميركا فرص الحل السياسي الذي يعطله اليوم أمران: بدائله التي تطورها روسيا بصورة منفردة، وعدم اكتمال البناء العسكري الأميركي، وبالتالي محدودية قدرته على تنفيذ مهمته الرئيسة: منع إيران من الوصول البري الحر إلى سورية ولبنان، الذي سيحقق عسكر واشنطن، لكونه يحدد استباقياً جزءاً رئيساً من نتائج المعركة ضد طهران التي ستبلغ أوجها بعد لف سورية بحزامين أرضيين، سيمتد أولهما من شمال العراق إلى المتوسط بمحاذاة الحدود التركية، وثانيهما من حدود العراق الشمالية إلى الأردن وفلسطين بمحاذاة حدود إيران الأمنية، وسيضع قيامهما “سورية المفيدة” الروسية بين فكي كماشة، لن تكون إسرائيل بعيدة عنها، ربما كانت ضرورية لإقناع الروس بالتخلي عن إيران، مقابل تقليص دور تركيا السوري.

هل سيكون الحل موضعياً يطبق في موقع واحد، ثم ينتقل تدريجياً إلى غيره، بحيث يسهل تنفيذه في ظل وقف إطلاق نار شامل يسبقه، يتيح انصراف القوتين الكبيرتين إلى ضبط أوضاعهما داخل سورية وخارجها، والتحكم بمشكلاتٍ قد يتسبب بها هذا الطرف أو ذاك، وخصوصاً إيران؟ أعتقد أن الحل المتدرج، في ظل وقف إطلاق نار شامل، ويسمح للسوريين بالعودة إلى وطنهم، يمتلك فرص نجاح حقيقية، سيزيد منها التزام الدولتين بهدف جنيف: نقل سورية إلى الديمقراطية بديلاً للنظام الأسدي.

تبني أميركا قاعدة استراتيجية، سيكون إنجازها لحظة فارقة في الصراع على سورية وفيها، ستأخذنا إما إلى حلٍّ بتراضٍ أميركي/ روسي، شامل أو متدرج، أو إلى خوض صراعٍ مباشر بقواهما العسكرية، سيبدل جذرياً طابع الصراع الذي عشناه حتى الآن، يجعله توازن قواهما من دون جدوى أو عائدٍ لأي منهما، بينما يتيح الحل لهما ملاحقة أهدافهما غير السورية أيضاً. أي هذين الاحتمالين يرجّحه توضع القوتين عسكرياً في سورية؟ هذا ما سنعرفه في الأسابيع القليلة المقبلة.

العربي الجديد

 

 

 

سوريا: من الحرب بالوكالة إلى الحرب بالأصالة؟/ بكر صدقي

سجلت سابقتان في الحروب الدائرة على الأراضي السورية خلال الأسبوع الماضي: إسقاط الأمريكيين لأول طائرة تابعة للنظام الكيماوي قرب مدينة الرقة، وإطلاق إيران لصواريخ بعيدة المدى من الأراضي الإيرانية باتجاه مدينة دير الزور.

وتشير الحادثتان معاً إلى خلاصة واحدة مفادها أن الأمريكيين في حالة دفاعية أمام الهجوم من المحور الروسي ـ الإيراني، ويشمل ذلك محاولات هذا المحور المتكررة للسيطرة على المنطقة الحدودية السورية ـ العراقية قرب معبر التنف، وصد الأمريكيين لتلك الحملات، وآخرها إسقاط الأمريكيين وحلفائهم الميدانيين في التنف للدرون الإيرانية الصنع مساء الثلاثاء 20 حزيران الجاري.

يبدو مستغرباً، للوهلة الأولى، أن يخاطر طيران النظام الكيماوي بدخول منطقة العمليات الرئيسية لطيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في الحرب على داعش، مهاجماً قوات «سوريا الديموقراطية» الحليفة لواشنطن التي تحاصر الرقة. فهذا الاحتكاك يقوض كل ادعاءات النظام، ومعه ظهيراه الإيراني والروسي، برغبتهم في المشاركة في الحرب على داعش، فضلاً عن مخاطر اختبار العزم الأمريكي.

ولكن إذا نظرنا إلى ردة فعل الأمريكيين على الحادثين، اتضح أن ما يقال عن ارتباك الإدارة الأمريكية بشأن سياستها في سوريا ما زال يحتفظ بصحته. فقد مضى الآن أكثر من شهرين ونصف على ضرب قاعدة الشعيرات الجوية قرب حمص، وما تبعها من تصريحات أمريكية حادة تجاه النظام الكيماوي، وصولاً إلى وصف ترامب لرأس هذا النظام بالحيوان، وما زال الأمريكيون في حالة دفاعية تجاه المحور الروسي ـ الإيراني الذي لم يبد أي علامة على استعداده لتقديم تنازلات أو تراجعات. الإدارة الأمريكية التي دأبت، طوال الأشهر الماضية، على إطلاق تصريحات نارية ضد إيران، لم تكد تقول شيئاً ذا قيمة عن الصواريخ الإيرانية التي أطلقت باتجاه دير الزور، وهي المرة الأولى التي تطلق فيها إيران صواريخ مماثلة إلى خارج أراضيها منذ نهاية الحرب العراقية ـ الإيرانية في أواخر الثمانينيات، أي منذ ما يقارب ثلاثين عاماً. ومن المحتمل أن إسرائيل نفسها أحست بخطورة هذه السابقة الصاروخية الإيرانية، برغم معرفتها أنها ليست مقصودة برسالتها الضمنية الموجهة أكثر إلى الأمريكيين ودول الخليج العربي.

هذا الارتباك الأمريكي هو الذي يشجع المحور الروسي – الإيراني، إذن، على مواصلة اختبار الخط الافتراضي الفاصل بين «سوريا المفيدة» المتروكة للروس و»سوريا ما بعد داعش» إذا صح التعبير التي تريد أمريكا الاحتفاظ بها منطقة لنفوذها المديد. ارتباك لا يخص الحرب في سوريا وحدها، بل ظهر أيضاً في الموقف من الخلاف الخليجي ـ الخليجي، فتضاربت التصريحات بين البيت الأبيض والخارجية، مما يشير إلى أزمة إدارة ترامب الداخلية أساساً. ومن المحتمل أن التنمر اللفظي الروسي في أعقاب إسقاط الطيران الأمريكي لطائرة السوخوي قرب الرقة، يعتمد على تلك «القطبة المخفية» -إلى الآن- في علاقة ترامب وفريقه المفترضة بالحكم الروسي منذ حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام الماضي.

من مفارقات الموقف الأمريكي في سوريا، هذا التساهل الغريب مع هجوم النظام وحلفائه الشرس على مدينة درعا، مقابل الحزم الأمريكي في الحفاظ على منطقة معبر التنف وجواره، على رغم أهمية درعا في الحسابات الأمنية الأردنية والإسرائيلية. وبدلاً من غرفة «الموك» التي كانت تدعم الجبهة الجنوبية وتتحكم بمسار المعارك وحدودها، نرى اليوم «مفاوضات سرية» أمريكية ـ روسية في عمان، يفترض أنها وصلت إلى تفاهمات. فإذا كانت نتيجة هذه التفاهمات هي ترك درعا ليستولي عليها النظام وحليفه الإيراني، فهذا من عجائب سياسة إدارة ترامب، ويعني أنها فعلاً لا تملك أي سياسة في سوريا. وهو ما يتعارض مع الحزم الأمريكي الواضح على طول «الخط الاستراتيجي» الممتد شرقاً من التنف إلى محافظة الرقة شمالاً، وتم اختباره مراراً من قبل الإيرانيين والروس.

بالمقابل، لا يخلو الموقف الروسي أيضاً من الارتباك. فإذا كانوا واضحين في دعمهم لسيطرة عميلهم في دمشق على كامل مساحة «سوريا المفيدة» غرباً، فهم أقل حماسةً في دعم محاولاته للتمدد نحو الرقة والطرق المؤدية إلى دير الزور. وجاءت تصريحات لافروف، في أعقاب إسقاط طائرة السوخوي التابعة للنظام الكيماوي، كأنها تعترف بالتخلي عن «تركة ما بعد داعش» في الرقة، وربما دير الزور لاحقاً، للأمريكيين، مقابل الاحتفاظ بالتملك الحصري للأراضي الواقعة غرب نهر الفرات. ولكن يبدو أن الإيرانيين لم يصلوا بعد إلى هذا التسليم أمام الأمريكيين. وهو ما نراه في مواصلة القوات البرية التابعة للنظام والميليشيات التابعة لإيران محاولاتها المستميتة لنيل حصة ما من تركة داعش في الشرق. محاولات ذهبت بعيداً في المغامرة إلى حد الاصطدام بقوات سوريا الديموقراطية ـ أهم الحلفاء الميدانيين لأمريكا ـ بعد سنوات من علاقة هي أقرب إلى التعاون منها إلى الخصومة.

منذ سنوات، والحرب الداخلية في سوريا هي حرب، أو حروب، بالوكالة بين قوى إقليمية منخرطة في سوريا. وكان أحد أركان السياسة الأمريكية في سوريا، في عهد باراك أوباما، هو ترك هامش حركة واسعاً للقوى الإقليمية للانخراط في الحرب السورية، إيران وتركيا والسعودية وقطر، وبدرجة أقل الأردن ومصر والعراق. أما اليوم فنحن أمام انخراط عسكري أمريكي أكثر في الحرب السورية، ليس فقط بسلاح الطيران، بل كذلك بقوات برية يزداد عددها باطراد، وقواعد أرضية ثابتة، وتعزيزات بأسلحة أكثر تطوراً.

هل تندلع الحرب بالأصالة بين الأمريكيين من جهة والروس والإيرانيين من جهة أخرى، بصورة مباشرة، على الأراضي السورية وفي أجوائها، بعد الانتهاء من معركة الرقة؟ المرجح أن أحداً من القوى المذكورة لا يريد ذلك. فالمحور الروسي – الإيراني يضغط وفقاً لسياسة حافة الهاوية، مختبراً الحزم الأمريكي في كل خطوة. والإدارة الأمريكية أكثر انشغالاً بالمعارك السياسية الداخلية الدائرة حول البيت الأبيض، من أن ترغب في الانخراط بحرب غير معروفة النتائج، بعد سنوات من سياسة الانسحاب.

ولكن من يدري؟ أليس إشعال نار حرب كبيرة في الخارج مخرجاً للأزمات الداخلية لدى الحكام المأزومين؟

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

 

 

 

 

الحدود السورية – العراقية: مصير سورية من مصيرها/ حسّان القالش

ما تشهده الحدود السورية – العراقية في جانبها السوري من عمليات عسكرية يعيد الاعتبار إلى أهمية هذه الحدود، وإلى كونها مدخلاً من مداخل فهم تاريخ المشرق. فمن هناك، وعلى عكس التصور السائد، بدأت فكرة العروبة، بنسختها الكلاسيكيّة ما قبل البعثيّة والناصريّة بالتكسّر، وفي تلك المنطقة واجهت العروبة أحد أول تحدّياتها أمام وقائع التاريخ والاجتماع المشرقيّين. وقد جاء هذا الاصطدام بالواقع في مرحلة مبكّرة، إذ ظهر أثناء العهد الفيصلي القصير، تحديداً في الفترة ما بين 1918 و1920، ذاك أنّ السياسة التي اتبعتها الحكومة العربية في دمشق تجاه القسم الجنوبي من الحدود أظهرت انقسام تلك الحكومة، أي الفريق العروبي المرافق لفيصل، إلى فريقين، عراقيّ وسوريّ. ولم يكن ذاك الانقسام محصوراً باختلاف التوجهات السياسية، إذ لاحت ميول كيانيّة في أهداف الفريقين، لا سيما العراقيّ، الذي كان مهتماً بالسعي إلى استقلال العراق انطلاقاً من المنطقة الحدودية. ومن جهة أخرى، انعكس ذلك الانقسام على ضباط الجيش، ولاحت بوادر الاختلاف بين الضباط السوريين والعراقيين، وقد تكون فكرة تشكيل الجيوش الوطنية قد نشأت من هنا، كدلالة على تطور في الوعي السياسي جعل من الوطن والكيان أولويّة على الحلم الرومانسي بالوطن الأكبر والجيش الواحد المشترك.

من جهة أخرى، بدا كأنّ العروبيين قد اكتشفوا ضعف العروبة في مخاطبة السكان المحليين للمنطقة الحدودية، إذ اعتمدوا في دعايتهم وخطابهم تجاه القبائل وزعمائها على اللّعب على وتر الهويّة الدينيّة، وبهذا كان مصطلح «الجهاد» ضد البريطانيين أكثر تأثيراً وفعاليّة من مصطلح «العروبة» نفسها، وذلك على رغم أنّ استجابة أولئك السكان لم تكن ثابتة أو مضمونة، إذ فضّلوا في أوقات كثيرة التعايش مع الانتداب على الإذعان لسلطة العروبيين.

ولعلّ هذا الأمر إحدى الدلالات المبكّرة على أنّ الهويّة العروبيّة هي هويّة مختلَقة لا تستطيع منافسة الهويّات الصغرى للجماعات المختلفة في سورية.

بيد أنّ انكسار العروبة كان في طريقه الى الاكتمال في الجانب الشمالي من تلك الحدود، ففي السنوات الأولى للانتداب الفرنسي، التي شهدت بداية ترسيم الحدود، نشأت المسألة الكردية كنتيجة أولى لعملية الترسيم تلك، وذلك بعدما «عَلِقَ» الأكراد في فخّ الكيان السوري، وفق تعبير بنجامين وايت، ومن ثمّ تحوّلهم إلى «قادمين جدداً» و»لاجئين» في الإقليم الذي يعيشون فيه، الأمر الذي ساهم فيه كلّ من تركيا والانتداب البريطاني بتسهيل من فرنسا، وبهذا تأكّد الدور الحيوي للحدود في نشوء مسألة الأقليات. وهنا، كانت بداية مأساة الأكراد السوريين، الذين باتوا أمام خيار الاندماج في كيان تحكمه حكومة مركزيّة في دمشق، تشكّل العروبة أحد أعمدتها السياسية، الأمر الذي فرض على الأكراد التحدّي الكبير على مستوى هويّتهم القومية.

على أنّ أكثر الجوانب مرارة في تلك المأساة هو التهميش الذي تعرضت له المسألة الكردية من جانب الفرنسيين، الذين تجنّبوا إدراجها في متن مسألة الأقليات التي كانت تقوم سياستها الداخلية والخارجية عليها، ولعلّ هذا كان سبباً أولياً في الجهل المُعيب الذي يغلب على معظم السوريين تجاه المسألة الكردية.

ولئن كانت مسألة الحدود مع العراق امتداداً إلى الجانب التركي قد ساهمت في تعميق الشعور الكياني عند جميع الأطراف، وذلك على رغم حساسية تلك الحدود واختلاف كل طرف في شأنها، إلا أنّها بقيت مدخلاً رئيسياً لسياسات المشرق، فانتقلت من كونها مدخلاً نحو الأوطان والكيانات ومسألة الأقليات في العشرينات، لتتحول إلى ورقة سياسية بيد نظام الأسد. فعدا عن عقود من ابتزازه الأتراك بالمسألة الكردية وعلى حساب مصير الأكراد السوريين، جعل النظام من تلك الحدود منطلقاً أساسياً للتلاعب بأمن المنطقة، عندما استخدمها كمركز لانطلاق النشاط الجهادي والإرهابي وسهّل وصول الإسلاميين إليها. واليوم، تنتقل هذه الحدود إلى طور مختلف، لتشكّل عصباً حيوياً للمشروع الإيراني في المنطقة.

هكذا يمكن فهم كثافة العمليات العسكرية الحاصلة على طرفي تلك الحدود، والصراع للسيطرة عليها بين القوى الإقليمية المتدخلة في المسألة السورية، وهذا ما يدعو، على المستوى السوري الوطني، لإيلاء أهمية لفهم مسألة الحدود، بما فيها من جماعات مختلفة، باعتبارها مفتاحاً من مفاتيح استقرار الكيان السوري، إذا ما كُتب له أن يبقى.

* كاتب وصحافي سوري

الحياة

 

 

 

خطوة أميركية متأخرة لدخول الحرب السورية

انتزعت الأحداث الأخيرة التي تسارعت بشكل مباغت على امتداد الصحراء السورية، في اليومين الماضيين، أي بقية متبقية لصفة المحلية أو الإقليمية من الحرب الدائرة في البلاد. يبدو ذلك شديد الوضوح في مقاربة الصحف الأميركية لحادثتين: إسقاط الطائرة السورية بنيران الجيش الأميركي للمرة الأولى في النزاع الممتد ست سنوات كاملة، وإطلاق الصواريخ الإيرانية على ديرالزور، ومهما بدت الحادثتان منفصلتين في الخطاب الرسمي لدمشق وطهران، إلا أن عواقبهما ومعانيهما كانت متلازمة في قراءات الصحف الكبرى.

وصحيح أن الحرب السورية، بالمطلق، كانت في الفترة الأخيرة حرباً بالوكالة بين قوى مثل إيران وروسيا وتركيا، إلا أن غياب الولايات المتحدة عن المشهد، حتى وقت قريب، كان يضفي عليها صبغة إقليمية أكثر من العالمية، ومع الصدامات المتتالية للجيش الأميركي، وحلفائه، شرقي البلاد وجنوبها مع قوى وميليشيات تابعة للنظام منذ منتصف شهر أيار/مايو الماضي في محيط قاعدة التنف، تزايدت الأصوات في الولايات المتحدة، الداعية لتوضيح استراتيجية البيت الأبيض في الشأن السوري (فورين بوليسي)، وهو جدل بدأ داخل الإدارة الأميركية نفسها قبل يوم واحد فقط من إسقاط الطائرة السورية جنوبي الرقة.

يُترجم ذلك بضغط عدد من كبار المسؤولين من أجل توسيع الحرب في سوريا باعتبارها فرصة لواشنطن من أجل مواجهة إيران وقواتها بالوكالة على الأرض هناك، ومن بينهم كبير مديري الاستخبارات في مجلس الأمن القومي عزرا كوهين واتنيك وكبير مستشاري مجلس الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط ديريك هارفي، اللذان يريدان أن تبدأ الولايات المتحدة في شن الهجوم جنوبي سوريا، حيث اتخذ الجيش الأميركي هناك خلال الأسابيع الماضية عدداً من الإجراءات الدفاعية ضد القوات المدعومة من إيران والتي تقاتل دعماً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وقد يكون وصف “فورين بوليسي” لتلك المقترحات بأنها متهورة، من وجهة نظر أميركية بحتة، لكن لها مبرراتها، فبالنسبة للصقور الإيرانيين داخل وخارج الإدارة، فإن الحرب الأهلية في سوريا تمثل لحظة محورية من شأنها أن تحدد من الذي سيحظى بالنفوذ في سوريا والعراق بين إيران أو الولايات المتحدة. ويخشى هؤلاء الصقور الإيرانيون أنه إذا تنحت واشنطن جانبها، فستظهر طهران بوصفها اللاعب المهيمن هناك، مع تأمينها للممر الأرضي الذي يربطها بلبنان عبر العراق وسوريا.

وبعد إسقاط الطائرة، بات واضحاً أن هناك اتجاهاً أميركياً للتصعيد، في الإعلام على الأقل، مع اتفاق شامل على تاريخية اللحظة بالنسبة للولايات المتحدة، بوصفها لحظة تقترح إعادة رسم ملامح الصراع السوري (تايم) عبر تعميق دور واشنطن التي ترددت منذ أيام الرئيس السابق باراك أوباما في التدخل بحسم للتأثير في مسار الحرب ضد نظام الأسد أو لمجرد إحداث توازن ضد روسيا التي دعمت النظام سياسياً لسنوات قبل التدخل عسكرياً إلى جانبه العام 2015، وبالتالي قد تجد واشنطن نفسها فجأة في صراع مباشر مع النظام أو حتى مع موسكو أيضاً.

في السياق، لم يتحول حذر الصحف وخشيتها من انزلاق واشنطن في حرب غير محسوبة، إلى انتقاد للإدارة الأميركية على قرارها بإسقاط الطائرة السورية، بل كان هناك إجماع على صحة تلك الخطوة، عطفاً على مكان الحادثة جنوب مدينة الرقة، والذي يعتبر جوهرياً عند التقييم انطلاقاً من سببين، فبداية يبدو محور النظام السوري عازماً على إخراج القوات الأميركية وحلفائها من تلك المنطقة، ويدرك ذلك المحور أن تأمينه لمدينة الطبقة لصالحه يمنحه القدرة على تقويض القوات الحليفة لواشنطن في شرق نهر الفرات وهي المنطقة الحاسمة بالنسبة لمستقبل الحرب السورية. أما السبب الثاني فإنه لو سمحت واشنطن بترحيل القوات الكردية عن تلك المنطقة فإن ذلك قد يؤثر على عملية تحرير الرقة بتعطيل مباشر من محور النظام السوري (واشنطن إكزامينر).

وهنا تبدو المعركة متعددة الأطراف الجارية شرقي سوريا، على امتداد الصحراء الشاسعة نحو الحدود العراقية منزوعة عن هويتها السورية، فحتى مشاركة النظام فيها تبدو هامشية مقارنة بالقوى الكبرى التي باتت، فجأة، متجاورة في حيز جغرافي ضيق، يتصارع فيه الجميع (نيويورك تايمز، واشنطن بوست، USA Today،..) على السيادة التي تنحسر من يد تنظيم “داعش”. وفيما تبدو الإدارة الأميركية عاجزة عن تقديم أي رؤى استراتيجية حول هوية النظام الأمني الذي سيخلف “داعش” في سوريا (واشنطن بوست)، ترسل بقية الأطراف إشارات متتالية بهذا الصدد، بما في ذلك استفزاز النظام السوري للقوات الأميركية جنوبي الرقة والصواريخ الإيرانية على دير الزور.

القول أن عدم امتلاك الإدارة الأميركية لاستراتيجية واضحة، يعود جزئياً لعدم وجود مصالح استراتيجية حقيقة تدفع واشنطن للسيطرة على جنوب وشرق سوريا، بعكس الاندفاع الإيراني – الروسي جنباً إلى جنب مع الحلفاء السوريين أو الشيعة العراقيين، لملء فراغ “داعش” بعد هزيمته الوشيكة، والتي تنبع من مصالح عميقة تقف على المحك مثل آبار النفط جنوبي الرقة بالنسبة لموسكو والممر البري الإيراني نحو لبنان والبحر المتوسط فضلاً عن الرغبة المشتركة للدولتين بطرد الولايات المتحدة من المنطقة نهائياً، اما الأهداف الأميركية فلا تتعدى رتبة المصالح الحيوية في منع إيران من إقامة مستوطنة تمتد من طهران إلى البحر المتوسط بدعم من روسيا، لأن من شأن ذلك أن يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل التي تعاني أصلاً لمنع التسلسل الإيراني للأراضي السورية المتاخمة لهضبة الجولان، كما أنه يقوض حلفاء الولايات املتحدة في كل من الأردن والعراق.

وحتى اللحظة مازالت الإدارة الأميركية متمسكة بهدف طرد “داعش” من سوريا كمؤشر وحيد لاستراتيجيتها، وهو ما نقله مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية لصحيفة “بوليتيكو”، أكد أن ادارة ترامب مازالت تعمل على استراتيجية واسعة ضد “داعش” تشمل في النهاية كيفية التعامل مع فراغ السلطة التي سيحصل في سوريا بعد هزيمة الجماعة الارهابية، لكنه رفض إعطاء جدول زمني لتقديم الخطة، لأن الاستراتيجية الجيدة تحتاج وقتاً طويلاً لتطويرها حسب تعبيره، مقابل تحذير مشرعين أميركيين في الكونغرس من أن أسلوب ترامب يبدو حالياً شديد العشوائية بشكل قد يشعل حرباً جديدة لم يصرح الكونغرس بها.

وسواء تبلورت الاستراتيجية الأميركية، أم أنها ستأتي في المقبلا من الأيام، إلا أن الأوان قد فات، عطفاً على المعضلة الاستراتيجية التي سلطت عليها عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة الضوء، للقادة والمسؤولين الأمريكيين الذين يتعاملون مع الشأن السوري، فحتى لو نجحت الحملة المدعومة من قبل الولايات المتحدة في طرد “داعش” من الأراضي التي يسيطر عليها في سوريا، فإن نظام الأسد سيبقى على حالته، وبالتالي ستبقى الحرب الأهلية السورية الأكبر من دون حل (تايم)، وهو ما يمكن قراءته في التصريحات الإعلامية المتعددة للسفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد خلال اليومين الماضيين.

المدن

 

 

 

مسؤولون في البيت الأبيض يضغطون من أجل توسيع رقعة الحرب في سوريا

أفاد مصدران مطلعان على المداولات التي تدور داخل أسوار إدارة دونالد ترامب أن عددا من كبار المسؤولين في البيت الأبيض يمارسون جملة من الضغوط من أجل توسيع العمليات العسكرية في سوريا، نظرا لأن ذلك سيتيح لهم فرصة مواجهة إيران وقواتها بالوكالة في ساحة المعركة هناك. وعلى رأس هؤلاء المسؤولين، ازرا كوهين – واتنيك، كبير مديري الاستخبارات في مجلس الأمن القومي وديريك هارفي، كبير مستشاري مجلس الأمن القومي لقضايا الشرق الأوسط الذين يرغبان في أن تشن الولايات المتحدة عمليات عسكرية في جنوب سوريا. والجدير بالذكر أن الجيش الأمريكي قد قام، خلال الأسابيع الأخيرة، باتخاذ مجموعة من الإجراءات الدفاعية ضد القوات المدعومة من قبل إيران الذين يساندون الرئيس السوري بشار الأسد.

في الأثناء، أثارت مطامع كل من واتنيك وهارفي حفيظة الصقور الأمريكيين الذين يناهضون إيران بمن فيهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي أطاح بمخططات كلا المسؤولين في العديد من المناسبات. والجدير بالذكر، أن الوضع في جنوب سوريا قد تأزم بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الأخيرة خاصة بعد أن أسقطت طائرة حربية أمريكية طائرة من دون طيار إيرانية الصنع هاجمت القوات الأمريكية التي كانت تقوم بدوريات مع حلفاء سوريين قرب موقع أمريكي في الطنف. وجاء هذا الهجوم إثر استهداف غارتين أمريكيتين لميليشيات شيعية مدعومة من قبل إيران، كانت قريبة جدا من موقع عسكري تابع للولايات المتحدة.

على الرغم من الموقف العدواني الذي تبناه بعض المسؤولين في البيت الأبيض، إلا أن كل من ماتيس والقادة العسكريين وكبار الدبلوماسيين الأمريكيين يعارضون فتح جبهة أوسع ضد إيران ووكلائها في جنوب شرق سوريا، خاصة وأنها قد تكون خطوة محفوفة بالمخاطر يمكن أن تدفع بالولايات المتحدة إلى مواجهات خطيرة مع إيران. علاوة على ذلك، قد يدفع أي اشتباك مباشر مقاتلي إيران إلى الانتقام من القوات الأمريكية المنتشرة في العراق وسوريا، مع العلم وأن طهران قد قامت بتسليح الآلاف من مقاتلي الميليشيات الشيعية ونشرت مئات الضباط من الحرس الثوري في المنطقة.

من جانب آخر، يصب كل من ماتيس، ورئيس الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، والدبلوماسي الأمريكي المشرف على التحالف المناهض لتنظيم الدولة، بريت ماكغورك، جل تركيزهم على دفع تنظيم الدولة للخروج من معاقله المتبقية، بما في ذلك مدينة الرقة الواقعة في جنوب سوريا. وفي هذا الصدد، ذكر أحد المسؤولين أن “هذه هي الإستراتيجية التي سنعمل على تنفيذها وستنصب كل الجهود لتحقيق ذلك”.

والجدير بالذكر، أن البيت الأبيض رفض التعليق على الموضوع. في المقابل، أعلن البنتاغون أنه لا ينوي مواجهة القوات التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد، ما لم تعمد إلى استفزازه. من جانبها، أوردت القيادة المركزية الأمريكية التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط في بيان صادر بتاريخ 6 من حزيران/يونيو، أن “الائتلاف لا يسعى إلى محاربة النظام السوري أو القوات الموالية له، لكنه سيبقى على أهبة الاستعداد للدفاع عن نفسه في حال رفضت القوات الموالية للنظام إخلاء مناطق نزع السلاح”.

في الحقيقة، لا تعد هذه المرة الأولى التي يضطر  فيها كل من ماتيس ودانفورد للتصدي لمقترحات البيت الأبيض التي تحث على تبني عمليات عدوانية، الأمر الذي يعتبرونه مستحيلا بل خطوة متهورة. وفي وقت سابق، عارض الاثنان فكرة مبدئية كانت تقوم على إرسال قوة برية أمريكية كبيرة إلى سوريا للإطاحة بتنظيم الدولة بدلا من الاعتماد على المقاتلين الأكراد والعرب السوريين المحليين الذين يحظون بدعم من قبل الكوماندوز الأمريكي.

يتزامن هذا الخلاف مع مراجعة البيت الأبيض لسياسته تجاه إيران، التي انطلقت منذ أشهر والتي تشمل دراسة دور الضباط العسكريين الإيرانيين والوكلاء الذين يدعمون النظام السوري والاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع طهران. وفي هذا الإطار، كشف تقييم السياسة العامة عن انقسامات في صلب الإدارة الأمريكية حول الوقت الأنسب لمواجهة إيران في سوريا.

في سياق متصل، أفادت دانييل بليتكا، رئيسة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد “أميركان إنتربرايز”، التي لطالما انتقدت الإدارة السابقة ووصفتها بالضعيفة، قائلة: “لا أعتقد أن لدينا إستراتيجية جادة وواضحة للحرب في سوريا، كما نفتقر لإستراتيجية ردعية بشأن  إيران علما وأن هاتين الإستراتيجيتين تتماشيان معا”. وأضافت بليتكا أن “سوريا  تعد بمثابة شريان الحياة بالنسبة لإيران، لقد أثبت لنا الإيرانيون مرارا وتكرارا مدى التزامهم ببقاء الأسد في السلطة. تعتبر فكرة عودة الإيرانيين إلى  سوريا حكيمة، ولكن كيف ستكون نهاية اللعبة؟”.

في واقع الأمر، تمثل الحرب الأهلية السورية بالنسبة للصقور الأمريكيين المناهضين لإيران داخل وخارج الإدارة الأمريكية، حدثا محوريا سيحدد ما إذا كانت إيران أو الولايات المتحدة ستنجح في فرض نفوذها على العراق وسوريا. فضلا عن ذلك، يخشى هؤلاء الصقور الأمريكيون من سيناريو محتمل يتمثل في بروز طهران بصفتها اللاعب المهيمن على الممر الأرضي عبر العراق وسوريا ولبنان في حال تراجعت واشنطن.

وفي هذا السياق، أورد كولن كاهل، الذي شغل سابقا منصب مستشار الأمن القومي تحت إمرة نائب الرئيس السابق، جو بايدن أن “شن حرب واسعة النطاق ضد المقاتلين المدعومين من إيران في سوريا أمر غير ضروري وخطير للغاية”. وأردف كاهل أن استهداف الوكلاء الإيرانيين في سوريا سيؤدي إلى تأزم العلاقات مع العراق الذي يسيطر عليه الشيعة “وتدمير العلاقة الإستراتيجية” مع بغداد.

وأضاف كاهل أن هذه الخطوة ستعرض الآلاف من القوات الأمريكية فى العراق لخطر كبير حيث ستسعى الميليشيات الشيعية للانتقام منها في ظل اقتراب القوات بقيادة الولايات المتحدة من هزيمة تنظيم الدولة. وفي هذا الصدد، أوضح كاهل أنه “ليس هناك من داع، في الوقت الراهن، لمواجهة إيران نظرا لأن الدخول في منافسة مع طهران في العراق وسوريا ليس بالأمر الهين الذي قد يحل وينتهي خلال الشهرين المقبلين”.

عموما، وجه الرئيس دونالد ترامب خطابا قاسيا وحاد اللهجة لإيران. وإن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن ترامب يعتزم مواجهة طهران على الرغم من أن إدارته لم تتخذ بعد أي إجراء دراماتيكي على هذا النحو. وفي حين اعتبر خطاب ترامب الذي ألقاه في المملكة العربية السعودية في أوائل مايو / أيار، أنه يهدف إلى توحيد العالم الإسلامي، فقد أوضح أيضا أن الولايات المتحدة سوف تتخذ جانبا من الصراع الطائفي في الشرق الأوسط. فقد اختارت واشنطن دعم الدول العربية السنية في محاولة منها لعزل الدول الشيعية – التي تحكمها إيران. وفي الأثناء، رحب ملوك الخليج وإسرائيل بموقف ترامب وتعهده بمواجهة إيران.

من جانب آخر، دعا بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية  للتدخل ضد إيران في اليمن، من خلال تكثيف الدعم المقدم للتحالف الذي تقوده السعودية الذي يقاتل المتمردين الحوثيين، المدعومين من قبل إيران. وعلى غرار سوريا، يعد تنامي الدور الأمريكي في اليمن خطوة محفوفة بالمخاطر. وفي هذا الصدد، أشار الخبراء إلى أن التعامل مع اليمن على اعتبارها حرب بالوكالة من قبل إيران، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية لا يحمد عقباها. وفي معركتهم ضد المتمردين الحوثيين، عملت القوات الموالية للرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي، والائتلاف الذي تقوده السعودية، جنبا إلى جنب مع العناصر الفاعلة المحلية التي يشتبه في ارتباطها بتنظيم القاعدة.

في الحقيقة، يشوب الغموض موقف مستشار الأمن القومي، هربرت ماكماستر فيما يتعلق بكيفية الرد على الوكلاء الإيرانيين في سوريا، ولكن من المحتمل أن يكون في صف ماتيس كما قد يدعم موقف وزارة الدفاع نظرا لخلفيته العسكرية. والجدير بالذكر أن ماكماستر عمل سابقا مع واتنيك وهارفي، وكلاهما عمل لحسابه، ولكن وفي بعض الأحيان كان موقف الرجلان مغايرا تماما لوجهة نظر ماكماستر .

وفي شأن ذي صلة، رجح مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين الكفة لصالح كوهين- واتنيك البالغ من العمر 30 سنة. وفي الأثناء، يعتبر بعض المسؤولين أن واتنيك يفتقر إلى الخبرة اللازمة. من جهتهم، صرح بعض العاملين في وكالة المخابرات المركزية أن واتنيك فضلا عن هارفي، مستشار الاستخبارات العسكرية تحت إمرة الجنرال المتقاعد، ديفيد بترايوس، أثناء عمله في العراق، شخصان غير موثوق بهما. ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرا تصريحات كوهين- واتنيك، الذي أورد أنه قد “أبلغ مسؤولين آخرين في الإدارة أنه يريد توظيف جواسيس أمريكيين للمساعدة في الإطاحة بالحكومة الإيرانية”.

من جانب آخر، حاول ماكماستر نقل كوهين-واتنيك إلى منصب آخر ومختلف داخل مجلس الأمن القومي إبان توليه لمنصب مستشار الأمن القومي. وحتى يتمكن من إنقاذ منصبه، ناشد كوهين – واتنيك المستشارين الرئيسيين في البيت الأبيض ألا وهما ستيف بانون وجاريد كوشنر، اللذين طلبا من ترامب منع تنفيذ هذا القرار. من جهته، حاول هارفي أن يستولي على منصب رئيسه، كما سعى  للحصول على ما يسمى “بمبادرة أوباما” التي أطلقها مجلس الأمن القومي من خلال مناشدة ترامب ورئيس الإستراتيجيين ستيف بانون، ولكن ماكماستر رفض ذلك.

وفي الوقت الذي يتباحث فيه المسؤولون في واشنطن بشأن الإستراتيجية التي يجب اتباعها في حين يتنافس آخرون على النفوذ في صلب الإدارة الأمريكية، تتصاعد وتيرة الأحداث على أرض المعركة في سوريا بسرعة، مما يزيد من إمكانية نشوب صراع بين الطرفين الأمريكي والإيراني بطريقة غير مخطط لها. وفي الأثناء، واصل المقاتلون الموالون للأسد، الذين يعدون مزيجا من الميليشيات الشيعية والقوات السورية فضلا عن ميليشيات حزب الله اللبناني إلى جانب مستشاري فيلق الحرس الثوري الإيراني، تنفيذ جملة من العمليات بالقرب من القوات الأمريكية في قاعدة التنف على الرغم من التحذيرات المتكررة من قبل واشنطن.

وفي سياق متصل، صرح ضباط الجيش الأمريكي أنهم لن يترددوا في استهداف العملاء الإيرانيين في حال تعرضت قوات العمليات الخاصة الأمريكية للخطر. وفي هذا الصدد، قال أحد الضباط، أنه “في حال واجه أتباعنا على الأرض أي تهديد فإننا سنستخدم القوة الجوية سواء ضد قوات النظام أو القوات الموالية له”.

ترجمة نون بوست

فورين بوليسي

 

 

 

 

بعد التطورات الأخيرة في سوريا.. هل تقود الحرب ضد داعش أمريكا إلى حرب ضد الأسد؟/ غايل تزماك ليمون،

أنباء أن مقاتلة تابعة للبحرية الأمريكية أسقطت طائرة حربية سورية هي تصعيد دراماتيكي في حرب لم تكن الولايات المتحدة تنوي خوضها. وهو تطور أخذ سنوات ليحدث.

وفي الوقت نفسه، أطلقت إيران صواريخ بالستية على سوريا في نهاية الأسبوع. وأعلنت روسيا، الاثنين، أنها أوقفت تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة في سوريا حول إسقاط الطائرة، واصفة الإجراء الأمريكي بـ”العدوان العسكري.”

وتوضح هذه الأحداث كيف أن التعايش غير المستقر في ساحة المعركة في سوريا قد تحول إلى حالة يستحيل الاستمرار بها. الآن تأتي مهام تهدئة المواجهة المتصاعدة مع الرئيس السوري بشار الأسد ومؤيديه الإيرانيين والروسيين، والعمل على إعادة التركيز على الحرب في سوريا التي تريد الولايات المتحدة المشاركة فيها – المعركة ضد داعش.

وقال المتحدث باسم عملية “العزم التام” في بيان إن “مهمة التحالف هي هزيمة داعش في العراق وسوريا،” مضيفاً: “التحالف لا يسعى إلى محاربة النظام السوري أو القوات الروسية أو الموالية للنظام، لكنه لن يتردد في الدفاع عن نفسه أو القوى الشريكة من أي تهديد، يتعامل وجود التحالف في سوريا مع تهديد داعش الوشيك في سوريا على الصعيد العالمي، ولن يتم التسامح مع النوايا العدوانية وأعمال القوات الموالية للنظام تجاه قوات التحالف والشركاء في سوريا التي تقوم بعمليات مشروعة ضد داعش.”

هذه لحظة كان من المحتم تقريباً وقوعها، إذ أمرت الولايات المتحدة جيشها باتباع سلسلة من التكتيكات على الأرض لهزيمة داعش دون سياسة أمريكية شاملة لسوريا. وكما ذكر وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، الوقت حالياً “خال من الاستراتيجية.”

في الواقع، منذ عام 2011، كان أولئك الذين يريدون تجنب تدخل أكبر في المعركة ضد الأسد يخشون أن تنجّر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط. وحتى الآن كان المبدأ التوجيهي الأميركي الشامل هو تجنب هذا الصراع المباشر مع قوات الأسد على الأرض – تقريباً بأي ثمن.

ولكن نحن هنا. في لحظة كانت الولايات المتحدة تستخدم فيها خطوط “تجنب الاشتباك” لتجنب نزاع مع روسيا، فإن الحرب ضد داعش تُقرّب الولايات المتحدة من تصادمها مع النظام السوري، لأن القوات المتحالفة مع الأسد تستهدف القوات التي تدعمها الولايات المتحدة.

لسنوات، ناقشت واشنطن فكرة المناطق الآمنة داخل سوريا لتجنب المزيد من المجازر المدنية في الحرب التي يُقدر الآن أنها قتلت ما يقرب من نصف مليون شخص.

ولسنوات، تم تجاهل هذه الفكرة، ويعود جزء كبير من ذلك لأن الولايات المتحدة لم تكن تريد أن تجد نفسها في صراع مباشر مع النظام السوري.

“حان الوقت لتنحي الرئيس الأسد،” قد يكون سياسة رسمية للولايات المتحدة اعتباراً من عام 2011. ولكن بقاء الأسد في الوقت الراهن أصبح التوجيه الفعلي، حيث تسعى الولايات المتحدة لتجنب التدخل المباشر في الصراع السوري، وعُقدت سلسلة لا تنتهي من مؤتمرات جنيف بهدف التوصل إلى حل دبلوماسي للحرب.

شبح حرب العراق أثّر على كل قرار بشأن التدخل السوري، وخطر اتخاذ خطوات تدريجية من شأنها أن تقود الولايات المتحدة إلى حرب برية أخرى في المنطقة دفع قرار إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، بالبقاء بعيداً عن الصراع المتصاعد. لذلك دعمت الولايات المتحدة برنامجاً لتسليح المعارضة المعتدلة، لكنها لن تذكر أبداً إلى أي مدى ستذهب لحمايتهم إذا كانت تلك القوات مستهدفة من قبل قوات النظام.

سعت أمريكا للبحث عن استراتيجية “غولديلوكس” بشأن الحرب في سوريا وانتهت بالقيام بما فيه الكفاية لمساعدة المعارضين الذين يقاتلون الأسد في محيطهم، ولكنهم بعيدون عن أن يكونوا حاسمين في الحرب.

حتى بعد أن دخلت روسيا بصف الرئيس السوري ما كان له تأثير مدمر – الأكثر تأثيراً في مدينة حلب – سعت الولايات المتحدة للبقاء بعيداً عن المواجهة مع دولة أخرى، سواءً كان ذلك مع النظام السوري أو روسيا وإيران.

في الواقع، في السنوات القليلة الماضية تجاوز داعش الأسد وأصبح التهديد الذي يقود التدخل العسكري الأمريكي في الدولة. ومنذ ذلك الحين، كان التركيز الأمريكي على مكافحة داعش، وليس النظام.

وحتى الآن، ومع دخول إدارة ترامب شهرها السادس، يتم توجيه الولايات المتحدة إلى الصراع ذاته الذي كان يسعى لتجنبه. وبما أن القوى التي تدعمها الولايات المتحدة تواجه خطراً من القوات الداعمة للنظام السوري، فإن الأسئلة ستزداد صرامة: ما هي السياسة الأمريكية في سوريا؟ وهل ستقود الحرب ضد داعش أمريكا إلى حرب ضد الأسد؟

تأتي الأسئلة في وقت محوري في الحملة لاستعادة معقل داعش في الرقة – كما لا تزال هناك أسئلة حول ما سيتبع سقوط داعش.

الآن ستأتي المزيد من الأسئلة، وستزداد حالة عدم اليقين في بينما تنتظر الدولة لترى كيف ستتطور سياسة الولايات المتحدة حول سوريا مع تغير الحقائق على أرض الواقع.

ايل تزماك ليمون، وهي زميلة كبيرة في مجلس العلاقات الخارجية. ومؤلفة كتاب ” حرب أشلي: القصة غير المروية لفرقة العمليات الخاصة للنساء الجنود في ساحة المعركة”.

CNN

 

 

 

 

بعد إسقاط أمريكا لمقاتلة سورية وهجوم إيران على دير الزور.. تحليل: تحرك الصراع في سوريا إلى منطقة جديدة خطيرة/ تيم ليستر

بدأت مرحلة جديدة من الصراع السوري، وهي مرحلة تقوم فيها القوى الخارجية بتكثيف مشاركتها في الوقت الذي يتصاعد فيه الضغط على آخر معاقل “داعش”.

يدل حدثان خلال عطلة نهاية الأسبوع – إسقاط طائرة الولايات المتحدة لطائرة سورية من طراز “Su-22” وإطلاق إيران صواريخ باليستية ضد أهداف تابعة لداعش – على التدافع في شرق سوريا الذي ازداد منذ بداية عام.

إذ هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة بإسقاط طائرة عسكرية سورية، ولكنها المرة الخامسة على الأقل التي تستهدف فيها قوات النظام السوري، التابع لبشار الأسد، منذ تولي إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مهامها.

وهناك الكثير من القوات ذات الأهداف المتعارضة في مناطق قريبة من شرق سوريا. إذ تدعم الولايات المتحدة تحالف المليشيات الكردية والعربية المعروفة باسم “قوى سوريا الديمقراطية” (SDF)، وهم يقاتلون في طريقهم إلى الرقة، معقل “داعش” على مدى السنوات الثلاث الماضية. مئات من المستشارين العسكريين الأمريكيين على مقربة من خطوط المواجهة، مدعومين بغارات جوية مكثفة للتحالف.

قوات تقترب من الرقة

الجيش السوري وحلفائه (أغلبهم من الميليشيات الشيعية الإيرانية والعراقية واللبنانية) يقتربون من الرقة أيضاً. وفي الأسبوع الماضي وصل الجيش السوري إلى مناطق تسيطر عليها “قوى سوريا الديمقراطية”. كان من المحتم تقريباً أن تصطدم تلك التحالفات المعارضة ببعضها في وقت ما. لذلك عندما قصفت القوات الجوية السورية مواقع “قوى سوريا الديمقراطية”، الأحد، جاءت الولايات المتحدة لمساعدة شركائها على الأرض – وفقط السوريون إثر ذلك مقاتلة “Su-22”.

وقال البنتاغون إن ذلك الإجراء “يتفق مع قواعد الاشتباك والدفاع الجماعي عن قوات التحالف”، إلا أن موسكو لم تر الواقعة بنفس المنظور.

إذ أعلنت روسيا، الاثنين، أنها تعلق للمرة الثانية هذا العام اتفاق تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة في سوريا، وهو اتفاق يهدف إلى منع وقوع حوادث غير مقصودة في السماء المزدحمة. لكنها أخذت خطوة أخرى، محذرة من أن أي شيء في الهواء غرب نهر الفرات – بما في ذلك طائرات التحالف – سيكون هدفاً.

واشتكت وزارة الدفاع الروسية من أن الولايات المتحدة ومؤيديها يسمحون لمقاتلي داعش بالفرار من الرقة، وكانت القوات الجوية الروسية نشطة جداً في الشهر الماضي باستخدام صواريخ كروز لاستهداف قوافل داعش ومخيماته في الصحراء جنوب الرقة.

ووصف نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، إسقاط الطائرة السورية بأنه “عمل عدواني،” و”مساعدة للإرهابيين الذين تقاتلهم الولايات المتحدة ظاهرياً.”

التعاون مع روسيا ضد الإرهاب الدولي الذي دعا إليه ترامب سابقاً يبدو بعيد المنال؛ فإن مسابقة السيطرة على شرق سوريا أصبحت الآن جادة.

المواجهة في وادي الفرات

بالإضافة إلى ذلك، يريد النظام السوري استعادة مدينة دير الزور، التي لا يزال أغلبها تحت سيطرة داعش. التي يبدو أن التنظيم يتمسك بها لأهميتها الاستراتيجية، نظراً لموقعها الاستراتيجي على الطريق إلى العراق، واحتوائها على قاعدة جوية كبيرة.

وكانت الهجمات الصاروخية الإيرانية على مواقع داعش حول دير الزور، انتقاماً من الهجمات الارهابية التي وقعت في طهران في وقت سابق من هذا الشهر ولكنها أيضاً تخدم غرضاً أكبر. الهدف النهائي لإيران هو إنشاء ممر أرضي عبر العراق إلى سوريا ولبنان، لفرد تأثيرها على البحر الأبيض المتوسط.

حلفاء إيران في العراق، الميليشيات الشيعية المعروفة باسم “وحدات الحشد الشعبي”، قد وقفوا بالفعل على الحدود السورية، وعملوا على تطهير مدن مثل بعاج من وجود داعش.

وبالتالي فإن المعركة تتحرك بلا هوادة نحو مجموعة من الأراضي حيث تقع الطرق السريعة الرئيسية التي تربط العراق وسوريا. ووفقاً لتقييم أجرته وكالة الاستخبارات العسكرية الأمريكية في مايو/ أيار، فإن تنظيم “داعش” ينقل قادته الرئيسيين من الموصل والرقة إلى ملاذات آمنة على طول نهر الفرات في سوريا والعراق.” ملاذات آمنة مثل بلدة الميادين التي أصبحت بالفعل غير آمنة بشكل واضح لبقايا داعش المحاصر.

وقد أنشأت الولايات المتحدة قاعدتين صغيرتين على طول الحدود العراقية السورية في محاولة لوقف النظام السوري والميليشيات الموالية له المدعومة من إيران من السيطرة على المنطقة. لكن هذه القواعد معزولة – وفي الأسبوع الماضي، استعرض النظام السوري وصول قواته على الحدود للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات. كما ظهر شخص آخر – قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني.

لا يزال هناك قتال في أماكن أخرى في سوريا، ولا سيما في الجنوب حول درعا. لكن العديد من فصائل المعارضة دعت للسلام أو تحولت إلى إدلب في شمال غرب سوريا.

في الوقت الحالي، على الأقل، يصطف المتنافسون الرئيسيون في جبهتين، نظام بشار الأسد مع حلفائه في موسكو وطهران ضد الولايات المتحدة وبقية الجماعات غير الجهادية المتبقية التي لا تزال موجودة بساحة المعركة السورية.

ما هو على المحك أكثر من مجرد تصفية داعش.

مقال لتيم ليستر، المحلل السياسي والأمني لدى شبكة CNN.

 

 

 

 

كل المتحاربين على الحدود السورية – العراقية ماذا بعد؟/ د. عصام نعمان

المشهد بات واضحاً: كل المتحاربين في سوريا والعراق اضحوا متواجدين على طول الحدود بين البلدين، وفي مناطق أخرى متفرقة، فماذا يمكن أن يحدث في الأيام والاسابيع والأشهر المقبلة؟

الولايات المتحدة متواجدة هناك براً وجواً. في البرّ لها قاعدة عسكرية قرب بلدة التنف السورية الواقعة على مسافة 18 كيلومتراً من الحدود الأردنية، وقد نقلت أخيراً إلى داخل سوريا منظومتين لراجمات الصواريخ من طراز «هيمارس» من مستودع أسلحتها الثقيلة في الأردن. في الجوّ لها طائراتها وصواريخها العاملة تحت مظلة «التحالف الدولي» والمنطلقة من حاملات طائراتها في البحر المتوسط ومن قاعدتها الجوية «انجرليك» في تركيا.

إلى ذلك، لامريكا قوات من مشاة البحرية داعمة لقوات «قسد» الكردية الناشطة في محافظة الرقة السورية، كما لها قوات برية في محافظة نينوى (الموصل) العراقية تضمّ ضباطاً بصفة «مستشارين» لمساندة الجيش العراقي.

روسيا متواجدة في سوريا براً وجواً وبحراً ايضاً. في البر لها قاعدتان في حميميم وطرطوس تضمان قوات برية وطائرات حربية، كما لها كتائب عسكرية برية تدعم الجيش السوري في أنحاء متفرقة من البلاد. وفي البحر لها سفن حربية حاملة للطائرات المروحية وقاذفات الصواريخ، بالإضافة إلى قواعدها في البر الروسي القادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى تقع سوريا في نطاقها العملاني.

تركيا متواجدة في مواقع عدّة شمالي سوريا، ولاسيما في جرابلس والباب وقرب منبج وعلى الحدود مع محافظة ادلب السورية، وهي لا تتوانى عن استخدام طائراتها الحربية المنطلقة من قواعدها الجوية في الداخل التركي.

إيران متواجدة عسكرياً في العراق وسوريا، من خلال مجموعات من الضباط المستشارين الذين يساندون جيشيّ البلدين في معظم المواقع، التي تشهد معارك واشتباكات مع تنظيم «داعش». غير أن تطوراً لافتاً حدث قبل ايام، بحسب صحيفة «ازفستيا» الروسية، هو «أن تدفق الأسلحة الايرانية إلى القوات النظامية السورية بات سلساً، بعد وصول القوات النظامية إلى الحدود العراقية، عبر شق ممر لنقل الاسلحة عبر العراق في موقع يبعد 20 كيلومتراً من معبر التنف». كما نسبت وسائل إعلامية موالية للغرب إلى مواقع الكترونية ايرانية نشرَ صورٍ لجنود من «لواء فاطميون» الافغاني، ومعهم قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني، قالت إنهم يحتشدون في منطقةٍ على الحدود العراقية – السورية.

كل المتحاربين، اذن، متواجدون وناشطون مباشرةً بقواتهم، أو مداورةً بتنظيماتٍ تقاتل بالوكالة عنهم، فماذا يمكن أن يحدث في الايام والاسابيع والأشهر المقبلة؟

دونالد ترامب وعد بالإعلان عن استراتيجية لامريكا خلال الاسابيع الستة المقبلة، لكن مؤشراتها ظهرت سريعاً بتحريك جيشه لمنظومة من راجمات الصواريخ «هيرماس» إلى داخل سوريا، يقول ضباطٌ روس أن مداها لا يصل إلى ميادين القتال في الرقة، وبالتالي فهي غير قادرة على دعم قوات «قسد» الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة، وبالتالي لا يبقى لها من دور عملاني مفترض إلاّ ضرب القوات السورية الزاحفة لتحرير محافظة دير الزور من سيطرة «داعش» او المتجهة إلى استعادة منطقة التنف.

ضباط أركان روس حذروا الولايات المتحدة من مغبة الانزلاق إلى قصف القوات النظامية السورية العاملة على مدى البادية السورية كلها، من جنوب الرقة شمالاً إلى منطقة التنف جنوباً. التحذير الروسي تزامن، ربما بشكل مقصود، مع كشف صحيفة «ازفستيا» واقعة تدفق الأسلحة الإيرانية عبر ممر على الحدود العراقية – السورية، يبعد 20 كيلومتراً من معبر التنف. كل ذلك في وقت يبدو قاطعاً تصميم الجيشين السوري والعراقي على إحكام سيطرتهما على الحدود بين البلدين من الشمال إلى الجنوب.

هذه التطورات المتسارعة تطرح سؤالاً ملحاحاً: ما جدوى بقاء الامريكيين في منطقة معبر التنف الحدودي، ما دام الجيشان السوري والعراقي آمّنا معبراً سالكاً إلى الشمال منه، يمكّن ايران من نقل أسلحتها إلى الجيش السوري والى التنظيمات المساندة له؟

لا يغيب عن اذهان المراقبين أن ادارة باراك اوباما كانت وعدت «اسرائيل» بدعم التنظيمات الإرهابية المقاتلة في سوريا، بما يؤدي إلى تقسيمها أو، أقلّه، إلى تقاسم السيطرة والنفوذ فيها على نحوٍ يُضعفها، فلا يعود في وسعها كدولة سيدة أن تبقى متحالفة مع ايران، او قادرة على إمرار الاسلحة منها إلى تنظيمات المقاومة اللبنانية (حزب الله) والفلسطينية (حماس) وبالتالي عاجزة عن احتضان قواعد صاروخية ايرانية مُهدِّدة للكيان الصهيوني.

لا غلوّ في القول إن المخطط الامريكي، آنف الذكر، بات غير قابل للتحقيق بعد تقدّم الجيشين السوري والعراقي في عملية السيطرة على حدود البلدين، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن إدارة ترامب قد اسقطت المخطط المذكور من حسابها، إذ من الممكن، خلال قيامها بوضع استراتيجية جديدة للشرق الاوسط، أن تعيد إحياء المخطط القديم الرامي إلى تقسيم سوريا، ذلك يتم باعتماد سياسة حكومة نتنياهو التي تدعو إلى وقف محاربة «داعش» والتعاون معه بغية محاربة الجيش السوري وحلفائه للحؤول دون ترسيخ نفوذ ايران في سوريا.

غير أن امراً لافتاً حدث اخيراً هو قيام الامين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش بالدعوة إلى بحث الحالة في الجولان، ضمن «العملية السياسية» الجارية في سوريا، بالتزامن مع «تأهب» القوة الدولية «اندوف» المنتشرة هناك «لزيادة متوقّعَة في علمياتها» في المرحلة المقبلة، واستعدادها لنشر كتيبة مشاة آلية خلال اسابيع قليلة في الجزء الشمالي من منطقة الفصل.

هل تحرّك غوتيريش بإيعاز من واشنطن، ما يشي بتعذّر تنفيذ مخططها آنف الذكر، أم بتشجيعٍ من دول الاتحاد الاوروبي التي لا تشاطر الولايات المتحدة سياستها العدوانية في سوريا والعراق؟

ثمة صعوبة في الإجابة عن هذا السؤال قبل اتضاح توجهات القوى المتحاربةً المحتشدة على طول الحدود السورية – العراقية.

كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

هل يسلمون بخسارة درعا وانتكاسة حرب الحدود؟/ جورج سمعان

الكونغرس الأميركي أقر بغالبية ساحقة مشروع قانون لتشديد العقوبات على إيران. وشمل المشروع روسيا أيضاً لاحتمال تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية وضمها شبه جزيرة القرم ودعمها نظام الرئيس بشار الأسد. والتحقيقان القضائي والاستخباري في احتمال تدخلها باتا يشملان الرئيس دونالد ترامب. وزير خارجيته ريكس تيلرسون سجل تحفظه على المشروع. لا يروقه أن تكون العلاقات بين واشنطن وموسكو في أسوأ مستوياتها. وهو يحرص على وقف تدهورها أكثر لمواصلة العمل الثنائي في مناطق معينة، مشيراً إلى جهود قائمة في سورية. ويعارض العقوبات لأن ذلك يقيد هامش التحرك، وهو يريد «أوراق ضغط لأوقات أخرى». الرئيس فلاديمير بوتين هو الآخر حريص على العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة التي لا يعتبرها «عدواً». بل لديه «أصدقاء فيها» يهتم مثلهم بالتعاون لمعالجة الملفات الملحة. وكرر استحالة تسوية الأزمة السورية والصراع في الشرق الأوسط من دون تعاون وتنسيق بين بلاده وأميركا. ولم ينس تحميل الرئيس باراك أوباما المسؤولية عن «صناعة ظروف تجعل ترامب غير قادر معها على الوفاء بوعوده لشعبه». لديه ثارات مع الرئيس السابق الذي لم يكنّ أي احترام. فقد نادى القوى الكبرى إلى سياسة التعاون لحل المعضلات والمشاكل الدولية. ونهج سياسة عدم التدخل والانخراط في الأزمات. لكنه أدرك متأخراً في آخر سنة من ولايته الثانية أن لا بد من رفع موازنة الدفاع. وكان التركيز في حيثياتها على وجوب التصدي لما سمي «اعتداءات روسيا». وخصصت إدارته مبالغ لتغطية نفقات انتشار قوات أميركية في وسط أوروبا وشرقها لمواجهة «هجوم الكرملين».

لا يزال الرئيس بوتين اليوم يأمل بعلاقات مختلفة مع الإدارة الجديدة. لكنه سينتظر طويلاً ما دام التحقيق في تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية يزداد تعقيداً ويضيق الخناق على الرئيس ترامب. في هذه الأثناء لا شيء يثنيه عن مواصلة مشروعه لاستعادة مكانة بلاده ودورها، انطلاقاً من سورية خصوصاً والمنطقة عموماً. فهو حريص على تعميق تفاهمه مع إيران شرقاً ومصر في أفريقيا، وقوى أخرى في الإقليم. ولا يرغب في حسم الموقف مع الولايات المتحدة بقدر ما يرغب في شراكتها. وهو يلتقي مع الوزير تيلرسون في وجوب الحفاظ على الحد الأدنى من التفاهم الثنائي في سورية. لكن الوقائع على أرض الشام تشي بخلاف ما يتوافق عليه الطرفان. مشروع «مناطق خفض التوتر» الذي أقر في آستانة ولقي تأييداً من واشــنطن، يكاد لا يبقى منه شيء. إيران والنظام يعملان على تقويض المنــطقة الخاصــة بالغوطة الشرقية. وكذلك تهدد اندفاعة الجيش والميليشيات في البادية شــرق حمص «المنطقة» الخاصة بهذه المحافظة. أما الحدود الجنوبية فتشهد أقسى المعارك للسيطرة على درعا، كأن المقصود تقويض الاتفاق الأميركي – الروسي الخاص بالحدود الجنوبية. بل تقويض إقامة «المــنطقة» الرابعة التي تضم درعا والقنيطرة والسويداء، بما يضمن ابتعاد النفوذ الإيراني عن الحدود مع إسرائيل والأردن، ويطمئن هذين البلدين.

هذه التطورات الميدانية لا تشكل وحدها تحدياً لما تريده إدارة الرئيس ترامب من سورية، خصوصاً من تفاهمها مع موسكو. كان يفترض أن تنتهي «مناطق خفض التوتر» إلى تقاسم سورية بين القوى المنخرطة في الصراع. وأن تنتهي حماية هذه المناطق إلى وقف العنف وتكريس واقع يسهل تسويق مشروع الفيديرالية، بحيث ينتهي الوضع في سيطرة الولايات المتحدة على حدود سورية مع العراق والأردن لتحقيق هدفها الاستراتيجي بكسر الهلال الإيراني. على أن تستأثر روسيا بدمشق والساحل… على غرار التقاسم الحاصل في أوكرانيا حيث شرقها للشرق وغربها للغرب، وعلى غرار «التقاسم» في جورجيا حيث أوسيتيا وأبخازيا لحلفاء روسيا وجورجيا للغرب. لكن إيران نجحت قبل أيام في ربط الحدود بين سورية والعراق شمال الرقة (جنوب الأنبار). وضمنت بذلك طريق إمداد الأسلحة إلى قوات النظام وميليشياتها من مصانعها حتى ساحل الأبيض المتوسط. كما ضمنت قطع التواصل بين «وحدات حماية الشعب» و «فصائل الجنوب» التي تحظى بحماية ودعم من أميركا. وكان حضور قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الجنرال قاسم سليماني مع فصيل أفغاني رسالة واضحة إلى واشنطن أن مساعيها إلى فك «الهلال الإيراني» باءت بالفشل. وكان ظهر قبل ذلك مع «الحشد الشعبي» لدى وصوله إلى الحدود مع سورية في منطقة بين نينوى والحسكة، تمتد على مساحة سبعة كيلومترات.

الدينامية الميدانية في أكثر من بقعة في سورية لم تكرس بعد واقعاً ثابتاً. فالقوات الأميركية زودت حلفاءها نظاماً مدفعياً متطوراً أثار حفيظة روسيا التي حذرت من التمادي في استهداف قوات النظام السوري. وتمددت نحو منطقة الزكف على بعد سبعين كيلومتراً شمال قاعدة التنف. أي أن معركة الحدود لم تحسم بعد. علماً أن موسكو التي تنتظر الترياق من الوزير تيلرسون، لا تقف مكتوفة. بل تواصل بناء استراتيجيتها وتنفيذ مشروعها في سورية والمنطقة وأنحاء أخرى في العالم فيما اقتصادها لا يزال يعاني ويواجه صعوبات. وعلى رغم كل ما يقال عن التحالف التكتيكي بينها وبين طهران، وإمكان تعرضه لانتكاسة إذا عقد التفاهم بين بوتين وترامب، فإن الكرملين تعامل مع مشروع طهران بإيجابية. بل يدعم ويساعد على تحقيقه، بخلاف ما يتوقع الأميركيون. والدليل دعمه قوات النظام والميليشيات التي أعادت ربط الحدود بين سورية والعراق. وسكوته عما يجرى في درعا، حيث يقاتل النظام وحلفاؤه من أجل استعادة السيطرة على المعبر القديم مع الأردن ومعبر نصيب التجاري. كل ذلك ليحبط الرئيس بشار الأسد خطة «المناطق الآمنة». وليثبت أنه لا يزال قادراً على الإمساك بالحدود. وبتوفيره ممراً بين بلاده والعراق، يؤكد وقوفه إلى جانب الجمهورية لأنها وحدها ضمان بقائه. وهو بذلك يقطع الطريق على أي تفاهم بين القوتين الكبريين ترغب واشنطن من ورائه في إنهاء دوره وإبعاده عن السلطة.

حرب «المعابر» والسيطرة على الحدود لم تنتهيا بعد. ولن تنتهيا في المدى المنظور. جل ما يرغب فيه اللاعبون الكبار وقف القتال وتجميد الأزمة إلى أن يحين وقت الصفقات، أو إقرار الجميع بوجوب قيام نظام دولي جديد يراعي موازين القوى القائمة، ويراعي المصالح والعلاقات القائمة. ومن المبكر أن يحتفل هذا الطرف أو ذاك بالنصر الحاسم. إيران مصصمة على التمسك بما حققه «الحرس الثوري» ولن تتخلى عن «العواصم الأربع» مهما كلفها ذلك. وروسيا التي تراهن على التقارب مع إدارة ترامب، تراهن أكثر على تحالف يشمل إلى الجمهورية الإسلامية، الصين الراغبة أيضاً في أداء دور في الشرق الأوسط الذي تستورد منه معظم حاجاتها للطاقة. يبقى السؤال، هل تسلّم إدارة الرئيس ترامب وحلفاؤها في قمم الرياض بخسارة أول خطوة في استراتيجية ضرب النفوذ الإيراني في الإقليم؟ وهل يسلّم الأردن الذي لا يرى ملكه عبدالله الثاني تسوية في سورية من دون توافق أميركي – روسي بانتشار إيراني على حدوده؟ وماذا عن إسرائيل التي تغير طائراتها من وقت إلى آخر على قوافل تحمل السلاح من إيران إلى «حزب الله»، هل تسلّم بالأمر الواقع؟ وماذا ستفعل قوى «الائتلاف الوطني» و «أصدقاؤها» والفصائل الأخرى على اختلافها؟ جميعهم يدركون أن خسارة «الجبهة الجنوبية» تعني نهاية المعارضة. وكانوا يعولون على دور هذه الجبهة الهادئة نسبياً من سنتين وأكثر، في الزحف إلى دمشق في اليوم المناسب وحسم الأزمة… ولكن يبدو أن قوات العاصمة تزحف إليهم؟! من الصعب أن يستسلم المنخرطون في الأزمة من ست سنوات أو أن يسلّموا بنتائج الدينامية الجديدة وإن جدد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا دعوته إلى جنيف خامسة وسادسة و…

الحياة

 

 

 

فوضى الموقف الأميركي..عبء على الأزمة الخليجية

المركز العربي للابحاث | الثلاثاء 20/06/2017 شارك المقال : 0Google +00

بعد يومين فقط من زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى السعودية، ومشاركته في قمة الرياض، تفجرت أزمة غير مسبوقة في العلاقات البينية الخليجية؛ بدأت بحملة إعلامية شديدة ضد قطر، ووصلت حد فرض حصار عليها. ولم ينكر ترامب وجود علاقة بين زيارته إلى المنطقة وتفجر الأزمة الخليجية؛ إذ كتب في حسابه في “توتير”: “من الجيّد أن نرى أن زيارة المملكة العربية السعودية واللقاء مع الملك و50 دولة بدآ بإعطاء نتائجهما. لقد قالوا إنهم سيتبنّون موقفاً أكثر حزماً في التعامل مع تمويل التطرّف، وكل التلميحات كانت تشير إلى قطر. ربما سيكون هذا بداية نهاية الإرهاب”. ويبدو واضحاً أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض شجع السعودية والإمارات على تفجير خلاف مكبوت مع قطر وتصفية حسابات قديمة معها.

فوضى الموقف الأميركي

جاءت تصريحات ترامب ومواقفه حول الأزمة الخليجية متناقضة مع ما ذهبت إليه وزارتا الخارجية والدفاع، بل والبيت الأبيض نفسه؛ فقد دعا هؤلاء جميعاً إلى التهدئة وعدم التصعيد. ففي اليوم الذي أعلنت فيه السعودية والإمارات والبحرين قطع علاقاتها الديبلوماسية مع قطر، كان وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان، ريك تيلرسون، وجيم ماتيس، يحثان الأطراف المختلفة على الهدوء وإيجاد حل سلمي للأزمة. كما صرح الناطق باسم القوات الجوية الأميركية التابعة للقيادة الأميركية الوسطى، المقدم داميان بيكارت، إن “الولايات المتحدة والائتلاف (الدولي لمكافحة الإرهاب) يشعران بالامتنان للقطريين لدعمهم وجودنا (في قاعدة العديد التي تشن منها الولايات المتحدة هجمات على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسورية) والتزامهم طويل الأمد الأمن الإقليمي”. ولذلك فقد كانت تغريدات ترامب مفاجئة لمسؤولي وزارة الدفاع، بل إن اتهاماته لقطر بتمويل التطرف جاءت مناقضة كذلك لتغريدات نشرتها السفيرة الأميركية في قطر، دانا شل سميث، قبل ذلك بيومين، في الرابع من حزيران/ يونيو الجاري؛ إذ قالت إن قطر حققت “تقدماً حقيقياً” في كبح الدعم المالي للإرهابيين.

وعلى الرغم من أن الناطق باسم البيت الأبيض، شون سبايسر، حاول الحد من الأضرار الديبلوماسية التي ترتبت على تغريدات ترامب، فإن الرئيس الأميركي عاد وناقض توضيحات الناطق باسمه. ففي اليوم الذي غرد فيه ترامب عبر توتير موجهاً أصابع الاتهام إلى قطر، قال سبايسر إن “الولايات المتحدة تريد نزع فتيل هذه الأزمة وحلها على الفور ضمن المبادئ التي عرضها الرئيس فيما يتعلق بالقضاء على تمويل الإرهاب”. بل إن سبايسر ذهب أبعد من ذلك بتأكيده أن ترامب أجرى محادثات “بناءة جداً” مع أمير قطر خلال زيارته الرياض في أيار/ مايو.

التعبير الأبرز للفوضى في الموقف الأميركي من أزمة الخليج بدا جليّاً في 9 حزيران/يونيو، عندما ألقى وزير الخارجية، تيلرسون، كلمة مقتضبة في مقر وزارته، أشار فيها إلى أنه يتعين على قطر بذل مزيد من الجهد لوقف دعم “الإرهاب”. ولكنه شدد في الوقت نفسه على ضرورة أن تسعى كل الأطراف إلى حل خلافاتها من خلال المفاوضات، كما دعا السعودية والإمارات والبحرين ومصر إلى تخفيف الحصار الذي فرضته على قطر في شهر رمضان، معرباً عن قلقه إزاء التكلفة الإنسانية المترتبة عليه، فضلاً عن أنه يعوق الحرب على “داعش”. ولم تمض ساعة واحدة، حتى كان ترامب، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الروماني، يكيل الاتهامات لقطر من جديد. وقد عدّ الإصرار على عزلها انتصاراً لموقفه الداعي إلى وقف جميع صور الدعم لمن وصفهم بـ “المتطرفين”، زاعماً أن قطر “مصدر رئيس لدعم التطرف”، وأن النجاح في الضغط عليها سيمثّل بداية نهاية ما وصفه بـ”الإرهاب”.

أسباب الفوضى الأميركية

يشير التناقض الواضح في مواقف إدارة ترامب من الأزمة الخليجية إلى عدم وجود إستراتيجية واضحة، أو رؤية متماسكة لإدارته في السياسة الخارجية عموماً. فخلال زيارته، الشهر الماضي، لمقر حلف شمال الأطلسي “الناتو” في العاصمة البلجيكية، بروكسيل، رفض الرئيس الأميركي أن يؤكد التزام بلاده مبدأ الدفاع المشترك بين أعضاء الحلف، وذلك مع أن مسؤولاً أميركياً كبيراً كان قد أكد أنه سيفعل ذلك. ويقول مسؤولون أميركيون إن سطراً كان في خطاب ترامب المعد مسبقاً حول ذلك تم حذفه قبل وقت قصير من إلقاء ترامب خطابه، الأمر الذي فاجأ وزيري خارجيته ودفاعه، ومستشاريه للأمن القومي.

ويبدو أن الدائرة الضيقة حول ترامب، وتحديداً كبير مستشاريه ستيف بانون، وصهره ومستشاره جاريد كوشنر (وعلاقاتهما ليس فقط مواقفهما)، تقف وراء هذا التخبط في السياسة الخارجية الأميركية. ذلك أن بانون يرى أن الولايات المتحدة منخرطة في صراع وجودي مع “الإسلام الراديكالي”، ومن ثمّ، فإن التصعيد مع قطر، بزعم دعمها لبعض التيارات الإسلامية، حتى وإن كانت مصنفة “معتدلة”، كالإخوان المسلمين، يغدو أمراً مبرراً. أمّا بالنسبة إلى كوشنر، فإن تقارير إعلامية تشير إلى أنه وترامب شخصياً، لديهما ميل شخصي إلى تحالف محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، ومواقف شخصية من قطر؛ ذلك أنهما سعيا قبل سنوات إلى الحصول على شراكات تجارية وتمويلية من قطر إلا أنهما فشلا في ذلك. وبالنتيجة، فإن مصالح أميركا الحيوية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في الخليج العربي، تواجه تحديات كبرى جراء ضعف كفاءة الرئيس الأميركي، وعدم خبرته، واعتماده مسوغات أيديولوجية صارمة وغير عملية في توجيه دفة السياسة الخارجية، فضلاً عن حسابات وخصومات شخصية. أضف إلى ذلك أن ترامب الذي يبدو محاطاً بالمشكلات داخلياً، ويواجه حتى احتمالاً بالعزل، يبحث عن أي إنجاز سياسي، ولو كان مفتعلاً. وبما أن صلاحياته في السياسة الخارجية أكثر ولديه حرية أكبر من السياسة الداخلية، فإنه قد يكون رأى في التصعيد مع قطر، بحجة مكافحة تمويل الإرهاب، فرصة لتحقيق إنجاز يمكن أن يدعيه في خضم فشله المتراكم.

تداعيات محتملة على مصالح أميركا في الخليج والشرق الأوسط

على الرغم من ميل ترامب وصهره ومستشاره إلى تحالف بن زايد وبن سلمان، فإن دوافع الولايات المتحدة وحساباتها ومصالحها تختلف عن دوافع هذا التحالف لفرض المقاطعة والحصار على قطر؛ فهما يسويان ما تبقى من حساباتهما مع ثورات عام 2011، والخلافات القديمة مع قطر، وفي هذا جزء انتقامي غير عقلاني لا يحرك الأميركيين. كما أنهما يرفضان أي سياسة خارجية مستقلة لقطر، وأي تأثير سياسي أو قوة ناعمة لها خارج دائرة القرار السعودي، إضافة إلى رفضهما الحرية الإعلامية التي تتيحها وعلاقاتها مع التيارات السياسية المختلفة بما فيها التيارات الإسلامية.

أمّا بالنسبة إلى الولايات المتحدة فيمثّل أمن الخليج العربي واستقراره أحد أعمدة الإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً بسبب احتياطاته من مصادر الطاقة، كالنفط والغاز، فضلاً عن أهمية دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مساعي احتواء إيران.

وفيما يتعلق بقطر، فقد تأطرت العلاقات الأميركية – القطرية المشتركة في أعقاب حرب الخليج عام 1991، وذلك عندما وقّعت الدولتان اتفاقية تعاون عسكري، ثمّ تعززت أكثر عام 2003 مع انتقال مقر قيادة الجيش الأميركي في المنطقة إلى قاعدة العديد بعد إخلاء قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية. وتُعدّ قاعدة العديد، والتي تبعد 40 كلم جنوب غرب العاصمة القطرية، الدوحة، أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط، وتضم نحو 11000 جندي أميركي. وتحتضن مركز العمليات الأميركية الجوية المشتركة في هذه القاعدة مهمات القيادة والسيطرة على القوة الجوية الأميركية في العراق وسورية وأفغانستان، فضلاً عن 18 دولة أخرى. وتتوفر هذه القاعدة على أطول المدرجات في الخليج العربي، بطول 12500 قدم، وتستوعب 120 طائرة مقاتلة. وقد استثمرت قطر مبلغ مليار دولار لبنائها خلال التسعينيات، وهو ما دعّم العلاقات العسكرية الأميركية – القطرية. كما أن هذه القاعدة تحتضن مقراً متقدماً للقوة الجوية للقيادة الوسطى الأميركية، ومركز العمليات الجوية والفضائية المشترك، وغيرها من الوحدات الجوية الأميركية. ويتخوف المسؤولون الأميركيون، وخصوصاً في وزارة الدفاع، من احتمال أن تكون كل هذه الامتيازات التي تحصل عليها الولايات المتحدة في قطر مهددة إذا استمرت حملة التصعيد الدبلوماسي معها.

إضافة إلى ما سبق، فإن هواجس أخرى تساور المسؤولين الأميركيين من استمرار الأزمة، وأهمها:

أن تتمكن روسيا من التسلل إلى المنطقة من خلال التشققات في منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ووقوف الولايات المتحدة إلى جانب طرف على حساب آخر. والإخلال بالتوازن في المنطقة في سياق محاولات احتواء إيران والحرب على “داعش” إذا ما استمر الانقسام الخليجي. وتخشى واشنطن من أنه إذا استمر جيران قطر الخليجيين في عزلها، فإنها قد تلجأ إلى تعزيز علاقاتها بإيران. أمّا على صعيد الحرب على “داعش”، فلا يخفي مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية قلقهم من أن مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين لقطر وحظر السفر إليها قد يمنع مسؤولي هذه البلدان من العسكريين من زيارة قاعدة العديد للتنسيق الجماعي. واستمرار تفاقم الأزمة قد يضع حلفاء أميركا في المنطقة على حافة مواجهة محتملة، خصوصاً مع إعلان تركيا تفعيل اتفاقات عسكرية مشتركة سابقة مع قطر. ويبدي المسؤولون الأميركيون قلقاً من أن احتمال أن تكون للحصار على قطر تداعيات اقتصادية على الشركات الأميركية التي تعمل في الخليج العربي. فقد تتطور الأمور إلى ضغوط تمارسها السعودية والإمارات والبحرين على تلك الشركات للانسحاب من قطر أو مواجهة عقوبات اقتصادية وحظر من العمل في بلدانها. كما ترى جهات في واشنطن أن الضغط على قطر لقطع علاقاتها مع بعض الجماعات التي تعارضها الولايات المتحدة وتصنفها “إرهابية”، كحركة حماس، أو تحاربها، كحركة طالبان، سوف يضر بالمصالح الأميركية؛ لأن الانفتاح يسمح بإجراء اتصالات أميركية مع هذه الحركات عند الحاجة. وبحسب مسؤول أميركي “يجب أن يوجد مكان يمكننا لقاء طالبان فيه، وأن يوجد مكان تذهب إليه حماس ويمكن عزلها فيه والحديث إليها”. ومعلوم أن فتح طالبان مكتباً لها في الدوحة عام 2013 إنما جاء بناء على طلب أميركي. وبهذا المعنى، فإن قطر، بما تمثله من انفتاح إعلامي وسياسي على مختلف التيارات الفاعلة، تمثل رئة للتنفس في منطقة لا تقبل أي هامش للاختلاف. ويبدو أن هذا ما قبلته إدارتا جورج بوش الابن وأوباما من قبل، بما في ذلك تحمل تغطية قناة الجزيرة الإخبارية على الرغم من امتعاضهما منها.

خلاصة

تمثّل الفوضى في موقف إدارة ترامب من أزمة الخليج استمراراً لنهج تعانيه هذه الإدارة في السياسة الخارجية منذ وصولها إلى السلطة. فنزق ترامب وبغضه للمؤسسة الحاكمة، ورفضه نصائحها، فضلاً عن غياب ناظم للسياسة الخارجية الأميركية في عهده، يجعل الفوضى السمة العامة في عمل هذه الادارة. وبهذا المعنى تصبح أزمة الخليج مجرد عنوان جديد لذلك. إن الموقف الأميركي من الأزمة الخليجية سيتحدد بناء على أي النهجين سينتصر، نهج المؤسسة الحاكمة بخبرائها وبيروقراطييها وحساباتها وهواجسها، أم رعونة ترامب وخفته؛ وإن كان ثمة مؤشرات على أن المؤسسة الحاكمة بدأت تستعيد زمام الأمور، من دون وجود ضمان فعلي لذلك.

 

 

 

 

 

مرحلة جديدة في الحرب السورية/ رندة تقي الدين

الضربة الأميركية التي أسقطت المقاتلة السورية أدخلت حرب التحالف الدولي ضد «داعش» مرحلة جديدة من المواجهة الأميركية مع روسيا في سورية، فقوات التحالف والأكراد مع قوات عربية أضعفت «داعش» على الأرض في العراق وبدأت تضعفه في الرقة السورية، والضربة الأميركية التي استهدفت مقاتلة الجيش النظامي السوري تشير إلى أن أميركا قررت منع روسيا، وخصوصا حليفها الإيراني، من السيطرة وإدارة الرقة بعد «داعش».

أدرك الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند ذلك، وكانت الدبلوماسية الفرنسية تدفع بقوة فريق الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التفكير المبكر باستراتيجية ما بعد تحرير الرقة من «داعش»، وتحض الجانب الأميركي على منع النظام السوري وحليفتيه إيران وروسيا من تسلم إدارة الرقة، وهو موقف بعيد النظر، لأن مدناً عدة في سورية يقوم النظام بإفراغها من سكانها لاستبدال إيرانيين بهم وتشييع المناطق. أما الآن، فما زالت دبلوماسية الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون بالنسبة إلى سورية في طور إعادة التقويم، ولذلك ليس معروفاً ما هو الموقف الفرنسي، وما إذا كان قد تغير أم لا، فماكرون بدأ عهده -لأسباب غير واضحة- بإبعاد الإعلام الذي ساهم ورحب بانتخابه، والرئيس الفرنسي الشاب الذي اكتسح الساحة السياسية بفوز حزبه «إلى الأمام»، يعتمد نهج «إلى الوراء» في ما يتعلق بمنع فريقه الدبلوماسي أو دبلوماسيي وزارة خارجيته من التكلم وشرح تصوره لخطته الدبلوماسية تجاه سورية، وهذا «الإغلاق» الإعلامي المستغرب من رئيس يريد التحديث، يمنع التحليل الدقيق لما يريده بالنسبة إلى سورية ومرحلة ما بعد «داعش» في الرقة، وهل أنه يوافق التوجه الأميركي بمنع إيران وحلفاء النظام السوري من إدارة الأماكن المحررة، فالمرحلة الآن بالغة الخطورة، كون إرهاب «داعش» لم يعد في مكان واحد وانتقل من الأرض السورية التي كانت بفضل سياسة النظام السوري معقلاً لهذا التنظيم الإرهابي إلى كل مدن الغرب.

إن الأوضاع الأمنية العالمية مع تزايد الإرهاب الأعمى وعدم التمكن من السيطرة عليه تقتضي حلاً جذرياً لحروب المنطقة، فلو تدخلت القوات الأميركية في عهد أوباما في عام ٢٠١٣ وضربت القواعد الجوية لبشار الأسد لما نشأ وتغلغل «داعش» في أراضي سورية. لم يكن هناك حينها تدخل روسي مباشر. والآن، وفيما يتم تحرير مناطق سورية من هذا الوحش الإرهابي «داعش»، لا ينبغي أن تترك هذه المناطق لروسيا وإيران اللتين تعولان على السيطرة على الشرق الأوسط من خلال تواجدهما في سورية، فالضربة الأميركية للمقاتلة السورية قد تكون تنبيهاً لروسيا إلى أن الإدارة الأميركية لن تترك إيران تسرح وتمرح في سورية. تعتمد روسيا لغة التهديد لأنها حامية النظام السوري ومصلحتها في سورية، لكن إدارة ترامب لديها وزير دفاع أميركي قوي وحازم ويعرف المنطقة جيداً، وعلى رغم أنه لا يبحث عن مواجهة عسكرية مع روسيا لكنه يدرك أن الموقف الأميركي الحازم والقوي في مواجهة روسيا ونظام بشار الأسد أفضل من التنازل والتخاذل الذي قدمه جون كيري والرئيس أوباما للجانب الروسي في تعاطيه مع كل من سورية وإيران.

إن الأيام المقبلة وعودة مفاوضات الأطراف السورية التي دعا إليها المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا ستُظهر مدى جدية الجانب الروسي في الضغط على النظام السوري أو تركه يناور ولا يتفاوض على شيء رافضاً مبدأ الانتقال السياسي، فالحرب السورية تحمل في طياتها خطورة مواجهة بين الدول الكبرى، علماً أن روسيا لم تعد بقوة الاتحاد السوفياتي ولكنها تحمي نظاماً إرهابياً مع حليف إيراني مبدع بإرهاب المنطقة العربية منذ ثورة الخميني. إن نهاية الحرب في سورية والحل السياسي مستبعدان طالما الموقف الروسي عازم على حماية هيمنته في هذا البلد وفي المنطقة. والمؤلم أن سقوط الضحايا والنزوح السوري والكوارث الإنسانية ستستمر.

الحياة

 

 

 

 

«هيمارس» الأميركية توصد الجنوب السوري/ إيغور روزن

يهدد نشر الولايات المتحدة منظومة راجمات الصواريخ المتطورة السريعة الحركة (هيمارس) في مدينة التنف السورية يهدد الجيش السوري، وروسيا لا يسعها جبهها وتعطيلها من دون مفاقمة النزاع. ونشر المنظومة هذه لا يخلف أثراً في دينامية الحملة على «داعش» في الرقة التي تقودها قوات تدعمها أميركا وروسيا. والسبيل اليتيم أمام روسيا لتحييد صواريخ «هيمارس» هو تدميرها حين تعد للانطلاق، يقول خبير الشؤون العسكرية، ديمتري ليتوفكين.

ولا يسع الجيش الروسي جبه خطر منظومة الصواريخ هذه التي نشرت في جنوب سورية. «وهذه المنظومة غير موجهة: فهي تبلغ هدفها إذا رميت بواسطة صاروخ.

ولا ترتجى فائدة من السعي الى تدمير هذه الصواريخ بواسطة الدرع المضادة للصواريخ. فكلفة صاروخ «هيمارس» أدنى كثيراً من كلفة منظومة الدفاع الصاروخي التي تتصدى له. ولا يبدو أن التعزيزات العسكرية في جنوب سورية تقوض مصالح روسيا في الرقة، وهي مدينة بارزة المكانة في الحملتين الأميركية والروسية في البلاد.

ويصل مدى صواريخ «هيمارس» الى 300 كلم، فتبقى الرقة ومحيطها في منأى من المنظومة هذه. والغاية الرئيسية منها هي تعزيز منطقة خفض احتمالات الصدام التي أعلنتها واشنطن أحادياً للحؤول دون إرسال إيران إمدادات الى الجيش السوري. ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ألكسي كلبنيكوف أن نشر «هيمارس» يوجه رسالة الى موسكو ودمشق مفادها أن واشنطن لن تسلم الحدود السورية– العراقية– الأردنية الى قوات توالي النظام السوري وإيران. والغاية من منظومة «هيمارس» غير مرتبطة لا من قريب ولا من بعيد بالحملة على الرقة. وتسعى أميركا الى الحؤول دون سيطرة قوات موالية للنظام السوري على بلدة التنف الاستراتيجية، والإمساك بمقاليد طريق سريع يربط بين دمشق وبغداد وطهران. وإذا سقطت التنف، وسع إيران تسليم السلاح والإمدادات الى الجيش السوري مباشرة. لذا، سارعت واشنطن الى إرساء منطقة خفض احتمالات الصدام بين القوات الأميركية والروسية. وعلى رغم أنها لا تؤثر في محيط مدينة الرقة الاستراتيجية، وهي تحاصرها قوات سورية الديموقراطية التي تدعمها أميركا وجيش النظام السوري الذي تدعمه موسكو، تقوض منظومة «هيمارس» قدرات الجيش السوري. فهي توصد منطقة الجنوب السوري أمامه.

و «هيرماس» قادرة على حرق هكتارات من الأرض، فهي لا تدمر قوات خصومها البشرية فحسب بل تدمر الألغام المضادة للدبابات والبشر في منطقة شاسعة. وهي «وسيلة إبادة» بخسة الثمن وفاعلة، يقول ليتوفكين.

وعلى رغم الخلاف بين موسكو وواشنطن على الحرب وكيفية قيادتها، لا يستبعد الخبراء احتمال التعاون بين القوات التي يدعمها كل منهما لتحرير الرقة من «داعش». وتقاسم الجيش السوري و «قوات سورية الديموقراطية» النفوذ في مناطق سيطرتهما وتنسيق حملتهما في الرقة، محتمل. ومثل هذا التنسيق يقلص عدد خسائر الحملة، ويرسي نموذجاً يحتذى في العمليات المقبلة ضد «داعش». ولكن لا يسع المراقب استبعاد سيناريو تنافس قوات الجيش النظامي و «قوات سورية الديموقراطية» في الرقة وتنازعهما على النفوذ فيها، حين تحرر. ودور أميركا وروسيا حيوي. فإذا اتفقت موسكو وواشنطن على التنسيق في حملة الرقة، بدأ التنسيق بين الجيش السوري و «قوات سورية الديموقراطية». وإذا لم تتفقا، يتوقع التصعيد بين القوات التي تدعمها روسيا وتلك التي تدعمها أميركا.

* عن موقع «راشا بيوند ذي هدلاينز» الروسي، 16/6/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

 

رسالة صاروخية إيرانية

كيهان

الضربة الصاعقة والمفاجئة للقوات الجو فضائية «الصاروخية» الإيرانية على قوات وقيادات «داعش» في دير الزور والميادين ومنطقة ثالثة كانت مباغتة في شكل محير. وهي أدهشت داعش الذي لم يعرف من أين أتته الضربة من دون أن يدوي شيء في السماء أو أن يجري أي تحرك على الأرض.

ولا شك في أن هذه الضربة القاصمة قد مهد لها وجرى تداولها في الغرفة الرباعية لتبادل المعلومات في بغداد… لأن مسيرة الصواريخ التي تضرب مقرات الدواعـــش في دير الزور لا بد من أن تمر عبر الأجواء العراقية، وهذه هي الضربة الأولى من نوعها حيث توجه إيران ضربة صاروخية وفي شكل مباشـــر تســـتهدف داعش خارج حدودها وهو أمر غير مسبوق منذ أن تعوّد العالم أن يسمع مثل هذه الضربات التي تقوم بها الدول الكبرى خارج حدودها.

واستخدم الحرس الثوري صواريخ متوسطة المدى لكنها كانت قاصمة جداً حيث أصابت أهدافها بدقة متناهية ودمرت عدداً من مراكز قيادات «داعش» وفي آن واحد حيث سقط العشرات من قياداته وعناصره، وهي تأتي انتقاماً للشهداء المظلومين الذين سقطوا بيد داعش في طهران.

(…) لكن ما نريد قوله: الرسالة الأقوى توجهها إيران إلى الرئيس المجنون والمتهور (دونالد) ترامب. فهو تصور، وببلاهته المعهودة، أنه باع هذيانه لبعض دول المنطقة. وإذا ما تمادى الجانب الأميركي في غيه وشروره فإنه سيتلقى الصفعات كما عبر عن ذلك الإمام الخامنئي.

أما ما فوجئت به واشنطن وذيولها في المنطقة أن الضربة الصاروخية الدقيقة وغير المسبوقة لحرس الثورة الإسلامية لتدمير مراكز قيادات داعش في دير الزور جاءت بعد أيام من الإنجاز التاريخي والاستراتيجي للوصول المتزامن للقوات السورية والعراقية إلى الحدود المشتركة بين البلدين وهذا ما فاقم ارتباك وقلق الدوائر المشبوهة في المنطقة والعالم من الخط البري بين إيران والعراق وسورية ولبنان وحتى فلسطين في وقت لاحق. (فهذا الخط) أصبح سالكاً.

تأتي الضربة في سياق التطور المتسارع لرجحان كفة محور المقاومة الذي أخذ يضيق الخناق على «داعش» وفي شكل يقربها إلى دائرة الاحتضار النهائي في العراق وسورية.

* افتتاحية، عن «كيهان» الإيرانية (الموقع العربي)، 20/6/2017

الحياة

 

 

 

مناطحة أمريكية ـ روسية فوق الجغرافيا السورية

رأي القدس

لم يكن ممكناً أبداً للأطفال السوريين من سكان مدينة درعا الجنوبية الذين تحمّسوا نتيجة ما كان يجري عام 2011 في شوارع تونس ومصر وليبيا تخيل حجم الحدث الهائل الذي أطلقوه بأصابعهم الصغيرة وطباشيرهم والذي أشعل ثورة عارمة هائلة، ولكنّه، من ناحية أخرى، أطلق شياطين النظام المرعبة، وجيّش حلفاءه الإقليميين لدفن الثورة الناشبة، واستدعى بالنتيجة ردود فعل أخرى من دول عربيّة وأجنبية وصولاً إلى هذه الملحمة الهائلة التي تحوّل فيها السوريون من فاعلين راغبين بالتغيير إلى جزء من معادلة صراعات عالميّة كبيرة.

منذ ذلك الحين لم يكفّ الحراك السياسي والعسكري والاجتماعي وتداخلت فيه قضايا الجغرافيا السياسية لروسيا، والنفوذ الإقليمي لإيران، مع محاولات الدول العربية للتأثير في المعادلات الجديدة، وضياع القرار الأوروبي تحت ضغوط الهجرة والخوف من الإرهاب والفوضى بالتوازي مع عقوبات باردة ضد النظام (الذي غرق لقدميه في الإبادة الجماعية لشعبه) واتصالات أمنية لم تنقطع معه.

اكتفت الولايات المتحدة الأمريكية في ظل دورتي حكم الرئيس باراك أوباما بمحاولة إدارة الأزمة والحفاظ على شرعيّة النظام السوري ومحاولة تأطير المعارضة السورية ضمن أجندة «مكافحة الإرهاب» فحسب وهو ما سمح، عمليّاً، بإطالة عمر النظام وتسليم ملفّات المنطقة لروسيا وإيران الذي تعزّز بعد اتفاقها النووي مع طهران.

رفع انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آمال روسيا بقرب تفويضها رسميّاً بإنهاء المعارضة السورية وإعادة تطبيع نظام بشار الأسد مع الغرب، ولكن هذه الآمال ووجهت بالجدل المتصاعد عن دور الكرملين في التدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب، وهو ما كبّل، بالتدريج، علاقة ترامب ودبلوماسييه بموسكو وعزّز قدرة المؤسسة العسكرية الأمريكية على القرار والحركة، والتي أكّدت خلال الشهور الماضية على اتجاه وتسليح واعتماد المجموعات الكردية التابعة لحزب «الاتحاد الديمقراطي» لقتال تنظيم «الدولة الإسلامية».

الروس الذين غرّتهم التصريحات الإيجابية المتكرّرة لترامب ومسؤوليه حول النظام السوري، سمحوا بقرار الرئيس السوري بقصف بلدة خان شيخون بالسلاح الكيميائي، وهو ما أثار فزع العالم وأعاد فجأة عقارب ساعة المقارنات بين تخاذل أوباما عن خطه الأحمر الشهير الذي حطّمه الأسد باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه في آب/أغسطس 2013، وسرعة ترامب الذي قرّر قصف مطار الشعيرات الذي انطلقت منه طائرة السلاح الكيميائي السورية في 7 نيسان/إبريل الماضي.

الديناميكيات المتولّدة عن الأوضاع الداخلية الأمريكية لترامب على أرضية شبهة تواطئه مع الروس ونقطة العلام التي خلقها قرار قصف مطار الشعيرات وبعدها التزام الإدارة السياسية الأمريكية باستراتيجيات المؤسسة العسكرية ـ الأمنية في سوريا والعراق، جعلت ميزان العلاقات بين واشنطن ـ موسكو في صعود وهبوط، وحرّكت عجلات النزاع التي لا يمكن تجاوزها إلا على حساب إحدى الجهتين.

أحد العوامل المهمة في تزايد رغبة واشنطن على تأكيد وزنها، على حساب الروس، كان اندفاع حشود إيران وميليشياتها العراقية والأفغانية نحو الحدود السورية، والتوافقات التي تمّت خلال قمم ترامب السعودية الأخيرة.

وإضافة إلى اندفاعاتها الأرضية فإن طهران صعّدت النزاع العالمي ـ الإقليمي إلى ذروة جديدة مع قصفها مدينة دير الزور السورية، ليس بعيداً عن تمركز قوّات أمريكية، بصواريخ باليستية من كرمانشاه وكردستان إيران، وهي إشارة تم التقاطها في تل أبيب التي ردّت محذّرة، بينما سكتت دول الخليج العربي، المشغولة بحصارها لجارتها قطر!

«المباطحة» الأمريكية ـ الروسية، والمفاجأة الصاروخية الإيرانية، وانشغال بلدان الخليج عما يجري بالمحاولة الجنونية لتطويع قطر، مؤشرات ستحدد عمليّاً، مسار الصراع الحالي، ليس على سوريا وحدها، بل على المنطقة العربية أيضاً.

القدس العربي

 

 

 

خط ماتيس” في بادية سوريا/ حسين عبد الحسين

لا يخفي المسؤولون الأميركيون يقينهم أن أيام سيطرة تنظيم “الدولة الاسلامية” على أراض في العراق وسوريا صارت معدودة، وأن التنظيم سينقلب بعد ذلك الى حرب عصابات وشن هجمات ضد التجمعات السكانية.

وانهيار سيطرة “داعش” على شمال سوريا الشرقي، بالتزامن مع انهياره في شمال العراق الغربي، يفتح الصراع على تقاطع طرق اقليمي لطالما أثار حروباً ونزاعات دموية، منذ مواجهات جيوش مؤسس السلالة الفارسية الساسانية ارضشير، مع قوات روما في القرن الثالث الميلادي.

منذ غابر الازمان، يسعى حكام شرق دجلة الى السيطرة على خط بغداد دمشق للحفاظ على منفذ لهم الى الساحل، فيما يسعى حكام غرب الفرات الى قطع هذا الخط واستبداله بخطوط تجارية بديلة، إما عبر الفرات حتى مصبه في رأس الخليج، أو من دمشق ودرعا، فالأزرق، مروراً بوادي سرحان، فتيماء حائل، باتجاه المنطقة السعودية الشرقية، المعروفة تاريخياً بالاحساء.

تاريخياً أيضاً، سعى أباطرة روما المتعاقبين على انشاء خطوط دفاعية امتدت من بترا جنوباً، مروراً ببصرى، وصولاً الى تدمر شمالاً، فرصافة سوريا. وحمل كل خط دفاعي اسم الامبراطور الذي انشأه، وكان يحمل غالباً اسم طريق باللاتينية، أو “ستراتا”، ومنها كلمة الصراط في سورة الفاتحة.

بعد قرون من الزمن، عاد الخط الدفاعي الامبراطوري في اراضي العرب ضد الغزاة الفرس. هذه المرة، يشرف على هذا الخط وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، المعروف بثقافته التاريخية وسعة اطلاعه. هذه المرة، لا يحتاج ماتيس الى خط يمتد من بترا بموازاة أخدود البحر الميت شمالاً حتى بصرى فتدمر، فالأردن دولة حليفة لأميركا، واختراق أراضيها صعب بالنسبة لحكام ايران.

وفي شمال العراق، تعول أميركا على الاكراد لقطع اي امتداد فارسي باتجاه المتوسط. هذا يعني أن “خط ماتيس” سيمتد من مثلث الحدود السورية – الاردنية – العراقية، أي التنف، شمالاً باتجاه ديرالزور، مع ما يعني ذلك من سيطرة حلفاء الولايات المتحدة على الاراضي السورية التي يتم طرد “داعش” منها شرق الفرات.

تحالف ايران وروسيا والرئيس السوري بشار الأسد أدرك نوايا ماتيس استراتيجياً، فراح يسعى الى تقويضها بمحاولة وصل الميليشيات الموالية لإيران في العراق مع نظيرتها في سوريا. أعلن هذا التحالف انه ادرك غايته بالسيطرة على نقطة على الحدود السورية العراقية على بعد 100 كيلومتر شمال التنف، وإذا صحّ ذلك، يعني أن إقامة “خط ماتيس” صار متعذراً.

لكن الموضوع يبدو اعقد من دعاية محور الأسد وحلفائه، فماتيس عزز قواته عددياً وتسليحياً في التنف، وتمدد 75 كيلومتراً شمالاً باتجاه الزكف. صحيح أن الوصول إلى ديرالزور سيتقاطع حتمياً مع قوات محور الأسد، إلا أن واشنطن لا تبدو قلقة من أي إلتحام من هذا النوع، وهو إلتحام سيأتي فور اتمام الاميركيين اقامة خطهم الدفاعي، وتحصينه، وبناء قوات مستعدة للتمدد شمالاً باتجاه ديرالزور لانتزاعها من “داعش” والسيطرة عليها.

في السنوات الماضية، صبّت كل انسحابات مقاتلي “داعش” في مصلحة قوات الأسد وحلفائه، والتي يبدو آخرها في محيط ديرالزور لفك الحصار عن جيب لقوات الأسد كان محاصراً بالقرب من المدينة الشمالية الشرقية. إلا أن “داعش” لم يعد قادراً على ترجيح كفة فريق عسكري ضد آخر، ومن المرجح أن يواصل إنهياراته، فيما تتسابق الاطراف الاخرى على السيطرة على الاراضي التي يخليها.

أما هوية القوات السورية المقاتلة في صف الاميركيين، فيبدو أنها تتوسع، بصمت، لتشمل عرباً كثيرين من غير الاكراد. من هؤلاء، يشير الخبراء الاميركيون الى “أسود شرق البادية” (أسود الشرقية) وغالبيتهم من المنشقين عن الجيش السوري، فضلاً عن “مغاوير الثورة”، وعدد من مقاتلي العشائر المحلية.

لن تستخدم أميركا قوتها العسكرية للزحف على دمشق، لكنها ستستخدمها لمنع الأسد وحلفائه من الزحف على البادية شرق سوريا، وفي الغالب ستقيم منطقة عازلة تقطع فيها خط بغداد دمشق، وتسمح فيها لمعارضي الأسد بالاقامة الآمنة حتى اشعار آخر.

أما أولى بوادر استخدام القوة العسكرية الاميركية لمنع الأسد وحلفائه من الزحف شرقاً فظهرت جلية في قيام مقاتلة “اف 18” اميركية بإسقاط “سوخوي 22″ روسية تابعة للأسد، كانت تغير على حلفاء أميركا من الميليشيات الكردية، وهذه المواجهة الجوية الاولى من نوعها بين أميركا والأسد.

ستحاول الولايات المتحدة الركون الى قوتها الجوية و”القوات الخاصة” لدعم حلفائها في البادية السورية. لكن إن تعذر مزيج القوة هذا في ردع الأسد وايران، لن تتوانى واشنطن عن اقحام المزيد من القوات الارضية في حرب تدور في اراض مفتوحة لا مدن فيها، وهي معارك عادة ما تحوز فيها الجيوش النظامية افضلية على الميليشيات، ويبدو ان أميركا اليوم مستعدة لهذا النوع من المواجهات.

المدن

 

 

 

المقدس لمواجهة المآزق العقلية القاتلة للهلال الإيراني/ علي الأمين

ساهم المشروع الإيراني في المنطقة العربية في ضرب الدولة الوطنية من دون أن يقدم بديلا موضوعيا، فمشروع ولاية الفقيه لم يحمل في طياته مشروع تأسيس نموذج لدولة وتعميمها. الطبيعة الأيديولوجية للنظام الإيراني لا تتحملها إلا إيران، ذلك أن المقترح الأيديولوجي الذي يقدمه نظام ولاية الفقيه متناغم مع إيران حصرا، مع البنية السلطانية في هذا البلد، فحتى من الناحية الفقهية الشيعية لم يسبق في تاريخ مدرسة النجف الأشرف العربية أن ولد مشروع الفقيه السلطان.

ذلك أن مشروع ولاية الفقيه يعاني من مآزق عقلية قاتلة “الراد على الولي الفقيه راد على الله”، فالفكر الذي يعجز عن أن يعقلن نفسه يلجأ إلى المقدس، كما لجأت الأيديولوجيا الإيرانية إلى الإمامة لتغطية وتبرير عملية تقويض الدولة الوطنية. ربما هي نجحت في تحويل عقيدة الإمامية الإثني عشرية في وعي العديد من الشيعة إلى مشروع الذود عن سلطة ونظام سياسي مركزه إيران.

لذا فالأيديولوجيا الإيرانية غير معنية بأن تؤسس كيانات سياسية، هي تقود دولة تريد أن يكون لها امتداد إقليمي، حيث أثبتت الوقائع أنّ إيران تعمل على إيجاد بؤر أمنية سياسية ثقافية، يكون لها حضور فاعل فيها وتتميز هذه البؤر بالتبعية التي تعمل على عزلها عن محيطها، من هنا يمكن أن نلاحظ كيف أنّ الهوية الشيعية قد تضخمت في المنطقة العربية منذ الثورة الإيرانية حتى اليوم، بشكل لم يشهده تاريخ المنطقة على هذا النحو من الانفصال الشيعي عن محيطه وفي تبعيته لخارج نظام المصالح الوطني والقومي.

نموذج الحشد الشعبي في العراق يعبّر عن هذه الوجهة التي تبلورت بداية في لبنان عبر حزب الله، فالعراق بتشكيلته المقبلة ينحو نحو المزيد من التشكّل الطائفي بالشروط الإيرانية عبر تشكيل قوة طائفية رديفة هي الحشد الشعبي المرشح مع نهاية سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الجغرافيا العراقية لأن يزداد حضوره ونفوذه على حساب مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية المنافس لها في آن. وليس خافيا أنّ الحشد في بنيته وتشكيلاته يخضع للسيطرة الإيرانية، وهو مرشح اليوم لأن يلعب دور المرمّم لخط الإمداد العراقي السوري اللبناني والذي ينطلق من طهران، وهو دور يأتي ليستثمر الفراغ والتردد الأميركيين حياله، خاصة بعد استفحال الفراغ العربي.

مشروع السيطرة والتحكم في هذا الخط نجح إلى حدَّ ما إيرانيا، ودائمـا على النقيض من فكرة تأسيس كيان وطني مستقل، أي كيـان مستقل له طبيعة اجتمـاعية ضمن حدود تديرها سلطة ضمن دولة معنية بإدارة الشأن العام، كيان يحتكر حق العنف المشروع بحسب تعريف ماكس فيبر للدولة.

النموذج الإيراني في أحسن الأحوال يتبنى في المنطقة العربية دولة تصريف الأعمال، أي الدولة المعلقة، وفشل استكمال مشروع الدولة في البلاد العربية عزز منذ نشأته من شعور التهميش لدى الأقليات في المنطقة العربية، ولدى المكوّن الشيعي في هذه الدول تفاقم الشعور بأنّه غير قادر على أن يكون جزءا عضويا من مفهوم الوطن والولاء للدولة، والمشروع الإيراني نفذ من هذه الثغرة واستفاد من التواجد الجغرافي للشيعة في المنطقة، إذ لم تعد العلاقة بين هذه المكونات الشيعية وإيران علاقة ندّية بل تبعية تجاوزت البعد الديني والثقافي إلى عملية ربط بالأمن والاقتصاد والتكوينات العسكرية. هذا الربط عبر المكونات التقليدية أي المذهب والطائفة في الحالة العربية، رسّخ النفوذ الإيراني.

في المثال اللبناني تحول النفوذ الإيراني إلى نفوذ بنيوي، إذ لا توجد شبكة مصالح شيعية لبنانية قادرة على أن تواجه هذا النفوذ، فحتى حركة أمل الشيعية التي يقودها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري انتقلت من موقع الند لحزب الله والنفوذ الإيراني لدى الشيعة وفي لبنان عموما، إلى حركة قصارى طموحها في أن تكون مدرجة على خانة التابع لإيران. فخلال السنوات العشر الماضية أظهرت حركة أمل التزاما كاملا بالعناوين الكلية للاستراتيجية الإيرانية في لبنان، في مقابل استمرار هذه الحركة كطرف مشارك في السلطة وفي تقاسم الحصة الشيعية في الدولة مع حزب الله مع أرجحية للأخير.

النموذج اللبناني هذا الذي يجري تطبيقه في العراق عبر إيجاد قوة رديفة اسمها الحشد الشعبي يفتقد في سوريا للقدرة على التطبيق بسبب غياب الحاضنة الشيعية، لذا فإن هذا النقص الديموغرافي عوضت عنه إيران في البداية بحشد عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الإيرانية والباكستانية والعراقية والأفغانية بالإضافة إلى حزب الله لمواجهة الثورة السورية، وها هي اليوم تحاول التعويض عبر التغلغل داخل الدولة السورية، فالنظام السوري الذي يرأسه الرئيس بشار الأسد، سلم بأن فرص بقائه في السلطة هي إيرانية بالدرجة الأولى، وأيّ تراجع للنفوذ الإيراني في سوريا سيؤدي حتما إلى نهايته، ويعرف السوريون أن الأسد انتهى منذ زمن من أن يكون مساويا لإيران في سوريا وفي إدارة المواجهة، بل أيقن حقيقة أنّ علاقته بهذا النفوذ باتت وجودية يبقيان معا أو ينتهيان معا.

بين العراق وسوريا ولبنان، انتقلت إيران من اعتماد عنوان مشروع المقاومة كتعويض عن غياب النموذج القابل للتعميم في بناء علاقة ندية مع الدول العربية، إلى تعزيز البنى الطائفية من أجل حماية الامتداد الاستراتيجي لإيران في المنطقة والمحافظة على وجوده. اللغة تغيّرت، لم تعد قضية تحرير فلسطين هي العنوان، بعدما صارت إسرائيل الثابت الاستراتيجي في المنطقة وفي الحسابات الإيرانية والعربية فضلا عن الروسية والأميركية. يتمّ اليوم إنتاج خطاب جديد أنّ السلاح الذي قاتل داعش هو سلاح مقدس، والذي يقاتل الإرهاب كما سلاح حزب الله الذي قاتل الاحتلال الإسرائيلي هو سلاح مقدس أيضا، والغاية في الحسابات الإيرانية المحافظة على ثنائية السلاح الرسمي والأهلي أو ثنائية السلاح والدولة.

إيران المشغولة بتثبيت الهلال الشيعي اليوم، كشفت عن أن الكيانات الشيعية التي عمدت إلى تشكيلها في المنطقة العربية، كم هي كيانات هامشية فرعية لا حقيقية، وظيفتها الولاء السياسي لإيران وأن تشكل ورقة ابتزاز تستخدمها القيادة الإيرانية في مواجهة خصومها، وهي مكونات تفتقد للقدرة على التبشير بأي مشروع وطني أو قومي أو إسلامي، لذا تستعين بالأيديولوجيا والمقدس لمواجهة غياب المشروع لتسويغ العزلة عن محيطها.

* نقلا عن “العرب”

 

 

 

 

 

تحرير الرقة لن يؤدي إلى الاستقرار في سورية/ لينا الخطيب

بدأت معركة تحرير مدينة الرقة من أيدي تنظيم «داعش» وتتزايد التقارير عن المناطق التي تمت استعادتها من المنظمة الإرهابية. الولايات المتحدة وحلفاؤها يقدمون الحملة في شكلٍ إيجابي، قائلين إن تجريد ما يسمى بـ «الخلافة» من عاصمتها سيشكل ضربةً قويةً للتنظيم. لكن تحرير مدينة الرقة يواجه عدداً من التحديات الكبيرة التي يجب على التحالف الدولي المناهض لتنظيم «داعش» أن يوليها الاهتمام، وإلا فإن مكاسب الحملة ستطغى عليها موجة جديدة من التوتر.

لا يزال التوتر العرقي مشكلة محتملة. فالحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة يتم دعمها على الأرض في شكلٍ رئيسي بواسطة «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) التي لا تزال تحت سيطرة المقاتلين المنتمين لـ «وحدات حماية الشعب الكردية» على رغم وجود مقاتلين عرب داخل صفوفها. وأدلت الولايات المتحدة ببيانات تفيد بأن المناطق المحررة من تنظيم «داعش» على يد قوات سورية الديموقراطية سيتم تسليمها للعرب لكي يحكموها وليس للأكراد، في محاولةٍ لتخفيف التوتر العرقي المحتمل.

إلا أن نطاق التعاون بين قوات سورية الديموقراطية والسكان المحليين في المناطق المحررة ما زال غير واضح، بخاصة أن التقارير المبكرة مثل تقرير الزميل حايد حايد الذي تم نشره على موقع مجلس الأطلنطي الالكتروني في أيار (مايو) تشير إلى أن قوات سورية الديموقراطية ستستخدم نهجاً للحكم المحلي في مدينة الرقة يشبه النهج الذي استخدمته عندما قامت بتحرير مدينة منبج العام الماضي. يدور هذا النهج حول إشراك العرب في مجالس الإدارة الذاتية ولكن من دون منحهم سلطة حقيقية. ويمهد مثل هذا النموذج الطريق للتوتر الكردي- العربي في المستقبل القريب.

التوتر القَبَلِيّ هو مصدر قلق آخر. فقامت الولايات المتحدة جنباً إلى جنب مع الأردن والإمارات العربية المتحدة وغيرهما من الأقطاب الخارجية الأخرى بحشد القبائل لتكون بمثابة شركاء محليين في الحملة ضد تنظيم «داعش». وخلقت تلك الأيدي الدولية «جيش العشائر» الذي يشارك في القتال في جنوب سورية وكذلك في الشرق. ومع ذلك، فإن الاعتماد على العشائر للسيطرة على المناطق ما بعد تنظيم «داعش» ليس نموذجاً يمكن تطبيقه في شكل موحد. هناك فرق بين الديناميكيات الريفية والحضرية في هذا الصدد، وكذلك بين المناطق المختلفة: ولذا من المرجح أن تشهد مدينة دير الزور وريف الرقة نجاحاً أكبر في تنفيذ «مجلس العشائر» منه في مدينة الرقة.

علاوةً على ذلك، ولأن القبائل غالباً ما تعمل على أساس التحالف مع الجانب الذي يوفر لها الحماية، فقد عادت بعض القبائل في شرق سورية إلى دعم النظام. وهذا هو الحال بالنسبة الى قبيلة الشعيطات التي ذبح تنظيم «داعش» المئات من أعضائها في عام 2014، فانضم أعضاؤها في ما بعد إلى الجيش السوري في محاولة لكسب الحماية. لذلك، فإن الاعتماد على القبائل للسيطرة على الرقة بعد تحريرها يحمل خطر الاشتباكات القبلية.

أما المنافسة بين الأقطاب الخارجية فتترجم على أرض الواقع، ما يساهم في تقويض الحملة. فمنذ آذار (مارس)، قُتل نحو 700 مدني في أكثر من 150 ضربة جوية من التحالف المناهض لتنظيم «داعش» وفي معارك برية، وفرّ 160 الفاً من ديارهم وأصبحوا مشردين داخلياً. ووصفت الأمم المتحدة ضربات التحالف بأنها تسببت «بخسارة صاعقة في حياة المدنيين». لكن مدير الشؤون العامة في التحالف الدولي الكولونيل جو سكروكا رفض بشدة تقرير الأمم المتحدة قائلاً إنه يضع التحالف الدولي على قدم المساواة مع داعش. واتهم سكروكا وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية باستنساخ دعاية «داعش» عن غير قصد في تقاريرها عن الخسائر المدنية في سورية. وهذا البيان يضر بصدقية التحالف بدلاً من تعزيزه.

وهناك نزاع آخر يتعلق بتنفيذ «مناطق تخفيض التصعيد» على النحو المتفق عليه في أيار (مايو) 2017 في المحادثات التي تقودها روسيا في الآستانة. ينص الاتفاق على أن هذه المناطق ستسمح لوكالات الإغاثة الدولية بتوصيل الأغذية والخدمات الطبية الى المناطق المحاصرة. ولكن وكالات الإغاثة أفادت بعدم تطبيق هذا البند واستمرار النقص في الإمدادات الغذائية والطبية. إضافة إلى ذلك، يتم إجلاء بعض المناطق من سكانها في ما لاحظته الأمم المتحدة كزيادة في عدد «اتفاقيات الإجلاء»، وهي في الواقع عملية إجلاء السكان مباركة من قبل روسيا، الدافع الأساسي «الاعتبارات الاستراتيجية للأطراف المتحاربة التي تتفاوض»، وفقاً للجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في سورية.

وهناك أيضاً نزاع بين روسيا وحلفائها من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، حول من يحقق أكبر النتائج في محاربة «داعش». واسترجعت قوات سورية الديموقراطية حتى الآن سبع مقاطعات في محافظة الرقة من «داعش»، وقدمت بيانات علنية عدة عن انتصاراتها من أجل تسليط الضوء على إنجازات حملة التحالف بقيادة الولايات المتحدة. فيما أعلنت روسيا في وقتٍ لاحق أنها «ربما قتلت» زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي في إحدى غاراتها الجوية في 28 أيار. ولكن لا يوجد دليل على أن البغدادي قد قُتل بالفعل في هذه الغارة، أو أنه داخل سورية. آخر بيان صوتي من قبل البغدادي أطلق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 ولا يُعرف مكان تواجده. حتى لو قُتل البغدادي، فإن هذا لن يؤدي إلى انهيار تنظيم «داعش»، حيث يقوده عدد من الشخصيات التي لا تزال هويتها مجهولة، في حين أن المجموعة غالباً ما تخلق شخصيات عامة من القادة المفترضين من أجل تحويل الانتباه بعيداً من الديناميكيات الفعلية التي تعمل من خلالها.

كل هذه التوترات، سواء بين الأقطاب المحليين أو الدوليين، تعني أن حملة الرقة لن تحقق الاستقرار في سورية، وستؤدي ببساطة إلى تحويل الصراع. إن هدف الحملة محدود ألا وهو هزيمة «داعش» عسكرياً وهذا يعني أيضاً أنه ينتهي إلى تجاهل أحد العوامل الرئيسية لعدم الاستقرار وهو النظام السوري.

وبعد أن الولايات المتحدة، وللمرة الأولى، أسقطت طائرة مقاتلة سورية كانت تهاجم قوات سورية الديموقراطية، أصدرت قوى المهمات المشتركة ضمن التحالف بياناً يوم 18 حزيران (يونيو) أكدت فيه أن «مهمة التحالف هي هزيمة داعش في العراق وسورية. ولا يسعى التحالف إلى محاربة قوات النظام السوري أو الروسي أو الموالي للنظام»، واختتم بدعوة «جميع الأطراف إلى تركيز جهودها على هزيمة داعش، الذي يُعد عدونا المشترك وأكبر تهديد للسلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والعالمي». هذا الوصف غير الدقيق للصراع في سورية سيكون أكبر سبب للتوتر على الأرض في المستقبل.

* مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» – لندن

الحياة

 

 

شراكة مؤجّلة قد تحوّلها إيران صداماً أميركياً – روسياً/ عبدالوهاب بدرخان

قدّم الرئيس الروسي سياسته الدولية بأنها «تصحيح» للنظام العالمي الذي تفرّدت الولايات المتحدة في الهيمنة عليه ووضع قواعـــــده. وإذ انطلق فلاديمير بوتين من تداعيات الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان، ومن الفوضى التي عمّت ليبيا جرّاء التدخل الأطلسي لإسقاط النظام السابق، فإنه يعتقد أن إدارته الأزمتين السورية والأوكرانية في الأعوام الثلاثة الأخيرة وفّرت نموذجاً صائباً لما يمكن أن تكون عليه القيادة «الجديدة» للنظام الدولي بالاستناد الى جرائم الحرب المحرّمة إدانتها. لكن تبدّى الآن أن النموذج البوتيني يكاد يقوم على فكرة وحيدة هي إنكار القطبية الواحدة وإنهاء وضعية الدولة العظمى (الأميركية) الوحيدة، ولتطبيق ذلك أعطى بوتين أولوية لتقليد وحشية أميركا في فيتنام بالأسلوب الروسي في حلب بعد الشيشان، وانتقل التقليد الى مجلس الأمن الذي باتت موسكو تعطّله بتلقائيةٍ عمياء وغالباً ما كانت واشنطن تعطّله أيام الحرب الباردة. وفي السياق، فإن ما التقى ويلتقي عليه القطبان هو تهميش العدالة الدولية وتمرير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وإذا تبادلا الاتهامات التشهيرية في شأنها فإن «الفيتو» يحول دون إصدار قرارات ودون التزامها وتفعيلها إذا أمكن إصدارها.

يبدو هاجس «التصحيح» بارزاً أيضاً في الكثير من الكلام والقليل من الفعل في نهج الرئيس الأميركي الذي قد يفقد منصبه وهو لا يزال يُوصف بـ «الجديد». فما أقدم عليه مع أعوانه، قبل الحملة الانتخابية وخلالها وبعدها وقبيل أيام من تنصيبه، يشكّل حالياً الخلفية المزعزعة للسياسات أو الاستراتيجيات التي تحاول إدارته بلورتها. ويبدأ «التصحيح» في عُرف دونالد ترامب بمراجعة الفواتير الأميركية حول العالم، وفقاً لقاعدة أن مَن يريد حماية الولايات المتحدة ينبغي أن يتحمّل الكلفة، لكن طبعاً باستثناء إسرائيل. وهذا حساب مخاتلٌ لأن أميركا لم تكن خاسرةً أبداً من تدخّلاتها، وحساب خاطئٌ لأن لأزماتها الاقتصادية أسباباً في السياسات الداخلية أولاً وأخيراً، وهو حسابٌ غير واقعي يرمي الى إبقاء الهيمنة الأميركية لكن مجانية، ثم أنه يُسقط بل يرفض تقويم المحصلة نسبةً الى الكلفة، فنادراً ما يكون التدخّل والحماية نهايةً لأزمة بل بداية لمسلسل يديم الاضطراب والتوتر. كانت لدى باراك اوباما أجندة «تصحيحية» أيضاً، ولم يتمكّن من تطبيقها فاكتفى بتركة تكرّس الانسداد الدولي والتقاء القطبين على الاستثمار، كالعادة، في الأزمات الإقليمية وإدارة الحروب بالوكالة.

بمعزل عن السياسات، كان هناك دائماً ما يُسمّى «الحلم الأميركي» الذي لم يعد له السحر الإلهامي نفسه، لكن يبقى لدى أميركا دائماً نموذجٌ محمّل قيماً قابلة للتصدير بشرط أن تتوافر إرادة سياسية لتطبيقه، أما اذا غابت القيم والإرادة معاً تكون النتــائج كــارثــية، كما هي حالياً.

والأمثلة كثيرة، لكن تكــــفي الإشارة الى غزوات جورج بوش الابن في إطار الحرب على الإرهاب وما أفضت اليه في العراق وأفغانستان، الى انسحابات اوباما وعدم اعترافه بأخطار سياسة التخريب الإيرانية وانخراطاته الملتوية في التعاطي مــع الأزمات السورية والعراقية والليبية التي أدّت الى ولادة الارهاب «الداعشـــي» الجديد، وأخيراً الى تخبّطات ترامب بين ما يتصوّره وما يحقّقه في شأن إيران وصولاً الى وقوعه في فخّ التواصل مع روسيا كما لو أنه يحتاج الى مَن يلفته الى أن روسيا عدوٌ وليست حليفاً استراتيجياً لأميركا.

في المقابل، لم تكن روسيا يوماً مصدراً لـ «حلم» أو نموذجاً قابلاً للتصدير، وإذا كانت لا تدّعي ذلك فليس في الأمر فضيلة. فحتى النموذج السوفياتي، وهو مقياس بوتين ومرجعيته، استخدمته موسكو لاستقطاب عشرات الدول قرابة قرن من الزمن، إلا أنه انتهى الى سقوط مريع وسقطت معه «اشتراكيته» وأي قيم اقتصادية فيها قد تكون صالحة للاتّباع من دون حمولتها السلطوية الفظّة. لا شك في أن التقليد الروسي قد يتفوّق على الأصل الأميركي في الوحشية أو يتساوى معه، لكن المؤكّد أنه لا يستطيع أن يقدّم منظومة متكاملة يمكن أن تضاهيه. ففي سورية، أثبت التدخّل الروسي أن «نموذجه» هو نظام بشار الأسد الذي يوقّع له على ما يشاء، وأثبت أيضاً أن حليفه الأمثل هو النظام الإيراني. نفذ الروس خطة الأسد والإيرانيين لتفتيت قوة المعارضة وتسفيه طموحاتها كأفضل وسيلة للمحافظة على ماكينة اسمها النظام، وإذ حققوا النسبة الكبرى من برنامجهم بالقوة العسكرية إلا أن تحويل إنجازاتهم الى نهاية حرب وبداية استقرار فتلك مهمة لا يتمتّع الرئيس الروسي بالخبرة لإدارتها، لأن قاموسه يعرف الحكّام والجيوش لا الشعوب.

شكا بوتين أخيراً من أن مشاكل ترامب مع المحققين والقضاة تعرقل مساهمة أميركا كشريك في حل النزاعات الدولية، على افتراض أن القطبَين يريدان فعلاً حلّها. يدرك الرئيس الروسي أن كل ما فعله في سورية واوكرانيا وغيرهما مجرد تأزيم لاستدراج الولايات المتحدة الى مساومة لم تبرهن على أنها راغبة فيها.

فهو يتحدّث علناً عن «شراكة» ويترجمها ضمناً «مساومة». لم تعارض أميركا «تنسيقه الاستراتيجي» مع إسرائيل، وأوحت بأنها تطلق يده في سورية سواء بخطة آستانا لـ «مناطق خفض التصعيد» أو بقيادة من الخلف لمفاوضات جنيف، فهي مثله لا تملك نموذجاً مناسباً لإنهاء الصراع السوري بل لإدامته وتوظيفه.

لكن بوتين الباحث عن شراكة مع أميركا وجد أنها تعمل على مشروع آخر في سورية من خلال محاربة «داعش» في الشمال والمنطقة الآمنة في الجنوب، بل وجد أن أميركا وإيران باشرتا صراعاً ميدانياً متجاهلتَين الوجود الروسي، فإيران تبحث أيضاً عن ظروف لاستدراج الأميركيين الى مساومة لا يريدونها.

اضطر الروس أخيراً لقبول هدنة درعا وفرضها على النظام، لأن تفاهمهم مع الأميركيين على عدم التعرّض لقوات النظام اختُرق مع انكشاف أن الخسائر الكبيرة التي نُسبت الى الأخير كانت في معظمها لحلفائه من «حزب الله» وميليشيات أخرى تابعة لإيران، وبالتالي فإن سيطرتهم على كامل درعا تعني السماح بوجود إيراني على حدود الأردن، وهذا غير مقبول أيّاً تكن الاعتبارات. إذاً، أصبح عنوان «قوات النظام» إشكالية روسية يصعب الدفاع عن مشروعيتها، ولا يمكن موسكو إقناع واشنطن بعدم التعرّض للإيرانيين وأتباعهم لأن النظام هو مَن دعاهم. أما الإشكالية الأخرى فتتعلق بالحدود سواء في الشمال أو الجنوب الغربيين اذ يخترقها الإيرانيون متحدّين الإنذارات الأميركية. وفي أي حال، يُظهر الإيرانيون أنهم لا ينتظرون أن تدافع موسكو عن وجودهم في سورية، بل يمارسونه ويطوّرونه وفقاً لاستراتيجية ثابتة لا تحسب حساباً لحواجز تضعها الدول الكبرى أمامهم.

في أسوأ الظروف، ولعلها حلّت، سيسعى الإيرانيون الى استفزاز الأميركيين بدفع زوارق الى المياه الاقليمية السعودية وإحدى المنصّات النفطية وإلى صدام مباشر، كما حاولوا بالزحف نحو معبر التنف من الجانبين، بل إلى افتعال أسباب لصدام أميركي – روسي سبق أن راهنوا عليه عندما حضّوا على استخدام السلاح الكيماوي في خان شيخون وجاءهم الجواب عبر الصواريخ الأميركية على مطار الشعيرات.

وتلتقي طهران وموسكو اليوم على ضرورة استغلال حال التخبّط الأميركي، فمن الواضح أن واشنطن لم تحسم خياراتها في المنطقة على رغم إطلاقها معركة الرقّة ضد «داعش» وتهديفها على نفوذ إيران واضطرارها مجدّداً لإرسال قوات الى أفغانستان. ولا شك في أن الصواريخ التي أطلقتها سفينة روسية من المتوسط وتلك التي أطلقتها إيران من أراضيها على مناطق «داعش»، وكذلك إسقاط الأميركيين طائرة للنظام على مقربة من الرقة، لا تريد كسر احتكار التحالف الأميركي والقوات الكردية لمحاربة الارهاب فحسب، بل ترمي الى وضع الأميركيين أمام واقع جديد لا يمكّنهم من حسم المعركة مع «داعش» وما بعدها وفقاً لتصوّرهم، ومن دون إشراك الأطراف الأخرى، أي روسيا وإيران ونظام الأسد.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

إيران تستعجل الاشتباك مع ترامب في سورية/ حسان حيدر

تزداد في سورية، حدة التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها المحليين من جهة، وبين روسيا وإيران وميليشياتها الأجنبية والنظام السوري من جهة ثانية، مع اقتراب موعد معركة الرقة لطرد تنظيم «داعش» وإنهاء «خلافته» المترنحة. إذ تخشى القوى الخارجية الداعمة الأسد من المرحلة التالية للحرب على «داعش»، وتشكك في النيات الأميركية غير الواضحة التي تتركها ضحية القلق والحيرة.

لكن الغموض الأميركي الذي ينعكس تخبطاً في القرارات السياسية والعسكرية، ليس ناجماً عن تخطيط مسبق، بل عن غيابه. فالتحركات الاميركية تفتقر إلى خط ناظم يرسم استراتيجية واضحة ويحدد الأولويات وتداخلاتها، والعلاقة بسائر الفرقاء على الأرض، لا سيما روسيا وإيران، سلباً أو إيجاباً.

ومنذ مطلع العام الحالي، تاريخ تسلم ترامب مقاليد البيت الأبيض، ازداد التباعد بين الشعارات السياسية وبين تطبيقاتها العملية، وتفاقم التناقض بين الإعلان المتكرر عن الرغبة في تغيير التحالفات في الشرق الأوسط خصوصاً، وبين التعامل الآني مع الوقائع والمعطيات الميدانية.

وفيما ركز ترامب خلال حملته الانتخابية، ثم في تصريحاته الرئاسية الأولى، ثم خلال زيارته المنطقة، على ضرورة كبح جماح إيران ووقف تمددها الإقليمي، والتراجع عن سياسة أوباما في التغاضي عن خططها للهيمنة وتهديدها التوازنات الإقليمية، كان التنفيذ على الأرض متبايناً إلى حد بعيد، ويتجنب المواجهة مع الانتشار الإيراني، المباشر أو بالوكالة، في العراق وسورية واليمن، سوى في حالات نادرة اقتضتها ضرورات عسكرية بحتة.

وحتى الآن، ليس للولايات المتحدة أي هدف معلن في سورية سوى القضاء على «داعش» في رقعته الجغرافية المحاصرة. بل إن قادتها السياسيين والعسكريين يشددون مع كل توتر يحصل مع القوى الأخرى المنتشرة في هذا البلد، على أنهم لا يهدفون إلى محاربة القوات السورية النظامية أو الإيرانية أو الروسية، بل «الدولة الإسلامية» فقط. غير أنهم لا يقدمون صورة واضحة عما ستفعله بلادهم بعد إنجاز هذه المهمة.

أما إسقاط المقاتلة السورية والطائرتين الإيرانيتين المسيرتين، وقصف ميليشيات موالية لإيران اقتربت من مثلث الحدود المشتركة بين سورية والأردن والعراق، فيندرج في رأي واشنطن في إطار تنفيذ تفاهم ضمني مع موسكو بعدم تعرض أي طرف لقوات الطرف الآخر وحلفائه، ويبرره الأميركيون بأنه مجرد رد على خروقات سورية وإيرانية لهذا التفاهم هددت القوات المحلية التي يدعمونها.

لكن من المرجح أن تستمر الخروقات لأن القائمين بها يعتقدون أن الهدف المضمر للأميركيين بعد طرد «داعش» من «دويلته»، سيكون الاستدارة نحو إيران وميليشياتها، ما قد ينعكس على دعم نظام الأسد، ويهدد النفوذ الروسي في سورية.

ولهذا تستعجل إيران الاشتباك مع الأميركيين، وبالتالي تشتيت واشنطن عن هدفها المعلن وإعاقة حربها المنفردة ضد «داعش»، وربما إلحاق خسائر بقواتها المنتشرة في سورية والعراق. والهدف الأبعد إجبار أميركا على مهادنة طهران والتنسيق معها ومع موسكو ودمشق في الحرب على التنظيم، وتقاسم عائدها المعنوي والمادي. وبكلام آخر الاعتراف بامتداداتها الإقليمية.

فالروس والإيرانيون ونظام دمشق يرفضون أن تتصرف الولايات المتحدة كأن لها حقاً مطلقاً في شن حرب في سورية، واعتبارهم مجرد متفرجين غير معنيين، مع أنهم يسيطرون على معظم الأرض ويمتلكون القدرة على وقف أي تسوية أو تخريبها. ولهذا بدأت القوات النظامية تتقدم نحو الرقة وأطلقت إيران صواريخ عابرة على دير الزور وأعلنت موسكو أنها ربما قتلت زعيم «داعش» في غارات على التنظيم، لتأكيد مشاركتها في معركة الرقة.

في هذه الأثناء، يَغيب ويُغيّب أي دور للمعارضة السورية التي قادت الثورة على نظام الأسد. وفي هذا يتفق اللاعبون الدوليون والإقليميون جميعاً بلا استثناء، من واشنطن وأوروبا إلى موسكو وطهران.

الحياة

 

 

 

واشنطن تسير نحو مواجهة مباشرة مع النظام السوري

ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، وفي ظل توقعاتها بهزيمة تنظيم “داعش” بعاصمته المزعومة الرقة، تخطط لما تعتبره المرحلة القادمة من الحرب بسورية، ستكون فيها العمليات معقدة وقد تجعل واشنطن في صراع مباشر مع النظام السوري والقوات المتحالفة معه الموالية لإيران، في إطار السيطرة على المناطق الصحراوية الشاسعة بالجزء الشرقي من سورية.

واعتبرت الصحيفة أن هذا الصراع قد بدأ لحد ما، في إشارة إلى الضربات الأميركية الأخيرة، التي جاءت بمثابة تحذير لرئيس النظام السوري بشار الأسد وطهران بأن واشنطن لن تسمح للقوات الموالية لهم بمواجهة القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها، أو إعاقة تحركاتهم.

وفي التفاصيل، أشارت “واشنطن بوست” إلى أنه في اللحظة التي بدأت فيها قوات النظام والمليشيات المتحالفة معها في التقدم شرقا، ضغط مسؤولون بالبيت الأبيض على وزارة الدفاع (البنتاغون) من أجل إقامة نقط عسكرية، وذلك لمنع أي وجود عسكري للنظام أو لإيران قد يعيق من قدرات الجيش الأميركي على القضاء على نفوذ “داعش” بالمناطق المحاذية لنهر الفرات جنوب الرقة وبالعراق.

وبحسب المسؤولين الأميركيين، كما ورد في تقرير الصحيفة، فإنه في حال تمكن النظام السوري والقوات المتحالفة معه من السيطرة على تلك المناطق، فإن ذلك سيقوض أي تقدم في اتجاه تحقيق تسوية سياسية تؤمن الاستقرار في سورية، من خلال تقليص نفوذ بشار الأسد وطرده من السلطة.

في المقابل، أكدت الصحيفة أن مدى رجاحة هذه الاستراتيجية والحاجة إليها شكل نقطة نقاش حاد بين البيت الأبيض والبنتاغون، لأنها بذلك، تكون الولايات المتحدة الأميركية قد أصبحت فعلياً، طرفاً في الحرب بسورية، بعد سنوات من محاولة واشنطن البقاء خارجها، وما قد يجعل القوات الأميركية في مواجهة مباشرة مع إيران وروسيا، اللتين تدعمان بشار الأسد.

أما بشأن الطائرات التي أسقطتها أميركا بسورية، فقد أوضحت “واشنطن بوست” أن البنتاغون، وليس البيت الأبيض، من اتخذ القرار بضرب الطائرات بدون طيار الإيرانية ومقاتلة جوية سورية، رداُ على اقترابها من القوات الأميركية. وتعليقا على ذلك، قال مسؤول أميركي للصحيفة “لقد ضربوا طائرة للعدو لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن. إن ذلك ينطلي على تقبل مستوى عال من المجازفة”، قبل أن يضيف “لقد قمنا بالكثير من الأشياء منذ أبريل/ نيسان كانت الإدارة السابقة تقول إنه يستحيل القيام به دون تصعيد النزاع”.

وعادت الصحيفة لوعود ترامب الانتخابية، إذ أعلن أنه سيكشف في غضون أشهر من وصوله للبيت الأبيض عن استراتيجية جديدة للقضاء على “داعش”. وأوضحت أن هذه الاستراتيجية لم يتم الكشف عنها لحد اللحظة، وبأنه على امتداد أشهر بدا ترامب يسير على نفس خطى سلفه باراك أوباما، متفاديا الأسد وإيران وروسيا، مع مواصلة ضرب معاقل “داعش” بسورية والعراق.

لكنها أكدت أن ترامب خالف سلفه، حينما أصدر القرار بشن ضربات صاروخية على قاعدة الشعيرات التابعة للنظام السوري، ردا على استخدام بشار الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين بخان شيخون.

ومؤخراً، كما تشير الصحيفة، حدثت مناوشات مباشرة بين واشنطن وقوات النظام، بعدما قصفت القوات الأميركية في ثلاث مرات على الأقل خلال الشهر الحالي والماضي مليشيات موالية لإيران، اقتربت من أماكن التواجد الأميركي، فضلا عن إسقاط طائرات بدون طيار تابعة للنظام.

العربي الجديد

 

 

 

تقاسم النفوذ في سوريا:روسيا ترفض حلفاً مع إيران/ بسام مقداد

بلغ الصراع على سوريا مرحلة يجد كل طرف نفسه فيها ملزماً بتحديد مناطق نفوذه ومصالحه، والدفاع عنها، وتوسيع جغرافيتها لتتطابق مع طموحاته السياسية. وتشير تطورات الأيام الأخيرة إلى استعداد سائر هذه الأطراف للذهاب إلى حدود المواجهة المباشرة مع “الخصوم”، وتضييق “مسافات التراجع” معهم إلى أدنى حدودها، منذ أن انخرطت جميعها في المقتلة السورية.

تقول صحيفة الكرملين “فزغلياد” في تعليق لها على تحذير موسكو لطيران التحالف الدولي من التحليق فوق غربي الفرات في سوريا، إثر إسقاط المقاتلة السورية ووقف روسيا العمل بمذكرة التفاهم مع أميركا، بأن هذا التحذير قد أجبر البنتاغون على “تضييق جغرافيته” في سماء سوريا. وتضيف أن الفضاء الجوي السوري قد تم تقسيمه بدقة بين القوات الأميركية والروسية وفق مسار نهر الفرات، حيث يشرف التحالف الدولي على شرق سوريا، بينما تشرف روسيا على غربها. وفي هذا المعنى قد يتحول الفرات إلى الحدود السياسية الفاصلة بين مختلف أجزاء سوريا، التي لا تزال “موحدة شكلياً” حتى الآن. إلا أنه لم يتحدد حتى الآن مصير جنوب سوريا، الذي كانت تدور فيه معارك أقل حدة من تلك التي تدور حتى الآن في الشمال الغربي والشمال الشرقي للبلاد.

وتقول الصحيفة، إن موسكو، وبعد إسقاط الطائرة الإيرانية من دون طيار في جنوب سوريا، قد أدانت بشدة تعزيز الولايات المتحدة الأميركية لقواتها في جنوب سوريا، حيث عمدت إلى نقل منظومات صاروخية جديدة إلى قاعدة التنف، وأنشأت قاعدة جديدة لها هناك.

وتنقل الصحيفة عن المتخصص في شؤون الشرق الأوسط أنطون مارداسوف قوله، إن جنوب سوريا تسيطر عليه قبائل سنية بإشراف الأردن، ويدرب خبراؤه مقاتليها. كما يفترض مادراسوف، أنه قد جرى نقل مقاتلين من “القوات الديموقراطية السورية” من الشمال إلى المنطقة الجنوبية هذه.

وتؤكد الصحيفة، أن مناطق النفوذ السياسي الأخرى في سوريا قد تم تحديدها في الواقع. فشمال غرب البلاد تسيطر عليه دمشق، كما هو معروف، بمساعدة القوات الروسية والإيرانية. أما في الشرق، في محافظة الرقة وقسم من ديرالزور، فتنشط فيه قوات التحالف العربي-الكردي (قوات سوريا الديموقراطية)، الذي يشتد وسطه النفوذ الأميركي. ويرى مارداسوف، أن الولايات المتحدة قد تخفض لاحقاً من تواجدها هناك وتضعها تحت قيادة القبائل العربية، إلا أنها لن تترك هذه المناطق من دون أي إشراف. وهو يرى، أنه كلما انخفض عدد المناطق، التي تسيطر عليها “الدولة الأسلامية”، كلما برز السؤال حول الطرف الذي سيحكم هذه المناطق بوضوح أكبر، وكيف سيحكمها.

ولهذا يعتبر مارداسوف أن مناطق النفوذ ضرورية في سوريا، وإلا سوف تعم الفوضى بدونها. وتشاطره صحيفة “فزغلياد” الرأي وتقول، إن الخبراء الغربيين يعتبرون أن على روسيا والولايات المتحدة الأميركية أن تتقاسما “مناطق المسؤولية” في سوريا، وأن سوريا “لا تستحق المواجهة بين الدولتين النوويتين”.

من جهة ثانية، نقلت وكالة “نوفوستي” الرسمية عن الخبير في قضايا الشرق الأوسط والقفقاز ستانسلاف تاراسوف قوله، إن الولايات المتحدة حددت مناطق نفوذها في سوريا، ولا تسمح لأحد بالإقتراب منها. وليس لهذه التقسيمات علاقة بمناطق خفض التوتر، التي تحددت في أستانة وأيدتها الولايات المتحدة، من دون أن تنضم إليها. وهو يعتبر أن الولايات المتحدة تعد سيناريو محكماً لتجزئة سوريا، وسوف تستخدم معركة الرقة من أجل ضم هذه المدينة لاحقاً إلى منطقة نفوذها.

من جانبها، وفي تعليق آخر لها على تطور الحرب السورية في الأيام الأخيرة، تقول صحيفة “فزغلياد” في مقالة نشرتها في 19 حزيران/يونيو، أن العالم الشيعي يتحرك كله الآن؛ فالجيش العراقي شارف مع التحالف الدولي، على إنهاء معركة الموصل، ويلتقي “الحشد الشعبي” العراقي على الحدود مع سوريا مع قوات النظام السوري، وتتفرد قناة “العالم” الإيرانية بنقل الصور الأولى لمشهد اللقاء هذا، مما يشير، مرة إضافية، إلى ولاء المجموعات الشيعية في العراق وسوريا لطهران. ولم تكن القيادة الأميركية مستعدة لمثل هذا المشهد، حيث يظهر أمامها ببطء، لكن بثبات، “الممر الشيعي” الشهير من إيران حتى حدود إسرائيل.

وتمضي الصحيفة بالقول، إن معركة الموصل سوف تنتهي عاجلاً أو آجلاً، وينتهي التحالف العراقي-الأميركي من مشكلة، لكن المشاكل الأخرى سوف تبقى، وستنزلق الحرب، بصورة متزايدة، إلى “سباق مناورات على الأهداف الإستراتيجية على الحدود مع سوريا وفي داخلها”.

في السياق، تساءلت صحيفة “نيزافيزيمايا” الناطقة باسم القوميين الروس، ما إذا كانت “قد بدأت المرحلة النشطة في الحرب الأميركية-الإيرانية”. وقالت الصحيفة، إن إسقاط الطائرة السورية والقصف الصاروخي الإيراني دفع قسماً من المحللين لاعتبار أن الحرب ضد “الدولة الإسلامية” تصبح  تدريجياً ستاراً للصدام المسلح بين إيران والولايات المتحدة على الأراضي السورية. وتستشهد الصحيفة بالـ”غارديان” البريطانية، التي قالت إن ترامب يشرع الباب أمام الصراع مع إيران، وأن القوات الجوية الأميركية فتحت النار على القوات الإيرانية في التنف ثلاث مرات خلال الشهر الأخير، وإن الجزء الشرقي من الصحراء السورية يتحول إلى مكان المجابهة بين إيران والولايات المتحدة. كما تنقل الصحيفة عن روب مالي، مساعد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط قوله، إن “الأمكنة الثلاثة الأخطر على الأرض اليوم توجد في اليمن، وفي المنطقة الواقعة بين شرق سوريا وغرب العراق، وفي قاعات الكونغرس الأميركي”.

وتضيف الصحيفة، إنه حتى كلمات وزير الخارجية ريكس تيلرسون، التي ركز فيها على التغيرات السلمية في العلاقة مع إيران، لم تفهمها طهران سوى أنها عودة إلى كلام جورج بوش عن التغيير السلمي للنظام، بل وأثارت لديها ذكريات انقلاب عام 1953 في إيران.

أما موقف روسيا من الصراع المتفجر بين إيران والولايات المتحدة في الشرق السوري، فقد عبرت عنه وكالة “نوفوستي” في مقالة نشرتها في 19 حزيران/يونيو، نقلت فيها عن سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شمخاني قوله، إنه “انطلاقاً من إمكانيات الطرفين (روسيا وإيران)، فإنه يمكن الحديث عن إقامة إئتلاف إقليمي فعال يضمن الأمن، ليس في المنطققة فحسب، بل وفي العالم أجمع”. وعلقت الوكالة على قول شمخاني هذا، بأن إيران وروسيا، صحيح أنهما حليفان الآن في التسوية في سوريا، إلا أن تركيا حليف في هذه “الشراكة الإضطرارية” أيضاً. وقالت، إذا وقَّعت روسيا مع طهران إتفاقية عسكرية شكلية، فهي تأخذ على عاتقها حماية إيران من الولايات المتحدة الأميركية، إذ لا تخشى إيران جانب أي طرف آخر سواها في الشرق الأوسط. وتحت مثل هذه المظلة سوف تشعر إيران والتشكيلات الشيعية الموالية لها بحرية أكبر. فإذا كانوا يحاولون الآن عدم إثارة مواجهات مباشرة مع العسكريين الأمركيين، فإنهم إذا ما حصلوا على التزام من جانب موسكو بخوض الحرب إلى جانبهم، فسوف يصبحون اقل صبراً.

إضافة إلى ذلك، فإن كلاً من تركيا وإيران تطمحان إلى دور الزعامة في المنطقة. فإذا ما وقعت روسيا إتفاقية عسكرية مع إيران، فإن موسكو سوف تدفع بتركيا، بشكل تلقائي، إلى معسكر خصومها. وعدا عن تركيا، ثمة العامل العربي أيضاً، الذي يرى في كل من تركيا وإيران قوى مختلفة إثنياً، ويرى في الحالة الإيرانية الشيعية، محاولة لبسط السيادة على العالم العربي. فالعرب كانوا ويبقون مركز القوة الثالثة في الشرق الأوسط، وهم يعادون تركيا وإيران على حد سواء، وفق “نوفوستي”.

كما يوجد أيضاً مركز قوة رابع في المنطقة هو إسرائيل، التي تمكنت من إقامة “علاقات بناءة، إلى حد ما، مع البلدان العربية المجاورة”. أما إيران فهي لا تخفي نواياها في تدمير دولة إسرائيل. وبالتالي، فإن إقامة تحالف شكلي مع إيران يجعل، ليس تركيا فحسب عدو روسيا، بل وإسرائيل ودول الخليج أيضاً، أي الشرق الوسط برمته.

وتمضي “نوفوستي” بالقول، إن روسيا ليست بحاجة إلى زعيم إقليمي جديد، حتى لو كان صديقاً حتى الآن، بل هي بحاجة إلى سلام راسخ في الشرق الأوسط، يأخذ بالإعتبار مصالح جميع اللاعبين الإقليميين. ودور الوسيط النزيه غير المنحاز، يوفر لروسيا في المنطقة مواقع أكثر ثباتاً مع تكاليف أقل، مما يوفره دور شرطي بخدمة زعيم إقليمي.

المدن

 

 

 

اتفاق أميركي ـ روسي على إبعاد إيران عن الأردن/ إبراهيم حميدي

اتفقت روسيا وأميركا والأردن على مذكرة تفاهم تضمنت مبادئ إقامة «المنطقة الآمنة» في درعا وريفها بينها «عدم وجود قوات غير سورية»، في إشارة إلى «حزب الله» وميليشيات تدعمها إيران بعمق 30 كيلومتراً من حدود الأردن.

وكشف مسؤولون غربيون لـ«الشرق الأوسط» أمس، أن المحادثات الأميركية – الروسية – الأردنية أسفرت نهاية الأسبوع الماضي عن الاتفاق على مذكرة تفاهم ثلاثية، فيها مبادئ «المنطقة الآمنة» جنوب سوريا، بينها «عدم وجود قوات غير سورية» في جيب عمقه 30 كيلومتراً، ووقف النار بين القوات النظامية وفصائل «الجيش الحر»، أي تمديد الهدنة التي أعلنت قبل يومين، إضافة إلى وجود مجالس محلية وإدخال مساعدات إنسانية وعودة اللاجئين من الأردن.

في المقابل، يحق للنظام رفع العلم الرسمي ووجود رمزي له وللمؤسسات العامة في المنطقة والوصول من مدينة درعا إلى معبر الرمثا على حدود الأردن؛ وفتح طريق التجارة التي تخدم أيضا البضائع القادمة من لبنان إلى الأردن وعمقها. ويتعهد الطرفان بمحاربة التنظيمات الإرهابية، في إشارة إلى «جيش خالد» التابع لـ«داعش»، إضافة إلى «جبهة النصرة».

الشرق الاوسط

 

 

إيران تستفيد من مواجهة أميركية – روسية في سورية/ راغدة درغام

ما لم يقع خطأ ميداني غير مقصود، لن يحدث اشتباك أميركي- روسي في سورية لأن لا أحد في موسكو أو واشنطن يريد للعلاقات الثنائية المتوترة لفظياً أن تتخذ منحى المواجهة العسكرية. معظم دول المنطقة العربية، وعلى رأسها السعودية ومصر والإمارات والأردن، لا تتمنى أبداً وقوع تلامس عسكري أميركي- روسي، لأن هذه الدول حريصة على تمتين العلاقات الثنائية مع روسيا في الوقت الذي توطد فيه العلاقات التحالفية مع الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب بعدما كان الوهن أصابها في زمن باراك أوباما. إسرائيل مرتاحة إلى العلاقات مع موسكو- بالذات تلك الضمانات التي تتلقاها بعدم السماح للقوات الإيرانية أو الموالية لإيران بالاقتراب من الجولان السوري على الحدود الإسرائيلية- وهي واثقة من تحالفها مع الولايات المتحدة والحماية الأميركية لمصالح إسرائيل الاستراتيجية. إيران تبدو المستفيد الأكبر، وربما الوحيد، من اشتباك أميركي- روسي لأسباب عدة، من أبرزها قطع الطريق على أية تفاهمات أميركية- روسية تضحي بالمعادلة الإيرانية في سورية وإفرازاتها على مشاريع إيران الإقليمية. قد يحاول البعض في «الحرس الثوري» الإيراني استدراج المزيد من الإجراءات الأميركية العسكرية في الأجواء السورية بأمل توريط واشنطن وموسكو في الاشتباك، لكن طهران تدرك تماماً عواقب الاستناد إلى سياسة رسمية عنوانها استدراج مواجهة عسكرية أميركية- روسية في سورية. صحيح أن الأجواء السياسية قاتمة نتيجة التحقيقات الأميركية في تهم التدخل الروسي عبر القرصنة الإلكترونية في الانتخابات الرئاسية الأميركية مما جمَّد الصفقات الصغرى والكبرى التي كان الكرملين والبيت الأبيض يحلمان بها. إنما الصحيح أيضاً أن لا المؤسسة الأميركية الحاكمة تقليدياً Establishment، ولا الشعب الأميركي، ولا جنرالات البنتاغون والبيت الأبيض يريدون مواجهة عسكرية مع روسيا ما لم تقع موسكو في خطأ التعرّض للطائرات الأميركية تنفيذاً لإنذارها. عندئذ، لكل حادث حديث، وحديث واشنطن سيكون حينذاك واضحاً وعنيفاً. وموسكو تدرك ذلك وتفهم العواقب جيداً.

الأسابيع الثلاثة الأخيرة سجّلت ازدياداً في التوتر في البادية السورية بين «التحالف الدولي» بقيادة أميركية من جهة وإيران وحلفائها والقوات النظامية السورية من جهة أخرى، وذلك بعد إسقاط التحالف 3 طائرات تتبع أو تدعم قوات النظام السوري، واتهمها التحالف بالاقتراب من «منطقة عدم الاشتباك» التي تم الاتفاق عليها مع روسيا.

في البدء صدرت تصريحات لوزارة الدفاع الروسية تؤكد عزمها على «التعامل» مع طائرات «التحالف الدولي» إذا حلّقت غرب نهر الفرات في المناطق السورية التي يعمل فيها الطيران الروسي. تلا ذلك تصعيد إعلامي روسي بما في ذلك سيناريوات لحروب بالوكالة من خلال تعزيز موسكو القدرات العسكرية للقوات النظامية لمواجهة هجمات أميركية مستقبلية. لكن الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسيكوف، تجنب التحدث عن إمكان وقوع مواجهة مباشرة بين عسكريين روس وأميركيين، واعتبر أن الوضع «يثير قلقاً كبيراً للغاية».

بيان البنتاغون حرص على المهادنة. لكن البيان شدد على أن وزارة الدفاع لن «تتسامح مع أي نيات أو أفعال معادية من جانب القوات الموالية لدمشق»، مشيراً إلى قوات مدعومة من إيران تتجمع في صحراء شرق سورية.

إيران، كما يرى البعض، تتبنى الاستفراد بالمنطقة، أسلوباً وسياسة، كي تخيف أعداءها وتطمئن حلفاءها. لذلك أطلقت صواريخ في عمق سورية بمسافة تشبه المسافة الفاصلة بين طهران والرياض، وذلك لإبلاغ السعودية رسالة استقواء. لكن طهران، ضمنياً، ليست واثقة من قدراتها كما كانت في السابق حين كان الرئيس باراك أوباما صديقاً لها على حساب العلاقة الأميركية التقليدية مع الحلفاء الخليجيين. إنها في زمن ترامب، أكثر استفزازاً واستنفاراً مما هي قادرة على الاستفراس.

إدارة ترامب بالتأكيد تحتاج إلى سياسة متماسكة واضحة المعالم، جاهزة القدرات، عازمة التنفيذ نحو إيران في سورية وعلى الخريطة الإقليمية. هناك غوغائية وضياع وعراك داخل صفوف إدارة ترامب ومع الكونغرس، وهذا يترك مساحة لسوء الحسابات أمام الأعداء والأصدقاء على السواء – وهذا خطير بالذات في منطقة تتفجَّر بالنزاعات والحروب المباشرة منها وتلك بالوكالة.

إنما من الخطأ الاستنتاج بأن معارك التحقيقات في الكونغرس والأجهزة الاستخبارية والقانونية، أو مزاجية الرئيس المغرِّد الذي لا ينام، تعني أن كامل الدولة في الولايات المتحدة الأميركية معطّلة. فهذه دولة عظمى لا تتوقف عند اعتبارات سياسية داخلية، أو توجهات إدارة منتخبة لأربع سنوات. إنها سياسات استراتيجية بعيدة المدى وهي الآن تقع في محطة القضاء على إرهاب «داعش» وأمثاله من التنظيمات السنّية المتطرفة، وهي اليوم ترى أن المصلحة الأميركية تقتضي إضافة التنظيمات الشيعية المتطرفة إلى قائمة الإرهاب بالذات عبر البوابة السورية.

إيران واثقة وقلقة في آن. إنها واثقة من حنكتها وصبرها والآفاق المفتوحة أمامها في البقعة العربية للتدخل في العراق واليمن ولبنان إلى جانب سورية. وهي قلقة من احتمالات التفاهمات الأميركية- الروسية، وإزاء تطوّر العلاقات الأميركية- العربية مع دول مهمة، وكذلك نتيجة ما حدث سعودياً.

ما حدث هو تلك النقلة النوعية الهادئة والمهمة في إعلان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز تعيين ابنه الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء مع استمراره وزيراً للدفاع، وتعيين عدد من الوزراء والمستشارين من الجيل الجديد، معظمهم دون سن الأربعين، من أبناء أولاد الملوك السابقين. هكذا انتقلت السعودية إلى توريث الحكم إلى الجيل الجديد المكلّف بتنفيذ رؤية 2030 الإصلاحية والجريئة في التغيير.

عبرت السعودية الانتقالية الجذرية في تاريخها إلى عصر القيادة الشابة والرؤية التجددية بلا ثورات أو انقلابات عهدتها المنطقة العربية. فلم يكن الكابوس كابوسها، بل أتى كابوساً على الآخرين الذين تحدثوا بلغة القلق على مصيرها.

هذه النقلة النوعية الهادئة ليست في مصلحة إيران التي يحكمها آية الله خامنئي ويتحكم بها «الحرس الثوري» المعارض للإصلاحيين في السلطة الذين يمثلهم الرئيس حسن روحاني. السياسة التوسعية في البقعة العربية، في سورية والعراق واليمن ولبنان، هي سياسة «الحرس الثوري» الذي يصنع «الحشد الشعبي» في العراق والميليشيات في سورية والذي يريد مواجهة أميركية- روسية لأن الوفاق بين واشنطن وموسكو سيكون على حسابه. وهو الجهة التي تريد تأجيج الخلافات لا غير. وهو الطرف الذي يصادر القوى الإصلاحية الشابة داخل إيران ويمنعها من الوصول إلى السلطة.

الرئيس دونالد ترامب بارك العملية الانتقالية في السعودية وله علاقات مميزة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي أوضح استعداده للتطبيع مع إيران إذا توقفت عن نهجها وعن التدخل العسكري في الدول العربية. في وسع ترامب ترطيب شروط التطبيع بتبنيه سياسات واضحة وعملية نحو إيران ونحو روسيا في سورية ونحو اليمن والعراق. هذا إذا كان هدفه حقاً احتواء النزاعات بين السُنَّة والشيعة ليزيل عن الولايات المتحدة تهمة إشعالها.

خريطة الطريق واضحة وعنوانها الرئيس هو موسكو. وبالتأكيد، موسكو لن تتخلى عن علاقتها الاستراتيجية مع طهران في سورية كمجرد هبة لإدارة ترامب أو للولايات المتحدة. وللواقعية، ليس في قدرة ترامب إبرام الصفقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فيما التحقيقات تقيّده وفيما ينغمس في معارك رهيبة مع الإعلام والاستخبارات ومواقع النفوذ التقليدية في الولايات المتحدة.

ما يمكن الرئيس الأميركي أن يفعله هو أن يترك السياسة الخارجية لأركان إدارته في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي بحصانة تامة من تدخلات رجاله في البيت الأبيض الذين لا يفهمون لغة المصالح الاستراتيجية. يمكن لدونالد ترامب أن يكلف وزراءه إعلان سياسة واضحة المعالم واقعية التنفيذ بعيداً من تغريداته كي تؤخذ إدارته على محمل الجد وكي يوقف أحلام الذين يراهنون على الانقسامات الأميركية أو على عزله عن السلطة.

المسؤولية تقع أيضاً على فلاديمير بوتين الذي يتمسك بالممانعة والمزايدة والذي يعتقد أن تحالفه الاستراتيجي مع إيران يجب أن يبقى صامداً في وجه إدارة ترامب وإزاء كل المحاولات العربية لإقناعه بترطيب ذلك التحالف.

بوتين بالتأكيد يفهم تماماً أهمية ما حدث في السعودية وهو على علاقة جيدة بولي العهد كما بالقيادة في دولة الإمارات ومصر. هذه القيادات بدورها تفهم تماماً أن لا مجال لاستغناء روسيا عن إيران لكنها تسعى وراء تأثير موسكو في نهج إيران احتواءً لطموحاتها الإقليمية. وهنا المعضلة.

فروسيا ليست جاهزة لتعديل في سياساتها نحو إيران، بالذات في هذه المرحلة. لكن روسيا واعية لغايات إيرانية هدفها توريطها في اشتباك مع الولايات المتحدة لا تريده في سورية. ما في وسع الكرملين أن يفعله يجب أن يتعدى احتواء آفاق الاشتباك. عليه أن يلعب دور ترطيب الطموحات الإقليمية لإيران بدءاً باليمن ولبنان واحتواء الغايات التحريضية الإيرانية في سورية.

عدا ذلك، إن احتمال وقوع ذلك الخطأ وارد وعواقب الاشتباك لن تكون حميدة.

الحياة

 

 

 

واشنطن وموسكو بين المطاردة والتفاهم/ وليد شقير

في انتظار اللقاء المنتظر بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين والذي يرجح حصوله في 20 تموز (يوليو) المقبل في هامبورغ على هامش قمة العشرين، تبقى العلاقة بين الدولتين خاضعة للتجاذب والتصادم بالواسطة حيناً، ثم ضبط المواجهة، لاسيما في سورية، أحيانا أخرى.

وإلى أن يحصل اتفاق بين الدولتين العظميين يبدد التوتر القائم بسبب العقوبات الأميركية والغربية على موسكو والخلاف على تقاسم النفوذ في أوروبا، فإن الكثير من الأحداث في ميادين الصراع تبدو عصية على الفهم.

إنها مطاردة متبادلة بالواسطة، بين روسيا وأميركا، تثير المخاوف من إمكان صدام خطير بينهما.

لكن هذا لا يعني حتمية هذا الصدام المباشر، بقدر ما يعني أنّ كلاً من الجانبين يرسم حدوداً للآخر يأخذ في الاعتبار مصالح الخصم، والرغبة الدفينة في تفادي أي اصطدام، طالما أن كلاً منهما يمكنه الاتكال على حلفاء يتولى الحد من اندفاعهم لكسب المواقع الميدانية، فيدفع هؤلاء الحلفاء الثمن بالنيابة عنه ويتعرضون للخسائر بدلاً منه.

وفي كل مرة يقترب الروس والأميركيون من المواجهة المباشرة، يحصل اتفاق ما على كبح هذا الاحتمال الخطير، عبر رسم حدود لمناطق نفوذ في سورية. هكذا، تنفذ قوات النظام وميليشيات إيران هجوماً على درعا في الجنوب، وتتقدم ميدانياً نحوها بغطاء قصف روسي مدمر من الجو على مدى 10 أيام، لكن ما تلبث المعارضة أن ترد على هذا التقدم وتنزل خسائر كبيرة بالمهاجمين من «حزب الله» والميليشيات الأخرى والقوات السورية، بعد أن تدفقت أسلحة أميركية نوعية إلى «الجيش الحر»، منها صواريخ «تاو». وبعدما تخوف مَن راقب التصعيد في درعا من تكرار سيناريو حلب فيها، نظمت موسكو وواشنطن عبر محادثات بينهما في الأردن، اتفاقاً على تكريس منطقة آمنة في جنوب سورية، تثبّت أرجحية الوجود الميداني لـ «الجيش الحر» (مع اتفاق على محاربة «داعش»)، وفي ظل تواجد لجيش النظام على الطريق المؤدية إلى المدينة، فيتم لجم الاندفاعة الأسدية الإيرانية.

ويرد النظام وحلفاؤه الإيرانيون بفتح جبهة الغوطة بقصف عنيف جوي ومدفعي، ومحاولة اقتحام حي جوبر مرة أخرى، في الأيام الماضية، فيتكبدون خسائر جديدة، وتقتل قوات المعارضة منهم أعداداً كبيرة وتأسر إيرانيين ومن «حزب الله»، ويمتد القصف إلى أحياء قريبة من دمشق.

خرقت المعارك في هاتين المنطقتين اتفاق آستانة مطلع شهر أيار (مايو) الماضي، على اعتبار الجنوب والغوطة الشرقية من ضمن مناطق خفض التصعيد الأربع، (يضاف إليهما محافظة إدلب وشمال حمص)، وبدت روسيا وإيران دولتين ضامنتين للاتفاق، على أنهما غير معنيتين به أو تتلاعبان ببنوده، فيما بدا الضامن الثالث لآستانة، أي الجانب التركي، كالزوج المخدوع، لأن همه محصور بما يجري في الشمال وهاجسه فقط دور القوات الكردية في محاصرة الرقة، فمن مهمات «الضامنين» وفق نص الاتفاق «ضمان وفاء الأطراف المتصارعة بالاتفاقات».

لكن رسم حدود تواجد حلفاء كل من الدولتين في درعا كان مؤشراً إلى خفض احتمالات المواجهة نتيجة ما كان يحصل على جبهة معبر التنف السوري الذي اقتطع الأميركيون النفوذ فيه لمنع قوات الأسد وإيران من وصل الطريق بين طهران وبغداد ودمشق، حيث قصف الأميركيون هذه القوات عند اقترابها من المعبر، وأسقطوا طائرة استطلاع إيرانية، وأسقطوا طائرة حربية سورية قصفت «قوات سورية الديموقراطية» الموالية لواشنطن أثناء استكمالها حصار الرقة، فالجيش الأميركي رسم حدوداً لمحاولة التفاف القوات الإيرانية- العراقية- الأسدية على معبر التنف هي المدى الذي تبلغه الصواريخ التي نشرتها حول المعبر (80 كيلومتراً). لم يدم مفعول التهديد الروسي باعتبار أي جسم طائر معادياً لها، في الأجواء السورية، رداً على إسقاط المقاتلة السورية طويلاً. فواشنطن خففت من وطأة العملية بالقول إنها كانت في إطار الدفاع عن النفس وسعت لاستعادة التنسيق حول الطلعات الجوية لقصف مواقع «داعش».

يعمق التنافس على استثمار الحرب ضد «داعش» في الرقة وملء الفراغ الذي يتبع التخلص منها، الفوضى على الساحة السورية بحيث تحتاج كل من موسكو وواشنطن إلى رسم مناطق نفوذ كل منهما بالنيران، في انتظار اتفاقهما على الحلول. تزداد الفوضى بفعل أجندة اللاعب الإيراني وصولاً إلى استخدامه صواريخ متوسطة المدى في قصف دير الزور رداً على منعه من فتح الحدود لقواته. ومع أن الجانب الروسي يستفيد من هذه الأجندة تارة، فإنه يغض النظر عن لجمها على يد خصمه الأميركي تارة أخرى، لأن الحد من طموحات طهران لن يتم قبل اتفاق بوتين وترامب.

الحياة

 

 

 

 

 

صراع على مناطق “خفض التصعيد” في سورية/ عدنان علي

تتكثف المفاوضات والاتصالات بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد السوري، من أجل رسم وتحديد الحدود الدقيقة لاتفاق مناطق “خفض التصعيد”، الموقع في الرابع من مايو/ أيار الماضي في أستانة، عاصمة كازاخستان. ويتخلل ذلك تصعيد ميداني من جانب حلف النظام – إيران، المدعوم من روسيا، في بعض المناطق بهدف التأثير على سير هذه المفاوضات، أو محاولات فرض بعض الوقائع بالقوة، وذلك قبل انعقاد الجولة المقبلة من مفاوضات أستانة المقررة في 3 و4 الشهر المقبل، وقبل الموعد المحدد للانتهاء من ترسيم حدود “مناطق خفض التصعيد” في الرابع من الشهر المقبل.

وبعد أن كشفت أنقرة، أول من أمس، تفاصيل المناقشات الجارية حول خريطة الوجود العسكري الأجنبي في سورية، في إطار اتفاقية مناطق “خفض التصعيد”، والتي تضمنت نشر قوات تركية وروسية في إدلب ومحيطها، وأخرى روسية وإيرانية على أطراف العاصمة دمشق، على أن تنتشر قوات أردنية وأميركية جنوبي البلاد، تشير مصادر عدة إلى أن المفاوضات الجارية في عمان، بين روسيا وأميركا والأردن، منذ منتصف الشهر الماضي، والمكملة للتفاهمات التركية الروسية بهذا الشأن، تتجه إلى الاتفاق على مذكرة تفاهم بشأن “المنطقة الآمنة” في الجنوب، إذ يسعى الأردن لإبعاد المليشيات، التي تدعمها إيران، عن حدوده مسافة 30 كيلومتراً على الأقل، بينما يتم العمل على رسم خطوط التماس قرب حدود العراق. وتشير المصادر إلى أن التفاهمات في عمان تتضمن أيضاً وقف إطلاق نار بين قوات النظام والمعارضة، وتجميد القصف والغارات على مناطق المعارضة، إضافة إلى إدخال مساعدات إنسانية، وتسهيل عودة اللاجئين من الأردن. ونقلت وكالة أنباء النظام (سانا) عن نائب وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، قوله إن “سورية جاهزة للجولات المقبلة من مساري أستانة وجنيف الشهر المقبل، انطلاقاً من الحفاظ على سيادتها ووحدتها والحرص على حقن دماء أبنائها”. وأضاف إن “سورية تدقق في كل حرف يتعلق بها، ولن تسمح بتمرير أي شيء يمكن لأعداء سورية أن يستفيدوا منه”.

ويشمل اتفاق “مناطق خفض التصعيد” في سورية، الذي جرى التوقيع عليه من جانب كل من روسيا وتركيا وإيران مطلع الشهر الماضي، إدلب وشمال حمص وريف دمشق والجنوب السوري. وبعد شهر ونصف الشهر من توقيع الاتفاق، أثيرت تساؤلات جدية حول مصيره، وما إذا كان لا يزال ساري المفعول فعلاً، في ضوء الهجوم الشامل الذي يشنه النظام منذ مطلع يونيو/ حزيران الحالي على مدينة درعا المشمولة بالاتفاق، ومحاولاته المتكررة لاقتحام حي جوبر ومناطق في الغوطة الشرقية، مشمولة بالاتفاق أيضاً، فضلاً عن المعارك والمناوشات شبه اليومية في ريف حماة الشمالي، والقصف على ريف حمص الشمالي… إلخ. وبعد استقدامه تعزيزات كبيرة اعتباراً من نهاية الشهر الماضي إلى محافظة درعا، شملت قوات النخبة في الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، بقيادة العقيد غياث دلة، فضلاً عن مئات من مقاتلي المليشيات، فضلاً عن مشاركة “حزب الله” اللبناني، شن النظام السوري حملات قصف عنيفة على المحافظة، ألقى خلالها أكثر من 700 برميل متفجر على الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في المدينة، بالإضافة إلى إطلاق عدد مماثل من صواريخ “فيل” محلية الصنع، فضلاً عن أكثر من 200 غارة جوية ألقيت خلالها مئات الصواريخ والقذائف، منها 100 صاروخ تحتوي مادة النابالم الحارقة. وتوج النظام هجماته على المدينة خلال اليومين الماضيين بهجوم واسع على قاعدة الدفاع الجوي، الواقعة على بعد نحو أربعة كيلومترات جنوب غرب درعا البلد، إضافة إلى تلة الثعيلية، غرب حي المنشية، والتي تبعد نحو كيلومتر واحد عن معبر درعا القديم. واستطاعت قواته أن تقطع لساعات ريفي درعا الشرقي والغربي بعضهما عن بعض، بعد أن سيطرت نارياً على الطريق الحربي، محدثة خرقاً كبيراً على جبهة المعارك جنوب حي المنشية. لكن فصائل المعارضة سرعان ما استعادت زمام المبادرة، وأعادت فرض سيطرتها على القاعدة، موقعة عشرات القتلى والجرحى في صفوف قوات النظام، فضلاً عن أسر عدد منهم وتدمير والاستيلاء على عدد من الآليات. لكن قوات النظام، التي لم تبال بهلاك عناصرها في القاعدة الجوية، شنت هجمات جديدة من محور صوامع الحبوب في منطقة غرز، حققت خلالها تقدماً ملحوظاً، وكادت أن تصل إلى صوامع الحبوب، قبل أن تستدرك قوات المعارضة الموقف وتصد الهجوم، مدمرة دبابتين، إضافة إلى قتل وإصابة عدد من عناصر القوات المهاجمة، مجبرة إياها على التراجع. وذكر المكتب الإعلامي لغرفة عمليات “البنيان المرصوص”، التي تضم فصائل عاملة في منطقة حوران، جنوب سورية، أن مجموعة كاملة تابعة لـ”الفرقة الرابعة” العاملة في صفوف قوات النظام، وقعت في كمين محكم أثناء محاولتها التسلل إلى خط النار، شرقي مخيم درعا.

وإضافة إلى جبهة درعا، كثفت قوات النظام، منذ مطلع يونيو/ حزيران الحالي هجماتها وعمليات القصف على حي جوبر في العاصمة دمشق، الذي يعتبر من الناحية العسكرية امتداداً للغوطة الشرقية المحاصرة من جانب قوات النظام، والمشمولة باتفاق “خفض التصعيد”. وفي أحدث هجمات قوات النظام والمليشيات على الحي، أعلن “فيلق الرحمن”، التابع للجيش السوري الحر، أنه تصدى لمحاولة قوات النظام والمليشيات احتلال حي جوبر، آخر معاقل المعارضة في شرقي العاصمة دمشق. وقال الناشط الإعلامي، محمد الدمشقي، لـ”العربي الجديد”، إن الهجمات على الحي تعتبر الأعنف حتى الآن، لكنها جميعاً باءت بالفشل، وأسفرت عن مقتل العشرات من قوات النظام والمليشيات المساندة لها.

واللافت أن هذه العمليات العسكرية ضد بعض المناطق المشمولة باتفاق “خفض التصعيد” تتم بمشاركة من سلاح الجو الروسي، ما يشير إلى توافق بين النظام وايران وروسيا على أن التقدم في درعا بات ضرورياً بالنسبة لإيران وروسيا للوصول إلى الحدود مع الأردن، بالتزامن مع استعداداتهما لخوض معركة السيطرة على شرق سورية والحدود العراقية، والتي تتطلب منع فصائل المعارضة من السيطرة على البادية السورية، وهذا ما يفسر المشاركة الفاعلة للمليشيات التي تديرها إيران في هذه المعارك، فضلاً عن مشاركة “حزب الله” اللبناني، الذي خسر في الأيام الأخيرة العشرات من مقاتليه على جبهات درعا المختلفة. وفي هذا الإطار، يقول اللواء المنشق محمد حاج علي، لـ”العربي الجديد”، إن “اتفاق خفض التصعيد يحتاج إلى تسوية أوضاع بعض المناطق لربط مناطق سيطرة النظام مع دول الجوار، العراق والأردن، وإذا لم يتم هذا الأمر، ستبقى مسألة خفض التصعيد تراوح مكانها”. ورأى أن “الدور الروسي سيظل يساند النظام للوصول إلى ممرات آمنة إلى دول الجوار، على اعتبار أن هذه المناطق، التي تسمى بمنخفضة التوتر، قد تكون مناطق تقسيم مستقبلي، لذلك يستميت النظام للوصول إلى ممرات آمنة إلى دول الجوار”. وبالنسبة إلى منطقتي جوبر والغوطة، قرب دمشق، وهل السيطرة عليهما خيار استراتيجي للنظام في هذه المرحلة أم يمكنه أن يصبر عليهما بعض الوقت، قال حاج علي: “تقديري أن الأولوية الآن للوصول إلى حدود الدول المجاورة، أما منطقة الغوطة الشرقية، ومنها جوبر، فستكون الهدف اللاحق لقوات النظام وروسيا”.

وفي إطار سعيها للوصول إلى الحدود مع الأردن والعراق، حققت قوات النظام والمليشيات تقدماً كبيراً على حساب فصائل “الجيش الحر” في البادية السورية، وسط تغطية جوية روسية مكثفة. وذكرت وسائل إعلام النظام أن “الجيش السوري وحلفاءه سيطروا على منطقة بير القصب، والمناطق المحيطة بها جنوب شرق مدينة دمشق، في عملية عسكرية خاطفة على ثلاثة محاور”. غير أن مصادر المعارضة تؤكد تواصل المعارك في تلك المنطقة، في محاولة من فصائل المعارضة لاستعادة ما خسرته. وكانت قوات النظام حققت مطلع يونيو تقدماً على حساب فصائل المعارضة، المتمثلة بـ”جيش أسود الشرقية”، و”قوات أحمد العبدو”، وسيطرت على تل دكوة الاستراتيجي، حيث يخوض الفصيلان، بدعم محدود من جانب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، معارك ضد قوات النظام والمليشيات في إطار معركة “الأرض لنا”. ومع سيطرتها على بير القصب، تكون قوات النظام أمنت محطة تشرين الحرارية بشكل كامل، لتنقل معاركها إلى عمق البادية السورية. وكانت تلك القوات سيطرت أيضاً على منطقة العليانية والكتيبة المهجورة، بعد تقدم سابق باتجاه معبر التنف الحدودي، بالرغم من التحذيرات الأميركية لها من عواقب التقدم باتجاه التنف، وهي تحذيرات ترافقت عدة مرات مع استهداف لأرتال النظام والمليشيات المتقدمة، إضافة إلى إسقاط طائرتين للنظام، واحدة حربية وأخرى من دون طيار. لكن كل ذلك لم يحد من تصميم إيران، التي توجّه قوات النظام، على الوصول إلى الحدود العراقية والالتقاء مع قوات “الحشد الشعبي” القادمة من الطرف العراقي للحدود، بغية تأمين الوصل الاستراتيجي بين طهران والبحر المتوسط عبر العراق وسورية.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

الحدود السورية العراقية: الممر الإيراني أمر واقع/ منير الربيع

لا يزال الالتباس يرافق التطورات العسكرية على الحدود السورية العراقية. يصرّ حزب الله على أنه استطاع وصل البلدين وتأمين ممر إستراتيجي من طهران إلى بيروت، بعكس الادعاءات الأميركية بأنها ستقطع الطريق وستضع حدّاً لسيطرة إيران عليه. من أربعة محاور تشنّ القوات الإيرانية وحزب الله والجيش السوري حملات العسكرية باتجاه الشرق السوري، أهمها من ريف حمص في اتجاه البادية، وكان آخرها، الكمين الذي تعرض له حزب الله من قبل تنظيم داعش، وأدى إلى مقتل عنصرين من الحزب وأسر عنصر ثالث، ما لبث التنظيم أن أعدمه. في موازاة ذلك، بدأ النظام السوري وحزب الله حملة عسكرية واسعة على درعا، وبحسب ما تقول مصادر متابعة فإن هذه المعركة لن تتوقف، وهي ستفرض شروطاً جديدة من جانب النظام وحلفائه على طاولة المفاوضات في آستانة 7.

يعلم حزب الله أن هناك مناقشات دولية تجري لأجل تثبيت مناطق النفوذ في سوريا. ويعتبر أن منطقة النفوذ الإيراني أصبحت مؤمنة ولا يمكن لأحد إزاحة إيران عن الساحة السورية. ويربط هذا الكلام، بما يُحكى عن ترتيب دولي للوضع في درعا بالتنسيق بين الأردن والولايات المتحدة، وترتيب الوضع في شمال سوريا وتحديداً في إدلب بين الأتراك والروس. وتقسيم مناطق النفوذ هذا، سينعكس إيجاباً على التوجه الإيراني في سوريا، خصوصاً في ضوء ما تعتبره المصادر تقاسماً للنفوذ والمناطق على الحدود السورية العراقية بين طهران وواشنطن برعاية روسية.

وهنا تعتبر المصادر أن الإستراتيجية الأميركية غير الواضحة في سوريا، أدت إلى سيطرت إيران على المناطق المشتركة بين سوريا والعراق، فيما واشنطن تحاول فرض شروط على الإيرانيين وحلفائهم، ولاسيما عدم الإقتراب إلى معبري التنف والزكف، اللذين تم تحويلهما إلى قاعدتين عسكريتين أميركيتين. أما المناطق الأخرى فلا يبدو أن هناك مسعى أميركياً لمواجهة إيران فيها.

لا شك في أن الإيرانيين يبالغون بهذا التهليل للسيطرة على ذلك الممر، ولفوائدها الإستراتيجية، لكن مما لا شك فيه أيضاً أنه لا يمكن للإيرانيين السيطرة على هذه المنطقة وتوفير الممر من دون توافق روسي أميركي، ومن دون توفير غطاء جوي روسي للقوات الإيرانية التي تريد الاحتفاظ بذلك الممر. لأن الأهم من ذلك، ليس الإلتقاء بين حدود البلدين، إنما هو تثبيت المواقع وجعل هذه المنطقة والممر آمنين وثابتين وغير معرّضين للنيران. وتشير المصادر إلى أن الغاية من السيطرة على هذا الممر، ليست تمرير الأسلحة إلى لبنان، إذ لم يعتمد الإيرانيون المناطق البرية لتمرير الأسلحة والأموال لحزب الله في لبنان. وحين كانت تمر المساعدات العسكرية إلى حزب الله، كانت تصل جواً إلى سوريا ومنها إلى لبنان، خصوصاً في ظل حكم صدام حسين. إنما الهدف من ذلك معنوي وسياسي، وربما إقتصادي يتعلق بالنفط الإيراني في المرحلة المستقبلية.

هي حرب الرسائل. الرسالة الآن، معنوية إلى حد كبير، لتأكيد أن الهلال الإيراني أصبح ثابتاً، رغم كل المواجهات، ورسالة إلى الدول العربية والخليجية خصوصاً بأن محاولات إزاحة إيران من سوريا وفيها ستبوء بالفشل، وبأن طهران تسيطر على ثلاث دول عربية. الضربة الأميركية لإسقاط المقاتلة السورية في دير الزور، هي رسالة أميركية ضد روسيا رداً على الهجوم في درعا، والرد الروسي جاء بتعليق العمل بالإتفاقية الأمنية مع الأميركيين في سوريا. ما دفع واشنطن إلى اتخاذ موقف متراجع.

أحد الخطوط الحمراء التي تضعها واشنطن بوجه إيران أيضاً، وعلى قاعدة تقاسم مناطق النفوذ، هي الرقة، المعقل الرئيسي لتنظيم داعش. بالتالي، هناك رفض أميركي لأن ترث إيران وحلفاؤها مناطق سيطرة التنظيم. وتقول المصادر: “فيما كان داعش يمتلك السيطرة على أكبر مساحة جغرافية في سوريا، تريد القوات الموالية لواشنطن تجاوز هذه البقعة. ما قد يعني لروسيا وإيران احتمال تقلّص مناطق نفوذهما، إذ ما زالا يعتبران أنه يجب إنتظار إتضاح السياسة الأميركية في سوريا، وأن سنة 2017 هي سنة إنهاء داعش، أما سنة 2018 فسنة إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة.

يستند من يعتبر أن واشنطن ستعمل في الفترة المقبلة على إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، إلى المشاورات الأميركية الروسية. ويقولون إنه رغم الإيحاء بأن التفاهم الأميركي الروسي يصب في خانة الوجود الإيراني ومصلحته، إلا أن ذلك سيكون مرحلياً. أما في المستقبل فإن ما تريده واشنطن هو  استقرار النفوذ الروسي في غرب سوريا، وتحديداً في الساحل. ولكن، وفق ما يقول مطلعون على الأجواء الأميركية، فإن واشنطن لن ترضى بأن تحتفظ إيران بمناطق نفوذها. لكن ذلك لا يبدو واقعياً حتى الآن في الميدان.

المدن

 

 

 

صواريخ إيران على سوريا تخفق في تغيير توازنات الأزمة/ محمد عباس ناجي

إيهام بالقوة والاستعداد

القاهرة – دخل الانخراط الإيراني في الصراع السوري مرحلة جديدة مع إطلاق القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري ستة صواريخ متوسطة المدى على مواقع قالت طهران إنها تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في مدينة دير الزور السورية في 18 يونيو 2017.

ورغم أن إيران زعمت أن تلك الضربات، التي استخدمت فيها صواريخ من طراز “ذو الفقار” و”قيام”، جاءت ردا على الهجمات التي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنها واستهدفت الملحق الإداري التابع لمجلس الشورى الإسلامي وضريح الخميني في 7 يونيو 2017، فإن ذلك لا ينفي أن ثمة رسائل عديدة سعت إيران إلى توجيهها إلى قوى إقليمية ودولية معنية بتطورات الصراع في سوريا والدور الإقليمي لإيران ونفي علاقتها بتنظيم داعش.

ويكمن أحد أهداف النظام الإيراني من وراء هذه الخطوة في احتواء الانتقادات التي تعرضت لها في الفترة الماضية، بسبب القصور الأمني الذي كشفت عنه العمليات التي وقعت في العاصمة طهران وداخل إحدى أهم المؤسسات السياسية في النظام وهي مجلس الشورى، إلى جانب ضريح مؤسس الجمهورية آية الله الخميني الذي يحظى بمكانة خاصة داخل إيران.

وحرص الحرس الثوري على إصدار بيان في 21 يونيو 2017، أشار فيه إلى أن الضربات الصاروخية، التي وجهت بالتنسيق مع عناصر فيلق القدس الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني حققت نتائج بارزة وأسفرت، حسب ما جاء في البيان، عن مقتل 170 من قادة وكوادر داعش وتدمير عدد كبير من معداته العسكرية.

وربما تكون الرسالة الأهم موجهة إلى الرئيس حسن روحاني الذي سعى الباسدران من خلال تلك الضربات إلى تأكيد استقلاليته عن سياسة الأخير، لا سيما وأنه يتلقى تعليماته من المرشد الأعلى للجمهورية مباشرة، وهو ما بدا جليا في تأكيد الحرس، في البيان السابق، على أن القائد العام للقوات المسلحة – في إشارة إلى خامنئي- أشرف بالكامل على عملية ليلة القدر، وهو الاسم الذي أطلقه على تلك الضربات.

تشير الضربات إلى أن إيران بدأت في الاستعداد للتصعيد المتوقع مع الولايات المتحدة المرحلة القادمة، والذي لن يقتصر على الاتفاق النووي فقط، وإنما سيمتد أيضا إلى الملفات الإقليمية، على رأسها الملف السوري، في ضوء الاهتمام الخاص الذي تبديه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوجود إيران في سوريا ودعمها المتواصل لنظام الأسد، الذي ترى أنه أحد أسباب إطالة أمد تلك الأزمة دون وصولها إلى حل.

تحديات جديدة

أعقب الضربات إصدار مجلس الشيوخ الأميركي في 15 يونيو 2017 قانون “مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار 2017” الذي ينتظر تصويت مجلس النواب وتوقيع الرئيس ترامب عليه ليتحول إلى قانون ملزم، وهو احتمال قائم بقوة في ظل التوجهات السلبية التي يتبناها ترامب والجمهوريون إزاء الاتفاق النووي، الذي يبدو أن استمرار العمل به سوف يواجه تحديات عديدة خلال المرحلة القادمة، بعد أن كلف الرئيس ترامب الوكالات التابعة لمجلس الأمن القومي بإجراء عملية مراجعة للاتفاق لدراسة مدى توافقه مع المصالح الأميركية.

ويتمثل أحد أهداف تلك الضربات الصاروخية في تأكيد أن البرنامج الصاروخي الإيراني سوف يبقى في رؤية طهران خارج نطاق المفاوضات مع القوى الدولية، حتى لو أدى ذلك إلى تصعيد حدة التوتر في العلاقات مع الأخيرة والتأثير سلبيا على الاتفاق النووي.

وتدعي إيران أن قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي صدر بعد التوصل إلى الاتفاق النووي في 20 يوليو 2015، لا يفرض قيودا على برنامجها الصاروخي بذريعة أن صواريخها الباليستية ليست مخصصة لحمل أسلحة نووية، وهي النوعية التي طالب القرار الأممي بوقف الأنشطة الخاصة بتطويرها، ما يعني أن إيران دائما ما تبحث عن “ثغرات” للالتفاف على أي التزامات دولية قد تقيّد أنشطتها النووية. وتزامنت الضربات الصاروخية مع قيام واشنطن بإسقاط مقاتلة سوخوي 22 تابعة للنظام السوري كانت تلقي قنابل في ريف الرقة الجنوبي بالقرب من المنطقة التي تتواجد فيها قوات سوريا الديمقراطية، وهي الميليشيا الكردية العربية التي تتلقى دعما من جانب واشنطن في إطار الحرب على تنظيم داعش.

واعتبرت إيران أن هذه الخطوة التي اتخذتها واشنطن تؤشر إلى اتجاهها نحو العمل على وضع عقبات أمام الجهود التي تبذلها طهران والنظام السوري والميليشيات الطائفية الموالية لها – في سوريا أو العراق- من أجل تأسيس ممر استراتيجي يصل بين إيران وسوريا عبر العراق، خاصة وأن تلك الخطوة لم تكن الأولى من نوعها، وسبق أن قامت الولايات المتحدة بقصف رتل عسكري تابع لإحدى تلك الميليشيات بالقرب من قاعدة التنف التي يستخدمها التحالف الدولي ضد داعش.

وحاولت إيران الإيحاء بالعمل على تأسيس هذا الممر الذي يعتبر محورا رئيسيا في استراتيجيتها القائمة على مواصلة دعم النظام السوري والحلفاء الآخرين من التنظيمات الإرهابية على غرار حزب الله والضغط على إسرائيل من خلال الوصول إلى ساحل البحر المتوسط.

ولم يكن اختيار إيران لمدينة دير الزور تحديدا لتوجيه هذه الضربات مصادفة، ليس فقط لأنها ربما تصبح المعقل البديل لتنظيم داعش بعد تعرضه لضربات قوية من التحالف الدولي وأطراف أخرى في كل من الموصل والرقة، بل إنها تسعى إلى كسب أهمية استراتيجية من خلال هذه المدينة كونها تقع على الطريق الرئيسي الذي تسعى طهران إلى تأسيسه، وربما يكون محورا للصراع بينها وبين الولايات المتحدة في المرحلة القادمة.

رغم ما يبدو على السطح من وجود تنسيق عالي المستوي بين إيران وروسيا في التعامل مع التطورات الميدانية والسياسية في سوريا، فإن هذا لا ينفي أن طهران لديها مخاوف عديدة من الدور الذي تقوم به موسكو في الأزمة السورية.

وهو ما يسير عكس الانتقادات التي وجهتها موسكو لواشنطن مؤخرا عقب إسقاط مقاتلة النظام السوري وتهديدها باعتبار أي أجسام طائرة في مناطق عمل قواتها الجوية في سوريا أهدافا مع تجميد العمل بمذكرة سلامة الطيران الموقعة مع واشنطن.

ساهمت روسيا، منذ رفع مستوى انخراطها عسكريا في الصراع في سبتمبر 2015، في تغيير توازنات القوى على الأرض وتعزيز موقع النظام السوري في المفاوضات التي أجريت مع قوى المعارضة في جنيف وأستانة، وقلّص هذا الدور، إلى حد ما، من نفوذ إيران ودفع قوى إقليمية ودولية عديدة إلى محاولة الوصول إلى تفاهمات مع موسكو في سوريا وتجاهل الدور الذي تقوم به إيران على الأرض، باعتبار أن تلك التفاهمات يمكن أن تدفع موسكو إلى كبح جماح إيران وحلفائها في سوريا، وتقييد قدرتهم على إجراء تغييرات في مسار الصراع.

لذلك لا تبدي إيران ارتياحا إزاء إصرار موسكو على التوصل إلى تفاهمات مع تركيا تحديدا. وزادت مخاوفها من إمكانية اتجاه موسكو إلى تكرار السياسة نفسها مع الولايات المتحدة بعد اتساع نطاق تدخلها في الصراع مع تولي إدارة ترامب مهامها في 20 يناير 2017.

سعت إيران عبر الضربات الصاروخية الأخيرة إلى تأكيد نفوذها على الأرض داخل سوريا وقدرتها على عرقلة أي ترتيبات سياسية وأمنية يمكن أن تصل إليها القوى الأخرى المعنية بالأزمة ولا تتوافق مع مصالحها، حتى لو كانت روسيا ذاتها.

وحاولت إيران توجيه رسالة بأن حرصها على التنسيق مع روسيا في سوريا لا يعني تطابق المصالح، في ظل تباين الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها سوريا لدى كل منهما وبروز خلافات جوهرية في مواقف الدولتين تجاه التطورات التي يشهدها الصراع، على غرار الدور الذي من المفترض أن تقوم به الميليشيات الموالية لإيران على الأرض، والذي لا يبدو أنه يحظى بدعم كامل من جانب موسكو.

يمكن القول إن الضربات الصاروخية التي أطلقها الحرس الثوري على مدينة دير الزور السورية تمثل بداية لمرحلة جديدة من التصعيد في سوريا، لا سيما في ظل تطلع الكثير من القوى المعنية بتطورات الصراع السوري إلى رسم حدود جديدة للنفوذ على ضوء المعطيات التي تفرضها توازنات القوى على الأرض، فضلا عن تشابك الملفات الإقليمية المختلفة بشكل قد يؤدي إلى تداعيات على مسار الصراع في سوريا، على غرار الاتفاق النووي الذي سيواجه اختبارات صعبة في الفترة القادمة.

رئيس تحرير دورية مختارات إيرانية

العرب

 

 

 

 

سورية ساحة مواجهة أميركية – إيرانية/ الياس حرفوش

مع قرب نهاية «داعش» في الموصل والعراق، بعد الجرائم التي ارتكبها بحق البشر والحجر، وآخرها تفجير مئذنة الجامع الكبير التاريخية في الموصل، تبدو المعركة المقبلة مع التنظيم في الرقة أكثر صعوبة وتعقيداً، بسبب تداخل الأطراف المتصارعة على الإمساك بالأرض واحتمالات المواجهة في ما بينها، بعد هزيمة «داعش» في معقله السوري.

مؤشرات هذه التعقيدات ظهرت الأسبوع الماضي مع إسقاط القوات الأميركية طائرة من طراز «سوخوي» تابعة لسلاح الجو السوري، وهو أول حادث يُسقط فيه الأميركيون مقاتلة سورية، منذ بدء الحرب في هذا البلد قبل أكثر من ست سنوات. موسكو وصفت الحادث بأنه «عدوان عسكري»، فيما قالت وزارة الدفاع الأميركية إن إسقاط الطائرة كان «دفاعاً عن النفس» لأنها كانت تشن غارات على «قوات سورية الديموقراطية» التي كانت تقوم بعمليات ضد «داعش» في الرقة. ثم جاء إسقاط الأميركيين طائرتين من دون طيار من صنع إيراني في الأجواء السورية، وقيام إيران بقصف مواقع للتنظيم في بلدة الميادين القريبة من الحدود العراقية بصواريخ «كروز» من أراضيها، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها إيران صواريخها لقصف أهداف في الخارج منذ الحرب العراقية- الإيرانية. وبررت طهران القصف بأنه رد على التفجيرات التي ضربت العاصمة الإيرانية والتي أعلن «داعش» مسؤوليته عنها.

إضافة إلى ذلك، يتهم الروس القوات الأـميركية بتعزيز وجودها العسكري في جنوب سورية، في ظل أنباء عن نقل منظومات صواريخ إلى قاعدة التنف عند الحدود العراقية- السورية، التي باتت هدفاً مباشراً لقوات التحالف، لمنع إيران وحلفائها من السيطرة على هذه المنطقة، وإقامة خط إيراني مباشر يربط إيران بالبحر المتوسط، مروراً بالعراق وسورية ووصولاً إلى قواعد «حزب الله» في لبنان.

في هذا السياق، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في الأسبوع الماضي أن مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب طلبوا من وزارة الدفاع إقامة نقاط عسكرية في البادية السورية، بهدف منع قوات النظام أو الميليشيات التابعة لإيران من الوقوف في وجه القوات الأميركية التي تقوم بمواجهة «داعش» لمنعه من إقامة قواعد في منطقة البادية، يمكن أن تسهل للتنظيم إعادة تنظيم صفوفه بعد هزيمته المتوقعة في الرقة.

وأضافت الصحيفة أن هناك معارضة من بعض المسؤولين في البنتاغون لتوسع الوجود الأميركي على الأرض السورية بحجة صعوبة حماية هذه القوات في مناطق معزولة في سورية، أو في المناطق التي تتواجد فيها ميليشيات مدعومة من إيران في العراق. غير أن مسؤولاً في البيت الأبيض قلل من هذه المخاوف وأشار إلى أن توسيع الدور الأميركي قد لا يحتاج إلى مزيد من القوات على الأرض، مع القدرة الجوية الموجودة في المنطقة.

وبعيداً عن مسرح العمليات السورية جاء الإعلان عن الاصطدام الذي تم تجنبه في اللحظات الأخيرة بين مقاتلتين أميركية وروسية في الأجواء فوق منطقة بحر البلطيق قرب الحدود الفنلندية، وما اعتبرته موسكو استفزازاً مقصوداً من جانب الأميركيين، أدى إلى تهديدها باعتبار أي طائرة أميركية أو تابعة للتحالف الغربي في سورية هدفاً إذا قامت بالتحليق في منطقة شرق نهر الفرات، فوق المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

تنافس محموم على من سيحتفي بهزيمة «داعش» ومن سيخلف «خلافة» هذا التنظيم في سورية. وهكذا مع توقع سقوطه في الرقة، يظهر صراع جديد على ملء الفراغ الذي سيخلّفه هذا السقوط. صراع يدور بين النظام السوري وحلفائه الإيرانيين من جهة وقوات المعارضة السورية وحلفائها من جهة أخرى، وبالتبعية في شكل مباشر بين القوات الإيرانية والأميركية. الصراع الحقيقي هو على مستقبل سورية وموقع هذا البلد على الخريطة الاستراتيجية في المنطقة، تحت ضغط المواجهة المحتدمة بين طهران وحلفائها والميليشيات العاملة معها وواشنطن والقوى الحليفة لها. إنه الصراع الذي يمنع القوى التي يُفترض أنها جميعها متضررة من وجود «داعش» من الاصطفاف في جبهة واحدة لمحاربته، وانصرافها إلى مواجهة بعضها البعض بدلاً من ذلك.

الحياة

 

 

ترامب في سورية: إضعاف إيران واستمالة روسيا/ جويس كرم

خمس ضربات أميركية خلال فترة شهر في محيط قاعدة التنف قرب الحدود السورية – العراقية استهدفت النظام السوري وميليشيات محسوبة على طهران، أولها في ١٨ أيار (مايو) الفائت تزامن مع إجراء واشنطن محادثات سرية مع روسيا في الأردن حول إنشاء مناطق للتهدئة جنوباً.

جلوس المفاوض العسكري الأميركي مع نظيره الروسي في نفس الوقت الذي كانت طائراته تستهدف قوات موالية لإيران (لحقها استهداف قوات النظام السوري وطائرة سوخوي ٢٢ وأخرى استطلاعية)، يلخص الاستراتيجية الحالية لإدارة دونالد ترامب في سورية. فظِلُ إضعاف إيران وقطع الطريق عن ممر عراقي – سوري – لبناني لها يهيمن على تحركات وأفكار مجلس الأمن القومي الأميركي الجديد، فيما يبقى السعي لإبعاد موسكو عن طهران أولوية للإدارة في مقاربتها للحل السياسي والتحركات العسكرية في النزاع.

إضعاف إيران لا يعني بالضرورة خوض مواجهة عسكرية مباشرة معها في سورية. فاليوم إيران تحارب بميليشيات عراقية وسورية ولبنانية وهي ليست بحاجة ولن تقدم على مواجهة عسكرية مباشرة ضد أقوى جيش وطيران حربي على وجه الأرض. أما واشنطن فهي تعول على تحالف كردي- عربي أي «قوات سورية الديموقراطية» لزيادة نفوذها في الطريق لهزيمة داعش وما بعد ذلك. وهي، أي الإدارة الأميركية، كما أكدت في البيانات الخمسة التي لحقت الضربات الجوية في محيط التنف، لا تسعى إلى مواجهة مع الأسد أو قوات موالية للنظام، إنما «لن تتردد في الدفاع عن التحالف أو القوات الشريكة لدى تعرضها لأي تهديد».

أميركياً، هذه اللهجة من الفريق الدفاعي لترامب تختلف عن نبرة الرئيس السابق باراك أوباما والذي تفادى لسنوات إغاظة اللاعب الإيراني في سورية خوفاً من ارتدادات عكسية على المفاوضات حول الاتفاق النووي، وأيضاً خوفاً من استهداف طهران لقوات أميركية خاصة وتدريبية في العراق وسورية. اليوم، استبدل هذه الحسابات هوسٌ بالتصدي لإيران داخل البيت الأبيض. فمستشارو ترامب معظمهم من خريجي الدفعات العسكرية في حرب العراق بينهم مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر ومساعديه ديريك هارفي وجول رايبرن، ووزير الدفاع جايمس ماتيس. ولكل منهم تجربة مع تفجيرات إيرانية الصنع استهدفت الجيش الأميركي أو صواريخ تم توجيهها إلى المنطقة الخضراء.

هذا لا يعني بالضرورة وجود استراتيجية متكاملة لترامب للتصدي لإيران عدا عن التكتيكات الأولية وحماية القوات المتحالفة مع واشنطن والتي تحارب داعش. وهو ينسجم مع أولويتي ترامب في المنطقة بالتشدد حيال طهران وهزيمة ما يسميه الرئيس الأميركي بـ «الإرهاب الإسلامي المتطرف».

وفِي هذه المعركة في سورية، غضت واشنطن النظر عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، وهي تحاول استمالة اللاعب الروسي. فبعد إسقاط السوخوي الأحد الفائت، حرصت واشنطن على تهدئة موسكو التي لوحت بقطع قناة عدم الاشتباك مع الجانب الأميركي. هذه القناة وعلى الأقل الجانب الهاتفي منها ما زال مفتوحاً كما قال رئيس هيئة الأركان في الجيش الأميركي جوزيف دانفورد. في وقت يسعى البيت الأبيض والخارجية الأميركية تخفيف حدة التشنج مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإقناع الكونغرس بالتراجع عن سلة العقوبات الجديدة التي سيفرضها على روسيا وإيران في مشروع قرار واحد.

السعي إلى التقارب مع روسيا في سورية هو نتاج عاملين، الأول الخوف الأميركي من تصعيد أكبر مع موسكو تكون له انعكاسات وخيمة أبعد من الشرق الأوسط وتصل القارة الأوروبية. وثانياً انطلاقاً مِن قناعة تبنتها إدارة أوباما وبعدها إدارة ترامب بأن مفتاح الحل السياسي في سورية هو في موسكو، وأنه لا وجود لتضارب في المصالح الاستراتيجية بين القوتين في حال وافق الكرملين أو بقِيَ على الحياد في حشر واشنطن لإيران إقليمياً.

الحياة

 

 

صواريخ دير الزور: حين تستجدي طهران المواجهة الكبرى/ محمد قواص

لم تعد الحرب بالوكالة التي تشنها إيران في المنطقة كافية للدفاع عن نظام الولي الفقيه قي طهران. بات استراتيجيو الجمهورية الإسلامية يشعرون بأن رياحاً أخرى تهب في المنطقة وبات وقعها يقرع أبواب البلد ويهزّ عرشاً كان يمنّي النفس بالنفخ بإمبراطورية غابرة عاصمتها بغداد.

تبدل التوازن الإقليمي برمّته. لم تعد العواصم العربية الأربع التي أعلنت طهران أنها تحت السطوة الإيرانية كافية للدفاع عن العاصمة الإيرانية نفسها. انتقل الإرهاب «الداعشي» إلى طهران ليضرب داخل البرلمان، حجر الزاوية للنظام السياسي للجمهورية، وليضرب ضريح الإمام الخميني، رمز تأسيس هذه الجمهورية. لم تعد دولة الفقيه بمنأى من أورام التطرّف التي ما برحت منابر إيران وأجهزتها تنفخ فيه شرقاً وغرباً، علناً وخلف الكواليس، فينتج ميليشيات طائفية تنافس «داعش» في غيّه وتتقاطع معه في غاياته.

ليس بالأمر افتراء ومبالغة، فالتقارير دقيقة في التحدث عن تورّط إيران المباشر مع تنظيم «القاعدة» واستضافة قياداته، كما في التواطؤ لتحرير قيادات التطرّف الإسلامي من سجون سورية والعراق الذي لم يكن سيؤدي إلا لإنشاء تنظيم أبو بكر البغدادي الشهير. كما أن التنظيم نفسه راعى هذه «المكرمة» فلم يتوجه بعد سقوط الموصل عام 2014 إلى بغداد، بل إلى مناطق الأكراد والإيزيديين، كما أنه كشف عن تعاون يشبه التحالف مع نظام دمشق ضد المعارضة السورية المعتدلة.

كان ذلك في ما مضى. فالمنطقة تشهد فصولاً أخرى تتغير فيها القواعد والمسلّمات. تعبّر عملية «داعش» الإرهابية في طهران عن ذلك تماماً. لم يضرب التنظيم قبل ذلك أي هدف داخل إيران، ولذلك أسباب من دون شك. وأن يضرب التنظيم في هذا الشكل وتلك الأهداف وفي هذا التوقيت، فلذلك أسباب من دون شك. وأهم تلك الأسباب أن تفاهماً ما بين طهران و «داعش» جنّب إيران صولات البغدادي، قد سقط، وأن سقوط هذا التفاهم فتح نيران الإرهاب ضد طهران.

هكذا هي المعادلة بكل بساطة.

تلتقط إيران وجبات متدفقة من الأعراض المقلقة هذه الأيام. تستنتج علاقة ما بين سقوط «داعش» القريب في الموصل وهجماته في طهران. وتستنتج أن عواصم العالم كما عواصم المنطقة تستعد للتموضع في حقبة ما بعد «داعش». وما بعد «داعش»، أي ما بعد سقوط التطرّف والإرهاب الإسلاميين، سيتّسق منطقياً مع حقبة تسحب البساط من تحت تيارات التطرّف الديني كافة سنية كان أم شيعية. وفي ذلك تماماً أن خدمات طهران ومواهبها في هذا الصدد لم تعد تتوافق مع ذائقة السوق الدولية في تقليعاتها الجديدة.

لن يجهد المراقب كثيراً لملاحظة أن سعي إيران لحفر «هلالها الشيعي» وتأمين تواصل بري بين طهران وبيروت يكشف عن إدراك إيراني بتصدّع سطوتها في ميادين نفوذها التقليدي على ذلك الطريق. تفرج معركة الموصل ونزوع الأكراد إلى توسّل الاستفتاء طريقاً للانفصال عن مشهد عراقي آخر لن تعود به إيران سيدة الموقف. وتشي زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السعوديةَ بتوق عراقي، بدعم ورعاية أميركيين، لإعادة وصل العراق بمحيطه العربي والتحلل آلياً من تبعية لإيران، تمت منذ غزو عام 2003 بتشجيع أميركي أيضاً.

وإذا ما صعّب على المراقب استيعاب ملامح التغير المقبل في العراق، فإن ملامح ما قد يقترب من الانقلاب جلية في الميدان السوري. باتت إيران «فصيلاً» من بين الفصائل التي تتقاتل داخل هذا البلد منذ عام 2011، وحتى أن دفعها بالميليشيات الشيعية المقبلة من لبنان والعراق وأفغانستان ودول أخرى، كما دفعها بالآلاف من «مستشاري» الحرس الثوري، لم يحسّن من شروط هيمنتها على النظام السوري وحوّلها إلى عامل مساعد تستخدمه روسيا وتهمله وفق أجندة القيصر لا وفق توصيات المرشد.

تكاد إيران تفقد نفوذها في سورية المستقبل، أياً كان هذا المستقبل، حتى لو حققت ميليشياتها إنجازاً هنا واختراقاً هناك. تعرف طهران أن لإدارة دونالد ترامب خطة عمل وأجندة كانتا غائبيتين في عهد الإدارة الأميركية السابقة، وأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة في سورية التي تتنافس مع تلك الروسية قد تتوصل إلى شراكة مع موسكو، لكنها غير مهتمة بأي شراكة من أي نوع مع طهران. تدرك إيران أيضاً أن قرار واشنطن بمنع أي نفوذ إيراني على الحدود الشرقية لسورية هو خيار استراتيجي نهائي على ما تكشف تطورات التنف جنوباً وحراك قوات سورية الديموقراطية في الرقة، وعلى ما يكشف تدخل طائرات التحالف لحسم أي محاولة تسعى لغير ذلك.

لم تستخدم طهران قواها النارية منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية. لم يكن من حاجة لذلك والجوائز تأتيها مجاناً منذ حرب الكويت مروراً بحصار العراق انتهاء بغزوه غرباً وغزو أفغانستان شرقاً. فأن تستخدم إيران صواريخها الباليستية، فإن في ذلك اعتراف أن الحرب بالوكالة لم تعد تفي بالغرض، وأن صواريخ إيران التي لطالما أثارت قلقاً لدى عواصم العالم تجاوزت مهماتها التجريبية ودخلت في منظومة العمل المهدِّد الأهداف المحتملة.

لم يصدر عن البنتاغون أي تعليق أو تأكيد لرواية الصواريخ الإيرانية. أخطأت إيران في الإعلان عن استخدام صواريخ يفهم منها تهديد لكل دول المنطقة كما لمصالح دولية، في مقدمها تلك الروسية – الأميركية، في المنطقة. وإذا ما ثبتت رواية الصواريخ وثبتها إعلان أميركي دولي ما عنها، فإن المجتمع الدولي الذي رفض البرنامج الصاروخي الإيراني وتجاربه، سيكون له موقف جدي آخر ضد ما انتقل من موسم نظري إلى دائرة الفعل بالنار. لا يمتلك المجتمع الدولي إلا الحزم إذا ما أراد تجنيب المنطقة حرباً كبرى ضد إيران تشنها عواصمها، حتى تلك المتخاصمة تقليدياً في ما بينها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى