صفحات سوريةمحمد منصور

عن سهير أتاسي التي جعلت منها الحرية موضوعاً لهذه الزاوية!

 


محمد منصور

تضاربت الأنباء التلفزيونية على الفضائيات، فيما إذا كانت الناشطة السورية سهير الأتاسي قد اعتقلت بعد الاتصال الهاتفي مع قناة (الجزيرة) للتعليق على مظاهرة سوق الحميدية، أما بعد الاعتصام الذي شاركت فيه مع أهالي المعتقلين السياسيين أمام وزارة الداخلية… لكن شهود العيان الذين كانوا في موقع الاعتصام في ساحة المرجة في قلب دمشق، أكدوا

لـ(الجزيرة) والـ(بي بي سي) أن سهير الأتاسي اعتقلت بطريقة مهينة أثناء الاعتصام، وأنه كانت هناك محاولة متعمدة لإذلالها والتنكيل بها، وجرها على مرأى من الموجودين في الساحة!

سهير الأتاسي وأثناء أحداث مصر، قررت مع مجموعة من الناشطين أن توقد الشموع على أرواح شهداء ميدان التحرير في ساحة باب توما… لكن الشموع قوبلت بالسباب والشتائم والضرب، ولأن سهير لا تخاف، لم تسكت على مضايقات رجال الأمن، بل دخلت مخفر الشرطة لتسجل شكوى… أربكت ضباط المخفر الذين رفضوا تسجيل الشكوى، واستنجدوا بضابط مخابرات ضد (المعتدى عليها) ولم يجد المسؤول الأمني سوى لغة التهديد والوعيد والاتهام بالعمالة لاسرائيل، ليواجه بها جرأة سهير التي لم تسكتها لغة التهديد والوعيد.. ولا حتى الصفعة التي لطمها بها على وجهها، فخرجت لتكتب كل هذه الوقائع وتنشرها على الملأ.

سهير الأتاسي ابنة مفكر عربي قومي هو جمال الأتاسي أحد كبار سياسيي سورية، وهي سليلة عائلة كريمة من عائلات مدينة حمص السورية، حفل سجلها بأسماء بارزة في تاريخ الحياة الاجتماعية والثقافية والحراك السياسي، وأنجبت زعماء ورؤساء جمهورية شهد التاريخ بنظافة سجلهم. سهير معتقلة الآن ومضربة عن الطعام، مع نساء أخريات اعتقلن بنفس الطريقة المهينة من أمام وزارة الداخلية: (ربا اللبواني، ليلى اللبواني، صبا حافظ حسين، سيرين خوري، ناهد بدوية، دانة الجوابرة، وفاء اللحام، هيرفين اوسي) نساء ذهبن للتضامن مع أهالي المعتقلين السياسيين، فتحولن إلى معتقلات ينشدن من يتضامن معهن… فهل صار الوطن سجناً كبيراً؟ وهل صار على السوريين أن يشيعوا بعضهم بعضاً، إما إلى السجون أو إلى المقابر؟!

سؤال مرير ومؤلم، حين نعلم أن اثنتي عشرة امرأة من نساء سورية في نظام (علماني) يفاخر بأنه نصير المرأة، وضد سجنها في البيت، معتقلات في سجونه هو، يقبعن في زنازين لا يميز سجانوها بين نساء ورجال، بل بين سوريين يصنفهم موالين يهتفون لكل شيء، أو خونة وأعداء لهم وجهة نظر في أي شيء… وإحداهن مضربة عن الطعام والماء معاً… تم نقلها إلى المستشفى كما أفادت أنباء وتسريبات حقوقية!

طبعاً ثمة أبواق جاهزة كي تكيل تهم العمالة، وتتحدث عن الفوضى وعن وهن نفسية الأمة، وإضعاف الشعور القومي… حسناً الشعور القومي كله اليوم يطالب بالحرية، من تونس ومصر إلى ليبيا واليمن والبحرين والمغرب… فهل التظاهر اقتداء بهذا الشعور القومي هو (إضعاف للشعور القومي) أم العكس هو الصحيح؟ وما هو وهن نفسية الأمة، إن لم يكن بث الخوف في نفوس المواطنين داخل بلادهم.. الخوف من رجل الأمن، ومن كتبة التقارير، ومن المطالبة بالحقوق.. ومن الصراخ في وجه الفساد، ومن ممارسة حق التظاهر السلمي.. ما هو وهن نفسية إن لم يكن هو هذا الخوف الذي ينتاب كاتباً مثلي، حين يكتب في صحيفة عربية ممنوعة من التوزيع في بلده، ليعلن تضامنه مع نساء معتقلات، كنّ أشرف منا، وأكثر شجاعة منا؟!

لقد جعل الخوف من كثير منا أشباه رجال يا عزيزتي سهير أتاسي، التي تتفنن المواقع الإلكترونية السورية (المستقلة) في تشويه سمعتك اليوم، وفي نشر التعليقات البذيئة التي تطالب بحرقك وإعدامك، لقراء يكتبون نفس اللغة ونفس المفردات التخوينية… لكن صوتك وصورتك لن يغيبا في هذه الليلة الظلماء، التي لا نريد سوى أن تنقشع فيها سحائب الخوف كي نتذوق طعم الحياة التي بدت ممنوعة عنا كسوريين.. لقد مللنا حياة الخوف أيتها المرأة التي تعلم الرجال معنى الشجاعة.. مللنا رفع أصواتنا للكتابة (بشجاعة) عن ثورة تونس ومصر وليبيا.. ثم الصمت على ما يجري في بلدنا.. مللنا الكتابة عن فضائيات الآخرين، ونحن نخاف أن نبدي رأينا فيما تبثه الإخبارية السورية من تبريرات مضحكة ومخجلة لأحداث درعا، لقد نفانا الخوف يا عزيزتي سهير خارج أوطاننا، ونحن نعيش في داخلها ونرى كل ما يجري فيها، ثم نصمت، ونلوك صمتنا كالفضيحة.. ونداري غصة الصمت بالنكات التي تضحك وتبكي.. فيما كنا نبكي من داخلنا؛ وحين كنا نحاول الخروج من المنفى للحديث عن بلدنا في مسائل أقل من هذه بكثير كانتقاد التلفزيون السوري أو جائزة أدونيا أو مهرجان السينما، كنا نهدد بالمحاسبة، وكنا نقتاد إلى فروع الأمن لنكتب تعهدات قسرية تعيدنا إلى حظيرة الخوف، وتوهن نفسيتنا كي لا نتورط بوهن نفسية الأمة.

ولكن ماذا بعد أيها الوطن؟! من يدلنا على طريق الإصلاح الذي طالما أملنا أن يحمل لنا بعض الخلاص؟! وهل هناك معبر للحرية في طريق الإخلاص ذاك؟! هل هناك محطة للشجاعة نتنفس فيها نسائم العز والكرامة والهواء النظيف؟ قل لنا أيها الوطن الذي اعتقلت فيه النساء… وضربن في ساحاتك بضراوة… وشددن من شعورهن على أرصفتك… وضرب الشبان الذين حاولوا الدفاع عنهن.. لأنه في زمن الذل ممنوع على الرجال أن يكونوا نبلاء وأن تثور في دمائهم ذرة نخوة أو مروءة؟!

قل لنا فنحن لا نريد أن نرتهن لتجاربنا المريرة في الاستنتاج حتى لا نضعف الشعور القومي أكثر مما يحتمله اتهام قضائي لا يحتاج إلى أي إسناد أو حجة أو تبرير؟!

ثمة فجر يولد من جديد يا عزيزتي سهير… فجر لا نعرف كيف سيكون شكل الصباح بعده، ولا ما ستكون فيه المعالم والوجوه… والنجاحات والإخفاقات.. لكننا نعرف فقط أن الخوف سينجلي والقيد سينكسر.. وأن السوري سينظر في عين أخيه بلا خوف!

 

مكرمات الملك وثقافة المن والاستجداء

واكب التلفزيون السعودي الأوامر الملكية العشرين بتقديم منح مالية إضافية لأبناء الشعب السعودي، وإعانات للعاطلين عن العمل، وتشكيل هيئة لمكافحة الفساد تتبع الديوان الملكي مباشرة، بإجراء لقاءات مع مواطنين سعوديين، تحدثوا لكاميرا التلفزيون الرسمي بكثير من الامتنان، عن المكرمات والهبات، والدعاء لطويل العمر!

شخصياً قد يخطر لي ـ على سبيل رؤية النصف الملآن من الكأس- أن أقارن ما فعله الملك السعودي مع شعبه لدرء الاحتجاجات، حيث نثر بين أيديهم بعض المليارات.. بحكام آخرين نثروا على رؤوس وصدور المحتجين القنابل المسيلة للدموع والرصاص، لكنني حين أعود إلى رشدي لأفكر بعقل المواطن العربي الحر، في هذا الزمن العربي الجديد فسأشعر بكثير من الاشمئزاز لسلوك التلفزيون الرسمي السعودي، الذي نحا نحو تمنين الشعب بالمكرمات والأعطيات، وكأنها من جيب خادم الحرمين الشريفين الشخصي، وليست من عائدات نفط وطن هو ملك لأبنائه!

ليس الإعلام الرسمي السعودي هو من يرسخ هذه الفكرة، التي ترسخت في غير بلد عربي، بل المواطن البسيط أيضاً… فهو لا يدرك أنه يأخذ (بعض) حقوقه، وهذه ليست فيها منة لأحد!

شكراً لمن أعطى، مع أن أعظم الرشاوى المالية التي يمكن أن تقدم للشعوب لا يمكن أن تغنيها عن نسائم الحرية التي يحتاجها قلب كل مواطن عربي… لكن لا للمن على الشعوب… ولا لثقافة الاستجداء من مال الوطن… فالوطن ملك للجميع، والوضع الصحي والطبيعي جداً أن تنفق أموال وعائدات ثروات الأوطان على الشعوب… لا أن تذهب إلى جيوب الحاكم وعائلته وأعوانه وأبناء خؤولته وعمومته، في مليارات وأرصدة ستذوب كالجليد عندما تجمّد وتصادر بعد تهاوي تلك الأنظمة، وملاحقة أمثال (عائلة الطرابلسي) باعتبارهم ناهبي مال عام، وشبيحة سلطة وامتيازات… دفعت الشعوب ثمنها من الجوع والفقر والبطالة وحياة الذل والعوز وفقد الكرامة!

ناقد فني من سورية

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى