صفحات العالم

عن مصرع “مصطفى بدر الدين” مقالات مختارة

 

أبعد من مصرع بدر الدين/ حازم صاغية*

كائناً من كان قاتل مصطفى بدر الدين، القائد العسكري في «حزب الله» اللبناني، فالمؤكد أن الرجل سقط على أرض سوريا، وأن من الصعب فصل سقوطه عن تورّط حزبه منذ سنوات في النزاع السوري، إلى جانب بشار الأسد وضد أكثرية السوريين. هذا ما يبقى في النهاية وما يرسخ، بغضّ النظر عن تعدد الروايات والتكهنات التي اتصلت بمقتله.

بهذا يضاف بدر الدين إلى سمير القنطار وإلى جهاد عماد مغنية وقادة آخرين قضوا في سوريا. لكنه يضاف أيضاً إلى قتلى من «حزب الله» بات يُقدر عددهم بما لا يقل عن 1600 عنصر مقاتل قضوا أيضاً هناك، بعضهم في سنوات المراهقة الأولى.

وما يزيد البؤس بؤساً، والألم ألماً، أن الحزب المذكور لا يقاتل في بلده نفسه، ولكنه أيضاً لا يقاتل كدولة غازية لدولة أخرى، بل كطرف ملحق بدولة غازية هي إيران. ومعنى ذلك أنه حتى لو انتصر الحلف الذي ينتمي «حزب الله» إليه، فإنه لن يكون طرفاً أساسياً في المغانم والمكاسب التي تنجم عن النصر. فهو قد يدفع الغرم أكثر مما يفعل أي حليف آخر له، أما حين يصل الأمر إلى الغنم فإن غيره سيكون من يقطف الثمرة. وهذا ناهيك عن أن سواه من يضع الخطط فيما هو الطرف الذي ينفذ بأجساد شبانه الصغار وأرواحهم. بل ليس من المستبعد، والحال على ما هي عليه، أن تصل بنا الأمور إلى وضع يكون «حزب الله» فيه ورقة يطرحها حلفاؤه الكبار على طاولة المقايضات الإقليمية والدولية حين يحين أوان ذلك. وهو احتمال ليس مستبعداً، بل تعززه علاقات التنسيق النامية والمتطورة بين كل من روسيا وإسرائيل، ورفض الأخيرة على نحو مطلق أن يكون لهذا الحزب أي حضور على جبهتها الشمالية الشرقية مع سوريا.

وهذا كله يجيز القول إن «حزب الله» إنما يقدم خدمة مجانية لمصلحة إيران وبشار الأسد. ولكنْ بما أن الكلفة باتت باهظة جداً، بات التساؤل وارداً عن الوجهة المستقبلية لهذا الحزب: فإذا صح أنه لا يستطيع أن يرد لإيران طلباً، وهي التي أنشأته وموّلته وسلحته، بقي أن طاقة البيئة الشيعية اللبنانية على التحمل، وهي التي يُقتل شبانها في سوريا، قد لا تبقى طويلاً مضمونة.

ولا بأس بتسمية الأمور بأسمائها حتى لو بدا ذلك غير مستحب لدى من ينكرون البُعد الطائفي للصراع الدائر. ذاك أن رفضنا هذا البعد واحتجاجنا عليه لا يلغيان ضرورة الإقرار بوجوده وفعاليته.

فالمحنة التي يواجهها «حزب الله» من جراء دوره في سوريا لا تنفصل عن توازنات القوى المذهبية والطائفية القائمة، وعن استحالة تغييرها بالقوة. وإذا أضفنا محنة أكبر باتت تعانيها الطائفة العلوية في سوريا، حيث أدى الصراع إلى مقتل أعداد هائلة من شبانها ويافعيها، بات في وسعنا القول إن ثمة مشروعاً انتحارياً يدفع علي خامنئي وبشار الأسد شبان الأقليات إليه، بما يحرقهم في أتون مطامحهما من دون أن يظهر أي أفق يحمل لهم الأمل والتفاؤل.

وما بين توازنات القوى المذهبية والطائفية، والعجز عن استثمار النتائج أو حتى التحكم بها، سيتكاثر الدم والخراب، كما سيتضح كم أن زعم تحرير الأقليات بالطريقة هذه مكلف وكارثي على الأقليات نفسها، قبل أن يكون كارثياً على الآخرين. فإذا صح أن ثمة أزمة عميقة يواجهها الاجتماع الوطني في بعض البلدان العربية، فالصحيح أيضاً أن ما يجري، بما فيه من توظيف إيراني وأسدي لدماء الضحايا، ليس الطريقة الفضلى لحل هذه الأزمة.

* كاتب ومحلل سياسي – لندن

الاتحاد

 

 

 

اغتيال بدر الدين يفضح مأساة حزب الله السورية/ علي الأمين

فيما تخطو الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما خطوات ثابتة في تعزيز العلاقة مع الحكومة الإيرانية، تستمر الخزانة الأميركية في السير بالخطى نفسها في تنفيذ العقوبات وتشديدها على حزب الله، وفي آخر الإجراءات المالية تتحكم وزارة الخزانة هذه في كل الحسابات المالية في لبنان وفي كافة العملات سواء أكانت بالعملة اللبنانية أم بالدولار، فقد فوجئ حزب الله أخيرا بأن العقوبات لن تقتصر على إغلاق حسابات مناصريه بالعملات الأجنبية، بل تعدى الأمر ذلك إلى التحكم في الحسابات والودائع بالعملة اللبنانية وكان آخرها قبل أيام حيث تم فرض إغلاق حسابين لنائبين لبنانيين من أعضاء حزب الله. ما كان صادما للحزب وقيادته أن البنوك اللبنانية – وقبلها مصرف لبنان المركزي – قالت، ببساطة، لست قادرة على عدم تطبيق أحكام الخزانة الأميركية ولست في وارد مواجهتها، لأني، ببساطة، سأضرب النظام المصرفي اللبناني، القطاع الوحيد الذي بات يشكل الحصن الأخير للاقتصاد اللبناني والسياسة المالية.

تتقدم العلاقات الإيرانية – الأميركية ويتمدد التعاون في أكثر من مجال. العقوبات وإن لم تتم إزالتها بالكامل عن إيران فإن الإشادة بالتزام إيران بشروط الاتفاق النووي فتحت الباب أمام الشركات الغربية والأميركية، من أجل المباشرة أو الاستعداد للاستثمار في إيران، ولا ريب في أن التعاون الإقليمي لا سيما في العراق يجري على قدم وساق، وبثقة غير مسبوقة بين الطرفين، سواء في دعم الحكومة العراقية الحليفة لإيران، أم في تنسيق الخطوات لقتال “داعش” أو عدم قتالها، لا تبرز أي اتهامات متبادلة بين الإيرانيين والأميركيين في هذا الشأن ما يؤكد أن التناغم والانسجام يبدوان شبه كامليْن في العراق.

لم تمض أيام على زيارة مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، إلى بيروت ولقائه أمين عام حزب الله حسن نصرالله، حتى كان اغتيال مسؤول العمليات الخارجية والعسكري المؤسس في حزب الله، مصطفى بدرالدين، مساء الخميس المنقضي في منطقة قريبة من مطار دمشق. ولايتي قدم ليطمئن حزب الله على ثبات الموقف الإيراني من دعم حزب الله، وليؤكد استمرار القتال في سوريا، وعلى أن إيران ستزيد من حشد المقاتلين في سوريا وعلى تخوم حلب، وأنها لن تتخلى عن الرئيس بشار الأسد ولن تدخل في أي تسوية على حسابه.

رسالة ولايتي لم يختف صداها بعد، فتم اغتيال مصطفى بدرالدين بصاروخ أدى إلى مقتله وحده وجرح آخرين. حزب الله الذي اتهم إسرائيل باغتياله، عاد واتهم جماعات تكفيرية بالوقوف وراء العملية، لكن كل المعطيات التي أحاطت بالعملية – وحتى ما نشره الإعلام القريب من حزب الله – أكدت أن طبيعة العملية ودقتها تشيران إلى البصمة الإسرائيلية أو الأميركية، لكن حزب الله أصر على أن الاغتيال نفذته جماعات تكفيرية.

لم يكن اغتيال بدرالدين هو الأول لقيادي ملاحق دوليا؛ فقد سبق أن اغتِيل عماد مغنية في فبراير من عام 2008 في دمشق، ومن المعروف أن بدرالدين متهم من قبل المحكمة الخاصة في لبنان بأنه من ضمن مجموعة خططت ونفذت اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فبراير من عام 2005. وتجدر الإشارة إلى أن بدرالدين ومغنية تربطهما علاقة مصاهـرة، وهما بدآ نشاطهما العسكري والأمني في حركة فتح قبل أن ينضويا في عام 1982 – ومع الخروج الفلسطيني الشهير ذلك العام – تحت الحرس الثوري وكلفا آنذاك بتأسيس القوة العسكرية والأمنية لحزب الله وبتنفيذ عمليات، وقد تردد أن تفجير السفارة الأميركية في بيروت كانت بصماتهما عليه، فيما وقع بدرالدين في قبضة السلطات الكويتية في العام نفسه بعد تورطه في تفجيرات الكويت في ذلك العام.

يمكن القول إن بدرالدين مخزن أسرار كبير وهو أحد المطلعين والمنفذين للعديد من العمليات الخارجية لحزب الله والحرس الثوري، وله دور بارز في إعداد عمليات زعزعة الوجود الأميركي في العراق، وهو منذ نجح في الفرار من السجن الكويتي بعد اجتياح العراق للكويت عام 1990 استعاد دوره تحت إشراف مغنية الذي نجح في الإمساك بمفاصل القرار الأمني والعسكري في حزب الله أثناء مرحلة سجن بدرالدين.

لا يمكن تقبّل فرضية أن اغتيال مصطفى بدرالدين كانت وراءه جهة إيرانية، لكن يمكن القول إن انتقال بدرالدين للقتال في سوريا جعله في موقع تتداخل فيه قوى محلية وإقليمية ودولية؛ فبدرالدين الذي ينسق مع الضباط الروس في الميدان السوري، ينسق حلفاؤه الروس مع إسرائيل في الميدان السوري نفسه. وأيا يكن الأمر فإن اختيار إسرائيل اغتيال بدرالدين ينطوي – بحسب المتابعين لموقف إسرائيل وسلوكها- على محاولة لجر حزب الله إلى المواجهة معها، باعتبار أن إسرائيل تريد أن توجه رسالة قوية لحزب الله تطوي فكرة خطر السلاح الاستراتيجي الذي يملكه حزب الله ويهدد به إسرائيل بين فترة وأخرى.

المهم أن حزب الله لم يتهم إسرائيل، لكن الأهم أنه في تعامله مع قضية بدرالدين وفي مسارعته إلى تبرئة إسرائيل يشير إلى أنه لا يريد خوض حرب مع إسرائيل، وهو يهرب من استدراجها له، لكن الأهم أن عدم رد حزب الله على هذا الاغتيال سيسرّع من عمليات اصطياد العديد من رموزه، وهي بالتأكيد على اللائحة الإسرائيلية. ولكن بمنطق حزب الله اليوم وغدا، كل اغتيال وراءه التكفيريون حتى لو كانت طائرة إسرائيلية هي من يطلق الصواريخ الفراغية القاتلة.

كاتب لبناني

العرب

 

 

 

 

بدر الدين وحوادث الطريق/ وليد شقير

يختصر اغتيال القيادي في «حزب الله» مصطفى بدر الدين المأزق الذي بلغته طهران في سياساتها بالمنطقة، لا سيما في سورية.

وفضلاً عن أن رواية الحزب عن أن «الجماعات التكفيرية» هي التي نفذت الاغتيال لم تقنع الكثير من الأوساط، بما فيها بعض محيط الحزب، فإن الارتباك الذي عبر عنه هذا الاتهام يعود إلى التعقيدات التي باتت تحيط بالدور الإيراني في المنطقة وفي سورية. فالاغتيال ضربة موجعة لإيران قبل أن يكون موجعاً للحزب نفسه. ويصبح هذا الاستنتاج حقيقة ساطعة إذا صحت التقارير التي تحدثت عن أن قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني كان مجتمعاً مع بدر الدين قبل العملية، أو أنه كان سيلتقيه.

في كل الأحوال يصعب النظر إلى هذا الحدث بعيداً من الصورة الأوسع للأحداث التي سبقته ورافقته وتبعته.

فإيران خسرت قبل أيام قليلة منه، في خان طومان في ريف حلب، عدداً كبيراً من العسكريين (اعترفت بـ18 بينهم ضابطان كبيران) وعشرات من أعضاء الميليشيات المتعددة الجنسية التي يديرها «الحرس الثوري»، من بينهم مقاتلون للحزب، ما دفع الإعلام في طهران إلى وصف الموقعة بالـ «كارثة». و «لام» بعض القادة الإيرانيين الروس لأن طيرانهم لم يتدخل لمواجهة فصائل «جيش الفتح». وإذا كان هذا الجزء من الصورة لا يلغي ما سبقه من «نجاح» قوات النظام وإيران في حملة القصف الرهيب والأرض المحروقة ضد مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها، ومئات القتلى من المدنيين الذين سقطوا، وتدمير المستشفيات، فإن الحقيقة القائلة إن لطهران اليد الطولى في سورية ودعم النظام، لا تعني أن انغماسها و «حزب الله» في الحرب السورية سيستمر من دون أثمان باهظة، يستحيل أن تخرج منها سالمة.

على رغم هالة القوة التي اصطنعتها لنفسها بفعل نجاحها في بسط نفوذها في المنطقة على مدى عقود، وجعلتها تهدد أمن العديد من دولها، من المحال أن تتمكن طهران من الحفاظ على تمددها الهجين في الإقليم. هذا من دروس التاريخ القديم والحديث. وإذا كان هذا الاستنتاج نظرياً، فإن الوقائع العملية بدورها لا تخطئ: منذ دخول روسيا المباشر في الحرب السورية باتت إيران أداة من أدوات «الحرب بالواسطة» التي تخوضها موسكو مع واشنطن على النفوذ في ميادين تمتد من البلقان وشرق أوروبا، وصولاً إلى الشرق الأوسط، بعدما كانت تتميز بشطارة صنع الأدوات المتعددة في نشر نفوذها.

تبقى إيران على أهميتها، دولة إقليمية لإمكاناتها حدود في صراع الكبار، وتصبح إذا أرادت التصرف على هواها، عائقاً أمام سعيهم إلى ما يسميه باراك أوباما «السلام البارد» الذي يحكم علاقته بالروس. وهو سلام ينصح حلفاءه «السابقين» الخليجيين بأن يلجأوا إلى مثله مع إيران نفسها. ومن الطبيعي أن تعتبرها الدول الكبرى مشاكِسة على خططها في سورية، فللكبار وحدهم الحق في خرق اتفاق الهدنة، لأن لذلك حساباته الدقيقة في ظل الاتفاقات بينهم، أو لحاجة أي منهم لتبادل رسائل التصعيد.

مأزق القيادة الإيرانية أنها لم تتمكن حتى الآن من تثمير القوة التي أثبتتها، في التسويات السياسية التي تكرس الاعتراف بدورها الإقليمي. وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تحد من أضرار انغماسها في سورية وغيرها. تجيز للحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح الذهاب إلى الكويت للتفاوض ثم تطلب منهم نقض مرجعيات التفاوض. تطلب قيام حكم انتقالي خلافاً لقرار مجلس الأمن، مع حصة وازنة لأقلية في اليمن، وترفض بحث الانتقال السياسي في سورية لمصلحة أكثرية، وفق نص القرار الدولي. تعلي من شأن التنسيق الاستراتيجي مع روسيا في بلاد الشام وتمكنهما معاً من انتزاع إقرار واشنطن ببقاء الأسد، وتشيح النظر عن تنسيق يفوقه أهمية بين القيصر ونتانياهو، وتتجاهل قنوات الاتصال بين النظام السوري والدولة العبرية… تعتدّ بخلاف أوباما مع دول الخليج على دورها الإقليمي، وتحسبه لمصلحتها، وتوظف الانفتاح الغربي عليها بعد الاتفاق النووي على أنه اعتراف بتفوقها، وتقرأ انطلاق التفاوض حول اليمن على أنه نتيجة ضغط أميركي، ثم حين تعرقل مشاورات الكويت تفتح خطوط اتصال خلفية مع واشنطن لتعديل أسس المفاوضات، بالتزامن مع اتهامها الأميركيين بنقض رفع العقوبات عنها، بعد مصادرة أموالها، وتحتج على استمرار عقوبات أخرى لرعايتها الإرهاب وتهديدها الاستقرار الإقليمي، على وقع استمرار حملتها على السياسة الأميركية، وافتخار ضباطها بالقبض على بحارة أميركيين.

قبل أن تجري إيران مراجعة لسياستها لا بد من أن تحصل «حوادث طرق»، في مسار عودتها إلى الانضباط وفق التوقيت الدولي.

الحياة

 

 

 

حزب الله»: بين البلديات والحرب السورية/ حسام عيتاني

يُغلظ «حزب الله» القول للمرشحين إلى المجالس البلدية في جنوب لبنان على اللوائح المستقلة والمنافسة للوائحه. يتهمهم اتهامات غير مباشرة بخدمة المشروع «الإسرائيلي– التكفيري» لمطالبتهم بتولي أمور التنمية والإدارة المحليتين في قراهم. ويستثمر في دعايته ضدهم استثماراً مفرطاً في مقاومته الاحتلال السابق والخطر الحالي الآتي من سورية.

ويكاد ترشح مستقلين، من بينهم علمانيون ويساريون يعلنون أنهم «تحت سقف المقاومة»، يبدو في نظر الحزب شتيمةً مقذعة، هو الذي يخوض حروباً ضروساً على جبهات عدة ولم تمض بعد أيام على اغتيال قائده العسكري مصطفى بدر الدين، فيما يتعرض أنصاره لمضايقات قاسية في المصارف التي أعلنت التزامها بالعقوبات الأميركية على الحزب. هذه العقوبات التي حملت «كتلة الوفاء للمقاومة» النيابية التابعة للحزب على اتهام مصرف لبنان المركزي «بالخضوع للانتداب الأميركي»، ملوحة بأن البلاد قد «تتعرّض لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء».

أمام الحرب في سورية والعقوبات المصرفية، تأتي لوائح المستقلين همّاً إضافياً على هموم الحزب الذي لا يبدي ارتياحاً لإصرار هؤلاء المرشحين على نكران جميله الماضي والحاضر. ثمة تفسيرات عدة لتمسك «حزب الله» بالفوز في الدوائر البلدية التي يكثر فيها أنصاره، منها رغبته في إضفاء السمة القانونية للهندسة الاجتماعية والاقتصادية التي يجريها في مناطق سيطرته حيث تشهد الأجواء في مناطق الجنوب خصوصاً (والبقاع بدرجة أقل) ظهور أشكال جديدة من الممارسات الاجتماعية والثقافية وتبدل في العادات والتقاليد التي يكرسها الحضور الطاغي للحزب في نواحي الحياة كافة. هذا إلى جانب تعزيز قبضته المالية على مداخيل البلديات التي سيتعين عليها تخفيف أي آثار مالية قد تنجم عن العقوبات المصرفية أو انحسار الدعم المالي الإيراني.

لا تُلهي اعتراضات داخلية محلية وضيقة الحزب عن الاهتمام بالساحات الحقيقية التي تشهد رسم مستقبله ودوره العابر للحدود اللبنانية المتهالكة. من يُريد أن يعرف حجم رهانات «حزب الله» وتصوره لنفسه وموقعه، عليه التمعن في صور المراسم العسكرية التي أجراها لقائده بدر الدين في مقام السيدة زينب قرب دمشق (وظهرت واحدة منها على صدر الصفحة الأولى من «الحياة» أمس).

لعل الصور هذه هي أهم ما أنتجه إعلام الحزب منذ انخراطه في الحرب السورية. هي التعبير «المشهدي» للموقع الذي وصل إليه «حزب الله» في المنطقة. وليست مبالغة القول إن الصور هذه تشكل جزءاً من الرد الذي باشره الحزب على اغتيال بدر الدين. وهي رسالة إلى الجهة أو الجهات التي أمرت بتنفيذ الاغتيال تقول إن الحزب جزء من المعادلة الإقليمية للحرب والسلام في سورية وفي غيرها، وإن اغتيال واحد من مسؤوليه، حتى لو كان على مستوى القيادة، لن يخرجه من الخريطة التي تُرسم للمنطقة، فالحزب خرج من لبنان ومن سياساته الصغيرة والسخيفة وبات يتعامل معه كساحة خلفية ينبغي عليها أن تؤمن إمداده بالمقاتلين الجدد وأن تُسخّر لخدمة مشاريعه الكبيرة والمكلفة.

من هذه الزاوية، تبدو لوائح المرشحين المنافسين إلى الانتخابات البلدية في الجنوب وإجراءات مصرف لبنان المركزي والأصوات المعترضة على المسار الذي يجذب الحزب لبنان إليه، مجرد مشاغبات ومناكفات لا يدرك أصحابها حجم الخطر الذي يحيط بهم أولاً وبالحزب ثانياً ومعاني الرهانات التي باتوا جميعا، شاؤوا أم أبوا، أحجاراً في لعبتها الغامضة والدموية.

الحياة

 

 

 

من الذي قتل القائد العسكري لـ«حزب الله» في سوريا؟

رأي القدس

اعتاد جمهور «حزب الله» نسبة كل ضربة يصاب بها الحزب إلى إسرائيل، فالصراع الاستخباراتي والعسكري بين الجهتين معلوم، واستمرّ لسنوات طويلة، وكانت حرب تموز/يوليو 2006 نقطة رئيسية فيه.

ضمّت قائمة الاغتيالات شخصيات كبيرة مسؤولة عن الجانب العسكري والأمني للحزب كان على رأسها عماد مغنيّة، القائد الشهير، الذي قُتل في دمشق عام 2008.

جرت بعد ذلك عدة ضربات موجعة لقادة آخرين هم حسان اللقيس الذي تمت تصفيته، بحسب مصادر الحزب، بعملية أمنية عام 2013، وجهاد مغنية، الذي قتل برفقة جنرالات إيرانيين عام 2015 بغارة جوّية إسرائيلية، وسمير القنطار الذي اغتيل في الشهر الأخير من العام نفسه في منطقة جرمانا القريبة من العاصمة السورية.

حظي مقتل مصطفى بدر الدين، صهر عماد مغنيّة، والقائد العسكريّ المخوّل إدارة الجبهة السورية، الثلاثاء الماضي، بداية، بالإعلان المعهود من الحزب عن مسؤولية إسرائيل، لكن نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم طلب إمهال التنظيم ساعات لتبيّن الأمر، ثم تبع ذلك صدور بيان جديد للحزب يوم السبت الماضي اتهم «التكفيريين» (من دون تحديد أي جهة منهم بالتحديد) بقتل بدر الدين بقصف مدفعي.

البيان الأخير كذّب عمليّاً ما ذكرته صحيفة تابعة للحزب نشرت تقريرا تحدثت فيه عن أن بدر الدين قتل بصاروخ موجّه شديد التطور يعمل «وفق آلية تجعل منه أقرب إلى القنبلة الفراغية»، واستند تقرير الصحيفة إلى أن القتيل لم تبد عليه الإصابات التي تنتج عن انفجار بل مجرد نزف في الأنف والعينين.

تغيير إفادة الحزب عن المتسبّب بقتل بدر الدين والبلبلة التي أثارها تقرير الجريدة المذكورة ساهمت في نشر الغموض وخصوصا بسبب التناقض في روايات الحزب، ومنها أن انفجاراً ضخماً وقع في مكان الحادث، ثم تم تغيير الرواية بالحديث عن قذيفة، وكذلك ما ذكره عن مقتل القائد العسكري وحده رغم وجوده مع مجموعة من المقاتلين.

وإذا عطفنا هذه المعلومة على أن أقرب نقطة للمعارضة السورية تبعد 8 إلى 10 كيلومترات عن موقع الاغتيال، وهي لا تملك عملياً مدافع تصل إلى هذا المدى، إضافة إلى ضرورة أن يملك القاصفون الإحداثيات الدقيقة تماماً لموقع يُفترض أن يكون فائق السرّية، نكون قد وقعنا على معادلة بعدّة مجهولات لا يمكن للفرضيّات العسكرية وحدها أن تحلّها.

للأسباب الآنفة فإن حلّ شبكة الألغاز يمكن أن يكون سياسيّاً وليس أمنيّاً فحسب، وتقع في صلب هذا الحلّ وقائع مهمّة جدّاً.

أول هذه الوقائع هو اختلاف الأولويات في الاستراتيجيات الثلاث للنظام السوريّ وحليفيه الروسيّ والإيراني، والذي كان إعلان انسحاب جزء من القوّات والطائرات الروسية بعضاً من علاماته، والذي تبعه، مباشرة، نقل وحدات من «الحرس الثوري» الإيراني وبعض الميليشيات التابعة له إلى سوريا كشكل من أشكال التعويض العسكري الذي يؤكّد على اختلاف واضح في رؤية البلدين المختلفين أيديولوجيا وعسكرياً وسياسيا، كما تدخل فيه ما يتمّ تناقله أحياناً من خلافات بين «حزب الله» وقادة النظام، والتي كان «ترفيع» ماهر الأسد أحد حلقاتها، وما يقال عن وجود سجون «شيعيّة» في سوريا تمارس أوامر اعتقالاتها وطقوس تعذيبها الخاصة التي لا تتقاطع بالضرورة مع مصالح أجهزة النظام.

ويجيء استهداف إسرائيل المتكرر والناجح لقادة «حزب الله» رغم وجود منظومة الدفاع الصاروخي إس 400 الروسية ليرفع سقف الأسئلة ويوسّع شقّة الخلافات بين الأطراف الثلاثة، كما أنه يوجّه الشكوك على وجود تنسيق أمنيّ للروس (أو للطرف المقرّب منهم داخل النظام) مع الإسرائيليين يوفّر الإحداثيات لعمليات الاغتيال.

أيّا كانت الأجوبة على شبكة الألغاز فالحقيقة التي تكشفها وقائع الاغتيالات المتتالية هذه أن قادة «حزب الله» ليسوا آمنين على أرواحهم داخل سوريا وهذا يوضح عمق المأزق الذي أوقع الحزب اللبناني نفسه فيه.

 

 

 

 

بدر الدين: ضحية أخرى على مذبح اغتيال الحريري؟!/ محمد مشموشي

رغم أهمية ما قيل وكُتِب عن مقتل القيادي الأمني في «حزب الله»، مصطفى بدر الدين، بخاصة عن تهافت الرواية التي تبناها الحزب حول عملية اغتياله، مرة تحت عنوان حدوث «انفجار كبير» في الموقع الذي كان فيه، وأخرى عن «قذيفة مدفعية» أطلقتها جهة وصفت بـ «التكفيرية» فأصابت المكان وأدت الى مقتله، تبقى في مجال التحليل أيضاً مسألة لم تعتن بها كثيراً التعليقات والكتابات حول العملية: إجراءات النظام السوري على مدى أعوام لإخفاء أو تصفية أو «نحر» كل من له صلة، أو حتى يملك معلومات عن جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، والدور الذي قام به نظام بشار الأسد ونظام «الولي الفقيه» الإيراني علي خامنئي فيها.

وقد تكون لأطراف كثيرة، أميركية أو فرنسية أو حتى غيرها، مصلحة في الانتقام من بدر الدين، لما له من تاريخ أمني ضد أهداف أميركية وفرنسية بين لبنان وسورية والسعودية والكويت، لكن مصلحة نظام الأسد (وربما ايران) في التخلص منه، وحتى من كل أو بعض رفاقه الذين يحاكمون معه غيابياً أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لا تقل أبداً عن مصلحة تلك الأطراف بخاصة في الفترة الحالية التي يمر فيها النظامان وعلاقتهما بالمجتمع الدولي، وبواشنطن وباريس تحديداً.

لماذا؟ أقله لأن إمكان الوصول الى بدر الدين حيث يقاتل في سورية الى جانب النــظام، بالتالي اعتقاله ثم تقديمه الى المحـكمــة مع ما لديه من مــعلومات حول مَنْ قرّر اغتيال الحريري، سيشكل ضربة قاتلة ليس للنظامين في دمشق وطهران وحدهما، إنما للحزب أيضاً فيما تزداد وتتسع شـــباك حصاره ســياسياً وأمنياً ومالياً في كل مكان من العالم تقريباً.

فليس غريباً أن يكون نظام الأسد يعرف كيف تمكّنت أجهزة المخابرات والقوات الخاصة الأميركية من ملاحقة واعتقال العديد من قادة ومسؤولي «داعش»، داخل العراق كما في سورية في المدة الأخيرة، وكيف استفادت من الاعترافات التي انتزعتها منهم في حربها ضد التنظيم في البلدين والمنطقة. ولأنه يعرف تحديداً تاريخ بدر الدين مع واشنطن وقواتها ومصالحها، إن في بيروت أو في الخُبَر السعودية أو في الكويت… وربما يملك من المعلومات ما يجعله يعرف دقائق ملاحقته أميركياً تمهيداً لاعتقاله، فلن يكون مفاجئاً أن يقدم نظام الأسد على تصفيته قبل وصول الأميركيين إليه، بالتالي إطّلاعهم منه على دور الأسد في اغتيال الحريري، وربما في اغتيال غيره.

عملياً، لا مبالغة في هذا الأمر. اذ تخلّص نظام الأسد حتى الآن، كما بات معروفاً، من أحمد أبو عدس الذي جعله بطل اغتيال الحريري باسم منظمة سلفية إسلامية. ثم أخفى بعد ذلك عميلاً له كان مكلفاً متابعة سير الاغتيالات اللاحقة في لبنان (ظهر علناً في منزل جورج حاوي بعد اغتياله، ثم على شاشة تلفزيون دمشق ليردّد أقوالاً تبرّئ النظام) هو هسام هسام. ثم أعلن «انتحار» وزير داخليته غازي كنعان بعد أنباء عن احتمال إدلائه بشهادة أمام المحكمة، وصولاً في النهاية الى قتل قائد جهازه الأمني في ريف دمشق (رئيس مخابراته في لبنان إبان اغتيال الحريري) رستم غزالي، بعد مقتل صهره آصف شوكت الذي وُصِفَ على الدوام بأنه مهندس الجريمة وراعي جهاز الأمن السوري- اللبناني فيها.

ليس ذلك فقط، بل إن بدر الدين ورفاقه الذين لم يمثُلوا أمام المحكمة، والذين قال عنهم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ان المحكمة لن ترى وجوههم لا بعد عام ولا بعد ثلاثين عاماً ولا حتى بعد ثلاثمئة عام، يشكّل كل منهم (وبدر الدين في المقدمة) صيداً ثميناً لكل دول العالم وأجهزة استخباراتها فضلاً عن منظمات حقوق الإنسان التي تطالب بمحاكمة النظامين في دمشق وطهران بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

فتاريخ الرجل، مع رفاقه هؤلاء كما مع غيرهم في لبنان وسورية والكويت والبحرين، يبدأ مع انطلاق الثورة الإيرانية في السبعينات، ومن ثم مع كل ما قام به نظامها وعملاؤها منذ ذلك الحين على صعيد خطف الأجانب في لبنان، أو تفجير الطائرات المدنية في الخليج، أو مواقع وجود القوات الأجنبية ومحاولات الاغتيال في أكثر من بلد عربي.

لذلك، بينما يحاول نظام «الولي الفقيه» الإيراني أن يدخل الى الأسرة الدولية من ناحية، كما هي حاله بعد الاتفاق النووي مع دول 5+1، ويحاول نظام الأسد من ناحية ثانية أن يتفادى إحالته على محكمة الجزاء الدولية على جرائمه الموصوفة ضد الشعب السوري، لا يجوز التقليل من أهمية اتخاذ قرار بإسدال الستار على تاريخ الرجل… ولا قبل ذلك وبعده إغفال هوية وطبيعة الجهة التي اتخذت هذا القرار.

لا يعني ما سبق عدم التساؤل عن تهافت الرواية حول مقتل بدر الدين، ولا كذلك حول تولي الحزب من دون النظام السوري، أو حتى الايراني المعني مباشرة به كما كانت حاله مع سلفه عماد مغنية، التحقيق في الأمر.

لكن جريمة اغتيال رفيق الحريري التي وصفها مجلس الأمن بأنها «إرهابية» وقرر إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة مرتكبيها والذين يقفون وراءها، تبقى في مقدمة ما ينبغي أن تأخذه التحليلات في الاعتبار عندما تناقش مقتل الرجل (وحده أو مع رفاق له؟) على بُعد كيلومترات قليلة من مطار دمشق.

ولمثل هذا الاعتبار منطقه وتاريخه المديد مع نظام آل الأسد منذ أكثر من أربعين عاماً… في داخل سورية، كما في طرابلس بلبنان، وصولاً الى البرازيل.

الحياة

 

 

 

اغتيال بدرالدين: “حزب الله” يتبع التمويه الإسرائيلي/ حسان الزين

يغرق معظم الخطاب المعادي لـ”حزب الله” بالشعبوية، وقد استهوته السطحية والشخصانيّة تجاه الأمين العام حسن نصرالله خصوصاً. والنتيجة، في الغالب، عجز عن مواكبة الأحداث والنفاد إلى ما هو أبعد من الظاهر بعين واحدة، بل عجز عن مجاراة “حزب الله” وسياسته وخطابه، وهو المتصل بمركز قرار دولي إقليمي ناشط في المحافل والأروقة والكواليس والدراسات والتحليل وفي الميدان والواقع عموماً، إضافة إلى ما لديه من عدّة متابعة ورصد ودراسة وتحليل.. وقرار.

هكذا، وقف الخطاب المعادي للحزب عند “تبرئته” إسرائيل من اغتيال مسؤوله العسكري الأمني مصطفى بدرالدين. وقد “قرأ” فيها جبناً تجاه “العدو الحقيقي” وتغييراً لبوصلة المقاومة من قبلة القدس إلى سوريا والمعارضة و”الجماعات التكفيرية”. وشهدنا في هذا الإطار مهرجاناً راوحت فيه “التحليلات” بين المزايدة القوميّة على “حزب الله”، وبين الاحتفاء بغرق الحزب في المستنقع السوري والإقليمي، ما يجعله عاجزاً عن الرد وحتّى عن توجيه الاتهام إلى العدو.

البؤس هذا حال دون القراءة السياسيّة بين سطور الحدث وبياناته وتصريحاته ومعلوماته الاستخباريّة وحتّى التحليلات الصحافيّة المرافقة، على الضفتين الحزبيّة والإسرائيليّة. فلم يقرأ الخطاب القشري، مثلاً، احتمال تغيّر اللعبة بين “حزب الله” وإسرائيل، في حرب الاغتيالات والإعلان عن المسؤوليّة والاتهام والرد.. وما يستتبع ذلك.

وإذا كان “العرب لا يقرأون”، كما نكرر ويكرّر الإسرائيليّون منذ عقود، فإن الإسرائيليين المعنيين بالأمر يقرأون، وإعلامهم ينشر. وقد قرأ بعض الإسرائيليين في عدم اتهام “حزب الله” إسرائيل باغتيال بدرالدين عدم تبرئة كليّة لها، بل قرأ فيه رداً مناسباً إذا ما كانت إسرائيل هي الفاعل المموه. ففي عدم الاتهام، وفق القراءة الإسرائيليّة تلك، إشارة من الحزب إلى أنّه تلقّى الرسالة الإسرائيليّة وردَّ بمثلها. ما يوحي إلى أنه يتبع الأثر الإسرائيلي المموّه بخطوات سريّة. وذلك يعني أن “حزب الله” احتفظ بحق الرد على الاغتيال في “المكان والزمان المناسبين”، ويعني أيضاً، وأولاً، أنه فهم الإشارة الإسرائيليّة وحلل وقائع الاغتيال ومسح البصمات الإسرائيليّة فيه، وتصرّف وفق المقتضى وبما يناسب واقعه السوري واللبناني وحركته العسكرية والأمنية والخطابيّة والشعبيّة أيضاً (التركيز على سوريا وحربها).

إذا صحَّ هذا التحليل الإسرائيلي يكون الحزب قد نجح في القراءة وفي الرد أو بداية الرد. ومترتّبات ذلك، أن “حزب الله” سيرد بطريقة “مموهة”. وفي ذلك تغيير لقواعد الاشتباك وفتح للجبهة الاستخباريّة والنفسية قبل العسكريّة. وكأن “حزب الله” لا يريد، الآن، الحرب المعلنة مع إسرائيل، ويريد الأبقاء على قواعد الاشتباك الحدودي الحاليّة. وما قول نصرالله للإسرائيليين “إذا امتدت يدكم إلى أي مجاهد من مجاهدينا سيكون ردنا مباشراً وقاسياً وخارج مزارع شبعا، وبكل وضوح، وأيا تكن التبعات”، سوى سطرٍ واضح من هذه المعادلة، التي يقرأها الإسرائيليّون ويستعدّون لترجماتها، بينما عندنا نتلهّى بالخطاب الشعبوي.

المدن

 

 

 

 

حزب الله” بعد بدر الدين… دم جديد؟/ موناليزا فريحة

بقدر ما انشغل الإعلام العربي والغربي بسيناريوات مفترضة عمن يقف وراء اغتيال القيادي في “حزب الله” مصطفى بدر الدين، كانت التبعات المحتملة لمقتله على الحزب وخصوصاً دوره في سوريا، محوراً لتكهنات كثيرة أيضاً، نظراً إلى الدور الرئيسي الذي كان يضطلع به هناك. وقد نقل الحزب عنه قوله إنه لن يعود من هناك إمّا محمولاً وإما حاملاً راية النصر.

في المشهد العام ثمة إجماع على أن مقتل قيادي بحجم بدر الدين يشكل ضربة قوية للحزب. فالرجل الذي عرف باسماء كثيرة وبقي شبحاً لا يمكن تعقبه لا بالنسبة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فحسب، وإنما أيضاً لمقربين من الحزب، نشط في صفوف الحزب على أكثر جبهاته سخونة، وسجل له أهداًفاً كبيرة في مرمى خصومه، من المصالح الغربية في دول الخليج الى أهداف إسرائيلية في أوروبا وأميركا اللاتينية، مروراً بقلب بيروت وجنوب لبنان، وصولاً أخيراً إلى الجبهة السورية.

فبعد مقتل القيادي عماد مغنية في انفجار في دمشق، رقّي بدر الدين إلى منصب رئيس عمليات “حزب الله”، التي تشمل الجماعة في الخارج. ومنذ انخراط الحزب في النزاع السوري، أشرف بدر الدين على عملياته، بدءاً من المعركة الأولى في القصير ولاحقاً مع تحول التدخل من مهمة لحماية المزارات الشيعية إلى التزام تام في المعارك دفاعاً عن النظام السوري.وليس مقتله في محيط دمشق إلا تأكيداً لدوره هذا.

من هذا المنطلق، يبدو بديهياً القول إن مقتل بدر الدين سيكون له أثر كبير على التزام الحزب مهمته في سوريا. هذا إضافة إلى تأثيره على مستوى العلميات في ميادين أخرى نظراً إلى الدور الذي اضطلع به في المسيرة العسكرية للحزب.

وكان الزميل علي هاشم أكثر دقة في تحديد التغيير الذي سيطرأ على الحزب بعد مقتل بدر الدين. وقال في موقع “المونيتور” إن التأثير الكبير على القيادة العسكرية لـ”حزب الله” سينجم تحديداً عن أنها المرة الأولى تكون ثمة قيادة من خارج أسطورة بدر الدين ومغنية. وهو ينقل عن مصدر قريب من الحزب أن هذه فرصة لضخ دماء جديدة في جسد الحزب، مع إقراره بأن أمراً كهذا سيكون له أثر مختلف في سوريا.

ليست المرة الأولى يخسر “حزب الله” قيادياً رفيع المستوى خارج جبهته الرئيسية المفترضة مع إسرائيل. وبعدما استنزفت الجبهة السورية الكبار، يبدو انه بات مضطراً الى ضخ دماء جديدة في حرب تورّط فيها ولن يحصد فيها إلا مزيداً من الدماء.

النهار

 

 

 

جرسا إنذار لـ “حزب الله”/ عبد الوهاب بدرخان

اغتيال القيادي في “حزب الله” مصطفى بدر الدين، مثل اغتيال قائده السابق عماد مغنية، عمليتان استخباريتان مسرحهما دمشق، معقل النظام السوري حليف ايران و”الحزب”. العملية الأولى في 2008 كانت على غموضها أكثر وضوحاً، إذ لا يُتصوَّر قتل مغنية ببساطة من دون أن يكون هناك تواطؤ مع جهة محلية نافذة، لكن ظروف قتل بدر الدين اختلفت جذرياً بسبب وجود ايراني كثيف ومهيمن حتى على الأجهزة السورية والاختراقات المحتملة في صفوفها. هذه المرّة استشعر “حزب الله” أنه هو المستهدف وليس أحد قادته المطلوبين دولياً فحسب، وتكمن الصعوبة في أنه بات الآن يشك بالجميع، القريبين والبعيدين. لعل الأصعب أن يتهم “التكفيريين” في اعلان لم يقنع أحداً، ولا حتى كاتبيه، فضلاً عن اتهام “المشروع الاميركي – الصهيوني – التكفيري” كصيغة مطاطة تساعده فقط على تبرير هشٍّ لاستمراره في حرب تمعن في استنزافه.

صحيح أن “حزب الله” يدين بوجوده لايران وللنظام السوري، وأنه برهن قدراته التنظيمية والقتالية، لكن الترسانة المعنوية التي راكمها من قتاله ضد اسرائيل تآكلت وانهارت في سلوكه داخل لبنان ثم داخل سوريا وسواها.

وإذا كان مقتل قادته في ساحة الحرب يشحذ اصراره على عدم التراجع، فإن مقتل بدر الدين شكّل له جرس انذارٍ ليس مؤكداً أنه سيوقظه من التهوّر الذي انزلق اليه، فخياراته محدودة سورياً في اطار ما يرسمه “المرشد”، أما خياراته اللبنانية فيراها دائماً متاحة ومفتوحة طالما أنه يمارس الاغتيال والترهيب، وطالما أن لديه حلفاء مستعدّين لتغطيته. ثمة قصر نظر في اقتناع كهذا، والأخطر أنه يدفعه الى الاعتقاد بأنه عندما تحين عودته من سوريا سيكون الوضع الاقليمي للبنان قد تغير على نحو يناسبه، أو أنه في أسوأ الأحوال سيعود ليقولب البلد بما ينسجم مع أهدافه. أي أنه موقن بأن “جمهوره” سيبقى قطيعاً مطيعاً، ما يمكّنه من مواصلة عدم الاعتراف بالجمهور الآخر الذي عارضه ويعارضه سلمياً في السياسة كما في الحرب القذرة التي ذهب اليها.

من خيارات “القولبة” المبكرة أن يرفع “حزب الله” صوته ضد الحكومة والمصرف المركزي وأصحاب المصارف بسبب الاجراءات المالية الاميركية التي بدأ تطبيقها ضدّه، وهي جرس انذار آخر. فما الذي يأمل به، أن تتمرّد المؤسسات على تلك الاجراءات فتعطّل اقتصاد البلد المشلول أصلاً، أو أن يصبح لبنان مثل ايران دولةً غير قادرة على اصدار “شيك” من خارج النظام المالي والمصرفي، أو أن يحذو لبنان وهو لا ينتج نفطاً حذو ايران في التفافاتها على العقوبات لبيع نفطها؟ استهان “الحزب” بتلك الاجراءات رغم أن اقرارها استغرق وقتاً طويلاً، ولعله اعتقد أن مصادرته للدولة و”فائض القوة” الذي يُظهره وامكاناته الترهيبية قد تردع الاميركيين أنفسهم. الواقع أن التضييق المصرفي عليه وعلى جمهوره قد يدفعه الى أسوأ السيناريوات التخريبية.

النهار

 

 

 

 

من اغتال بدر الدين ولماذا؟/ أسعد حيدر

إعلان «حزب الله» مقتل مصطفى بدر الدين، بقذيفة مدفعية أو أكثر، أثار دهشة واستغراب شباب الحزب المقاتلين قبل غيرهم من اللبنانيين المجربين في الحروب العديدة التي عاشها لبنان. المدفعية لا تغتال باختصار شديد. مقاتل مجرّب بحجم تجربة مصطفى بدر الدين، لن يجلس على الشرفة ليتأمل مطار دمشق. في اللحظة الأولى للقنبلة الأولى، سيجد ممراً أو أكثر للابتعاد عن الخطر. فلماذا إذن اختار الحزب هذه الرواية عن اغتيال واحد من أبرز قادته منذ تأسيسه حتى اليوم؟

بعيداً من المواقف المسبقة أو الطبيعية في مواجهة شخصية مثل مصطفى بدر الدين، التي يتطلب التعامل معها معرفة أي «طبقة» من طبقاته المتعددة يتم الحديث عنها، فإن عملية اغتياله ليست «ابنة» ساعتها، ولا هي صدفة، ولا فيها شيء من الحظ. إنها عملية معقدة جداً، جرى تحضيرها بعناية ودقة وتخزين لمعلومات، ومتابعة يومية لفترة طويلة. واحدٌ مثل بدر الدين لا يمكن أن يكون له مقر واحد، ولا حتى مقر يرتاده لمرات عديدة. أي خطأ في ذلك، يكون الأول والأخير. لذلك يمكن القول من دون مبالغة، إن اغتيال بدر الدين من عمل جهاز أو عدة أجهزة، تابعته بدقة، لكل واحد منها علاقة تدفعه إلى الانخراط في العملية. لا شك في أن شخصية مثل مصطفى بدر الدين، وبكل تاريخه الطويل من العمل الميداني المتعدد الأهداف، تجمع ولا تفرق حتى بين الأعداء، فكيف بالحلفاء أو الذين اعتادوا التعاون الميداني لاغتياله؟!.

بداية، فإن الرواية بأن الجنرال قاسم سليماني كان يعقد اجتماعاً عسكرياً مع مصطفى بدر الدين، ليست رواية وإنما واقعة، وهو خرج قبل دقائق من الاغتيال. من الطبيعي جداً، أن يجتمع سليماني بالقائد الميداني الدائم، خصوصاً بعد هزيمة طومان الدامية للإيرانيين قبل غيرهم. السؤال هل كان سليماني مستهدفاً؟ وهل نجا بالصدفة البحتة؟ لا شك في أن «الكارثة» كانت ضخمة، لو أن سليماني قُتل مع بدر الدين. مثل هذه العملية كانت حدثاً يصوغ مفترقاً عميقاً لتحولات ضخمة في «الحرب السورية». طبعاً مثل هذا الحدث يجيز السؤال حتى لو كان ضعيفاً: هل لعب سليماني دوراً في تصفية «يده» اليمنى؟! الأرجح كلا. لأن سليماني ومعه إيران و«حزب الله« هم الخاسرون.

السؤال الطبيعي الثاني، هل النظام الأسدي هو «القاتل» أو «شريك القتلة»؟ لا شيء مستبعداً. بشار الأسد متضرر مستقبلياً من وجود مصطفى بدر الدين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قبل بدر الدين، تم اغتيال عماد مغنية بطريقة أكثر انكشافاً. لأنها للتذكير، جرت على بعد 75 متراً من مكتب آصف شوكت، الذي سقط أيضاً في عملية اغتيال، يدور حولها ألف سؤال وسؤال، عن دور «بيت الأسد» في قتل «الصهر». الأسد ونظامه الأمني اعتادا تقديم «الهدايا» الأمنية من وقت الى آخر، خصوصاً كلما تطلب الأمر «مقايضة» ملحة.

في حالة مصطفى بدر الدين، يبدو الأسد مديناً لـ»حزب الله«، فكيف يؤذيه في موضع حساس له عسكرياً وجماهيرياً؟

بشار الأسد يتعاون مع إيران والحزب من موقع المحتاج والضعيف. لكن بحسب الأنباء الواردة من دمشق، فإنه يشكو مع أركانه، تدخلات إيرانية، حتى في الشؤون والقضايا الصغيرة التي لا تعنيهم ميدانياً. الحضور الإيراني بعكس الحضور الروسي ثقيل، وفي مجالات عديدة، منها الداخلي الحساس. يعرف الأسد، أن إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وإن كانت بدرجات، لا تريد إيران والحزب حاضرين بهذه القوة، مهما كانت الحاجة لهما ضخمة. لذلك إضعافهما، يمنح الأسد حضوراً إيجابياً في العواصم الثلاث. يستطيع مقايضته بتقديمات سياسية وميدانية عديدة. لا شيء يحول أو يمنع شراكة الأسد مع عواصم الدول الثلاث، مجتمعة أو منفردة، في تقديم الخدمات لها، خصوصاً أن كلاً من هذه العواصم لها حساباتها الكثيرة مع مصطفى بدر الدين (شارك أو نظم عملية خطف أو قتل ديبلوماسيين روس في بيروت قبل سنوات عديدة، والروسي لا ينسى قتلاه كما يُقال).

قيادة «حزب الله« تعلم جيداً كيف اغتيل مصطفى بدر الدين. مجرد تحديد خريطة الاغتيال، يمكن بسهولة الإضاءة بقوة على المخططين والمنفذين. الحزب ابتعد عن اتهام إسرائيل لأول مرة في تاريخه، لأنه إن اتهمها، اضطر للقيام بعملية ثأرية ولو محدودة، وهو في مرحلة لا تسمح له بذلك. مثل هذا الاتهام يتطلب مثلاً، إلغاء الانتخابات البلدية في الجنوب الأحد القادم.

مرة أخرى، يتأكد أن كل خطوة الى الأمام في «المستنقع» السوري، تصبح خطوات الى الوراء في قضية فلسطين. لا يمكن الجمع بين القضية الفلسطينية والحرب في سوريا والأسد. الشراكة واضحة جداً. لذلك الجرح عميق والصمت طاغٍ.

*نقلاً عن “المستقبل” اللبنانية

 

 

 

كأن “حزب الله” فقد توازنه حين تلقّى ضربة مقتل بدر الدين؟/ ابراهيم بيرم

ربما هي المرة الاولى في تاريخه يعلن “حزب الله” حاجته الى اربع وعشرين ساعة لتحديد كيفية سقوط احد ابرز قيادييه في ميادين المواجهة المتنوعة التي يخوض غمارها، واستطرادا ربما للمرة الاولى لا يبادر الحزب الى توجيه اصابع الاتهام الى عدوه التاريخي اسرائيل ويحمّلها تبعة مقتل قائد بحجم مصطفى بدرالدين وتجربته العميقة كما حصل صبيحة يوم الجمعة الماضي.

هذا المستجد المدوّي وما اكتنفه من غموض اغرى مروحة اعداء الحزب باطلاق العنان لحبل التحليل والتأويل وشجعهم على المضي قدما في خلق اجواء من التشكيك واثارة اسئلة عن ظروف سقوط هذا القيادي التاريخي في الحزب، وبالتالي اطلاق موجة من التشكيك في رواية الحزب الرسمية لطريقة سقوطه بالقرب من دمشق والتي حمّل فيها المجموعات التكفيرية المسؤولية عن قتله.

حملة التشكيك والروايات المتناقضة مصدرها ثلاث جهات بغايات متنوعة ولكن بهدف اقصى يوشك ان يكون حصريا :ان الحزب في حال إرباك وتردد نتيجة وطأة الضربة التي تلقاها.

الاعلام الاسرائيلي المحترف والمتخصص دخل على خط القضية ليلقي الضوء على امر اساسي يريده ان يمسي مع الوقت مسلّمة وهي ان استنكاف الحزب هذه المرة عن توجيه تهمة قتل هذا القيادي الى تل ابيب ينطوي على رغبته في التهرب من مسألة فتح باب مواجهة عسكرية حتمية معها اذا ما هو اقدم على توجيه الاتهام اليها، لان اضافة عملية قتل هذا القائد الى قائمة “الحساب المفتوح” المؤجل لم تعد مقنعة خصوصا لقاعدته من جهة، ولم تعد تدرج من جهة اخرى الا في خانة العجز عن الرد العقابي الذي ينبغي ان يكون معادلا لحجم الجريمة لا مجرد بعث رسائل في صندوق البريد المعتاد اي في مزارع شبعا المتنازع عليها، خصوصا ان الرد على جريمة اغتيال القائد سمير القنطار كان وكأنه لم يكن نظرا الى محدوديته وتواضعه. وهكذا ضرب العقل الاسرائيلي على وتر حساس وهو ان مخيلة الحزب باتت عاجزة عن اجتراح افكار واعمال للرد، الامر الذي يصب في خانة الهدف الاساسي الذي تريد اسرائيل ان تبلغه وهو ان يأتي حين من الدهر يمتنع فيه الحزب عن الرد عليها وعلى تحدياتها ومحطات الاختبار المتكررة له في اماكن متعددة ومناسبات متكررة.

اما الاعلام الخليجي الذي ينطق بلسان عقل سياسي قرر منذ زمن رفع وتيرة المواجهة مع الحزب الى اعلى ذراه، فقد ولج عتبة المسألة من باب مختلف قوامه الآتي: ان الحزب فقد شبكة الامان في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا وبات في وضع العاجز عن اتقاء الضربات التي تنهال عليه من جهات شتى وتستهدف خيرة كوادره وقادته. وهذا يعني انه بات في ارض غير صديقة او على الاقل في ارض متحركة وغير حاضنة يسهل على اعدائه اختراقها، وهو كلام يقود الى كلام آخر فحواه ان اهتراء اصاب مناطق النظام فجعلها غير مأمونة.

في الداخل اللبناني كان لخصوم الحزب مدخل ثالث الى أبعاد الحدث ودلالاته، وجوهره ان الحزب يوشك ان يخسر خلال الاعوام الثلاثة التي انقضت على ولوجه الميدان السوري المشتعل كل كادره العسكري المخضرم المحترف والذي لا يعوض بسهولة. فبدر الدين هو ثالث ثلاثة قادة فقدهم الجسم المقاتل للحزب خلال نحو ثلاثة اشهر بعد “ابو محمد الاقليم” و”علاء البوسنة” وقبلهم نحو عشرين كادرا آخرين يعادلون الثلاثة خبرة واحترافا، وهو واقع يجيز طرح السؤال مجددا عن جدوى هذه “المغامرة ” التي اقدم عليها الحزب لحظة اخذ خيار الدخول الى الساحة السورية البالغة التعقيد والعصية على الحسم العسكري، او الانصياع الى مقتضيات تسوية سياسية تنهي المأساة.

ولا ريب ان هناك من استغل في الداخل اللحظة الدرامية لتصفية حساب قديم مفتوح فأباح لنفسه السؤال عما اذا كان الموارى الثرى عصر الجمعة الماضي في روضة الشهيدين هو نفسه القائد بدر الدين، ام ان الامر برمّته سيناريو بارع غايته سحب هذا الرجل الاسطوري “من التداول” بعدما كثر طلاب رأسه؟

كل ذلك تناهى الى علم دوائر القرار والتحليل في الحزب فسارعت الى ادراجه في خانة “بروباغندا” اعلامية – سياسية مرادها الاقصى تصوير ان الحزب في مأزق آخذ بالتعمق، لذا فهو غادر موقع الواثق بقدراته الى موقع المضطر الى “انتهاج اسلوب المداراة والمواراة “.

الدوائر عينها لا تنكر ان سقوط القائد بدرالدين ضربة موجعة للحزب لاعتبارات عدة ابرزها ان هذا القيادي هو واحد من ثلة محترفين صنعوا مسيرة الحزب العسكرية منذ التكوين الى النشوء فساهموا في تحوّله من مجموعة خلايا نزلت الى ميدان مقارعة الاحتلال الاسرائيلي الى ارتقائه الى مقام القوة الاقليمية العابرة للحدود والساحات.

لم يكن الحزب يوما في وارد ان هؤلاء القادة في حصن حصين وفي موقع يجنبهم السقوط، فهم ابناء الميدان المنذورين للموت ولهم خصوصية رمزية، فهم كرسوا بجهدهم الاستثنائي تجربة عسكرية ناجحة، وهم ايضا تجسيد لخط التواصل مع المقاومة الفلسطينية ايام عز عنفوانها والتي تمثل عصارة الجهد العربي المقاوم. لكن ذلك على اهميته لا يعني للحزب انه مضطر الى ان يسلك طريق المداراة وقلب الحقائق وبالتالي تبديد رصيده المتراكم من الصدقية وقول الحقائق كما هي. لذا لا يمكن الحزب ان يبرىء اسرائيل اذا كانت ضالعة او يتهرب من مهمة مواجهتها والرد على تحدياتها، وهي المهمة التي انوجد من اجلها اياً تكن العواقب والنتائج. الى ذلك فالحزب ما زال عند رأيه ان وجوده في الميدان السوري ضرورة استراتيجية بصرف النظر عن

الاثمان، ومواجهة الجماعات التكفيرية مسؤولية توازي مسؤولية جبه العدو الاسرائيلي، لا بل ازداد خلال الفترة الماضية قناعة بان هذه المجموعات اوجدها الخليط الذي انشأها اول مرة بهدف اساسي وهو محاربة الحزب حصرا وهو ما اكده الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في آخر اطلالة اعلامية له، وبالتالي فان سقوط بدر الدين حيث سقط انما هو جزء طبيعي من اثمان عمليات المواجهة والرد المتوجبة ولن يهز قناعات الحزب او يؤثر على خياراته.

النهار

 

 

 

تحقيقات اغتيال بدرالدين: كلمة السر مع نصرالله/ منير الربيع

تأخرت كثيراً إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله للحديث عن اغتيال القائد العسكري للحزب مصطفى بدرالدين.

عند اغتيال القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية، في العام 2008، أطلّ نصرالله بعد أقل من ثمانٍ وأربعين ساعة. حينها كانت كل المعطيات معروفة لدى الحزب، أما التأخير الحاصل اليوم، فمردّه هو عدم توافر نتيجة واضحة للتحقيقات في خصوص خلفيات الإغتيال. ورغم تأخير الإطلالة، شارك نصرالله شخصياً في تأبين بدر الدين. وتؤكد مصادر “المدن” أن نصرالله هو الذي أدى الصلاة على بدرالدين، في الخيمة التي جرت فيها مراسم التأبين. وهو الذي لقّنه الشهادتين. وقد تشدد أمن نصرالله وحرص على أن تكون مشاركة نصر الله خاصة وسريّة. وتفيد المعلومات أن مشاركة نصر الله في التأبين، كانت السبب في قصر المراسم.

منذ لحظة الاغتيال حتى اليوم، لم تتوقف الإتصالات بين “حزب الله” ودمشق وطهران وموسكو، وبين موسكو وواشنطن لتحديد حقيقة ما جرى. وتقول المصادر إن نصرالله يتابع شخصيّاً التحقيقات التي تجري في حلقة ضيقة جداً. وبالتالي فإن الأمين العام للحزب سيخرج يوم الجمعة المقبل في ذكرى أسبوع اغتيال بدرالدين، لإعلان ما توصلت إليه التحقيقات، ولا سيما أن الروايات عن العملية لا تزال غامضة أو غير مقنعة أو غير كاملة.

أولى الالتباسات هو إعلان الروس أنهم لم يرصدوا أي حركة جوية في محيط مطار دمشق قبل حصول عملية الاغتيال وبعدها. وكذلك فعل الأميركيون الذين أعلنوا في بيان أنهم لم يقوموا بأي حركة جويّة في سماء مطار دمشق. وتعتبر مصادر “المدن” أن هذا البيان محاولة أميركية لاستدراج الحزب إلى اتخاذ موقف واتهام أحد الأطراف، لكن الحزب لن ينجرّ إلى ذلك، ولن يستبق التحقيقات. فالأمر دقيق، وكذلك رد الحزب ووجهته ومكانه وزمانه، لذلك لن يتسرّع ولم يتسرّع في اتهام الإسرائيليين بما جرى، ولاسيما أنه ليس في وارد فتح باب الردّ على هذه العملية حالياً. علماً أن صحفاً إسرائيلية ذكرت أن “حزب الله” لم ولن يتهم إسرائيل كي يبقى حراً في رده، ورأت في ذلك تحضيراً لرد ضد إسرائيل لا يتبنّاه الحزب.

وفيما لا يُستبعد احتمال الصدفة في استهداف المكان الذي قُتل فيه بدرالدين، تعيد المصادر قراءة بيان “حزب الله”، الذي لم يحدد إذا ما كان بدرالدين مستهدفاً أم لا. وفي هذا الاطار يُطرح العديد من الأسئلة عن رصد بدرالدين، ومن قام بذلك، ومن استهدفه، ومن أصدر القرار بتنفيذ العملية؟ أما الاجابة عن هذه الأسئلة، فترجّح المصادر أن يقاربها نصرالله الجمعة، ليبقى بعضها من أسرار التحقيقات.

إلى ذلك، وانطلاقاً من المعلومة القائلة إن مكان مقتل بدرالدين كان قد شهد أو سيشهد اجتماعاً “رفيع المستوى” مع مسؤولين سوريين وإيرانيين، على جدول أعماله التحضير لعملية معينة في سوريا، تؤكد المصادر أن المكان يستقبل عادة مثل هذا النوع من الاجتماعات لكونه آمناً جداً، وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام في شأن كيفية الاستهداف، خصوصاً أن إصابات عدد من مرافقي بدرالدين غير بليغة، ولم يُقتل أحد غيره، بالإضافة إلى أن جسده لم يكن مشوهاً، بل مصاباً بشظايا في عنقه وخاصرته، وفق مصادر “المدن”.

كل الاحتمالات واردة حول ما جرى. وفيما لا يمكن إغفال فرضية وجود خرق أمني قد تعرّض له الحزب، سواء من داخله أم من خارجه، لا يمكن إغفال سؤال حول إذا ما كان بدرالدين أو الاجتماع هو المستهدف. فإذا كان بدرالدين هو المستهدف يعني أن القرار صادر عن دولة كبرى، إذ يصعب على مجموعة صغيرة تحمّل وزر العملية، تقول المصادر، وتسأل: “ما هي الخلفيّات؟”. وتضيف: “من الممكن رؤية بدرالدين ولكن ليس من السهل اتخاذ قرار بقتله، وقد كان حاضراً وأمام الجميع في تأبيني سمير القنطار وعلاء البوسنة، إلا أن إصدار قرار قتله ليس سهلاً أبداً، وبالتالي معرفة هوية المنفذ وطريقة التنفيذ ستكشف كثيراً”.

المدن

 

 

 

مقتل بدر الدين: سياق لإنهاء وظيفة “حزب الله”!/ محمد قواص

من حق «حزب الله» أن يقلق من العقوبات الأميركية المالية الصارمة ضده، كما من المنطقي أن يغضب من النظام المصرفي اللبناني، ابتداءً من المصرف المركزي، وأن يهدد بالرد على ما أسماه «حرب إلغاء». وجذور القلق نابعة من أن المزاج الأميركي ينفخ ريحاً سوداء ضد الحزب، تتجاوز ما هو تقني مالي، بحيث يأتي المزاج الخليجي العربي الإسلامي المدين للسلوك «الإرهابي» للحزب مكملاً لسياق دولي مستريب.

وفي رمزية مقتل قيادي الحزب مصطفى بدر الدين سياق يروم اغتيال الدور المفصلي لـ «حزب الله»، الذي يتجاوز بكثير ذلك اللبناني «المقاوم» الذي وُسِم به منذ إطلالات الحزب الأولى، ويندرج في إطار كونه أداة استراتيجية أساسية في خدمة «تصدير الثورة» في إيران.

بمعنى آخر، هناك في عقوبات واشنطن كما في المزاج الإقليمي العربي الإسلامي كما في اغتيال بدر الدين وعماد مغنية وسمير القنطار وغيرهم ما يروم شلّ دور الحزب في تصدير ثورة الولي الفقيه.

ولئن يعبّر ضجيج الحدث واللبس الرسمي في تبديل هوية القتلة من «العدو» إلى «التكفيري»، عن تخبط في أجندات «حزب الله» وفوضاه في تحديد اتجاه بوصلة «جمهور المقاومة»، فإن مقتل بدر الدين وفّر مناسبة للتذكير بـ «الوظيفة» الحقيقية لـ «حزب الله»، السابق واللاحق على مسألة تحرير أراض لبنانية محتلة، والتي من أجلها استثمرت طهران فيه عقيدة ومالاً وتدريباً وتسليحاً، بمستويات فاقت قطاعات سياسية وعسكرية داخل إيران نفسها.

يمثّل نشاط مصطفى بدر الدين العدائي ضد الكويت جانباً من مهمات الحزب لخدمة الأجندة الإيرانية في المنطقة والعالم. فاستهداف الكويت، مثلاً، بقي ثابتاً في الخطط الإيرانية سواء بالطبعة التي قدمها بدر الدين في الثمانينات، أو بخلية الحزب التي ألقي القبض عليها العام الماضي.

دشّن الحزب حضوره في الثمانينات بعمليات خطف لمواطنين أجانب في بيروت، كما بعمليات خارجية في أوروبا، كما خطف طائرات مختلفة الجنسيات. وفي كل مرة كان حافز العمليات نزاعٌ إقليمي أو دولي مع إيران تتم التسوية في شأنه مع الحاكم في طهران. ولا ريب أن شخصية عماد مغنية، صهر بدر الدين، تمثّل أيضاً في مضمون أدواره نموذجاً آخر من وظيفة «حزب الله» الحقيقية، كما أن أدوار الحزب في سورية والعراق واليمن والبحرين… إلخ، تسحب البساط من «لبنانية» الحزب الذي يحرص قادته على تأكيدها، لا سيما لدى الشيعة في لبنان.

ومنطقي أن يسخّر الحزب المرتبط مع طهران عقائدياً وسياسياً ومالياً جهده في خدمة الدفاع عن النظام الإيراني ومصالحه، شأنه في ذلك شأن أحزاب عقائدية ارتبطت «أمميتها» مع المركز في موسكو أو «قوميتها» مع المركز في بغداد مثلاً. لكن ما هو غير مقبول أن تعمل آلة الحزب على جرّ طائفة بأكملها، في لبنان وغيره، للوقوف خلف مهماته في الكويت أو الأرجنتين أو بلغاريا أو حتى في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولكل حالة أوردناها، مثلاً لا حصراً، ملفات قضائية ذات مرجعيات قانونية تثبت التورّط من دون لبس ولا تردد.

لن يسمح العالم بعد الآن لإيران بتصدير ثورتها، كما لا يروم المجتمع الإيراني، الذي صوّت بكثافة للتيار الإصلاحي، الترويج لهذه السلعة وتمويل تسويقها. في ذلك أن مفاعيل الاتفاق النووي تستدعي نقل إيران من دولة «ثورة» إلى دولة «بزنس»، وأن الإنفتاح المتوخى على إيران، والذي ما زال دونه استعصاء النظام المصرفي العالمي، يتطلب تأهيلها لحسن استيعاب الاستثمارات التي سيسوقها العالم نحو إيران، وأن امتدادات إيران في الشكل الذي يمثّله «حزب الله» بات مرفوضاً تجوز مكافحته بمفاعيل مالية وبحصار إقليمي يحوله «إرهابياً» وبتصفية قيادات ورموز واكبت ورشَه التصديرية السابقة.

يدرك «حزب الله» حجم التحوّلات التي طرأت والتي ستطرأ على واقعه ومهماته ومستقبله. يكتشف من خلال الانتخابات البلدية في لبنان أنه لم يعد حزب «المقاومة» الذي لا يُناقش. بات التمرد على سطوة الحزب روتينياً في سياق التنافس بين «الأهالي» لإدارة شؤون بلدياتهم، ذلك أن بيئة الحزب ليست معنية بأجندته الخارجية التابعة حرفياً لقرار المرشد في إيران، لا سيما في سورية، وهي لم تعد معنية بهالة «المقاومة»، إلا في إطار المداراة وتجنب القفز من السفينة التي وضع الحزب الطائفة فيها خلال العقود الأخيرة.

لن تتوقف سُبحة الإغتيالات التي ستطال رموزاً وقيادات داخل «حزب الله» تلعب أو لعبت أدواراً في خدمة الأجندة الإيرانية الخارجية. لن تكون موسكو بعيدة عن المزاج الدولي في هذا الإطار، على نحو يتيح للمراقبين أن يلاحظوا ارتفاع عدد الجنرالات الإيرانيين القتلى في الحرب السورية، كما تصاعد استهداف مصالح «حزب الله» في هذا البلد. وربما من الحكمة تأمل نفي الحزب بعد «التحقيق»، أي مسؤولية لإسرائيل في قتل مصطفى بدر الدين، على نحو قد يؤسس لتغير هوية العدو الحقيقي للحزب وتبدل عقيدته العسكرية.

* صحافي وكاتب لبناني

الحياة

 

 

 

تصفية مصطفى بدرالدين وهدايا ما بعد النووي/ شادي علاء الدين

حرصت إيران على تضمين كل رسائل التعزية بمقتل القيادي البارز في حزب الله مصطفى بدرالدين اتهاما مباشرا وواضحا لإسرائيل، على عكس ما أعلنت عنه قيادة الحزب في بياناتها التي اتهمت الجماعات التكفيرية بتنفيذ العملية التي أودت بحياته، والتي كانت وفق الحزب عبر قصف مدفعي.

الصحافي الفرنسي المعروف والمتخصص في قضايا الإرهاب، جورج مالبرونو، أعلن أن حزب الله طلب من وسائل الإعلام عدم إيراد إسرائيل ضمن قائمة المتهمين في قضية مقتل مصطفى بدرالدين.

التناقض بين إيران وحزب الله يعكس أجواء قد لا يكون الحزب فيها درة تاج الإمبراطورية الإيرانية المزعومة، بل عبئا يجب التخلص منه للشروع في تنفيذ المفاعيل غير المعلنة للاتفاق النووي مع الشيطان الأكبر، الذي تترجح فرضية احتوائه على بنود سرية تصب في صالح تصفية كل العناصر المتورطة في الاعتداء على الشخصيات أو المصالح الأميركية.

تسعى إيران إلى تمكين حلفها مع أميركا وهو الحلف الذي كانت تعتقد أنه سيكون تاما ومنجزا فور توقيع الاتفاق النووي وأنه سيضمن لها التفوق على كل جيرانها، والتحول إلى القوة العظمى التي تُرسم سياسات المنطقة انطلاقا من خصوصية توجهاتها ومصالحها. تقلص الطموح الإيراني مع التحولات السعودية التي أظهرت نزوعا حربيا مواجها لم يكن مألوفا، ومع ظهور ملامح وعي شيعي عراقي يعتبر الوجود الإيراني في العراق بمثابة احتلال للبلاد ونهب لمواردها. دفعت هذه التطورات إيران إلى تحجيم طموحاتها لتقتصر على الإبقاء على النظام الذي يشهد، بدوره، تحولات عميقة في بنيته طالت الهالة المقدسة التي كان يتمتع بها الولي الفقيه، وجعلت دوره ومكانته محل نقاش سياسي، وهو أمر كان مستحيلا التفكير به في مراحل سابقة.

ضرورات الحفاظ على النظام تستوجب تجرع الكثير من كؤوس السمّ كما أسمى المرشد الاتفاق النووي مع الشيطان الأكبر، ولكن ليست كؤوس السم جميعها على نفس الدرجة من السمية فهناك سم أهون من سم. من هنا يبدو منطقيا أن يعمد النظام الإيراني إلى تنقية نفسه من العناصر التي تعرف الكثير من الأسرار من قبيل السفير الإيراني السابق في لبنان، غضنفر ركن أبادي، وبعض ضباط الحرس الثوري الذين صارت أخبار سقوطهم المتواصل وغير المنطقي في سوريا جزءا من السياقات اليومية للحريق السوري. يضاف إلى ذلك تصفية كل العناصر التابعة لحزب الله والتي ترتبط بملفات شائكة تطال الأميركيين، وترتبط بملف اغتيال رفيق الحريري الذي قد تقود التحقيقات فيه إلى الكشف عن ضلوع إيراني في المسؤولية عنه، وهو ما سيضعها في مواجهة لا تريدها مع المحكمة الدولية.

التضحية الإيرانية بمصطفى بدرالدين احتمال قد يكون مرجحا على سائر الاحتمالات، لأن هذا الرجل هو صندوق معلومات عميق يحتوي على أسرار العمليات التي طالت أميركيين، إضافة إلى الكثير من الملفات الحساسة.

إحراق هذا الصندوق وإتلاف محتوياته من الضرورات القصوى للسياسة الإيرانية الجديدة التي تعتبر أن فتح الصفحة الجديدة مع أميركا تتطلب تنظيف الملفات السوداء جميعها. قيادات حزب الله لا تتمتع أمام هذا السياق الاستراتيجي بأي حصانة خاصة، لا بل وعلى العكس من ذلك، بدت قيادات الحزب وكأنها القربان المثالي التي يمكن تقديمه ثمنا للتطورات المتسارعة في العلاقات الأميركية-الإيرانية.

تحرم إيران الحزب من استخدام العنوان الإسرائيلي الذي طالما كان الحجة التي يستخدمها لتعطيل كل سجال معه، وتحويل كل خلاف سياسي معه أو انتقاد لمشاريعه إلى سياق تخويني. العنوان التكفيري الذي تريد إيران أن تحصر عمل الحزب حاليا ضمن حدوده الآن لا يستطيع منافسة وهج وحرارة ومتانة العنوان الإسرائيلي. استغلال جنازة بدرالدين في منطقة الغبيري من أجل منح عنوان الخطر التكفيري، الذي يتخذ شكل العداء للسعودية، زخما يتفوق على العداء لإسرائيل الذي شكل صورة الحزب، بدا وكأنه طموح كاريكاتوري من ناحية ويائس من ناحية ثانية.

تسعى إيران إلى التعامل مع المجتمع الدولي بوصفها دولة، وليس بوصفها حزبا أو ميليشيا. شكل الخطاب في هذه الحالة واتهام إسرائيل لا يسمحان بالركون إلى منطق التهـديد والوعيد، بل ويتيحان الفرصة أمام ظهور صيغة ملتبسة تهدر فيها حقيقة مقتل بدرالدين وتطمس معالمها بشكل تام.

ترمي إيران جثة بدرالدين وحقيقة اغتياله في غابة اتهام إسرائيل في لحظة انطلاق مسارات التسويات الكبرى التي ستسبقها مجازر كبرى.

لن تقتصر ضحايا هذه المجازر على الناس والأمكنة والتاريخ وحسب.

المطلوب قبل كل شيء هو إهدار دم الحقائق، كي يمكن بناء منطقة الأزمات المشتعلة على أساس متين من الأوهام الصلبة والحقائق المحترقة، والتي لم تكن تصفية بدرالدين سوى أحد سياقاتها الدموية.

كاتب لبناني

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى