صفحات الرأينجيب جورج عوض

عن «شارلي إيبدو» والمواقف من الإسلام/ نجيب جورج عوض()

 

 

لم تكن مأساة اغتيال الإعلاميين في صحيفة «شارلي إيبدو« الأولى، وربما لن تكون الأخيرة قريباً. ولا شك في أنها إحدى تلك الأحداث المأسوية التي ستزيد في الاحتقان العالمي لا تجاه التديُّن المقترن بالإسلام فقط، بل وتجاه التديُّن كخيار وكظاهرة وكموقف إنساني كذلك. سبق لي ونشرت منذ بضع سنوات دراسة بالعربية والانكليزية عن انتشار فوبيا (رهاب) من الدين، وليس مجرد فوبيا من الإسلام، وعودته إلى الساحة العامة في البلاد الأوروبية بطريقة تجعل المواطن الغربي والأوروبي يشعر بالقلق الحقيقي من عودة ماضٍ قديم، حارب الإنسان في أوروبا ضده، وخرج منه منذ قرون مضت. أجد نفسي اليوم، أمام المأساة الأخيرة ضد الجريدة الفرنسية، أراقب مظهراً آخر من مظاهر العنف التديني (وليس الديني)، التي تؤجج الفوبيا من الدين في الأوساط الأوروبية، وستعمل على تأجيجها في الأوساط العالمية أيضاً. تلك الفوبيا تتعاظم عالمياً وتنتشر، بقناعتي، بين أتباع الدين الإسلامي أنفسهم وهم يراقبون تنامي الخوف والتشكيك بالدين الإسلامي وقيمه الأخلاقية ومنظومته العقدية الإيمانية برمتهما، بسبب التوجه العنفي والإرهابي والتطرفي الدموي، الذي تتبعه جماعات باسم الإسلام.

ما لفت نظري، في خضم التفاعل العالمي مع مأساة القتل الأخيرة بحق إعلاميي جريدة شارلي إيبدو، هو الخطاب الذي تبنته الأطراف العامة والشعبية الإسلامية والعالمية، للتعليق على الإسلام في علاقته بالحدث المؤسف. قرأنا، أولاً، على صفحات الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي خطاباً يدافع عن الجريمة البشعة ويسميها دفاعاً مشروعاً عن «الإسلام» ونبيه الكريم، وعقاباً مستحقاً ضد من أهانوا الرسول العربي ودينه السماوي. وقرأنا، ثانياً، على الصفحات ذاتها خطاب يدين «الإسلام» برمته، ويرى في الجريمة المذكورة دليلاً على وحشية «الإسلام» وعنفيته ما يؤكد على، بل ويبرر، الخوف العالمي المتنامي من الإسلام بشكل خاص (ومن الدين بشكل عام) بل ويدعو إلى تكثيف الجهود العالمية لمناهضة هذا الدين، وصولاً إلى الدعوة لطرد المسلمين من أوروبا والغرب حماية لهذا الجزء من العالم من الأسلمة. ثم قرأنا، ثالثاً، وعلى الصفحات ذاتها كما على شبكات التواصل الاجتماعي، خطاباً ثالثاً يدافع عن «الإسلام» ويبرئه من جريمة أولئك المتطرفين والإرهابيين، ويؤكد أن «الإسلام» بريء تماماً مما فعله هؤلاء الناس، وأنه يدين الإرهاب والعنف ويحاربهما مع بقية العالم.

ثلاثة خطابات، إذاً، تملأ حالياً الإعلام العربي والعالمي، المسموع والمقروء والمرئي، وتغزو بشكل محموم شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت. وكلها تدور حول «الإسلام» وتقدم نفسها على أنها تفسير لحادثة مأسوية مفجعة تتعلق بدين بعينه هو «الإسلام». أتعمد هنا أن أضع كلمة «إسلام» بين مزدوجين لأنني كمراقب أكاديمي ومحلل علمي ألحظ في استخدام تلك الخطابات الثلاثة، الداعم والمعادي والمدافع على حد سواء، استخدام لمصطلح «إسلام» يدل على فهم غامض وتعميمي وغير دقيق معرفياً لذاك المصطلح. لهذا، أسمح لنفسي في هذا المقال القصير أن أشارك القراء ببعض الأفكار المتعلقة بالتفكيك والتفسير المعرفيين والعلميين لأي ظاهرة دينية يقوم بها المختصون والباحثون في علم الدين (religionswissenschaft) وينطلقون منها في دراستهم لأي دين بعينه، بما فيه الدين الإسلامي.

اعتدت في صفوفي الجامعية حين أشرح لطلابي معنى مصطلح «الدين»، وتفسير هذه الظاهرة في طبيعتها المعرفية والسوسيولوجية التاريخية، أن أفرق لهم بين ثلاثة مستويات تعريفية لماهية الأديان. أحدثهم أولاً عن ما أدعوه المستوى التعريفي الأول لأي دين، ألا وهو مستوى «الرسالة الإيمانية» للدين: خطاب هذا الدين الإيماني العقائدي والروحاني والنصوصي (النص الديني: كتاب مقدس، قرآن، توراة الخ). من ثم أنتقل بهم إلى الحديث عن مستوى تعريفي ثانٍ أدعوه مستوى «التديُّن الإنساني» (religiosity) في هذا الدين: الاجتهادات التفسيرية والشروحات الفكرية والتعليمية التي يقدمها متدينو هذا الدين، لجعل رسالته الإيمانية والنصوصية (النص الديني)، تتحول إلى تعاليم وإرشادات ناظمة لحياة وسلوك المتدينين، الذين يتبعون هذه الرسالة الإيمانية (المستوى التعريفي الأول). من ثم أنتهي بالطلاب بالحديث عن مستوى تعريفي ثالث لأي دين أسميه مستوى «الناس الدينيين» (the religious people)، أي أولئك الأفراد المختلفو المشارب والهويات والثقافات والخلفيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والانثربولوجية والجغرافية، الذين يعرفون أنفسهم بدلالة رسالة دينية معينة (المستوى الأول)، ويعلنون أنهم يرسمون ملامح حياتهم وسلوكياتهم بدلالة التعاليم التدينية، الناتجة عن التقاليد التفسيرية، التي تشرح وتفسر الرسالة الدينية المذكورة (المستوى الثاني). في حالة الدين الإسلامي: المستوى الأول هو «رسالة القرآن والإيمان القاعدي» المكون لبنية الدين الإسلامي. المستوى الثاني، مستوى التديُّن، هو «التفاسير والشروحات الفكرية والفقهية» التي راكمها مفكرو وعلماء الدين الإسلامي الأوائل كي يشرحوا ويفسروا القرآن، ويحددوا المنظومات الأخلاقية والفكرية التي تعبر عنه والتي يُشرَح الإيمان الإسلامي بدلالتها. يمكن دعوة هذا المستوى بـ»التقاليد التفسيرية». أما المستوى الثالث فهو مستوى المتدينين المسلمين، الأفراد والجماعات، والذين يحاولون في حياتهم وسلوكياتهم ورؤيتهم للعالم أن يعكسوا ما تعلموه وفهموه عن رسالة الإسلام على المستوى الأول، والتي شكلوها من خلال اطلاعهم (أو بسبب عدم اطلاعهم في أحيان أخرى، للأسف) على التقاليد التفسيرية للإسلام.

لا أريد أن أرهق القارئ بإرهاصات وتفاصيل تقنية علمية في مقال كهذا. ولكن أجد أنه من الضروري، بل والحتمي، وضع إطار فكري وتفسيري منهجي علمي، دقيق وموضوعي، لنساعد الناس على مقاربة أحداث مأساوية إجرامية، كحادثة جريدة «شارلي إيبدو« وأمثالها، وعلى تقييم ردود أفعال الناس حيالها، سواء للدفاع عنها أو تبريرها أو إدانتها، في إطار تحليلي صحيح. هذا الإطار ضروري ولا غنى عنه سواء أكنا نريد أن نهاجم «الإسلام» بجريرة تلك الحادثة، أو كنا نريد أن ندافع عنه ضدها، أو نريد أن نبرره بدلالة علاقة ما مُفتَرضَة له بها. ما أريد اقتراحه هنا هو أن مقاربتنا لتلك الحادثة وموقفنا من كيفية حديث الناس بمواقفهم المختلفة عن «الإسلام» في سياقها (أنا شخصياً سأطبق المنهجية ذاتها لو كان الدين المعني هنا هو «المسيحية» أو «اليهودية» أو أي ظاهرة دينية أخرى). يجب أن يلحظ إطارنا الفكري المفترض أن إرهاصات وتداعيات وطبيعة البعد الديني الذي تقدمه هذه الحادثة عن «الإسلام»، والذي نراه ينعكس في من يدافع عن اٍلإسلام أو يهاجمه أمامنا، لا ترتبط في الحقيقة بتعريف الإسلام على المستوى الأول (مستوى الرسالة الإيمانية) بالضرورة، ولا هي ترتبط شرطياً بتعريف «الإسلام» على المستوى الثاني (مستوى التديُّن المتمثل بالتقاليد التفسيرية)، بل هي ترتبط أساساً وأولاً برأيي بمعطيات ومكونات تتجذر بعمق بـ»الإسلام» على المستوى الثالث، أي مستوى «الأتباع الدينيين/المتدينين» المسلمين، أو مستوى المعرفة الفردية العامة عن هذا الدين.

إن ما ارتكبه الإرهابيون الثلاثة في «شارلي إيبدو« مرتبط حتماً بتدينهم الشخصي والفردي، أي مرتبط بإسلاميتهم، وليس بالضرورة أبداً أن يكون مرتبطاً بـ «الإسلام» بحد ذاته، ولا حتى مرتبط بالتدين الإسلامي الناتج عن التقاليد التفسيرية الإسلامية التاريخية للرسالة الإيمانية. نستخلص هذا، من خلال تذكرنا لما صرح به وقاله عبر السنين إرهابيون آخرون، تم اعتقالهم وعرضهم على محاكم مدنية في العالمين الغربي والعربي، حين سئلوا عن فهمهم للدين الإسلامي. اطلاعي المتواضع على أقوال متهمين إرهابيين مسلمين أثناء محاكماتهم، أو على رسائلهم الوداعية الإعلامية قبل الإقدام على عملياتهم الإرهابية خلال السنوات المنصرمة، تبين لي أنهم كانوا ينطلقون في أعمالهم، ويحاولون تبريرها، إما من خلال استحضار آيات قرآنية أو من خلال استحضار تعاليم دينية من الأحاديث النبوية، أو من تعاليم الفقهاء، وعلى رأسهم كما يبدو لي ابن تيمية وتلاميذه، أمثال ابن القيم الجوزية. إلا أنَّ المطَّلِع على القرآن الكريم وعلى التقاليد التفسيرية المرجعية العديدة له (ما أدعوه هنا بالتقاليد التفسيرية الممثلة للمستوى الثاني) وكذلك على نصوص فقهاء أمثال ابن تيمية وسواه يمكنه أن يلاحظ أن هؤلاء المتدينين الإرهابيين لم يكونوا يرددون في الواقع صدى الرسالة الإيمانية للإسلام (المستوى الأول) وأن معظمهم إما لم يطلع على التقاليد التفسيرية (المستوى الثاني) أو أنه سمع عنها نقلاً عن شيخ أو واعظ ما، تكفل بعملية نقلها كما فهمه هو، أو كما أراد أن يفهمه. بكلمات أخرى، ما تسمعه من أولئك المتدينين المسلمين ما هو إلا تفسيرهم الشخصي وفهمهم الذاتي والفردي، لما يعتقدون هم أنه إما التقاليد التفسيرية (المستوى الثاني) أو أنه محتوى الرسالة الإيمانية (المستوى الأول). أي أننا نتقابل في فكرهم مع تدينهم هم وفكرهم هم، وليس مع التدين الإسلامي الممثل للتقاليد التفسيرية أو مع الرسالة الإيمانية الممثلة للدين الإسلامي. لا أحد، مثلاً، من الإرهابيين الذين سمعتهم أو قرأت كلماتهم، والذين يكررون مراراً جملاً مجتزأة من نصوص ابن تيمية على سبيل المثال (أحد الأسماء التابعة للمستوى الثاني، أي مستوى التقاليد التفسيرية) يبدو أنه قرأ مثلاً نصوص الفقيه المذكور الفلسفية والميتافيزيقية واللاهوتية المنطقية (علم الكلام)، مع أنها البنية الأساسية المكونة لفكره الديني ولتفسيره لرسالة الإسلام، والتي من دونها لا يمكن فهم ابن تيمية أو حتى الادعاء بمعرفة فكره أصلاً، ناهيك عن الاختلاف بشكل موثوق وعلمي معه، ومن ثم محاولة نقد وتفكيك فكره. لهذا، حين يردد بعض الدعاة والمتكلمين باسم جماعات إرهابية كداعش وجبهة النصرة وسواهم اليوم تفاسير قرآنية ومقولات يدعون أنها مأخوذة من تعاليم الفقهاء (أمثال ابن تيمية)، هم لا يرددون أمامنا ما يقوله التقليد التفسيري في الحقيقة (المستوى الثاني)، بل ما يعتقدون هم أن هذا التقليد يريد قوله (المستوى الثالث). كلهم يرددون مجرد اجتهادات فردية سياقية ظرفية غير علمية، يقدمها أفراد متدينون عن بعض التعاليم الأخلاقية والتشريعية، التي توجد في نصوص مرجعيات التقاليد التفسيرية، والتي لم تُدرَس أصلاً من قبلهم. هنا نحن إذاً أمام تفسير فردي ذاتوي ظرفي سياقي على المستوى الثالث من الدين الإسلامي: مستوى المتدينين، وليس مستوى التقاليد التفسيرية (المستوى الثاني) أو مستوى الرسالة الإيمانية (المستوى الأول).

عود على بدء الآن: حين يقف البعض ليدافعوا عن «الإسلام»، الذي قام هؤلاء الإرهابيون بالثأر لكرامته عن طريق القتل والعنف، هل يدافعون عن «الإسلام» كرسالة دينية أو كتقاليد تفسيرية، أم أنهم، من دون أن يعلموا ربما، يدافعون عن فهم أولئك المتدينين الإرهابيين وتفسيرهم (على المستوى الثالث المتعلق بالأفراد الدينيين) للمستويين الثاني والأول؟ السؤال ذاته ينسحب على موقف المهاجمين «للإسلام» بسبب جريمة المتدينين المسلمين المذكورين: هل هم يهاجمون «الإسلام» كرسالة إيمانية وكتقليد تفسيري، أم يريدون، من دون أن يفلحوا في توضيح ذلك، أن يهاجموا تفسير وفهم الأفراد الدينيين المسلمين على المستوى الثالث، والذي دفعهم للقيام بعملهم الإرهابي؟ من جهة أخرى، حين يقول الحريصون على تبرئة الإسلام من تلك الجريمة وأمثالها أنَّ «الإسلام بريء« أو، «الإسلام لا يفعل كذا وكذا، بل يدعو لكذا وكذا»، هل يتحدثون عن «الإسلام» أم عن موقفهم هم من دين اسمه الإسلام وعن ما يتمنون أو يعتقدون هم شخصياً أن الإسلام عليه؟ بكلمات أخرى، الدين ليس المتدينين الذين يتبعونه. حتى وإن كان «دينهم»، فهو ليس «هم»، ومن الخطير المماهاة بين «الدين» و»التدين» و»الدينيون»، وإن كانت تلك المستويات الثلاث ترتبط ببعضها. كل من تلك الثلاث تتمايز عن الأخرى مفاهيمياً ومعرفياً، ولا يجب أن تتماهى معها. وكل مماهاة بين تلك الثلاث تقود إلى كوارث خطيرة.

مهم جداً أن ندرك في خضم تفاعلنا مع جرائم إرهابية ترتكب باسم الأديان أن نمايز بين المستويات الثلاثة المذكورة أعلاه، كي يكون موقفنا مبنياً على تحليل دقيق وسبر عميق يعوَّل عليه لماهية الحدث وخلفياته الفكرية. باعتقادي أن الغالبية العظمى من مظاهر العنف والقتل والاضطهاد التي تتم باسم الأديان، بما فيها الدين الإسلامي، تجري على قاعدة الرؤى والتخيلات الفردية والذاتوية الخاصة بالمتدينين، التابعين لدين ما، والذين يمثلون المستوى الثالث من مستويات ماهية هذا الدين. على المستوى الثالث المتعلق بالأفراد الدينيين، تنشأ كل أنواع الموبقات والتصرفات والسلوكيات والمفاهيم المتطرفة والخاطئة والعنفية والإقصائية والتدميرية والتشويهية، ناهيك عن الموبقات التبريرية والتبجيلية والتعظيمية والإقصائية والأسطرية (من أسطورة)، والتي لا تقل عن الموبقات الأولى خطورة وتشويهاً لماهية أي دين. غالباً ما يبدأ أصحاب كلا النوعين من الموبقات الفكرية بممارستها ضد دينهم بحد ذاته، حين يعملون على محاولة تشويه أديانهم بمستوييها الأول (الرسالة الإيمانية) والثاني (التقاليد التفسيرية) ولي مضامين هذين المستويين كي تخدم الفهم والتعبير والتقدير الشخصانية للتدين: أي حين يختزلون الدين ويفصّلونه على مقاس مواقفهم هم منه، سواء بغرض الدفاع عن الدين وتبرئته، أو الهجوم عليه.

ما يحدث من إرهاب باسم الدين الإسلامي في العالم المعاصر ينشأ من المستوى الثالث لظهورة الدين الإسلامي. ولكن، ما يتم قوله للدفاع عن الدين اٍلإسلامي في العالم المعاصر يحدث بدوره أيضاً على المستوى الثالث لماهية الدين الإسلامي، ولا يتم انطلاقاً من إعادة دراسة وفهم أمينين لا للرسالة الإيمانية ولا للتقليد التفسيري. كلا موقفي الهجوم على الإسلام والدفاع عنه ينطلقان من المستوى الثالث ولا يُبنى أي منهما على قاعدة المستويين الأولين. لهذا، سيظل الإسلام عرضة للكثير من التشويه والفهم التسطيحي والتعميمي والمنقوص وغير الموثوق من قبل مهاجميه والمدافعين عنه على حد سواء لأنَّ كليهما لا ينطلق لا في هجومه ولا في دفاعه من اطلاع موثوق وعلمي وعميق على الإسلام في مستوييه الأول والثاني، بل ينطلقان من مستوى موقفهما الفردي وفهمهما الذاتي لما يعتقدان أنه الإسلام. المؤسف أن يكون هذا حال المدافع عن الإسلام بقدر حال المهاجم له. وإن كنت أستطيع أن أفهم (لا أن أبرر) أن لا يحمل المهاجم معرفة للإٍسلام في مستوييه الأول والثاني، فإنني لا أستطيع أن أجد مبرراً منطقياً وموضوعياً لجهل الكثير من المدافعين عن الإسلام لهذا الدين بمستوييه الأول والثاني أيضاً.

بداية التخلص من الإرهاب والصورة السلبية عن اٍلإسلام في العالم تبدأ من خلال وضع حد لتمدد تأثير الأفراد الدينيين على المستوى الثالث واستئثار هذا المستوى بالمساحة العظمى من المشهد الديني الإسلامي الحالي. المطلوب هو عودة إصلاحية ونقدية تفكك نتائج وتأثيرات ومفاعيل المستوى الثالث لفهم الإسلام بواسطة الرسالة الإيمانية والتقاليد التفسيرية الإسلامية بحد ذاتها. المستوى الثالث يحتاج إلى ثورة عليه تبدأ من المستويين الأول والثاني. هذا بحد ذاته يتطلب ثورة عميقة من داخل الفضاء الإسلامي الديني عينه. هذا يتطلب أن ندرك أن الإسلام ليس المسلمين دوماً وبلا تحفظات، ولا هو أحياناً دفاعهم عنه.

() أستاذ لاهوت في جامعة هارتفورد الأميركية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى