خولة دنياصفحات سورية

عن مدينة ساحلية في سورية: الاخوة الاعداء


خولة دنيا

اليوم اقتحموا باب الدريبة.. اعتقلوا الشبان.. ونهبوا المنازل ثم أحرقوا ما تبقى..

هي جبلة الأدهمية التي تنتظر الرعب منذ عشرة أيام.. والمخاوف من الاقتحام لا تفارق شبابها..

جبلة اليوم هي مفتاح حديثي هذا.. بعد أن رأيت على الصفحة الخاصة بها دعوات طائفية للانتقام من العلويين بسبب مواقفهم السلبية من الحراك هناك، والمظاهر التي رافقت الشبيحة فيها من إبراز مظاهر الانتصار على الأخوة الأعداء فيها.

هذه الدعوات التي أصبحنا نتفهمها اليوم بعد كثرة التشبيح بأنواعه المادية والمعنوية.. وبعد الانقسام الحاصل فيها، الذي طال حتى شاطئها.. فترى نصف الكورنيش ممتلئا ومليئا بالحياة والناس .. والنصف الآخر مليء بالجيش والأمن والقناصة ويعاني من فراغ سكاني يملأ الجو بالخوف والذعر من القادم..

لم تكن جبلة وحدها على هذا الحال، فكذلك بانياس، واللاذقية والكثير من المدن المختلطة.. والتي يوجد فيها تواجد للعلويين. فمع ازدياد الربط بين الطائفة والنظام.. بدأت هذه المظاهر بالازدياد ومما فاقم الوضع الانكفاء الواضح لدى المثقفين وعدم الفعل للتخفيف من هذا التوتر الطائفي، وهو ما أرغب بالأتيان على ذكره هنا، وتفصيله.

في اللاذقية، وعند زيارتي للرمل الجنوبي، التقيت بأحد الرجال الناشطين هناك، قال لي: نريد تبيان موقف من الطائفة العلوية من النظام، وأن على المثقفين والمعارضين فيها التبرؤ منه، ومن أفعاله، وقتها قلت له، الكثير من المعارضين هم مع الحراك، ولكن لا يقبلون أن يحسبوا على النظــــام فقط لأنه علوي، نحن مع الحراك لأنــــنا سوريون ولأنكم سوريــــون، ولأن وجعكم وجعنا، وما يصيبكم يصيبنا. الرجل تفهم الأمر ولكن لم يستطع تقبله فهو لم ير أيا من هؤلاء المعارضين متواجدا بينهم كسوري، وبقوا لوحدهم هناك في الرمل الجنوبي يعانون الحصار والعزلة.. وكان الاقتحام في اليوم الثاني لهذا الحديث.

وعلى الرغم من الصدى الإيجابي لكلامنا ذاك، إلا أنه لا يشفي قلب المواطنين الذين يعانون في كل لحظة من تعنت وعسف النظام.

في نقاشنا مع الشباب المعارضين هناك في الساحل كان موقف الجميع نحن سوريين ولا نريد أن نحتسب الآن على أساس طائفي..

ولكن ما لفت نظري هو الـــموقف من الذهـــاب إلى مناطق الحصار، أو محاولة التـــظاهر في مناطق أخرى.. فقد قالوا لي: نحن علويين في النهاية، والشبيحة لن يتركونا بحالنا أبداً ونحن نتلقى تهديدات يومية ومحاولات إيذاء ولا نستطيع النزول بحرية للتظاهـــر وتبيان الرأي!!!

سوري بمواقفك.. طائفي في خوفك.. أيها المثقف كيف؟

الشيء الآخر: أن الجميع احتج على توقيعي على بيان للعلويين يتبرأون فيه من النظام مع أني كتبت (مع فصل الدين عن الدولة) لتبيان علمانيتي، غير أنني أحسست أن هذا التوقيع قد يجد صدى في قلوب الناس، فالناس متدينون والاحتقان موجود، وإن كان توقيعي يخفف منه فلم لا… صحيح أنا في النهاية علمانية، ولكن كل كلمة أو فعل لا نقوم به، قد نندم مستقبلاً على عدم فعله، وخاصة إن كان يصب في مصلحة توحيدنا كسوريين.

العلمانيون رفضوا التوقيع بحجة أنهم سوريون أولاً، ولكن خوفهم مما يجري يتم بحسابات أخرى وبأنهم علويون في النهاية ويخافون الانتقام.

الملخص:في التضامن نحن سوريون ومواطنون أولاً.. وفي تبيان هذا التضامن نحن نخاف كطائفيين!!!

هذه المعادلة وكيف ضبطت ما تزال تثير استغرابي.

الأثمان التي دفعها السوريون هناك كبيرة جداً على وجدان أي واحد منا…. وطريقة التعامل الطائفي التي يحاول النظام تكريسها بل وكرسها في الساحل بالفعل، تحتاج إلى فعل سريع وفوري، كي نستطيع تجاوزها، والأخطر هو هذه الدعوات التي نراها اليوم بالانتقام، فهؤلاء المحتجون لم يروا أمامهم سوى القتلة والشبيحة ورجال الأمن الذين يلبسوا لبوسا طائفيا، ويتهمون الآخرين على أساس طائفي بالسلفية والعرعرة… وغيرها من تهم.

وخوف المعارضين أو المؤازين للانتفاضة السورية لم يظهر على السطح للأسف بسبب خوف هؤلاء، هذا الخوف الطائفي بامتياز، فأنا معارض ولكني علوي في النهاية، وسيتم الانتقام مني، من العلويين، كعلوي…..

ومع أننا يجب أن لا نتجاهل أن الشبيحة والمدافعين عن النظام ليسوا فقط من طائفته، وأن هذا يظهر في المناطق التي لا يوجد فيها هذا التمايز الواضح في الطوائف، كالمناطق الشرقية والشمالية وحلب، غير أن خطورة هذه الدعوات توجب علينا عدم تجاهلها، والعمل ضدها، وتبيان الرأي المخالف لها، وهذا يتطلب شجاعة من الجميع تبيان مواقفهم كسوريين أولاً، ومعارضين ثانياً بغض النظر عن طوائفهم.

المشكلة اليوم، أنه إن لم تظهر مواقف صريحة وواضحة من هؤلاء، وإن لم تظهر معارضتهم واستعدادهم لدفع ثمن هذه المعارضة، وأن يشاركوا إخوتهم السوريين معاناتهم بحق وحقيق… فستذهب هذه المعارضة الصامتة أدراج الرياح… ولن تفيد في ساعة ازدياد التوتر الطائفي وبروزه بأشكال عنيفة.

المثقف من الطوائف الأخرى يبدو ثقله أكبر اليوم، بسبب انتمائه لتلك الطائفة، لذلك رأيت أن هناك إشكالية يجب تجاوزها عند التمييز بين خوفنا الطائفي، وانتماءنا الوطني، وأن هناك ضرورة الآن تبدو ملحة للخروج من البوتقة الطائفية وإعلان مواقفنا بغض النظر عن طوائفنا، وتجاوز مخاوفنا الطائفية تلك.. فنحن كسوريين معارضون يجب أن نكون في الشارع.. ولا يمكن تبرير عدم نزولنا بأننا ننتمي إلى طوائف قد تحاربنا لأننا نزلنا.

على السوريين الذين يمتلكوا موقف مما يحدث إن كانوا مع الانتفاضة بشكل صريح أو رافضين للتعامل الطائفي للنظام، أن يبروزا هذه المواقف وأن يحددوا من هم:

هل هم سوريون فعلاً وعلى استعداد للمشاركة في الصالح والطالح مما يجري؟

أم هم طائفيون وعليهم أن يتحملوا نتائج ما تعنيه هذه الكلمة الآن وفي المستقبل.

‘ كاتبة من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى